دعاء الاموات لمشاري

نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}}

نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}}

نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}}

 نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}

Translate

الاثنين، 6 مارس 2023

ج1.قطوف مختارة من تفسير سورة البقرة الجزء الأول - الآيات 1 - 57 . الدكتور شاذل رشان الموصل - العراق

قطوف مختارة من تفسير سورة البقرة

الجزء الأول - الآيات 1 - 57 .

الدكتور شاذل رشان الموصل - العراق

الإصدار الأول

1438هـ - 2016م

المقدمة

 

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

اللهم صل على محمَّد وعلى آل محمَّد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمَّد وعلى آل محمَّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) ﴾([1]) .

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَــــاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَـــــامَ إِنَّ اللَّهَ كَــــــانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًـــا (1) ﴾([2]).

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) ﴾([3]).

 

أما بعد:

 

هذه جملة فوائد من تفسير سورة البقرةمختارة من تفاسير الأئمة الأعلام: القرطبي وأبو حيان الأندلسي وعبد الرحمن السعدي ومحمد صالح العثيمين وآخرون، وقد تضمنت أحكاموقواعد وفوائد ولطائف وتوضيح للغويات، وذلك بتعداد نقطي وأسلوب جلي مبسّط، ومنهج بعيد عن الإطالة المملّة، والإيجاز المخلّ.

 

أسأل الله أن ينفع بها وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح إنه خير مسؤول.

 

وقد وسمته ﺒ ( قطوف مختارة من تفسير سورة البقرة ).

 

وسورة البقرة نزلت بالمدينة،وهي أول سورة نزلت بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.

 

وعدد آياتها: مائتان وست وثمانون آية.

 

وعدد كلماتها: ستة آلاف ومائة وإحدى وعشرون كلمة.

 

وعدد حروفها: خمسة وعشرون ألفا وخمسمائة حرف.[4]

 

وقد ورد في السنة النبوية فضائل لسورة البقرة:

 

روى الإمام مسلم/ باب: في قراءة القرآن وسورة البقرة وآل عمران: عن أَبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيّ ([5])رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اقْرَؤوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا يأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ[6] مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ". قَالَ مُعَاوِيَةُ[7] بَلَغَنِي أَنَّ الْبَطَلَةَ: السَّحَرَةُ.

 

وروى الحاكم في المستدرك:

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سَنَامًا ، وَإِنَّ سَنَامَ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ " وقال: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ "

 

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ ([8])، قَالَ: " اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي بُيُوتِكُمْ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ " وقال: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ "

 

وإنما كانت سنام القرآن، أي ذروته لأنها اشتملت على جملة ما فيه من أحوال الإيمان وفروع الإسلام.[9]

 

وقيل: سنام كل شيء أعلاه وهذا ليس علما لها ولكنه وصف تشريف. وكذلك قول خالد بن معدان([10])إنها:(فسطاط القرآن)، والفسطاط ما يحيط بالمكان لإحاطتها بأحكام كثيرة.[11]

 

وسميت سورة البقرة ﺒ (سنام القرآن) إما لطولها واحتوائها على أحكام كثيرة، أو لما فيها من الأمر بالجهاد، وبه الرفعة الكبيرة"([12]).

 

وسماها خالد بن معدانفسطاط القرآن، وذلك لعظمها ولما جمع فيها من الأحكام التي لم تذكر في غيرها"([13])، والفسطاط: البيت من الشَّعر([14]).

 

والله أسأل أن ينفعنا بما علّمنا، ويعلّمنا ما ينفعنا، ويزيدنا علما، كما أسأله أن يعم النّفع كلّ مسلم ومسلمة بهذا الكتاب، وأن يلهمنا جميعا الرّشاد والسّداد، وأن يوفقنا للعمل بكتاب الله في كلّ مناحي الحياة، دستورا وعقيدة ومنهجا وسلوكا، وأن يهدينا إلى سواء الصراط، ﴿ صِرَاطِ اللهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴾([15]).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الدكتور

شاذل عبد احمد رشان

 

الموصل في 1 صفر 1438ه

 

الموافق 1 تشرين الثاني 2016م

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسم الأول: الآية 1-5

 

 

 

الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            لَا رَيْبَ فِيهِ: الرّيب: مصدر راب، ورابه الأمر: إذا حصل عنده فيه ريبة، والريب هو الشك مع قلق النفس واضطرابها.

 

·            الْمُتَّقِينَ: التقوى هي امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه.

 

·            الْغَيْبِ: ما غاب عن الإنسان، وهو يقابل المحسوس، ومن الغيب الله، والجنة والنار.

 

·            وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ: إقامة الصلاة: تأديتها تامة بأركانها، والمداومة عليها.

 

·            يُوقِنُونَ: اليقين: الاعتقاد الجازم المطابق للواقع بحيث لا يطرأ عليه شك ولا تحوم حوله شبهة.

 

·            الْمُفْلِحُونَ: الفائزون، والفلح: الشق والقطع، فالمفلح الذي يشق طريقه ويصل غايته.

 

·            أسند الهداية للقرآن وهو من الإِسناد للسبب، والهادي في الحقيقة هو الله ربُّ العالمين ففيه مجاز عقلي.

 

·            الإِشارة بالبعيد عن القريب ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ ﴾ للإِيذان بعلو شأنه، وبعد مرتبته في الكمال، فنُزِّل بُعْد المرتبة منزلة البعد الحسي([16]).

 

·            رفعة القرآن من جهة أنه قرآن مكتوب معتنىً به، لقوله تعالى﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾، وقد بيّنّا أنه مكتوب في ثلاثة مواضع: اللوح المحفوظ، والصحف التي بأيدي الملائكة، والمصاحف التي بأيدي الناس ([17]).

 

·            تقوية الإيمان بالله تعالى وكتابه ورسوله، الحث على طلب الهداية من الكتاب الكريم([18]).

 

·            هذا القرآن نزل من عند الله يقيناً، لقوله تعالى: ﴿لا رَيْبَ فِيه﴾ ([19]).

 

·            لا ريب فيه عند الله ورسوله والمؤمنين، أو هو نفي معناه النّهي:

أي لا ترتابوا في أنه من عند الله تعالى، ونظيره قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها﴾ ([20])([21]).

 

·            إنّما صاروا متّقين بما استفادوا من الهدى، أو أراد أنه ثبات لهم على الهدى وزيادة فيه، أو خصّهم بالذكر لأنّهم هم الفائزون بمنافعه حيث قبلوه واتّبعوه، كقوله تعالى: ﴿إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها﴾ ([22])([23]).

 

·            أن المهتدي بهذا القرآن هم المتقون، فكل من كان أتقى لله كان أقوى اهتداءً بالقرآن الكريم، لأنه عُلِّق الهدى بوصف، والحكم إذا عُلق بوصف كانت قوة الحكم بحسب ذلك الوصف المعلَّق عليه، لأن الوصف عبارة عن علة، وكلما قويت العلة قوي المعلول([24]).

 

·            لقد كان الإيمان بالغيب هو مفرق الطريق في ارتقاء الإنسان عن عالم البهيمة. ولكن جماعة الماديين في هذا الزمان، كجماعة الماديين في كل زمان، يريدون أن يعودوا بالإنسان القهقرى.. إلى عالم البهيمة الذي لا وجود فيه لغير المحسوس([25]).

 

·            الصلاة بدون خشوع وتأمل في المقروء فيها وتدبر للمعاني القرآنية وخشية للّه جسم بلا روح([26]).

 

·            ﴿وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ﴾.. فهم يعترفون ابتداء بأن المال الذي في أيديهم هو من رزق الله لهم، لا من خلق أنفسهم ومن هذا الاعتراف بنعمة الرزق ينبثق البر بضعاف الخلق، والتضامن بين عيال الخالق، والشعور بالآصرة الإنسانية، وبالأخوة البشرية.. وقيمة هذا كله تتجلى في تطهير النفس من الشح، وتزكيتها بالبر. وقيمتها أنها ترد الحياة مجال تعاون لا معترك تطاحن، وأنها تؤمن العاجز والضعيف والقاصر، وتشعرهم أنهم يعيشون بين قلوب ووجوه ونفوس، لا بين أظفار ومخالب ونيوب! والإنفاق يشمل الزكاة والصدقة، وسائر ما ينفق في وجوه البر. وقد شرع الإنفاق قبل أن تشرع الزكاة، لأنه الأصل الشامل الذي تخصصه نصوص الزكاة ولا تستوعبه([27]).

 

·            الهدى نوعان: عام، وخاص، أما العام فهو الشامل لجميع الناس وهو هداية العلم، والإرشاد، ومثاله قوله تعالى عن القرآن: ﴿هدًى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان﴾([28])، وقوله تعالى عن ثمود: ﴿وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى﴾([29])، وأما الخاص فهو هداية التوفيق: أي أن يوفق الله المرء للعمل بما علم، مثاله: قوله تعالى ﴿هدًى للمتقين﴾، وقوله تعالى: ﴿قل هو للذين آمنوا هدًى وشفاء﴾([30]).

 

·            ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾.. وهي الصفة اللائقة بالأمة المسلمة، وارثة العقائد السماوية، وقيمة هذه الصفة هي الشعور بوحدة البشرية، ووحدة دينها، ووحدة رسلها، ووحدة معبودها.. قيمتها هي تنقية الروح من التعصب الذميم ضد الديانات والمؤمنين بالديانات ما داموا على الطريق الصحيح.. قيمتها هي الاطمئنان إلى رعاية الله للبشرية على تطاول أجيالها وأحقابها([31]).

 

·            تكرار الإِشارة ﴿أولئك على هُدًى﴾ ﴿وأولئك هُمُ المفلحون﴾ للعناية بشأن المتقين، وجيء بالضمير ﴿هُمُ﴾ ليفيد الحصر كأنه قال: هم المفلحون لا غيرهم([32]).

 

 

 

 

 

....................

 

............

 

.......

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسم الثاني: الآية 6-10

 

 

 

 

 

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ(10)

 

 

 

 

 

 

 

 

·            كَفَرُوا: الكفر ضد الإيمان، وهو من الكَفْرِ بمعنى ستر الشيء وتغطيته، ويعني هنا ستر الحق والفطرة.

 

·            سَواءٌ عَلَيْهِمْ: مستو عندهم.

 

·            أَأَنْذَرْتَهُمْ:الإنذار: هو إخبار معه تخويف مع مهلة وإشعار.

 

·            خَتَمَ: الختم: الوسم بطابع ٍ ونحوه، مأخوذ من وضع الخاتم على الشيء، ويعمل فيه للإستيثاق.

 

·            القَلْب: الفؤاد، سمّي قلبا لتقلّبه بالخواطر والعزوم. وهو محلّ العزم والفكر والعلم والقصد.

 

·            غِشاوَةٌ: ما يُغَطى به الشيء، من غشاه إذا غطّاهُ وستره.

 

·            يُخَادِعُونَ:الخدع: هو فعل أو قول يوهم صاحبه إرادة الخير لغيره وهو يريد خلافه.

 

·            يَشْعُرُونَ: الشعور يطلق على العلم بالأشياء الخفية.

 

·            العَذَابٌ: إيصال الألم حالا بعد حال. وقيل: أصله استمرار للشيء.

 

·            العَظِيمٌ: الدائم الذي لا ينقطع. والعظم في الأصل: الزّيادة على المقدار، ثم ينقسم إلى عظم الشّأن وعظم الأجسام.

 

·            فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: أي شكّ ونفاق، يقال: أصل المرض الفتور، فهو في القلب فتور عن الحق، وفي الأبدان فتور الأعضاء، وفي العيون فتور النّظر.

 

·            ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ هِذه الآية عَامَّةُ فِيمَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ، وَسَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ يَمُوتُ عَلَى كُفْرِهِ. أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُعْلِمَ أَنَّ فِي النَّاسِ مَنْ هَذِهِ حَالُهُ دُونَ أَنْ يُعَيِّنَ أَحَدًا([33]).

 

·            قوله تعالى: ﴿سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾: هذا تسلية من الله لرسوله r لا اعتذاراً للكفار، ولا تيئيساً له r ([34]).

 

·            تسلية للنّبي rعن تكذيب قومه له، فلا تحسّر عليهم، ولا طمع في إيمانهم، ولا لوم عليه فيهم([35]).

 

·            ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ﴾ فَالْخَتْمُ عَلَى الْقُلُوبِ: عَدَمُ الْوَعْيِ عَنِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ مَفْهُومَ مُخَاطَبَاتِهِ وَالْفِكْرَ فِي آيَاتِهِ. وَعَلَى السَّمْعِ: عَدَمُ فَهْمِهِمْ لِلْقُرْآنِ إِذَا تُلِيَ عَلَيْهِمْ أَوْ دُعُوا إِلَى وَحْدَانِيَّتِهِ. وَعَلَى الْأَبْصَارِ: عَدَمُ هِدَايَتِهَا لِلنَّظَرِ فِي مَخْلُوقَاتِهِ وَعَجَائِبِ مَصْنُوعَاتِهِ، هَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ. وفِي هَذِهِ الْآيَةِ أَدَلَّ دَلِيلٍ وَأَوْضَحَ سَبِيلٍ عَلَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَالِقُ الْهُدَى وَالضَّلَالِ، وَالْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ([36]).

 

·            "الختم": الطبع، و"الطبع" هو أن الإنسان إذا أغلق شيئاً ختم عليه من أجل ألا يخرج منه شيء، ولا يدخل إليه شيء، وهكذا فهؤلاء والعياذ بالله. قلوبهم مختوم عليها لا يصدر منها خير، ولا يصل إليها خير([37]).

 

·            ﴿ خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾ أسند الختم على قلوبهم وعلى أسماعهم وأبصارهم إلى اللّه تعالى، تنبيها على سنة اللّه في أمثالهم([38]).

 

·            ﴿ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ ﴾ تقديم السمع على البصر في عدة آيات من القرآن يفيد أن حاسة السمع أنفع من حاسة البصر، وهو كذلك والعقل أعظم([39]).

 

·            قوله تعالى: ﴿وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ﴾: أي غطاء يحول بينها وبين النظر إلى الحق، ولو نظرت لم تنتفع([40]).

 

·            من اسرار البيان تقديم القلب وتأخيره في سورة البقرة والجاثية، في قوله تعالى: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾([41])وقوله تعالى:﴿وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً﴾([42])فقدم القلوب على السمع في البقرة وقدم السمع على القلب في الجاثية وذلك لأنه في البقرة ذكر القلوب المريضة فقال ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾ ([43])،فقدم القلوب لذلك. وفي الجاثية ذكر الأسماع المعطلة فقال ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ ([44])فقدم السمع. فوضع كل لفظة في المكان الذي يناسبها.

 

ثم إن آية البقرة ذكرت صنفين من أصناف الكافرين من هم أشد ضلالاً وكفراً ممن ذكرتهم آية الجاثية فقد جاء فيها قوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ ([45])وجاء في الجاثية قوله ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾([46])فقد ذكر في البقرة أن الإنذار وعدمه عليهم سواء وأنهم ميؤوس من إيمانهم ولم يقل مثل ذلك في الجاثية. ثم كرر حرف الجر ﴿على﴾ مع القلوب والأسماع في آية البقرة مما يفيد توكيد الختم فقال ﴿عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ﴾ ولم يقل مثل ذلك في الجاثية بل انتظم الأسماع والقلوب بحرف جر واحد فقال ﴿ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ ﴾. ثم قال في البقرة ﴿وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾ بالجملة الإسمية والجملة الإسمية كما هو معلوم تفيد الدوام والثبات ومعنى ذلك أن هؤلاء لم يسبق لهم أن أبصروا وإنما هذا شأنهم وخلقتهم فلا أمل في إبصارهم في يوم من الأيام. في حين قال في الجاثية ﴿وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً﴾ بالجملة الفعلية التي تفيد الحدوث ومعلوم أن ﴿جعل﴾ فعل ماض ومعنى ذلك أن الغشاوة لم تكن قبل الجعل يدلك على ذلك قوله تعالى ﴿وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ مما يدل على أنه كان مبصراً قبل ترديه. ثم ختم آية البقرة بقوله ﴿وله عذاب عظيم﴾ ولم يقل مثل ذلك في آية الجاثية. فدل على أن صفات الكفر في البقرة أشد تمكناً فيهم. ولذا قدم ختم القلب على ما سواه لأنه هو الأهم فإن القلب هو محل الهدى والضلال وإذا ختم عليه فلا ينفع سمع ولا بصر قال تعالى ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾([47]).وقال r: " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب"؟ فكان تقديم القلب في البقرة أولى وأنسب كما أن تقديم السمع في الجاثية أنسب([48]).

 

·            إن من حقت عليه كلمة العذاب فإنه لا يؤمنمهما كان المنذِر والداعي، لأنه لا يستفيد. قد ختم الله على قلبه.، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾ ([49])، وقال تعالى: ﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ﴾([50]) يعني هؤلاء لهم النار، انتهى أمرهم، ولا يمكن أن تنقذهم.

 

·            إذا كان الإنسان لا يشعر بالخوف عند الموعظة، ولا بالإقبال على الله تعالى فإن فيه شبهاً من الكفار الذين لا يتعظون بالمواعظ، ولا يؤمنون عند الدعوة إلى الله ([51]).

 

·            ﴿عَذابٌ عَظِيمٌ﴾  وَالْعَذَابُ مِثْلُ الضَّرْبِ بِالسَّوْطِ وَالْحَرْقِ بِالنَّارِ وَالْقَطْعِ بِالْحَدِيدِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُؤْلِمُ الْإِنْسَانَ. وَفِي التَّنْزِيلِ:﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ  مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ([52])  وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْحَبْسِ وَالْمَنْعِ. وسُمِّيَ الْعَذَابُ عَذَابًا لِأَنَّ صَاحِبَهُ يُحْبَسُ وَيُمْنَعُ عَنْهُ جَمِيعُ مَا يُلَائِمُ الْجَسَدَ مِنَ الْخَيْرِ ويهال عليه أضدادها([53]).

 

·            ﴿وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾.. وهي النهاية الطبيعية للكفر العنيد، الذي لا يستجيب للنذير والذي يستوي عنده الإنذار وعدم الإنذار كما علم الله من طبعهم المطموس العنيد([54]).

 

·            ﴿النَّاسُ﴾ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْجُمُوعِ، جَمْعُ إِنْسَانٍ وَإِنْسَانَةٍ، عَلَى غَيْرِ اللَّفْظِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَسِيَ آدَمُ عَهْدَ اللَّهِ فَسُمِّيَ إِنْسَانًا. وَقِيلَ: سُمِّيَ إِنْسَانًا لِأُنْسِهِ بِحَوَّاءَ. وَقِيلَ: لِأُنْسِهِ بِرَبِّهِ([55]).

 

·            ﴿ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ الْيَوْمِ الْآخِرِ سمّي بذلك لأنه بعد أيام الدنيا، وقيل: لأنه آخر يوم يلي ليلة([56]).

 

·            أن المنافقين ليسوا بمؤمنين. وإن قالوا: إنهم مؤمنون.، لقوله تعالى: ﴿ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾، ولكن هل هم مسلمون؟ إن أريد بالإسلام الاستسلام الظاهر فهم مسلمون، وإن أريد بالإسلام إسلام القلب والبدن فليسوا بمسلمين([57]).

 

·            ﴿ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾ فَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى الْكَرَّامِيَّةِ حَيْثُ قَالُوا: إِنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ بِالْقَلْبِ،  وَهَذَا مِنْهُمْ قُصُورٌ وَجُمُودٌ، وَتَرْكُ نَظَرٍ لِمَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ مِنَ الْعَمَلِ مَعَ الْقَوْلِ وَالِاعْتِقَادِ. وسُمِّيَ الْمُنَافِقُ مُنَافِقًا لِإِظْهَارِهِ غَيْرَ مَا يُضْمِرُ، تَشْبِيهًا بِالْيَرْبُوعِ، لَهُ جُحْرٌ يُقَالُ لَهُ: النَّافِقَاءُ، وَآخَرُ يُقَالُ لَهُ: الْقَاصِعَاءُ([58]).

 

·            نجد هذا النوع من المنافقين من علية الناس الذين لا يجدون في أنفسهم الشجاعة ليواجهوا الحق بالإيمان الصريح، أو يجدون في نفوسهم الجرأة ليواجهوا الحق بالإنكار الصريح. وهم في الوقت ذاته يتخذون لأنفسهم مكان المترفع على جماهير الناس([59]).

 

·            ﴿ يُخَادِعُونَ اللهَ ﴾ أي بإظهار إسلامهم الذي يعصمون به دماءهم، وأموالهم([60]).

 

·            ﴿ يُخادِعُونَ اللَّهَ﴾ أَيْ يُفْسِدُونَ إِيمَانَهُمْ وَأَعْمَالَهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى بِالرِّيَاءِ([61]).

 

·            مكر المنافقين، وأنهم أهل مكر، وخديعة، لقوله تعالى: ﴿ يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ ﴾، ولهذا قال الله تعالى: ﴿ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ﴾([62])، فحصر العداوة فيهم، لأنهم مخادعون..

 

·            ﴿ وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ ﴾ نَفْيٌ وَإِيجَابٌ، أَيْ مَا تَحِلُّ عَاقِبَةُ الْخَدْعِ إِلَّا بِهِمْ. وَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَمْ يَعْرِفُوا اللَّهَ إِذْ لَوْ عَرَفُوهُ لَعَرَفُوا أَنَّهُ لَا يُخْدَعُ([63]).

 

·            تهديد للمنافقين بأن معركتهم ليست مع المؤمنين وحدهم إنما هي مع الله القوي الجبار القهار. وأنهم إنما يحاربون الله حين يحاربون أولياءه، وإنما يتصدون لنقمة الله حين يحاولون هذه المحاولة اللئيمة.وهذه الحقيقة من جانبيها جديرة بأن يتدبرها المؤمنون ليطمئنوا ويثبتوا ويمضوا في طريقهم لا يبالون كيد الكائدين، ولا خداع الخادعين، ولا أذى الشريرين. ويتدبرها أعداء المؤمنين فيفزعوا ويرتاعوا ويعرفوا من الذي يحاربونه ويتصدون لنقمته حين يتصدون للمؤمنين([64]).

 

·            العمل السيئ قد يُعمي البصيرة، فلا يشعر الإنسان بالأمور الظاهرة، لقوله تعالى: ﴿ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ أي ما يشعرون أنهم يخدعون أنفسهم، و "الشعور" أخص من العلم، فهو العلم بأمور دقيقة خفية، ولهذا قيل: إنه مأخوذ من الشَّعر، والشعر دقيق، فهؤلاء الذين يخادعون الله، والرسول، والمؤمنين لو أنهم تأملوا حق التأمل لعرفوا أنهم يخدعون أنفسهم، لكن لا شعور عندهم في ذلك، لأن الله تعالى قد أعمى بصائرهم. والعياذ بالله.، فلا يشعرون بهذا الأمر([65]).

 

·            ﴿ وَما يَشْعُرُونَ﴾ أَيْ يَفْطِنُونَ أَنَّ وَبَالَ خَدْعِهِمْ رَاجِعٌ عَلَيْهِمْ، فَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا بِخَدْعِهِمْ وَفَازُوا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، وَفِي الْآخِرَةِ يُقَالُ لَهُمُ:﴿ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً﴾([66]).

 

·            ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ﴾ المرضُ في الأجسام حقيقة وقد كنى به عن النفاق لأن المرض فسادٌ للبدن، والنفاق فساد للقلب([67]).

 

·            ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ وَالْمَرَضُ عِبَارَةٌ مُسْتَعَارَةٌ لِلْفَسَادِ الَّذِي فِي عَقَائِدِهِمْ. وَذَلِكَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ شَكًّا وَنِفَاقًا، وَإِمَّا جَحْدًا وَتَكْذِيبًا. وَالْمَعْنَى: قُلُوبُهُمْ مَرْضَى لِخُلُوِّهَا عَنِ الْعِصْمَةِ وَالتَّوْفِيقِ وَالرِّعَايَةِ وَالتَّأْيِيدِ([68]).

 

·            إذا لم يكن للإنسان إقبال على الحق، وكان قلبه مريضاً فإنه يعاقب بزيادة المرض، لقوله تعالى: ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا ﴾، وهذا المرض الذي في قلوب المنافقين: شبهات، وشهوات، فمنهم من علم الحق، لكن لم يُرِده، ومنهم من اشتبه عليه، وقد قال الله تعالى في سورة النساء: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا ﴾([69])، وقال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴾([70]).

 

·            ﴿ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً﴾ قِيلَ: هُوَ دُعَاءٌ عَلَيْهِمْ. وَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: زَادَهُمُ اللَّهُ شَكًّا وَنِفَاقًا جَزَاءً عَلَى كُفْرِهِمْ وَضَعْفًا عَنْ الِانْتِصَارِ وَعَجْزًا عَنِ الْقُدْرَةِ، وَقِيلَ: هُوَ إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ زِيَادَةِ مَرَضِهِمْ، أَيْ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا إِلَى مَرَضِهِمْ([71]).

 

·            أسباب إضلال اللَّهِ العبدَ هو من العبد، لقوله تعالى: ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا ﴾، ومثل ذلك قولـــــــــــه تعــــالى: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ ﴾ ([72])، وقوله تعالى: ﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ ([73])، وقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ﴾ ([74]).

 

·            المعاصي والفسوق، تزيد وتنقص، كما أن الإيمان يزيد وينقص، لقوله تعالى: ﴿ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا ﴾، والزيادة لا تُعقل إلا في مقابلة النقص، فكما أن الإيمان يزيد وينقص، كذلك الفسق يزيد، وينقص، والمرض يزيد، وينقص([75]).

 

·            ذم الكذب، وأنه سبب للعقوبة، فإن الكذب من أقبح الخصال، وقد بين رسول الله rأن الكذب من خصال المنافقين، فقال r "آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ([76]).والكذب مذموم شرعاً، ومذموم عادة، ومذموم فطرة أيضاً([77]).

 

..........................................

 

..................................

 

..........................

 

....................

 

...............

 

..........

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسمالثالث: الآية 11-16

 

 

 

 

 

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            الْمُفْسِدُونَ: الإفساد: خروج الشيء عن حالة الاعتدال، وضده الصلاح، تقول: فسدت التفاحة، إذا عفنت.

 

·            السُّفَهَاءُ: السفه: أصله الخفة والرقة والاضطراب، وشاع في خفة العقل وضعف الرأي.

 

·            خَلَوْا: انفردوا، أو مضوا وذهبوا.

 

·            يَمُدُّهُمْ: يمهلهم.

 

·            طُغْيَانِهِمْ: الطغيان: مجاوزة الحدِّ.

 

·            يَعْمَهُونَ: يتغيرون، ويترددون.

 

·            النفاق الذي هو إظهار الإسلام، وإبطان الكفر من الفساد في الأرض، لقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ ﴾، والنفاق من أعظم الفساد في الأرض([78]).

 

·            الإصلاح في الأرض يكون بالعمل بطاعة الله ورسوله، والإفساد فيها يكون بمعصية الله ورسوله r ([79]).

 

·            العاملون بالفساد في الأرض يبررون دائماً إفسادهم بأنه إصلاح وليس بإفساد.

 

·            إن من أعظم البلوى أن يُزَيَّن للإنسان الفساد حتى يَرى أنه مصلح، لقولهم: ﴿ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾ ([80]).

 

·            غير المؤمن نظره قاصر، حيث يرى الإصلاح في الأمر المعيشي فقط، بل الإصلاح حقيقة أن يسير على شريعة الله واضحاً صريحاً.

 

·            ليس كل من ادعى شيئاً يصدق في دعواه، لأنهم قالوا: ﴿ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾، فقال الله تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ ﴾، وليس كل ما زينته النفس يكون حسناً، كما قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ ([81]).

 

·            قد يبتلى الإنسان بالإفساد في الأرض، ويخفى عليه فساده، لقوله تعالى: ﴿ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ ([82]).

 

·            جاءت جملة ﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ ﴾مؤكدة بأربع تأكيدات ﴿ألا﴾ التي تفيد التنبيه، و ﴿إِنَّ﴾ التي هي للتأكيد، وضمير الفصل ﴿هُمُ﴾ ثم تعريف الخبر ﴿ الْمُفْسِدُونَ ﴾ وهذا ردٌّ من الله تعالى عليهم بأبلغ ردٌّ وأحكمه([83]).

 

·            لا سفه أكبر من الكفر بالحق والإيمان بالباطل([84]).

 

·            المنافق لا تنفعه الدعوة إلى الخير، لقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ﴾، فهم لا ينتفعون إذا دعوا إلى الحق، بل يقولون: ﴿ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ﴾([85]).

 

·            إعجاب المنافقين بأنفسهم، لقولهم: ﴿ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ﴾.

 

·            شدة طغيان المنافقين، لأنهم أنكروا على الذين عرضوا عليهم الإيمان: ﴿ قَالُوا أَنُؤْمِنُ ﴾، وهذا غاية ما يكون من الطغيان، ولهذا قال الله تعالى في آخر الآية: ﴿ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ ([86]).

 

·            كل من لم يؤمن فهو سفيه، كما قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾ ([87]).

 

·            الحكمة كل الحكمة إنما هي الإيمان بالله، واتباع شريعته، لأن الكافر المخالف للشريعة سفيه، فيقتضي أن ضده يكون حكيماً رشيداً.

 

·            الدلالة على جهل المنافقين، لأن الله عزّ وجلّ نفى العلم عنهم، لقوله تعالى: ﴿ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾، فالحقيقة أنهم من أجهل الناس. إن لم يكونوا أجهل الناس، لأن طريقهم إنما هو خداع، وانخداع، وتضليل، وهؤلاء المنافقون من أجهل الناس، لأنهم لم يعلموا حقيقة أنفسهم، وأنهم هم السفهاء([88]).

 

·            إن قلب الحقائق، وتغيير الوقائع سمة الجبناء الضعفاء، أما الأقوياء وهم المؤمنون الذين استخدموا وسائط المعرفة السليمة للوصول إلى الحقائق، فهم الخالدون الباقون، وهم الذين يحبون الإنسانية بحق وصدق، فيدعونهم إلى إصلاح السلوك، وتقويم الأخلاق، والثبات على المبدأ الحق الذي يرشد إليه العقل، وتقتضيه الفطرة، وتؤيده البراهين الحسية والتاريخية([89]).

 

·            دلت الآيات: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: آمَنَّا على أن الإيمان ليس هو الإقرار، دون الاعتقاد، لأن اللّه تعالى قد أخبر عن إقرارهم بالإيمان، ونفى عنهم سمته بقوله: ﴿ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾  ([90]).

 

·            ذلّ المنافق، فالمنافق ذليـــــــــل، لأنه خائن، فهم﴿ وَإِذَا لَقُـــــــــوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا ﴾ خوفاً من المؤمنين، و﴿ وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ ﴾ خوفاً منهم، فهم أذلاء عند هؤلاء، وهؤلاء، لأن كون الإنسان يتخذ من دينه تَقيَّة فهذا دليل على ذله، وهذا نوع من النفاق، لأنه تستر بما يُظَن أنه خير وهو شر([91]).

 

·            قد يُملي الله سبحانه وتعالى للظالم حتى يستمر في طغيانه([92]).

 

·            صاحب الطغيان يعميه هواه، وطغيانه عن معرفة الحق، وقبوله، ولهذا قال تعالى: ﴿ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾، ومن الطغيان أن يُقَدِّم المرء قوله على قول الله ورسوله، والله تعالى يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾([93]).

 

·            إسناد الربح إلى التجارة لكونها سبباً للربح، وإلا فالربح للتاجر لا للتجارة([94]).

 

·            بيان سفه هؤلاء المنافقين، حيث اشتروا الضلالة بالهدى.

 

·            شغف المنافقين بالضلال، لأنه تبارك وتعالى عبر عن سلوكهم الضلال بأنهم اشتروه، والمشتري مشغوف بالسلعة محب لها.

 

·            قد يظن الإنسان أنه أحسنَ عملاً وهو قد أساء، لأن هؤلاء اشتروا الضلالة بالهدى ظناً منهم أنهم على صواب، وأنهم رابحون، فقال الله تعالى: ﴿ فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ ﴾.

 

·            خسران المنافقين فيما يطمعون فيه بالربح، لقولـــه تعالى: ﴿ فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ ﴾([95]).

 

·            المدار في الربح، والخسران على اتباع الهدى، فمن اتبعه فهو الرابح، ومن خالفه فهو الخاسر، ويدل لذلك قوله تعالى: ﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَـــــــــاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ ([96])، وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ ([97]): تقف على ﴿ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾، لأن ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ إذا وصلناها بما قبلها صار الخير معلقاً بكوننا نعلم. وهو خير علمنا أم لم نعلم.

 

·            هؤلاء لن يهتدوا، لقوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾، لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ولذلك لا يرجعون، وهكذا كل فاسق، أو مبتدع يظن أنه على حق فإنه لن يرجع، فالجاهل البسيط خير من هذا، لأن هذا جاهل مركب يظن أنه على صواب. وليس على صواب([98]).

 

·            نستنتج أن هناك أربعة أنواع من قبائح المنافقين، وكل نوع منها كاف وحده في إنزال العقاب بهم وهي ما يأتي:

 

1-                    مخادعة اللّه، والخديعة مذمومة، والمذموم يجب أن يميز من غيره كيلا يفعل الذم.

 

2-                    الإفساد في الأرض بإثارة الفتنة والتأليب على المسلمين وترويج الإشاعات الباطلة.

 

3-                    الإعراض عن الإيمان والاعتقاد الصحيح المستقر في القلب، الموافق للفعل.

4- التردد والحيرة في الطغيان وتجاوز الحدود المعقولة، بالافتراء على المؤمنين ووصفهم بالسفاهة، مع أنهم هم السفهاء بحق، لأن من أعرض عن الدليل، ثم نسب المتمسك به إلى السفاهة فهو السفيه، ولأن من باع آخرته بدنياه فهو السفيه، ولأن من عادى محمدا عليه الصلاة والسلام، فقد عادى اللّه، وذلك هو السفيه، فالسفه محصور فيهم، ومقصور عليهم([99]).

 

....................

 

.............

 

 

 

 

 

القسم الرابع: الآية 17-20

 

 

 

 

 

مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            اسْتَوْقَدَ: طلب الوقود لتسطع النار ويشتعل لهيبها.

 

·            صُمٌّ: الصّمم: الانسداد، والأصم: من انسدت مسامعه فلا يسمع.

 

·            بُكْمٌ: الأبكم: الذي لا ينطق.

 

·            عُمْيٌ: جمع أعمى، والعمى: آفة في العينين مانعة من إدراك المبصر.

 

·            صَيِّبٍ: من الصوب، وهو النزول، سمي به المطر لنزوله من السماء.

 

·            الصَّوَاعِقِ: شدة الصوت، ويصحبها غالباً قطعة من النار لا تأتي على شيء إلا اهلكته.

 

·            يَخْطَفُ: الخطف: الأخذ بسرعة.

 

·            شبه المنافق بالمستوقد للنار، وإِظهاره الإِيمان بالإِضاءة، وانقطاع انتفاعه بانطفاء النار.

 

·            ﴿اسْتَوْقَدَ﴾لِأَنَّ الْمُسْتَوْقِدَ كَانَ وَاحِدًا مِنْ جَمَاعَةٍ تَوَلَّى الْإِيقَادَ لَهُمْ، فَلَمَّا ذَهَبَ الضَّوْءُ رَجَعَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا([100]).

 

·            وحَّد النور في قوله ﴿ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ﴾ ثم قال ﴿ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ ﴾ فجمعها، لأن الحقَّ واحد هو صراط الله المستقيم، الذي لا صراط يوصل سواه، بخلاف طُرُق الباطل فإِنها متعددة ومتشعبة([101]).

 

·            ﴿ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ والمعنى المراد بالآية ضرب مثل للمنافقين، وَذَلِكَ أَنَّ مَا يُظْهِرُونَهُ مِنَ الْإِيمَانِ الَّذِي تثبت لهم به أحكام المسلمين من المناكح وَالتَّوَارُثِ وَالْغَنَائِمِ وَالْأَمْنِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ بِمَثَابَةِ مَنْ أَوْقَدَ نَارًا فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَاسْتَضَاءَ بِهَا وَرَأَى مَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَّقِيَهُ وَأَمِنَ مِنْهُ، فَإِذَا طَفِئَتْ عَنْهُ أَوْ ذَهَبَتْ وَصَلَ إِلَيْهِ الْأَذَى وَبَقِي مُتَحَيِّرًا، فَكَذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ لَمَّا آمَنُوا اغْتَرُّوا بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ يَصِيرُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ إِلَى الْعَذَابِ الْأَلِيمِ كَمَا أَخْبَرَ التَّنْزِيلُ: ﴿إِنَّ الْمُنافِقِينَ  فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾([102]).وَيَذْهَبُ نُورُهُمْ، وَلِهَذَا يَقُولُونَ: ﴿ انْظُرُونا نَقْتَبِسْ  مِنْ نُورِكُمْ﴾ ([103])([104]).

 

·            جازاهم الله تعالى على حسب ما في قلوبهم: ﴿ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ ﴾، كأنه أخذه قهراً.

 

·            تخلي الله عن المنافقين، لقوله تعالى: ﴿وَتَرَكَهُمْ﴾، ومن تخلى الله عنه فهو هالك. ليس عنده نور، ولا هدًى، ولا صلاح، لقوله تعالى: ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ﴾([105]).

 

·            بلاغة القرآن، حيث يضرب للمعقولات أمثالاً محسوسات، لأن الشيء المحسوس أقرب إلى الفهم من الشيء المعقول، لكن من بلاغة القرآن أن الله تعالى يضرب الأمثال المحسوسة للمعاني المعقولة حتى يدركها الإنسان جيداً، كما قال تعــــــــالى: ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ ([106]).

 

·            هؤلاء المنافقين ليس في قلوبهم نور، لقولــــــــــه تعالى: ﴿ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ﴾، فهؤلاء المنافقون يستطعمون الهدى، والعلم، والنور، فإذا وصل إلى قلوبهم. بمجرد ما يصل إليها. يتضاءل، ويزول، لأن هؤلاء المنافقين إخوان للمؤمنين من حيث النسب، وأعمام، وأخوال، وأقارب، فربما يجلس إلى المؤمن حقاً، فيتكلم له بإيمان حقيقي، ويدعوه، فينقدح في قلبه هذا الإيمان، ولكن سرعان ما يزول([107]).

 

·            الإيمان نور له تأثير حتى في قلب المنافق، لقوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ﴾: الإيمان أضاء بعض الشيء في قلوبهم، ولكن لما لم يكن على أسس لم يستقر، ولهذا قال تعالى في سورة المنافقين. وهي أوسع ما تحدَّث الله به عن المنافقين: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾([108]).

 

·            ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ﴾ وَقَالَ قَتَادَةُ﴿ صُمٌّ ﴾عَنِ اسْتِمَاعِ الْحَقِّ،" ﴿ بُكْمٌ﴾ عَنِ التَّكَلُّمِ بِهِ،﴿عُمْيٌ﴾ عَنِ الْإِبْصَارِ لَهُ([109]).

 

·            هؤلاء المنافقين أصم الله تعالى آذانهم، فلا يسمعون الحق، ولو سمعوا ما انتفعوا، ويجوز أن يُنفى الشيء لانتفاء الانتفــــــاع به، كما في قولــــــه تعــــالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾ ([110]).

 

·            ﴿ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾أَيْ إِلَى الْحَقِّ لِسَابِقِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِمْ([111]).

 

·            هؤلاء المنافقين لا ينطقون بالحق كالأبكم، ولا يبصرون الحق كالأعمى.

 

·            أنهم لا يرجعون عن غيِّهم، لأنهم يعتقدون أنهم محسنون، وأنهم صاروا أصحاباً للمؤمنين، وأصحاباً للكافرين: هم أصحاب للمؤمنين في الظاهر، وأصحاب للكافرين في الباطن، ومن استحسن شيئاً فإنه لا يكاد أن يرجع عنه([112]).

 

·            ﴿ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ﴾أَصْلُ الرَّعْدِ مِنَ الْحَرَكَةِ، وَمِنْهُ الرعديد للجبان. وارتعد: اضطرب، وَالْبَرْقُ أَصْلُهُ مِنَ الْبَرِيقِ وَالضَّوْءِ، وَمِنْهُ الْبُرَاقُ: دَابَّةٌ رَكِبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ وَرَكِبَهَا الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ قَبْلَهُ. وَرَعَدَتِ السَّمَاءُ مِنَ الرَّعْدِ، وَبَرَقَتْ مِنَ الْبَرْقِ. وَرَعَدَتِ الْمَرْأَةُ وَبَرَقَتْ: تَحَسَّنَتْ وَتَزَيَّنَتْ. وَرَعَدَ الرَّجُلُ وَبَرَقَ: تَهَدَّدَ وَأَوْعَدَ([113]).

 

·            وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ وَالصَّوَاعِقَ قَالَ: (اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ وَلَا تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ) ([114]).

 

·            ﴿ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ﴾جَعْلُهُمْ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ لِئَلَّا يَسْمَعُوا الْقُرْآنَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ وَبِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَذَلِكَ عِنْدَهُمْ كُفْرٌ وَالْكُفْرُ مَوْتٌ([115]).

 

·            قد يضيء النفاق لصاحبه الدرب حينا قصيرا، ثم سرعان ما ينطفئ كما تنطفئ النار، مما يجعل النفاق لا دوام له ولا استمرار. وقد يجد المنافق الأمل في نفاقه لتحقيق غرض أو مكسب مادي رخيص، ثم تتبدد الآمال، ويبقى المنافقون في قلق واضطراب، إذ إن فرحهم الظاهري بنزول آية، وسيرهم مع المسلمين، يسقطه الامتحان عند ما يطالبون بالجهاد مع المؤمنين، وإن التلون بالدعم حين الخير، والنقمة والكفر حين الشر، مثل المنافق غير المؤمن([116]).

 

·            ﴿ مِنَ الصَّواعِقِ﴾أَيْ مِنْ أَجْلِ الصَّوَاعِقِ. وَالصَّوَاعِقُ جَمْعُ صَاعِقَةٍ. قَالَ الْخَلِيلُ: هِيَ الْوَاقِعَةُ الشَّدِيدَةُ مِنْ صَوْتِ الرَّعْدِ، يَكُونُ مَعَهَا أَحْيَانًا قِطْعَةُ نَارٍ تَحْرِقُ مَا أَتَتْ عَلَيْهِ([117]).

 

·            تهديد الكفار بأن الله محيط بهم، لقوله تعالى: ﴿ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ﴾ ([118]).

 

·            ﴿ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ﴾يُقَالُ: أَحَاطَ السُّلْطَانُ بِفُلَانٍ إِذَا أَخَذَهُ أَخْذًا حَاصِرًا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. واللَّهُ سُبْحَانَهُ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ، أَيْ هِيَ فِي قَبْضَتِهِ وَتَحْتَ قَهْرِهِ. وقيل﴿ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ﴾أَيْ عَالِمٌ بِهِمْ([119]).

 

·            البرق الشديد يخطف البصر، ولهذا يُنهى الإنسان أن ينظر إلى البرق حال كون السماء تبرق، لئلا يُخطف بصره([120]).

 

·            ﴿ يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ﴾تَكَادُ حُجَجُ الْقُرْآنِ وَبَرَاهِينُهُ السَّاطِعَةُ تُبْهِرُهُمْ.﴿ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ﴾وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ كُلَّمَا سَمِعُوا الْقُرْآنَ وَظَهَرَتْ لَهُمُ الْحُجَجُ أَنِسُوا وَمَشَوْا مَعَهُ([121]).

 

·            من طبيعة الإنسان اجتناب ما يهلكه، لقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا﴾([122]).

 

·            ﴿ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا﴾ فَإِذَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ مَا يَعْمَوْنَ فِيهِ وَيَضِلُّونَ بِهِ أَوْ يُكَلَّفُونَهُ ﴿قَامُوا﴾ أَيْ ثَبَتُوا عَلَى نِفَاقِهِمْ([123]).

 

·            إثبات مشيئة الله، لقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ﴾ ([124])

 

·            ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ﴾وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَطْلَعَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ فَذَهَبَ مِنْهُمْ عِزُّ الْإِسْلَامِ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِمْ وَقَتْلِهِمْ وَإِخْرَاجِهِمْ مِنْ بَيْنِهِمْ. وَخُصَّ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِمَا فِي الْآيَةِ أَوَّلًا، أو لأنهما أشرف ما في الإنسان([125]).

 

·            ينبغي للإنسان أن يلجأ إلى الله عزّ وجلّ أن يمتعه بسمعه، وبصره، لقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ﴾، وفي الدعاء المأثور: "متعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا"([126]).

 

·            ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾فالله عز وجل قَادِرٌ مُقْتَدِرٌ قَدِيرٌ عَلَى كُلِّ مُمْكِنٍ يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ. فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ، لَهُ قُدْرَةٌ بِهَا فَعَلَ وَيَفْعَلُ مَا يَشَاءُ عَلَى وَفْقِ عِلْمِهِ وَاخْتِيَارِهِ. وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ لِلْعَبْدِ قُدْرَةً يَكْتَسِبُ بِهَا مَا أَقْدَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ عَلَى مَجْرَى الْعَادَةِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَبِدٍّ بِقُدْرَتِهِ ([127]).

 

...................

 

..............

 

.........

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسم الخامس: الآية 21-24

 

 

 

 

 

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            فِرَاشًا:الفراش: ما يفترشه الانسان ليستقر عليه في الجلوس والنوم، وهكذا جعل الله الأرض ليستقر عليها الناس.

 

·            أَنْدَادًا: الآلهة التي يعبدونها من دون الله، التي جعلوها مساوية لله تعالى في كل شيء، وشريكة له تعالى.

 

·            ادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ:اطلبوا من آلهتكم الحضور، ليشهدوا معكم على صدقكم.

 

·            وَقُودُهَا: الوقود: ما يُلقى في النار لإضرامها وزيادة لهيبها.

 

·            الْحِجَارَةُ: الحجارة معروفة، ومنها الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله.

 

·            وجوب عبادة الله تعالى، إذ هي علة الحياة كلها([128]).

 

·            العبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية ([129]).

 

·            ﴿ اعْبُدُوا﴾ أَمْرٌ بِالْعِبَادَةِ لَهُ. وَالْعِبَادَةُ هُنَا عِبَارَةٌ عَنْ تَوْحِيدِهِ وَالْتِزَامِ شَرَائِعِ دِينِهِ. وَأَصْلُ الْعِبَادَةِ الْخُضُوعُ وَالتَّذَلُّلُ، وَالْعِبَادَةُ: الطَّاعَةُ. وَالتَّعَبُّدُ: التَّنَسُّكُ([130]).

 

·            ذكر الربوبية ﴿اعبدوا رَبَّكُمُ﴾ مع إضافته إِلى المخاطبين للتفخيم والتعظيم([131]).

 

·            الخلق: هو الإيجاد على تقدير وترتيب. والخلق والإيجاد والإحداث والإبداع والاختراع والإنشاء متقاربة([132]).

 

·            الإقرار بتوحيد الربوبية مستلزم للإقرار بتوحيد الألوهية، لقوله تعالى: ﴿ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾([133]).

 

·            العناية بالعبادة، يستفاد هذا من وجهين، الوجه الأول: تصدير الأمر بها بالنداء، والوجه الثاني: تعميم النداء لجميع الناس مما يدل على أن العبادة أهم شيء، بل إنّ الناس ما خُلقوا إلا للعبادة، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ ([134]).

 

·            وجوب عبادة الله عزّ وجلّ وحده. وهي التيخُلق لها الجن، والإنس، و"العبادة" تطلق على معنيين، أحدهما: التعبد. وهو فعل العابد، والثاني: المتعبَّد به. وهي كل قول، أو فعل ظاهر، أو بــــــــــــــــــــاطن يقرب إلى الله عزّ وجلّ ([135]).

 

·            وجوب العبادة علينا مما يقتضيه العقل بالإضافة إلى الشرع، لقولـــــــه تعالى: ﴿ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾، فإن الرب عزّ وجلّ يستحق أن يُعبد وحده، ولا يعبد غيره، والعجب أن هؤلاء المشركين الذين لم يمتثلوا هذا الأمر إذا أصابتهم ضراء، وتقطعت بهم الأسباب يتوجهون إلى الله، كما قال تعالى: ﴿ وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾([136])  لأن فطرهم تحملهم على ذلك ولابد([137]).

 

·            ﴿ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ خَصَّ تَعَالَى خَلْقَهُ لَهُمْ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ صِفَاتِهِ إِذْ كَانَتِ الْعَرَبُ مُقِرَّةً بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَهَا، فَذَكَرَ ذَلِكَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ وَتَقْرِيعًا لَهُمْ. وَقِيلَ: لِيُذَكِّرَهُمْ بِذَلِكَ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ. وَفِي أَصْلِ الْخَلْقِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: التَّقْدِيرُ، الثَّانِي: الْإِنْشَاءُ وَالِاخْتِرَاعُ وَالْإِبْدَاعُ([138]).

 

·            إثبات أن الله عزّ وجلّ هو الخالق وحده، وأنه خالق الأولين، والآخرين، لقوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾([139]).

 

·            ﴿ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ ذَكَّرَهُمْ مَنْ قَبْلَهُمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ الَّذِي أَمَاتَ مَنْ قَبْلَهُمْ وَهُوَ خَلَقَهُمْ يُمِيتُهُمْ، وَلِيُفَكِّرُوا فِيمَنْ مَضَى قَبْلَهُمْ كَيْفَ كَانُوا؟ ([140]).

 

·            إن من طريق القرآن أنه إذا ذَكر الحكم غالباً ذَكر العلة، الحكم: ﴿ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾، والعلة: كونه رباً خالقاً لنا، ولمن قبلنا([141]).

 

·            ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ: افْعَلُوا ذَلِكَ عَلَى الرَّجَاءِ مِنْكُمْ وَالطَّمَعِ أَنْ تَعْقِلُوا وَأَنْ تَذَّكَّرُوا وَأَنْ تَتَّقُوا([142]).

 

·            ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ يحتمل أن المعنى: أنكم إذا عبدتم الله وحده، اتقيتم بذلك سخطه وعذابه، لأنكم أتيتم بالسبب الدافع لذلك، ويحتمل أن يكون المعنى: أنكم إذا عبدتم الله، صرتم من المتقين الموصوفين بالتقوى، وكلا المعنيين صحيح، وهما متلازمان، فمن أتى بالعبادة كاملة، كان من المتقين، ومن كان من المتقين، حصلت له النجاة من عذاب الله وسخطه([143]).

 

·            التقوى مرتبة عالية لا ينالها كل أحد إلا من أخلص العبادة لله عزّ وجلّ، لقوله تعالى: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾([144]).

 

·            ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ هذه الآية جمعت بين الأمر بعبادة الله وحده، والنهي عن عبادة ما سواه، وبيان الدليل الباهر على وجوب عبادته، وبطلان عبادة من سواه، وهو ذكر توحيد الربوبية، المتضمن لانفراده بالخلق والرزق والتدبير، فإذا كان كل أحد مقرا بأنه ليس له شريك في ذلك، فكذلك فليكن إقراره بأن الله لا شريك له في العبادة، وهذا أوضح دليل عقلي على وحدانية الباري، وبطلان الشرك([145]).

 

·            بيان رحمة الله تعالى، وحكمته في جعل الأرض فراشاً، إذ لو جعلها خشنة صلبة لا يمكن أن يستقر الإنسان عليها ما هدأ لأحد بال، لكن من رحمته، ولطفه، وإحسانه جعلها فراشاً([146]).

 

·            ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا﴾ فجعل لكم الأرض فراشا تستقرون عليها، وتنتفعون بالأبنية، والزراعة، والحراثة، والسلوك من محل إلى محل، وغير ذلك من أنواع  الانتفاع بها([147]).

 

·            ليس المراد بكون الأرض فراشا، أي وطاء للافتراش والاستقرار عليها، هو الفراش المعهود المستخدم للنوم، فمن حلف لا ينام على فراش، فنام على الأرض، لا يحنث في رأي الحنفية والشافعية، لأن اللفظ لا ينصرف إليها عرفا، والأيمان محمولة على المعتاد المتعارف من الأسماء، وليس في العادة إطلاق هذا اللفظ على الأرض([148]).

 

·            جعْل السماء بناءً، وفائدتنا من جعل السماء بناءً أن نعلم بذلك قدرة الله عزّ وجلّ، لأن هذه السماء المحيطة بالأرض من كل الجوانب نعلم أنها كبيرة جداً، وواسعة، كما قال تعالى: ﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ ([149]).

 

·            ﴿ وَالسَّمَاءَ بِنَاءً﴾وجعل السماء بناء لمسكنكم، وأودع فيها من المنافع ما هو من ضروراتكم وحاجاتكم، كالشمس، والقمر، والنجوم([150]).

 

·            بيان قدرة الله عزّ وجلّ بإنزال المطر من السماء لقوله تعالى: ﴿ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ﴾، لو اجتمعت الخلائق على أن يخلقوا نقطة من الماء ما استطاعوا، والله تعالى ينزل هذا المطر العظيم بلحظة([151]).

 

·            ﴿ وَأَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ﴾والسماء: هو كل ما علا فوقك فهو سماء، ولهذا قال المفسرون: المراد بالسماء هاهنا: السحاب، فأنزل منه تعالى ماء([152]).

 

·            حكمة الله سبحانه وتعالى، ورحمته بإنزال المطر من السماء، وجه ذلك: لو كان الماء الذي تحيى به الأرض يجري على الأرض لأضر الناس، ولو كان يجري على الأرض لحُرِم منه أراضٍ كثيرة. الأراضي المرتفعة لا يأتيها شيء، ولكن من نعمة الله أن ينزل من السماء، ثم هناك شيء آخر أيضاً: أنه ينزل رذاذاً. يعني قطرةً قطرةً، ولو نزل كأفواه القرب لأضر بالناس([153]).

 

·            ﴿ فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾كالحبوب، والثمار، من نخيل، وفواكه، وزروع  وغيرها([154]).

 

·            إثبات الأسباب، لقوله تعالى: ﴿ فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ﴾([155]).

 

·            ﴿ رِزْقًا لَكُمْ﴾ به ترتزقون، وتقوتون وتعيشون وتفكهون([156]).

 

·            لا تكون الأسباب مؤثرة إلا بإرادة الله عزّ وجلّ، لقوله تعالى: ﴿ فَأَخْرَجَ بِهِ﴾.

 

·            ينبغي لمن أراد أن يضيف الشيء إلى سببه أن يضيفه إلى الله مقروناً بالسبب، مثل لو أن أحداً من الناس غرق، وجاء رجل فأخرجه. أنقذه من الغرق، فليقل: أنقذني الله بفلان، وله أن يقول: أنقذني فلان، لأنه فعلاً أنقذه، وله أن يقول: أنقذني الله ثم فلان، وليس له أن يقول: أنقذني الله وفلان، لأن هذا تشريك مع الله، ويدل لهذا. أي الاختيار أن يضيف الشيء إلى الله مقروناً بالسبب([157]).

 

·            بيان قدرة الله، وفضله بإخراج هذه الثمرات من الماء، أما القدرة فظاهر: تجد الأرض شهباء جدباء ليس فيها ورقة خضراء فينزل المطر، وفي مدة وجيزة يخرج هذا النبات من كل زوج بهيج بإذن الله عزّ وجلّ، كما قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ﴾([158])، وأما الفضل فبما يمن الله به من الثمرات، ولذلك قال تعالى: ﴿ رِزْقًا لَكُمْ ﴾.

 

·            إن الله عزّ وجـــــــــلّ منعم على الإنسان كــــــافراً كان، أو مؤمناً، لقولــــــه تعــــــالى: ﴿ لَكُمْ ﴾، وهو يخاطب في الأول الناس عموماً، لكن فضل الله على المؤمن دائم متصل بفضل الآخرة، وفضل الله على الكافر منقطع بانقطاعه من الدنيا([159]).

 

·            ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أنّه ليس في التوراة والإنجيل جواز اتخاذ الأنداد. ([160]).

 

·            ﴿ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ قَالَ ابْنُ فَوْرَكٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ تَتَنَاوَلَ الْآيَةُ الْمُؤْمِنِينَ، فَالْمَعْنَى لَا تَرْتَدُّوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَتَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا بَعْدَ عِلْمِكُمُ الَّذِي هُوَ نفي الجهل بأن الله واحد([161]).

 

·            ينبغي لمن خاطب أحداً أن يبين له ما تقوم به عليه الحجة، لقوله تعالى: ﴿ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾، ولقوله تعالى في صدر الآية الأولى: ﴿اعبدوا ربكم الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾، فإن قوله تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ فيه إقامة الحجة على وجوب عبادته وحده، لأنه الخالق وحده.

 

·            أرشدت هذه الآية إلى أن اللّه تعالى أغنى الإنسان عن كل مخلوق، و

قد أشار عليه السلام إلى هذا المعنى: «واللّه لأن يأخذ أحدكم حبلة، فيحتطب على ظهره، خير له من أن يسأل أحدا، أعطاه أو منعه» ([162]).

 

·            وفي قوله تعالى: ﴿ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ دليل على الأمر باستعمال حجج العقول وإبطال التقليد، لأن المشركين يعلمون في الحقيقة أن المنعم عليهم هو اللّه دون الأنداد، ويعلمون وحدانيته بالقوة والإمكان لو تدبروا ونظروا وأعملوا عقولهم وأفكارهم، فلا داعي للوسائط المزعومة في قولهم: ﴿ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى﴾ ([163]).

 

·            تقرير نبوة رسول الله rبإثبات نزول القرآن عليه([164]).

 

·            ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ﴾معشر المعاندين للرسول، الرادين دعوته، الزاعمين كذبه في شك واشتباه، مما نزلنا على عبدنا، هل هو حق أو غيره؟ فهاهنا أمر نصف، فيه الفيصلة بينكم وبينه، وهو أنه بشر مثلكم، ليس بأفصحكم ولا بأعلمكم  وأنتم تعرفونه منذ نشأ بينكم، لا يكتب ولا يقرأ، فأتاكم بكتاب زعم أنه من عند الله، وقلتم أنتم أنه تقوَّله وافتراه، فإن كان الأمر كما تقولون ([165]).

 

·            ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ﴾ دليل على أن الذي يرجى له الهداية من الضلالة: هو الشاك الحائر الذي لم يعرف الحق من الضلال، فهذا إذا بين له الحق فهو حري بالتوفيق إن كان صادقا في طلب الحق.

 

·            الإِضافة ﴿على عَبْدِنَا﴾ للتشريف والتخصيص، وهذا أشرف وصفٍ لرسول الله r([166]).

 

·            ﴿ عَلى عَبْدِنا﴾ يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْعَبْدُ مَأْخُوذٌ مِنَ التَّعَبُّدِ وَهُوَ التَّذَلُّلُ، فَسُمِّيَ الْمَمْلُوكُ مِنْ جِنْسِ مَا يَفْعَلُهُ عَبْدًا لِتَذَلُّلِهِ لِمَوْلَاهُ([167]).

 

·            ﴿ عَبْدِنَا ﴾ وفي وصف الرسول بالعبودية في هذا المقام العظيم، دليل على أن أعظم أوصافه صلى الله عليه وسلم، قيامه بالعبودية، التي لا يلحقه فيها أحد من الأولين والآخرين. كما وصفه بالعبوديــــــــــة في مقــــــام الإسراء، فقال: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾وفي مقام الإنزال، فقال: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نزلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ﴾([168]).

 

·            ﴿ فَأْتُوا بِسُورَةٍ ﴾ وَهُوَ أَمْرٌ مَعْنَاهُ التَّعْجِيزُ، لِأَنَّهُ تَعَالَى عَلِمَ عَجْزَهُمْ عَنْهُ([169]).

 

·            في قوله ﴿فَأْتُواْ بِسُورَةٍ﴾ خرج الأمر عن صيغته إِلى معنى التعجيز، وتنكيرُ السور لإِرادة العموم والشمول([170]).

 

·            ﴿ وَلَنْ تَفْعَلُوا ﴾ إِثَارَةٌ لِهِمَمِهِمْ، وَتَحْرِيكٌ لِنُفُوسِهِمْ، لِيَكُونَ عَجْزُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَبْدَعَ، وَهَذَا مِنَ الْغُيُوبِ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا الْقُرْآنُ قَبْلَ وُقُوعِهَا([171]).

 

·            في قوله تعالى: ﴿وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ بيان التحدي في الماضي والمستقبل وبيان العجز التام في جميع العصور والأزمان([172]).

 

·            ﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ولن تأتوا بسورة من مثله، ولكن هذا التقييم  على وجه الإنصاف والتنزل معكم، فهذا آية كبرى، ودليل واضح جلي على صدقه وصدق ما جاء به، فيتعين عليكم اتباعه([173]).

 

·            دفاع الله سبحانه وتعالى عن رسوله r لقولــــــــــــــه تعالى: ﴿ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ﴾، لأن الأمر هنا للتحدي، فالله عزّ وجلّ يتحدى هؤلاء بأن يأتوا بمعارضٍ لما جاء به الرسول r ([174]).

 

·            ﴿ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ﴾ أي فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ كِتَابٍ مِثْلِهِ فَإِنَّهَا تُصَدِّقُ مَا فِيهِ([175]).

 

·            ﴿ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾واستعينوا بمن تقدرون عليه من أعوانكم وشهدائكم، فإن هذا أمر يسير عليكم، خصوصا وأنتم أهل الفصاحة والخطابة، والعداوة العظيمة للرسول، فإن جئتم بسورة من مثله، فهو كما زعمتم، وإن لم تأتوا بسورة من مثله وعجزتم غاية العجز([176]).

 

·            ﴿ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ ﴾ مَعْنَاهُ أَعْوَانَكُمْ وَنُصَرَاءَكُمْ. الْفَرَّاءُ: آلِهَتَكُمْ.

 

·            ﴿ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ فِيمَا قُلْتُمْ مِنْ أَنَّكُمْ تَقْدِرُونَ عَلَى الْمُعَارَضَةِ، وَالصِّدْقُ: خِلَافُ الْكَذِبِ([177]).

 

·            النار تتقى بالإيمان والعمل الصالح، وفي الحديث الصحيح: "اتقوا النار ولو بشق تمرة"([178]).

 

·            من عارض القرآن فإن مأواه النار، لقوله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا النَّارَ ﴾([179]).

 

·            ﴿ فَاتَّقُوا النَّار﴾التي بلغت في الحرارة العظيمة والشدة، أن كانت وقودها الناس والحجارة، ليست كنار الدنيا التي إنما تتقد بالحطب، وهذه النار الموصوفة معدة ومهيأة للكافرين بالله ورسله. فاحذروا الكفر برسوله([180]).

 

·            ﴿ فَاتَّقُوا النَّارَ﴾ أَيِ اتَّقُوا النَّارَ بِتَصْدِيقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى([181]).

 

·            الناس وقود للنار كما توقد النار بالحطب، فهي في نفس الوقت تحرقهم، وهي أيضاً توقد بهم، فيجتمع العذاب عليهم من وجهين([182]).

 

·            ﴿ وَالْحِجارَةُ ﴾ هِيَ حِجَارَةُ الْكِبْرِيتِ الْأَسْوَدِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْفَرَّاءِ وَخُصَّتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَزِيدُ عَلَى جَمِيعِ الْأَحْجَارِ بِخَمْسَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْعَذَابِ: سُرْعَةِ الِاتِّقَادِ، نَتْنِ الرَّائِحَةِ، كَثْرَةِ الدُّخَانِ، شِدَّةِ الِالْتِصَاقِ بِالْأَبْدَانِ، قُوَّةِ حَرِّهَا إِذَا حَمِيَتْ([183]).

 

·            إهانة هؤلاء الكفار بإذلال آلهتهم، وطرحها في النار. على أحد الاحتمالين في قوله تعالى:﴿ الْحِجَارَةُ ﴾، لأن من المعلوم أن الإنسان يغار على من كان يعبده، ولا يريد أن يصيبه أذًى، فإذا أحرق هؤلاء المعبودون أمام العابدين فإن ذلك من تمام إذلالهم، وخزيهم ([184]).

 

·            قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ ﴾ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْحَقِّ مِنْ أَنَّ النَّارَ مَوْجُودَةٌ مَخْلُوقَةٌ، خِلَافًا لِلْمُبْتَدِعَةِ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّهَا لَمْ تُخْلَقْ حَتَّى الْآنَ([185]).

 

·            جعل اللّه تعالى آية محمد الكبرى كتابا معجزا لهم ولسائر الخلق في نظمه وأسلوبه، وفصاحته وبلاغته، فكانت عليهم الحجة بأقوى مما قامت به المعجزات المادية السابقة مثل عصا موسى ويده في عصر السحر، وإبراء عيسى الأكمه والأبرص وإحياء الموتى في عصر الطب([186]).

 

·            ﴿ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ونحوها من الآيات، دليل لمذهب أهل السنة والجماعة، أن الجنة والنار مخلوقتان خلافا للمعتزلة، وفيها أيضا، أن الموحدين وإن ارتكبوا بعض الكبائر لا يخلدون في النار، لأنه قال: ﴿ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ فلو كان عصاة الموحدين يخلدون فيها، لم تكن معدة للكافرين وحدهم، خلافا للخوارج والمعتزلة. وفيها دلالة على أن العذاب مستحق بأسبابه، وهو الكفر، وأنواع المعاصي على اختلافها([187]).

 

·            النار دار للكافرين، لقوله تعالى: ﴿ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾، وأما من دخلها من عصاة المؤمنين فإنهم لا يخلدون فيها، فهم فيها كالزوار، لا بد أن يَخرجوا منها، فلا تسمى النار داراً لهم، بل هي دار للكافر فقط، أما المؤمن العاصي. إذا لم يعف الله عنه. فإنه يعذب فيها ما شاء الله، ثم يخرج منها إما بشفاعة، أو بمنة من الله وفضل، أو بانتهاء العقوبة([188]).

 

·            القرآن معجز من عدة وجوه:

 

أولاً: قوة الأسلوب، وجماله، والبلاغة، والفصاحة، وعدم الملل في قراءته، فالإنسان يقرأ القرآن صباحاً، ومساءً. وربما يختمه في اليومين، والثلاثة. ولا يمله إطلاقاً، لكن لو كرر متناً من المتون كما يكرر القرآن ملّ..

ثانياً: أنه معجز بحيث إن الإنسان كلما قرأه بتدبر ظهر له بالقراءة الثانية ما لم يظهر له بالقراءة الأولى..

 

ثالثاً: صدق أخباره بحيث يشهد لها الواقع، وكمال أحكامه التي تتضمن مصالح الدنيا، والآخرة، لقوله تعالى: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ﴾([189]).

رابعاً: تأثيره على القلوب، والمناهج، وآثاره، حيث ملك به السلف الصالح مشارق الأرض، ومغاربها..

 

.....................

 

............

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسم السادس: الآية 25-27

 

 

 

 

 

وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            بَشِّرِ: البشارة: الخبر السار، وسميت كذلك لأن أثرها يظهر على البشرة.

 

·            وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا: اشتباهَ ثمر الجنة وثمر الدنيا في المنظر واللون، مختلفًا في الطعم والذوق.

 

·            الْفاسِقِينَ: الفسق هو الخروج عن هداية الله تعالى.

 

·            يَنْقُضُونَ: النّقض: هو فسخ ما وُصِلَ، وحَلُّهُ.

 

·            عَهْدَ اللَّهِ:يُقال عَهِدَ إليه، أي أوصاه به بما يلزم مراعاته وحفظه.

 

·            مِيثاقِهِ، ميثاق الله، وهو التقوية والتثبيت، والمراد به ما قَوَّى الله به عهده.

 

·            يَضْرِبَ مَثَلًا: أن يذكر شبها. وقيل معنى يضرب: يبيّن.

 

·            ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾وَالتَّبْشِيرُ الْإِخْبَارُ بِمَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ عَلَى الْبَشَرَةِ- وَهِيَ ظَاهِرُ الْجِلْدِ- لِتَغَيُّرِهَا بِأَوَّلِ خَبَرٍ يَرِدُ عَلَيْكَ، ثُمَّ الْغَالِبُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي السُّرُورِ مُقَيَّدًا بِالْخَيْرِ الْمُبَشَّرِ بِهِ([190]).

 

·            ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ {وَبَشِّرِ﴾ أي: يا أيها الرسول ومن قام مقامه ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بقلوبهم ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ بجوارحهم، فصدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة([191]).

 

·            ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ﴾رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْإِيمَانَ بِمُجَرَّدِهِ يَقْتَضِي الطَّاعَاتِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مَا أَعَادَهَا، فَالْجَنَّةُ تُنَالُ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ. وَقِيلَ: الْجَنَّةُ تُنَالُ بِالْإِيمَانِ، وَالدَّرَجَاتُ تُسْتَحَقُّ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ([192]).

 

·            ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ وصفت أعمال الخير بالصالحات، لأن بها تصلح أحوال العبد، وأمور دينه ودنياه، وحياته الدنيوية والأخروية، ويزول بها عنه فساد الأحوال، فيكون بذلك من الصالحين، الذين يصلحون لمجاورة الرحمن في جنته([193]).

 

·            مشروعية تبشير الإنسان بما يسر، لقوله تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾، ولقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾([194])، وقوله تعالى: ﴿ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ﴾([195])، وقولــــــــــــه تعالى: ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾([196])، فالبشارة بما يسر الإنسان من سنن المرسلين عليهم الصلاة والسلام.

 

·            الجنات لا تكون إلا لمن جمع هذين: الإيمان، والعمل الصالح،لقوله تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾([197]).

 

·            ﴿جَنَّاتٍ﴾بَسَاتِينُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ جَنَّاتٌ لِأَنَّهَا تُجِنُّ مَنْ فِيهَا أَيْ تَسْتُرُهُ بِشَجَرِهَا([198]).

 

·            ﴿ جَنَّاتٍ﴾ أي: بساتين جامعة من الأشجار العجيبة، والثمار الأنيقة، والظل المديد، والأغصان والأفنان وبذلك صارت جنة يجتن بها داخلها، وينعم فيها ساكنها([199]).

 

·            الجنات أنواع، لقوله تعالى: ﴿ جَنَّاتٍ ﴾، قال الله تعالى: ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾([200])، ثم قال تعالى: ﴿ وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ ﴾([201]).

 

·            ﴿الْأَنْهارُ﴾أَيْ مَاءُ الْأَنْهَارِ، فَنُسِبَ الْجَرْيُ إِلَى الْأَنْهَارِ تَوَسُّعًا، وَرُوِيَ: أَنَّ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ لَيْسَتْ فِي أَخَادِيدَ، إِنَّمَا تَجْرِي عَلَى سَطْحِ الْجَنَّةِ مُنْضَبِطَةً بِالْقُدْرَةِ حَيْثُ شَاءَ أَهْلُهَا([202]).

 

·            ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ﴾ أي: أنهار الماء، واللبن، والعسل، والخمر، يفجرونها كيف شاءوا، ويصرفونها أين أرادوا، وتشرب  منها تلك الأشجار فتنبت أصناف الثمار([203]).

 

·            تمام قدرة الله عزّ وجلّ بخلق هذه الأنهار بغير سبب معلوم، بخلاف أنهار الدنيا، لأن أنهار الماء في الدنيا معروفة أسبابها، وليس في الدنيا أنهار من لبن، ولا من عسل، ولا من خمر([204]).

 

·            ﴿ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ ﴾ يَعْنِي فِي الدُّنْيَا، وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّهُمْ قَالُوا هَذَا الَّذِي وُعِدْنَا بِهِ فِي الدنيا. والثاني- هذا الذي رزقنا الدُّنْيَا، لِأَنَّ لَوْنَهَا يُشْبِهُ لَوْنَ ثِمَارِ الدُّنْيَا([205]).

 

·            نعيم الجنة غير محدود ورزقها لا ينقطع، وإنما أراد اللّه أن يقرب لعقولنا ما أعدّ فيها، بهذه الآية وغيرها، وبما أن طبيعة البشر تتعلق عادة بالماديات، أغراهم اللّه بما تميل إليه نفوسهم، فوعدهم بالحقائق المادية، المعبر عنها في آية أخرى بإيجاز: ﴿ وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ، وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ، وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ﴾ ([206]).

 

·            ﴿ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ﴾ أي: هذا من جنسه، وعلى وصفه، كلها متشابهة في الحسن واللذة، ليس فيها ثمرة خاصة، وليس لهم وقت خال من اللذة، فهم دائما متلذذون بأكلها([207]).

 

·            من اسرار البيان ذكر الباء في آية سورة الأحزاب وحذفها في آية سورة البقرة قال تعالى في سورة البقرة:  ﴿وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾([208])، وقال تعالى في سورة الأحزاب:﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً﴾ ([209]). آية سورة البقرة هي آية مفردة في المؤمنين لم يسبقها أو يليها ما يتعلّق بالمؤمنين، أما آية سورة الأحزاب فسياقها في ذكر المؤمنين([210])فاقتضى السياق والتفضيل ذكر الباء في آية سورة الأحزاب([211]).

 

·            ﴿ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا﴾ قيل: متشابها في الاسم، مختلف الطعوم وقيل: متشابها في اللون، مختلفا في الاسم، وقيل: يشبه بعضه بعضا، في الحسن، واللذة، والفكاهة، ولعل هذا الصحيح ([212]).

 

·            ﴿ مُطَهَّرَةٌ﴾نَعْتٌ لِلْأَزْوَاجِ. وَمُطَهَّرَةٌ فِي اللُّغَةِ أَجْمَعُ مِنْ طَاهِرَةٍ وَأَبْلَغُ، وَمَعْنَى هَذِهِ الطَّهَارَةُ مِنَ الْحَيْضِ والبصاق وسائر أقذار الآدميات([213]).

 

·            إثبات الأزواج في الآخرة، وأنه من كمال النعيم، وعلى هذا يكون جماع، ولكن بدون الأذى الذي يحصل بجماع نساء الدنيا، ولهذا ليس في الجنة مَنِيّ، ولا مَنِيَّة، والمنيّ الذي خلق في الدنيا إنما خُلق لبقاء النسل([214]).

 

·            ﴿ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ﴾ فلم يقل "مطهرة من  العيب الفلاني "ليشمل جميع أنواع التطهير، فهن مطهرات الأخلاق، مطهرات الخلق، مطهرات اللسان، مطهرات الأبصار، فأخلاقهن، أنهن عرب متحببات إلى أزواجهن بالخلق الحسن، وحسن التبعل، والأدب القولي والفعلي، ومطهر خلقهن من الحيض والنفاس والمني، والبول والغائط، والمخاط والبصاق، والرائحة الكريهة، ومطهرات الخلق أيضا، بكمال الجمال، فليس فيهن عيب، ولا دمامة خلق، بل هن خيرات حسان، مطهرات اللسان والطرف، قاصرات طرفهن على أزواجهن، وقاصرات ألسنتهن عن كل كلام قبيح([215]).

 

·            ﴿ يَسْتَحْيِي﴾المعنى لَا يَخْشَى، وَقِيلَ: لَا يَتْرُكُ. وَقِيلَ: لَا يَمْتَنِعُ. وَأَصْلُ الِاسْتِحْيَاءِ الِانْقِبَاضُ عَنِ الشَّيْءِ وَالِامْتِنَاعُ مِنْهُ خَوْفًا مِنْ مُوَاقَعَةِ الْقَبِيحِ، وَهَذَا مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى([216]).

 

·            الاستحياء: افتعال من الحياء وهو تغيّر وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به ويذم، ومحلّه الوجه ومنبعه من القلب([217]).

 

·            صفة الحياء عنده تعالى لا تشبه صفات المحدثين كسائر صفاته سبحانه وتعالى، والاستحياء والحياء بمعنى واحد، يقول الرسول r: "إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا " ([218]).

 

·            إثبات الحياء لله عزّ وجلّ، لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا ﴾. والحياء الثابت لله ليس كحياء المخلوق، لأن حياء المخلوق انكسار لما يَدْهَمُ الإنسان ويعجز عن مقاومته، فتجده ينكسر، ولا يتكلم، أو لا يفعل الشيء الذي يُستحيا منه، وهو صفة ضعف ونقص إذا حصل في غير محله([219]).

 

·            ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا﴾ أي: أيَّ مثل كان ﴿ بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ لاشتمال الأمثال على الحكمة، وإيضاح الحق، والله لا يستحيي من الحق، وكأن في هذا، جوابا لمن أنكر ضرب الأمثال في الأشياء الحقيرة، واعترض على الله في ذلك. فليس في ذلك محل اعتراض. بل هو من تعليم الله لعباده ورحمته بهم. فيجب أن تتلقى بالقبول والشكر([220]).

 

·            قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا ﴾ أي لا يمنعه الحياء من أن يضرب مثلاً ولو كان مثلاً حقيراً ما دام يثبت به الحق، فالعبرة بالغاية([221]).

 

·            ﴿ أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَما فَوْقَها ﴾ الْمَعْنَى أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَيْنَ بَعُوضَةٍ، ومَا دُونَهَا([222]).

 

·            البعوضة من أحقر المخلوقات، لقوله تعالى: ﴿ بَعُوضَةًفَمَا فَوْقَهَا ﴾، ومع كونها من أحقر المخلوقات فإنها تقض مضاجع الجبابرة، وربما تهلك: لو سُلطت على الإنسان لأهلكته وهي هذه الحشرة الصغيرة المهينة([223]).

 

·            اشتمال القرآن الكريم على ذكر النحل والذباب والعنكبوت والنمل ونحوها من المحقرات مما قد لا يليق- في زعم المشركين- بكلام الفصحاء، لا يقدح في فصاحة القرآن، ولا يخلّ بكونه معجزا، لأن صغر هذه الأشياء لا يقدح في الفصاحة إذا كان ذكرها مشتملا على حكم بالغة([224]).

 

·            قوله تعالى: ﴿ فَمَا فَوْقَهَا ﴾: أي فما فوقها في الحقارة، أو فما فوقها في الارتفاع([225]).

 

·            ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ فيتفهمونها، ويتفكرون فيها. فإن علموا ما اشتملت عليه على وجه التفصيل، ازداد بذلك علمهم وإيمانهم([226]).

 

·            إثبات الربوبية الخاصة، لقوله تعالى: ﴿ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾، واعلم أن ربوبية الله تعالى تنقسم إلى قسمين: عامة، وخاصة، فالعامة هي الشاملة لجميع الخلق، وتقتضي التصرف المطلق في العباد، والخاصة هي التي تختص بمن أضيفت له، وتقتضي عناية خاصة، وقد اجتمعتا في قوله تعالى: ﴿ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ  ﴾([227]): فالأولى ربوبية عامة، والثانية خاصة بموسى، وهارون، كما أن مقابل ذلك "العبودية" تنقسم إلى عبودية عامة، كما في قوله تبارك وتعالى: ﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴾([228]) وخاصة كما في قوله تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾([229]) والفرق بينهما أن العامة هي الخضوع للأمر الكوني، والخاصة هي الخضوع للأمر الشرعي، وعلى هذا فالكافر عبد لله بالعبودية العامة، والمؤمن عبد لله بالعبودية العامة، والخاصة ([230]).

 

·            ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا﴾ المعنى: أي شي أَرَادَ اللَّهُ، وَمَعْنَى كَلَامِهِمْ هَذَا: الْإِنْكَارُ بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ([231]).

 

·            ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا﴾ فيعترضون ويتحيرون، فيزدادون كفرا إلى كفرهم، كما ازداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم([232]).

 

·            ديدن الكافرين الاعتراض على حكم الله، وعلى حكمة الله، لقولــــــــــــــــــه تعالى: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلًا ﴾، وكل من اعترض ولو على جزء من الشريعة ففيه شبه بالكفار ([233]).

 

·            قدم اللّه تعالى الإضلال على الهداية في قوله: ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً﴾  لأن سببه ومنشأه من الكفر متقدم في الوجود، فكان ذلك مناسبا لحال الكفرة، ليكون أول ما يقرع سمعهم من الجواب أمرا يفتّ في أعضادهم، ويهزّ جنابهم، وعبّر عن ذلك بصيغة المضارع المفيدة للاستقبال إيذانا بالتجدد والاستمرار([234]).

 

·            إن لفظ الكثير لا يدل على الأكثر، لقوله تعالى: ﴿ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ﴾، فلو أخذنا بظاهر الآية لكان الضالون، والمهتدون سواءً، وليس كذلك، لأن بني آدم تسعمائة وتسعة وتسعون من الألف ضالون، وواحد من الألف مهتدٍ، فكلمة: ﴿ كَثِيرًا ﴾ لا تعني الأكثر، وعلى هذا لو قال إنسان: عندي لك دراهم كثيرة، وأعطاه ثلاثة لم يلزمه غيرها، لأن "كثير" يطلق على القليل، وعلى الأكثر([235]).

 

·            ﴿ يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً﴾قِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ الْكَافِرِينَ، أَيْ مَا مُرَادُ اللَّهِ بِهَذَا الْمَثَلِ الَّذِي يُفَرِّقُ بِهِ النَّاسَ إِلَى ضَلَالَةٍ وَإِلَى هُدًى. وَقِيلَ: بَلْ هُوَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ أَشْبَهُ، فَالْمَعْنَى: قُلْ يُضِلُّ اللَّهُ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا، أَيْ يُوَفِّقُ وَيَخْذِلُ([236]).

 

·            إضلال من ضل ليس لمجرد المشيئة، بل لوجود العلة التي كانت سبباً في إضلال الله العبد، لقوله تعالى: ﴿ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ﴾، وهذا كقوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾([237]).

 

·            ﴿ وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ﴾ الْفِسْقُ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ الشَّرْعِيِّ: الْخُرُوجُ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَدْ يَقَعُ عَلَى مَنْ خَرَجَ بِكُفْرٍ وَعَلَى من خرج بمعصية([238]).

 

·            ﴿ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ﴾ أي: الخارجين عن طاعة الله، المعاندين لرسل الله، الذين صار الفسق وصفهم، فلا يبغون به بدلا فاقتضت حكمته تعالى إضلالهم لعدم صلاحيتهم للهدى، كما اقتضت حكمته وفضله هداية من اتصف بالإيمان وتحلى بالأعمال الصالحة([239]).

 

·            الفسق نوعان: نوع مخرج من الدين، وهو الفسق المقتضي للخروج من الإيمان، كالمذكور في هذه الآية ونحوها، ونوع غير مخرج من الإيمان كما في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾([240]).

 

·            وصف الفاسقين فقال: ﴿ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾ وهذا يعم العهد الذي بينهم وبينه  والذي بينهم وبين عباده  الذي أكده عليهم بالمواثيق الثقيلة والإلزامات، فلا يبالون بتلك المواثيق، بل ينقضونها ويتركون أوامره ويرتكبون نواهيه، وينقضون العهود التي بينهم وبين الخلق([241]).

 

·            ﴿ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ ﴾أي العهد الذي بينهم وبين الله عزّ وجلّ، وهو الإيمان به، وبرسله([242]).

 

·            ﴿ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ﴾الْمِيثَاقُ: الْعَهْدُ الْمُؤَكَّدُ بِالْيَمِينِ، مِفْعَالٌ مِنَ الْوِثَاقَةِ وَالْمُعَاهَدَةِ، وَهِيَ الشِّدَّةُ فِي الْعَقْدِ وَالرَّبْطِ وَنَحْوِهِ([243]).

 

·            قوله تعالى: ﴿ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ﴾ أي يقطعون كل ما أمر الله به أن يوصل، كالأرحام، ونصرة الرسل، ونصرة الحق، والدفاع عن الحق([244]).

 

·            ﴿ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ﴾ قِيلَ: أَمَرَ بِوَصْلِ صِلَةُ الْأَرْحَامِ. وَقِيلَ: أَمَرَ أَنْ يُوصَلَ الْقَوْلُ بِالْعَمَلِ، فَقَطَعُوا بَيْنَهُمَا بِأَنْ قَالُوا وَلَمْ يَعْمَلُوا. وَقِيلَ: الْإِشَارَةُ إِلَى دِينِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ فِي الْأَرْضِ، وَإِقَامَةِ شَرَائِعِهِ وَحِفْظِ حُدُودِهِ. فَهِيَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَنْ يُوصَلَ. هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَالرَّحِمُ جُزْءٌ مِنْ هَذَا([245]).

 

·            ﴿ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾ وهذا يدخل فيه أشياء كثيرة، فإن الله أمرنا أن نصل ما بيننا وبينه بالإيمان به والقيام بعبوديته، وما بيننا وبين رسوله بالإيمان به ومحبته وتعزيره والقيام بحقوقه، وما بيننا وبين الوالدين والأقارب والأصحاب، وسائر الخلق بالقيام بتلك الحقوق  التي أمر الله أن نصلها([246]).

 

·            التحذير من قطع ما أمر الله به أن يوصل من الأرحام. أي الأقارب. وغيرهم، لأن الله ذكر ذلك في مقام الذم، وقطع الأرحام من كبائر الذنوب، لقول النبي rلا يدخل الجنة قاطع" ([247])، يعني قاطع رحم.

 

·            ﴿ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾أَيْ يَعْبُدُونَ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَجُورُونَ فِي الْأَفْعَالِ، إِذْ هِيَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِهِمْ، وهذا غاية الفساد([248]).

 

·            قوله تعالى: ﴿ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ﴾ أي يسعون لما به فساد الأرض فساداً معنوياً كالمعاصي، وفساداً حسياً كتخريب الديار، وقتل الأنفس([249]).

 

·            المعاصي والفسوق سبب للفساد في الأرض، كما قال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾([250]).عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ([251]).

 

·            الخبث" يشمل معنيين:

 

أحدهما: أن يكثر الخبث في العاملين بحيث يكون عامة الناس على هذا الوصف..

والثاني: أن يكثر فعل الخبث بأنواعه من فئة قليلة، لكن لا تقوم الفئة الصالحة بإنكاره، فمثلاً إذا كثر الكفار في أرض كان ذلك سبباً للشر، والبلاء، لأن الكفار نجس، فكثرتهم كثرة خبث، وإذا كثرت أفعال المعاصي كان ذلك سبباً أيضاً للشر، والبلاء، لأن المعاصي خبث([252]).

 

·            ﴿ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ﴾الْخَاسِرُ: الَّذِي نَقَصَ نَفْسَهُ حَظَّهَا مِنَ الْفَلَاحِ وَالْفَوْزِ. لِأَنَّهُ خَسِرَ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمُنِعَ مَنْزِلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ. وفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَفَاءَ بِالْعَهْدِ وَالْتِزَامَهُ وَكُلَّ عَهْدٍ جَائِزٍ أَلْزَمَهُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ نَقْضُهُ سَوَاءٌ أَكَانَ بَيْنَ مُسْلِمٍ أَمْ غَيْرِهِ، لِذَمِّ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ نَقَضَ عَهْدَهُ([253]).

 

·            ﴿ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ في الدنيا والآخرة، فحصر الخسارة فيهم، لأن خسرانهم عام في كل أحوالهم، ليس لهم نوع من الربح؛ لأن كل عمل صالح شرطه الإيمان، فمن لا إيمان له لا عمل له، وهذا الخسار هو خسار الكفر، وأما الخسار الذي قد يكون كفرا، وقد يكون معصية، وقد يكون تفريطا في ترك مستحب، المذكور في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ فهذا عام لكل مخلوق، إلا من اتصف بالإيمان والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، وحقيقة فوات الخير، الذي كان العبد بصدد تحصيله وهو تحت إمكانه([254]).

 

................

 

 

 

 

 

 

 

القسمالسابع: الآية 28-30

 

 

 

 

 

كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ:علا وارتفع من غير تحديد ولا تكييف ولا تشبيه.

 

·            يُفْسِدُ:الفساد: الخروج عن الاعتدال والاستقامة.

 

·            يَسْفِكُ:السفك: الصَّب والإهراق.

 

·            نُقَدِّسُ:التقديس: التطهير والتعظيم.

 

·            قوله تعالى: ﴿ كيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ... ﴾: كيف تجحدونه، وتكذبون به، وتستكبرون عن عبادته، وتنكرون البعث مع أنكم تعلمون نشأتكم؟!.

 

·            قوله تعالى: ﴿ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا ﴾: وذلك: قبل نفخ الروح في الإنسان هو ميت، جماد.

 

·            ﴿ فَأَحْيَاكُمْ ﴾ أي بنفخ الروح.

 

·            ﴿ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ﴾ ثانية، وذلك بعد أن يخرج إلى الدنيا.

 

·            ﴿ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾ الحياة الآخرة التي لا موت بعدها.

 

·            ﴿ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾: بعد الإحياء الثاني ترجعون إلى الله، فينبئكم بأعمالكم، ويجازيكم عليها ([255]).

 

·            الموت يطلق على ما لا روح فيه. وإن لم تسبقه حياة.، يعني: لا يشترط للوصف بالموت تقدم الحياة، لقوله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ﴾، أما ظن بعض الناس أنه لا يقال: "ميت" إلا لمن سبقت حياته، فهذا ليس بصحيح، بل إن الله تعالى أطلق وصف الموت على الجمادات، قال تعالى في الأصنام: ﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾([256]).

 

·            ﴿ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ: أَيْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا مَعْدُومِينَ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقُوا فَأَحْيَاكُمْ- أَيْ خَلَقَكُمْ- ثُمَّ يُمِيتُكُمْ عِنْدَ انْقِضَاءِ آجَالِكُمْ، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَإِذَا أَذْعَنَتْ نُفُوسُ الْكُفَّارِ لِكَوْنِهِمْ أَمْوَاتًا مَعْدُومِينَ، ثُمَّ لِلْإِحْيَاءِ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ لِلْإِمَاتَةِ فِيهَا قَوِيَ عَلَيْهِمْ لُزُومُ الْإِحْيَاءِ الْآخَرِ وَجَاءَ جَحْدُهُمْ لَهُ دَعْوَى لَا حُجَّةَ عَلَيْهَا([257]).

 

·            لو خرج الجنين قبل أن تنفخ فيه الروح فإنه لا يثبت له حكم الحي، ولهذا لا يُغَسَّل، ولا يكفن، ولا يصلي عليه، ولا يرث، ولا يورث، لأنه ميت جماد لا يستحق شيئاً مما يستحقه الأحياء، وإنما يدفن في أيّ مكان في المقبرة، أو غيرها([258]).

 

·            تمام قدرة الله عزّ وجلّ، فإن هذا الجسد الميت ينفخ الله فيه الروح، فيحيى، ويكون إنساناً يتحرك، ويتكلم، ويقوم، ويقعد، ويفعل ما أراد الله عزّ وجلّ.

 

·            إثبات البعث، لقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾، والبعث أنكره من أنكره من الناس، واستبعده، وقال: ﴿مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ﴾([259]).

 

·            ﴿ خَلَقَ﴾ مَعْنَاهُ اخْتَرَعَ وَأَوْجَدَ بَعْدَ الْعَدَمِ([260]).

 

·            قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ﴾ أي أوجد عن علم وتقدير على ما اقتضته حكمته جلّ وعلا، وعلمه([261]).

 

·            ﴿ لَكُمْ﴾ أَيْ مِنْ أَجْلِكُمْ. واسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ إِنَّ أَصْلَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا الْإِبَاحَةُ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَمَا كَانَ مِثْلَهَا حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الْحَظْرِ([262]).

 

·            ﴿لَكُمْ﴾: اللام هنا لها معنيان، المعنى الأول: الإباحة، كما تقول: "أبحت لك"، والمعنى الثاني: التعليل: أي خلق لأجلكم.. هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ([263]).

 

·            الصَّحِيحُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى﴿ خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ﴾ الِاعْتِبَارُ. يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ نَصْبِ الْعِبَرِ: الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ وَالْخَلْقِ وَالِاسْتِوَاءِ إِلَى السَّمَاءِ وَتَسْوِيَتِهَا، أَيِ الَّذِي قَدَرَ عَلَى إِحْيَائِكُمْ وَخَلْقِكُمْ وخلق السموات وَالْأَرْضِ، لَا تَبْعُدُ مِنْهُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْإِعَادَةِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَلَيْسَ فِي الْإِخْبَارِ بِهَذِهِ الْقُدْرَةِ عَنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَا يَقْتَضِي حَظْرًا وَلَا إِبَاحَةَ وَلَا وَقْفًا، وَإِنَّمَا جَاءَ ذِكْرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي مَعْرِضِ الدَّلَالَةِ وَالتَّنْبِيهِ لِيُسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ([264]).

 

·            ﴿ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾،﴿ما﴾ اسم موصول تعُمّ: كل ما في الأرض فهو مخلوق لنا من الأشجار، والزروع، والأنهار، والجبال... كل شيء([265]).

 

·            قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ اسْتَوى ﴾"﴿ثُمَّ﴾ لِتَرْتِيبِ الْإِخْبَارِ لَا لِتَرْتِيبِ الْأَمْرِ فِي نَفْسِهِ. وَالِاسْتِوَاءُ فِي اللُّغَةِ: الِارْتِفَاعُ وَالْعُلُوُّ عَلَى الشَّيْءِ([266]).

 

·            ﴿ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ ﴾ أي علا إلى السماء، هذا ما فسرها به ابن جرير. رحمه الله، وقيل: أي قصد إليها، وهذا ما اختاره ابن كثير. رحمه الله، فللعلماء في تفسير ﴿اسْتَوَى إِلَى﴾ قولان: الأول: أن الاستواء هنا بمعنى القصد، وإذا كان القصد تاماً قيل: استوى، لأن الاستواء كله يدل على الكمال، كما قال تعالى: ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى ﴾([267]) أي كمل، فمن نظر إلى أن هذا الفعل عُدّي بـ ﴿ إِلَى﴾ قال: إن ﴿اسْتَوَى﴾ هنا ضُمِّن معنى قصد، ومن نظر إلى أن الاستواء لا يكون إلا في علوّ جعل ﴿ إِلَى﴾ بمعنى "على"، لكن هذا ضعيف، لأن الله تعالى لم يستوِعلى السماء أبداً، وإنما استوى على العرش، فالصواب ما ذهب إليه ابن كثير رحمه الله وهو أن الاستواء هنا بمعنى القصد التام، والإرادة الجازمة، و ﴿ السَّمَاءِ ﴾ أي العلوّ، وكانت السماء دخاناً. أي مثل الدخان([268]).

 

·            يرى الكثير من الأئمة في تفسير آية ﴿ ثُمَّ اسْتَوى ﴾ وآية ﴿الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ﴾ ([269]) نقرأها ونؤمن بها ولا نفسرها، روي عن مالك رحمه اللّه أن رجلا سأله عن قوله تعالى: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأراك رجل سوء([270]).

 

·            ﴿ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ﴾ ذَكَرَ تعالى أن السموات سَبْعٌ. وَلَمْ يَأْتِ لِلْأَرْضِ فِي التَّنْزِيلِ عَدَدٌ صَرِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ إِلَّا قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾([271]) وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ، فَقِيلَ: وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلُهُنَّ أَيْ فِي الْعَدَدِ، لِأَنَّ الْكَيْفِيَّةَ وَالصِّفَةَ مُخْتَلِفَةٌ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْأَخْبَارِ، فَتَعَيَّنَ الْعَدَدُ. وَقِيلَ:﴿ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ أي في غلظهن([272]).

 

·            ﴿ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ ﴾ أي جعلها سوية طباقاً غير متناثرة قوية متينة([273]).

 

·            ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ أي بما خلق وهو خالق كل شي، فوجب أن يكون عالما بكل شي، فَهُوَ الْعَالِمُ وَالْعَلِيمُ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ بِعِلْمٍ قَدِيمٍ أَزَلِيٍّ وَاحِدٍ قَائِمٍ بِذَاتِهِ([274]).

 

·            علم اللّه واسع شامل لكل ما خلق، وهو خالق كل شيء، فوجب أن يكون عالما بكل شيء، ولا يكون هذا النظام المحكم في السموات والأرض إلا من لدن حكيم عليم بما خلق، فلا عجب أن يرسل رسولا مؤيدا بكتاب لهداية الناس، يضرب فيه الأمثال بما شاء من مخلوقاته، عظم أو صغر([275]).

 

·            قوله ﴿عَلِيمٌ﴾ من صيغ المبالغة، ومعناه الواسع العلم الذي أحاط علمه بجميع الأشياء([276]).

 

·            ﴿ وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ﴾ قَالَ أَرْبَابُ الْمَعَانِي: خَاطَبَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ لَا لِلْمَشُورَةِ وَلَكِنْ لِاسْتِخْرَاجِ مَا فِيهِمْ مِنْ رُؤْيَةِ الْحَرَكَاتِ وَالْعِبَادَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ([277]).

 

·            الملائكة ذوو عقول، ووجهه أن الله تعالى وجه إليهم الخطاب، وأجابوا، ولا يمكن أن يوجه الخطاب إلا إلى من يعقله، ولا يمكن أن يجيبه إلا من يعقل الكلامَ، والجوابَ عليه، وإنما نبَّهْنا على ذلك، لأن بعض أهل الزيغ قالوا: إن الملائكة ليسوا عقلاء([278]).

 

·            ﴿ جَاعِلٌ﴾ هُنَا بِمَعْنَى خَالِقٌ. والْخَلِيفَةِ: آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ خَلِيفَةُ اللَّهِ فِي إِمْضَاءِ أَحْكَامِهِ وَأَوَامِرِهِ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ إِلَى الْأَرْضِ([279]).

 

·            قوله تعالى: ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾، خليفة يخلف الله، أو يخلف من سبقه، أو يخلف بعضهم بعضاً يتناسلون([280]).

 

·            الحكمة من جعل آدم عليه السلام خليفة هي الرحمة بالعباد - لا لافتقار الله - وذلك أن العباد لا طاقة لهم على تلقي الأوامر والنواهي من الله بلا واسطة، ولا بواسطة مَلَك، فمن رحمته ولطفه وإِحسانه إِرسال الرسل من البشر([281]).

 

·            في إِخبار الله تعالى للملائكة عن خلق آدم واستخلافه في الأرض، تعليمٌ لعباده المشاورة في أمورهم قبل أن يقدموا عليها([282]).

 

·            ﴿ قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ﴾ لَمَّا سَمِعُوا لَفْظَ خَلِيفَةٍ فَهِمُوا أَنَّ فِي بَنِي آدَمَ مَنْ يُفْسِدُ، إِذِ الْخَلِيفَةُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِصْلَاحُ وَتَرْكُ الْفَسَادِ، لَكِنْ عَمَّمُوا الْحُكْمَ عَلَى الْجَمِيعِ بِالْمَعْصِيَةِ، فَبَيَّنَ الرَّبُّ تَعَالَى أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يُفْسِدُ وَمَنْ لَا يُفْسِدُ فَقَالَ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ:" إِنِّي أَعْلَمُ" وَحَقَّقَ ذَلِكَ بِأَنْ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ، وَكَشَفَ لَهُمْ عَنْ مَكْنُونِ عِلْمِهِ ([283]).

 

·            استفهام الملائكة للاستطلاع، والاستعلام، وليس للاعتراض، قال تعالى﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا﴾ ([284]).

 

·            ﴿ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾ أَيْ نُنَزِّهُكَ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِصِفَاتِكَ. وَالتَّسْبِيحُ فِي كَلَامِهِمُ التَّنْزِيهُ مِنَ السُّوءِ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ السَّبْحِ فَالْمُسَبِّحُ جَارٍ فِي تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَبْرِئَتِهِ مِنَ السُّوءِ. وتَسْبِيحِ الْمَلَائِكَةِ: صلاتهم، وَقَالَ قَتَادَةُ: تَسْبِيحُهُمْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، عَلَى عُرْفِهِ فِي اللُّغَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ﴿بِحَمْدِكَ﴾ أَيْ وَبِحَمْدِكَ نَخْلِطُ التَّسْبِيحَ بِالْحَمْدِ وَنَصِلُهُ بِهِ. وَالْحَمْدُ: الثَّنَاءُ. ﴿وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ أَيْ نُعَظِّمُكَ وَنُمَجِّدُكَ وَنُطَهِّرُ ذِكْرَكَ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِكَ مِمَّا نَسَبَكَ إِلَيْهِ الْمُلْحِدُونَ([285]).

 

·            شدة تعظيم الملائكة لله عزّ وجلّ، حيث قالوا: ﴿ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾([286]).

 

·            وصف الإنسان نفسه بما فيه من الخير لا بأس به إذا كان المقصود مجرد الخبر دون الفخر، لقولهم: ﴿ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾، ويؤيد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" ([287])، وأما إذا كان المقصود الفخر، وتزكية النفس بهذا فلا يجوز، لقوله تعالى:﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ ([288]).

 

·            ﴿ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.﴿أَعْلَمُ﴾ فِعْلٌ مُسْتَقْبَلٌ.أي: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ مِمَّا كَانَ وَمِمَّا يَكُونُ وَمِمَّا هُوَ كائن، فهو عام([289]).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

......................................

 

.............................

 

..................

 

...............

 

..........

 

......

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسم الثامن: الآية 31-34

 

 

 

وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            عرض الشيء: إظهاره حتى تعرف جهته.

 

·            الإنباء: الإخبار.

 

·            الْحَكِيمُ: فعيل بمعنى مفعل، من أحكم الشيء: أتقنه ومنعه من الخروج عما يريده.

 

·            تُبْدُونَ: تظهرون.

 

·            تَكْتُمُونَ: تخفون.

 

·            اسْجُدُوا: السجود: التذلل والخضوع، وقال بعضهم: سجد: وضع جبهته بالأرض. وأسجد: ميّل رأسه وانحنى.

 

·            إِبْلِيسَ:مشتق من الإبلاس، وهو الحزن الناشئ من شدة اليأس.

 

·            ﴿ آدَمَ ﴾ هو أبو البشر، و ﴿ الْأَسْمَاءَ ﴾ جمع "اسم"،  وهذه الأسماء. والله أعلم. ما يحتاج إليها آدم، وبنوه في ذلك الوقت([290]).

 

·            ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها﴾... ﴿ عَلَّمَ﴾ معناه عَرَّفَ. وَتَعْلِيمُهُ هُنَا إِلْهَامُ عِلْمِهِ ضَرُورَةً. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِوَاسِطَةِ مَلَكٍ وَهُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السلام. وَآدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُكَنَّى أَبَا الْبَشَرِ. واشْتِقَاقِهِ، مِنْ أَدَمَةِ الْأَرْضِ وَأَدِيمِهَا وَهُوَ وَجْهُهَا، فَسُمِّيَ بِمَا خُلِقَ مِنْهُ ([291]).

 

·            ميّز اللّه آدم عن الملائكة بتعليمه أسماء جميع الأشياء المادية التي يراها حوله من زروع، وأشجار، وثمار، وأوعية، وحيوان، وجماد، لحاجته إلى الاستفادة منها في طعامه وشرابه، بخلاف الملائكة الذين لا يحتاجون إلى شيء، ثم طالب اللّه الملائكة بأسماء المسميات المرئية الحاضرة، بعد أن عرض عليهم المسميات، فلم يعلموها. وحاجة ذرية آدم إلى الأشياء تدفعهم إلى العمل والتفكير، والتنقيب عن تلك الأشياء، وعمارة الكون وتقدم وسائل الحياة في كل المجالات من زراعة وصناعة وتجارة([292]).

 

·            ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَابْنُ جُبَيْرٍ: عَلَّمَهُ أَسْمَاءَ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا جَلِيلِهَا وَحَقِيرِهَا. وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ لَفْظُ﴿ كُلَّها﴾ إِذْ هُوَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِلْإِحَاطَةِ وَالْعُمُومِ([293]).

 

·            رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ فَجَاءَ مِنْهُمُ الْأَحْمَرُ وَالْأَبْيَضُ وَالْأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ ([294]).

 

·            قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ عَرَضَهُمْ ﴾ أي عرض المسميات، بدليـــــــــــــــــــــل قوله تعالى: ﴿ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ ﴾، ولأن الميم علامة جمع العاقل، فلم تعلم الملائكة أسماء تلك المسميات، بل كان جوابهم: ﴿ سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ﴾، ثم قال تعالى: ﴿ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ﴾: وأراد عزّ وجلّ بذلك أن يعرف الملائكة أنهم ليسوا محيطين بكل شيء علماً، وأنهم يفوتهم أشياء يفضلهم آدم فيها([295]).

 

·            ﴿ ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ﴾ قَالَ ابْنْ عَطِيَّةَ: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ وَعَرَضَهُنَّ عَلَيْهِ مَعَ تِلْكَ الْأَجْنَاسِ بِأَشْخَاصِهَا، ثُمَّ عَرَضَ تِلْكَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَسَأَلَهُمْ عَنْ تَسْمِيَاتِهَا الَّتِي قَدْ تَعَلَّمَوهَا([296]).

 

·            قوله تعالى: ﴿ أَنْبِئُونِي ﴾:تحدٍّ، بدليل قوله تعالى: ﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أن لديكم علماً بالأشياء فأنبئوني بأسماء هؤلاء، لأن الملائكــــــــــــة قالت فيما سبق: ﴿ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾، فقال تعالى: ﴿ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ ([297]).

 

·            ﴿ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ شَرْطٌ، وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أَنَّ بَنِي آدَمَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَأَنْبِئُونِي، قَالَهُ الْمُبَرِّدُ. وَمَعْنَى﴿ صادِقِينَ﴾ عَالِمِينَ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَسُغْ لِلْمَلَائِكَةِ الِاجْتِهَادُ([298]).

 

·            جواز التحدي بالعبارات التي يكون فيها شيء من الشدة، لقولــــــــــــــــه تعــــــــــالى: ﴿ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾([299]).

 

·            ﴿ قالُوا سُبْحانَكَ لَا عِلْمَ لَنا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنا﴾ أَيْ تَنْزِيهًا لَكَ عَنْ أَنْ يَعْلَمَ الْغَيْبَ أَحَدٌ سِوَاكَ. وَهَذَا جَوَابُهُمْ عَنْ قَوْلِهِ﴿ أَنْبِئُونِي﴾ فَأَجَابُوا أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ إِلَّا مَا أَعْلَمَهُمْ بِهِ وَلَمْ يَتَعَاطَوْا مَا لَا عِلْمَ لهم به([300]).

 

·            شدة تعظيم الملائكة لله عزّ وجلّ، حيث اعترفوا بكماله، وتنزيهه عن الجهل بقولهم: ﴿ سُبْحَانَكَ ﴾، واعترفوا لأنفسهم بأنهم لا علم عندهم، واعترفوا لله بالفضل في قولهم: ﴿ إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ﴾([301]).

 

·            يلاحظ أن الملائكة عند ما سئلوا عما لا يعلمون كان جوابهم سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا وهذا أدب رفيع أن يقول المسئول عن شئ لا يدريه: لا أدري. قال القرطبي: وذكر الهيثم بن جميل قال شهدت مالك بن أنس سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال: في اثنتين وثلاثين منها: لا أدري» وهو أدب نفيس. فقد اعتاد الكثيرون أن يهجموا على الحديث في كل شئ دون أن يكون عندهم علم فيه، وإنما هي الظنون أو الأوهام([302]).

 

·            ﴿ الْعَلِيمُ﴾ فعيل للمبالغة والتكثير في المعلومـــــــــات في خلـــــــــــــــــق الله تعــــــــالى.

 

﴿ الْحَكِيمُ﴾ مَعْنَاهُ الْحَاكِمُ، وقيل الْحَكِيمُ: الْمَانِعُ مِنَ الْفَسَادِ، وَالسُّورَةُ الْمُحْكَمَةُ: الْمَمْنُوعَةُ مِنَ التَّغْيِيرِ وَكُلِّ التَّبْدِيلِ، وَأَنْ يُلْحَقَ بِهَا مَا يَخْرُجُ عَنْهَا، وَيُزَادُ عَلَيْهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا([303]).

 

·            ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾: إنك ذو العلم الواسع الشامل المحيط بالماضي والحاضر، والمستقبل ([304]).

 

·            ﴿الحَكِيمٌ ﴾ وهو ذو الحكم، والسلطان التام، فلا معقب لحكمه، وحكمه تعالى نوعان: شرعي، وقدري، فأما الشرعي فوحيه الذي جاءت به رسله، ومنه قوله تعالى: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾([305])، وقوله تعالى ﴿ ذَلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾([306])، وأما حكمه القدري فهو ما قضى به قدراً على عباده من شدة، ورخاء، وحزن، وسرور، وغير ذلك، ومنه قوله تعالى عن أحد إخوة يوسف: ﴿ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ ([307]).

 

·            قوله تعالى: ﴿ قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ﴾، القائل هو الله عزّ وجلّ، و ﴿آدم﴾ هو أبو البشر، والظاهر أن هذا اسم له، وليس وصفاً، وهو مشتق لغة من الأُدْمة، وهي لون بين البياض الخالص والسواد([308]).

 

·            ﴿ قالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ﴾ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُعْلِمَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ بَعْدَ أَنْ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ لِيَعْلَمُوا أَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ تَنْبِيهًا عَلَى فَضْلِهِ وَعُلُوِّ شَأْنِهِ، فَكَانَ أَفْضَلَ مِنْهُمْ بِأَنْ قَدَّمَهُ عَلَيْهِمْ وَأَسْجَدَهُمْ لَهُ وَجَعَلَهُمْ تَلَامِذَتَهُ وَأَمَرَهُمْ بِأَنْ يَتَعَلَّمُوا مِنْهُ. فَحَصَلَتْ لَهُ رُتْبَةُ الْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ بِأَنْ جَعَلَهُ مَسْجُودًا لَهُ، مُخْتَصًّا بِالْعِلْمِ([309]).

 

·            إن الملائكة تتكلم، لقوله تعالى: ﴿ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾.

 

 

 

·            ﴿ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي ما غاب فيهما. وهو نوعان: نسبي، وعام، فأما النسبي فهو ما غاب عن بعض الخلق دون بعض، وأما العام فهو ما غاب عن الخلق عموماً. ﴿ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ أي: أن الملائكة لها إرادات تُبدى، وتكتم ([310]).

 

·            ﴿ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْمُرَادُ مَا كَتَمَهُ إِبْلِيسُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْكِبْرِ وَالْمَعْصِيَةِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَجَاءَ" تَكْتُمُونَ" لِلْجَمَاعَةِ، وَالْكَاتِمُ وَاحِدٌ فِي هَذَا الْقَوْلِ عَلَى تَجَوُّزِ الْعَرَبِ وَاتِّسَاعِهَا، كَمَا يُقَالُ لِقَوْمٍ قَدْ جَنَى سَفِيهٌ مِنْهُمْ: أَنْتُمْ فَعَلْتُمْ كَذَا. أَيْ مِنْكُمْ فَاعِلُهُ، وَهَذَا مَعَ قَصْدِ تَعْنِيفٍ([311]).

 

·            إن الله تعالى عالم بما في القلوب سواء أُبدي أم أُخفي، لقوله تعالى: ﴿ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ فإن قال قائل: ما الدليل على أن الملائكة لها قلوب؟ فالجواب: قوله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ ([312]).

 

·            قوله تعالى: ﴿فَسَجَدُواْ﴾ أي من غير تأخير، فالفاء هنا للترتيب، والتعقيب([313]).

 

·            قوله تعالى: ﴿ اسْجُدُوا لِآدَمَ ﴾: "السجود" هو السجود على الأرض بأن يضع الساجد جبهته على الأرض خضوعاً، وخشوعاً، وليس المراد به هنا الركوع، لأن الله تعالى فرَّق بين الركــــــــــــــــوع والسجود، كما في قولــــه تعــــــالى:

 

﴿ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا ﴾([314])، وقولـــــــه تعــــــــالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ﴾([315]).

 

·            ﴿ وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا ﴾وَقَالَ﴿ قُلْنا﴾ وَلَمْ يَقُلْ قُلْتُ لِأَنَّ الْجَبَّارَ الْعَظِيمَ يُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهِ بِفِعْلِ الْجَمَاعَةِ تَفْخِيمًا وَإِشَادَةً بِذِكْرِهِ. والسُّجُودُ مَعْنَاهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ التَّذَلُّلُ وَالْخُضُوعُ، وَغَايَتُهُ وَضْعُ الْوَجْهِ بِالْأَرْضِ. وقِيلَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمَّا اسْتَعْظَمُوا بِتَسْبِيحِهِمْ وَتَقْدِيسِهِمْ أَمَرَهُمْ بِالسُّجُودِ لِغَيْرِهِ لِيُرِيَهُمُ اسْتِغْنَاءَهُ عَنْهُمْ وَعَنْ عِبَادَتِهِمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَيَّرُوا آدَمَ وَاسْتَصْغَرُوهُ وَلَمْ يَعْرِفُوا خَصَائِصَ الصُّنْعِ بِهِ فَأُمِرُوا بِالسُّجُودِ لَهُ تَكْرِيمًا. وسُجُودِ الْمَلَائِكَةِ لِآدَمَ لَمْ يَكُنْ سُجُودَ عِبَادَةٍ. قَالَ الْجُمْهُورُ: كَانَ هَذَا أَمْرًا لِلْمَلَائِكَةِ بِوَضْعِ الْجِبَاهِ عَلَى الْأَرْضِ، كَالسُّجُودِ الْمُعْتَادِ فِي الصَّلَاةِ، لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنَ السُّجُودِ فِي الْعُرْفِ وَالشَّرْعِ، وَعَلَى هَذَا قِيلَ: كَانَ ذَلِكَ السُّجُودُ تَكْرِيمًا لِآدَمَ وَإِظْهَارًا لِفَضْلِهِ، وَطَاعَةً لِلَّهِ تَعَالَى([316]).

 

·            ﴿ إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ هو الشيطان، وسمي إبليساً لأنه أَبلَسَ من رحمة الله. أي أَيِسَ منها يأساً لا رجاء بعده([317]).

 

·            ﴿ أَبى﴾ مَعْنَاهُ امْتَنَعَ مِنْ فِعْلِ مَا أُمِرَ بِهِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ يَا وَيْلَهُ- وفي رواية: يَا وَيْلِي- أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِي النَّارُ) ([318]).

 

·            الاستكبار: طلب الكبر في النفس وتصوره فيها، وفي صحيح مسلم: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ([319]).

 

·            ﴿ وَاسْتَكْبَرَ﴾ الِاسْتِكْبَارُ: الِاسْتِعْظَامُ فَكَأَنَّهُ كَرِهَ السُّجُودَ فِي حَقِّهِ وَاسْتَعْظَمَهُ فِي حَقِّ آدَمَ، فَكَانَ تَرْكُ السُّجُودِ لِآدَمَ تَسْفِيهًا لِأَمْرِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ. ﴿ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ﴾ أَيْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ سَيَكْفُرُ، لِأَنَّ الْكَافِرَ حَقِيقَةً وَالْمُؤْمِنَ حَقِيقَةً هُوَ الَّذِي قَدْ عَلِمَ اللَّهُ مِنْهُ الْمُوَافَاةَ([320]).

 

·            ﴿كَانَ﴾ هنا مسلوبة الزمان، ويراد بها تحقيق اتصاف الموصوف بما دلت عليه الجملة وليس بمعنى أنه فيما مضى، بل لا يزال ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾([321])، وقوله تعالى: ﴿ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾([322])، وقوله تعالى: ﴿ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ ([323]).

 

·            ﴿ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾  قِيلَ: كَانَ بِمَعْنَى صَارَ، وَقِيلَ: عَلَى بَابِهَا أَيْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِاللَّهِ قَبْلَ كُفْرِهِ. فَالْمَعْنَى: أَنَّهُ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ سَيَكُونُ مِنَ الْكَافِرِينَ ([324]).

 

.......................

 

.............

 

.........

 

......

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسم التاسع: الآية 35-39

 

 

 

وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(39)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            رَغَداً: سعة العيش.

 

·            أَزَلَّهُمَا:أصله من الزلل، وهو عثور القدم، ثم استعمل في ارتكاب الخطيئة، يقال: زلَّ الرجل إذا أخطأ.

 

·            مُسْتَقَرٌّ: موضع الاستقرار والثبات.

 

·            مَتاعٌ: ما يتمتع به الإنسان من الطعام والشراب واللباس وغيره.

 

·            فَتَابَ: التوبة: هي الرجوع، وتعني رجوع العبد عن المعصية لله تعالى.

 

·            تَبِعَ: بمعنى لحق، وبمعنى تلا، وبمعنى اقتدى.

 

·            خَوْفٌ: توقّع مكروه في المستقبل، وضده الأمن.

 

·            يَحْزَنُونَ: الحزن: غلظ الهمّ لفوت المرغوب في الماضي والحال، مأخوذ من الحزن وهو ما غلظ من الأرض، وضده السّرور.

 

·            إثبات القول لله عزّ وجلّ، لقوله تعالى: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ﴾ ([325]).

 

·            ﴿ وَقُلْنا يَا آدَمُ اسْكُنْ﴾ لَا خِلَافَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْرَجَ إِبْلِيسَ عِنْدَ كُفْرِهِ وَأَبْعَدَهُ عَنِ الْجَنَّةِ، وَبَعْدَ إِخْرَاجِهِ قَالَ لِآدَمَ: اسْكُنْ، أَيْ لَازِمِ الْإِقَامَةَ وَاتَّخِذْهَا مَسْكَنًا، وَهُوَ مَحَلُّ السُّكُونِ([326]).

 

·            أن قول الله يكون بصوت مسموع، وحروف مرتبة، لقوله تعالى: ﴿ يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ... ﴾ إلخ، ولولا أن آدم يسمعه لم يكن في ذلك فائدة، وأيضاً هو مرتب، لقوله تعالى: ﴿ يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ﴾: وهذه حروف مرتبة، كما هو ظاهر، وإنما قلنا ذلك لأن بعض أهل البدع يقول: إن كلام الله تعالى هو المعنى القائم بنفسه، وليس بصوت، ولا حروف مرتبة، ولهم في ذلك آراء مبتدعة أوصلها بعضهم إلى ثمانية أقوال([327]).

 

·            ﴿ يَا آدَمُ اسْكُنْ﴾اسْكُنْ مُسْتَعْمَلٌ فِي الِامْتِنَانِ بِالتَّمْكِينِ وَالتَّخْوِيلِ وَلَيْسَ أَمْرًا لَهُ بِأَنْ يَسْعَى بِنَفْسِهِ لِسُكْنَى الْجَنَّةِ إِذْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ السَّعْيِ فَلَا يُكَلَّفُ بِهِ([328]).

 

·            سياق الآية يقتضي أن حواء خلقت قبل دخول آدم الجنة. ونقل عن السدي: إن خلق حواء كان بعد دخول الجنة([329]).

 

·            النكاح سنة قديمة منذ خلق الله آدم، وبقيت في بنيه من الرسل، والأنبياء، ومن دونهم، كما قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ﴾([330]).

 

·            الأمر يأتي للإباحة، لقوله تعالى: ﴿ وَكُلَا مِنْهَا ﴾، فإن هذه للإباحة بدليل قوله تعالى: ﴿ حَيْثُ شِئْتُمَا ﴾: خيَّرهما أن يأكلا من أيّ مكان، ولا شك أن الأمر يأتي للإباحة، ولكن الأصل فيه أنه للطلب حتى يقوم دليل أنه للإباحة([331]).

 

·            الرَّغَدُ: الْعَيْشُ الدَّارُّ الْهَنِيُّ الذي لا عناء فيه، وَيُقَالُ: رَغُدَ عَيْشُهُمْ وَرَغِدَ (بِضَمِّ الْغَيْنِ وَكَسْرِهَا). وَأَرْغَدَ الْقَوْمُ: أَخْصَبُوا وَصَارُوا فِي رَغَدٍ مِنَ الْعَيْشِ([332]).

 

·            ظاهر النص أن ثمار الجنة ليس له وقت محدود، بل هو موجود في كل وقت، لقوله تعالى: ﴿ حَيْثُ شِئْتُمَا ﴾، فالتعميم في المكان يقتضي التعميم في الزمان، وقد قال الله تعالى في فاكهة الجنة: ﴿ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ﴾ ([333]).

 

·            قد يُنهى عن قربان الشيء والمراد النهي عن فعله، للمبالغة في التحذير منه، فإن قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ﴾: المراد: لا تأكلا منها، لكن لما كان القرب منها قد يؤدي إلى الأكل نُهي عن قربها([334])، وكذلك في قوله تعالى ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ﴾([335])  فنهى عن القرب من الزنى ليقطع الوسيلة إلى ارتكابه([336]).

 

·            ﴿ وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ أَيْ لَا تَقْرَبَاهَا بِأَكْلٍ، لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ  فِيهِ وَقَعَتْ. ولَمَّا أَرَادَ النَّهْيَ عَنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ نَهَى عَنْهُ بِلَفْظٍ يَقْتَضِي الْأَكْلَ وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ الْعَرَبُ وَهُوَ الْقُرْبُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا مِثَالٌ بَيِّنٌ فِي سَدِّ الذَّرَائِعِ. ويُقَالُ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ أَكَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ حَوَّاءُ بِإِغْوَاءِ إِبْلِيسَ إِيَّاهَا- قَالَتْ: أَنَا آكُلُ قَبْلَكَ حتى إن أصابني شي سَلِمْتَ أَنْتَ، فَأَكَلَتْ فَلَمْ يَضُرَّهَا، فَأَتَتْ آدَمَ فَقَالَتْ: كُلْ فَإِنِّي قَدْ أَكَلْتُ فَلَمْ يَضُرَّنِي، فأكل فبدت لهما سوآتهما وَحَصَلَا فِي حُكْمِ الذَّنْبِ([337]).

 

·            إثبـــــات الأسباب، لقولـــــــــه تعــــــــــالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾([338]).

 

·            ﴿فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ قَرَنَ النَّهْيَ بِالْوَعِيدِ، وَقِيلَ: أَكَلَهَا نَاسِيًا، وَمِنَ الْمُمْكِنِ أَنَّهُمَا نَسِيَا الْوَعِيدَ. الظُّلْمُ أَصْلُهُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ([339]).

 

·            معصية الله تعالى ظلم للنفس، وعدوان عليها، لقوله تعالى: (وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ.. ﴾ ([340]).

 

·            ﴿ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها﴾ مِنَ الزَّلَّةِ وَهِيَ الْخَطِيئَةُ، أَيِ اسْتَزَلَّهُمَا وَأَوْقَعَهُمَا فِيهَا. وَقَرَأَ حَمْزَةُ﴿فَأَزَالَهُمَا﴾ بِأَلِفٍ، مِنَ التَّنْحِيَةِ، أَيْ نَحَّاهُمَا. يُقَالُ: أَزَلْتُهُ فَزَالَ. قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: فَأَزَالَهُمَا مِنَ الزَّوَالِ، أَيْ صَرَفَهُمَا عَمَّا كَانَا عَلَيْهِ مِنَ الطَّاعَةِ إِلَى الْمَعْصِيَةِ([341]).

 

·            قوله تعالى: ﴿ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ ﴾، وفي قراءة: ﴿فأزالهما﴾، والفرق بينهما أن ﴿أَزَلَّهُمَا﴾ بمعنى أوقعهما في الزلل، و ﴿أَزاَلهُمَا﴾ بمعنى نحَّاهما، فعلى القراءة الأولى يكون الشيطان أوقعهما في الزلل، فزالا عنها، وأُخرجا منها، وعلى الثانية يكون الشيطان سبباً في تنحيتهما، و ﴿ الشَّيْطَانُ ﴾ الظاهر أنه الشيطان الذي أبى أن يسجد لآدم: وسوس لهما ليقوما بمعصية الله كما فعل هو حين أبى أن يسجد لآدم([342]).

 

·            وقال تعالى: ﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾([343])، وقـــــال تعالى: ﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَــــــــــالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾([344])،فالشيطان قد يأتي الإنسان، فيوسوس له، فيصغر المعصية في عينه، ثم إن كانت كبيرة لم يتمكن من تصغيرها، منّاه أن يتوب منها، فيسهل عليه الإقدام، ولذلك احذر عدوك أن يغرك([345]).

 

·            الشيطان عدو للإنسان، لقولــــــه تعـــــــالى: ﴿ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ﴾، وقد صرح الله تعالى بذلك في قولــــــــــــــــــه تعـــــــــــــالى: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ﴾ ([346]).

 

·            إضافة الفعل إلى المتسبب له، لقوله تعالى: ﴿ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَافَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ﴾، وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن المتسبب كالمباشر في الضمان، لكن إذا اجتمع متسبب ومباشر تمكن إحالة الضمان عليه فالضمان على المباشر، وإن لم تمكن فالضمان على المتسبب، مثال الأول، أن يحفر بئراً، فيأتي شخص، فيدفع فيها إنساناً، فيهلك: فالضمان على الدافع، ومثال الثاني: أن يلقي شخصاً بين يدي أسد، فيأكله: فالضمان على الملقي. لا على الأسد([347]).

 

·            ﴿فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ كَانَ إِخْرَاجُهُمَا مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى الْأَرْضِ، لِأَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْهَا، وَلِيَكُونَ آدَمُ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ. وَلَمْ يَقْصِدْ إِبْلِيسُ- لَعَنَهُ اللَّهُ- إِخْرَاجَهُ مِنْهَا وَإِنَّمَا قَصَدَ إِسْقَاطَهُ مِنْ مَرْتَبَتِهِ وَإِبْعَادِهِ كَمَا أُبْعِدَ هُوَ، فَلَمْ يَبْلُغْ مَقْصِدَهُ وَلَا أَدْرَكَ مُرَادَهُ، بَلِ ازْدَادَ خَيْبَةَ ظَنٍّ. قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿ ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى ﴾([348]) فَصَارَ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَلِيفَةَ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ ([349]).

 

·            عصيان آدم وقع نسيانا وسهوا([350])،كما قال جلّ وعزّ: ﴿ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ﴾ ([351]).

 

·            قول الله تعالى يكون شرعياً، ويكون قدرياً، فقوله تعالى: ﴿ يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا ﴾: هذا شرعي، وقوله تعالى: ﴿ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ﴾: الظاهر أنه كوني، لأنه سبحانه وتعالى يعلم أنه لو عاد الأمر إليهما لما هبطا، ويحتمل أن يكون قولاً شرعياً، لكن الأقرب عندي أنه قول كوني. والله أعلم([352]).

 

·            ﴿ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ الْخِطَابُ لِآدَمَ وَحَوَّاءَ وَالْحَيَّةِ وَالشَّيْطَانِ، فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالْعَدُوُّ: خِلَافُ الصَّدِيقِ،وَهُوَ من عدا إذا ظلم. ولَمْ يَكُنْ إِخْرَاجُ اللَّهِ تَعَالَى آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ وَإِهْبَاطُهُ مِنْهَا عُقُوبَةً لَهُ لِأَنَّهُ أَهْبَطَهُ بَعْدَ أَنْ تَابَ عَلَيْهِ وَقَبِلَ تَوْبَتَهُ وَإِنَّمَا أَهْبَطَهُ إِمَّا تَأْدِيبًا وَإِمَّا تَغْلِيظًا لِلْمِحْنَةِ. وَالصَّحِيحُ فِي إِهْبَاطِهِ نَشْرُ نَسْلِهِ فِيهَا لِيُكَلِّفَهُمْ وَيَمْتَحِنَهُمْ وَيُرَتِّبَ عَلَى ذَلِكَ ثَوَابَهُمْ وَعِقَابَهُمُ الْأُخْرَوِيَّ إِذِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ لَيْسَتَا بِدَارِ تَكْلِيفٍ فَكَانَتْ تِلْكَ الْأَكْلَةُ سَبَبَ إِهْبَاطِهِ مِنَ الْجَنَّةِ. وَلِلَّهِ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ([353]).

 

·            الجنة في مكان عالٍ، لقوله تعالى: ﴿ اهْبِطُوا ﴾، والهبوط يكون من أعلى إلى أسفل([354]).

 

·            أجمع أهل السنة على أن جنة الخلد هي التي أهبط منها آدم عليه السلام([355]).

 

·            لا يمكن العيش إلا في الأرض لبني آدم، لقوله تعالى: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾، ويؤيد هذا قوله تعالى: ﴿ قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾([356])، وبناءً على ذلك نعلم أن محاولة الكفار أن يعيشوا في غير الأرض إما في بعض الكواكب، أو في بعض المراكب محاولة يائسة، لأنه لابد أن يكون مستقرهم الأرض([357]).

 

·            ﴿وَمَتاعٌ﴾ الْمَتَاعُ مَا يُسْتَمْتَعُ بِهِ مِنْ أَكْلٍ وَلُبْسٍ وَحَيَاةٍ وَحَدِيثٍ وَأُنْسٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.﴿إِلى حِينٍ﴾ قِيلَ: إِلَى الْمَوْتِ، وَقِيلَ: إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي قول تَعَالَى﴿إِلى حِينٍ﴾ بِشَارَةٍ إِلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ غَيْرُ بَاقٍ فِيهَا وَمُنْتَقِلٌ إِلَى الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهَا وَهِيَ لِغَيْرِ آدَمَ دَالَّةٌ عَلَى الْمَعَادِ فَحَسْبُ والله أعلم([358]).

 

·            ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ﴾ ﴿ تَلَقَّى﴾ قِيلَ مَعْنَاهُ: فَهِمَ وَفَطِنَ، وَقِيلَ: تَلَقَّنَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: قَبُولُهَا تَعَلُّمُهُ لَهَا وَعَمَلُهُ بِهَا. والْكَلِمَاتِ هِيَ قَوْلُهُ﴿رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ﴾، ([359])وَقِيـــــلَ الْمُرَادُ بِالْكَلِمَاتِ الْبُكَاءُ وَالْحَيَاءُ وَالدُّعَاءُ. وَقِيــــلَ النَّدَمُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَالْحُزْنُ ([360]).

 

·            إن الله تعالى يتكلم بصوت مسموع، وجه ذلك أن آدم تلقى منه كلمات، وتلقي الكلمات لا يكون إلا بسماع الصوت، وهذا الذي عليه أهل السنة والجماعة أن الله يتكلم بكلام بصوت مسموع، وحروف مرتبة([361]).

 

·            أن قول الإنسان: ﴿رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ﴾ سبب لقبول توبة الله على عبده، لأنها اعتراف بالذنب([362]).

 

·            ﴿ فَتابَ ﴾ أَيْ قَبِلَ تَوْبَتَهُ، أَوْ وَفَّقَهُ لِلتَّوْبَةِ. وَكَانَ ذَلِكَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ. وَتَابَ الْعَبْدُ: رَجَعَ إِلَى طَاعَةِ رَبِّهِ وَعَبْدٌ تَوَّابٌ: كَثِيرُ الرُّجُوعِ إِلَى الطَّاعَةِ وَأَصْلُ التَّوْبَةِ الرُّجُوعُ يُقَالُ: تَابَ وثاب وآب وأناب: رجع.﴿ عليه﴾ ولم يَقُلْ عَلَيْهِمَا وَحَوَّاءُ مُشَارِكَةٌ لَهُ فِي الذَّنْبِ بِإِجْمَاعٍ لأن آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا خُوطِبَ فِي أَوَّلِ الْقِصَّةِ بِقَوْلِهِ:" اسْكُنْ" خَصَّهُ بِالذِّكْرِ فِي التَّلَقِّي فَلِذَلِكَ كُمِّلَتِ الْقِصَّةُ بِذِكْرِهِ وَحْدَهُ. وَأَيْضًا لَمَّا كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَابِعَةً لِلرَّجُلِ فِي غَالِبِ الْأَمْرِ لَمْ تُذْكَرْ([363]).

 

·            منة الله عزّ وجلّ على آدم بقبول التوبة، فيكون في ذلك منَّتان، الأولى: التوفيق للتوبة، حيث تلقَّى الكلمات من الله، والثانية: قبول التوبة، حيث قال تعالى: ﴿ فَتَابَ عَلَيْهِ ﴾.واعلم أن لله تعالى على عبده منتين، التوبة الأولى قبل توبة العبد، وهي التوفيق للتوبة، والتوبة الثانية بعد توبة العبد، وهي قبول التوبة، وكلاهما في القرآن، قال الله تبــــــــــــارك وتعـــــــــــــالى: ﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾([364]): فقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ﴾ أي وفقهم للتوبة، وقوله تعالى: ﴿ لِيَتُوبُوا ﴾ أي يقوموا بالتوبة إلى الله، وأما توبة القبول ففي قولــــــــه تعــــــالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ ﴾([365])([366]).

 

·            ﴿ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ وَصَفَ نَفْسَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِأَنَّهُ التَّوَّابُ وَتَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ مُعَرَّفًا وَمُنَكَّرًا وَاسْمًا وَفِعْلًا. وهُوَ وَصْفٌ حَقِيقِيٌّ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَتَوْبَةُ اللَّهِ عَلَى الْعَبْدِ قبوله تَوْبَتَهُ وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: قَبِلْتُ تَوْبَتَكَ وَأَنْ يَرْجِعَ إِلَى خَلْقِهِ الْإِنَابَةَ وَالرُّجُوعَ فِي قَلْبِ الْمُسِيءِ وَإِجْرَاءِ الطاعات على جوارحه الظاهرة ولَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى: تَائِبٌ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ تَابَ يَتُوبُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نُطْلِقَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ إِلَّا مَا أَطْلَقَهُ هُوَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ نَبِيُّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوْ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ، ولَيْسَ لِأَحَدٍ قُدْرَةٌ عَلَى خَلْقِ التَّوْبَةِ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِخَلْقِ الْأَعْمَالِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ. وَكَذَلِكَ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْبَلَ تَوْبَةَ مَنْ أَسْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ([367]).

 

·            لا تكون التوبة مقبولة من الإنسان إلا بأربعة أمور: الندم على ما كان، وترك الذنب الآن، والعزم على ألا يعود إليه في مستأنف الزمان، وردّ مظالم العباد وإرضاء الخصم بإيصال حقه إليه والاعتذار إليه باللسان ([368]).

 

·            اختصاص الله بالتوبة، والرحمة، بدليل ضمير الفصل، ولكن المراد اختصاصه بالتوبة التي لا يقدر عليها غيره، لأن الإنسان قد يتوب على ابنه، وأخيه، وصاحبه، وما أشبه ذلك، لكن التوبة التي لا يقدر عليها إلا الله. وهي المذكورة في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ ﴾([369]). هذه خاصة بالله([370]).

 

·            كذلك الرحمة المراد بها الرحمة التي لا تكون إلا لله، أما رحمة الخلق بعضهم لبعض فهذا ثابت. لا يختص بالله عزّ وجلّ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الراحمون يرحمهم الرحمن" ([371])

 

·            ﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا﴾ قِيلَ: الْهُبُوطُ الْأَوَّلُ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى السَّمَاءِ وَالثَّانِي مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ. وَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجَنَّةَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ([372]).

 

·            الهدى من عند الله، لقوله تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى﴾ ويتفرع على هذه الفائدة: أنك لا تسأل الهدى إلا من الله عزّ وجلّ، لأنه هو الذي يأتي به([373]).

 

·            ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً﴾ التَّوْفِيقُ لِلْهِدَايَةِ([374]).

 

·            إنه لا يتعبد لله إلا بما شرع، لقوله تعالى: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾([375]).

 

·            ﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾فِيمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنَ الْآخِرَةِ ﴿ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا. وَقِيلَ: لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى نَفْيِ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَخَوْفِهَا عَلَى الْمُطِيعِينَ لِمَا وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ مِنْ شَدَائِدِ الْقِيَامَةِ إِلَّا أَنَّهُ يُخَفِّفُهُ عَنِ الْمُطِيعِينَ وَإِذَا صَارُوا إِلَى رَحْمَتِهِ فكأنهم لم يخافوا. والله أعلم([376]).

 

·            الكفر والتكذيب جزاء صاحبهما الخلود في النار([377]).

 

·            ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أَيْ أَشْرَكُوا، لِقَوْلِهِ﴿ أَصْحابُ النَّارِ﴾ الصُّحْبَةُ: الِاقْتِرَانُ بِالشَّيْءِ فِي حَالَةٍ مَّا فِي زمان ما فان كانت الملازمة والخلطة فهو كَمَالُ الصُّحْبَةِ وَهَكَذَا هِيَ صُحْبَةُ أَهْلِ النَّارِ لَهَا([378]).

 

....................................

 

.............................

 

.....................

 

.................

 

............

 

..........

 

.....

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسم العاشر: الآية 40-44

 

 

 

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            إِسْرائِيلَ: يعقوب بن إسحاق بن ابراهيم عليهم الصلاة  السلام، وقد ذكروا أنه مركب من إسرا وهو العبد وإيل اسم من أسماء الله تعالى فكأنّه عبد الله.

 

·            أَوْفُوا: أدّوه وافيا تامّا.

 

·            فَارْهَبُونِ: خافوا الله تعالى، ولا تخافوا غيره.

 

·            ثَمَناً: هو العوض المبذول في مقابلة العين المبيعة.

 

·            لِمَا مَعَكُمْ: التوراة.

 

·            تَلْبِسُوا: تخلطوا واللّبس: الخلط، تقول العرب: لبست الشيء بالشّيء: خلطته. والتبس به: اختلط.

 

·            الْبِرِّ:  كل أعمال الخير.

 

·            يوجه الله تعالى الخطاب للمخاطب إما لكونه أوعى من غيره، وإما لكونه أولى أن يمتثل، وهنا وجّهه لبني إسرائيل، لأنهم أولى أن يمتثلوا، لأن عندهم من العلم برسالة النبي r وأنها حق ما ليس عند غيرهم([379]).

 

·            ﴿ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ اذْكُرُوا شُكْرَ نِعْمَتِي فَحَذَفَ الشُّكْرَ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ النِّعْمَةِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ أَرَادَ الذِّكْرَ بِالْقَلْبِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ أَيْ لَا تَغْفُلُوا عَنْ نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَلَا تَنَاسَوْهَا. وَالنِّعْمَةُ هُنَا اسْمُ جِنْسٍ. وَمِنْ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ أَنْ أَنْجَاهُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ وَجَعَلَ مِنْهُمْ أَنْبِيَاءَ وَأَنْزَلَ عليهم الكتب والمن والسلوى وفجر لهم من الْحَجَرِ الْمَاءَ إِلَى مَا اسْتَوْدَعَهُمْ مِنَ التَّوْرَاةِ الَّتِي فِيهَا صِفَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَعْتُهُ وَرِسَالَتُهُ. وَالنِّعَمُ عَلَى الْآبَاءِ نِعَمٌ عَلَى الْأَبْنَاءِ لِأَنَّهُمْ يَشْرُفُونَ بِشَرَفِ آبَائِهِمْ([380]).

 

·            تذكير العبد بنعمة الله عليه أدعى لقبوله الحق، وأقوم للحجة عليه، لقوله تعالى: ﴿ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ﴾ ([381]).

 

·            أوجبت الآية على اليهود ألا يغفلوا عن نعم اللّه التي أنعم بها عليهم وألا يتناسوها، والنعمة هنا: اسم جنس، مفردة بمعنى الجمع، قــــــــــــــــال اللّه تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها ﴾ ([382]).

 

·            من نعم الله عليهم: أن أنجاهم من آل فرعون، وجعل منهم أنبياء، وأنزل عليهم المن والسلوى، وفجّر لهم من الحجر الماء، واستودعهم التوراة التي فيها صفة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم ونعته ورسالته ([383]).

 

·            النعم على الآباء نعم على الأبناء، لأنهم يشرفون بشرف آبائهم وكانت النعم سببا في بقائهم. والتذكير بكثرة النعم يوجب الحياء عن إظهار المخالفة، ويوجب عظم المعصية، ويستدعي الإيمان بمحمد r وبالقرآن([384]).

 

·            عبيد النّعم كثيرون، وعبيد المنعم قليلون، فالله تعالى ذكّر بني إِسرائيل بنعمه عليهم، حتى يعرفوا نعمة المنعم فقال ﴿ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ ﴾ وأما أمة محمد r فقد ذكّرهم بالمنعم فقال ﴿فاذكروني أَذْكُرْكُمْ﴾([385]) ليتعرفوا من المنعم على النعمة وشتان بين الأمرين([386]).

 

·            عهدهم هو المذكور في قوله: ﴿ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾ ([387]).

 

·            وعهده هو المذكور في قوله: ﴿ لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ﴾ ([388]).

 

·            ﴿ أَوْفُوا بِعَهْدِي﴾ الَّذِي عَهِدْتُ إِلَيْكُمْ فِي التَّوْرَاةِ مِنَ اتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" أُوفِ بِعَهْدِكُمْ" بِمَا ضَمِنْتُ لَكُمْ عَلَى ذَلِكَ إِنْ أَوْفَيْتُمْ بِهِ فَلَكُمُ الْجَنَّةُ. وَقِيلَ﴿ أَوْفُوا بِعَهْدِي﴾ فِي أَدَاءِ الْفَرَائِضِ عَلَى السُّنَّةِ وَالْإِخْلَاصِ" أُوفِ" بِقَبُولِهَا مِنْكُمْ وَمُجَارَاتِكُمْ عَلَيْهَا. وَقِيلَ: هُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ وَوَصَايَاهُ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ ذِكْرُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي فِي التَّوْرَاةِ وَغَيْرِهِ. قُلْتُ: وَمَا طُلِبَ مِنْ هَؤُلَاءِ مِنَ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ هُوَ مَطْلُوبٌ مِنَّا([389]).

 

·            أن من وفى لله بعهده وفى الله له، لقولـــــــه تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾، بل إن الله أكرم من عبده، حيثيجزيه الحسنة بعشر أمثالها، وفي الحديث القدسي: "إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ إِلَيَّ شِبْراً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً، وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعاً، وَإِذَا أَتَانِي مَشْياً أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً" ([390])..

 

·            إن من نكث بعهد الله فإنه يعاقب بحرمانه ما رتب الله تعالى على الوفاء بالعهد، وذلك، لأن المنطوق في الآية أن من وفى لله وفى الله له، فيكون المفهوم أن من لم يفِ فإنه يعاقب، ولا يعطى ما وُعِد به، وهذا مقتضى عدل الله عزّ وجلّ([391]).

 

·            وجوب الوفاء بالنذر، لأن الناذر معاهد لله، كما قال تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾([392]).

 

·            وجوب إخلاص الرهبة لله عزّ وجلّ، لقوله تعالى: ﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ ([393]).

 

·            ﴿ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ أَيْ خَافُونِ. وَالرُّهْبُ وَالرَّهَبُ وَالرَّهْبَةُ الْخَوْفُ. وَيَتَضَمَّنُ الْأَمْرُ بِهِ مَعْنَى التَّهْدِيدِ. وَسَقَطَتِ الْيَاءُ بَعْدَ النُّونِ لِأَنَّهَا رأس أية([394]).

 

·            لا ينافي التوحيد أن يخاف الإنسان من سبُع، أو من عدو فإبراهيم عليه الصلاة والسلام لما جاءه الضيوف، ولم يأكلوا أوجس منهم خيفة، وموسى عليه الصلاة والسلام لما ألقى السحرة حبالهم، وعصيهم أوجس في نفسه خيفة([395]).

 

·            ﴿وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ﴾ أَيْ صَدِّقُوا، بِالْقُرْآنِ([396]).

 

·            يجب على بني إسرائيل أن يؤمنوا بالقرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى: ﴿ وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ﴾([397]).

 

·            ﴿ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ﴾  نَهَاهُمْ عَنْ أَنْ يَكُونُوا أَوَّلَ مَنْ كَفَرَ وَأَلَّا يَأْخُذُوا عَلَى آيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا أَيْ عَلَى تَغْيِيرِ صفة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رشى. وَكَانَ الْأَحْبَارُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فَنُهُوا عَنْهُ وسُمِّى مَا اعْتَاضُوهُ عَنْ ذَلِكَ ثَمَنًا لِأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ عِوَضًا فَانْطَلَقَ عَلَيْهِ اسْمُ الثَّمَنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَنًا. وَهَذِهِ الْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ خَاصَّةً بِبَنِي إِسْرَائِيلَ فَهِيَ تَتَنَاوَلُ مَنْ فَعَلَ فِعْلَهُمْ([398]).

 

·            رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) يَعْنِي رِيحَهَا([399]).

 

·            استدل بعض العلماء بقوله تعالى ﴿ولا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا ﴾ بعدم جواز أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ لِأَنَّ تَعْلِيمَهُ وَاجِبٌ مِنَ الْوَاجِبَاتِ الَّتِي يُحْتَاجُ فِيهَا إِلَى نِيَّةِ التَّقَرُّبِ وَالْإِخْلَاصِ فَلَا يُؤْخَذُ عَلَيْهَا أُجْرَةٌ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ([400]).

 

·            جميع ما في الدنيا قليل، ويشهد لهذا قوله تعالى: ﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾([401]).

 

·            وجوب تقوى الله عزّ وجلّ، وإفراده بالتقوى، لقوله تعالى: ﴿ وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ﴾

فإن قال قائل: أليس الله يأمرنا أن نتقي أشياء أخرى، كقوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ﴾([402])، وقوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾([403])، وقوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾([404]) ؟فالجواب: بلى، ولكن اتقاء هذه الأمور من تقوى الله عزّ وجلّ. فلا منافاة ([405]).

 

·            ﴿ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ﴾ اللَّبْسُ: الْخَلْطُ. لَبَسْتُ عَلَيْهِ الْأَمْرَ أَلْبِسْهُ، إِذَا مَزَجْتُ بَيِّنَهُ بِمُشْكِلِهِ وَحَقَّهُ بِبَاطِلِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى﴿ وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ﴾([406]). وَفِي الْأَمْرِ لُبْسَةٌ أَيْ لَيْسَ بِوَاضِحٍ([407]).

 

·            المراد بتلبيسهم الحق بالباطل، كتابتهم في التوراة ما ليس منها، وبكتمانهم الحقّ بقولهم لا نجد في التوراة صفة محمد r([408]).

 

·            ﴿ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ﴾  لَا تَخْلِطُوا مَا عِنْدَكُمْ مِنَ الْحَقِّ فِي الْكِتَابِ بِالْبَاطِلِ وَهُوَ التَّغْيِيرُ وَالتَّبْدِيلُ([409]).

 

·            وجوب بيان الحق، وتمييزه عن الباطل، فيقال: هذا حق، وهذا باطل، لقوله تعالى:﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ ﴾، ومن لبْس الحق بالباطل: أولئك القوم الذين يوردون الشبهات إما على القرآن، أو على أحكام القرآن، ثميزيلون الإشكال. مع أن إيراد الشبه إذا لم تكن قريبة لا ينبغي. ولو أزيلت هذه الشبهة، فإن الشيطان إذا أوقع الشبهة في القلب فقد تستقر فيه. وإن ذكِر ما يزيلها.

 

·            أنه ليس هناك إلا حق، وباطل، وإذا تأملت القرآن والسنة وجدت الأمر كذلك، قــــــــــــال تعــــــــــــــــالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ﴾([410])، وقــــــــــــال تعــــــــــــالى: ﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾([411])، وقال تعالى: ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ﴾([412])، وقال تعالى: ﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾([413])، وقال النبي r "والقرآن حجة لك أو عليك" ([414])

 

·            ﴿ وَتَكْتُمُوا الْحَق﴾ لَا يَكُنْ مِنْكُمْ لَبْسُ الْحَقِّ وَكِتْمَانُهُ أَيْ وَأَنْ تَكْتُمُوهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي كِتْمَانَهُمْ أَمْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَعْرِفُونَهُ.﴿ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ أَيْ أَنَّ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَامُ حَقٌّ فَكُفْرُهُمْ كَانَ كُفْرَ عِنَادٍ وَلَمْ يَشْهَدْ تَعَالَى لَهُمْ بِعِلْمٍ وَإِنَّمَا نَهَاهُمْ عَنْ كِتْمَانِ مَا عَلِمُوا. وَدَلَّ هَذَا عَلَى تَغْلِيظِ الذَّنْبِ عَلَى مَنْ وَاقَعَهُ عَلَى عِلْمٍ وَأَنَّهُ أَعْصَى مِنَ الْجَاهِلِ([415]).

 

·            تحريم كتمان الحق، لقوله تعالى: ﴿وتكتموا﴾ ([416]).

 

·            ﴿ وَآتُوا الزَّكاةَ﴾ أَمْرٌ أَيْضًا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَالْإِيتَاءُ الْإِعْطَاءُ. آتَيْتُهُ: أَعْطَيْتُهُ  وَأَتَيْتُهُ- بِالْقَصْرِ مِنْ غَيْرِ مَدٍّ- جِئْتُهُ. الزَّكَاةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ زَكَا الشَّيْءُ إِذَا نَمَا وَزَادَ يُقَالُ زَكَا الزَّرْعُ وَالْمَالُ يَزْكُو إِذَا كَثُرَ وَزَادَ. وَرَجُلٌ زَكِيٌّ أَيْ زَائِدُ الْخَيْرِ. وَسُمِّيَ الْإِخْرَاجُ مِنَ الْمَالِ زَكَاةً وَهُوَ نَقْصٌ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ يَنْمُو بِالْبَرَكَةِ أَوْ بِالْأَجْرِ الَّذِي يُثَابُ بِهِ الْمُزَكِّي. وَقِيلَ: أَصْلُهَا الثَّنَاءُ الْجَمِيلُ وَمِنْهُ زَكَّى الْقَاضِي الشَّاهِدَ. فَكَأَنَّ مَنْ يُخْرِجُ الزَّكَاةَ يُحَصِّلُ لِنَفْسِهِ الثَّنَاءَ الْجَمِيلَ وَقِيلَ: الزَّكَاةُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ التَّطْهِيرِ كَمَا يُقَالُ: زَكَا فُلَانٌ أَيْ طَهُرَ مِنْ دَنَسِ الْجَرْحَةِ وَالْإِغْفَالِ فَكَأَنَّ الْخَارِجَ مِنَ الْمَالِ يُطَهِّرُهُ مِنْ تَبِعَةِ الْحَقِّ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ لِلْمَسَاكِينِ الْمُرَادِ بِالزَّكَاةِ هُنَا فَقِيلَ: الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ([417]).

 

·            في الصلاة تطهير النفوس، وفي الزكاة تطهير المال، وكلاهما مظهر شكر اللّه على نعمه([418]).

 

·            جواز التعبير عن الكل بالبعض إذا كان هذا البعض من مباني الكل التي لا يتم إلا بها، لقوله تعالى: ﴿ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ ([419]).

 

·            ﴿ وَارْكَعُوا﴾ الرُّكُوعُ فِي اللُّغَةِ الِانْحِنَاءُ بِالشَّخْصِ وَكُلُّ مُنْحَنٍ رَاكِعٌ. وقيل:جُعِلَ الرُّكُوعُ لَمَّا كَانَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ عِبَارَةً عَنِ الصَّلَاةِ. والرُّكُوعُ الشَّرْعِيُّ هُوَ أَنْ يَحْنِيَ الرَّجُلُ صُلْبَهُ وَيَمُدَّ ظَهْرَهُ وَعُنُقَهُ وَيَفْتَحَ أَصَابِعَ يَدَيْهِ وَيَقْبِضَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَطْمَئِنَّ رَاكِعًا يَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمَ ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ([420]).

 

·            أتى بالمضارع ﴿أَتَأْمُرُونَ﴾ وإِن كان قد وقع ذلك منهم لأن صيغة المضارع تفيد التجدد والحدوث([421]).

 

·            ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ﴾ هَذَا استفهام معناه التَّوْبِيخِ وَالْمُرَادُ فِي قَوْلِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عُلَمَاءُ الْيَهُودِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ كَانَ الْأَحْبَارُ يحضون في طَاعَةِ اللَّهِ وَكَانُوا هُمْ يُوَاقِعُونَ الْمَعَاصِيَ([422]).

 

·            عبّر عن ترك فعلهم بالنسيان ﴿وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾ مبالغة في الترك فكأنه لا يجري لهم على بال، وعلقه بالأنفس توكيداً للمبالغة في الغفلة المفرطة([423]).

 

·            ﴿ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ أَيْ أَفَلَا تَمْنَعُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ مُوَاقَعَةِ هَذِهِ الْحَالِ الْمُرْدِيَةِ لَكُمْ. وَالْعَقْلُ: الْمَنْعُ وَمِنْهُ عِقَالُ الْبَعِيرِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ عَنِ الْحَرَكَةِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْعَاقِلُ مَنْ عَمِلَ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ فَهُوَ جَاهِلٌ([424]).

 

·            ﴿ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾: الاستفهام هنا للتوبيخ. يعني أفلا يكون لكم عقول تدركون بها خطأكم، وضلالكم.؟! و "العقل" هنا عقل الرشد، وليس عقل الإدراك الذي يناط به التكليف([425]).

 

................

 

.....

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسم الحادي عشر: الآية 45-48

 

 

 

 

 

وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            الصَّبْرِ: حبس النّفس على المكروه، وقيل: حبسها عما تسارع إليه.

 

·            الْخاشِعِينَ: الخاضعين المتذللين.

 

·            يَظُنُّونَ: يوقنون.

 

·            لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً: أي لا تقضي ولا تغني عنها شيئا.

 

·            شَفَاعَةٌ: وساطة إليها عند الله ليدفع عنهم الضر.

 

·            عَدْلٌ: فدية.

 

·            إرشاد الله - تبارك وتعالى - عباده إلى الاستعانة بهذين الأمرين: الصبر، والصلاة([426]).

 

·            ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ﴾ الصَّبْرُ: الْحَبْسُ فِي اللُّغَةِ.أَمَرَ تَعَالَى بِالصَّبْرِ عَلَى الطَّاعَةِ وَعَنِ الْمُخَالَفَةِ. وَإِذَا صَبَرَ عَنِ الْمَعَاصِي فَقَدْ صَبَرَ عَلَى الطَّاعَةِ. وخَصَّ الصَّلَاةَ بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ تَنْوِيهًا بِذِكْرِهَا وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا حَزَبَهُ  أَمْرٌ فَزَعَ إِلَى الصَّلَاةِ.فَالصَّلَاةُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ هِيَ الصَّلَاة الشَّرْعِيَّة. وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ الدُّعَاءُ عَلَى عُرْفِهَا فِي اللُّغَةِ. وقَالَ مُجَاهِدٌ: الصَّبْرُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الصَّوْمُ، الصَّبْرُ عَلَى الْأَذَى وَالطَّاعَاتِ مِنْ بَابِ جِهَادِ النَّفْسِ وَقَمْعِهَا عَنْ شَهَوَاتِهَا وَمَنْعِهَا مِنْ تَطَاوُلِهَا وَهُوَ مِنْ أَخْلَاقِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ([427]).

 

·            جواز الاستعانة بغير الله، لكن فيما يثبت أن به العون، فمثلاً إذا استعنت إنساناً يحمل معك المتاع إلى البيت كان جائزاً، قال النبي صلى الله عليه وسلم "وَيُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ، وَيَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، وَيَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ "([428]).

 

·            الاستعانة بما لا عون فيه فهو سفه في العقل، وضلال في الدين، وقد تكون شركاً: كأن يستعين بميت، أو بغائب لا يستطيع أن يعينه لبعده عنه، وعدم تمكنه من الوصول إليه ([429]).

 

·            ﴿ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ"﴾ عائد عَلَى الصَّلَاةِ وَحْدَهَا خَاصَّةً لِأَنَّهَا تَكْبُرُ عَلَى النُّفُوسِ مَا لَا يَكْبُرُ الصَّوْمُ وَالصَّبْرُ هُنَا: الصَّوْمُ فَالصَّلَاةُ فِيهَا سِجْنُ النُّفُوسِ. فَالصَّائِمُ إِنَّمَا مَنَعَ شَهْوَةَ النِّسَاءِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ثُمَّ يَنْبَسِطُ فِي سَائِرِ الشَّهَوَاتِ مِنَ الْكَلَامِ وَالْمَشْيِ وَالنَّظَرِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُلَاقَاةِ الْخَلْقِ فَيَتَسَلَّى بِتِلْكَ الْأَشْيَاءِ عَمَّا مُنِعَ. وَالْمُصَلِّي يَمْتَنِعُ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ فَجَوَارِحُهُ كُلُّهَا مُقَيَّدَةٌ بِالصَّلَاةِ عَنْ جَمِيعِ الشَّهَوَاتِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَانَتِ الصَّلَاةُ أَصْعَبَ عَلَى النَّفْسِ وَمُكَابَدَتُهَا أَشَدَّ ([430]).

 

·            ﴿ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ﴾ مِنْ خُشُوعِ الْمُصَلِّي: أَنْ يَكُونَ نَظَرُهُ فِي صَلَاتِهِ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، قَالُوا: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْظُرُ حَيْثُ يَسْجُدُ([431]).

 

·            ﴿ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ﴾ فَإِنَّهَا خَفِيفَةٌ عَلَيْهِمْ. والْخَاشِعُونَ جَمْعُ خَاشِعٍ وَهُوَ الْمُتَوَاضِعُ. وَالْخُشُوعُ: هَيْئَةٌ فِي النَّفْسِ يَظْهَرُ مِنْهَا فِي الْجَوَارِحِ سُكُونٌ وَتَوَاضُعٌ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْخَاشِعُ الَّذِي يُرَى أَثَرُ الذُّلِّ وَالْخُشُوعِ عَلَيْهِ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: الْخُشُوعُ فِي الْقَلْبِ، وَأَنْ تُلِينَ كَفَّيْكَ لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ وَأَلَّا تَلْتَفِتَ فِي صَلَاتِكَ. وَمَنْ أَظْهَرَ لِلنَّاسِ خُشُوعًا فَوْقَ مَا فِي قلبه فإنما أظهر نفاقا علو نِفَاقٍ([432]).

 

·            تحقيق العبادة لله سبحانه وتعالى بالخشوع له مما يسهل العبادة على العبد، فكل من كان لله أخشع كان لله أطوع، لأن الخشوع خشوع القلب، والأخبات إلى الله تعالى، والإنابة إليه تدعو إلى طاعته([433]).

 

·            ورد الظن في القرآن الكريم بمعنى اليقين ([434]).

 

·            ﴿ مُلاقُوا رَبِّهِمْ﴾ أَيْ إِلَى رَبِّهِمْ وَقِيلَ إِلَى جَزَائِهِ. ﴿ راجِعُونَ﴾ إِقْرَارٌ بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ والعرض على الملك الأعلى([435]).

 

·            إثبات ملاقاة الله عزّ وجلّ، لأن الله مدح الذين يتيقنون بهذا اللقاء([436]).

 

·            ﴿مُلاقُوا رَبِّهِمْ﴾ أي ملاقو ثواب ربّهم، ما وعدهم على الصبر والصلاة، وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾ أي موقنون بالبعث، فصار المعنى أنّهم موقنون بالبعث، وبحصول الثواب الموعود([437]).

 

·            أن هؤلاء المؤمنين يوقنون أنهم راجعون إلى الله في جميع أمورهم، وهذا يستلزم أموراً:ــــــــ

 

أولاً:الخوف من الله، لأنك ما دمت تعلم أنك راجع إلى الله، فسوف تخاف منه.

ثانياً:مراقبة الله عزّ وجلّ. المراقبة في الجوارح.، والخوف في القلب، يعني أنهم إذا علموا أنهم سيرجعون إلى الله، فسوف يخشونه في السرّ، والعلانية.

ثالثاً:الحياء منه، فلا يفقدك حيث أمرك، ولا يجدك حيث نهاك([438]).

 

·            بني إسرائيل أفضل العالم في زمانهم. لقوله تعالى: ﴿ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾، لأنهم في ذلك الوقت هم أهل الإيمان، ولذلك كُتب لهم النصر على أعدائهم العمالقة، فقيــــــــــــــل لهم:﴿ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ ﴾ ([439])، و "الأرض المقدسة" هي فلسطين، وإنما كتب الله أرض فلسطين لبني إسرائيل في عهد موسى، لأنهم هم عباد الله الصالحون، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ ([440]).

 

·            إظهار أن هذه النعمة لم تأت بكسب بني اسرائيل، ولا بكدِّهم، ولا بإرث عن آبائهم، وإنما هي بنعمة الله عليهم، لقوله تعالى: ﴿ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ﴾ ([441]).

 

·            تفضيل بني إسرائيل ليس دائما ولا عاما، وإنما هو مقصور على عالمي زمانهم، ومرتبط بمدى تنفيذهم أوامر اللّه، والقرب من اللّه بمرضاته، وهو مختص بالأنبياء والمهتدين من أهل زمانهم والتابعين لهم فيه، ومقيد بمدة الاستقامة على العمل الذي استحقوا به التفضيل ([442]).

 

·            التحذير من يوم القيامة، وهذا يقع في القرآن كثيراً، لقوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ﴾([443])، وقوله تعالى: ﴿ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا ﴾([444]).

 

·            لا ينفع في اليوم الآخر إلا مرضاة اللّه تعالى بالعمل الصالح، والإيمان المستقر في النفوس، المتجلي في أعمال الإنسان، والحكم إلى اللّه العدل الذي لا ينفع لديه الشفعاء والنصراء، فيجزي بالسيئة مثلها وبالحسنة أضعافها([445])، كما قال تعالى: ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ ﴾  ([446]).

 

·            الشفاعة المرفوضة هي شفاعة الكافرين، فقد أجمع المفسرون على أن المراد بقوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً، وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ﴾: النفس الكافرة([447]).

 

·            المؤمنون تنفعهم الشفاعة بإذن اللّه لقوله تعالى: ﴿وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى﴾ ([448]).

 

·            من اسرار البيان تذكير كلمة شفاعة مرة وتأنيثها مرة أخرى في سورة البقرة: قال تعالى ﴿وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾([449])، وقال في نفس السورة ﴿وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾([450]).جاءت الآية الأولى بتذكير فعل (يقبل) مع الشفاعة بينما جاء الفعل (تنفعها) مؤنثاً مع كلمة الشفاعة نفسها. الحقيقة أن الفعل (يقبل) لم يُذكّر مع الشفاعة إلا في الآية 123 من سورة البقرة وهنا المقصود أنها جاءت لمن سيشفع بمعنى أنه لن يُقبل ممن سيشفع أو من ذي الشفاعة. أما في الآية الثانية فالمقصود الشفاعة نفسها لن تنفع وليس الكلام عن الشفيع([451]).

 

·            ﴿ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ عَدْلٌ أَيْ فِدَاءٌ. وَالنَّصْرُ: الْعَوْنُ وَالْأَنْصَارُ الْأَعْوَانُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ﴿ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ ﴾([452]).

 

........................

 

...............

 

........

 

...

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسم الثاني عشر: الآية 49-53

 

وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            آلِ فِرْعَوْنَ: قومه وأهل دينه.

 

·            يَسُومُونَكُمْ: يذيقونكم العذاب ويذلونكم.

 

·            سُوءَ الْعَذابِ: أشدّه.

 

·            يَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ: يتركون الاناث أحياء للخدمة.

 

·            بَلَاءٌ: اختبار وامتحان.

 

·            فَرَقْنَا: فصلنا وميزنا.

 

·            وَاعَدْنَا: أمرنا موسى أن ينقطع لمناجاة ربه.

 

·            اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ: عبدتم العجل.

 

·            الإنجاء من العدو نعمة كبيرة ينعم الله بها على العبد، ولهذا ذكرهم الله بها في قوله تعالى: ﴿ نَجَّيْنَاكُمْ ﴾([453]).

 

·            ﴿ وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ " إِذْ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَطْفٌ عَلَى﴿اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ﴾ وَهَذَا وَمَا بَعْدَهُ تَذْكِيرٌ بِبَعْضِ النِّعَمِ الَّتِي كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِمْ أَيِ اذْكُرُوا نِعْمَتِي بِإِنْجَائِكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَجَعْلِ الْأَنْبِيَاءِ فِيكُمْ وَالْخِطَابُ لِلْمَوْجُودِينَ وَالْمُرَادُ مَنْ سَلَفَ مِنَ الْآبَاءِ.وَقِيلَ إِنَّمَا قَالَ﴿نَجَّيْناكُمْ﴾ لِأَنَّ نَجَاةَ الْآبَاءِ كَانَتْ سَبَبًا لِنَجَاةِ هَؤُلَاءِ الْمَوْجُودِينَ وَمَعْنَى﴿نَجَّيْناكُمْ﴾ أَلْقَيْنَاكُمْ عَلَى نَجْوَةٍ مِنَ الْأَرْضِ وَهِيَ مَا ارْتَفَعَ مِنْهَا هَذَا هُوَ الْأَصْلُ ثُمَّ سُمِّيَ كُلُّ فَائِزٍ نَاجِيًا. فَالنَّاجِي من خرج من ضيق إلى سعة([454]).

 

·            وكان الإنجاء عيدا، مستوجبا شكر الإله، وصار يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من شهر المحرّم يوم صيام الشكر([455]).

 

·            ﴿ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ قَوْمُهُ وَأَتْبَاعُهُ وَأَهْلُ دِينِهِ. إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ وَلَا بِنْتٌ وَلَا أَبٌ وَلَا عَمٌّ ولا أخ ولا عصبة. وأسمه الوليد ابن مُصْعَبِ بْنِ الرَّيَّانِ([456]).

 

·            قال القشيري: من صبر في اللّه على قضاء اللّه، عوّضه اللّه صحبة أوليائه، هؤلاء بنو إسرائيل صبروا على مقاساة الضرّ من فرعون وقومه، فجعل منهم أنبياء، وجعل منهم ملوكا، وآتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين ([457]).

 

·            ﴿ يَسُومُونَكُمْ﴾ يُذِيقُونَكُمْ وَيُلْزِمُونَكُمْ ْ. وَالسَّوْمُ: الدَّوَامُ وَمِنْهُ سَائِمَةُ الْغَنَمِ لِمُدَاوَمَتِهَا الرَّعْيَ،﴿ سُوءَ الْعَذابِ﴾ أَشَدُّ الْعَذَابِ ﴿ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ﴾ وَالذَّبْحِ: الشَّقُّ. وَكَانَ فِرْعَوْنُ يَذْبَحُ الْأَطْفَالَ وَيُبْقِي الْبَنَاتَ، ونَسَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْفِعْلَ إِلَى آلِ فِرْعَوْنَ وَهُمْ إِنَّمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ بِأَمْرِهِ وَسُلْطَانِهِ لِتَوَلِّيهِمْ ذَلِكَ بِأَنْفُسِهِمْ،وَكَانَ فِرْعَوْنُ عَلَى مَا رُوِيَ قَدْ رَأَى فِي مَنَامِهِ نَارًا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَحْرَقَتْ بُيُوتَ مِصْرَ فَأُوِّلَتْ لَهُ رُؤْيَاهُ أَنَّ مَوْلُودًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَنْشَأُ فَيَكُونُ خَرَابُ مُلْكِهِ عَلَى يَدَيْهِ([458]).

 

·            بيان حنق آل فرعون على بني إسرائيل، وقيل: إن هذا التقتيل كان بعد بعثة موسى، لأن فرعون لما جاءه موسى بالبينات قال: ﴿ اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ ﴾([459])، وقال في سورة الأعراف: ﴿ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾ ([460]).

 

·            الرب سبحانه وتعالى له مطلق التصرف في عباده بما يسوؤهم، أو يسرهم، لقوله تعالى:

 

﴿ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ يعني هذا العذاب الذي سامكم إياه آل فرعون، والإنقاذ منه، كله من الله عزّ وجلّ، فهو الذي بيده الخير، ومنه كل شيء، وبيده ملكوت كل شيء([461]).

 

·            ﴿ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾ الْإِشَارَةُ إِلَى الذَّبْحِ وَنَحْوِهِ وَالْبَلَاءُ هُنَا فِي الشَّرِّ وَالْمَعْنَى: وَفِي الذبح مكروه وامتحان([462]).

 

·            مناسبة قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾ لما قبله ظاهرة جداً، وذلك أنه لما ذكر الله سبحانه وتعالى تسلُّطَ آل فرعون عليهم ذكر مآل هؤلاء المتسلطين، وأن الله أغرقهم، وأنجى هؤلاء، وأورثهم أرضهم، كما قال الله تعالى: ﴿ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾([463]).

 

·            ﴿وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ﴾ ﴿ فَرَقْنَا﴾ فَلَقْنَا. وَأَصْلُ الْفَرْقِ الْفَصْلُ، وَمِنْهُ الْفُرْقَانُ لِأَنَّهُ يَفْرُقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ أَيْ يَفْصِلُ. وَمَعْنَى﴿ بِكُمُ﴾ أَيْ لَكُمْ فَالْبَاءُ بِمَعْنَى اللَّامِ وَقِيلَ الْبَاءُ فِي مَكَانِهَا أَيْ فَرَقْنَا الْبَحْرَ بِدُخُولِكُمْ إِيَّاهُ أَيْ صَارُوا بَيْنَ الْمَاءَيْنِ([464]).

 

·            ﴿ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ ﴾ في الْبَحْرَ، وذَكَرَ الطَّبَرِيُّ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنْ يُسْرِيَ مِنْ مِصْرَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَمَرَهُمْ مُوسَى أَنْ يَسْتَعِيرُوا الْحُلِيَّ وَالْمَتَاعَ مِنَ الْقِبْطِ وَأَحَلَّ اللَّهُ ذَلِكَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فَسَرَى بِهِمْ مُوسَى مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ فَأُعْلِمَ فِرْعَوْنُ فَقَالَ: لَا يَتْبَعُهُمْ أَحَدٌ حَتَّى تَصِيحَ الدِّيَكَةُ فَلَمْ يَصِحْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ بِمِصْرَ دِيكٌ وَأَمَاتَ اللَّهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ كَثِيرًا مِنْ أَبْنَاءِ الْقِبْطِ فَاشْتَغَلُوا فِي الدَّفْنِ وَخَرَجُوا فِي الْأَتْبَاعِ مشرقين كما قال تعالى﴿فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ﴾([465]). وَذَهَبَ مُوسَى إِلَى نَاحِيَةِ الْبَحْرِ حَتَّى بَلَغَهُ. وَكَانَتْ عِدَّةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ نَيِّفًا عَلَى سِتِّمِائَةِ أَلْفٍ وَكَانَتْ عِدَّةُ فِرْعَوْنَ أَلْفَ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ([466]).

 

·            أن الآل يدخل فيهم من ينتسبون إليهم، فقد قال تعـــــــــالى: ﴿ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ ﴾، وفرعون قد غرق بلا شك، كمـــــــــــــا قال تعـــــــــالى: ﴿ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيــــــلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾([467]).

 

·            بيان قدرة الله تعالى على كل شيء، فهذا الماء السيال أمره الله تبارك وتعالى أن يتمايز، وينفصل بعضه عن بعض، فانفلق، فكان كل فرق كالطود العظيم. أي كالجبل العظيم، وثم وجه آخر من هذه القدرة: أن هذه الطرق صارت يبساً في الحال مع أنه قد مضى عليها سنون كثيرة لا يعلمها إلا الله عزّ وجلّ والماء من فوقها، ولكنها صارت في لحظة واحدة يبساً، كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى ﴾([468]).

 

·            إن إغراق عدو الإنسان وهو ينظر من نعمة الله عليه، فإغراقه، أو إهلاكه نعمة، وكون عدوه ينظر إليه نعمة أخرى، لأنه يشفي صدره، وإهلاك العدو بيد عدوه أشفى، كما قال تعالى:﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ﴾([469]).

 

·            سخِر الله تعالى من فرعون، فأغرقه الله تعالى بالماء الذي كان يفتخر بجنسه، وأورث موسى أرضه الذي وصفه بأنه مهين، ولا يكاد يبين، وقد كان فرعون يقول: ﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ﴾([470]).

 

·            ﴿ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ أَيْ بِبَصَائِرِكُمُ الِاعْتِبَارُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي شُغْلٍ عَنِ الْوُقُوفِ وَالنَّظَرِ بِالْأَبْصَارِ([471]).

 

·            حكمة الله تبارك وتعالى في تقديره، حيث واعد موسى أربعين ليلة لينَزِّل عليه فيها التوراة. معأنه سبحانه وتعالى قادر على أن يَنزِّلهـــــــــــا في ليلــــة مرة واحـدة ([472]).

 

·            ﴿أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ وَالْأَرْبَعُونَ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ ذُو الْقَعْدَةِ وَعَشَرَةٌ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ جاوز البحر وسأل قَوْمُهُ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَخَرَجَ إِلَى الطُّورِ فِي سَبْعِينَ مِنْ خِيَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَصَعِدُوا الْجَبَلَ وَوَاعَدَهُمْ إِلَى تَمَامِ أربعين ليلة([473]).

 

·            اتخاذهم العجل كان عن ظلم، لقوله تعالى: ﴿ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ﴾ وهذا أبلغ، وأشنع في توبيخهم، والإنكار عليهم([474]).

 

·            ﴿ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ﴾ العفو: عفو الله عز وجل عَنْ خَلْقِهِ وَقَدْ يَكُونُ بَعْدَ الْعُقُوبَةِ وَقَبْلَهَا وَكُلُّ مَنِ اسْتَحَقَّ عُقُوبَةً فَتُرِكَتْ لَهُ فَقَدْ عُفِيَ عَنْهُ فَالْعَفْوُ: مَحْوُ الذَّنْبِ أَيْ مَحَوْنَا ذُنُوبَكُمْ وَتَجَاوَزْنَا عَنْكُمْ. ﴿ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ أَيْ مِنْ بَعْدِ عِبَادَتِكُمُ الْعِجْلَ، وَالْعِجْلُ وَلَدُ الْبَقَرَةِ([475]).

 

·            سعة حلم الله عزّ وجلّ، وأنه مهما بارز الإنسان ربه بالذنوب فإن حلم الله تعالى قد يشمله، فيوفق للتوبة، وهؤلاء وفِّقوا لها([476]).

 

·            ﴿ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ كَيْ تَشْكُرُوا عَفْوَ اللَّهِ عَنْكُمْ. وَأَمَّا الشُّكْرُ فَهُوَ فِي اللُّغَةِ الظهور من قول دَابَّةٌ شَكُورٌ إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهَا مِنَ السِّمَنِ فَوْقَ مَا تُعْطَى مِنَ الْعَلَفِ وَحَقِيقَتُهُ الثَّنَاءُ على الإنسان بمعروف يوليكه([477]).

 

·            العفو موجب للشكر، لقوله تعالى: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾، وإذا كان العفو. وهو زوال النقم. موجباً للشكر فحدوث النعم أيضاً موجب للشكر من باب أولى([478]).

 

·            ﴿ وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ ﴿ آتينا﴾ أَعْطَيْنَا. وَالْكِتَابُ: التَّوْرَاةُ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْمُتَأَوِّلِينَ. ﴿ وَالْفُرْقانَ﴾ قَالُ مُجَاهِد: فَرْقًا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ أَيِ الَّذِي عَلَّمَهُ إِيَّاهُ. ﴿ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ لِكَيْ تَهْتَدُوا مِنَ الضَّلَالَةِ([479]).

 

·            الإيتاء المضاف إلى الله سبحانه وتعالى يكون كونياً، ويكون شرعياً، مثال الكوني قوله تعالى:﴿ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ ﴾([480])،ومثال الشرعي قوله تعالى:﴿ وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ﴾ ([481]).

 

·            يُنزل الله تبارك وتعالى الكتب، ويجعلها فرقاناً لغاية حميدة حقاً. وهي الهداية، لقوله تعالى: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾([482]).

 

·            ﴿ وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ الظَّاهِرُ فِي مَعْنَاهُ: أَنَّ الْفُرْقَانَ هُوَ الْكِتَابُ الَّذِي أُوتِيَهُ مُوسَى، وَإنَّمَا عَطَفَ عَلَى نَفْسِهِ تَنْزِيلًا لِتَغَايُرِ الصِّفَاتِ مَنْزِلَةَ تَغَايُرِ الذَّوَاتِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ الَّذِي هُوَ التَّوْرَاةُ مَوْصُوفٌ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَكْتُوبٌ كَتَبَهُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مُوسَى عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ فُرْقَانٌ؛ أَيْ: فَارَقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، فَعَطَفَ الْفُرْقَانَ عَلَى الْكِتَابِ، مَعَ أَنَّهُ هُوَ نَفْسُهُ نَظَرًا لِتَغَايُرِ الصِّفَتَيْنِ، وَالدَّلِيلُ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى أَنَّ الْفُرْقَانَ هُوَ مَا أُوتِيَهُ مُوسَى. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ﴾([483]).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسمالثالث عشر: الآية 54-57

 

 

 

 

 

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            بارِئِكُمْ: خالقكم.

 

·            جَهْرَةً: معاينة وعلانية.

 

·            الصَّاعِقَةُ: كل امر عظيم يراه الرائي فيكون فيه هلاكه وذهاب عقله.

 

·            بَعَثْنَاكُمْ: احييناكم بعد موتكم.

 

·            الْغَمَامَ: السحاب.

 

·            الْمَنَّ: مادة صمغية تسقط عن الشجر، طعمها حلو يشبه طعم العسل.

 

·            السَّلْوَى: طائر بري طيب اللحم، سهل الصيد.

 

·            ينبغي للداعي إلى الله أن يستعمل الأسلوب الذي يجذب إليه الناس، ويعطفهم عليه، لقوله تعالى حكاية عن موسى: ﴿ يَا قَوْمِ ﴾، فإن هذا لا شك فيه من التودد، والتلطف، والتحبب ما هو ظاهر([484]).

 

·            اتخاذ الأصنام مع الله ظلم، لقوله: ﴿ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ ﴾.

 

·            المعاصي ظلم للنفوس، وجه ذلك: أن النفس أمانة عندك، فيجب عليك أن ترعاها بأحسن رعاية، وأن تجنبها سوء الرعاية، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص: "إن لنفسك عليك حقا ([485]).

 

·            إثبات الأسباب، وتأثيرها في مسبباتها، لقوله ﴿ بِاتِّخَاذِكُمُ ﴾: فإن الباء هنا للسببية([486]).

 

·            ﴿ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾اسْتَغْنَى بِالْجَمْعِ الْقَلِيلِ عَنِ الْكَثِيرِ وَالْكَثِيرُ نُفُوسٌ،وَيُقَالُ لِكُلِّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا يَعُودُ عَلَيْهِ ضَرَرُهُ: إِنَّمَا أَسَأْتَ إِلَى نَفْسِكَ. وَأَصْلُ الظُّلْمِ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ([487]).

 

·            ينبغي للداعي إلى الله أن يبين الأسباب فيما يحكم به، لقوله: ﴿ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ ﴾.

 

·            وجوب التوبة، لقوله: ﴿ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ ﴾..

 

·            ينبغي التعبير بما يناسب المقام، لقوله: ﴿ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ ﴾، لأن ذكر "البارئ" هنا كإقامة الحجة عليهم في أن العجل لا يكون إلهاً، فإن الذي يستحق أن يكون إلهاً هو البارئ. أي الخالق سبحانه وتعالى([488]).

 

·            ﴿ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْفَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ" قَامُوا صَفَّيْنِ وَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا فَكَانَ ذَلِكَ شَهَادَةً لِلْمَقْتُولِ وَتَوْبَةً لِلْحَيّوَإِنَّمَا عُوقِبَ الَّذِينَ لَمْ يَعْبُدُوا الْعِجْلَ بِقَتْلِ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُغَيِّرُوا الْمُنْكَرَ حِينَ عَبَدُوهُ وَإِنَّمَا اعْتَزَلُوا وَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُقَاتِلُوا مَنْ عَبَدَهُفَلَمَّا اسْتَحَرَّ  فِيهِمُ الْقَتْلُ وَبَلَغَ سَبْعِينَ أَلْفًا عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ([489]).

 

·            ما وضع الله تعالى على بني إسرائيل من الأغلال، والآصار، حيث كانت توبتهم من عبادة العجــــــــــــــــل أن يقتل بعضهم بعضاً، لقولـــــــــــــــــه: ﴿ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ ([490]).

 

·            الأمة كنفس واحدة، وذلك لقوله: ﴿ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾، لأنهم ما أُمروا أن يقتل كل واحد منهم نفسه، بل يقتل بعضهم بعضاً، ونظير ذلك قوله تعالى: ﴿ وَلَاتَلْمِزُواأَنْفُسَكُمْ﴾([491])، أي لا يلمز بعضكم بعضاً، وعبر عن ذلك بـ "النفس"، لأن الأمة شيء واحد، فمن لمز أخاه فكمن لمز نفسه.

 

·            تفاضل الأعمال، لقوله: ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ﴾ ([492]).

 

·            ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ﴾ الْبَارِئُ: الْخَالِقُ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْبَارِئَ هُوَ الْمُبْدِعُ الْمُحْدِثُ. وَالْخَالِقُ هُوَ الْمُقَدِّرُ النَّاقِلُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ. وَالْبَرِيَّةُ الْخَلْقُ وَهِيَ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ([493]).

 

·            يتوب الله سبحانه وتعالى على التائبين مهما عظم ذنبهم، لقوله تعالى:﴿ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﴾.

 

·            إثبات اسمين من أسماء الله. وهما ﴿ التَّوَّابُ ﴾، و ﴿ الرَّحِيمُ ﴾، وإثبات ما تضمناه من صفة. وهي: التوبة، والرحمة، وإثبات ما تضمناه من صفة باقترانهما وهي: الجمع بين التوبة التي بها زوال المكروه، والرحمة التي بها حصول المطلوب([494]).

 

·            قيَّد البعث بعد الموت ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ﴾ لزيادة التأكيد على أنه موت حقيقي، ولدفع ما عساه يتوهم أن بعثهم كان بعد إِغماء أو بعد نوم([495]).

 

·            تذكير الله تعالى بني إسرائيل بنعمته عليهم، حيث بعثهم من بعد موتهم.

 

·            ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ وهذا غاية الظلم والجراءة على الله وعلى رسوله([496]).

 

·            سفاهة بني إسرائيل، وما أكثر ما يدل على سفاهتهم، فهم يؤمنون بموسى، ومع ذلك قالوا: ﴿ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً ﴾([497]).

 

·            ﴿فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ﴾ إما الموت أو الغشية العظيمة([498]).

 

·            من سأل ما لا يمكن فهو حري بالعقوبة، لقوله تعالى: ﴿ فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ ﴾، لأن الفاء تدل على السببية. ولا سيما في مثل حال هؤلاء الذين قالوا هذا عن تشكك([499]).

 

·            فرْق بين قول موسى عليه السلام: ﴿قَالَرَبِّأَرِنِيأَنْظُرْإِلَيْكَ ﴾([500])، وبين قول هؤلاء: ﴿ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً ﴾، فموسى قال ذلك شوقاً إلى الله عزّ وجلّ، وليتلذذ بالرؤية إليه، أما هؤلاء فقالوه تشككاً. يعني: لسنا بمؤمنين إلا إذا رأيناه جهرة، ففرق بين الطلبين([501]).

 

·            ألم العقوبة، ووقعها إذا كان الإنسان ينظر إليها أشد، لقوله تعالى: ﴿ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾، فإن الإنسان إذا رأى الناس يتساقطون في العقوبة يكون ذلك أشد وقعاً عليه([502]).

 

·            ﴿ فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾يُقَالُ: كَيْفَ يَمُوتُونَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ؟ الْجَوَابُ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: دُورُ آلِ فُلَانٍ تَرَاءَى أَيْ يُقَابِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَقِيلَ الْمَعْنَى" تَنْظُرُونَ" أَيْ إِلَى حَالِكُمْ وَمَا نَزَلَ بِكُمْ مِنَ الْمَوْتِ وَآثَارِ الصَّعْقَةِ([503]).

 

·            ﴿وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ وقوع ذلك، كل ينظر إلى صاحبه ([504]).

 

·            بيان قدرة الله سبحانه وتعالى، حيث أحياهم بعد الموت، لقوله تعالى: ﴿ ثُمَّبَعَثْنَاكُمْمِنْبَعْدِمَوْتِكُمْ ﴾([505]).

 

·            ﴿ لَعَلَّكُمْتَشْكُرُونَ ﴾مَا فُعِلَ بِكُمْ مِنَ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ([506]).

 

·            الشكر هو القيام بطاعة المنعم إقراراً بالقلب، واعترافاً باللسان، وعملاً بالأركان، فيعترف بقلبهأنها من الله، ولا يقول: إنما أوتيته على علم عندي، كذلك أيضاً يتحدث بها بلسانه اعترافاً. لا افتخاراً، وكذلك أيضاً يقوم بطاعة الله سبحانه وتعالى بجوارحه، وبهذه الأركان الثلاثة يكون الشكر([507]).

 

·            ذكر نعمته عليكم في التيه والبرية الخالية من الظلال وسعة الأرزاق، فقال: ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ﴾([508]).

 

·            نعمة الله تبارك وتعالى بما هيأه لعباده من الظلِّ، فإن الظلّ عن الحرّ من نعم الله على العباد، ولهذا ذكره الله عزّ وجلّ هنا ممتناً به على بني إسرائيل، لقوله تعالى: ﴿ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ ﴾، وقوله تعالى: ﴿والله جعل لكم مما خلق ظلالًا﴾([509]).

 

·            الغمام يسير بأمر الله عزّ وجلّ، حيث جعل الغمام ظلاً على هؤلاء ([510]).

 

·            ﴿ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ ﴾ أَيْ جَعَلْنَاهُ عَلَيْكُمْ كَالظُّلَّةِ. وَالْغَمَامُ جَمْعُ غَمَامَةٍ كَسَحَابَةٍ وَسَحَابٍوَفَعَلَ هَذَا بِهِمْ لِيَقِيَهُمْ حَرَّ الشَّمْسِ نَهَارًا وَيَنْجَلِي فِي آخِرِهِ لِيَسْتَضِيئُوا بِالْقَمَرِ لَيْلًا. وهَذَا قد جَرَى فِي التِّيهِ بَيْنَ مِصْرَ وَالشَّامِ لَمَّا امْتَنَعُوا مِنْ دُخُولِ مَدِينَةِ الْجَبَّارِينَ وَقِتَالِهِمْ([511]).

 

·            ﴿وَأَنزلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ﴾ وهو اسم جامع لكل رزق حسن يحصل بلا تعب، ومنه الزنجبيل والكمأة والخبز وغير ذلك([512]).

 

·            بيان نعمة الله على بني إسرائيل بما أنزل عليهم من المن، والسلوى. يأتيهم بدون تعب، ولا مشقة، ولهذا وصف بـ "المن"([513]).

 

·            يعتبر لحم الطيور من أفضل اللحوم،وهو أيضاً من لحوم أهل الجنة، كما قال تعالى: ﴿ وَلَحْمِطَيْرٍمِمَّايَشْتَهُونَ ﴾ ([514]).

 

·            إذا أنعم الله على الإنسان بنعمة فينبغي أن يتبسط بها، ولا يحرم نفسه منها، لقوله تعالى:﴿ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾.

 

·            ﴿كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ أي: رزقا لا يحصل نظيره لأهل المدن المترفهين، فلم يشكروا هذه النعمة، واستمروا على قساوة القلوب وكثرة الذنوب([515]).

 

·            قال شيخ الإسلام رحمه الله: "من امتنع عن أكل الطيبات لغير سبب شرعي فهو مذموم"، وهذا صحيح، لأنه ترك ما أباح الله له وكأنه يقول: إنه لا يريد أن يكون لله عليه منة([516]).

 

·            المباح من الزرق هو الطيب، لقوله تعالى: (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ).

 

·            تحريم أكل الخبيث، والخبيث نوعان: خبيث لذاته، وخبيث لكسبه.

 

·            الخبيث لذاته كالميتة، والخنْزير، والخمر، وما أشبهها، كما قال الله تعالى: ﴿ قُلْلَاأَجِدُفِيمَاأُوحِيَإِلَيَّمُحَرَّمًاعَلَىطَاعِمٍيَطْعَمُهُإِلَّاأَنْيَكُونَمَيْتَةًأَوْدَمًامَسْفُوحًاأَوْلَحْمَخِنْزِيرٍفَإِنَّهُرِجْسٌ ﴾ ([517]).

 

·            الخبيث لكسبه كالمأخوذ عن طريق الغش، أو عن طريق الربا، أو عن طريق الكذب، وما أشبه ذلك([518]).

 

·            ﴿وَمَا ظَلَمُونَا﴾ يعني بتلك الأفعال المخالفة لأوامرنا لأن الله لا تضره معصية العاصين، كما لا تنفعه طاعات الطائعين، ﴿وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ فيعود ضرره عليهم([519]).

 

 

 

.......................

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسمالرابع عشر: الآية 58 - 60

 

 

 

 

 

وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59) وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            رَغَدًا : هنيئاً ذا سعة.

 

·            حِطَّةٌ : اغفر لنا خطايانا.

 

·            رِجْزًا : عذاباً.

 

·            الْقَرْيَةَ: مكان مجتمع الناس.

 

·            اسْتَسْقَى : طلب السقيا عند عدم وجود الماء أو حبس المطر.

 

·            تَعْثَوْا : تفسدوا.

 

·            ﴿هذِهِ الْقَرْيَةَ﴾ أَيْ الْمَدِينَةَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَقَرَّتْ أَيْ اجْتَمَعَتْ وَمِنْهُ قَرَيْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ أَيْ جَمَعْتُهُ ([520]).

 

·            حينما أمر اللّه اليهود بالدخول في باب القرية سجّدا قائلين: حطّة، بدلوا ودخلوا الباب، يزحفون على أستاههم، وقالوا: حبّة في شعرة، وكان قصدهم خلاف ما أمرهم اللّه به، فعصوا وتمردوا واستهزئوا، فعاقبهم اللّه بالرجز وهو العذاب. وفي هذا دليل على أن تبديل الأقوال المنصوص عليها في الشريعة لا يجوز إن كان التّعبد بلفظها([521]).

 

·            ﴿وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: منحنين ركوعا. وقيل متواضعين خشوعا لا على هية مُتَعَيِّنَةٍ([522]).

 

·            اتّفق العلماء على جواز نقل الشرع للأعاجم غير العرب بلسانهم وترجمته لهم، وذلك هو النقل بالمعنى. وقد فعل اللّه ذلك في كتابه فيما قصّ من أنباء ما قد سلف، فقصّ قصصا ذكر بعضها في مواضع بألفاظ مختلفة والمعنى واحد، ونقلها من ألسنتهم إلى اللسان العربي، وهو مخالف لها في التقديم والتأخير، والحذف والإلغاء، والزيادة والنقصان. وإذا جاز إبدال العربية بالعجمية، فلأن يجوز بالعربية أولى. وأماحديث « نَضَّرَ اللَّهُ وَجْهَ امْرِئٍ سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَمَلَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرُ فَقِيهٍ([523])،فالمراد حكمها، لا لفظها، لأن اللفظ غير معتدّ به.

 

·            ﴿حِطَّةٌ﴾ أي قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ليَحُطُّ بها ذُنُوبَكُمْ.﴿وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ﴾ أَيْ نَزِيدُهُمْ إِحْسَانًا عَلَى الْإِحْسَانِ الْمُتَقَدِّمِ عِنْدَهُمْ.وَالْمُحْسِنُ مَنْ صَحَّحَ عَقْدَ تَوْحِيدِهِ وَأَحْسَنَ سِيَاسَةَ نَفْسِهِ وَأَقْبَلَ عَلَى أَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَكَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ([524]). وَفِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ (مَا الْإِحْسَانُ قَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ) ([525]).

 

·            تعذيب بني إسرائيل بإنزال الرجز (أي العذاب) من السماء، فكان

بسبب فسقهم كما قال تعالى: ﴿ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ﴾، وفي سورة الأعراف: ﴿ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ﴾ ([526])، والفسق في الشرع: عبارة عن الخروج من طاعة اللّه إلى معصيته. وهذا الفسق هو الظلم المذكور في قوله تعالى: ﴿ عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ وفائدة التكرار: التأكيد، والحق كما قال الرازي ([527]) أنه غير مكرر لوجهين: الأول: أن الظلم قد يكون من الصغائر، وقد يكون من الكبائر.

الثاني: يحتمل أنهم استحقوا اسم الظالم بسبب ذلك التبديل، فنزل الرجز عليهم من السماء، بسبب ذلك التبديل، بل للفسق الذي كانوا فعلوه قبل ذلك التبديل، وعلى هذا الوجه يزول التكرار([528]).

 

·            من اسرار البيانفي آيتي سورة البقرة وآيتي سورة الأعراف، في قوله تعالى : ﴿ وَإِذْقُلْنَاادْخُلُواهَذِهِالْقَرْيَةَفَكُلُوامِنْهَاحَيْثُشِئْتُمْرَغَدًاوَادْخُلُواالْبَابَسُجَّدًاوَقُولُواحِطَّةٌنَغْفِرْلَكُمْخَطَايَاكُمْوَسَنَزِيدُالْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَالَّذِينَظَلَمُواقَوْلًاغَيْرَالَّذِيقِيلَلَهُمْفَأَنْزَلْنَاعَلَىالَّذِينَظَلَمُوارِجْزًامِنَالسَّمَاءِبِمَاكَانُوايَفْسُقُونَ ﴾([529])،وقال تعالى:﴿وَإِذْقِيلَلَهُمُاسْكُنُواهَذِهِالْقَرْيَةَوَكُلُوامِنْهَاحَيْثُشِئْتُمْوَقُولُواحِطَّةٌوَادْخُلُواالْبَابَسُجَّدًانَغْفِرْلَكُمْخَطِيئَاتِكُمْسَنَزِيدُالْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَالَّذِينَظَلَمُوامِنْهُمْقَوْلًاغَيْرَالَّذِيقِيلَلَهُمْفَأَرْسَلْنَاعَلَيْهِمْرِجْزًامِنَالسَّمَاءِبِمَاكَانُوايَظْلِمُونَ ﴾ ([530]).

 

في سورة البقرة جعل الأكل عقب الدخول وهذا من مقام النعمة ﴿ ادْخُلُواهَذِهِالْقَرْيَةَفَكُلُوا ﴾  الفاء تفيد الترتيب والتعقيب.

 

في سورة الأعراف لم يرد ذكر الأكل بعد دخول القرية مباشرة وإنما أمرهم بالسكن أولاً ﴿ اسْكُنُواهَذِهِالْقَرْيَةَوَكُلُوا ﴾.

 

في سورة البقرة ذكر﴿ رَغَدًا ﴾  تذكير بالنعم وهم يستحقون رغد العيش كما يدلّ سياق الآيات.

 

في سورة الأعراف لم يذكر رغداً لأنهم لا يستحقون رغد العيش مع ذكر معاصيهم.

 

في سورة البقرة بُديء بــــ ﴿وَادْخُلُواالْبَابَسُجَّدًا﴾ في مقام التكريم وتقديم السجود أمر مناسب للأمر بالصلاة الذي جاء في سياق السورة (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ والسجود هو من أشرف العبادات.

 

في سورة الأعراف، قال تعالى:﴿ وَقُولُواحِطَّةٌوَادْخُلُواالْبَابَسُجَّدًا ﴾ لم يبدأ بالسجود هنا لأن السجود من أقرب ما يكون العبد لربه وهم في السياق هنا مبعدين عن ربهم لمعاصيهم.

 

في سورة البقرة قال تعالى:﴿ نَغْفِرْلَكُمْخَطَايَاكُمْ ﴾ الخطايا هم جمع كثرة وإذا غفر الخطايا فقد غفر الخطيئات قطعاً وهذا يتناسب مع مقام التكريم الذي جاء في السورة.

 

في سورة الأعراف قال تعالى:  ﴿ نَغْفِرْلَكُمْخَطِيئَاتِكُمْ ﴾وخطيئات جمع قلّة وجاء هنا في مقام التأنيب وهو يتناسب مع مقام التأنيب والذّم في السورة.

 

في سورة البقرة قال تعالى: ﴿ وَسَنَزِيدُالْمُحْسِنِينَ ﴾ إضافة الواو هنا تدل على الإهتمام والتنويع ولذلك تأتي الواو في موطن التفضّل وذكر النعم.

 

في سورة الأعراف قال تعالى:  ﴿ سَنَزِيدُالْمُحْسِنِينَ ﴾ لم ترد الواو هنا لأن المقام ليس فيه تكريم ونعم وتفضّل.

 

في سورة البقرة قال تعالى:﴿ فَأَنْزَلْنَاعَلَىالَّذِينَظَلَمُوارِجْزًامِنَالسَّمَاءِ ﴾ بينما في سورة الأعراف قال تعالى: ﴿ فَأَرْسَلْنَاعَلَيْهِمْرِجْزًامِنَالسَّمَاءِ ﴾ وتعبير أرسلنا في العقوبة أشدّ من أنزلنا.

 

في سورة البقرة قال تعالى:﴿ بِمَاكَانُوايَفْسُقُونَ ﴾... بينما في سورة الأعراف قال تعالى: ﴿بما كانوا يظلمون﴾ والظلم أشدّ لأنه يتعلّق بالضير([531]).

 

·            ﴿وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ﴾ أَيْ طَلَبَ وَسَأَلَ السَّقْيَ لِقَوْمِهِ. والِاسْتِسْقَاءُ إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ عُدْمِ الْمَاءِ وَحَبْسِ الْقَطْرِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْحُكْمُ حِينَئِذٍ إِظْهَارُ الْعُبُودِيَّةِ وَالْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ وَالذِّلَّةِ مَعَ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ. وَقَدِ اسْتَسْقَى نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى مُتَوَاضِعًا مُتَذَلِّلًا مُتَخَشِّعًا مُتَرَسِّلًا مُتَضَرِّعًا وَحَسْبُكَ بِهِ! فَكَيْفَ بِنَا وَلَا تَوْبَةَ مَعَنَا إِلَّا الْعِنَادَ وَمُخَالَفَةَ رَبِّ الْعِبَادِ فَأَنَّى نُسْقَى! ([532]).

 

·            رأفة موسى بقومه، لقوله تعالى: ﴿ وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ ﴾.

 

·            أفادت آية﴿وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ ﴾ تقرير سنة الاستسقاء، بإظهار العبودية والفقر والمسكنة والذّلة مع التوبة النصوح. وقد أقرت شريعتنا سنة الاستسقاء بالخروج إلى المصلى والخطبة والصلاة في رأي جمهور العلماء.

 

·            إثبات سمع الله سبحانه وتعالى، لقوله تعالى: ﴿فقلنا﴾، لأن الفاء هنا للسببية، يعني: فلما استسقى موسى قلنا، فدل على أن الله سمع استسقاء موسى، فأجابه([533]).

 

·            ﴿ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ﴾  إما حجر مخصوص معلوم عنده، وإما اسم جنس([534]).

 

·            كمال قدرة الله عزّ وجلّ، حيث إن موسى r يضرب الحجر اليابس بالعصا، فيتفجر عيوناً،﴿ فَقُلْنَـــــــــا اضْرِبْ بِعَصَــــــــاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾ وهذا شيء لم تجر العادة بمثله، فهو دليل على قدرة الله عزّ وجلّ ([535]).

 

·            من اسرار البيانذكر قوله تعالى في سورة البقرة : ﴿فَانْفَجَرَتْمِنْهُاثْنَتَاعَشْرَةَعَيْنًا﴾([536])، وفي سورة الأعراف قوله تعالى :  ﴿فَانْبَجَسَتْمِنْهُاثْنَتَاعَشْرَةَعَيْنًا﴾([537])الذي استسقى في آية البقرة هو موسى عليه السلام، فكان الانفجار، والذي استسقى في سورة الأعراف هم قومه، وهم أقل كرامة على الله تعالى منه، فكان الانبجاس([538]).

 

فالانفجار يتناسب مع سورة البقرة وسياقها الذي يركز على "تعداد النعم على بني إسرائيل،أما في سورة الأعراف فالسياق في ذمّ بني إسرائيل فذكر معها الإنبجاس وهو أقلّ من الإنفجار ([539])

 

·            الانفجار: انصداع شيء من شيء، ومنه الفجر والفجور([540]).

 

·            إن السقيا كما تكون بالمطر النازل من السماء تكون في النابع من الأرض([541]).

 

·            عيّن لكل سبط منهم ماءً معيناً على عددهم لأنهم كانوا اثني عشر سبطاً، وهم ذرية أبناء يعقوب الاثني عشر والله أعلم([542]).

 

·            إن الله سبحانه وتعالى قادر جواد، ولهذا أجاب الله تعالى دعاء موسى، لأن العاجز لا يسقي، والبخيل لا يعطي([543]).

 

·            وقد وقع لرسول الله rما هو أعظم، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ r دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَأُتِيَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِيهِ قَالَ أَنَسٌ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَاءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ قَالَ أَنَسٌ فَحَزَرْتُ مَنْ تَوَضَّأَ مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ([544])، ووجه كونه أعظم: أنه ليس من عادة الإناء أن يتفجر عيوناً بخلاف الحجارة، فقد قال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّمِنَالْحِجَارَةِلَمَايَتَفَجَّرُمِنْهُالْأَنْهَارُ ﴾ ([545])، ووجه آخر: أن الإناء منفصل عن الأرض لا صلة له بها بخلاف الحجارة.

 

·            حكمة الله سبحانه وتعالى بجعل هذا الماء المتفجر اثنتي عشرة عيناً، لفائدتين:.

الفائدة الأولى: السعة على بني إسرائيل، لأنه لو كان عيناً واحدة لحصلت مشقة الزحام.

 

الفائدة الثانية: الابتعاد عن العداوة، والبغضاء بينهم، لأنهم كانوا اثنتي عشرة أسباطاً، فلو كانوا جُمعوا في مكان واحد مع الضيق، والحاجة إلى الماء لحصل بينهم نزاع شديد، وربما يؤدي إلى القتال، فهذا من رحمة الله تبارك وتعالى ببني إسرائيل، حيث فجره اثنتي عشرة عيناً، ولهذا أشار الله سبحانه وتعالى إلى هذه النعمة بقوله: ﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ ﴾ : كل أناس من بني إسرائيل([546]).

 

·            ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ كُلُوا الْمَنَّ وَالسَّلْوَى وَاشْرَبُوا الْمَاءَ الْمُتَفَجِّرَ مِنَ الْحَجَرِ الْمُنْفَصِلِ. ﴿وَلا تَعْثَوْا﴾ أَيْ لَا تُفْسِدُوا. وَالْعَيْثُ: شِدَّةُ الْفَسَادِ نَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ([547]).

 

·            في إِضافة الرزق إِلى الله تعالى ﴿كُلُواْ واشربوا مِن رِّزْقِ الله﴾ تعظيمٌ للمنَّة والإِنعام وإِيماء إِلى أنه رزقٌ من غير تعب ولا مشقة([548]).

 

·            ﴿ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ﴾ بالكفر، وأنتم مفسدون بسائر المعاصي([549]).

 

·            أن الله سبحانه وتعالى هو الملجأ للخلق، فهم إذا مسهم الضر يلجؤون إلى الله سبحانه وتعالى([550]).

 

·            في التصريح بذكر الأرض ﴿ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ﴾ مبالغةٌ في تقبيح الفساد([551]).

 

·            تحريم الإفساد في الأرض، لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾، والأصل في النهي التحريم([552]).

 

.....................

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسمالخامس عشر: الآية 61

 

 

 

 

 

 

 

وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            فَادْعُ: الدّعاء: التّصويت باسم المدعوّ على سبيل النّداء.

 

·            تُنْبِتُ : الإنبات: هو الإخراج لما من شأنه النمو.

 

·            بَقْلِهَا: البقل  : جنس مندرج فيه النبات الرطب مما يأكله الناس والبهائم، يقال فيه: بقلت الأرض وأبقلت: أي صارت ذات بقل.

 

·            فُومِهَا : الفوم: الحنطة والخبز جميعا، يقال: فوّموا: أي اختبزوا. ويقال: الفوم: الحبوب. ويقال: الفوم: الثّوم، أبدلت الفاء ثاء.

 

·            أَدْنَى: أفعل التفضيل من الدنوّ، وهو القرب.

 

·            الذِّلَّةُ : خلق خبيث في النفس، وهو ضد العزة، وهو الهوان والحقارة.

 

·            الْمَسْكَنَةُ: الضعف النفسي والفقر القلبي الذي استولى على بني اسرائيل.

 

·            وَبَاءُوا بِغَضَبٍ : رجعوا مصحوبين بغضب من الله.

 

·            ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ﴾ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُمْ فِي التِّيهِ حِينَ مَلُّوا الْمَنَّ وَالسَّلْوَى وَتَذَكَّرُوا عَيْشَهُمُ الْأَوَّلَ بِمِصْرَ. قَالَ الْحَسَنُ: كَانُوا نَتَانَى أَهْلَ كُرَّاثٍ وَأَبْصَالٍ وَأَعْدَاسٍ فَنَزَعُوا إِلَى عِكْرِهِمْ عِكْرِ السُّوءِ وَاشْتَاقَتْ طِبَاعُهُمْ إِلَى مَا جَرَتْ عَلَيْهِ عَادَتُهُمْ ([553]).

 

·            قولهم: ﴿لَنْ نَصْبِرَ ﴾يدلّ على كراهتهم ذلك الطعام. وعدم الشكر على النعمة دليل الزوال، فكأنهم طلبوا زوالها ومجيء غيرها([554]).

 

·            ﴿لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ﴾ وَكَنَّوْا عَنِ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى بِطَعَامٍ وَاحِدٍ وَهُمَا اثْنَانِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ فَلِذَلِكَ قَالُوا: طَعَامٌ وَاحِدٌ([555]).

 

·            كلمة﴿لَنْ ﴾تفيد تأكيد النفي.

 

·            قالوا﴿ لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ﴾ على الرغم من أنه كان نوعين(وهو المن والسلوى) وكان المراد بهذا القول أنه طعام دائم غير متبدّل، وإن كان نوعين([556]).

 

·            حِلّ البقول، والقثاء، والفوم، والعدس، والبصل، لقولهم: ﴿ فَادْعُلَنَارَبَّكَيُخْرِجْلَنَامِمَّاتُنْبِتُالْأَرْضُ... ﴾  إلى قوله: ﴿ اهْبِطُوامِصْرًافَإِنَّلَكُمْمَاسَأَلْتُمْ ﴾ أي من الأصناف المذكورة([557]).

 

·            غطرسة بني إسرائيل، وجفاؤهم، لقولهم: ﴿ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ ﴾، ولم يقولوا: "ادع لنا ربنا"، أو: "ادع لنا الله"، كأن عندهم. والعياذ بالله. أنفة، مع أنهم كانوا مؤمنين بموسى ومع ذلك يقولون: ﴿ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ ﴾. كما قالوا: ﴿ فَاذْهَبْأَنْتَوَرَبُّكَفَقَاتِلَاإِنَّاهَاهُنَاقَاعِدُونَ ﴾([558]).

 

·            ﴿يُخْرِجْ لَنا ﴾مَعْنَى سَلْهُ وَقُلْ لَهُ: أَخْرِجْ يُخْرِجُ([559]).

 

·            أكل البصل والثوم وماله رائحة كريهة من سائر البقول، فهو مباح في رأي جمهور العلماء.روى أبو سعيد الخدري عن النّبي rحين أكلوا الثوم زمن خيبر وفتحها: «أيها الناس، إنه ليس لي تحريم ما أحلّ اللّه ولكنها شجرة أكره ريحها»([560]).

 

·            جواز إسناد الشيء إلى مكانه لا إلى الفاعل الأول، لقولهم ﴿ مِمَّاتُنْبِتُالْأَرْضُ ﴾، والذي ينبت حقيقة هو الله سبحانه وتعالى ([561]).

 

·            ﴿مِنْ بَقْلِها﴾ وهو كل نبات ليس له ساق والشجر ([562]).

 

·            دلّت الآية على جواز أكل الطيبات والمطاعم المستلذات، وكان النّبي r يحب الحلوى والعسل، ويشرب الماء البارد العذب([563]). من اختار الأدنى على الأعلى ففيه شبه من اليهود، ومن ذلك هؤلاء الذين يختارون الشيء المحرم على الشيء الحلال([564]).

 

·            من علوّ همة المرء أن ينظر للأكمل، والأفضل في كل الأمور.

 

·            التوسع في المآكل، والمشارب، واختيار الأفضل منها إذا لم يصل إلى حد الإسراف فلا ذم فيه، ولذلك لم ينكر النبي rعلى أصحابه حين أتوه بتمر جيد بدلاً عن الرديء ([565])، لكن لو ترك التوسع في ذلك لغرض شرعي فلا بأس كما فعله عمر رضي الله عنه عام الرمادة، وأما إذا تركها لغير غرض شرعي فهو مذموم، لأن الله تعالى يحب من عبده إذا أنعم عليه نعمة أن يرى أثر نعمته عليه([566]).

 

·            ﴿قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾ وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَتَسْتَبْدِلُونَ الْبَقْلَ وَالْقِثَّاءَ وَالْفُومَ وَالْعَدَسَ وَالْبَصَلَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالْمَنِّ وَالسَّلْوَى الَّذِي هُوَ خَيْرٌ. لأنَمَّا كَانَ مَا مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِمْ أَطْيَبَ وَأَلَذَّ مِنَ الَّذِي سَأَلُوهُ، كَانَ مَا سَأَلُوهُ أَدْنَى مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَا مَحَالَةَ([567]).

 

·            توبيخ موسى عليه السلام لبني إسرائيل، وأن الذي يستبدل الأدنى بالذي هو خير يستحق التوبيخ، لأن موسى وبخهم، حيث قال: ﴿ أَتَسْتَبْدِلُونَالَّذِيهُوَأَدْنَىبِالَّذِيهُوَخَيْرٌ ﴾([568]).

 

·            ﴿مِصْرًا ﴾ في هذه الآية مصروفة نكرة تعني أيّ قطر من الأقطار ولا تعني الإقليم المعروف([569]).

 

·            يجوز للإنسان أن يعتذر عن الوساطة إذا لميكن لها داعٍ، لأنه قال: ﴿ اهْبِطُوامِصْرًافَإِنَّلَكُمْمَاسَأَلْتُمْ ﴾، وكأنه قال: لا حاجة أن أدعو الله أن يخرج لكم مما تنبت الأرض ([570]).

 

·            التنديد بكبائر الذنوب، كالكفر، وقتل النفس بغير الحق لا سيما قتل الأنبياء أو خلفائهم وهم العلماء الآمرون بالعدل في الآمة([571]).

 

·            ﴿بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ﴾ أَيْ يَكْذِبُونَ﴿بِآياتِ اللَّهِ﴾ أَيْ بِكِتَابِهِ وَمُعْجِزَاتِ أَنْبِيَائِهِ، كَعِيسَى وَيَحْيَى وَزَكَرِيَّا وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ﴾ النَّبِيِّ مأخوذ مِنْ أَنْبَأَ إِذَا أَخْبَرَ، واسم فاعله منبئ. ويجمع نبئ أَنْبِيَاءَ، ومنهم من قال : هو مِنْ نَبَا يَنْبُو إِذَا ظَهَرَ. فَالنَّبِيُّ مِنَ النُّبُوَّةِ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ، فَمَنْزِلَةُ النَّبِيِّ رَفِيعَةٌ([572]).

 

·            تقييد قتل الأنبياء بقوله ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾مع أن قتلهم لا يكون بحق البتَّة إِنما هو لزيادة التشنيع بقبح عدوانه([573]).إن الجزاء الذي أنزله اللّه باليهود من الذلة والمسكنة وإحلال الغضب بهم، حق وعدل ومطابق لجرائهم، وهي الاستكبار عن اتباع الحق، وكفرهم بآيات اللّه، وإهانتهم حملة الشرع وهم الأنبياء وأتباعهم، حتى إنهم قتلوهم ظلما وعدوانا بغير حق، لأن الأنبياء معصومون من أن يصدر منهم ما يقتلون به، فلم يأت نبي قط بشيء يوجب قتله، فصرّح تعالى بقوله: ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾على شناعة الذنب ووضوحه.روى الإمام أحمد عن ابن مسعود أن رسول اللّه rقال: «أشد الناس عذابا يوم القيامة: رجل قتله نبي، أو قتل نبيا، وإمام ضلالة، وممثل من الممثلين»([574]).

 

·            ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ تَعْظِيمٌ لِلشُّنْعَةِ وَالذَّنْبِ الَّذِي أَتَوْهُ. وخَرَجَ هَذَا مَخْرَجَ الصِّفَةِ لِقَتْلِهِمْ أَنَّهُ ظُلْمٌ وَلَيْسَ بِحَقٍّ، فَكَانَ هَذَا تَعْظِيمًا لِلشُّنْعَةِ عَلَيْهِمْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ نَبِيٌّ بِحَقٍّ، وَلَكِنْ يُقْتَلُ عَلَى الْحَقِّ، وقد خَلِّى بَيْنَ الْكَافِرِينَ وَقَتْلِ الْأَنْبِيَاءِ كَرَامَةٌ لَهُمْ وَزِيَادَةٌ فِي مَنَازِلِهِمْ، كَمَثَلِ مَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِخِذْلَانٍ لَهُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ: لَمْ يُقْتَلْ نَبِيٌّ قَطُّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِقِتَالٍ، وَكُلُّ مَنْ أُمِرَ بِقِتَالٍ نُصِرَ([575]).

 

·            معناه بغير الحقّ في اعتقادهم، ولأنّ التصريح بصفة فعلهم القبيح أبلغ في ذمّهم وإن كانت تلك الصفة لازمة للفعل([576]).

 

·            ضرب الذلة على بني إسرائيل، لقوله تعالى: ﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ﴾. وقد ذكر الله تعالى أنهم ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله. وهو الإسلام، أو بحبل من الناس وهو المساعدات الخارجية، قال تعالى: ﴿ ضُرِبَتْعَلَيْهِمُالذِّلَّةُأَيْنَمَاثُقِفُواإِلَّابِحَبْلٍمِنَاللهِوَحَبْلٍمِنَالنَّاسِوَبَاءُوابِغَضَبٍمِنَاللهِوَضُرِبَتْعَلَيْهِمُالْمَسْكَنَةُ ﴾([577])والمشاهد الآن أن اليهود أعزاء بما يساعدهم إخوانهم من النصارى([578]).

 

·            ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ﴾ أَيْ أُلْزِمُوهُمَا وَقُضِيَ عَلَيْهِمْ بِهِمَا، مَأْخُوذٌ مِنْ ضَرْبِ الْقِبَابِ، وَضَرَبَ الْحَاكِمُ عَلَى الْيَدِ، أَيْ حَمَلَ وَأَلْزَمَ. وَالذِّلَّةُ: الذُّلُّ وَالصَّغَارُ. وَالْمَسْكَنَةُ: الْفَقْرُ. فَلَا يُوجَدُ يَهُودِيٌّ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا خَالِيًا مِنْ زِيِّ الْفَقْرِ وَخُضُوعِهِ وَمَهَانَتِهِ([579]).

 

·            إن اليهود قد ضربت عليهم المسكنة وهي الفقر، ويشمل فقر القلوب الذي هو شدة الطمع بحيث أن اليهودي لا يشبع، ولا يتوقف عن طلب المال ولو كان من أكثر الناس مالاً([580]).

 

·            قال أبو إسحاق: أعلم الله عز وجل أن اليهود إذا اجتمعوا على قتال المؤمنين لم يبرزوا لحربهم، إنما يقاتلونمتحصنين بالقرى والجدران([581])، وقد قال الله تعالى:﴿ لَايُقَاتِلُونَكُمْجَمِيعًاإِلَّافِيقُرًىمُحَصَّنَةٍأَوْمِنْوَرَاءِجُدُرٍ ﴾ ([582]).

 

·            ﴿وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ﴾إثبات صفة الغضب لله تعالى، وغضب الله سبحانه وتعالى صفة من صفاته، لكنها لا تماثل صفات المخلوقين، فنحن عندما نغضب تنتفخ الأوداج منا، ويحمر الوجه، ويقفُّ الشعر، ويفقد الإنسان صوابه، وهذه العوارض لا تكون في غضب الله، لأن الله ليس كمثله شيء، بل هو غضب يليق بالله عزّ وجلّ دال على كمال عظمته، وسلطانه.

 

·            أن بني إسرائيل جمعوا بين المعاصي، والعدوان([583]).

 

·            ﴿ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ﴾ ﴿ذَلِكَ﴾ رَدٌّ عَلَى الْأَوَّلِ وَتَأْكِيدٌ لِلْإِشَارَةِ إِلَيْهِ. وَالْبَاءُ فِي﴿ بِمَا﴾ بَاءُ السَّبَبِ. قَالَ الْأَخْفَشُ: أَيْ بِعِصْيَانِهِمْ. وَالْعِصْيَانُ: خِلَافُ الطَّاعَةِ. والاعتداء: تجاوز الحد في كل شي، وعرف في الظلم والمعاصي([584]).

 

......................

 

........

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسم السادس عشر: الآية 62-66

 

 

 

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            هَادُوا: صاروا يهوداً.

 

·            الصَّابِئونَ : قوم موحدون معتقدون تأثير النجوم، ويقرون ببعض الأنبياء.

 

·            الطُّورَ: جبل ناجى موسى عليه الصلاة والسلام عليه ربه.

 

·            خَاسِئِينَ : الخسوء : الطرد والإبعاد والزجر.

 

·            دلت هذه الآيات على أمور ثلاثة: رفع الطور، والمسخ، وعظة العصاة.المخالفين أوامر اللّه ونواهيه([585]).

 

·            ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أَيْ صَدَّقُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ سُفْيَانُ: الْمُرَادُ الْمُنَافِقُونَ. كَأَنَّهُ قَالَ: الَّذِينَ آمَنُوا فِي ظَاهِرِ أَمْرِهِمْ، فَلِذَلِكَ قَرَنَهُمْ بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ، ثُمَّ بَيَّنَ حُكْمَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مِنْ جَمِيعِهِمْ([586]).

 

·            لا يظلم الله سبحانه وتعالى أحداً، فكل من آمن بالله واليوم الآخر، فإن له أجره من أيّ صنف كان([587]).

 

·            ﴿وَالَّذِينَ هادُوا﴾ مَعْنَاهُ صَارُوا يَهُودًا، نُسِبُوا إِلَى يَهُوذَا وَهُوَ أَكْبَرُ وَلَدِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَلَبَتِ الْعَرَبُ الذَّالَ دَالًا، لِأَنَّ الْأَعْجَمِيَّةَ إِذَا عُرِّبَتْ غُيِّرَتْ([588]).

 

·            لا فرق في ذلك بين جنس وآخر، فالذين هادوا، والنصارى، والصابئون مثل المؤمنين إذا آمنوا بالله، واليوم الآخر. وإن كان المؤمنون من هذه الأمة يمتازون على غيرهم بأنهم أكثر أجراً ([589]).

 

·            ﴿وَالنَّصارى﴾ جَمْعٌ وَاحِدُهُ نَصْرَانِيٌّ. وَنَصَّرَهُ: جَعَلَهُ نَصْرَانِيًّا. قِيلَ: سُمُّوا بِذَلِكَ لِقَرْيَةٍ تُسَمَّى" نَاصِرَةَ" كَانَ يَنْزِلُهَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَنُسِبَ إِلَيْهَا﴿وَالصَّابِئِينَ﴾ جمع صَابِئٍ، وَقِيلَ: صَابٍ، وَلِذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي هَمْزِهِ، وَهَمَزَهُ الْجُمْهُورُ إِلَّا نَافِعًا. فَمَنْ هَمَزَهُ جَعَلَهُ من صبأت النجوم إذا طلعت، وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْ جَعَلَهُ مِنْ صَبَا، إذ تَقُولُ لِمَنْ أَسْلَمَ قَدْ صَبَأَ. فَالصَّابِئُونَ قَدْ خَرَجُوا مِنْ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ([590]).

 

·            من اسرار البيان تقديم وتأخير الصابئين في آيتي سورة البقرة([591]) والمائدة([592])

، ففي سورة البقرة قدّم النصارى على الصابئين (النصب جاء مع العطف لتوكيد العطف)،ولما كان الكلام في آية سورة المائدة والآيات التي تلتها([593])في ذم معتقدات النصارى وكأن النصارى لم يؤمنوا بالتوحيد اقتضى تأخيرهم عن الصابئين([594]).

 

·            ثمرة الإيمان بالله، واليوم الآخر. وهو حصول الأجر، وانتفاء الخوف مما يستقبل، والحزن على ما مضى([595]).

 

·            ﴿مَنْ آمَنَ﴾ أَيْ صَدَّقَ. ِ﴿بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ اندارج الْإِيمَانِ بِالرُّسُلِ وَالْكُتُبِ وَالْبَعْثِ.﴿وَعَمِلَصَالِحًافَلَهُمْأَجْرُهُمْعِنْدَرَبِّهِمْوَلَاخَوْفٌعَلَيْهِمْوَلَاهُمْيَحْزَنُونَ ﴾ وَهِيَ فِيمَنْ ثَبَتَ عَلَى إِيمَانِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السلام([596]).

 

·            عظم أجر الذين آمنوا، وعملوا الصالحات، وذلك في قوله تعالى:﴿ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾.

 

·            إذا ذكر الثناء بالشر على طائفة، وكان منهم أهل خير فإنه ينبغي ذكر أولئك الذين اتصفوا بالخير حتى لا يكون قدحاً عاماً، لأنه تعالى بعدما قال: ﴿ ذَلِكَبِأَنَّهُمْكَانُوايَكْفُرُونَبِآيَاتِاللهِوَيَقْتُلُونَالنَّبِيِّينَبِغَيْرِالْحَقِّ ﴾  بيَّن أن منهم من آمن بالله، واليوم الآخر، وأن من آمن بالله واليوم الآخر فلهم أجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم، ولا هم يحزنون([597]).

 

·            أهل الإيمان الصحيح والاستقامة على شرع الله الحق مبشرون بنفي الخوف عنهم والحزن وإذا انتفى الخوف حصل الأمن، وإذا انتفى الحزن حصل السرور والفرح وتلك السعادة([598]).

 

·            تذكير الله تبارك وتعالى لبني إسرائيل بما أخذ عليهم من عهد، لقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ ﴾، وهذا التذكير مقتضاه الإلزام. أي فالتزموا بالميثاق([599]).

 

·            ﴿وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ﴾الطُّورُ اسْمٌ لِلْجَبَلِ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ فِيهِ التَّوْرَاةَ دُونَ غَيْرِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: أَيُّ جَبَلٍ كَانَ. إِلَّا أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: هُوَ اسْمٌ لِكُلِّ جَبَلٍ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، وسَبَبِ رَفْعِ الطُّورِ وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا جَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِالْأَلْوَاحِ فِيهَا التَّوْرَاةُ قَالَ لَهُمْ: خُذُوهَا وَالْتَزِمُوهَا. فَقَالُوا: لَا. فَأَمَرَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ فَاقْتَلَعَتْ جَبَلًا من جبال فلسطين، فَجُعِلَ عَلَيْهِمْ مِثْلُ الظُّلَّةِ، وَقِيلَ لَهُمْ: خُذُوهَا وَعَلَيْكُمُ الْمِيثَاقُ أَلَّا تُضَيِّعُوهَا، وَإِلَّا سَقَطَ عَلَيْكُمُ الْجَبَلُ. فَسَجَدُوا تَوْبَةً لِلَّهِ وَأَخَذُوا التَّوْرَاةَ بِالْمِيثَاقِ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: لَوْ أَخَذُوهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقٌ([600]).

 

·            بيان قوة الله عزّ وجلّ، وقدرته، لقوله تعالى: ﴿ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ ﴾، وقد قال الله تعالى في آية أخرى: ﴿ وَإِذْنَتَقْنَاالْجَبَلَفَوْقَهُمْكَأَنَّهُظُلَّةٌ ﴾ ([601])، فلا أحد من الخلق يستطيع أن يحمل ذلك الجبل، ويجعله ظلة لا يسقط عليهم إلا الله عزّ وجلّ، فالأحجار العظيمة الثقيلة الكبيرة أمسكها الله تعالى بقدرته([602]).

 

·            كان رفع جبل الطور فوق اليهود كالمظلة: إنذارا وإرهابا وتخويفا، وهذه الآية تفسر معنى قوله تعالى: ﴿ وَإِذْنَتَقْنَاالْجَبَلَفَوْقَهُمْكَأَنَّهُظُلَّةٌ ﴾ قال أبو عبيدة: المعنى زعزعناه فاستخرجناه من مكانه([603]).

 

·            ﴿وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ﴾ أَيْ تَدَبَّرُوهُ وَاحْفَظُوا أَوَامِرَهُ وَوَعِيدَهُ، وَلَا تَنْسَوْهُ وَلَا تُضَيِّعُوهُ. قُلْتُ: هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْكُتُبِ، الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهَا لَا تِلَاوَتُهَا بِاللِّسَانِ وَتَرْتِيلُهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ نَبْذٌ لَهَا([604]).

 

·            من اسرار البيان تقديم ذكر ﴿فَوْقَكُمُ﴾في سورة البقرة ([605])و ﴿فَوْقَهُمُ﴾في سورة النساء ([606])على الطور، وتأخير ذكر ﴿فَوْقَهُمْ﴾ على الجبــــــــل في سورة الأعراف ([607])، وذلك لأن في آية البقرة والنساء كان الكلام فيها على بني إسرائيل حوالي أربعين آية بعد الآية التي جاء فيها ذكر الطور لذا قدّم ﴿فَوْقَهُمُ﴾في النساء، و﴿فَوْقَكُمُ﴾ في البقرة على الطور للأهمية، بينما في آية سورة الأعراف وصف تعالى الجبل كأنـــــــــه ظُلّة وذكر ﴿ وَظَنُّواأَنَّهُوَاقِعٌبِهِمْ ﴾ومعنى واقع بهم أي أوقع بهم أو أهلكهم وهذا كله له علاقة بالجبل ولم يذكر أي شيء عن بني إسرائيل بعـــــــــــد هذه الآية لذا قدّم الجبل على ﴿فَوْقَهُمْ﴾([608]).

 

·            ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾:تمسكوا بالكتب السماوية وأعملوا  بمقتضاها، لا تلاوتها باللسان وترتيلها، فإن ذلك نبذ لها.وهذا يعني أن مجرد التغني بألفاظ القرآن، دون الاعتبار بعظاته، والعمل بأحكامه، لا يفيد شيئا([609]).

 

·            ﴿خُذُوا﴾ أَيْ فَقُلْنَا خُذُوا، ﴿مَا آتَيْناكُمْ﴾ أَعْطَيْنَاكُمْ. ﴿بِقُوَّةٍ﴾ أَيْ بجد واجتهاد، قاله ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ. وَقِيلَ: بِنِيَّةٍ وَإِخْلَاصٍ. مُجَاهِدٌ: الْقُوَّةُ الْعَمَلُ بِمَا فِيهِ([610]).

 

·            الواجب على أهل الملة أن يأخذوا كتابهم بقوة لا بضعف، ولين، ومداهنة، بل لابد من قوة في التطبيق، والدعوة، التطبيق على أنفسهم، ودعوة غيرهم إلى ذلك بدون فتور، ولا تراخٍ على حدّ قوله تعالى: ﴿ ادْعُإِلَىسَبِيلِرَبِّكَبِالْحِكْمَةِوَالْمَوْعِظَةِالْحَسَنَةِوَجَادِلْهُمْبِالَّتِيهِيَأَحْسَنُ ﴾ ([611])، لأنه لا يتم الأمر إلا بهذا.

 

·            عتوّ بني إسرائيل، حيث لم يؤمنوا إلا حين رفع فوقهم الطور كأنه ظلة، وظنوا أنه واقع بهم، فحينئذٍ آمنوا، وهذا الإيمان في الحقيقة يشبه إيمان المكره الذي قيل له: إما أن تؤمن، أو تُقْتَل([612]).

 

·            ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ﴾ تَوَلَّى تَفَعَّلَ، وَأَصْلُهُ الْإِعْرَاضُ عن الأوامر والأديان والمعتقدات اتساعا وَمَجَازًا.﴿مِنْ بَعْدِ ذلِكَ﴾ أَيْ مِنْ بَعْدِ الْبُرْهَانِ، وَهُوَ أَخْذُ الْمِيثَاقِ وَرَفْعُ الْجَبَلِ([613]).

 

·            الإنسان لا يستقل بنفسه في التوفيق، لقوله تعالى: ﴿ فَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾([614]).

 

·            ﴿فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ فضله قبول التوبة، و" رَحْمَتُهُ" الْعَفْوُ.﴿وَرَحْمَتُهُ﴾ أي لطفه وإمهاله.﴿مِنَ الْخاسِرِينَ﴾ خَبَرُ كُنْتُمْ. وَالْخُسْرَانُ: النُّقْصَانُ([615]).

 

·            إثبات الأسباب، وربطها بمسبباتها، لقوله تعالى: ﴿ فَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾، فهذا صريح في إثبات الأسباب، وتأثيرها في مسبَّباتها([616]).

 

·            ﴿اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ﴾ الِاعْتِدَاءُ. التَّجَاوُزُ. ﴿السَّبْتِ﴾ أي في يوم السبت مَأْخُوذٌ مِنَ السَّبْتِ وَهُوَ القطع، فقيل: إن الأشياء فيه سَبَتَتْ وَتَمَّتْ خِلْقَتُهَا([617]).

 

·            مسخاللّه تعالى المعتدين من اليهود بصيد السمك يوم السبت، وكان العمل فيه محرما من قبل موسى عليه السّلام، قال قتادة: صار الشبان قردة، والشيوخ خنازير([618]).

 

·            جعل الله تعالى عقوبة المسخ للعصاة الذين اعتدوا في السبت وصادوا السمك فيه بحيلة، وقد ذكرها اللّه تعالى في سورة الأعراف  وهي قوله سبحانه: ﴿وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ، إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ، إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً، وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ، كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ﴾ ([619])([620]).

 

·            روي عن مجاهد في تفسير ﴿ فَقُلْنَالَهُمْكُونُواقِرَدَةًخَاسِئِينَ ﴾،أنه إنما مسخت قلوبهم فقط، وردّت أفهامهم كأفهام القردة([621]).

 

·            ﴿فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا﴾النَّكَالُ: الزَّجْرُ وَالْعِقَابُ. وَالنِّكْلُ وَالْأَنْكَالُ: الْقُيُودُ. وَسُمِّيَتِ الْقُيُودُ أَنْكَالًا لِأَنَّهَا يُنْكَّلُ بِهَا، أَيْ يُمْنَعُ. وَالتَّنْكِيلُ: إِصَابَةُ الْأَعْدَاءِ بِعُقُوبَةٍ تُنَكِّلُ مَنْ وَرَاءَهُمْ، أَيْ تُجَبِّنُهُمْ.﴿لِما بَيْنَ يَدَيْها﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِمَا بَيْنَ يَدَيِ الْمَسْخَةِ مَا قَبْلَهَا مِنْ ذُنُوبِ الْقَوْمِ.﴿وَما خَلْفَها﴾ لِمَنْ يَعْمَلُ مِثْلَ تِلْكَ الذُّنُوبِ.﴿وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ الْوَعْظُ: التَّخْوِيفُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَخَصَّ الْمُتَّقِينَ وَإِنْ كَانَتْ مَوْعِظَةً لِلْعَالَمِينَ لِتَفَرُّدِهِمْ بِهَا عَنِ الْكَافِرِينَ الْمُعَانِدِينَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَاللَّفْظُ يَعُمُّ كُلَّ مُتَّقٍ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ﴿وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْتَهِكُوا مِنْ حُرَمِ اللَّهِ عز وجل مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ، فَيُصِيبُهُمْ مَا أَصَابَ أَصْحَابَ السَّبْتِ إِذِ انْتَهَكُوا حُرَمَ اللَّهِ فِي سَبْتِهِمْ([622]).

 

...................

 

...........

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسمالسابع عشر: الآية 67-71

 

 

 

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            هُزُوًا: سخرية.

 

·            الْجَاهِلِينَ: الجهل : فعل ما لا ينبغي فعله.

 

·            فَارِضٌ: المسنة التي انقطعت ولادتها.

 

·            بِكْرٌ: الصغيرة التي لم تحمل بعد.

 

·            عَوَانٌ: المتوسطة في السن.

 

·            لَاذَلُولٌ: لا تحرث الأرض ولا تسقي الزرع.

 

·            مُسَلَّمَةٌ: سلمت من العيوب.

 

·            لَاشِيَةَ: الشية : العلامة، أي لا لون فيها يخالف لونها.

 

·            الْحَرْثَ: الأرض المهيأة للزرع.

 

·            تُثِيرُ: تقلب الأرض للزراعة.

 

·            عبادة البقر من أقدم العبادات على مر التاريخ وامتداد الجغرافيا، فالثور المجنح أحد أبرز الآلهة في " حضارة " ما بين النهرين، والثيران، أيضاً، من أبرز الآلهة في حوض البحر المتوسط. والبقرة، كما هو معروف، أحد أهم الآلهة في شبه القارة الهندية. وقد كان " المصريون يعرفون العجل أبيس إله القوة البدنية والجنسية، والعجل عموماً كان معبود الكثير من الشعوب، ولا يوجد شعب من شعوب الشرق الأوسط إلا وكان من عبدة العجول في يوم من الأيام، وفي الهند يعبدون البقرة رمز الخصب التناسلي والخصوبة التكاثرية، والعطاء الأنثوي المتمثل في اللبن والغذاء الحيوي([623]).

 

·            تكاد البقرة أن تكون أبرز حيوان، له تأثير كبير في معيشة الإنسان خاصة في البيئات الزراعية، فغذاؤه لبنها ومشتقاته، وهي تثير له الأرض للزراعة، وتسقيه وتسقي حرثه، وربما حمل عليها بعض أثقاله، حتى لقد قيل بأن البقر سيد الحيوانات الإنسية([624])، وقد يشعر الإنسان وبخاصة في المجتمعات الزراعية الفقيرة أن حياته مرتبطة بحياة البقرة، ووجوده رهن بوجودها، وقد يتضاعف عنده هذا الإحساس فيشعر وكأنها هي سبب هذا الوجود وتلك الحياة، فيعبدها من دون الله تعالى، ويخاف عليها خوفه على نفسه وولده أو أشد، إلى الحد الذي مر فيه زمان على بعض مناطق فلسطين، مثلاً، إذا ماتت لأحد الأشخاص بقرة، لبس السواد حداداً عليها، وعزاه الناس بمصيبته([625]).

 

·            ينبغي للإنسان أن يسلك الأسباب التي تؤدي إلى قبول الأمر، أو الخبر، لقوله: ﴿ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ﴾ ([626]).

 

·            ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ وَجَدُوا قَتِيلًا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ قِيلَ: اسْمُهُ عَامِيلُ- وَاشْتَبَهَ أَمْرُ قَاتِلِهِ عَلَيْهِمْ، وَوَقَعَ بَيْنَهُمْ خِلَافٌ، فَقَالُوا: نَقْتَتِلُ وَرَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فَأَتَوْهُ وَسَأَلُوهُ،فَسَأَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ رَبَّهُ فَأَمَرَهُمْ بِذَبْحِ بَقَرَةٍ، فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ مُوسَى، قَالُوا: أَتَتَّخِذُنَا هُزُؤًا؟ وَالْهُزْءُ: اللَّعِبُ وَالسُّخْرِيَةُ، أَيْ قَالَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ([627]).

 

·            كان الأمر بذبح بقرة دون غيرها من الحيوان، لأنها من جنس ما عبدوه وهو العجل، ليهون عندهم أمر تعظيمه([628]).

 

·            قال موسى في تبيين القاتل: اذبحوا بقرة، وكان من الواجب المبادرة إلى امتثال أمره، وعدم الاعتراض عليه، ولكنهم أبوا إلا الاعتراض، فقالوا: ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا﴾([629]).

 

·            استهتار بني إسرائيل، حين قـــــــــــــالوا لنبيهم عليه الصلاة والسلام: ﴿ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ﴾ وقد أخبرهم أن الله تعالى أمرهم أن يذبحوا بقرة، فلم يحملوا هذا محمل الجدّ مع أن الواجب أن يحملوا هذا محمل الجدّ، لأنه أمر من الله عزّ وجلّ([630]).

 

·            ﴿أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ فإن الجاهل هو الذي يتكلم بالكلام الذي لا فائدة فيه، وهو الذي يستهزئ بالناس، وأما العاقل فيرى أن من أكبر العيوب المزرية بالدين والعقل، استهزاءه بمن هو آدمي مثله، وإن كان قد فضل عليه، فتفضيله يقتضي منه الشكر لربه، والرحمة لعباده([631]).

 

·            الاستهزاء بالناس من الجهل وهو الحمق، والسفه، لقول موسى عليه الصلاة والسلام: ﴿أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ ([632]).

 

·            جميع الخلق محتاجون إلى الله تعالى، وإلى الاعتصام به عزّ وجلّ، فإن موسى صلى الله عليه وسلم كان من أولي العزم من الرسل، ومع ذلك فهو محتاج إلى ربه تبارك وتعالى، لقوله تعالى: ﴿ قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾.

 

·            ﴿ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا﴾ فلم نهتد إلى ما تريد([633]).

 

·            ﴿قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ﴾ هَذَا تَعْنِيتٌ مِنْهُمْ وَقِلَّةُ طَوَاعِيَةٍ، وَلَوِ امْتَثَلُوا الْأَمْرَ وَذَبَحُوا أَيَّ بَقَرَةٍ كَانَتْ لَحَصَلَ الْمَقْصُودُ، لَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ([634]).

 

·            استكبار بني إسرائيل، حيث قالوا لموسى عليه الصلاة والسلام: ﴿ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ ﴾، فأمروه أمراً، ثم أضافوا ربوبية الله عزّ وجلّ إلى موسى، كأنهم متبرئون من ذلك، فلم يقولوا: "ادع ربنا"، أو "ادع الله"، ومما يدل على استكبارهم كونهم طلبوا من موسى. عليه الصلاة والسلام. أن يبين لهم ما هذه البقرة مع أن البقرة معروفة، وهي عند الإطلاق تشمل أيّ واحدة([635]).

 

·            ﴿مَا هِيَ﴾ وَمَاهِيَّةُ الشَّيْءِ: حَقِيقَتُهُ وَذَاتُهُ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا([636]).

 

·            ﴿قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ﴾ أي: مذللة بالعمل، ﴿تُثِيرُ الأرْضَ﴾ بالحراثة ﴿وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ﴾ أي: ليست بساقية، ﴿مُسَلَّمَةٌ﴾ من العيوب أو من العمل ﴿لا شِيَةَ فِيهَا﴾ أي: لا لون فيها غير لونها الموصوف المتقدم([637]).

 

·            ﴿قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لَا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ﴾ الْفَارِضُ: الْمُسِنَّةُ. وَقَدْ فَرَضَتْ تَفْرِضُ فُرُوضًا، أَيْ أَسَنَّتْ. وَقِيلَ: الْفَارِضُ الَّتِي قَدْ وَلَدَتْ بُطُونًا كَثِيرَةً فَيَتَّسِعُ جَوْفُهَا لِذَلِكَ، لِأَنَّ مَعْنَى الْفَارِضِ في اللغة الواسع. وَالْبِكْرُ: الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَمْ تَحْمِلْ. وَالْبِكْرُ: الْأَوَّلُ مِنَ الْأَوْلَادِ. وَالْعَوَانُ: النِّصْفُ الَّتِي قَدْ وَلَدَتْ بَطْنًا أَوْ بَطْنَيْنِ، وَهِيَ أَقْوَى مَا تَكُونُ مِنَ الْبَقَرِ وَأَحْسَنُهُ([638]).

 

·            تأكيد الأمر على بني إسرائيل أن يفعلوه، لقوله: ﴿ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ ﴾، ومع ذلك لم يمتثلوا، بل تعنتوا، وطلبوا شيئاً آخر: ﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا﴾، فسألوه عن اللون مع أن أيّ لون يمكن أن يكون في البقرة لا يمنع من أجزائها([639]).

 

·            ﴿فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ﴾ تَجْدِيدٌ لِلْأَمْرِ وَتَأْكِيدٌ وَتَنْبِيهٌ عَلَى تَرْكِ التَّعَنُّتِ فَمَا تَرَكُوهُ([640]).

 

·            أن استعمال البقر في الحرث والسقي كان قديماً معروفاً بين الأمم، ولا يزال إلى وقتنا هذا قبل أن تظهر الآلات الحديدية([641]).

 

·            ﴿مَا لَوْنُها﴾ ﴿مَا ﴾ زَائِدَةٌ. وَاللَّوْنُ وَاحِدُ الْأَلْوَانِ وَهُوَ هَيْئَةٌ كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَالْحُمْرَةِ([642]).

 

·            ليس التشدد في الدين محمودا، وليس الإلحاف في كثرة السؤال مرغوبا فيه، لذا نهانا اللّه تعالى عن ذلك وقت نزول القرآن، بقوله:﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، لا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ﴾([643])وقد سجل اللّه على اليهود ذنب الوقوف في السؤال موقف المستهزئ المعاند المجادل المتشدد المنكر الحق الصريح([644]).

 

·            ﴿فاقِعٌ لَوْنُها﴾ يُرِيدُ خَالِصًا لَوْنُهَا لَا لَوْنَ فِيهَا سِوَى لَوْنِ جِلْدِهَا.﴿تَسُرُّ النَّاظِرِينَ﴾ تُعْجِبُهم فِي سَمْتِهَا وَمَنْظَرِهَا([645]).

 

·            أن بني إسرائيل أرادوا أن يتقهقروا عن تنفيذ أمر الله عزّ وجلّ على درجات، الدرجة الأولى: ما سبق من قولهم: ﴿ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ﴾، الدرجة الثانية: قولهم: ﴿ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ ﴾، الدرجة الثالثة: قولهم: ﴿ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا ﴾، الدرجة الرابعة: قولهم: ﴿ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ ﴾ مرة أخرى([646]).

 

·            ﴿ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا﴾ لِأَنَّ وُجُوهَ الْبَقَرِ تَتَشَابَهُ ﴿وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ﴾ اسْتِثْنَاءٌ مِنْهُمْ، وَفِي اسْتِثْنَائِهِمْ فِي هَذَا السُّؤَالِ الْأَخِيرِ إِنَابَةٌ مَا َوانْقِيَادٌ، وَدَلِيلُ نَدَمٍ عَلَى عَدَمِ مُوَافَقَةِ الْأَمْرِ. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (لَوْ مَا اسْتَثْنَوْا مَا اهْتَدَوْا إِلَيْهَا أَبَدًا) ([647]). وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ وَإِنَّا لَمُهْتَدُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَقُدِّمَ عَلَى ذِكْرِ الاهتداء اهتماما به.

 

·            ﴿لَا ذَلُولٌ﴾ أَيْ هِيَ بَقَرَةٌ صَعْبَةٌ غَيْرُ رَيِّضَةٍ لَمْ تُذَلَّلْ بالعمل.﴿تُثِيرُ الْأَرْضَ﴾ فِي غَيْرِ الْعَمَلِ مَرَحًا وَنَشَاطًا، وَإِثَارَةُ الْأَرْضِ: تَحْرِيكُهَا وَبَحْثُهَا. ﴿مُسَلَّمَةٌ﴾ مِنَ الْعَرَجِ وَسَائِرِ الْعُيُوبِ.﴿لَا شِيَةَ فِيها﴾ أَيْ لَيْسَ فِيهَا لَوْنٌ يُخَالِفُ مُعْظَمَ لَوْنِهَا، هِيَ صَفْرَاءُ كُلُّهَا لَا بَيَاضَ فِيهَا وَلَا حُمْرَةَ وَلَا سَوَادَ([648]).

 

·            ﴿قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ﴾ أي: بالبيان الواضح، وهذا من جهلهم، وإلا فقد جاءهم بالحق أول مرة، فلو أنهم اعترضوا أي: بقرة لحصل المقصود، ولكنهم شددوا بكثرة الأسئلة فشدد الله عليهم، ولو لم يقولوا "إن شاء الله "لم يهتدوا أيضا إليها([649]).

 

·            ﴿قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ﴾ أَيْ بَيَّنْتَ الْحَقَّ([650]).

 

·            استهتار بني إسرائيل، حيث قالوا: ﴿ الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ﴾، فكأنهم يقولون: الآن رضينا بوصف هذه البقرة، ثم قاموا بذبحها على مضض، وكل هذا يدل على استهتارهم بأوامر الله عزّ وجلّ([651]).

 

·            ﴿فَذَبَحُوهَا﴾ أي: البقرة التي وصفت بتلك الصفات([652]).

 

·            ﴿وَما كادُوا يَفْعَلُونَ﴾ وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنْ تَثْبِيطِهِمْ فِي ذَبْحِهَا وَقِلَّةِ مُبَادَرَتِهِمْ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ([653]).

 

........................

 

..................

 

..........

 

.......

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسمالثامن عشر: الآية 72-74

 

 

 

وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            فَادَّارَأْتُمْ : تدافعتم وتخاصمتم.

 

·            قَسَتْ قُلُوبُكُمْ  : يبست وصلبت.

 

·            الخَشْيَةِ : الخوف مع تعظيم المخشيّ.

 

·            ﴿ وَإِذْقَتَلْتُمْنَفْسًا ﴾، مع أن القاتل واحد، لأن الأمة في مجموعها كالشخص الواحد ([654]).

 

·            ﴿ وَإِذْقَتَلْتُمْنَفْسًا ﴾،أسند القتل إلى اليهود المعاصرين للنبي محمد r، لأنهم من سلالة أولئك الذين قتلوا، وهم مثلهم تماماً في الانحراف والضلال.

 

·            ﴿ اضْرِبُوهُبِبَعْضِهَا ﴾،أي اضربوا هذا الشخص القتيل ببعض أجزاء البقرة التي ذبحتموها، أيا كان هذا الجزء دون تعيين، وفي هذا تيسير عليهم من الله كذلك، فلما ضربوه بها، أحياه الله فتكلم، وأخبر نبي الله موسى u وقومه بقاتله.

 

·            ﴿فَادَّارَأْتُمْ﴾ اخْتَلَفْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَأَصْلُهُ تَدَارَأْتُمْ ثُمَّ أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الدَّالِ([655]).

 

·            قول الرسول قول لمرسله إذا كان بأمره، لقولــــــــه تعالى: ﴿ فَقُلْنَااضْرِبُوهُبِبَعْضِهَا﴾.

 

·            البعض الذي ضرب به هذا القتيل من البقرة غير معلوم، لقوله تعالى: ﴿ بِبَعْضِهَا﴾، فقد أبهمه الله، ومحاولة بعض المفسرين أن يعينوه محاولة ليس لها داع، لأن المقصود الآية([656]).

 

·            ﴿كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى﴾أَيْ كَمَا أَحْيَا هَذَا بَعْدَ مَوْتِهِ كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ كُلَّ مَنْ مَاتَ([657]).

 

·            إنه ينبغي لطالب العلم أن يعتني بمعنى القصة، وغرضها دون من وقعت عليه، لقوله تعالى: ﴿ بِبَعْضِهَا﴾، ولم يعين لهم ذلك توسعة عليهم، ليحصل المقصود بأيّ جزء منها، ولهذا نرى أنه من التكلف ما يفعله بعض الناس إذا سمع حديثاً أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله... " كذا وكذا، تجد بعض الناس يتعب، ويتكلف في تعيين هذا الرجل، وهذا ليس بلازم، المهم معنى القصة، وموضوعها، أما أن تعرف من هذا الرجل؟ من هذا الأعرابي؟ ما هذه الناقة مثلاً؟ ما هذا البعير؟ فليس بلازم، إذ إن المقصود في الأمور معانيها، وأغراضها، وما توصل إليه، فلا يضر الإبهام. اللهم إلا أن يتوقف فهم المعنى على التعيين([658]).

 

·            إحياء القتيل بقتل حي أظهر لقدرته تعالى في اختراع الأشياء من أضدادها. وقد ذكر اللّه تعالى إحياء الموتى في سورة البقرة في خمسة مواضع: في قوله تعالى: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ، وفي هذه القصة: ﴿فَقُلْنا: اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها﴾، وفي قصة الذين خرجوا من ديارهم وهو ألوف: فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ: ﴿مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ﴾([659]). وفي قصة عزير: ﴿فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ، ثُمَّ بَعَثَهُ﴾([660])وفي قصة إبراهيم: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى﴾([661]).

 

·            الإنكار الشديد على قتل النفس البريئة، وإنما أخره بالذكر عن ذكر موقفهم الاستهزائي العنادي، اهتماما واستهجانا وتقريعا لموقف العناد، وتشويقا إلى معرفة سبب ذبح البقرة، وهذا الموقف ديدن اليهود وطبيعتهم التي لا تفارقهم. والكتاب الكريم لا يراعي ترتيب المؤرخين في سرد الأحداث والوقائع، وإنما يذكر الكلام بما يتفق مع هدفه: وهي العظة والعبرة، واجتذاب الأنظار وإثارة الانتباه([662]).

 

·            هذه الآية من آيات الله عزّ وجلّ. وهي أن تكون البقرة سبباً لحياة هذا القتيل، إذ لا رابطة في المعقول بين أن تُذبح البقرة، ويضرب القتيل ببعضها، فيحيى([663]).

 

·            يخرج الله سبحانه وتعالى ما كان يكتمه أهل الباطل، ويبينه للناس، لقوله تعالى: ﴿ وَاللهُمُخْرِجٌمَاكُنْتُمْتَكْتُمُونَ ﴾، واذكروا قول الله تعالى: ﴿ يَسْتَخْفُونَمِنَالنَّاسِوَلَايَسْتَخْفُونَمِنَاللهِوَهُوَمَعَهُمْإِذْيُبَيِّتُونَمَالَايَرْضَىمِنَالْقَوْلِوَكَانَاللهُبِمَايَعْمَلُونَمُحِيطًا ﴾ ([664]).

 

·            ﴿وَيُرِيكُمْ آياتِهِ﴾أَيْ عَلَامَاتِهِ وَقُدْرَتَهُ. ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾أَيْ تَمْتَنِعُونَ مِنْ عِصْيَانِهِ. وَعَقَلْتُ نَفْسِي عَنْ كَذَا أَيْ منعتها منه والمعاقل: الحصون([665]).

 

·            لؤم بني إسرائيل الذين جاءتهم هذه النعم ومع ذلك فهم لم يلينوا للحق، بل قست قلوبهم على ظهور هذه النعم ([666]).

 

·            ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ﴾ الْقَسْوَةُ: الصَّلَابَةُ وَالشِّدَّةُ وَالْيُبْسُ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ خُلُوِّهَا مِنَ الْإِنَابَةِ وَالْإِذْعَانِ لِآيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَقَتَادَةُ وغيرهما:الْمُرَادُ قُلُوبُ جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ([667]).

 

·            إن الحجارة أقسى شيء يضرب به المثل([668]).

 

·            ﴿ لَمَايَتَفَجَّرُمِنْهُالْأَنْهَارُ ﴾ التفجّر يدلّ على الخروج بوصف الكثرة، بينما في قوله تعالى ﴿ وَإِنَّمِنْهَالَمَايَشَّقَّقُفَيَخْرُجُمِنْهُالْمَاءُ ﴾ يدلّ على الخروج نفسه.

 

·            ﴿يَشَّقَّقُ ﴾أَصْلُهُ يَتَشَقَّقُ، أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الشِّينِ، وَهَذِهِ عِبَارَةٌ عَنِ الْعُيُونِ الَّتِي لَمْ تَعْظُمْ حَتَّى تَكُونَ أَنْهَارًا، أَوْ عَنِ الْحِجَارَةِ الَّتِي تَتَشَقَّقُ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ مَاءٌ مُنْفَسِحٌ([669]).

 

·            تشبيه المعقول بالمحسوس في قوله تعالى: ﴿ فَهِيَكَالْحِجَارَةِ﴾، لأن الحجارة أمر محسوس، والقلب قسوته أمر معقول، إذ إنه ليس المعنى أن القلب الذي هو المضغة يقسو، القلب هو هو، لكن المراد: أنه يقسو قسوة معنوية بإعراضه عن الحق، واستكباره عليه، فهو أمر معنوي شبه بالأمر الحسي، وهذامن بلاغة القرآن تشبيه المعقول بالمحسوس حتى يتبين([670]).

 

·            لم يخلق اللّه تعالى شيئا في هذا الوجود عبثا، وإنما لفائدة، ففي الآية دلالة على بعض فوائد الأحجار ونحوها من الجمادات، وأنها تنصاع لأمر اللّه، فإن تمردت فئة من المخلوقات عن الصبغة الإلهية، وأصبحت عديمة النفع، لعدم تأثرها بالعظات وعدم قبولها الحق، فاللّه يجازيها جزاء وفاقا، في الدنيا والآخرة، فيسلط عليها في الدنيا بعض النقم، إن لم تحركها النّعم، ويعذبها في نار جهنم في الآخرة، لإبائها الحق ولعدم طاعتها أوامر اللّه تعالى([671]).

 

·            إن الحجارة خير من قلوب هؤلاء بأن فيها خيراً، فإن من الحجارة ما يتفجر منه الأنهار، ومنها ما يشقق، فيخرج منه الماء، ومنها ما يهبط من خشية الله، وهذه كلها خير، وليس في قلوب اليهود خير([672]).

 

·            ﴿وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ يَقُولُ إِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ مَا هُوَ أَنْفَعُ مِنْ قُلُوبِكُمْ، لِخُرُوجِ الْمَاءِ مِنْهَا وَتَرَدِّيهَا. قَالَ مُجَاهِدٌ: مَا تَرَدَّى حَجَرٌ مِنْ رَأْسِ جَبَلٍ، وَلَا تَفَجَّرَ نَهْرٌ مِنْ حَجَرٍ، وَلَا خَرَجَ مِنْهُ مَاءٌ إِلَّا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، نَزَلَ بِذَلِكَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ([673]).

 

·            إن الجمادات تعرف الله عزّ وجلّ، لقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّمِنْهَالَمَايَهْبِطُمِنْخَشْيَةِاللهِ ﴾، وهذا أمر معلوم من آيات أخرى، كقوله تعالى: ﴿ يُسَبِّحُلِلَّهِمَافِيالسَّمَاوَاتِوَمَافِيالْأَرْضِ﴾([674])، وقوله تعالى:﴿ تُسَبِّحُلَهُالسَّمَوَاتُالسَّبْعُوَالْأَرْضُوَمَنْفِيهِنَّوَإِنْمِنْشَيْءٍإِلَّايُسَبِّحُبِحَمْــــــــدِهِوَلَكِنْلَاتَفْقَهُونَتَسْبِيحَهُمْ ﴾ ([675])،وقوله تعالى: ﴿ ثُمَّاسْتَوَىإِلَىالسَّمَاءِوَهِيَدُخَانٌفَقَالَلَهَاوَلِلْأَرْضِائْتِيَاطَوْعًاأَوْكَرْهًاقَالَتَاأَتَيْنَاطَائِعِينَ﴾([676]) : ففهمتا الأمر، وانقادتا([677]).

 

·            عظمة الله عزّ وجلّ، لقوله تعالى: ﴿ مِنْخَشْيَةِاللهِ﴾، والخشية هي الخوف المقرون بالعلم، لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَايَخْشَىاللهَمِنْعِبَادِهِالْعُلَمَاءُ﴾([678])، فمن علم عظمة الله سبحانه وتعالى فلا بد أن يخشاه.

 

·            ﴿وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ أَيْ عَنْ عَمَلِكُمْ حَتَّى لَا يُغَادِرَ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا يُحْصِيهَا عَلَيْكُمْ([679]).

 

·            سعة علم الله سبحانه وتعالى، لقوله تعالى:﴿ وَمَااللهُبِغَافِلٍعَمَّاتَعْمَلُونَ﴾، وهذه الصفة من صفات الله سبحانه وتعالى السلبية، والصفات السلبية هي التي ينفيها الله سبحانه وتعالى عن نفسه. وتتضمن أمرين هما: نفي هذه الصفة، وإثبات كمال ضدها([680]).

 

.................

 

...........

 

.....

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسمالتاسع عشر: الآية 75-77

 

 

 

أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            أَفَتَطْمَعُونَ: الطمع : تعلق النفس بالحصول على أمر تحبه.

 

·            يُحَرِّفُونَهُ: التحريف : الخروج عن الحق.

 

·            خَلَا: انفرد.

 

·            فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ: حكم الله به عليكم وقضاه فيكم.

 

·            ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ﴾هَذَا اسْتِفْهَامٌ فِيهِ مَعْنَى الْإِنْكَارِ، كَأَنَّهُ أَيْأَسَهُمْ مِنْ إِيمَانِ هَذِهِ الْفِرْقَةِ مِنَ الْيَهُودِ، أَيْ إِنْ كَفَرُوا فَلَهُمْ سَابِقَةٌ فِي ذَلِكَ. وَالْخِطَابُ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَلِكَ أَنَّ الْأَنْصَارَ كَانَ لَهُمْ حِرْصٌ عَلَى إِسْلَامِ الْيَهُودِ لِلْحِلْفِ وَالْجِوَارِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ([681]).

 

·            إثبات أن الله يتكلم، وأن كلامه بصوت مسموع، لقوله تعالى: ﴿ يَسْمَعُونَكَلَامَاللهِ﴾، وكلام الله تبارك وتعالى صفة حقيقية تتضمن اللفظ، والمعنى، فهو سبحانه وتعالى يتكلم بحروف، وأصوات مسموعة، وتفصيل ذلك والرد على من خالفه مذكور في كتب العقائد([682]).

 

·            وفي قوله تعالى: ﴿ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ﴾قال مجاهد والسدي: هم علماء اليهود الذين يحرفون التوراة، فيجعلون الحرام حلالا والحلال حراما، اتّباعا لأهوائهم([683]).

 

·            هؤلاء اليهـــــــود قد حرفوا كلام الله، لقوله تعالى: ﴿ ثُمَّيُحَرِّفُونَهُمِنْبَعْدِمَاعَقَلُوهُ ﴾([684]).

 

·            ﴿ مِنْبَعْدِمَاعَقَلُوهُوَهُمْيَعْلَمُونَ ﴾أَيْ عَرَفُوهُ وَعَلِمُوهُ. وَهَذَا تَوْبِيخٌ لَهُمْ، أَيْ إِنَّ هَؤُلَاءِ الْيَهُودَ قَدْ سَلَفَتْ لِآبَائِهِمْ أَفَاعِيلُ سُوءٍ وَعِنَادٍ، فَهَؤُلَاءِ عَلَى ذَلِكَ السُّنَنِ، فَكَيْفَ تَطْمَعُونَ فِي إِيمَانِهِمْ!. وَدَلَّ هَذَا الْكَلَامُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْعَالِمَ بِالْحَقِّ الْمُعَانِدِ فِيهِ بَعِيدٌ مِنَ الرُّشْدِ، لِأَنَّهُ عَلِمَ الْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ وَلَمْ ينهه ذلك عن عناده([685]).

 

·            التحريف والتبديل لكلام اللّه أشد الحرام، سواء أكان بالتأويل الفاسد، أم بالتغيير والتبديل، وقد وقع النوعان من أحبار اليهود، وقد نعتهم اللّه تعالى بأنهم يبدلون ويحرفون، فقال:﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ﴾.

 

·            وقع التحريف في الإنجيل، كما وقع في التوراة، والدليل واضح وهو ضياع أصل كلا هذين الكتابين، وكتابتهما بأيدي العلماء بعد عشرات السنين، كما قال تعالى: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ﴾([686]).

 

·            حدث التحريف في القرآن بمعنى التأويل الباطل، من الجهلة أو الملاحدة([687]).

 

·            التحريف بإسقاط آية من القرآن، فلم يقع، لتعهد اللّه حفظ كتابه المبين في قوله سبحانه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ، وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ﴾([688]).

 

·            بيان قبح تحريف هؤلاء اليهود، لأنهم حرفوا ما عقلوه، والتحريف بعد عقل المعنى أعظم، لأن الإنسان الجاهل قد يعذر بجهله، لكن الإنسان العالم الذي عقل الشيء يكون عمله أقبح، لأنه تجرأ على المعصية مع علمه بها. فيكون أعظم([689]).

 

·            ﴿وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ﴾ الْآيَةُ فِي الْيَهُودِ، وَذَلِكَ أَنَّ نَاسًا مِنْهُمْ أَسْلَمُوا ثُمَّ نَافَقُوا، فَكَانُوا يُحَدِّثُونَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْعَرَبِ بِمَا عُذِّبَ بِهِ آبَاؤُهُمْ([690]).

 

·            بعضهم يلوم بعضاً على بيان الحقيقة حينما يرجعون إليهم، لقوله تعالى: ﴿وَإِذَاخَلَابَعْضُهُمْإِلَىبَعْضٍقَالُواأَتُحَدِّثُونَهُمْبِمَافَتَحَاللهُعَلَيْكُمْ﴾([691]).

 

·            فَقَالَتْ لَهُمُ الْيَهُودُ: ﴿أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ أَيْ حَكَمَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْعَذَابِ، لِيَقُولُوا نَحْنُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْكُمْ([692]).

 

·            من سجايا اليهود وطبائعهم الغدر، لقوله تعالى: ﴿ وَإِذَالَقُواالَّذِينَآمَنُواقَالُواآمَنَّاوَإِذَاخَلَابَعْضُهُمْإِلَىبَعْضٍ... ﴾ إلخ، لأن هذا نوع من الغدر بالمؤمنين.

 

·            في اليهود منافقين، لقوله تعالى: ﴿ وَإِذَالَقُواالَّذِينَآمَنُواقَالُواآمَنَّا... ﴾.

 

·            العلم من الفتح، لقولهم: ﴿ بِمَافَتَحَاللهُعَلَيْكُمْ﴾، ولا شك أن العلم فتح يفتح الله به على المرء من أنواع العلوم والمعارف ما ينير به قلبه([693]).

 

·            ﴿ فَتَحَ﴾ حَكَمَ. وَالْفَتْحُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الْقَضَاءُ وَالْحُكْمُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ﴾([694]) أَيِ الْحَاكِمِينَ([695]).

 

·            المؤمن، والكافر يتحاجَّان عند الله يوم القيامة، لقولهم: ﴿ لِيُحَاجُّوكُمْبِهِعِنْدَرَبِّكُمْ﴾، ويؤيده قوله تعالى: ﴿ إِنَّكَمَيِّتٌوَإِنَّهُمْمَيِّتُونَ (30) ثُمَّإِنَّكُمْيَوْمَالْقِيَامَةِعِنْدَرَبِّكُمْتَخْتَصِمُونَ ﴾ ([696]).

 

·            ﴿لِيُحَاجُّوكُمْ﴾ لِيُعَيِّرُوكُمْ، وَيَقُولُوا نَحْنُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْكُمْ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لِيَحْتَجُّوا عَلَيْكُمْ بِقَوْلِكُمْ، يَقُولُونَ كَفَرْتُمْ بِهِ بَعْدَ أَنْ وَقَفْتُمْ عَلَى صِدْقِهِ([697]).

 

·            سفه اليهـود الذين يتخذون من صنيعهم سلاحاً عليهم، لقولـــــــهم: ﴿ أَفَلَاتَعْقِلُونَ﴾ ([698]).

 

·            ﴿ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ قِيلَ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾. وَقِيلَ: ﴿ عِنْدَ ﴾ بِمَعْنَى" فِي" أَيْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ فِي رَبِّكُمْ، فَيَكُونُوا أَحَقَّ به منكم لظهور الحجة عليكم، وروي عَنِ الْحَسَنِ. وَالْحُجَّةُ: الْكَلَامُ الْمُسْتَقِيمُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَحَجَّةُ الطَّرِيقِ. وَحَاجَجْتُ فُلَانًا فَحَجَجْتُهُ، أَيْ غَلَبْتُهُ بِالْحُجَّةِ([699]).

 

·            الثناء على العقل، والحكمة، لأن قولهم: ﴿ أَفَلَاتَعْقِلُونَ﴾ توبيخ لهم على هذا الفعل، وأنه ينبغي للإنسان أن يكون عاقلاً، ما يخطو خطوة إلا وقد عرف أين يضع قدمه، ولا يتكلم إلا وينظر ما النتيجة من الكلام، ولا يفعل إلا وينظر ما النتيجة من الفعل: قال النبي r"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً، أو ليصمت" ([700]).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسمالعشرون: الآية 78-81

 

 

 

 

 

وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            أُمِّيُّونَ: لا يحسنون القراءة والكتابة.

 

·            أَمَانِيَّ: اكاذيب.

 

·            وَيْلٌ: دعاء عليهم بالهلاك.

 

·            تَمَسَّنَا  : تصيبنا.

 

·            الأُمّية يوصف بها من لا يقرأ، ومن يقرأ ولا يفهم، لقوله تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْأُمِّيُّونَلَايَعْلَمُونَالْكِتَابَإِلَّاأَمَانِيَّ﴾ ([701]).

 

·            ﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ﴾ أَيْ مِنَ الْيَهُودِ. وَقِيلَ: مِنَ الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ أُمِّيُّونَ، أَيْ مَنْ لَا يَكْتُبُ وَلَا يَقْرَأُ، وَاحِدُهُمْ أُمِّيٌّ، مَنْسُوبٌ إِلَى الْأُمَّةِ الْأُمِّيَّةِ الَّتِي هِيَ عَلَى أَصْلِ وِلَادَةِ أُمَّهَاتِهَا لَمْ تَتَعَلَّمِ الْكِتَابَةَ وَلَا قِرَاءَتَهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ) ([702]).

 

·            يقص القرآن على المسلمين من أحوال بني إسرائيل: إنهم فريقان. فريق أمي جاهل، لا يدري شيئاً من كتابهم الذي نزل عليهم، ولا يعرف منه إلا أوهاماً وظنوناً، وإلا أماني في النجاة من العذاب، بما أنهم شعب الله المختار، المغفور له كل ما يعمل وما يرتكب من آثام! وفريق يستغل هذا الجهل وهذه الأمية فيزوّر على كتاب الله، ويحرف الكلم عن مواضعه بالتأويلات المغرضة، ويكتم منه ما يشاء، ويبدي منه ما يشاء ويكتب كلاماً من عند نفسه يذيعه في الناس باسم أنه من كتاب الله.. كل هذا ليربح ويكسب، ويحتفظ بالرياسة والقيادة([703]).

 

·            ﴿ إِلَّا أَمانِيَّ﴾إِلَّا" هَا هُنَا بِمَعْنَى لَكِنْ، فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ.وَالْأَمَانِيُّ جَمْعُ أُمْنِيَّةٍ وَهِيَ التِّلَاوَةُ، وَأَصْلُهَا أُمْنُويَةٌ عَلَى وَزْنِ أُفْعُولَةٍ، فَأُدْغِمَتِ الْوَاوُ فِي الْيَاءِ فَانْكَسَرَتِ النُّونُ مِنْ أَجْلِ الْيَاءِ فَصَارَتْ أُمْنِيَّةً، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾([704])أَيْ إِذَا تَلَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي تِلَاوَتِهِ.وَالْأَمَانِيُّ أَيْضًا مَا يَتَمَنَّاهُ الْإِنْسَانُ وَيَشْتَهِيهِ. قَالَ قَتَادَةُ: ﴿ إِلَّا أَمانِيَّ﴾يَعْنِي أَنَّهُمْ يَتَمَنَّوْنَ عَلَى اللَّهِ مَا لَيْسَ لَهُمْ([705]).

 

·            ذم من لا يعتني بمعرفة معاني كتاب الله عزّ وجلّ.

 

·            من لا يفهم المعنى فإنه لا يتكلم إلا بالظن، لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْهُمْإِلَّايَظُنُّونَ﴾، العامي يقرأ القرآن من أوله إلى آخره، لكن لا يفهم معناه، فإذا تكلم في حكم من أحكام اللهالشرعية التي دل عليها الكتاب فإنما كلامه عن ظن، لأنه في الحقيقة لا يعلم، ولا يمكن أن يعلم إلا إذا فهم المعنى([706]).

 

·            ﴿  يَظُنُّونَ﴾يَكْذِبُونَ وَيُحْدِثُونَ، لِأَنَّهُمْ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِصِحَّةِ ما يتلون، وإنما هم مقلدون لاحبارهم فيما يقرءون به([707]).

 

·            ذم الحكم بالظن، وأنه من صفات اليهود، وهذا موجود كثيراً عند بعض الناس الذين يحبون أن يقال عنهم: "إنهم علماء"، تجده يفتي بدون علم، وربما أفتى بما يخالف القرآن، والسنة وهو لا يعلم.

 

·            ﴿ فَوَيْلٌ﴾عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْوَيْلُ الْمَشَقَّةُ مِنَ الْعَذَابِ. وَقِيلَ: أَصْلُهُ الْهَلَكَةُ، وَكُلُّ مَنْ وَقَعَ فِي هلكة دعا بالويل([708]).

 

·            المقلد ليس بعالم، لأنه لا يفهم المعنى، وقد قال ابن عبد البر: "إن العلماء أجمعوا أن المقلد لا يعد في العلماء"، وهو صحيح: المقلد ليس بعالم، غاية ما هنالك أنه نسخة من كتاب، بل الكتاب أضبط منه، لأنه قد ينسى، وليس معنى ذلك أننا نذم التقليد مطلقاً، التقليد في موضعه هو الواجب، لقوله تعالى: ﴿ فَاسْأَلُواأَهْلَالذِّكْرِإِنْكُنْتُمْلَاتَعْلَمُونَ ﴾ ([709]).

 

·            تحقيق مباشرتهم ذلك التحريف بأنفسهم، وذلك زيادة في تقبيح فعلهم، فإنّه يقال: كتب فلان كذا وإن لم يباشره بنفسه، بل أمر غيره به من كاتب له، ونحو ذلك([710]).

 

·            ﴿  بِأَيْدِيهِمْ﴾ تَأْكِيدٌ، فَإِنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْكَتْبَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْيَدِ، فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ:" ﴿ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ﴾ ([711])، وَقِيلَ: فَائِدَةُ﴿  بِأَيْدِيهِمْ﴾ بَيَانٌ لِجُرْمِهِمْ وَإِثْبَاتٌ لِمُجَاهَرَتِهِمْ، فَإِنَّ مَنْ تَوَلَّى الْفِعْلَ أَشَدُّ مُوَاقَعَةً مِمَّنْ لَمْ يَتَوَلَّهُ وَإِنْ كَانَ رَأْيًا لَهُ. وفِي هَذِهِ الْآيَةِ وَالَّتِي قَبْلَهَا التَّحْذِيرُ مِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ وَالزِّيَادَةِ فِي الشَّرْعِ، فَكُلُّ مَنْ بَدَّلَ وَغَيَّرَ أَوِ ابْتَدَعَ فِي دِينِ اللَّهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ هَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ، وَالْعَذَابِ الْأَلِيمِ([712]).

 

·            الوعيد على الذين يكتبون الكتاب بأيديهم، ثم يقولون هذا من عند الله وهم كاذبون.

 

·            أنهم يفعلون ذلك من أجل الرئاسة، والمال، والجاه، لقوله تعالى: ﴿ لِيَشْتَرُوابِهِثَمَنًاقَلِيلًا﴾، وقد ورد الوعيد على من طلب علماً يبتغى به وجه الله لينال عرضاً من الدنيا([713]).

 

·            ﴿  لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا﴾ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَأْخُذُونَهُ بِالْقِلَّةِ، إِمَّا لِفَنَائِهِ وَعَدَمِ ثَبَاتِهِ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ حَرَامًا، لِأَنَّ الْحَرَامَ لَا بَرَكَةَ فِيهِ وَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ([714]).

 

·            الدنيا كلها مهما بلغت فهي قليل، كما قال تعالى:﴿ قُلْمَتَاعُالدُّنْيَاقَلِيلٌ ﴾([715]).

 

·            الجزاء بحسب العمل، لقوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌلَهُمْمِمَّاكَتَبَتْأَيْدِيهِمْ﴾.

 

·            ﴿ فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾ قِيلَ مِنَ الْمَآكِلِ. وَقِيلَ مِنَ الْمَعَاصِي. وكرر الويل تغليظا لفعلهم([716]).

 

·            إثبات العلل، والأسباب، لقوله تعالى: ﴿ مِمَّاكَتَبَتْأَيْدِيهِمْ﴾، فإن هذا بيان لعلة الوعيد، وهذه غير الفائدة السابقة، لأن الفائدة السابقة جزاؤهم بقدر ما كتبوا، وهذه بيان السبب([717]).

 

·            عقوبة القول على الله بغير علم تشمل الفعل، وما ينتج عنه من كسب محرم، لقوله تعالى:﴿ فَوَيْلٌلَهُمْمِمَّاكَتَبَتْأَيْدِيهِمْوَوَيْلٌلَهُمْمِمَّايَكْسِبُونَ﴾.

 

·            الأماني التي يلجأ إليها المنحرفون عن العقيدة الصحيحة، حين يطول بهم الأمد، وينقطع ما بينهم وبين حقيقة دينهم، فلا يبقى لهم منه إلا اسمه وشكله، دون موضوعه وحقيقته ويظنون أن هذا يكفيهم للنجاة من العذاب بحكم ما يعلنونه بألسنتهم من أنهم على دين الله([718]).

 

·            التحذير الشديد من الفتاوى الباطلة التي تحرم ما أحل الله أو تحلل ما حرم ليتوصل بها صاحبها إلى غرض دنيوي كمال، أو حظوة لدى ذي سلطان([719]).

 

·            إبطال الانتفاع بالنسب والانتساب، وتقرير أن سعادة الإنسان، كشقائه مردهما في السعادة إلى الإيمان والعمل الصالح. وفي الشقاوة إلى الشرك والمعاصي.

 

·            التنبيه على خطر الذنوب صغيرها وكبيرها، وإلى العمل على تكفيرها بالتوبة والعمل الصالح قبل أن تحوط بالنفس فتحجبها عن التوبة. والعياذ بالله.

 

·            أن اليهود يقرون بالآخرة، وأن هناك ناراً، لقوله تعالى: ﴿ وَقَالُوالَنْتَمَسَّنَاالنَّارُإِلَّاأَيَّامًامَعْدُودَةً﴾، لكن هذا الإقرار لا ينفعهم، لأنهم كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا ليسوا بمؤمنين([720]).

 

·            ﴿ وَقالُوا﴾يَعْنِي الْيَهُودَ. ﴿ لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً﴾قِيلَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْيَهُودِ: (مَنْ أَهْلُ النَّارِ). قَالُوا: نَحْنُ، ثُمَّ تَخْلُفُونَا أَنْتُمْ. فَقَالَ: (كَذَبْتُمْ لَقَدْ عَلِمْتُمْ أنا لا نخلفكم) ([721]) فنزلت هذه الآية، قال ابْنُ زَيْدٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةَ: أَنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ إِنَّ اللَّهَ أَقْسَمَ أَنْ يُدْخِلَهُمُ النَّارَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَدَدَ عِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ، فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ تعالى([722]).

 

·            من اسرار البيانذكر قوله تعالى في سورة البقرة : ﴿ أَيَّامًامَعْدُودَةً﴾([723])، وفي سورة آل عمران قوله تعالى :  ﴿ أَيَّامًامَعْدُودَاتٍ﴾([724])أما الأولى فالكلام فيها على بني إسرائيل وقد أكثر من الكلام عليهم وفي صفاتهم([725]) وإذن فهم يعلمون أن الله معاقبهم على هذا الجرم فقالوا: (إلا أياماً معدودة) فجاء بصغية الكثرة. أما في آية آل عمران فليس هناك مثل الجرم المذكور في سورة البقرة من ارتكاب الذنب العمد وتحريف كلام الله([726])، فقال: (أَيَّامًامَعْدُودَاتٍ) بصيغة جمع القلة في آل عمران، بخلاف آية البقرة فسبحان الله رب العالمين([727]).

 

·            أنهم قالوا على الله ما لا يعلمون، إما كذباً، وإما جهلاً، والأول أقرب، لقوله تعالى: ﴿ أَمْتَقُولُونَعَلَىاللهِمَالَاتَعْلَمُونَ﴾.

 

·            حسن مجادلة القرآن، لأنه حصر هذه الدعوى في واحد من أمرين، وكلاهما منتفٍ: ﴿ أَتَّخَذْتُمْعِنْدَاللهِعَهْدًافَلَنْيُخْلِفَاللهُعَهْدَهُأَمْتَقُولُونَعَلَىاللهِمَالَاتَعْلَمُونَ﴾، وهذا على القول بأن ﴿أم﴾ هنا متصلة، أما على القول بأنها منقطعة فإنه ليس فيها إلا إلزام واحد([728]).

 

·            ﴿  قُلْأَتَّخَذْتُمْعِنْدَاللهِعَهْدًا ﴾ أَيْ أأَسْلَفْتُمْ عَمَلًا صَالِحًا فَآمَنْتُمْ،وَأَطَعْتُمْ،فتستوجبون بِذَلِكَ الْخُرُوجَ مِنَ النَّار؟!ِ أَوْ هَلْ عَرَفْتُمْ ذلك بوحيه الَّذِي عَهِدَهُ إِلَيْكُمْ؟!([729]).

 

·            لن يخلف الله سبحانه وتعالى وعده، وكونه لا يخلف الوعد يتضمن صفتين عظيمتين هما: الصدق، والقدرة، لأن إخلاف الوعد إما لكَذِب، وإما لعجز، فكون الله. جلَّ وعلا. لا يخلف الميعاد يقتضي كمال صدقه، وكمال قدرته.

 

·            من دأب اليهود القول على الله بلا علم، لقوله تعالى: ﴿ أَمْتَقُولُونَعَلَىاللهِمَالَاتَعْلَمُونَ﴾، والقول على الله يتضمن القول عليه في أحكامه، وفي ذاته، وصفاته، من قال عليه ما لا يعلم بأنه حلَّل، أو حرَّم، أو أوجب، فقد قال على الله بلا علم، ومن أثبت له شيئاً من أسماء، أو صفات لم يثبته الله لنفسه فقد قال على الله بلا علم، ومن نفى شيئاً من أسمائه وصفاته فقد قال على الله بلا علم، ومن صرف شيئاً عن ظاهره من نصوص الكتاب والسنة بلا دليل فقد قال على الله بلا علم([730]).

 

·            تحريم الإفتاء بلا علم، وعلى هذا يجب على المفتي أن يتقي الله عزّ وجلّ، وألا يتسرع في الإفتاء، لأن الأمر خطير.

 

·            عند ما تغلق منافذ التوبة على النفس في سجن الخطيئة.. عندئذ يحق ذلك الجزاء العادل الحاسم: ﴿فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ﴾([731]).

 

·            الثواب والعقاب لا يترتب على الأشخاص بحسب النسب، أو الانتماء، وإنما هو بحسب العمل([732]).

 

·            دل قوله تعالى:  ﴿بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ﴾ على أنالمعلق على شرطين لا يتم بأقلهما، ومثله قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قالُوا: رَبُّنَا اللَّهُ، ثُمَّ اسْتَقامُوا﴾([733]).

 

·            خلود أهل النار فيها، وهو خلود مؤبد لا يخفف عنهم فيه العذاب، وقد صرح الله عزّ وجلّ بتأبيد الخلود فيها في ثلاثة مواضع من القرآن، الأول: في سورة النساء في قوله تعالى: ﴿ إِنَّالَّذِينَكَفَرُواوَظَلَمُوالَمْيَكُنِاللهُلِيَغْفِرَلَهُمْوَلَالِيَهْدِيَهُمْطَرِيقًا (168) إِلَّاطَرِيقَجَهَنَّمَخَالِدِينَفِيهَاأَبَدًاوَكَانَذَلِكَعَلَىاللهِيَسِيرًا ﴾([734])، الموضع الثاني: في سورة الأحزاب في قولـــــه تعالى: ﴿ إِنَّاللهَلَعَنَالْكَافِرِينَوَأَعَدَّلَهُمْسَعِيرًا (64) خَالِدِينَفِيهَاأَبَدًالَايَجِدُونَوَلِيّـــــًاوَلَانَصِيرًا﴾([735])، الموضع الثالث: في سورة الجن في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْيَعْصِاللهَوَرَسُولَهُفَإِنَّلَهُنَارَجَهَنَّمَخَالِدِينَفِيهَاأَبَدًا ﴾ ([736]).

 

........................

 

...................

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسمالحادي والعشرون: الآية 82-83

 

 

 

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            مِيثَاقَ:الميثاق : العهد الشديد المؤكد.

 

·            الْيَتَامَى:مفردها اليتيم : وهو من مات أبوه من بني الإنسان صغيراً.

 

·            الْمَسَاكِينِ:الذين عجزوا عن الكسب وليس عندهم ما يكفيهم.

 

·            العمل وحده لا يكفي حتى يكون صادراً عن إيمان، لقوله تعالى: ﴿ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، ولذلك لم ينفع المنافقين عملهم، لفقد الإيمان في قلوبهم([737]).

 

·            تضمن ميثاق الله مع بني إسرائيل، ذلك الميثاق الذي أخذه عليهم في ظل الجبل، والذي أمروا أن يأخذوه بقوة وأن يذكروا ما فيه، القواعد الثابتة لدين الله، هذه القواعد التي جاء بها الإسلام أيضاً، فتنكروا لها وأنكروها([738]).

 

·            جاء الترتيب في الآية بتقديم الأهم فالأهم، فقدّم حق الله تعالى لأنه المنعم في الحقيقة على العباد، ثم قدم ذكر الوالدين لحقهما الأعظم في تربية الولد، ثم القرابة لأن فيهم صلة الرحم وأجر الإِحسان، ثم اليتامى لقلة حيلتهم، ثمّ المساكين لضعفهم ومسكنتهم([739]).

 

·            ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً﴾ ولم يقل: وقولوا لإِخوانكم أو قولوا للمؤمنين حسناً ليدل على أنّ الأمر بالإِحسان عامٌ لجميع الناس، المؤمن والكافر، والبر والفاجر، وفي هذا حضٌ على مكارم الأخلاق، بلين الكلام، وبسط الوجه، والأدب الجميل، والخلق الكريم.

 

·            بيان عظمة الله عزّ وجلّ، لقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا ﴾، لأن الضمير هنا للتعظيم، وهو سبحانه وتعالى العظيم الذي لا أعظم منه.

 

·            العبادة خاصة بالله تبارك وتعالى، فلا يعبد غيره، لقوله تعالى: ﴿ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ ﴾، لأن هذا يفيد الحصر  ([740]).

 

·            وجوب الإحسان إلى الوالدين، لقوله تعالى: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، وإنما أوجب ذلك، لأن نعمة الوالدين على ولدهما هي التي تلي نعمة الله عزّ وجلّ، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى في سورة لقمان: ﴿ أَنِاشْكُرْلِيوَلِوَالِدَيْكَإِلَيَّالْمَصِيرُ﴾([741]).

 

·            الحكمة في بر الوالدين واضحة: وهي المعاملة بالمثل ومقابلة المعروف بمثله، والوفاء للمحسن، كما قال تعالى: ﴿ هَلْجَزَاءُالْإِحْسَانِإِلَّاالْإِحْسَانُ﴾ ([742])فهما بذلا للولد وهو صغير كل عناية وعطف بتربيته والقيام بشؤونه، فيجب على الولد مكافأتهما على صنعهما([743]).

 

·            وجوب الإحسان إلى ذوي القربى. أي قرابة الإنسان. وهم من يجتمعون به بالأب الرابع، فما دون، ولكن يجب أن نعلم أن الإحسان يتفاوت، فكل من كان أقرب فهو أولى بالإحسان، لأن الحكم إذا عُلِّق بوصف قوي بحسب قوة ذلك الوصف، فمثلاً يجب عليك من صلة العم أكثر مما يجب عليك من صلة أولاد العم، ويجب عليك من صلة الخال أكثر مما يجب عليك من صلة أولاد الخال([744]).

 

·            وجوب الإحسان إلى اليتامى، وهو يشمل الإحسان إليهم أنفسهم، والإحسان في أموالهم، لقوله تعالى:﴿ وَلَاتَقْرَبُوامَالَالْيَتِيمِإِلَّابِالَّتِيهِيَأَحْسَنُ﴾([745])([746]).

 

·            الإحسان إلى اليتيم: بحسن تربيته وحفظ حقوقه من الضياع، وقد ملئ الكتاب والسنة بالوصية به والرأفة به والحض على كفالته وحفظ ماله، من ذلك ماأخرجه مسلم عن أبي هريرة أن رسول اللّه rقال: «كافل اليتيم له أو لغيره، أنا وهو كهاتين في الجنة» وأشار مالك بالسبابة والوسطى([747]).

 

·            الإحسان إلى المساكين: وهم الذين لا يجدون ما ينفقون على أنفسهم، وقد أمر اللّه بالإحسان إلى المساكين، وهم الذين أسكنتهم الحاجة وأذلتهم، وذلك يكون بالصدقة عليهم، ومواساتهم حين البأساء والضراء، عن أبي هريرة أن النّبي rقال: «السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمَسَاكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكَالَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ»([748]).

 

·            وجوب القول الحسن، لقوله تعالى: ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً﴾، وضد القول الحسن قولان، قول سوء، وقول ليس بسوء، ولا حسن، أما قول السوء فإنه منهي عنه، وأما القول الذي ليس بسوء، ولا حسن فليس مأموراً به، ولا منهياً عنه، لكن تركه أفضل، ولهذا وصف الله عباد الرحمن بأنهم: ﴿ وَالَّذِينَلَايَشْهَدُونَالزُّورَوَإِذَامَرُّوابِاللَّغْوِمَرُّواكِرَامًا ﴾ ([749]).

 

·                                                                                                                                                                                                                                                                         من اسرار البيانذكر الباء في آية سورة النساء([750]) وحذفها في آية سورة البقرة([751])،فقد ذكرت الباء مع الوالدين ومع ذي القربى. وذلك لأن السياق في سورة النساء والكلام عن القرابات من أول السورة إلى آخرها وليس فقط في الآية التي بين أيدينا. إذن ذكر الباء مع ذي القربى في هذه الآية من سورة النساء كان لمراعاة التفضيل والتوكيد. أما في آية سورة البقرة فليس السياق في القرابات فحذفت الباء في (ذي القربى) مراعاة للإيجاز([752]).

 

·            الكلام الطيب، ولين الجانب، وإظهار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك مما هو نافع في الدين والدنيا كالحلم والصفح والعفو والبشاشة.وذلك لأن إحسان القول له تأثير فعال في النفوس، وبه يتم التكافل الأدبي أو الأخلاقي بين الناس، فإنه سبحانه عبر بقوله وَقُولُوا لِلنَّاسِ ولم يقل لإخوانكم، ليدل على أن الأمر بالإحسان عام لجميع الناس. عن النّبي rأنه قال: « لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» ([753]).

 

·            التولي قد يكون بإعراض، وقد يكون بغير إعراض، لأنه لو كان بإعراض مطلقاً لم يستقم قوله: ﴿ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ﴾([754]).

 

 

 

.................................

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسمالثاني والعشرون: الآية 84-86

 

 

 

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            أَقْرَرْتُمْ: اعترفتم.

 

·            تَظَاهَرُونَ :تتعاونون.

 

·            الْإِثْمِ :الفعل الذي يستحق صاحبه الذم.

 

·            الْعُدْوَانِ :مجاوزة الحد في الظلم.

 

·            أُسَارَى: جمع اسير.

 

·            خِزْيٌ  : هوان، وهلاك.

 

·            يُرَدُّونَ  : يصرفون. والرّدّ: الرّجع.

 

·            أَشَدِّ الْعَذابِ  : هو الذي لا روح فيه ولا فرج. وقيل: إلى أشد من عذاب الدّنيا.

 

·            الوفاء بالعهد من صفات المؤمنين المخلصين، والإخلال بالعهد من صفات الكافرين والمنافقين، ومن ألزم العهود والمواثيق الواجب تنفيذها واحترامها هو عهد اللّه، فمن أخل به ولم يرع جميع بنوده وأحكامه، استحق العقاب والتوبيخ والاستهجان([755]).

 

·            عقّب الله- جل وعلا- على القتل الذي عبّر عنه بسفك الدماء بالإجلاء عن الديار. وهذا يعني أن العدوان بالإجلاء يأتي بعد اقتراف القتل في قسوته وفظاعته.

 

·            ﴿تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ عبّر عن قتل الغير بقتل النفس لأن من أراق دم غيره فكأنما أراق دم نفسه([756]).

 

·            في تعبير القرآن عن المخالفة والمعصية بالكفر دليل على أن من يقدم على الذنب، ولا يبالي بنهي اللّه، فهو كافر به([757]).

 

·            تجزئة أحكام اللّه، بأخذ بعضها وقبوله، ورفض بعضها والإعراض عنه، كفر بجميع الأحكام الإلهية. قال العلماء: كان اللّه تعالى قد أخذ على اليهود أربعة عهود: ترك القتل، وترك الإخراج، وترك المظاهرة، وفداء أساراهم، فأعرضوا عن كل ما أمروا به إلا الفداء، فوبخهم اللّه على ذلك توبيخا يتلى، فقال: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وهو التوراة وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾([758]).

 

·            كفر من لا يقيم دين الله إعراضاً عنه ودعم مبالاة به([759]).

 

·            بني إسرائيل أُخذ عليهم تحريم قتال بعضهم بعضاً، لقوله تعالى: ﴿ وَإِذْأَخَذْنَامِيثَاقَكُمْلَاتَسْفِكُونَدِمَاءَكُمْ﴾.

 

·            تحريم إخراج بعضهم بعضاً من ديارهم.

 

·            الأمة كالنفس الواحدة، لقوله تعالى:﴿لَاتَسْفِكُونَدِمَاءَكُمْوَلَاتُخْرِجُونَأَنْفُسَكُمْ﴾.

 

·            في قوله تعالى: ﴿ لَاتَسْفِكُونَدِمَاءَكُمْوَلَاتُخْرِجُونَأَنْفُسَكُمْمِنْدِيَارِكُمْ﴾، حث على اجتناب ما نُهي عنه، وكأن الذي اعتدى على غيره قد اعتدى على نفسه.

 

·            بني إسرائيل قد أقروا على أنفسهم بهذاالميثاق، وشهد بعضهم على بعض، لقوله تعالى: ﴿ ثُمَّأَقْرَرْتُمْوَأَنْتُمْتَشْهَدُونَ ﴾.

 

·            بيان تمرد بني إسرائيل، حيث إنهم نقضوا العهد الذي أخذه الله عليهم، فصار بعضهم يقتل بعضاً، ويخرج بعضهم بعضاً من ديارهم([760]).

 

·            تحريم التظاهر على الغير بغير حق، لقوله تعالى: ﴿ تَظَاهَرُونَعَلَيْهِمْبِالْإِثْمِوَالْعُدْوَانِ﴾، وأما إذا علا عليه بحق فإن هذا لا بأس به، فإن الله سبحانه وتعالى فضل العباد بعضهم على بعض، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّأَكْرَمَكُمْعِنْدَاللهِأَتْقَاكُمْ ﴾([761])، وقال تعالى: ﴿فَلَاتَهِنُواوَتَدْعُواإِلَىالسَّلْمِوَأَنْتُمُالْأَعْلَوْنَوَاللهُمَعَكُمْوَلَنْيَتِرَكُمْأَعْمَالَكُمْ ﴾([762]).

 

·            الكفر ببعض الشريعة كفر بجميعها ([763]).

 

·            مضاعفة العقوبة على بني إسرائيل، لقوله تعالى: ﴿ فَمَاجَزَاءُمَنْيَفْعَلُذَلِكَمِنْكُمْإِلَّاخِزْيٌفِيالْحَيَاةِالدُّنْيَاوَيَوْمَالْقِيَامَةِيُرَدُّونَإِلَىأَشَدِّالْعَذَابِ﴾.

 

·            تهديد الذين نقضوا العهد، لقوله تعالى: ﴿ وَمَااللهُبِغَافِلٍعَمَّاتَعْمَلُونَ﴾([764]).

 

·            إثبات أن صفات الله تعالى ثبوتية، ومنفية، لكن يجب أن نعلم أن النفي المحض لا يوجد في صفات الله تعالى، وإنما النفي الواقع في صفاته لبيان كمال ضد ذلك المنفي، ففي قوله تبارك وتعالى: ﴿ وَلَايَظْلِمُرَبُّكَأَحَدًا﴾([765])إثبات كمال العدل مع نفي الظلم عنه، وفي قوله تعالى: ﴿ وَمَامَسَّنَامِنْلُغُوبٍ﴾([766])  إثبات كمال القوة مع نفي اللغوب عنه، وعلى هذا فقس، فالضابط في الصفات التي نفاها الله تعالى عن نفسه أنها تدل على نفي تلك الصفة، وعلى ثبوت كمال ضدها([767]).

 

·            وقد أكدت شريعتنا حكم فداء الأسارى وأنه واجب، قال علماء المالكية وغيرهم: فداء الأسرى واجب، وإن لم يبق درهم واحد. قال ابن خويز منداد:تضمنت الآية وجوب فك الأسرى، وبذلك وردت الآثار عن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه فك الأسارى وأمر بفكّهم، وجرى بذلك عمل المسلمين، وانعقد به الإجماع. ويجب فك الأسارى من بيت المال، فإن لم يكن فهو فرض على كافة المسلمين، ومن قام به منهم أسقط الفرض عن الباقين ([768]).

 

·            هؤلاء القوم خالدون في العذاب أبد الآبدين، لقوله تعالى: ﴿ فَلَايُخَفَّفُعَنْهُمُالْعَذَابُ﴾.

 

·            المجرم لا يجد ناصراً له يمنعه من عذاب الله عزّ وجلّ، لقوله تعالى: ﴿ وَلَاهُمْيُنْصَرُونَ﴾([769]).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسمالثالث والعشرون: الآية 87-88

 

 

 

ولَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            قَفَّيْنَا: اتبعنا.

 

·            الْبَيِّنَاتِ : الحجج الواضحة.

 

·            أَيَّدْنَاهُ : قويناه.

 

·            رُوحِ الْقُدُسِ : جبريل u.

 

·            غُلْفٌ : جمع غلاف، أو أغلف، وهو القلب الذي لا يعي ولا يفهم.

 

·            تَهْوى أَنْفُسُكُمُ  : أي تميل، والهوى في المحبّة إنما هو ميل النّفس إلى من تحبّه.

 

·            إثبات رسالة موسى، لقوله تعالى:﴿ وَلَقَدْآتَيْنَامُوسَىالْكِتَابَ ﴾ ([770]).

 

·            إن من بعد موسى من الرسل من بني إسرائيل تبع له، لقوله تعالى: ﴿ وَقَفَّيْنَامِنْبَعْدِهِبِالرُّسُلِ ﴾، ويشهد لهذا قوله تعالى: ﴿ إِنَّاأَنْزَلْنَاالتَّوْرَاةَفِيهَاهُدًىوَنُورٌيَحْكُمُبِهَاالنَّبِيُّونَالَّذِينَأَسْلَمُوالِلَّذِينَهَادُواوَالرَّبَّانِيُّونَوَالْأَحْبَارُ ﴾([771]).

 

·            الحشد المتتابع من الرسل الذين جاؤوا لبني إسرائيل يدلّ على مزيد العناية الإلهية بأعتى البشر، وتمكينه من العودة إلى طريق الحق، فإذا عوقب ذلك العاتي المستكبر، كان عقابه حقا وعدلا([772]).

 

·            ثبوت رسالة عيسى، لقوله تعالى: ﴿ وَآتَيْنَاعِيسَىابْنَمَرْيَمَالْبَيِّنَاتِ ﴾.

 

·            من ليس له أب فإنه ينسب إلى أمه، لأن عيسى عليه السلام نسب إلى أمه.وبهذا نعرف أن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن أممن ليس له أب شرعاً هي عصبته، فإن عدمت فعصبتها. خلافاً لمن قال: إن أمه ليس لها تعصيب، ويظهر أثر ذلك بالمثال: فلو مات من ليس له أب عن أمه، وخاله: فلأمه الثلث والباقي لخاله. على قول من يقول: إن الأم لا تعصيب لها، أما على القول الراجح: فلأمه الثلث فرضاً، والباقي تعصيباً([773]).

 

·            أعطى الله سبحانه وتعالى عيسى بن مريم عليه السلام آيات كونية، وشرعية، مثال الشرعية: الإنجيل، ومثال الكونية: إحياء الموتى، وإخراجهم من القبور، وإبراء الأكمه، والأبرص، وأنه يخلق من الطين كهيئة الطير، فينفخ فيه، فيكون طيراً يطير بإذن الله، وكذلك أيضاً يخبرهم بما يأكلون، وما يدخرون في بيوتهم، قال العلماء: إنما أعطي هذه الآية الكونية، لأن الطب في عهده ارتقى إلى درجة عالية، فأتاهم بآيات لا يقدر الأطباء على مثلها.

 

·            أيد الله سبحانه وتعالى عيسى بجبرائيل، لقوله تعالى﴿ وَأَيَّدْنَاهُبِرُوحِالْقُدُسِ ﴾.

 

·            الملائكة من جملة تسخيرهم للخلق أنهم يؤيدون من أمَرَهم الله بتأييده، ولهذا قال النبي r لحسان بن ثابت: "اللهم أيده بروح القدس  "([774]).

 

·            بيان عتوّ بني إسرائيل، وأنهم لا يريدون الحق،لقوله تعالى: ﴿ أَفَكُلَّمَاجَاءَكُمْرَسُولٌبِمَالَاتَهْوَىأَنْفُسُكُمُاسْتَكْبَرْتُمْفَفَرِيقًاكَذَّبْتُمْوَفَرِيقًاتَقْتُلُونَ ﴾.

 

·            بني إسرائيل يبادرون بالاستكبار عند مجيء الرسل إليهم، ولا يتأنون، لقوله تعالى: ﴿ أَفَكُلَّمَاجَاءَكُمْ ﴾، ثم قال تعالى: ﴿استكبرتم﴾، لأن مقتضى ترتب الجزاء على الشرط أن يكون الجزاء عقيباً للشرط: كلما وجد الشرط وجد الجزاء فوراً([775]).

 

·            من اسرار البيان أن الفعل﴿جَاءَكُمْ﴾أتى مذكّراً إذا كان الخطاب لبني إسرائيل ولزمرة منهم وفي حالة معينة تدل على القلة، مثال ذلك قوله تعالى ﴿ أَفَكُلَّمَاجَاءَكُمْرَسُولٌبِمَالَاتَهْوَىأَنْفُسُكُمُاسْتَكْبَرْتُمْفَفَرِيقًاكَذَّبْتُمْوَفَرِيقًاتَقْتُلُونَ ﴾([776])بتذكير فعل جاءكم، أما إذا  كان الكلام عن جميع الرسل في جميع الأمم من آدم إلى أن تقوم الساعة وهذا يدل على الكثرة أتى بالفعل ﴿جَاءَتْ﴾ مؤنّثاً للدلالة على الكثرة([777]). مثال ذلك قوله تعالى﴿ لَقَدْجَاءَتْرُسُلُرَبِّنَابِالْحَقِّوَنُودُواأَنْتِلْكُمُالْجَنَّةُأُورِثْتُمُوهَابِمَاكُنْتُمْتَعْمَلُونَ ﴾([778]).

 

·            توبيخ ولوم بني إسرائيل، وبيان مناهجهم بالنسبة للشرائع، وبالنسبة لمن جاء بالشرائع، ففي الشرائع: لا يقبلون إلا ما وافق أهواءهم، وبالنسبة لمن جاء بالشرائع بما لا تهوى أنفسهم: انقسموا إلى قسمين: فريقاً يكذبون، وفريقاً يقتلون مع التكذيب ([779]).

 

·            من استكبر عن الحق إذا كان لا يوافق هواه من هذه الأمة فهو شبيه ببني إسرائيل، فإذا استكبر عن الحق. سواء تحيل على ذلك بالتحريف، أو أقر بأن هذا الحق، ولكنه استكبر عنه. فإنه مشابه ببني إسرائيل.

 

·            بني إسرائيل انقسموا في الرسل الذينجاءوا بما لا تهوى أنفسهم إلى قسمين: قسم كذبوهم، وقسم آخر قتلوهم مع التكذيب.

 

·            إن هؤلاء الذين لم يقبلوا الحق احتجوا بما ليس بحجة، فقالوا: قلوبنا غلف.

 

·            قالوا: إن قلوبنا مغلفة لا تنفذ إليها دعوة جديدة، ولا تستمع إلى داعية جديد! قالوها تيئيسا لمحمد r وللمسلمين، من دعوتهم إلى هذا الدين أو تعليلاً لعدم استجابتهم لدعوة الرسول([780]).

 

·            من صنع مثل صنيعهم فهو شبيه بهم، يوجد أناس نسمع عنهم أنهم إذا نُصِحوا، ودُعوا إلى الحق قالوا: "ما هدانا الله"، وهؤلاء مشابهون لليهود الذين قالوا: ﴿ قُلُوبُنَاغُلْفٌ ﴾([781]).

 

·            صورة واضحة تبين موقف فئة من البشر من الأحكام الإلهية، فمن أعرض عنها، وجحد بها، واستكبر عن قبولها، كان مصيره المحقق المنتظر هو استحقاق العذاب والطرد من رحمة اللّه تعالى([782]).

 

·            بيان أن الأسباب مهما قويت إذا غلب عليها المانع لم تؤثر شيئاً، فالقلوب وإن كانت مفطورة على الدين القيم لكن إذا وجد موانع لم تتمكن من الهدى، وقد قيل: إن الأمور لا تتم إلا بوجود أسبابها، وانتفاء موانعها([783]).

 

·            اللّه تعالى منزّه عن ظلم أحد، ففي قوله تعالى: ﴿ بَلْلَعَنَهُمُاللهُبِكُفْرِهِمْ ﴾بيان السبب في نفورهم عن الإيمان، وهو أنهم لعنوا بما تقدم من كفرهم واجترائهم، وهذا هو الجزاء على الذنب بأعظم منه([784]).

 

·            إثبات الأسباب، وأن لها تأثيراً في مسبباتها بإذن الله، لقوله تعالى: ﴿ بَلْلَعَنَهُمُاللهُبِكُفْرِهِمْ ﴾.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسمالرابع والعشرون: الآية 89-91

 

 

 

وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            يَسْتَفْتِحُونَ  : يستنصرون.

 

·            اشْتَرَوْا: باعوا.

 

·            بَغْيًا : ظلماً وحسداً.

 

·            بَاءُوا : رجعوا.

 

·            مُهِينٌ: مذل: والهوان: الاستخفاف.

 

·            القرآن كلامه سبحانه وتعالى تكلم به حقيقة، لقوله تعالى: ﴿كِتَابٌمِنْعِنْدِاللهِ﴾، ومعلوم أن الكلام ليس جسماً يقوم بنفسه حتى نقول: إنه مخلوق([785]).

 

·            التنويه بفضل القرآن، لقوله تعالى: ﴿ مُصَدِّقٌلِمَامَعَهُمْ﴾، ولقوله تعالى: ﴿مِنْعِنْدِاللهِ﴾.

 

·            إذا لم يؤمن اليهود إيمانا كاملا بالتوراة التي أنزلها اللّه على نبيهم موسى عليه السّلام، فلا أمل في إيمانهم بالقرآن([786]).

 

·            كان اليهود يعرفون أن النبي r سيبعث، وتكون له الغلبة، لقوله تعالى:﴿ وَكَانُوامِنْقَبْلُيَسْتَفْتِحُونَعَلَىالَّذِينَكَفَرُوا ﴾ يعني يستنصرون. أي يطلبون النصر، أو يَعِدون به، فقبل نزول القرآن، وقبل مجيء الرسول r يقولون للعرب: إنه سيبعث نبي، وينْزل عليه كتاب، وننتصر به عليكم، ولما جاءهم الرسول الذي كانوا يستفتحون به كفروا به([787]).

 

·            اليهود لم يخضعوا للحق، حتى الذي يقرون به لم يخضعوا له، لأنهم كفروا به، فيدل على عتوهم، وعنادهم.

 

·            قال تعالى﴿ فَلَعْنَةُاللهِعَلَىالْكَافِرِينَ﴾ولم يقل «عليهم» ليشعر بأن سبب حلول اللعنة هو كفرهم([788]).

 

·            استدل بعض العلماء بهذه الآية على جواز لعن الكافر المعين، ولكن لا دليل فيها، لأن اللعن الوارد في الآية على سبيل العموم، ثم هو خبر من الله عزّ وجلّ، ولا يلزم منه جواز الدعاء به، ويدل على منع لعن المعين أن النبي rكان يقول: "اللهم العن فلاناً، وفلاناً" ([789]). لأئمة الكفر، فنهاه الله عن ذلك، ولأن الكافر المعين قد يهديه الله للإسلام إن كان حياً، وإن كانميتاً فقد قال النبي r "لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا" ([790]).

 

·            ليس من العقل السليم، بل ولا من المصلحة الحقيقية للإنسان أن يؤثر الفاني على الباقي، والشيء التافه الرخيص على الغالي الثمين، لأن دوام الخير وبقاء النعمة أصون للمنفعة، وأكرم للنفس، لذا ندد القرآن بأفعال اليهود، مقررا:﴿ بِئْسَمَااشْتَرَوْابِهِأَنْفُسَهُمْ ﴾ أي : بئس الشيء الذي اختاروا لأنفسهم، حيث استبدلوا الباطل بالحق، والكفر بالإيمان([791]).

 

·            كفر بني إسرائيل ما هو إلا بغي، وحسد، لقوله تعالى: ﴿بَغْيًاأَنْيُنَزِّلَاللهُمِنْفَضْلِهِعَلَىمَنْيَشَاءُمِنْعِبَادِهِ﴾.

 

·            يجب على الإنسان أن يعرف الحق بالحق لا بالرجال، فما دام أن هذا الذي قيل حق فاتْبَعْه من أيٍّ كان مصدره، فاقبل الحق للحق، لا لأنه جاء به فلان، وفلان.

 

·            العلم من أعظم فضل الله عزّ وجلّ، لقوله تعالى: ﴿ أَنْيُنَزِّلَاللهُمِنْفَضْلِهِعَلَىمَنْيَشَاءُمِنْعِبَادِهِ ﴾، ولا شك أن العلم أفضل من المال، وإذا أردت أن تعرف الفرق بين فضل العلم، وفضل المال فانظر إلى العلماء في زمن الخلفاء السابقين، الخلفاء السابقون قَلّ ذكرهم، والعلماء في وقتهم بقي ذكرهم: هم يُدَرِّسون الناس وهم في قبورهم، وأولئك الخلفاء نُسوا، اللهم إلا من كان خليفة له مآثر موجودة، أو محمودة، فدل هذا على أن فضل العلم أعظم من فضل المال([792]).

 

·            إثبات مشيئة الله عزّ وجلّ، لقوله تعالى: ﴿ عَلَىمَنْيَشَاءُ﴾، وهي عامة فيما يحبه الله، وما لا يحب، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وكل شيء عُلِّقبالمشيئة فهو مقرون بالحكمة، لقوله تعالى: ﴿ وَمَاتَشَاءُونَإِلَّاأَنْيَشَاءَاللهُإِنَّاللهَكَانَعَلِيمًاحَكِيمًا ﴾([793])، فليست أفعال الله وأحكامه لمجرد المشيئة، بل هي لحكمة بالغة اقتضت المشيئة.

 

·            إن هذا الفضل الذي نزله الله لا يجعل المفضَّل به رباً يُعْبد، بل هو من العباد. حتى ولو تميز بالفضل، لقوله تعالى:﴿عَلَىمَنْيَشَاءُمِنْعِبَادِهِ﴾([794]).

 

·            إثبات الغضب من الله سبحانه وتعالى، لقوله تعالى: ﴿ فَبَاءُوابِغَضَبٍعَلَىغَضَبٍ﴾، والغضب من صفات الله الفعلية المتعلقة بمشيئته، وهكذا كل صفة من صفات الله تكون على سبب([795]).

 

·            إن استمرار اليهود في طريق الكفر قديما وحديثا، بعبادتهم العجل، وإعنات موسى وكفرهم به، وتكذيبهم محمدا rوكفرهم بالقرآن، يبوئهم العذاب المهين: وهو ما اقتضى الخلود الدائم في نار جهنم([796]).

 

·            المستكبر يعاقب بنقيض حاله، لقوله تعالى:﴿ عَذَابٌمُهِينٌ ﴾ بعد أن ترفعوا، فعوقبوا بما يليق بذنوبهم، وعلى هذا جرت سنة الله سبحانه وتعالى في خلقه، قال الله تعالى: ﴿فَكُلًّاأَخَذْنَابِذَنْبِهِ ﴾([797])، وقال تعالى: ﴿جزءًا وفاقاً﴾ ([798]).

 

·            تعذيب عصاة المؤمنين في النار فهو مؤقت، وتمحيص لهم وتطهير، كما يطهر المذنب في الدنيا بالعقاب، مثل رجم الزاني وقطع يد السارق([799]).

 

·            أسندت الإِهانة إِلى العذاب فقال ﴿عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ لأن الإِهانة تحصل بعذابهم، ومن أساليب البيان إسناد الأفعال إِلى أسبابها([800]).

 

·            ﴿ بِئْسَمَااشْتَرَوْابِهِأَنْفُسَهُمْ أَنْيَكْفُرُوا ﴾،  لكأن هذا الكفر هو الثمن المقابل لأنفسهم! والإنسان يعادل نفسه بثمن ما، يكثر أو يقل. أما أن يعادلها بالكفر فتلك أبأس الصفقات وأخسرها ولكن هذا هو الواقع. وإن بدا تمثيلاً وتصويراً. لقد خسروا أنفسهم في الدنيا فلم ينضموا إلى الموكب الكريم العزيز ولقد خسروا أنفسهم في الآخرة بما ينتظرهم من العذاب المهين([801]).

 

·            إن القرآن كلام الله، لقوله تعالى: ﴿آمنوا بما أنزل الله﴾، لأن ما أنزل الله هو القرآن. وهو كلام، والكلام ليس عيناً قائمة بذاتها، بل هو صفة في غيره، فإذا كان صفة في غيره، وهو نازل من عند الله لزم أن يكون كلام الله عزّ وجلّ([802]).

 

·            كذب اليهود في قولهم: ﴿ نُؤْمِنُبِمَاأُنْزِلَعَلَيْنَا﴾، لأنهم لو آمنوا به لآمنوا بمحمد rكما قال تعــــــــالى: ﴿ الَّذِينَيَتَّبِعُونَالرَّسُولَالنَّبِيَّالْأُمِّيَّالَّذِييَجِدُونَهُمَكْتُوبًاعِنْدَهُمْفِيالتّــــــــَوْرَاةِوَالْإِنْجِيلِيَأْمُرُهُمْبِالْمَعْرُوفِوَيَنْهَاهُــــــــــــــــمْعَنِالْمُنْكَرِ ﴾([803]).

 

·            إفحام الخصم بإقامة الحجة عليه من فعله، ووجه ذلك أن الله أقام على اليهود الحجة على فعلهم، لأنهم قالوا: نؤمن بما أنزل علينا وهم قد قتلوا أنبياء الله الذين جاءوا بالكتاب إليهم، فإن قولهم: ﴿ نُؤْمِنُبِمَاأُنْزِلَعَلَيْنَا﴾ ليس بحق، لأنه لو كانوا مؤمنين حقيقة ما قتلوا الأنبياء، ولهذا قال تعالى: ﴿ قُلْفَلِمَتَقْتُلُونَأَنْبِيَاءَاللهِمِنْقَبْلُإِنْكُنْتُمْمُؤْمِنِينَ﴾.

 

.................

 

..........

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسمالخامس والعشرون: الآية 92-93

 

 

 

وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            الْبَيِّنَاتِ : المعجزات الواضحات.

 

·            اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ : جعلتموه إلهاً تعبدونه من دون الله.

 

·            أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ : امتزج حب عبادة العجل بقلوبهم.

 

·            وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ " وَهِيَ الْعَصَا، وَالسُّنُونَ، وَالْيَدُ، وَالدَّمُ، وَالطُّوفَانُ، وَالْجَرَادُ وَالْقُمَّلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَفَلْقُ الْبَحْرِ. وَقِيلَ: الْبَيِّنَاتُ التَّوْرَاةُ، وَمَا فِيهَا مِنَ الدَّلَالَاتِ([804]).

 

·            إقامة البرهان على عناد اليهود، ووجه ذلك أنه قد جاءهم موسى بالبينات، فاتخذوا العجل إلهاً([805]).

 

·            سفاهة اليهود، وغباوتهم، لاتخاذهم العجل إلهاً مع أنهم هم الذين صنعوه.

 

·            ﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ﴾ أَيْ: مَعْبُودًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فِي زَمَانِ مُوسَى وَآيَاتِهِ([806]).

 

·            اغتنماليهود فرصة غياب موسى مما يدل على هيبتهم له، لقوله تعالى: ﴿ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ يعني من بعد ذهاب موسى إلى ميقات ربه([807]).

 

·            ﴿مِنْ بَعْدِهِ﴾ أَيْ: مِنْ بَعْدِ مَا ذَهَبَ عَنْكُمْ إِلَى الطُّورِ لِمُنَاجَاةِ اللَّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ﴾([808]).

 

·            إن اليهود عبدوا العجل عن ظلم، وليس عن جهل، لقوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ﴾([809]).

 

·            ﴿وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ﴾ أَيْ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ فِي هَذَا الصَّنِيعِ الذِي صَنَعْتُمُوهُ مِنْ عِبَادَتِكُمُ الْعِجْلَ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾([810]).

 

·            إن الله تعالى أخذ الميثاق على بني إسرائيل بالإيمان، لقوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ﴾.

 

·            إن بني إسرائيل ما آمنوا إلا عن كره، لأنهم لم يؤمنوا إلا حين رفع فوقهم الطور([811]).

 

·            أمر الكون كله بيد الله عزّ وجلّ، وأنه سبحانه وتعالى قادر على خرق العادات، لقوله تعالى: ﴿ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ﴾.

 

·            وجوب تلقي شريعة الله بالقوة دون الكسل والفتور، لقوله تعالى: ﴿ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ﴾.

 

·            إنَّ إِظْلَالَ الْجَبَلِ لَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُخَوِّفَاتِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَصَرَّحُوا بِقَوْلِهِمْ ﴿ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّخْوِيفَ وَإِنْ عَظُمَ لَا يُوجِبُ الِانْقِيَادَ([812]).

 

·            السمع نوعان: سمع استجابة، وسمع إدراك، مثال الأول: ﴿ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ﴾، ومثال الثاني: ﴿ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾([813]).

 

·            شبّه حبَّ عبادة العجل بمشروب لذيذ سائغ الشراب([814]).

 

·            ﴿ وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْل﴾، كَمَا أَنَّ الشُّرْبَ مَادَّةٌ لِحَيَاةِ مَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ فَكَذَا تِلْكَ الْمَحَبَّةُ كَانَتْ مَادَّةً لِجَمِيعِ مَا صَدَرَ عَنْهُمْ مِنَ الْأَفْعَالِ([815]).

 

·            قد يبتلي الله تعالى العبد، فيملأ قلبه حباً لما يكرهه الله عزّ وجلّ، لقوله تعالى: ﴿ وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْل﴾([816]).

 

·            ﴿ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ ﴾ إِسناد الأمر إِلى الإِيمان تهكمٌ بهم([817]).

 

·            الْمُرَادُ ﴿بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ﴾بِالتَّوْرَاةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّوْرَاةِ عِبَادَةُ الْعِجْلِ وَإِضَافَةُ الْأَمْرِ إِلَى إِيمَانِهِمْ تَهَكُّمٌ كَمَا قَالَ فِي قِصَّةِ شُعَيْبٍ: أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ ([818])وَكَذَلِكَ إِضَافَةُ الْإِيمَانِ إِلَيْهِمْ([819]).

 

·            المؤمن حقاً لا يأمره إيمانه بالمعاصي،لقوله تعالى: ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾يعني إن كنتم مؤمنين حقاً ما اتخذتم العجل إلهاً([820]).

 

·            الْمُرَادُ في قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾التَّشْكِيكُ فِي إِيمَانِهِمْ والقدح في صحة دعواهم([821]).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسمالسادس والعشرون: الآية 94-96

 

 

 

قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            خَالِصَةً : سالمة من الشوائب.

 

·            حَيَاةٍ : الحياة الدنيا.

 

·            يُعَمَّرُ : يَطولُ عُمُرُهُ.

 

·            بِمُزَحْزِحِهِ : مُبْعِده.

 

·            ادعى اليهود إنهم شعب الله المختار. إنهم وحدهم المهتدون. إنهم وحدهم الفائزون في الآخرة. إنه ليس لغيرهم من الأمم في الآخرة عند الله نصيب،فأمر الله نبيه r أن يدعو اليهود إلى مباهلة. أي بأن يقف الفريقان ويدعوا الله بهلاك الكاذب منهما ﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾([822]).

 

·            التنكير في قوله ﴿ عَلَى حَيَاةٍ ﴾ للتنبيه على أن المراد بها حياة مخصوصة، وهي الحياة المتطاولة التي يعمر فيها الشخص آلاف السنين([823]).

 

·            الحكمة في قوله تعالى: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾وهم من جملة الناس؟إنّما خصّوا بالذكر بعد العموم،ولأنّ حرصهم على الحياة أشدّ، لأنّهم كانوا لا يؤمنون بالبعث([824]).

 

·            تكذيب اليهود الذين قالوا: "لنا الآخرة، ولكم الدنيا، لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة"، ووجهه: أن الله تعالى قال لهم: ﴿ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ﴾، وقد قال تعالى: :﴿ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾([825]).

 

·            الكافر يكره الموت لما يعلم من سوء العاقبة، لقوله تعالى: ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾.

 

·            إثبات السببية. تؤخذ من الباء في قوله تعالى: ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾.

 

·            إثبات علم الله تعالى للمستقبل، لقوله تعالى:﴿ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا ﴾، فوقع الأمر كما أخبر به.

 

·            في قوله تعالى:﴿ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا ﴾، نفت تمني الموت بكلمة (لن) التي تفيد التأبيد، أي : لن يتمنوه أبداً لا عاجلاً ولا آجلاً، لا بألسنتهم ولا بقلوبهم.

 

·            في قوله تعالى:﴿ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا ﴾، إعجاز غيبي، إذ أخبرت أنهم لن يتمنوا الموت، وهذا ما كان، ولو أنهم تمنوا الموت لنقل أهل الكتاب وغيرهم هذا الأمر، ولكنه لم ينقل عنهم ذلك.

 

·            صحة الإسلام، وبطلان اليهودية، وذلك لفشل اليهود في المباهلة بتمني الموت([826]).

 

·            جواز تخصيص العموم لغرض، لقوله تعالى: ﴿ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ فخص علمه بالظالمين تهديداً لهم([827]).

 

·            ﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ﴾.. أية حياة، لا يهم أن تكون حياة كريمة ولا حياة مميزة على الإطلاق! حياة فقط! حياة بهذا التنكير والتحقير! حياة ديدان أو حشرات! حياة والسلام! إنها يهود، في ماضيها وحاضرها ومستقبلها سواء. وما ترفع رأسها إلا حين تغيب المطرقة. فإذا وجدت المطرقة نكست الرؤوس، وعنت الجباه جبناً وحرصاً على الحياة.. أي حياة([828])!

 

·            إبطال قولهم: "لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة"، ثم يخرجون منها، ويكونون في الجنة، لأن من كان كذلك لا يكره الموت([829]).

 

·            يتفاوت الناس في الحرص على الحياة، لقوله تعالى: ﴿ أَحْرَصَ ﴾، و ﴿ أَحْرَصَ ﴾ اسم تفضيل.

 

·            صدق القرآن فيما أخبر به عن اليهود من حرصهم على الحياة ولو كانت رخيصة ذميمة، إذ هذا أمر مشاهد منهم إلى اليوم([830]).

 

·            أن المشركين من أحرص الناس على الحياة، وأنهم يكرهون الموت، لقوله تعالى: ﴿ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾ مما يدل على أنهم في القمة في كراهة الموت ما عدا اليهود([831]).

 

·            أن طول العمر لا يفيد المرء شيئاً إذا كان في معصية الله، لقوله تعالى: ﴿وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ﴾.

 

·            المؤمن الصالح يفضل الموت على الحياة لما يرجوه من الراحة والسعادة بعد الموت([832]).

 

·            غَوْرُ فهم السلف حين كرهوا أن يُدْعَى للإنسان بالبقاء، فإن الإمام أحمد كره أن يقول للإنسان: "أطال الله بقاءك"، لأن طول البقاء قد ينفع، وقد يضر، إذاً الطريق السليم أن تقول: "أطال الله بقاءك على طاعة الله"، أو نحو ذلك([833]).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسمالسابع والعشرون: الآية 97-98

 

 

 

قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            جِبْرِيلَ : الملك الموكل بالوحي الذي أنزله الله على الأنبياء عليهم السلام.

 

·            مُصَدِّقًا : مؤيداً للكتب السماوية.

 

·            إن من الناس من يكون عدواً لملائكة الله عزّ وجلّ، لقوله تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ﴾ : ووجه ذلك: أن مثل هذا لكلام لو لم يكن له أصل لكان لغواً من القول، والقرآن منزه عن هذا اللغو([834]).

 

·            دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى شَرَفِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ،لأن الله تعالى دافع عنه.

 

·            ذكر الوصف الذي يستحق أن يكون به ولياً لجبريل، لقوله تعالى: ﴿ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ ﴾ يعني: ومن كان هذه وظيفته فإنه يستحق أن يكون ولياً([835]).

 

·            ﴿ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ ﴾، خُصَّ الْقَلْبُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ وَتَلَقِّي الْمَعَارِفِ([836]).

 

·            إثبات علوّ الله عزّ وجلّ، لقوله تعالى﴿ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ ﴾، وإنما نزل به من عند الله، والنّزول لا يكون إلا من أعلى.

 

·            النبي r قد وعى القرآن وعياً كاملاً لا يتطرق إليه الشك، لقوله تعالى: ﴿ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ ﴾، لأن ما نفذ إلى القلب حلّ في القلب، وإذا حلّ في القلب فهو في حرز مكين([837]).

 

·            إن هذا القرآن إنما نزل بإذن الله، لقوله تعالى: ﴿ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ ﴾، والإذن هنا كوني، وقد ذكر العلماء أن إذن الله تعالى نوعان:.

كوني: وهو المتعلق بالخلق، والتكوين، ولا بد من وقوعما أذِن الله تعالى فيه بهذا المعنى، مثاله قوله تعالى: ﴿ مَنْذَاالَّذِييَشْفَعُعِنْدَهُإِلَّابِإِذْنِهِ ﴾ ([838])، وقوله تعالى: ﴿ وَمَاهُمْبِضَارِّينَبِهِمِنْأَحَدٍإِلَّابِإِذْنِاللهِ ﴾([839]) وقوله تعالى: ﴿ مَاأَصَابَمِنْمُصِيبَةٍإِلَّابِإِذْنِاللهِ ﴾([840])،والثاني شرعي: وهو ما يتعلق بالشرع، والعبادة، مثاله قولــــــــــــه تعالى: ﴿ قُلْآللَّهُأَذِنَلَكُـــــمْأَمْعَلَىاللهِتَفْتَرُونَ ﴾ ([841])، وقوله تعالى: ﴿ أَمْلَهُمْشُرَكَاءُشَرَعُوالَهُمْمِنَالدِّينِمَالَمْيَأْذَنْبِهِاللهُ ﴾([842])، والفرق بينهما أن المأذون به شرعاً قد يقع، وقد لا يقع، وأما المأذون به قدراً فواقع لا محالة، ومن جهة أخرى: أن المأذون به شرعاً محبوب إلى الله عزّ وجلّ، والمأذون به قدراً قد يكون محبوباً، وقد يكون غير محبوب([843]).

 

·            تعددت اعتذارات اليهود عن الإيمان بمحمد rوبالقرآن، فقالوا سابقا:إنهم مؤمنون بالتوراة، كافرون بغيرها، وقالوا: إنهم ناجون حتما في الآخرة، لأنهم شعب اللّه وأحباؤه، وقالوا هنا: إن جبريل أمين الوحي على محمد عدوهم، فلا يؤمنون بما جاء به. فأبطل اللّه تعالى مزاعمهم، وفند حججهم([844]).

 

·            من عادى الله فهو كافر، لقوله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ ﴾، ثم قال تعالى: ﴿ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ﴾.

 

·            من اسرار البيان قوله تعالى في سورة البقرة ﴿مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ﴾لم يقل عدو لهم وهذا يدل على أمرين أنه من كان عدواً لله فهو من الكافرين لكن الكافرين لا يختصون بهؤلاء فقط وقوله تعالى الكافرين دلالة على أن هؤلاء من الكافرين وهو يشملهم ويشمل غيرهم أيضاً، وهذا من باب التوسع بالمعنى وهو من إخبار بالعام عن الخاص([845]).

 

·            إن من كان عدواً للملائكة، أو للرسل فإنه عدو لله، لأن الملائكة رسل الله، كما قال تعالى: ﴿ جَاعِلِالْمَلَائِكَةِرُسُلًاأُولِيأَجْنِحَةٍ ﴾([846])، والرسل البشريون أيضاً رسل لله، فمن عادى ملائكة الله من جبريل أو غيره، أو عادى الرسل من محمد أو غيره فقد عادى الله عزّ وجلّ([847]).

 

 

 

القسمالثامن والعشرون: الآية 99-101

 

 

 

وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100) وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            الْفَاسِقُونَ : الخارجون عن حدود الله وفطرة الله.

 

·            نَبَذَهُ : طرحه ونقضه.

 

·            عظمة القرآن، لأن الله سبحانه وتعالى أضافه إليه، وجعله آية.

 

·            ثبوت علوّ الله عزّ وجلّ، لقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾، والنّزول لا يكون إلا من أعلى، وعلوّ الله سبحانه وتعالى من صفاته الذاتية اللازمة له التي لميزل، ولا يزال متصفاً بها، وأما استواؤه على العرش فإنه من الصفات الفعلية، لأنه يتعلق بمشيئته([848]).

 

·            وصف القرآن بأنه آيات بينات، ولا ينافي هذا قوله تعالى: ﴿ منه آيَاتٌمُحْكَمَاتٌهُنَّأُمُّالْكِتَابِوَأُخَرُمُتَشَابِهَاتٌ ﴾([849])، لأن هذا التشابه يكون متشابهاً على بعض الناس دون بعض، ولأنه يُحمل على المحكم، فيكون الجميع محكماً، كما قال تعالى: ﴿ فَأَمَّاالَّذِينَفِيقُلُوبِهِمْزَيْغٌفَيَتَّبِعُونَمَاتَشَابَهَمِنْهُابْتِغَاءَالْفِتْنَةِوَابْتِغَاءَتَأْوِيلِهِوَمَايَعْلَمُتَأْوِيلَهُإِلَّااللهُوَالرَّاسِخُونَفِيالْعِلْمِ ﴾([850]).

 

·            تنقسم آيات الله تعالى إلى قسمين: كونية، وشرعية، فالكونية مخلوقاته، كالشمس، والقمر، والنجوم، والإنسان، وغير ذلك، قال الله تعالى: ﴿ وَمِنْآيَاتِهِاللَّيْلُوَالنَّهَارُوَالشَّمْسُوَالْقَمَرُ ﴾([851])، وقال تعالى: ﴿ وَمِنْآيَاتِهِخَلْقُالسَّمَاوَاتِوَالْأَرْضِوَاخْتِلَافُأَلْسِنَتِكُمْوَأَلْوَانِكُمْإِنَّفِيذَلِكَلَآيَاتٍلِلْعَالِمِينَ ﴾ ([852])، وأما الشرعية فهي ما أنزله الله تعالى على رسله من الشرائع، كقوله تعالى: ﴿ هُوَالَّذِيبَعَثَفِيالْأُمِّيِّينَرَسُولًامِنْهُمْيَتْلُوعَلَيْهِمْآيَاتِهِ ﴾ ([853])، وقوله تعالى: ﴿ وَإِذَاتُتْلَىعَلَيْهِمْآيَاتُنَابَيِّنَاتٍقَالُوامَاهَذَاإِلَّارَجُلٌيُرِيدُأَنْيَصُدَّكُمْعَمَّاكَانَيَعْبُدُآبَاؤُكُمْ ﴾([854]).

 

·            الفسق العام ينتج الكفر، إن العبد إذا فسق وواصل الفسق عن أوامر الله ورسوله سيؤدي به ذلك إلى أن ينكر ما حرم الله وما أوجب فيكفر لذلك والعياذ بالله([855]).

 

·            إطلاق الفاسق على الكافر([856]).

 

·            ﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾،"كُلَّمَا "تفيد التكرار، فكلما وجد العهد ترتب عليه النقض([857]).

 

·            ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾، عدم إيمانهم هو الذي أوجب لهم نقض العهود، ولو صدق إيمانهم، لكانوا مثل من قال الله فيهم: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾([858]).

 

·            اليهود لا يلتزمون بوعد ولا يفون بعهد، فيجب أن لا يوثق في عهودهم أبداً([859]).

 

·            قبح جريمة من تنكر للحق بعد معرفته، ويصبح وكأنه جاهل به([860]).

 

·            كلمة ﴿ كُلَّمَا ﴾ تدل على أنّ نقض العهد عملية متكررة عنداليهود، فكل عهد يعقدونه يقومون بنقضه، مهما كان الطرف الآخر الذي عقدوا معه، لأن (كلما) حرف يفيد التكرار والاستمرار، ويدل على تحقيق وتوفر وجود جوابها عند وجود شرطها- كلما حرف شرط، وفعلها في الآية عاهَدُوا عَهْداً- فيتكرر وجود الجواب بتكرار وجود الفعل.

 

·            إن نبذ فريق من الأمة يعتبر نبذاً من الأمة كلها. ما لم يتبرؤوا منه، فإن تبرؤوا منه فإنهم لا يلحقهم عاره، لكن إذا سكتوا فإن نبذ الفريق نبذ للأمة كلهم، وجه ذلك أن الله وبخ هؤلاء على نبذ فريق منهم مع أنهم لم يباشروه([861]).

 

·            إن من أهل الكتاب من لم ينبذ كتاب الله وراء ظهره، بل آمن به كالنجاشي من النصارى، وعبد الله بن سلام من اليهود.

 

·            إن من نبذ العهد من هذه الأمة فقد ارتكب محظورين:.

 

أحدهما: النفاق، لقول النبي r: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان"، وفي الحديث الآخر: "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كان فيه واحدة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها... " ([862])، وذكر منها: "إذا عاهد غدر"..والمحظور الثاني: مشابهة اليهود.

 

·            رسالة النبي r حق، لقوله تعالى: ﴿ مِنْ عِنْدِ اللهِ ﴾.

 

·            إن الرسول rقد أخبرت به الكتب السابقة، لقوله تعالى : ﴿ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ ﴾.

 

·            إن نبذ من عنده كتاب وعلم أقبح ممن ليس عنده ذلك، ولهذا نص على قوله تعالى: ﴿ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾، لإظهار شدة القبح من هؤلاء في نبذهم، لأن النبذ مع العلم أقبح من النبذ مع الجهل.

 

·            إن هذا النبذ الذي كان منهم لا يرجى بعده قبول، لقوله تعالى: ﴿ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ ﴾، لأن النبذ لو كان أمامهم ربما يتلقونه بعد، كذلك لو كان عن اليمين، والشمال، لكن إذا كان وراء الظهر فمعناه استبعاد القبول منهم([863]).

 

·            ﴿وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ﴾ مثلٌ يُضرب للإِعراض عن الشيء جملةً تقول العرب: جعل هذا الأمر وراء ظهره أي تولى عنه معرضاً، لأن ما يجعل وراء الظهر لا ينظر إِليه، فهو كناية عن الإِعراض عن التوراة بالكلية([864]).

 

·            { كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}وَهُوَ تَشْبِيهٌ لِمَنْ يَعْلَمُ بِمَنْ يَجْهَلُ، لِأَنَّ الْجَاهِلَ بِالشَّيْءِ لَا يَحْفُلُ بِهِ وَلَا يَعْتَدُّ بِهِ، لِأَنَّهُ لَا شُعُورَ لَهُ بِمَا فِيهِ مِنَ الْمَنْفَعَةِ. وَمُتَعَلِّقِ الْعِلْمِ مَحْذُوفٌ، أَيْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ كِتَابُ اللَّهِ، لَا يُدَاخِلُهُمْ فِيهِ شَكٌّ لِثُبُوتِ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ وَتَحَقُّقِهِ، وَإِنَّمَا نَبَذُوهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُكَابَرَةِ([865]).

 

............

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسمالتاسع والعشرون: الآية 102

 

 

 

وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            تَتْلُوا  : تتقول وتَكْذِب.

 

·            عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ  : أي في عهده وزمانه.

 

·            بابل: مدينة في العراق ينسب إليها السحر.

 

·            فِتْنَةٌ: بلاء واختبار.

 

·            اشْتَرَاهُ: قَبِلَهُ وعمل به.

 

·            خَلاقٍ  : نصيبمن الخير.

 

·            شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ  : باعوها به.

 

·            أخذ اليهود السحر عن الشياطين، لقوله تعالى:﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ﴾، ويدل على هذا أن أحدهم وهو لبيد بن الأعصم، سحر النبي r([866]).

 

·            جاء القرآن كتاب الله المبين منزهاً سليمان بن داود عليه السلام عن أن يكون ساحراً، أو حاكماً بالسحر، أو آمراً به، فما زعمته بنو إسرائيل عن النبي الكريم - سليمان عليه السلام - زعم كاذب، وقول باطل، يدل على جهلهم، بل على ضلالهم عن سواء السبيل، وبعدهم عن الصراط المستقيم، فهم لم يعرفوا الله حق معرفته، ولم يعلموا ما يجب في حق الرسل عليهم السلام ([867]).

 

·            السحر من أعمال الشياطين، لقوله تعالى: ﴿ مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ﴾ ([868]).

 

·            السحر: أصله التمويه بالحيل والتخاييل، وهو أن يفعل الساحر أشياء ومعاني، فيخيل للمسحور أنها بخلاف ما هي به، كالذي يرى السراب من بعيد، فيخيل إليه أنه ماء، وكراكب السفينة السائرة بسرعة يخيل إليه أن ما يرى من الأشجار والجبال سائرة معه([869]).

 

·            الشياطين زينوا للناس السحر، وأوهموهم أنهم يعلمون الغيب([870]).

 

·            رأى جمهور العلماء: أن للسحر حقيقة، يخلق اللّه عنده ما شاء، وأنه تقتدر به النفوس البشرية على التأثير في عالم العناصر، إما بغير معين، أو بمعين من الأمور كالكواكب السماوية، ويرون أن النفوس الساحرة ثلاث مراتب:

 

الأولى- المؤثرة بالهمة فقط من غير آلة ولا معين.

 

والثانية- بمعين من مزاج الأفلاك (أي طبيعتها)، أو العناصر (الماء والهواء والتراب والنار)، أو خواص الأعداد، أي حساب الجمّل، فلكل حرف من الأحرف الهجائية رقم حسابي معين.

 

والثالثة- تأثير في القوى المتخيلة: بأن يعمد الشخص إلى القوة المتخيلة فيلقي فيها أنواعا من الخيالات والصور، ثم ينزلها إلى الحس من الرائين، بقوة نفسه المؤثرة، فينظر الراءون كأن شيئا موجودا في الواقع، وليس هناك شيء من ذلك([871]).

 

·            الشياطين كانوا يأتون السحر على عهد سليمان مع قوة سلطانه عليهم، لقوله تعالى : ﴿ مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُعَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ﴾([872]).

 

·            سليمان عليه السلام كان نبياً ملكاً. ولم يكن ساحراً محترفاً للسحر([873]).

 

·            سليمان لا يقر ذلك، لقوله تعالى: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ﴾، إذ لو أقرهم على ذلك. وحاشاه. لكان مُقراً لهم على كفرهم([874]).

 

·            الحكمة من تعليم الملكين الناس السحر، أن السحرة كثروا في ذلك العهد واخترعوا فنوناً غريبة من السحر، وربما زعموا أنهم أنبياء، فبعث الله تعالى المَلكْين ليعلما الناس وجوه السحر حتى يتمكنوا من التمييز بينه وبين المعجزة، ويعرفوا أن الذين يدّعون النبوة كذباً إِنما هم سحرة لا أنبياء([875]).

 

·            السحر له حقيقة وتأثير على النفس، حتى يستطيع الشخص بواسطته أن يفرق بين الرجل وأهله([876]).

 

·            إن تعلم السحر، وتعليمه كفر، وظاهر الآية أنه كفر أكبر مخرج عن الملة، لقوله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌفَلَا تَكْفُرْ ﴾، وهذا فيما إذا كان السحر عن طريق الشياطين، أما إذا كان عن طريق الأدوية، والأعشاب، ونحوها ففيه خلاف بين العلماء.واختلف العلماء. رحمهم الله. هل تقبل توبته، أو لا؟ والراجح أنها تقبل فيما بينه وبين الله عز وجل، أما قتله فيرجع فيه إلى القواعد الشرعية، وما يقتضيه اجتهاد الحاكم([877]).

 

·            أن الله تعالى قد ييسر أسباب المعصية فتنةً للناس. أي ابتلاءً، وامتحاناً، لقوله تعالى: ﴿ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ﴾.

 

·            الله جل ثناؤه يختبر عباده بما شاء من الأمور ابتلاءً وتمحيصاً([878]).

 

·            يجب على الإنسان أن ينصح للناس. وإن أوجب ذلك إعراضهم عنه.، لقوله تعالى: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ﴾، فإذا كانت عندك سلعة رديئة، وأراد أحد شراءها يجب عليك أن تُحذِّره ([879]).

 

·            الرسل الكرام منزهون عن الاستعانة بالشياطين، وإنما كان الجن مسخرين لسليمان عليه السلام بأمر الله تعالى لا بالسحر([880]).

 

·            من عِظم السحر أن يكون أثره التفريق بين المرء، وزوجه، لقوله تعالى: ﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾.

 

·            أن الأسباب وإن عظمت لا تأثير لها، إلا بإذن الله عز وجل، لقوله تعالى: ﴿ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ﴾.

 

·            قدرة الله عز وجل فوق الأسباب، وأنه مهما وجدت الأسباب. والله لم يأذن. فإن ذلك لا يؤثر، وهذا لا يوجب لنا أن لا نفعل الأسباب، لأن الأصل أن الأسباب مؤثرة بإذن الله.

 

·            ينبغي اللجوء إلى الله دائماً، لقوله تعالى: ﴿ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ﴾، فإذا علمت أن كل شيء بإذن الله فإذاً تلجأ إليه سبحانه وتعالى في جلب المنافع، ودفع المضار.

 

·            يحكم على الإنسان بالكفر لتعظيمه غير الله، واستعانته بغير الخالق وإثباته التأثير في خلق الله لغير البارئ - والأذى بالناس، وقد يصل بذلك إلى التفريق بين المرء وزوجه، ولكنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً إلا بإذن الله تعالى([881]).

 

·            تعلم السحر ضرر محض، ولا خير فيه، لقوله تعالى: ﴿ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ﴾، فأثبت ضرره، ونفى نفعه.

 

·            كفر الساحر كفر مخرج عن الملة، لقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ يعني: من نصيب، وليس هناك أحد ليس له نصيب في الآخرة إلا الكفار، فالمؤمن مهما عذب فإن له نصيباً من الآخرة([882]).

 

·            تعلم اليهود السحر عن علم، لقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾.

 

·            مدار الثواب والجزاء في الآخرة هو الإيمان بالله تعالى وإخلاص العمل له([883]).

 

·            إثبات الجزاء، وأنه من جنس العمل، فإن الكافر لما لم يجعل لله نصيباً في دنياه لم يجعل الله له نصيباً من الآخرة([884]).

 

·            من تبدل السحر بكتاب الله فليس له في الآخرة نصيب من رحمة الله([885]).

 

·            ذم هؤلاء اليهود بما اختاروه لأنفسهم، لقوله تعالى: ﴿ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ﴾.

 

·            صاحب العلم الذي يَنتفِع بعلمه هو الذي يحذر مثل هذه الأمور، لقوله تعالى: ﴿ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ يعني: لو كانوا ذوي علم نافع ما اشتروا هذا العلم الذي يضرهم، ولا ينفعهم، والذي علموا: أنّ من اشتراه ما له في الآخرة من خلاق([886]).

 

·            النجوم، والكواكب مسخرات بأمر الله - كغيرها من خلقه - تسير وفق الخط المرسوم لها من الأزل، لا تؤثر حركتها على الإنسان الذي خلقه الله تعالى على هذه الأرض وقدّر له أرزاقه، وأعماره، فلا ينتهي عمر إنسان ما بظهور كوكب، أو اختفائه، ولا يزيد رزق امرئ، ولا ينقص عما قدره الله تعالى له، فكل شأن من شؤون الحياة مدبر بأمر الله([887]).

 

·            يرى المعتزلة، وبعض أهل السنة ([888]): أن السحر لا حقيقة له، وإنما هو خداع وتمويه وتخيل. والسحر بهذا المعنى أنواع:

 

أ- كثير من التخيلات التي مظهرها على خلاف حقائقها، كما يفعل بعض المشعوذين، من أنه يريك أنه ذبح عصفورا، ثم يريكه وقد طار بعد ذبحه، لخفة حركته، إذ إن معه اثنين أحدهما المذبوح الذي خبأه، والآخر الذي أظهره.

وكان سحر سحرة فرعون من هذا النوع، فقد روى المؤرخون أن سحرة فرعون استعانوا بالزئبق على إظهار الحبال والعصي بصور الحيات والثعابين حتى خيل إلى الناس أنها تسعى، كما قال تعالى: ﴿فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى﴾ ([889]) من طريق تحمية الزئبق بالنار الموضوعة في أسراب، وتمدده بفعل الحرارة.

 

ب- ما يدعونه من حديث الجن والشياطين بالمواطأة مع قوم أعدوهم لذلك، وإطاعتها بالرقى والعزائم. وهذا كان فعل الكهان من العرب في الجاهلية، كانوا يوكلون أناسا بالاطلاع على أسرار الناس، حتى إذا جاء أصحابها أخبروهم بها، فيعتقدون فيهم أن الشياطين تخبرهم بالمغيبات.

ج- السعي بالنميمة والوشاية والإفساد، من وجوه خفية لطيفة، يتم فيها تحريض الناس على بعضهم بعضا ([890]).

 

·            ليس تعلم السحر محظورا، وإنما الذي يحظر ويمنع هو العمل به، قيل لعمر بن الخطاب: فلان لا يعرف الشر، قال: أجدر أن يقع فيه. نقل ابن كثير عن أبي عبد اللّه الرازي المعتزلي أنه قال: اتفق المحققون على أن العلم بالسحر ليس بقبيح ولا محظور ([891]).

 

·            أجمع المسلمون على أنه ليس في السحر ما يفعل اللّه عنده إنزال الجراد والقمّل والضفادع وفلق البحر وقلب العصا وإحياء الموتى وإنطاق العجماوات وأمثال ذلك من عظيم آيات الرسل المنزلة عليهم، فهذا ونحوه مما يجب القطع بأنه لا يكون ولا يفعله اللّه عند إرادة الساحر([892]).

 

·            إذا كان السحر كفراً، وخروجاً عن شرعة الإسلام، فلا يمكن أن يوصف أحد من رسل الله تعالى بأنه ساحر، أو أنه كان يحكم بالسحر، ويأتي بالخوارق والمعجزات بهذا الأمر([893]).

 

·            إن الساحر لا قدرة له على شيء من الأمور الخارقة، وإن السحر يعتمد في الغالب على الخداع والتخييلات والتمويهات، وإن السحرة نصابون يسلبون أموال الناس، وهم في فقر دائم، ولو كانوا قادرين على ما يدعونه لأغنوا أنفسهم، وحققوا الأمجاد بإزالة الممالك، واستخراج الكنوز، والغلبة على البلدان، والاستغناء عن طلب ما في أيدي الناس، كما قال أبو بكر الجصاص الرازي ([894]).

 

·            إن زعم إنسان أنه يعلم الغيب باتصاله بالكواكب، وتعظيمه لها. أو اتصاله بالجن والشياطين، ويستطيع بذلك أن يؤثر في قوانين هذه الحياة ويحكم في مسيرتها الطبيعية بما يخرجها عمّا رسم لها، يكون بذلك قد خالف شرعة الله التي أوضحها في كتابه، وتجاوز الحدود التي وضعت له، وخرج عن قانون الحنيفية السمحة([895]).

 

·            عقوبة الساحر: للعلماء رأيان في قتل الساحر، قال الجمهور (أبو حنيفة ومالك وأحمد) : يقتل الساحر،لقوله r: «حدّ الساحر ضربه بالسيف»([896]) وإذا عمل المسلم السحر، كان مرتدا، فيقتل لقوله r: «من بــــــــــدّل دينه فاقتلوه» ([897]).

 

·            ويقتل الساحر ولا تقبل توبته في رأي أبي حنيفة، سواء أكان مسلما أم ذميا، لأن الساحر جمع إلى كفره السعي في الأرض بالفساد، فأشبه المحارب (قاطع الطريق). ولا يقتل الساحر الذمي في رأي مالك إلا أن يقتل بسحره، ويضمن ما جنى، ويقتل إن جاء منه ما لم يعاهد عليه ([898]).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسمالثلاثون: الآية 103-105

 

 

 

وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            لَمَثُوبَةٌ: ثواب.

 

·            راعِنا  : حافظنا، من راعيت الرجل، إذا تأمّلته وعرفت أحواله.

 

·            يَخْتَصُّ:الاختصاص بالشيء: الانفراد به.

 

·            ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ  : صاحب الثواب الكبير.

 

·            انْظُرْنَا :أمهلنا وانتظر ما يكون من شأننا.

 

·            يَوَدُّ : الود : محبة الشيء وتمني وقوعه.

 

·            سعة حلم الله، حيث يعرض عليهم الإيمان، والتقوى، لقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا ﴾ يعني فيما مضى، وفيما يستقبل، وهذه من سنته I أن يعرض التوبة على المذنبين، انظر إلى قوله تعالى: ﴿ إِنَّالَّذِينَفَتَنُواالْمُؤْمِنِينَوَالْمُؤْمِنَاتِثُمَّلَمْيَتُوبُوافَلَهُمْعَذَابُجَهَنَّمَوَلَهُمْعَذَابُالْحَرِيقِ ﴾([899]) : يُحَرِّقون أولياءه، ثم يعرض عليهم التوبة، لقوله تعالى: ﴿ ثُمَّلَمْيَتُوبُوا﴾.

 

·            الإيمان يُنال به ثواب الله، لقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ﴾([900]).

 

·            أن ثواب الله خير لمن آمن واتقى من الدنيا، لقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ ﴾ أي خير من كل شيء، قال رسول الله r: "لموضع سوط في الجنة خير من الدنيا، وما فيها "([901]).

 

·            ومن قوله تعالى عن الناصحين لمن تمنوا أن يكون لهم مثل ما لقارون: ﴿وَيْلَكُمْثَوَابُاللهِخَيْرٌلِمَنْآمَنَوَعَمِلَصَالِحًا﴾([902])، أنّ التقوى هي العمل الصالح([903]).

 

·            أن فعل هؤلاء اليهود، واختيارهم لما فيه الكفر من تعلم السحر فعلُ الجاهل، لقوله تعالى: ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.

 

·            ينبغي استعمال الأدب في الألفاظ، يعني أن يُتجنب الألفاظ التي توهم سبًّا، وشتماً، لقوله تعالى: ﴿ لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا﴾.

 

·            كان المسلمون يقولون حين خطابهم للرسول عند تعلمهم أمر الدين: ﴿رَاعِنَا﴾ أي: راع أحوالنا، فيقصدون بها معنى صحيحا، وكان اليهود يريدون بها معنى فاسدا، فانتهزوا الفرصة، فصاروا يخاطبون الرسول بذلك، ويقصدون المعنى الفاسد، فنهى الله المؤمنين عن هذه الكلمة، سدا لهذا الباب([904]).

 

·            نهي المسلمون أن يقولوا في خطاب النبي u﴿رَاعِنَا﴾ وأمروا بأن يقولوا مكانها ﴿ انْظُرْنَا ﴾ وفي ذلك تنبيه لأدبٍ جميل هو أن الإِنسان يتجنب في مخاطبته الألفاظ التي توهم الجفاء أو التنقيص في مقام يقتضي إظهار المودة أو التعظيم([905]).

 

·            أمرهم بلفظة لا تحتمل إلا الحسن فقال: ﴿وَقُولُوا انْظُرْنَا﴾ فإنها كافية يحصل بها المقصود من غير محذور([906]).

 

·            إن الإيمان مقتضٍ لكل الأخلاق الفاضلة، لأن مراعاة الأدب في اللفظ من الأخلاق الفاضلة.

 

·            ينبغي لمن نهى عن شيء أن يدل الناس على بدله المباح، فلا ينهاهم، ويجعلهم في حيرة([907]).

 

·            وجوب الانقياد لأمر الله ورسوله، لقوله تعالى: ﴿وَاسْمَعُوا﴾.

 

·            ﴿وَاسْمَعُوا﴾ لم يذكر المسموع، ليعم ما أمر باستماعه، فيدخل فيه سماع القرآن، وسماع السنة التي هي الحكمة، لفظا ومعنى واستجابة، ففيه الأدب والطاعة([908]).

 

·            التحذير من مخالفة أمر الله، وأنها من أعمال الكافرين، لقوله تعالى: ﴿وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾([909]).

 

·            في قوله تعالى: ﴿ مَايَوَدُّالَّذِينَكَفَرُوامِنْأَهْلِالْكِتَابِوَلَاالْمُشْرِكِينَأَنْيُنَزَّلَعَلَيْكُمْمِنْخَيْرٍ ﴾،بيان أن  اليهود والنصارى والمشركين، لا يودون الخير للمسلمين.

 

·            أخبر عن عداوة اليهود والمشركين للمؤمنين، أنهم ما يودون ﴿أَنْ يُنزلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ﴾ أي: لا قليلا ولا كثيرا ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾ حسدا منهم، وبغضا لكم أن يختصكم بفضله([910]).

 

·            يجب علينا أن نحذر من كل تصرف يصدر عن اليهود، والنصارى، والمشركين، ونتخذهم أعداءً، وأن نعلم أنهم بجميع تصرفاتهم يحاولون أن يمنعوا الخير عن المسلمين([911]).

 

·            هؤلاء الكفار يودون أن يمنعوا عن المسلمين التقدم([912]).

 

·            أن خير الله لا يجلبه ودّ وادّ، ولايرده كراهة كاره، لقوله تعالى: ﴿وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾، فلا يمكن لهؤلاء اليهود، والنصارى، والمشركين أن يمنعوا فضل الله علينا، وعلى هذا جاء الحديث الصحيح: "واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ([913])

 

·            أن الإنسان الذي لا يود الخير للمسلمين فيه شبه باليهود، والنصارى، لأن من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ([914]).

 

·            إثبات المشيئة لله، لقوله تعالى: ﴿ مَنْ يَشَاءُ ﴾  ([915]).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسمالحادي والثلاثون: الآية 106-108

 

 

 

مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            نُنْسِهَا: نؤخّرها ونُنْسِها من النسيان.

 

·            وَلِيٍّ: أي الوالي. والوليّ: المقيم بالأمر.

 

·            نَصِيرٍ: ناصر.

 

·            سَواءَ السَّبِيلِ: وسط الطريق.

 

·            نَنْسَخْ:النسخ لغة : النقل، والإزالة، واصطلاحاً : رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي جاء بعده.

 

·            يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ:يفضل الكفر على الإيمان.

 

·            ثبوت النسخ في القرآن الكريم، كما هو ثابت في السنة، وهما أصل التشريع ولا نسخ في قياس ولا إجماع([916]).

 

·            النسخ: هو النقل، فحقيقة النسخ نقل المكلفين من حكم مشروع، إلى حكم آخر، أو إلى إسقاطه، وكان اليهود ينكرون النسخ، ويزعمون أنه لا يجوز، وهو مذكور عندهم في التوراة، فإنكارهم له كفر وهوى محض([917]).

 

·            راعت الشريعة الغرَّاء مصالح العباد، ولذا وقع النسخ في بعض الأحكام([918]).

 

·            دل على أن النسخ لا يكون لأقل مصلحة لكم من الأول؛ لأن فضله تعالى يزداد خصوصا على هذه الأمة، التي سهل عليها دينها غاية التسهيل([919]).

 

·            الناسخ خير من المنسوخ، لقوله تعالى: ﴿ نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا ﴾، أو مماثل له عملاً. وإن كان خيراً منه مآلاً.، لقوله تعالى: (أَوْ مِثْلِهَا )([920]).

 

·            الأحكام مرجعها إلى الله تعالى، الذي يشرع لعباده ما فيه خيرهم وسعادتهم([921]).

 

·            عظمة الله U لقوله تعالى: ﴿ مَا نَنْسَخْ ﴾ : فإن الضمير هنا للتعظيم، وهو I أهل العظمة.

 

·            إثبات تمام قدرة الله U، لقوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾، ومن ذلك أنه قادر على أن ينسخ ما يشاء([922]).

 

·            قدرة الله عامة شاملة، لقوله تعالى: ﴿ أَنَّاللهَعَلَىكُلِّشَيْءٍقَدِيرٌ ﴾.

 

·            الشريعة تابعة للمصالح، لأن النسخ لا يكون إلا لمصلحة، فإن الله لا يبدل حكماً بحكم إلا لمصلحة([923]).

 

·            إن الله تعالى وعد بأنه لا يمكن أن ينسخ شيئاً إلا أبدله بخير منه، أو مثله، ووعده صدق.

 

·            النسخ لا يكون في الأخبار والقصص، إنما يكون في الأحكام التي فيها حلال وحرام([924]).

 

·            ذكر ما يطمئن به العبد حين يخشى أن يقلق فكره، لقوله تعالى: ﴿ مَانَنْسَخْمِنْآيَةٍأَوْنُنْسِهَانَأْتِبِخَيْرٍمِنْهَاأَوْمِثْلِهَا ﴾ ([925]).

 

·            من رحمة الله تبارك وتعالى بعباده أن سنّ لهم «سنة التدرج» في الأحكام، لتبقى النفوس على أتم الاستعداد لتقبّل تلك التكاليف الشرعية، فلا تشعر بملل أو ضجر، ولا تحسّ بمشقة أو شدة.. ولتظلّ الشريعة الغراء – كما أرادها الله – شريعة سمحة، سهلة لا عسر فيها ولا تعقيد، ولا شطط فيها ولا إرهاق([926]).

 

·            تقرير عموم ملك الله، لقوله تعالى: ﴿ أَلَمْتَعْلَمْأَنَّاللهَلَهُمُلْكُالسَّمَاوَاتِوَالْأَرْضِ ﴾، ولا يرد على هذا إضافة الملك للإنسان، كما في قوله تعالى: ﴿ أَوْمَامَلَكَتْأَيْمَانُكُمْ ﴾([927])، فإن هذه الإضافة ليست على سبيل الإطلاق، لأن ملك الإنسان للأشياء ملك محدود، وناقص، وقاصر، محدود من حين استيلائه عليه إلى أن يخرج عن ملكه ببيع، أو هبة، أو موت، أو غير ذلك، كذلك هو ناقص: فهو لا يملك التصرف فيه كما يشاء، بل تصرفه مقيد بما يباح له شرعاً، ولهذا لو أراد أن يحرق ملكه لم يملك ذلك، كذلك أيضاً ملكالإنسان قاصر، فهو لا يملك إلا ما تحت يده، فلا يشمل ملك الآخرين([928]).

 

·            أن من قدح في النسخ فقد قدح في ملكه وقدرته فقال: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ﴾([929]).

 

·            اختصاص ملك السموات، والأرض بالله، وهذا مأخوذ من تقديم الخبر، حيث إن تقديم الخبر يدل على الحصر، لقوله تعالى: ﴿ لَهُمُلْكُالسَّمَاوَاتِوَالْأَرْضِ﴾ ([930]).

 

·            من ملك الله أنه ينسخ ما يشاء، ويثبت، فكأن قوله تعالى: ﴿ أَلَمْتَعْلَمْأَنَّاللهَلَهُمُلْكُالسَّمَاوَاتِوَالْأَرْضِ ﴾ تعليل لقوله تعالى: ﴿ مَانَنْسَخْمِنْآيَةٍ﴾، فالمالك للسموات والأرض يتصرف فيهما كما شاء.

 

·            لا أحد يدفع عن أحد أراد الله به سوءاً، لقوله تعالى: ﴿ وَمَالَكُمْمِنْدُونِاللهِمِنْوَلِيٍّوَلَانَصِيرٍ ﴾.

 

·            يجب على المرء أن يلجأ إلى ربه في طلب الولاية، والنصر([931]).

 

·            ما يريده الإنسان فهو إما جلب منفعة يحتاج إلى ولي يجلبها له، وإما دفع مضرة يحتاج إلى نصير يدفعها عنه([932]).

 

·            ينهى الله المؤمنين، أو اليهود، بأن يسألوا رسولهم ﴿كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ﴾ والمراد بذلك، أسئلة التعنت والاعتراض، كما قال تعالى: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنزلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً﴾،فهذه ونحوها، هي المنهي عنها([933]).

 

·            إنكار كثرة الأسئلة لرسول الله r لأن الاستفهام: ﴿ أَمْ تُرِيدُونَ ﴾ يقصد به الإنكار ([934]).

 

·            سؤال الاسترشاد والتعلم، فهذا محمود قد أمر الله به كما قال تعالى ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ ويقررهم عليه، كما في قوله ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾ و ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى﴾ ونحو ذلك([935]).

 

·            تأكيد ذم هذا النوع من الأسئلة، لقوله تعالى: ﴿ رَسُولَكُمْ ﴾، فكأنه أراد أنه لما كان رسولكم، فالذي ينبغي منكم عدم إعناته بالأسئلة([936]).

 

·            ليس من شأن المسلم أن يسأل نبيّه سؤال تعنت كما فعل اليهود مع أنبيائهم([937]).

 

·            كثرة الأسئلة للنبي r فيها مشابهة لليهود، لقوله تعالى: ﴿ كَمَاسُئِلَمُوسَىمِنْقَبْلُ ﴾  ([938]).

 

·            لا ينبغي إلقاء السؤال إلا لمصلحة ([939]).

 

·            ذم بني إسرائيل الذين أرسل إليهم موسى r حيث إن الله I ذكرهم في هذه الآية على سبيل الذم([940]).

 

·            إثبات رسالة موسى r،لقوله تعالى: ﴿ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ ﴾ يعني: وهو رسول([941]).

 

·            الله جل جلاله مالك الملك فيجب الاستسلام لحكمه وأمره مع الاطمئنان([942]).

 

·            وجوب التسليم لله والرضا بأحكامه، وعدم الاعتراض عليه تعالى([943]).

 

·            ما شرعت الأحكام إلا لمصلحة الناس، وهذه المصلحة تختلف باختلاف الزمان والمكان، فإذا شُرع حكمٌ في وقت من الأوقات كانت الحاجة ملحّة إليه، ثم زالت تلك الحاجة، فمن الحكمة نسخه وتبديله بحكم يوافق الوقت الآخر، فيكون هذا التبديل والتغيير أقرب للمصلحة، وأنفع للعباد، وما مثل ذلك إلا كمثل الطبيب الذي يغيّر الأغذية والأدوية للمريض، باختلاف الأمزجة، والقابلية، والاستعداد([944]).

 

·            ولما كانت المسائل المنهي عنها مذمومة، قد تصل بصاحبها إلى الكفر، قال: ﴿وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ ([945]).

 

·            ذم من استبدل الكفر بالإيمان، لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِفَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾، وهذا يشمل من بقي على كفره بعد عرض الإيمان عليه، ومن ارتد بعد إيمانه، فإنه في الحقيقة تبديل، لأن كل مولود يولد على الفطرة، فإذا كفر فقد تبدل الكفر بالإيمان([946]).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسمالثاني والثلاثون: الآية 109-113

 

 

 

وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            أَمانِيُّهُمْ  : أكاذيبهم وأباطيلهم.

 

·            هاتُوا  : أحضروا وقرّبوا.

 

·            بُرْهانَكُمْ : حجّتكم.

 

·            وَدَّ : تمنى.

 

·            حَسَدًا:الحسد : قلق يصيب النفس إذا رأت نعمة على إنسان، فتمني الحاسد زوال هذه النعمة عنه.

 

·            تَبَيَّنَ: اتضح وظهر.

 

·            الْحَقُّ: الثابت، والمراد به الإسلام.

 

·            فَاعْفُوا:العفو : ترك العقاب على الذنب.

 

·            وَاصْفَحُوا:الصفح : ترك المؤاخذة على الذنب.

 

·            بيان شدة عداوة اليهود، والنصارىللأمة الإسلامية، لقوله تعالى: ﴿ وَدَّكَثِيرٌمِنْأَهْلِالْكِتَابِلَوْيَرُدُّونَكُمْمِنْبَعْدِإِيمَانِكُمْكُفَّارًا حَسَدًامِنْعِنْدِأَنْفُسِهِمْ ﴾.

 

·            أخبر عن حسد كثير من أهل الكتاب، وأنهم بلغت بهم الحال، أنهم ودوا ﴿لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا﴾ وسعوا في ذلك، وأعملوا المكايد، وكيدهم راجع عليهم،قال تعالى: ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ وهذا من حسدهم الصادر من عند أنفسهم([947]).

 

·            أن الكفر بعد الإسلام يسمى ردة، لقوله تعالى: ﴿ لَوْيَرُدُّونَكُمْ ﴾، ولهذا الذي يكفر بعد الإسلام لا يسمى باسم الدين الذي ارتد إليه، فلو ارتد عن الإسلام إلى اليهودية، أو النصرانية لم يعط حكم اليهود، والنصارى([948]).

 

·            تحريم الحسد، لأن مشابهة الكفار بأخلاقهم محرمة، لقول النبي r: "من تشبه بقوم فهو منهم" ([949])،وعلى المرء إذا رأى أن الله أنعم على غيره نعمة أن يسأل الله من فضله، ولا يكره ما أنعم الله به على الآخرين، أو يتمنى زواله،لقوله تعالى﴿وَلَاتَتَمَنَّوْامَافَضَّلَاللهُبِهِبَعْضَكُمْعَلَىبَعْضٍلِلرِّجَالِنَصِيبٌمِمَّااكْتَسَبُواوَلِلنِّسَاءِنَصِيبٌمِمَّااكْتَسَبْنَوَاسْأَلُوااللهَمِنْفَضْلِهِ﴾([950]).

 

·            علم اليهود، والنصارى أن الإسلام منقبة عظيمة لمتبعه، لقوله تعالى: ﴿حسداً﴾، لأن الإنسان لا يحسد إلا على شيء يكون خيراً، ومنقبة، ويدل لذلك قوله تعالى: ﴿ مَايَوَدُّالَّذِينَكَفَرُوامِنْأَهْلِالْكِتَابِوَلَاالْمُشْرِكِينَأَنْيُنَزَّلَعَلَيْكُمْمِنْخَيْرٍمِنْرَبِّكُمْ ﴾([951]).

 

·            وجوب الحذر من اليهود، والنصارى، ما دام كثير منهم يودون لنا هذا فإنه يجب علينا أن نحذر منهم([952]).

 

·            ﴿ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ﴾أي منتِلْقَائِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِدُوهُ فِي كِتَابٍ وَلَا أُمِرُوا بِهِ([953]).

 

·            بيان خبث طوية هؤلاء الذين يودون لنا الكفر، لقوله تعالى: ﴿ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ﴾، ليس من كتاب، ولا من إساءة المسلمين إليهم، ولكنه من عند أنفسهم: أنفس خبيثة تود الكفر للمسلمين حسداً([954]).

 

·            الْحَسَدُ نَوْعَانِ: مَذْمُومٌ وَمَحْمُودٌ، فَالْمَذْمُومُ أَنْ تَتَمَنَّى زَوَالَ نِعْمَةِ اللَّهِ عَنْ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ([955]).

 

·            كثير من اليهود والنصارى يسعون بكل ما يستطيعون من قوة مادية، أو أخلاقية، أو غيرهما ليردوا المسلمين بعد الإيمان كفاراً مع علمهم أن الرسول rحق، وأن دينه حق، وأن المؤمنين على حق ([956]).

 

·            ﴿مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾أَيْ من بعد ما تبين لهم الْحَقُّ لَهُمْ وَهُوَ مُحَمَّدُ r، وَالْقُرْآنُ الَّذِي جَاءَ بِهِ([957]).

 

·            أمرهم الله بمقابلة من أساء إليهم غاية الإساءة بالعفو عنهم والصفح حتى يأتي الله بأمره([958]).

 

·            مراعاة الأحوال، وتطور الشريعة، حيث قال تعالى: ﴿ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ ﴾([959]).

 

·            ﴿ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا ﴾الْعَفْوُ: تَرْكُ الْمُؤَاخَذَةِ بِالذَّنْبِ. وَالصَّفْحُ: إِزَالَةُ أَثَرِهِ مِنَ النَّفْسِ([960]).

 

·            إثبات الحكمة لله عز وجل، حيث أمر بالعفو، والصفح إلى أن يأتي الله بأمره، لأن الأمر بالقتال قبل وجود أسبابه، وتوفر شروطه من القوة المادية والبشرية، ينافي الحكمة([961]).

 

·            الله سبحانه وتعالى فعال لما يريد فعلاً يليق بجلاله وعظمته، وما تقتضيه حكمته، لقوله تعالى: ﴿ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ ﴾.

 

·            بشارة المؤمنين بأن الله سبحانه وتعالى سيغير حالهم المقتضية للعفو والصفح، إلى قوة يستطيعون بها جهاد العدو.

 

·            وجوب إقامة الصلاة، والصلاة تشمل الفريضة والنافلة، ومن إقامة الفرائض كثرة النوافل، لأنه جاء في الحديث ([962]) أن النوافل تكمل بها الفرائض يوم القيامة، ما من إنسان إلا وفي فريضته نقص، لكن هذه النوافل تكملها، وترقعها.

 

·            الصلاة أوكد من الزكاة، ولهذا يقدمها الله عليها في الذكر([963]).

 

·            إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة من أسباب النصر، لأن الله ذكرهــــــــــــــــا بعد قوله: ﴿ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ ﴾، وقد جاء ذلك صريحاً في قوله تعالى: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّاللهُمَنْيَنْصُرُهُإِنَّاللهَلَقَوِيٌّعَزِيزٌ (40) الَّذِينَإِنْمَكَّنَّاهُمْفِيالْأَرْضِأَقَامُواالصَّلَاةَوَآتَوُاالزَّكَاةَوَأَمَرُوابِالْمَعْرُوفِوَنَهَوْاعَنِالْمُنْكَرِوَلِلَّهِعَاقِبَةُالْأُمُورِ ﴾ ([964]).

 

·            ينبغي للإنسان أن يتشاغل بالأهم فالأهم مع الدعوة إلى الله عز وجل.

 

·            أن كل خير يقدمه العبد لربه عز وجل فإنه سيجد ثوابه عنده ([965]).

 

·            الثواب عام لجميع الأعمال صغيرها، وكبيرها، لقوله تعالى:﴿ مِنْخَيْرٍ﴾، فإنها نكرة في سياق الشرط، فتفيد العموم، فأيّ خير قدمته قليلاً كان، أو كثيراً ستجد ثوابه، قال الرسول r: "اتقوا النار ولو بشق تمرة" ([966])

 

·            الترغيب في فعل الخير، حيث إن الإنسان يجد ثوابه عند ربه مدخراً له. وهو أحوج ما يكون إليه.

 

·            إذا قدم الإنسان خيراً فإنما يقدمه لنفسه، لقوله تعالى: ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ﴾، ولهذا ليس له من ماله إلا ما أنفق لله، وما أخره فلوارثه([967]).

 

·            قَالَ النَّبِيُّ r أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ قَالَ فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ([968]).

 

·            بيان ما كان عليه اليهود، والنصارى من الإعجاب بما هم عليه من الدين والذي سيكون سبباً لدخولهم الجنة، لقوله تعالى : ﴿ وَقَالُوالَنْيَدْخُلَالْجَنَّةَإِلَّامَنْكَانَهُودًاأَوْنَصَارَى ﴾.

 

·            اليهود والنصارى الذين لم يتبعوا رسول الله rفهم أهل النار، لقول النبي r: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بما أرسلت به إلا كان من أصحاب النار" ([969]).

 

·            من اغتر بالأماني، وطمع في المنازل العالية بدون عمل لها ففيه شَبه من اليهود، والنصارى([970]).

 

·            ﴿ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ ﴾الْبُرْهَانُ: الدَّلِيلُ الَّذِي يُوقِعُ الْيَقِينَ([971]).

 

·            عدل الله عز وجل في مخاطبة عباده، حيث قال تعالى﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ﴾، لأن هذا من باب مراعاة الخصم، وأنه إن كان لكم بينة فهاتوها، وهذا لا شك من أبلغ ما يكون من العدل، وإلا فالحكم لله العلي الكبير([972]).

 

·            ﴿ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾يَعْنِي فِي إِيمَانِكُمْ أَوْ فِي قَوْلِكُمْ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، أَيْ بَيِّنُوا مَا قُلْتُمْ بِبُرْهَانٍ([973]).

 

·            أنهم كاذبون، لقوله تعالى: ﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾، ولو كان لهم أدنى حيلة بما يبرر قولهم، ويصدِّقه لأتوا بها([974]).

 

·            ﴿ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ﴾وَمَعْنَى" أَسْلَمَ" اسْتَسْلَمَ وَخَضَعَ. وَقِيلَ: أَخْلَصَ عَمَلَهُ. وَخَصَّ الْوَجْهَ بِالذِّكْرِ لِكَوْنِهِ أَشْرَفَ مَا يُرَى مِنَ الْإِنْسَانِ، وَلِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْحَوَاسِّ، وَفِيهِ يَظْهَرُ الْعِزُّ وَالذُّلُّ. وَالْعَرَبُ تُخْبِرُ بِالْوَجْهِ عَنْ جُمْلَةِ الشَّيْءِ. وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْوَجْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْمَقْصِدَ([975]).

 

·            ﴿مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ﴾ أي: أخلص لله أعماله، متوجها إليه بقلبه، ﴿وَهُوَ﴾ مع إخلاصه ﴿مُحْسِنٌ﴾ في عبادة ربه، بأن عبده بشرعه، فأولئك هم أهل الجنة وحدهم([976]).

 

·            ﴿مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ﴾ أي من أقبل على عبادة الله وجعل توجهه إِليه بجملته،وخص الوجه بالذكر لأنه أشرف الأعضاء([977]).

 

·            إِسلام الوجه لله يعني إِسلام النفس لطاعة الله وقد يكنى بالوجه عن النفس كما قال تعالى ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ﴾ ([978]).

 

·            أن أهل الجنة هم الذين جمعوا بين وصفين، الأول: الإخلاص لله، لقوله تعالى: ﴿ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ ﴾، والثاني: اتباع شرعه، لقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ مُحْسِنٌ ﴾([979]).

 

·            الإسلام الصحيح القائم على أسسه الثلاثة الإيمان والإسلام والإحسان هو سبيل النجاة من النار والفوز بالجنة([980]).

 

·            ﴿فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ وهو الجنة بما اشتملت عليه من النعيم، ﴿وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ فحصل لهم المرغوب، ونجوا من المرهوب([981]).

 

·            ثبوت الأجر في الآخرة، وأن العمل لن يضيع، لقوله تعالى: ﴿فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾.

 

·            عظم الثواب، لإضافته إلى الله في قوله تعالى: ﴿عِنْدَ رَبِّهِ﴾([982]).

 

·            انتفاء الخوف، والحزن لمن تعبد لله سبحانه وتعالى بهذين الوصفين، وهما الإخلاص والمتابعة، ولهذا قال تعالى:﴿ الَّذِينَآمَنُواوَلَمْيَلْبِسُواإِيمَانَهُمْبِظُلْمٍأُولَئِكَلَهُمُالْأَمْنُوَهُمْمُهْتَدُونَ ﴾  ([983]).

 

·            حسن عاقبة المؤمنين بانتفاء الخوف، والحزن عنهم، وغير المؤمنين تُملأ قلوبهم رعباً، وحزناً، قال تعالى:﴿ وَتَقَطَّعَتْبِهِمُالْأَسْبَابُ ﴾ ([984])، وقال تعالى: ﴿﴿ كَذَلِكَيُرِيهِمُاللهُأَعْمَالَهُمْحَسَرَاتٍعَلَيْهِمْوَمَاهُمْبِخَارِجِينَمِنَالنَّارِ ﴾([985])، وقال تعالى:﴿ وَأَنْذِرْهُمْيَوْمَالْحَسْرَةِ ﴾ ([986])  إلى غير ذلك من الآيات الدالة على تحسر هؤلاء الذين لم يهتدوا إلى صراط الحميد([987]).

 

·            ﴿ وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ﴾مَعْنَاهُ ادَّعَى كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ أَنَّ صَاحِبَهُ ليس على شي، وَأَنَّهُ أَحَقُّ بِرَحْمَةِ اللَّهِ مِنْهُ([988]).

 

·            في قوله تعالى : ﴿ وَقَالَتِالْيَهُودُلَيْسَتِالنَّصَارَىعَلَىشَيْءٍوَقَالَتِالنَّصَارَىلَيْسَتِالْيَهُودُعَلَىشَيْءٍ ﴾ دلالة على أن الأمم الكافرة يكفِّر بعضها بعضاً، فهم أعداء بعضهم لبعض من جهة، وأولياء بعضهم لبعض من جهة أخرى: بالنسبة لنا هم بعضهم لبعض وليّ، وبالنسبة لما بينهم بعضهم لبعض عدو، فالإسلام عدو مشترك لليهودية، والنصرانية، وسائر الكفار، فيجب أن يتولى بعضنا بعضاً([989]).

 

·            بلغ بأهل الكتاب الهوى والحسد، إلى أن بعضهم ضلل بعضا، وكفر بعضهم بعضا، كما فعل الأميون من مشركي العرب وغيرهم.فكل فرقة تضلل الفرقة الأخرى([990]).

 

·            ﴿ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ ﴾يعني التوراة والإنجيل([991]).

 

·            شدة قبح قول من خالف الحق وهو يعلمه، لقولــــــه تعـــالى:﴿ وَهُمْيَتْلُونَالْكِتَابَ ﴾، فهذه الجملة تفيد زيادة القبح فيما قالوه، حيث قالوا ذلك وهم يتلون الكتاب، ويعرفون الحق، فالنصارى تتلو التوراة، وتعرف أن اليهود تدين بالتوراة. وهم على دين صحيح قبل بعثة عيسى.، واليهود أيضاً يتلون الإنجيل، ويعرفون أن عيسى حق، لكنهم كفروا استكباراً، ولا ريب أن الذي ينكر الحق مع العلم به أعظم قبحاً من الذي ينكر الحق مع الجهل به، لأن هذا معاند مكابر بخلاف الجاهل، فالجاهل ينكر الحق للجهل به، ثم إذا تبين له الحق اتبعه إذا كان المانع له من اتباعه الجهل، لكن العالم لا عذر له([992]).

 

·            ﴿ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ: كُفَّارُ الْعَرَبِ، لِأَنَّهُمْ لَا كِتَابَ لَهُمْ([993]).

 

..............

 

....

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسمالثالث والثلاثون: الآية 114-117

 

 

 

 

 

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) وَقَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ  أي هنالك جهته التي أمركم بالتّوجّه إليها، وثمّة: إشارة إلى المكان البعيد.

 

·            واسِعٌ  : جواد يسع لما يسأل. ويقال: الواسع: المحيط بعلم كل شيء كما قال عز وجل: وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً.

 

·            قانِتُونَ  : أي مطيعون.

 

·            بَدِيعُ : مبتدع أي مبتدئ.

 

·            أَظْلَمُ : الظلم : وضع الشيء في غير موضعه.

 

·            مَسَاجِدَ:موضع السجود وعبادة الله.

 

·            خَرَابِهَا :أن تكون مهدمة معطلة.

 

·            خِزْيٌ :ذل وهوان وصغار.

 

·            سُبْحَانَهُ: تنزيه لله تعالى عن اتخاذ الولد.

 

·            المعاصي تختلف قبحاً، لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ ﴾، و ﴿ أَظْلَمُ ﴾ اسم تفضيل، واسم التفضيل يقتضي مفضَّلاً، ومفضَّلاً عليه، وكما أن المعاصي تختلف، فكذلك الطاعات تختلف: بعضها أفضل من بعض،والإيمان يزيد، وينقص ([994]).

 

·            ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها﴾وَالْمَعْنَى كَيْفَ تَدَّعُونَ أَيُّهَا النَّصَارَى أَنَّكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ! وَقَدْ خَرَّبْتُمْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَمَنَعْتُمُ الْمُصَلِّينَ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ مَنْ مَنَعَ مِنْ كُلِّ مَسْجِدٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ وَرَدَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، فَتَخْصِيصُهَا بِبَعْضِ الْمَسَاجِدِ وَبَعْضِ الْأَشْخَاصِ ضَعِيفٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ([995]).

 

·            ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾أي: لا أحد أظلم وأشد جرما، ممن منع مساجد الله، عن ذكر الله فيها، وإقامة الصلاة وغيرها من الطاعات([996]).

 

·            ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى تَعْظِيمِ أَمْرِ الصَّلَاةِ، وَأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ وَأَعْظَمَهَا أَجْرًا كَانَ مَنْعُهَا أَعْظَمَ إِثْمًا([997]).

 

·            جواز منع دخول المساجد لمصلحة، لقوله تعالى﴿ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾  ([998]).

 

·            تحريم منع المساجد من أن يذكر فيها اسم الله سواء كان ذكر الله: صلاة، أو قراءة للقرآن، أو تعليماً للعلم، أو غير ذلك([999]).

 

·            شرف المساجد، لإضافتها إلى الله،لقوله تعالى: ﴿ مَسَاجِدَ اللهِ ﴾ ([1000]).

 

·            المصلَّيات التي تكون في البيوت، أو الدوائر الحكومية لا يثبت لها هذا الحكم، لأنها مصلَّيات خاصة، فلا يثبت لها شيء من أحكام المساجد.

 

·            لا يجوز أن يوضع في المساجد ما يكون سبباً للشرك، لأن ﴿ مَسَاجِدَ اللهِ ﴾ معناها موضع السجود له، فإذا وضع فيها ما يكون سبباً للشرك فقد خرجت عن موضوعها، مثل أن نقبر فيها الموتى، فهذا محرم، لأن هذا وسيلة إلى الشرك([1001]).

 

·            وجوب تطهير المساجد، وهذا مأخوذ من إضافتها إلى الله تلك الإضافة القاضية بتشريفها، وتعظيمها، ولهذا قال تعالى: ﴿ وَطَهِّرْبَيْتِيَلِلطَّائِفِينَوَالْقَائِمِينَوَالرُّكَّعِالسُّجُودِ ﴾ ([1002]).

 

·            ذكر الله لا بد أن يكون باسمه، فتقول: لا إله إلا الله، سبحان الله، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، سبحان ربي العظيم، فالذكر باللسان لا يكون إلا باسم الله، أما ذكر القلب فيكون ذكراً لله، وذكراً لأسمائه، فقد يتأمل الإنسان في قلبه أسماء الله، ويتدبر فيها، ويكون ذكراً للاسم، وقد يتأمل في أفعال الله عز وجل، ومخلوقاته، وأحكامه الشرعية([1003]).

 

·            ﴿وَسَعَى﴾ أي: اجتهد وبذل وسعه ([1004]).

 

·            تحريم تخريب المساجد، لقوله تعالى: ﴿ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا ﴾، ويشمل الخراب الحسي، والمعنوي، لأنه قد يتسلط بعض الناس - والعياذ بالله - على هدم المساجد حسًّا بالمعاول، والقنابل، وقد يخربها معنًى، بحيث ينشر فيها البدع والخرافات المنافية لوظيفة المساجد([1005]).

 

·            ﴿فِي خَرَابِهَا﴾ الحسي والمعنوي، فالخراب الحسي: هدمها وتخريبها، وتقذيرها، والخراب المعنوي: منع الذاكرين لاسم الله فيها، وهذا عام، لكل من اتصف بهذه الصفة بل قد أمر الله تعالى برفع بيوته وتعظيمها وتكريمها، فقال تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾([1006]).

 

·            ﴿ أُولئِكَ مَا كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ﴾يَعْنِي إِذَا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ وَحَصَلَتْ تَحْتَ سُلْطَانِهِمْ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْكَافِرُ حِينَئِذٍ مِنْ دُخُولِهَا. فَإِنْ دَخَلُوهَا، فَعَلَى خَوْفٍ مِنْ إِخْرَاجِ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ، وَتَأْدِيبِهِمْ عَلَى دُخُولِهَا. وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ لَهُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ بِحَالٍ([1007]).

 

·            عقوبة من منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها، الخزي والعار في الدنيا، والعذاب العظيم في الآخرة([1008]).

 

·            إذا كان في الذنب تعدٍّ على العباد فإن الله قد يجمع لفاعله بين العقوبتين: عقوبة الدنيا، وعقوبة الآخرة، عقوبة الدنيا ليشفي قلب المظلوم المعتدى عليه، ولا شك أن الإنسان إذا اعتدى عليك، ثم رأيت عقوبة الله فيه أنك تفرح بأن الله سبحانه وتعالى اقتص لك منه، أما إذا كان في حق الله فإن الله تعالى لا يجمع عليه بين عقوبتين، لقوله تعالى:﴿ وَمَاأَصَابَكُمْمِنْمُصِيبَةٍفَبِمَاكَسَبَتْأَيْدِيكُمْوَيَعْفُوعَنْكَثِيرٍ ﴾([1009]).

 

·            عذاب الآخرة أعظم من عذاب الدنيا، كما أن نعيم الآخرة أكمل من نعيم الدنيا، ولكن الله سبحانه وتعالى يُري عباده نموذجاً من هذا، ومن هذا، لأنه لا يستقيم فهم الوعيد، ولا فهم الوعد، إلا بمشاهدة نموذج من ذلك، لو كان الله توعد بالنار، ونحن لا ندري ما هي النار، فلا نخاف إلا خوفاً إجمالياً عاماً، وكذلك لو وعد بالنعيم والجنة، ولا نعرف نموذجاً من هذا النعيم، لم يكن الوعد به حافزاً للعمل([1010]).

 

·            ﴿ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾الْمَشْرِقُ" مَوْضِعُ الشُّرُوقِ." وَالْمَغْرِبُ" مَوْضِعُ الْغُرُوبِ، أَيْ هُمَا لَهُ مِلْكٌ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْجِهَاتِ وَالْمَخْلُوقَاتِ بِالْإِيجَادِ وَالِاخْتِرَاعِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَخَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ وَالْإِضَافَةِ إِلَيْهِ تَشْرِيفًا([1011]).

 

·            انفراد الله بالملك، لتقديم الخبر في قوله تعالى:﴿ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ﴾([1012]).

 

·            ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ خصهما بالذكر، لأنهما محل الآيات العظيمة، فهما مطالع الأنوار ومغاربها، فإذا كان مالكا لها، كان مالكا لكل الجهات([1013]).

 

·            عموم ملك الله، لأن المشرق والمغرب يحتويان كل شيء([1014]).

 

·            ﴿ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ﴾قال ابن عباس:الْوَجْهُ عِبَارَةٌ عَنْهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقِيلَ: الْوَجْهُ الْقَصْدُ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى فَثَمَّ رِضَا اللَّهِ وَثَوَابُهُ([1015]).

 

·            ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا﴾ وجوهكم من الجهات، إذا كان توليكم إياها بأمره، إما أن يأمركم باستقبال الكعبة بعد أن كنتم مأمورين باستقبال بيت المقدس، أو تؤمرون بالصلاة في السفر على الراحلة ونحوها، فإن القبلة حيثما توجه العبد أو تشتبه القبلة، فيتحرى الصلاة إليها، ثم يتبين له الخطأ، أو يكون معذورا بصلب أو مرض ونحو ذلك، فهذه الأمور، إما أن يكون العبد فيها معذورا أو مأمورا([1016]).

 

·            إحاطة الله تعالى بكل شيء، لقوله تعالى: ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ﴾([1017]).

 

·            ﴿فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ فيه  إثبات الوجه لله تعالى، على الوجه اللائق به تعالى، وأن لله وجها لا تشبهه الوجوه، وهو - تعالى - واسع الفضل والصفات عظيمها، عليم بسرائركم ونياتكم([1018]).

 

·            ﴿ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ ﴾أَيْ يُوَسِّعُ عَلَى عِبَادِهِ فِي دِينِهِمْ، وَلَا يُكَلِّفُهُمْ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِمْ([1019]).

 

·            عموم ملك الله تعالى للمشرق، والمغرب خلقاً وتقديراً، وله أن يوجه عباده إلى ما شاء منهما من مشرق ومغرب، فله ملك المشرق والمغرب توجيهاً، وقد سبق أن قوله تعالى: ﴿ مَانَنْسَخْمِنْآيَةٍأَوْنُنْسِهَا... ﴾([1020]) إلى آيات نسخ القبلة كله تمهيد لتحويل القبلة، فكأن الله تعالى يقول: لله المشرق والمغربفإذا شاء جعل اتجاه القبلة إلى المشرق، وإذا شاء جعله إلى المغرب، فأينما تولوا فثم وجه الله([1021]).

 

·            إن الله تعالى له مكان لقوله تعالى: ﴿فثم﴾، لأن «ثم» إشارة إلى المكان، ولكن مكانه في العلو، لا يحيط به شيء من مخلوقاته، قال النبي r للجارية: «أين الله؟ قالت: في السماء» ([1022]).

 

·            إثبات سعة الله، وعلمه، ونستفيد صفة ثالثة من جمع السعة والعلم، للإشارة إلى أن علم الله واسع بمعنى أنه لا يفوته شيء من كل معلوم لا في الأرض، ولا في السماء([1023]).

 

·            ﴿ وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً ﴾هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ النَّصَارَى فِي قَوْلِهِمْ: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ. وَقِيلَ عَنِ الْيَهُودِ فِي قَوْلِهِمْ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ. وَقِيلَ عَنْ كَفَرَةِ الْعَرَبِ فِي قَوْلِهِمُ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ([1024]).

 

·            بيان عتوّ الإنسان وطغيانه،﴿وَقَالُوااتَّخَذَاللهُوَلَدًاسُبْحَانَهُ ﴾([1025]).

 

·            ﴿وَقَالُوا﴾ أي: اليهود والنصارى والمشركون، وكل من قال ذلك: ﴿اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾ فنسبوه إلى ما لا يليق بجلاله، وأساءوا كل الإساءة، وظلموا أنفسهم([1026]).

 

·            ﴿ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً﴾بَلْ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَاحِدٌ فِي ذَاتِهِ، أَحَدٌ فِي صِفَاتِهِ([1027]).

 

·            ﴿سُبْحَانَهُ﴾ أي: تنزه وتقدس عن كل ما وصفه به المشركون والظالمون مما لا يليق بجلاله، فسبحان من له الكمال المطلق، من جميع الوجوه، الذي لا يعتريه نقص بوجه من الوجوه([1028]).

 

·            ﴿ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ﴾أَيْ كُلُّ ذَلِكَ لَهُ مِلْكٌ بِالْإِيجَادِ وَالِاخْتِرَاعِ. ولَا يَكُونُ الْوَلَدُ إِلَّا مِنْ جِنْسِ الْوَالِدِ، فَكَيْفَ يَكُونُ لِلْحَقِّ سُبْحَانَهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ وهو لا يشبهه شي؟! فَالْوَلَدِيَّةُ تَقْتَضِي الْجِنْسِيَّةَ وَالْحُدُوثَ، وَالْقِدَمُ يَقْتَضِي الْوَحْدَانِيَّةَ وَالثُّبُوتَ، فَهُوَ سُبْحَانُهُ الْقَدِيمُ الْأَزَلِيُّ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ، الْفَرْدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ([1029]).

 

·            عموم ملك الله سبحانه وتعالى، لقوله تعالى: ﴿ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾([1030]).

 

·            ﴿بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ﴾ أي: جميعهم ملكه وعبيده، يتصرف فيهم تصرف المالك بالمماليك، وهم قانتون له مسخرون تحت تدبيره، فإذا كانوا كلهم عبيده، مفتقرين إليه، وهو غني عنهم، فكيف يكون منهم أحد، يكون له ولدا، والولد لا بد أن يكون من جنس والده، لأنه جزء منه([1031]).

 

·            الله لا شريك له في ملكه، لتقديم الخبر في قوله تعالى: ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾، وتقديم الخبر يفيد الاختصاص([1032]).

 

·            ﴿ قانِتُونَ ﴾ أَيْ مُطِيعُونَ وَخَاضِعُونَ، فَالْمَخْلُوقَاتُ كُلُّهَا تَقْنُتُ لله، أي تخضع وتطبع. وَالْجَمَادَاتُ قُنُوتُهُمْ فِي ظُهُورِ الصَّنْعَةِ عَلَيْهِمْ وَفِيهِمْ. فَالْقُنُوتُ الطَّاعَةُ، وَالْقُنُوتُ السُّكُوتُ، وَمِنْهُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ، يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ إِلَى جَنْبِهِ حَتَّى نَزَلَتْ:" وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ" فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ([1033]).

 

·            أن كل من في السموات، والأرض قانت لله ([1034]).

 

·            ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ﴾ أي: خالقهما على وجه قد أتقنهما وأحسنهما على غير مثال سبق([1035]).

 

·            ﴿ بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ﴾﴿ بَدِيعُ ﴾فَعِيلٌ لِلْمُبَالَغَةِ، وَاسْمُ الْفَاعِلِ مُبْدِعٌ، كَبَصِيرٍ مِنْ مُبْصِرٍ. أَبْدَعْتُ الشَّيْءَ لَا عَنْ مِثَالٍ، فَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بديع السموات وَالْأَرْضِ، أَيْ مُنْشِئُهَا وَمُوجِدُهَا وَمُبْدِعُهَا وَمُخْتَرِعُهَا عَلَى غَيْرِ حَدٍّ وَلَا مِثَالٍ. وَكُلُّ مَنْ أَنْشَأَ مَا لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ قِيلَ لَهُ مُبْدِعٌ([1036]).

 

·            عظم قدرة الله عز وجل ببدع السموات، والأرض، فإنها مخلوقات عظيمة([1037]).

 

·            حكمة الله سبحانه وتعالى بأن هذه السموات، والأرض على نظام بديع عجيب، قال تعالى: ﴿ مَاتَرَىفِيخَلْقِالرَّحْمَنِمِنْتَفَاوُتٍ ﴾([1038])([1039]).

 

·            ﴿ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾أَيْ إِذَا أَرَادَ إِحْكَامَهُ وَإِتْقَانَهُ- كَمَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ- قَالَ لَهُ كُنْ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَضَاءُ الشَّيْءِ إِحْكَامُهُ وَإِمْضَاؤُهُ وَالْفَرَاغُ مِنْهُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْقَاضِي([1040]).

 

·            ﴿وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ فلا يستعصى عليه، ولا يمتنع منه([1041]).

 

·            ﴿ فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾قَالَ سِيبَوَيْهِ: فَهُوَ يَكُونُ، أَوْ فَإِنَّهُ يَكُونُ. فاللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَزَلْ آمِرًا لِلْمَعْدُومَاتِ بِشَرْطِ وُجُودِهَا، قَادِرًا مَعَ تَأَخُّرِ الْمَقْدُورَاتِ، عَالِمًا مَعَ تَأَخُّرِ الْمَعْلُومَاتِ. فَكُلُّ مَا فِي الْآيَةِ يَقْتَضِي الِاسْتِقْبَالَ فَهُوَ بِحَسَبِ الْمَأْمُورَاتِ، إِذِ المحدثات تجئ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ. وَكُلُّ مَا يُسْنَدُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ قُدْرَةٍ وَعِلْمٍ فَهُوَ قديم لم يَزَلْ. وَالْمَعْنَى الَّذِي تَقْتَضِيهِ عِبَارَةُ ﴿ كُنْ ﴾هُوَ قَدِيمٌ قَائِمٌ بِالذَّاتِ ([1042]).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسمالرابع والثلاثون: الآية 118-120

 

 

 

وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119) وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            لوْلَا : كلمة لحض الفاعل على الفعل، ومعناها : هلاّ.

 

·            آيَةٌ : دليل وحجة وبرهان.

 

·            تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ  : أي أشبه بعضهم بعضا في الكفر والفسق.

 

·            يُوقِنُونَ : الإيقان إفعال من اليقين، وهو علم ما يثلج به الصّدر.

 

·            الْجَحِيمِ  : النار إذا شبّ وقودها.

 

·            ﴿ وَقالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمُ الْيَهُودُ. مُجَاهِدٌ: النَّصَارَى، وَرَجَّحَهُ الطَّبَرِيُّ، لِأَنَّهُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الْآيَةِ أَوَّلًا. وَقَالَ الرَّبِيعُ وَالسُّدِّيُّ وقتادة: مشركو العرب([1043]).

 

·            أهل الباطل يجادلون بالباطل، لأن طلبهم الآيات التي يعينونها ما هو إلا تعنت واستكبار، ففي الآيات التي جاءت بها الرسل ما يؤمن على مثلها البشر، ثم إنهم لو جاءت الآيات على ما اقترحوا لم يؤمنوا إذا حقت عليهم كلمة ربهم، لقوله تعالى:﴿ إِنَّالَّذِينَحَقَّتْعَلَيْهِمْكَلِمَةُرَبِّكَلَايُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْجَاءَتْهُمْكُلُّآيَةٍحَتَّىيَرَوُاالْعَذَابَالْأَلِيمَ ﴾([1044]).

 

·            وصف من لم يَنقَدْ للحق بالجهل، لقوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾، فكل إنسان يكابر الحق، وينابذه فإنه أجهل الناس([1045]).

 

·            إن المشركين يقرون بأن الله يتكلم بحرف، وصوت مسموع، لقوله تعالى: ﴿ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللهُ﴾.

 

·            ﴿ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ ﴾ هَلَّا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ r فَنَعْلَمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَنُؤْمِنُ بِهِ، أَوْ يَأْتِينَا بِآيَةٍ تَكُونُ عَلَامَةً عَلَى نُبُوَّتِهِ. والآية: الدلالة والعلامة([1046]).

 

·            ما من رسول إلا وله آية، لأن قولهم: ﴿ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ ﴾ هذا مدَّعى غيرهم، إذ إن من لم يأت بآية لا يلام من لم يصدقه، مثلاً إذا جاء رجل يقول: «أنا رسول الله، آمنوا بي وإلا قتلتكم، واستحللت نساءكم، وأموالكم» فلا نطيعه، ولو أننا أنكرناه لكنا غير ملومين، لكن الرسل تأتي بالآيات، ما من رسول إلا وأعطاه الله تعالى من الآيات ما يؤمن على مثلها البشر، فالله تعالى لا يرسل الرسل، ويتركهم بدون تأييد([1047]).

 

·            أقوال أهل الباطل تتشابه، لقوله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ﴾ وقوله تعالى:﴿ كَذَلِكَمَاأَتَىالَّذِينَمِنْقَبْلِهِمْمِنْرَسُولٍإِلَّاقَالُواسَاحِرٌأَوْمَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْابِهِبَلْهُمْقَوْمٌطَاغُونَ ﴾([1048])([1049]).

 

·            الأقوال تابعة لما في القلوب، لقوله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْتَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾([1050]).

 

·            تشابه قلوب الكفار، لقوله تعالى: ﴿ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ ([1051]).

 

·            ﴿ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ﴾قَالَ الْفَرَّاءُ فِي اتِّفَاقِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ([1052]).

 

·            تسلية الرسول r لأن الإنسان المصاب إذا رأى أن غيره أصيب فإنه يتسلى بذلك، وتخف عليه المصيبة، كما قال تعالى: ﴿ وَلَنْيَنْفَعَكُمُالْيَوْمَإِذْظَلَمْتُمْأَنَّكُمْفِيالْعَذَابِمُشْتَرِكُونَ ﴾([1053])، فالله تعالى يسلي رسوله r بأن هذا القول الذي قيل له قد قيل لمن قبله.

 

·            إبطال دعوى قولهم: ﴿ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ ﴾ في قوله تعالى﴿ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ ﴾.

 

·            لا ينتفع بالآيات إلا الموقنون، لقوله تعالى: ﴿ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾، وأما غير الموقنين فلا تتبين لهم الآيات لما في قلوبهم من الريب والشك([1054]).

 

·            الموقن قد يتبين له من الآيات ما لم يتبين لغيره، ويؤيده قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَاهْتَدَوْازَادَهُمْهُدًىوَآتَاهُمْتَقْوَاهُمْ ﴾([1055]).

 

·            الرد على هؤلاء الذين قالوا: ﴿ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللهُ... ﴾، لقوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ ﴾([1056]).

 

·            إن النبي r رسول صادق، وليس برب، لأن الرسول لا يمكن أن يكون له مقام المرسِل.

 

·            قوله: ﴿بَشِيرًا﴾ أي لمن أطاعك بالسعادة الدنيوية والأخروية، ﴿نَذِيرًا﴾ لمن عصاك بالشقاوة والهلاك الدنيوي والأخروي([1057]).

 

·            رسالة النبي r متضمنة لأمر، ونهي، وتبشير، وإنذار، لقوله تعالى: ﴿ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ﴾.

 

·            ﴿ وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ ﴾جَزْمًا عَلَى النَّهْيِ،  وفيه  نُهِيَ عَنِ السُّؤَالِ عَمَّنْ عَصَى وَكَفَرَ مِنَ الْأَحْيَاءِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَتَغَيَّرُ حَالُهُ فَيَنْتَقِلُ عَنِ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ، وَعَنِ الْمَعْصِيَةِ إِلَى الطَّاعَةِ. وقيل أَنَّهُ نُهِيَ عَنِ السُّؤَالِ عَمَّنْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ وَمَعْصِيَتِهِ، تَعْظِيمًا لِحَالِهِ وَتَغْلِيظًا لِشَأْنِهِ([1058]).

 

·            وظيفة الرسل الإبلاغ، وليسوا مكلفين بعمل الناس، لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ ﴾([1059]).

 

·            ﴿وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ﴾ أي: لست مسئولا عنهم، إنما عليك البلاغ، وعلينا الحساب([1060]).

 

·            بيان عناد اليهود، والنصارى، حيث لا يرضون عن أحد إلا إذا اتبع دينهم.

 

·            إن من كان لا يرضى إلا بذلك فسيحاول إدخال غير اليهود، والنصارى في اليهودية، والنصرانية([1061]).

 

·            ﴿ وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾لَيْسَ غَرَضُهُمْ يَا مُحَمَّدُ بِمَا يَقْتَرِحُونَ مِنَ الْآيَاتِ أَنْ يُؤْمِنُوا، بَلْ لَوْ أَتَيْتَهُمْ بِكُلِ مَا يَسْأَلُونَ لَمْ يَرْضَوْا عَنْكَ، وَإِنَّمَا يُرْضِيهِمْ تَرْكُ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِسْلَامِ وَاتِّبَاعُهُمْ. وَالْمِلَّةُ: اسْمٌ لِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ فِي كُتُبِهِ وَعَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ. فَكَانَتِ الْمِلَّةُ وَالشَّرِيعَةُ سَوَاءٌ([1062]).

 

·            الكفر ملة واحدة، لقوله تعالى: ﴿ مِلَّتَهُمْ ﴾، وهو باعتبار مضادة الإسلام ملة واحدة، أما باعتبار أنواعه فإنه ملل: اليهودية ملة، والنصرانية ملة، والبوذية ملة، وهكذا بقية الملل، ولكن كل هذه الملل باعتبار مضادة الإسلام تعتبر ملة واحدة، لأنه يصدق عليها اسم الكفر، فتكون جنساً، والملل أنواعاً([1063]).

 

·            ﴿ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى ﴾الْمَعْنَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ يَا مُحَمَّدُ مِنْ هُدَى اللَّهِ الْحَقِّ الَّذِي يَضَعُهُ فِي قَلْبِ مَنْ يَشَاءُ هُوَ الْهُدَى الْحَقِيقِيُّ، لَا مَا يَدَّعِيهِ هَؤُلَاءِ([1064]).

 

·            الرد على أهل الكفر بهذه الكلمة: ﴿ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى ﴾، والمعنى: إن كان معكم هدى الله فأنتم مهتدون، وإلا فأنتم ضالون([1065]).

 

·            إن ما عدا هدى الله ضلال، قال الله تعالى: ﴿ فَمَاذَابَعْدَالْحَقِّإِلَّاالضَّلَالُفَأَنَّىتُصْرَفُونَ ﴾([1066])، فكل ما لا يوافق هدى الله فإنه ضلال، وليس ثمة واسطة بين هدى الله، والضلال([1067]).

 

·            إن البدع ضلالة، لقوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى ﴾، وقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّاأَوْإِيَّاكُمْلَعَلَىهُدًىأَوْفِيضَلَالٍمُبِينٍ ﴾([1068])، فليس بعد الهدى إلا الضلال، ولقول النبي r: «كل بدعة ضلالة»  ([1069]).

 

·            ﴿ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ ﴾الْأَهْوَاءُ جَمْعُ هَوًى.وَسَبَبُ الْآيَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَ المسالمة والهدية، وَيَعِدُونَ النَّبِيَّ r بِالْإِسْلَامِ، فَأَعْلَمَهُ اللَّهُ أَنَّهُمْ لَنْ يَرْضَوْا عَنْهُ حَتَّى يتبع ملتهم، وأمره بجهادهم([1070]).

 

·            ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾ فهذا فيه النهي العظيم، عن اتباع أهواء اليهود والنصارى، والتشبه بهم فيما يختص به دينهم، والخطاب وإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أمته داخلة في ذلك، لأن الاعتبار بعموم المعنى لا بخصوص المخاطب، كما أن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب([1071]).

 

·            أن ما عليه اليهود والنصارى ليس ديناً، بل هو هوى، لقوله تعالى: ﴿أهواءهم﴾، ولم يقل ملتهم كما في الأول، ففي الأول قال تعالى: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾، لأنهم يعتقدون أنهم على ملة، ودين، ولكن بيَّن الله تعالى أن هذا ليس بدين، ولا ملة، بل هوى، وليسوا على هدًى، إذ لو كانوا على هدى لوجب على اليهود أن يؤمنوا بالمسيح عيسى بن مريم، ولوجب عليهم جميعاً أن يؤمنوا بمحمد r لكن دينهم هوى، وليس هدًى، وهكذا كل إنسان يتبع غير ما جاءت به الرسل ــــ عليهم الصلوات والسلام ــــ، ويتعصب له، فإن ملته هوى، وليست هدًى([1072]).

 

·            إن من اتبع الهوى بعد العلم فهو أشد ضلالة، لقوله تعالى: ﴿ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ... ﴾.

 

·            إن ما جاء إلى الرسول سواء كان القرآن، أو السنة فهو علم، فالنبي r  كان أمياً ــــ لا يقرأ، ولا يكتب ــــ، كما قال تعالى: ﴿ وَمَاكُنْتَتَتْلُومِنْقَبْلِهِمِنْكِتَابٍوَلَاتَخُطُّهُبِيَمِينِكَ ﴾([1073])، ولكن الله تعالى أنزل عليه هذا الكتاب حتى صار بذلك نبياً جاء بالعلم النافع، والعمل الصالح.

 

·            إن من أراد الله به سوءاً فلا مرد له، لقوله تعالى: ﴿ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ ([1074]).

 

·            إذا اتبعت غير شريعة الله فلا أحد يحفظك من الله، ولا أحد ينصرك من دونه ــــ حتى لو كثر الجنود عندك، ولو كثرت الشُرَط، ولو اشتدت القوة ــــ، لأن النصر والولاية تكون بالهداية باتباع هدى الله عزّ وجلّ، كما قال تعالى: ﴿ الَّذِينَآمَنُواوَلَمْيَلْبِسُواإِيمَانَهُمْبِظُلْمٍأُولَئِكَلَهُمُالْأَمْنُوَهُمْمُهْتَدُونَ ﴾([1075]) فالأمن إنما يكون بالإيمان، وعدم الظلم.

 

·            يجب تعلق القلب بالله خوفاً، ورجاءً، لأنك متى علمت أنه ليس لك وليّ، ولا نصير فلا تتعلق إلا بالله، فلا تعلق قلبك أيها المسلم إلا بربك([1076]).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسمالخامس والثلاثون: الآية 121-123

 

 

 

الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            حَقَّ تِلَاوَتِهِ: يفهمون أسراره، ويفقهون حكمة تشريعه.

 

·            تَجْزِي : تقضي.

 

·            عَدْلٌ : فدية.

 

·            ﴿ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ ﴾قَالَ قَتَادَةُ: هُمْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ r، وَالْكِتَابُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الْقُرْآنُ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُمْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَالْكِتَابُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ: التوراة، والآية تعم([1077]).

 

·            إن من خالف القرآن في شيء كان ذلك دليلاً على نقص إيمانه، لقوله تعالى: ﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾، فمعنى ذلك: إذا لم يتلوه حق تلاوته فإنهم لم يؤمنوا به، بل نقص من إيمانهم بقدر ما نقص من تلاوتهم له([1078]).

 

·            ﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ﴾ يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ، بِاتِّبَاعِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، فَيُحَلِّلُونَ حَلَالَهُ، وَيُحَرِّمُونَ حَرَامَهُ، وَيَعْمَلُونَ بِمَا تَضَمَّنَهُ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ. وهو قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُمُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِمُحْكَمِهِ، وَيُؤْمِنُونَ بِمُتَشَابِهِهِ، وَيَكِلُونَ مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ إِلَى عَالِمِهِ([1079]).

 

·            إن تلاوة القرآن نوعان، تلاوة حق، وتلاوة ناقصة ليست تامة، فالتلاوة الحق أن يكون الإنسان تالياً للفظه، ولمعناه عاملاً بأحكامه مصدقاً بأخباره، فمن استكبر أو جحد فإنه لم يتله حق تلاوته([1080]).

 

·            ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ﴾ أي: يتبعونه حق اتباعه، والتلاوة: الاتباع، فيحلون حلاله،ويحرمون حرامه، ويعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، وهؤلاء هم السعداء من أهل الكتاب، الذين عرفوا نعمة الله وشكروها([1081]).

 

·            طريق الهداية في تلاوة كتاب الله حق تلاوته بأن يجوده قراءة ويتدبره هداية ويؤمن بحكمه ومتشابهه، ويحلل حلاله ويحرم حرامه، ويقيم حدوده كما يقيم حروفه([1082]).

 

·            إن الكافر بالقرآن مهما أصاب من الدنيا فهو خاسر، لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾([1083]).

 

·            علوّ مرتبة من يتلون الكتاب حق تلاوته، للإشارة إليهم بلفظ البعيد: ﴿ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾([1084]).

 

·            لا يحصل المسلم على رضا اليهود والنصارى إلا بالكفر بالإسلام واتباع دينهم الباطل وهذا ما لا يكون للمسلم أبداً، فلذا طلب رضا اليهود والنصارى محرم لا يحل أبداً([1085]).

 

·            إن ذلك اليوم لا تغني نفس عن نفس شيئاً، حتى الوالد لا يجزي عن ولده شيئاً، ولا المولود يجزي عن والده شيئاً، كما قال تعالى:﴿ وَاخْشَوْايَوْمًالَايَجْزِيوَالِدٌعَنْوَلَدِهِوَلَامَوْلُودٌهُوَجَازٍعَنْوَالِدِهِشَيْئًا ﴾([1086]).

 

·            من استحق العذاب ذلك اليوم لا يُقبل منه عدل، قال تعالى:﴿ إِنَّالَّذِينَكَفَرُوالَوْأَنَّلَهُمْمَافِيالْأَرْضِجَمِيعًاوَمِثْلَهُمَعَهُلِيَفْتَدُوابِهِمِنْعَذَابِيَوْمِالْقِيَامَةِمَاتُقُبِّلَمِنْهُمْوَلَهُمْعَذَابٌأَلِيمٌ ﴾([1087]).

 

·            ثبوت أصل الشفاعة في ذلك اليوم، لقوله تعالى: ﴿ لَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ ﴾، وثبت أن النبي r يشفع في أهل الموقف أن يُقضى بينهم ([1088])، وأنه r يشفع في أهل الكبائر أن لا يدخلوا النار،وفيمن دخل النار أن يخرج منها، فعلى هذا يكون العموم في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ ﴾ مخصوصاً بما ثبتت به السنة من الشفاعة([1089]).

 

·            استحالة الفداء يوم القيامة، وتعذر وجود شافع يشفع لمن مات على الشرك لا بإخراجه من النار، ولا بتخفيف العذاب عنه([1090]).

 

·            إن الكافرين لا تنفعهم الشفاعة، لقوله تعالى في آية أخرى:﴿ فَمَاتَنْفَعُهُمْشَفَاعَةُالشَّافِعِينَ ﴾ ([1091]).

 

·            لا ينصر أحد أحداً من عذاب الله، لقوله تعالى: ﴿ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ ([1092]).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسمالسادس والثلاثون: الآية 124-125

 

 

 

وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

·            ابْتَلَى : الابتلاء : الاختبار والامتحان.

 

·            بِكَلِمَاتٍ : بأوامر الله ونواهيه.

 

·            فَأَتَمَّهُنَّ : أدّاهن وقام بهن على وجه الكمال.

 

·            إِمَامًا : رسولاً يقتدي بك الناس.

 

·            الْبَيْتَ : بيت الله الحرام في مكة المكرمة.

 

·            أَمْنًا : موضع أمان.

 

·            مَثابَةً لِلنَّاسِ : مرجعا لهم يثوبون إليه أي يرجعون إليه في حجّهم وعمرتهم كل عام.

 

·            عَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ  : أي أوصيناه وأمرناه.

 

·            الْعاكِفِينَ  : المقيمين، ومنه الاعتكاف وهو الإقامة في المسجد على الصلاة والذّكر لله U.

 

·            في قوله تعالى ﴿ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ﴾ تشريف له u وإِيذان بأن ذلك الابتلاء تربية له وترشيح لأمر خطير، والمعنى عامله سبحانه معاملة المختبر حيث كلفه بأوامر ونواهي يظهر بها استحقاقه للإِمامة العظمى([1093]).

 

·            قد يبتلي الله بعض العباد بتكليفات خاصة، لقوله تعالى: ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ ﴾ وكما أنه يبتلي بعض العباد بتكليفات خاصة شرعية، فإنه قد يبتليهم بأحكام كونية، مثل: مرض، مصائب في المال، أو في الأهل، وما أشبه ذلك([1094]).

 

·            ﴿ بِكَلِماتٍ ﴾الْكَلِمَاتُ جَمْعُ كَلِمَةٍ، وَيَرْجِعُ تَحْقِيقُهَا إِلَى كَلَامِ الْبَارِي تَعَالَى، لَكِنَّهُ عَبَّرَ عَنْهَا عَنِ الْوَظَائِفِ الَّتِي كُلِّفَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَمَّا كَانَ تَكْلِيفُهَا بِالْكَلَامِ سُمِّيَتْ بِهِ، كَمَا سُمِّيَ عِيسَى كَلِمَةً، لِأَنَّهُ صَدَرَ عَنْ كَلِمَةٍ وَهِيَ﴿ كُنْ﴾ والْكَلِمَاتِ: شَرَائِعُ الْإِسْلَامِ.قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا ابْتَلَى اللَّهُ أَحَدًا بِهِنَّ فَقَامَ بِهَا كُلِّهَا إِلَّا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ابْتُلِيَ بِالْإِسْلَامِ فَأَتَمَّهُ فَكَتَبَ اللَّهُ لَهُ الْبَرَاءَةَ فَقَالَ ﴿ وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾([1095])وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِأَدَاءِ الرِّسَالَةِ([1096]).

 

·            ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ﴾كما هي عادة الله في ابتلائه لعباده، ليتبين الكاذب الذي لا يثبت عند الابتلاء والامتحان من الصادق، الذي ترتفع درجته، ويزيد قدره، ويزكو عمله، ويخلص ذهبه، وكان من أجلِّهم في هذا المقام، الخليل u([1097]).

 

·            ﴿ وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ﴾ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ

ابن طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِالطَّهَارَةِ، خَمْسٌ فِي الرَّأْسِ وَخَمْسٌ فِي الْجَسَدِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَالْمَضْمَضَةُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ، وَالسِّوَاكُ، وَفَرْقُ الشَّعْرِ. وَفِي الْجَسَدِ: تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَالِاخْتِتَانُ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَغَسْلُ مَكَانِ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ بِالْمَاءِ([1098]).

 

·            فضيلة إبراهيم r، لقوله تعالى: ﴿ رَبُّهُ ﴾ حيث أضاف ربوبيته إلى إبراهيم ــــ وهي ربوبية خاصة.

 

·            «الكلمات التي ابتلى الله بهن إِبراهيم فأتمهن: فراق قومه في الله حين أمر بمفارقتهم، ومحاجة نمرود في الله، وصبره على قذفهم إِياه في النار ليحرفوه، والهجرة من وطنه حين أمر بالخروج عنهم، وما ابتلى به من ذبح ابنه حين أمر بذبحه» ([1099]).

 

·            ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ أي: يقتدون بك في الهدى، ويمشون خلفك إلى سعادتهم الأبدية، ويحصل لك الثناء الدائم، والأجر الجزيل، والتعظيم من كل أحد([1100]).

 

·            ﴿ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ﴾ الْإِمَامُ: الْقُدْوَةُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِخَيْطِ الْبِنَاءُ: إِمَامٌ، وَلِلطَّرِيقِ: إِمَامٌ، لِأَنَّهُ يُؤَمُّ فِيهِ لِلْمَسَالِكِ، أَيْ يُقْصَدُ. فَالْمَعْنَى: جَعَلْنَاكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا يَأْتَمُّونَ بِكَ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ، وَيَقْتَدِي بِكَ الصَّالِحُونَ([1101]).

 

·            ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾: أي تأتمّ بك الناس فيتّبعونك ويأخذون عنك، وبهذا سمّي الإمام إماما لأن الناس يؤمّون أفعاله، أي يقصدونها ويتّبعونها ([1102]).

 

·            القيام بالتكاليف الشرعية قولاً وعملاً يؤهل لأن يكون صاحبه قدوة صالحة للناس([1103]).

 

·            الذّرّيّة: أولاده وأولاد الأولاد([1104]).

 

·            ﴿ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ﴾ دُعَاءٌ عَلَى جِهَةِ الرَّغْبَاءِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ مِنْ ذُرِّيَّتِي يَا رَبِّ فَاجْعَلْ. وَقِيلَ: هَذَا مِنْهُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِفْهَامِ عَنْهُمْ، أَيْ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي يَا رَبِّ مَاذَا يَكُونُ؟([1105]).

 

·            ينبغي للإنسان أن يدعو لذريته بالإمامة، والصلاح، لقوله تعالى: ﴿ قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ﴾، وإبراهيم طلب أن يكون من ذريته أئمة، وطلب أن يكون من ذريته من يقيم الصلاة: ﴿ رَبِّاجْعَلْنِيمُقِيمَالصَّلَاةِوَمِنْذُرِّيَّتِي ﴾([1106]).

 

·            المراد من الإِمامة في الآية الكريمة «الإِمامة في الدين» وهي النبوة التي حرمها الظالمون، ولو كانت الإِمامة الدنيوية لخالف ذلك الواقع إِذ نالها كثير من الظالمين، فظهر أن المراد الإِمامة في الدين خاصة([1107]).

 

·            ﴿لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ أي: لا ينال الإمامة في الدين، من ظلم نفسه وضرها، وحط قدرها، لمنافاة الظلم لهذا المقام، فإنه مقام آلته الصبر واليقين، ونتيجته أن يكون صاحبه على جانب عظيم من الإيمان والأعمال الصالحة، والأخلاق الجميلة([1108]).

 

·            الظالم لا يستحق أن يكون إماماً، والمراد: الظلم الأكبر ــــ الذي هو الكفر ــــ، لقوله تعالى: ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ ([1109]).

 

·            ﴿ لَا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾أَخْبَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ فِيهِمْ عَاصِيًا وَظَالِمًا لَا يَسْتَحِقُّ الْإِمَامَةَ.  وأَصْلُ ذُرِّيَّةٍ، فِعْلِيَّةٌ مِنَ الذَّرِّ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْرَجَ الْخَلْقَ مِنْ صُلْبِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَالذَّرِّ حِينَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. وَقِيلَ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ ذَرَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ يَذْرَؤُهُمْ ذَرْءًا خَلَقَهُمْ. واخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْعَهْدِ، فَرَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ النُّبُوَّةُ، وَقَالَهُ السُّدِّيُّ. مُجَاهِدٌ: الْإِمَامَةُ. قَتَادَةُ: الْإِيمَانُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الظَّالِمُ هُنَا الْمُشْرِكُ([1110]).

 

·            ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ﴾ أي: مرجعا يثوبون إليه، لحصول منافعهم الدينية والدنيوية، يترددون إليه، ولا يقضون منه وطرا([1111]).

 

·            فضيلة البيت الحرام من وجهين: أنه مثابة، وأمن([1112]).

 

·            ﴿أَمْنًا﴾ يأمن به كل أحد، حتى الوحش، وحتى الجمادات كالأشجار([1113]).

 

·            ينبغي أن يكون كل مكان مثابة للناس أمناً، ولهذا كره أهل العلم أن يحمل السلاح في المساجد، قالوا: لأن المساجد محل أمن، لكن إذا كان المراد من حمل السلاح حفظ الأمن كان مأموراً به([1114]).

 

·            وجوب اتخاذ المصلى من مقام إبراهيم، لقوله تعالى: ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾([1115]).

 

·            ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ وهو المقام المعروف الذي قد جعل الآن، مقابل باب الكعبة، وأن المراد بهذا، ركعتا الطواف، يستحب أن تكونا خلف مقام إبراهيم، وعليه جمهور المفسرين([1116]).

 

·            ﴿مُصَلًّى﴾ أي: معبدا، أي: اقتدوا به في شعائر الحج.

 

·            وجوب تطهير البيت من الأرجاس الحسية، والمعنوية، لقوله تعالى: ﴿ وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا ﴾([1117]).

 

·            ﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ﴾ أي: أوحينا إليهما، وأمرناهما بتطهير بيت الله من الشرك، والكفر والمعاصي، ومن الرجس والنجاسات  والأقذار([1118]).

 

·            اشتراط طهارة مكان الطواف، لقوله تعالى: ﴿ لِلطَّائِفِينَ﴾.

 

·            اشتراط طهارة لباس الطائفين من باب أولى، وأنه لا يجوز أن يطوف بثوب نجس، لأن ملابسة الإنسان للثياب ألصق من ملابسته للمكان([1119]).

 

·            ﴿طَهِّرَا بَيْتِيَ﴾وأضاف الباري البيت إليه لفوائد، منها: أن ذلك يقتضي شدة اهتمام إبراهيم وإسماعيل بتطهيره، لكونه بيت الله، فيبذلان جهدهما، ويستفرغان وسعهما في ذلك.

 

ومنها: أن الإضافة تقتضي التشريف والإكرام، ففي ضمنها أمر عباده بتعظيمه وتكريمه.

 

ومنها: أن هذه الإضافة هي السبب الجاذب للقلوب إليه([1120]).

 

·            الطواف لا يكون إلا حول الكعبة، لقوله تعالى: ﴿ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ ﴾([1121]).

 

·            من اسرار البيان أن يكون التقديم بحسب الكثرة والقلة فقد يرتب المذكورات متدرجاً من القلة إلى الكثرة حسبما يقتضيه المقام وذلك نحو قوله ﴿أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾فكل طائفة هي أقل من التي بعدها فتدرج من القلة إلى الكثرة. فالطائفون أقل من العاكفين لأن الطواف لا يكون إلا حول الكعبة. والعكوف يكون في المساجد عموماً والعاكفون أقل من الراكعين لأن الركوع أي الصلاة تكون في كل أرض طاهرة أما العكوف فلا يكون إلا في المساجد. والراكعون أقل من الساجدين وذلك لأن لكل ركعة سجدتين ثم إن كل راكع لا بد أن يسجد وقد يكون سجود ليس فيه ركوع كسجود التلاوة وسجود الشكر فهو هنا تدرج من القلة إلى الكثرة. ولهذا التدرج سبب اقتضاه المقام فإن الكلام على بيت الله الحرام. قال تعالى (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ  فالطائفون هم ألصق المذكورين بالبيت لأنهم يطوفون حوله، فبدأ بهم ثم تدرج إلى العاكفين في هذا البيت أو في بيوت الله عموماً ثم الركع السجود الذين يتوجهون إلى هذا البيت في ركوعهم وسجودهم في كل الأرض([1122]).

 

 

 

 

 

تم الجزء الاول ويليه الثاني بإذن الله تعالى

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

([1])  سورة آل عمران : الآية 102.

 

([2])  سورة النساء: الآية 1.

 

([3])  سورة الأحزاب: الآيتان 70ــ71.

 

[4] التفسير القرآني للقرآن/ عبد الكريم يونس الخطيب (المتوفى: بعد 1390هـ)، دار الفكر العربي - القاهرة، 1/23

 

([5])  هو صديّ بن عجلان بن وهب الباهلي،(ت 81هـ)، صحابي شهد مع الرسول جميع الغزوات سوى بدر، آخر من مات من الصحابة بالشام، له في الصحيحين 250 حديثاً. انظر: أسد الغابة في معرفة الصحابة 6/14.

 

[6] أي قطيعان وجماعتان. (صواف) جمع (صافة) وهي من الطيور ما يبسط أجنحتها في الهواء.

 

[7]هو ابن سلام أحد رجال هذا الحديث.

 

([8])  عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب( 32هـ)، أبو عبد الرحمن الهذلي الإمام الحبر فقيه الأمة، من السابقين الأولين، أول من جهر بالقرآن، هاجر الهجرتين، وشهد بدراً وجميع الغزوات. انظر: أسد الغابة في معرفة الصحابة  3/381.

 

[9]البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ أبو العباس أحمد بن محمد بن المهدي بن عجيبة الحسني الأنجري الفاسي الصوفي (المتوفى: 1224هـ)، تحقيق: أحمد عبد الله القرشي رسلان، الناشر: الدكتور حسن عباس زكي – القاهرة، 1419 هـ، 1/71

 

([10])  خالد بن معدان بن أبي كرب الكلاعي( ت104هـ)، تابعي، ثقة، أصله من اليمن، وإقامته في حمص، تولى شرطة يزيد بن معاوية. ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق13/378ــ384.

 

[11]التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد»/ محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى : 1393هـ)، الدار التونسية للنشر – تونس، 1984 هـ، 1/201.

 

([12])   تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي 8/181.

 

([13])الإتقان في علوم القرآن 1/119.

 

([14])  مختار الصحاح،  ص249.

 

([15])  سورة الشورى: الآية 53.

 

([16])  صفوة التفاسير 1/26.

 

([17]) تفسير ابن عثيمين1/28.

 

([18])  ايسر التفاسير 1/20.

 

([19]) تفسير ابن عثيمين1/28.

 

([20]) سورة الحج: الآية 7.

 

([21])  الموسوعة القرآنية وخصائص السور1/261.

 

([22]) سورة النازعات: الآية 45.

 

([23])  الموسوعة القرآنية وخصائص السور1/261.

 

([24]) تفسير ابن عثيمين1/29

 

([25]) في ظلال القرآن1/ 40.

 

([26])  التفسير المنير 1/  75.

 

([27]) في ظلال القرآن1/40.

 

([28]) سورة البقرة: الآية 185.

 

([29]) سورة فصلت: الآية17.

 

([30]) سورة فصلت: الآية44.

 

([31]) في ظلال القرآن1/ 41.

 

([32])  صفوة التفاسير 1/26.

 

([33])  تفسير القرطبي 1/184.

 

([34]) تفسير ابن عثيمين1/36.

 

([35])  التفسير المنير 1/  78.

 

([36])  تفسير القرطبي 1/186.

 

([37]) تفسير ابن عثيمين1/37.

 

([38])  التفسير المنير 1/  78.

 

([39])  ايسر التفاسير 1/23.

 

([40]) تفسير ابن عثيمين1/38.

 

([41])سورة  البقرة: الآية7.

 

([42]) سورة  الجاثية: الآية 23.

 

([43])سورة  البقرة: الآية10.

 

([44]) سورة  الجاثية: الآية 7ــ8.

 

([45])سورة  البقرة: الآيتان 6ــ7.

 

([46]) سورة  الجاثية: الآية 23.

 

([47]) سورة  الحج: الآية 46.

 

([48])اسرار البيان في التعبير القرآني ص44.

 

([49]) سورة يونس: الآيتان96ــ 97.

 

([50]) سورة الزمر: الآية19.

 

([51]) تفسير ابن عثيمين1/38.

 

([52])  سورة النور: الآية 2.

 

([53])  تفسير القرطبي 1/192.

 

([54]) في ظلال القرآن1/ 42.

 

([55])  تفسير القرطبي 1/195.

 

([56])التبيان في تفسير غريب القرآن، ص49.

 

([57]) تفسير ابن عثيمين1/40.

 

([58])  تفسير القرطبي 1/195.

 

([59]) في ظلال القرآن1/ 42.

 

([60]) تفسير ابن عثيمين1/40.

 

([61])  تفسير القرطبي 1/196.

 

([62]) سورة المنافقون: الآية 4.

 

([63])  تفسير القرطبي 1/196.

 

([64])في ظلال القرآن 1/43.

 

([65])  تفسير ابن عثيمين 1/41.

 

([66])  سورة الحديد: الآية 13.

 

([67])  صفوة التفاسير 1/32.

 

([68])  تفسير القرطبي 1/197.

 

([69]) سورة النساء: الآية 137.

 

([70]) سورة المنافقون: الآية 3.

 

([71])  تفسير القرطبي 1/197.

 

([72]) سورة الصف: الآية 5.

 

([73]) سورة الأنعام: الآية 110.

 

([74]) سورة المائدة: الآية 49.

 

([75])  تفسير ابن عثيمين 1/44.

 

([76])  صحيح البخاري 1/16، حديث (33).

 

([77])  تفسير ابن عثيمين 1/45.

 

([78])  تفسير ابن عثيمين 1/47.

 

([79])  ايسر التفاسير 1/26.

 

([80])  تفسير ابن عثيمين 1/48.

 

([81])  سورة فاطر: الآية 8.

 

([82])  تفسير ابن عثيمين 1/48.

 

([83])  صفوة التفاسير 1/32.

 

([84])  ايسر التفاسير 1/26.

 

([85])  تفسير ابن عثيمين 1/49.

 

([86])  سورة البقرة: الآية 15.

 

([87])  سورة البقرة: الآية 130.

 

([88])  تفسير ابن عثيمين 1/52.

 

([89])  التفسير المنير 1/  85.

 

([90])  احكام القرآن للجصاص 1/29

 

([91])تفسير ابن عثيمين 1/54.

 

([92])فإن قال قائل: كيف يعرف الفرق بين النعم التي يجازى بها العبد، والنعم التي يستدرج بها العبد؟

فالجواب: أن الإنسان إذا كان مستقيماً على شرع الله فالنعم من باب الجزاء، وإذا كان مقيماً على معصية الله مع توالي النعم فهي استدراج.

 

([93])سورة الحجرات: الآية 1.

 

([94])  ايسر التفاسير 1/28.

 

([95])تفسير ابن عثيمين 1/61.

 

([96])سورة العصر: الآيات 1ــ3.

 

([97])سورة الصف: الآيتان 10ــ11.

 

([98])تفسير ابن عثيمين 1/61.

 

([99])  التفسير المنير 1/  88.

 

([100])  تفسير القرطبي 1/213.

 

([101])  صفوة التفاسير 1/33.

 

([102])  سورة النساء: الآية 145.

 

([103])  سورة الحديد: الآية 13.

 

([104])  تفسير القرطبي 1/213.

 

([105])تفسير ابن عثيمين 1/65.

 

([106])سورة العنكبوت: الآية 43.

 

([107])تفسير ابن عثيمين 1/64.

 

([108])سورة المنافقون: الآية 3.

 

([109])  تفسير القرطبي 1/215.

 

([110])سورة الأنفال: الآية 21.

 

([111])  تفسير القرطبي 1/215.

 

([112])تفسير ابن عثيمين 1/66.

 

([113])  تفسير القرطبي 1/217.

 

([114])  أخرجه الحاكم في مستدركه، حديث رقم (7772) وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ "

 

([115])  تفسير القرطبي 1/218.

 

([116])  التفسير المنير1/92.

 

([117])  تفسير القرطبي 1/219.

 

([118])  تفسير ابن عثيمين 1/72.

 

([119])  تفسير القرطبي 1/221.

 

([120])  تفسير ابن عثيمين 1/72.

 

([121])  تفسير القرطبي 1/223.

 

([122])  تفسير ابن عثيمين 1/72.

 

([123])  تفسير القرطبي 1/223.

 

([124])  تفسير ابن عثيمين 1/71.

 

([125])  تفسير القرطبي 1/224.

 

([126])  اخرجه الترمذي في سننه،  رقم الحديث (3502)، وحسنه الشيخ الألباني.

 

([127])  تفسير القرطبي 1/224.

 

([128])  ايسر التفاسير 1/33.

 

([129])  اسماء الله الحسنى، محمد راتب النابلسي http://b.m93b.com/

 

([130])  تفسير القرطبي 1/225.

 

([131])  صفوة التفاسير 1/37.

 

([132])التبيان في تفسير غريب القرآن، ص57.

 

([133])  تفسير ابن عثيمين 1/73.

 

([134])  سورة الذاريات:الآية 56.

 

([135])  تفسير ابن عثيمين 1/73.

 

([136])  سورة لقمان:الآية 32.

 

([137])  تفسير ابن عثيمين 1/74.

 

([138])  تفسير القرطبي 1/226.

 

([139])  تفسير ابن عثيمين 1/74.

 

([140])  تفسير القرطبي 1/226.

 

([141])  تفسير ابن عثيمين 1/74.

 

([142])  تفسير القرطبي 1/227.

 

([143])  تفسير السعدي 1/44.

 

([144])  تفسير ابن عثيمين 1/74.

 

([145])  تفسير السعدي 1/44.

 

([146])  تفسير ابن عثيمين 1/77.

 

([147])  تفسير السعدي 1/44.

 

([148])  التفسير المنير1/98.

 

([149])  سورة الذاريات:الآية 47.

 

([150])  تفسير السعدي 1/44.

 

([151])  تفسير ابن عثيمين 1/77.

 

([152])  تفسير السعدي 1/44.

 

([153])  تفسير ابن عثيمين 1/78.

 

([154])  تفسير السعدي 1/44.

 

([155])  تفسير ابن عثيمين 1/78.

 

([156])  تفسير السعدي 1/44.

 

([157])  تفسير ابن عثيمين 1/78.

 

([158])  سورة الحج: الآية 63.

 

([159])  تفسير ابن عثيمين 1/79.

 

([160])  الموسوعة القرآنية وخصائص السور1/262.

 

([161])  تفسير القرطبي 1/231.

 

([162])  قال القرطبي:ويدخل في معنى الاحتطاب جميع الأشغال من الصنائع وغيرها، فمن أحوج نفسه إلى بشر مثله، بسبب الحرص والأمل، والرغبة في زخرف الدنيا، فقد أخذ بطرف من جعل للّه ندّا.

 

([163])  سورة الزمر: الآية 3.

 

([164])  ايسر التفاسير 1/35.

 

([165])  تفسير السعدي 1/45.

 

([166])  صفوة التفاسير 1/37.

 

([167])  تفسير القرطبي 1/231.

 

([168])  تفسير السعدي 1/45.

 

([169])  تفسير القرطبي 1/231.

 

([170])  صفوة التفاسير 1/37.

 

([171])  تفسير القرطبي 1/234.

 

([172])  صفوة التفاسير 1/37.

 

([173])  تفسير السعدي 1/45.

 

([174])  تفسير ابن عثيمين 1/83.

 

([175])  تفسير القرطبي 1/231.

 

([176])  تفسير السعدي 1/45.

 

([177])  تفسير القرطبي 1/232.

 

([178])  أخرجه البخاري في صحيحه، حديث رقم (1417).

 

([179])  تفسير ابن عثيمين 1/85.

 

([180])  تفسير السعدي 1/45.

 

([181])  تفسير القرطبي 1/234.

 

([182])  تفسير ابن عثيمين 1/85.

 

([183])  تفسير القرطبي 1/235.

 

([184])  تفسير ابن عثيمين 1/85.

 

([185])  تفسير القرطبي 1/236.

 

([186])  التفسير المنير 1/102.

 

([187])  تفسير السعدي 1/45.

 

([188])  تفسير ابن عثيمين 1/88.

 

([189])  سورة الانعام: الآية 115.

 

([190])تفسير القرطبي 1/238.

 

([191])تفسير السعدي 1/46.

 

([192])تفسير القرطبي 1/238.

 

([193])تفسير السعدي 1/46.

 

([194])  سورة الصافات: الآية 112.

 

([195])  سورة الذاريات: الآية 28.

 

([196])  سورة الصافات: الآية 101.

 

([197])  تفسير ابن عثيمين 1/93.

 

([198])تفسير القرطبي 1/239.

 

([199])تفسير السعدي 1/46.

 

([200])  سورة الرحمن: الآية 46.

 

([201])  سورة الرحمن: الآية 62.

 

([202])تفسير القرطبي 1/240.

 

([203])تفسير السعدي 1/46.

 

([204])  تفسير ابن عثيمين 1/94.

 

([205])تفسير القرطبي 1/240.

 

([206])  سورة الزخرف: الآية 71.

 

([207])تفسير السعدي 1/46.

 

([208]) سورة  البقرة: الآية 25.

 

([209]) سورة  الأحزاب: الآية 47.

 

([210])﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ (سورة الأحزاب 41 - 46)

 

([211])اسرار البيان في التعبير القرآني ص81.

 

([212])تفسير السعدي 1/46.

 

([213])تفسير القرطبي 1/241.

 

([214])  تفسير ابن عثيمين 1/95.

 

([215])تفسير السعدي 1/46.

 

([216])تفسير القرطبي 1/242.

 

([217])التبيان في تفسير غريب القرآن، ص61.

 

([218]) اخرجه ابن حبان في صحيحه، حديث رقم (876).

 

([219])تفسير ابن عثيمين 1/99.

 

([220])تفسير السعدي 1/47.

 

([221])تفسير ابن عثيمين 1/96.

 

([222])تفسير القرطبي 1/243.

 

([223])تفسير ابن عثيمين 1/99.

 

([224])تفسير المنير 1/113.

 

([225])تفسير ابن عثيمين 1/96.

 

([226])تفسير السعدي 1/47.

 

([227])سورة الاعراف: الآيتان121ــ 122.

 

([228])سورة مريم: الآية 93.

 

([229])سورة الفرقان: الآية 1.

 

([230])تفسير ابن عثيمين 1/99.

 

([231])تفسير القرطبي 1/244.

 

([232])تفسير السعدي 1/47.

 

([233])تفسير ابن عثيمين 1/100.

 

([234])التفسير المنير 1/115.

 

([235])تفسير ابن عثيمين 1/100.

 

([236])تفسير القرطبي 1/244.

 

([237])سورة الصف: الآية 5.

 

([238])تفسير القرطبي 1/246.

 

([239])تفسير السعدي 1/47.

 

([240])سورة الحجرات: الآية 6.

 

([241])تفسير السعدي 1/47.

 

([242])تفسير ابن عثيمين 1/101.

 

([243])تفسير القرطبي 1/247.

 

([244])تفسير ابن عثيمين 1/102.

 

([245])تفسير القرطبي 1/247.

 

([246])تفسير السعدي 1/47.

 

([247])أخرجه البخاري:8/5 كتاب الأدب، باب 11: إثم القاطع، حديث رقم 5984.

 

([248])تفسير القرطبي 1/247.

 

([249])تفسير ابن عثيمين 1/102.

 

([250])سورة الروم: الآية 41.

 

([251])أخرجه البخاري: 4/138، كتاب أحاديث الأنبياء، باب 7: قصة يأجوج ومأجوج، حديث رقم 3346.

 

([252])تفسير ابن عثيمين 1/105.

 

([253])تفسير القرطبي 1/248.

 

([254])تفسير السعدي 1/47.

 

([255])تفسير ابن عثيمين 1/106.

 

([256]) سورة النحل: الآية 21.

 

([257])تفسير القرطبي 1/249.

 

([258])تفسير ابن عثيمين 1/106.

 

([259])هذه ثمانية أدلة على قدرة الله على إحياء العظام وهي رميم جمعها الله عزّ وجلّ في موضع واحد من سورة يس

الدليل الأول: قوله تعالى: ﴿قل يحييها الذي أنشأها أول مرة﴾ [يس: 79]: هذا دليل على أنه يمكن أن يحيي العظام وهي رميم، وقوله تعالى: ﴿أنشأها أول مرة﴾ دليل قاطع، وبرهان جليّعلى إمكان إعادته كما قال الله تعالى: ﴿وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه﴾ [الروم: 27]..

 

الدليل الثاني: قوله تعالى: ﴿وهو بكل خلق عليم﴾ [يس: 79] يعني: كيف يعجز عن إعادتها وهو سبحانه وتعالى بكل خلق عليم: يعلم كيف يخلق الأشياء، وكيف يكونها، فلا يعجز عن إعادة الخلق..

الدليل الثالث: قوله تعالى: ﴿الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون﴾ [يس: 80]: الشجر الأخضر فيه البرودة، وفيه الرطوبة، والنار فيها الحرارة، واليبوسة، هذه النار الحارة اليابسة تخرج من شجر بارد رطب، وكان الناس فيما سبق يضربون أغصاناً من أشجار معينة بالزند، فإذا ضربوها انقدحت النار، ويكون عندهم شيء قابل للاشتعال بسرعة، ولهذا قال تعالى: ﴿فإذا أنتم منه توقدون﴾ [يس: 80] تحقيقاً لذلك..

ووجه الدلالة: أن القادر على إخراج النار الحارة اليابسة من الشجر الأخضر مع ما بينهما من تضاد قادر على إحياء العظام وهي رميم..

 

الدليل الرابع: قوله تعالى: ﴿أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى﴾ (يس: 81)

ووجه الدلالة: أن خلْق السموات والأرض أكبر من خلق الناس، والقادر على الأكبر قادر على ما دونه..

الدليل الخامس: قوله تعالى: ﴿وهو الخلَّاق العليم﴾ [يس: 81]، فـ ﴿الخلاق﴾ صفته، ووصفه الدائم، وإذا كان خلَّاقاً، ووصفه الدائم هو الخلق فلن يعجز عن إحياء العظام وهي رميم..

 

الدليل السادس: قوله تعالى: ﴿إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون﴾ [يس: 82]: إذا أراد شيئاً مهما كان، و ﴿شيئاً﴾: نكرة في سياق الشرط، فتكون للعموم، ﴿أمره﴾ أي شأنه في ذلك أن يقول له كن فيكون، أو ﴿أمره﴾ الذي هو واحد "أوامر"، ويكون المعنى: إنما أمره أن يقول: "كن"، فيعيده مرة أخرى..

ووجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى لا يستعصي عليه شيء أراده..الدليل السابع: قوله تعالى: ﴿فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء﴾: كل شيء فهو مملوك لله عزّ وجلّ: الموجود يعدمه، والمعدوم يوجده، لأنه رب كل شيء..ووجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى نزه نفسه، وهذا يشمل تنزيهه عن العجز عن إحياء العظام وهي رميم

الدليل الثامن: قوله تعالى: (وإليه ترجعون)..ووجه الدلالة: أنه ليس من الحكمة أن يخلق الله هذه الخليقة، ويأمرها، وينهاها، ويرسل إليها الرسل، ويحصل ما يحصل من القتال بين المؤمن، والكافر، ثم يكون الأمر هكذا يذهب سدًى، بل لابد من الرجوع، وهذا دليل عقلي..

 

([260])تفسير القرطبي 1/251.

 

([261])تفسير ابن عثيمين 1/109.

 

([262])تفسير القرطبي 1/251.

 

([263])تفسير ابن عثيمين 1/109.

 

([264])تفسير القرطبي 1/252.

 

([265])تفسير ابن عثيمين 1/109.

 

([266])تفسير القرطبي 1/254

 

([267])سورة القصص: الآية 14.

 

([268])تفسير ابن عثيمين 1/110.

 

([269])سورة طه: الآية 5.

 

([270])البحر المحيط في التفسير 5/66. التفسير الوسيط للطنطاوي 1/90.

 

([271])سورة الطلاق: الآية 12.

 

([272])تفسير القرطبي 1/258.

 

([273])تفسير ابن عثيمين 1/110.

 

([274])تفسير القرطبي 1/261.

 

([275])التفسير المنير1/121.

 

([276])  صفوة التفاسير 1/39.

 

([277])تفسير القرطبي 1/263.

 

([278])تفسير ابن عثيمين 1/117.

 

([279])تفسير القرطبي 1/263.

 

([280])  ايسر التفاسير 1/41.

 

([281])  صفوة التفاسير 1/42.

 

([282])تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن 1/287.

 

([283])تفسير القرطبي 1/274.

 

([284])تفسير ابن عثيمين 1/113.

 

([285])تفسير القرطبي 1/277.

 

([286])تفسير ابن عثيمين 1/118.

 

([287])أخرجه الحاكم في مستدركه 2/660،حديث (4189)، وقال هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.

 

([288])سورة النجم: الآية 32.

 

([289])تفسير القرطبي 1/278.

 

([290])تفسير ابن عثيمين 1/119.

 

([291])تفسير القرطبي 1/279.

 

([292])التفسير المنير 1/146.

 

([293])تفسير القرطبي 1/282.

 

([294])أخرجه الترمذي في سننه، حديث رقم (2955) قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

 

 

 

([295])تفسير ابن عثيمين 1/120.

 

([296])تفسير القرطبي 1/283.

 

([297])تفسير ابن عثيمين 1/119.

 

([298])تفسير القرطبي 1/284.

 

([299])تفسير ابن عثيمين 1/121.

 

([300])تفسير القرطبي 1/285.

 

([301])تفسير ابن عثيمين 1/121.

 

([302])الاساس في التفسير 1/120.

 

([303])تفسير القرطبي 1/288.

 

([304])تفسير ابن عثيمين 1/120.

 

([305])سورة المائدة: الآية 50.

 

([306])سورة الممتحنة: الآية 10.

 

([307])سورة يوسف: الآية 80.

 

([308])تفسير ابن عثيمين 1/123.

 

([309])تفسير القرطبي 1/288.

 

([310])تفسير ابن عثيمين 1/124.

 

([311])تفسير القرطبي 1/290.

 

([312])سورة سبأ: الآية 23.

 

([313])تفسير ابن عثيمين 1/125.

 

([314])سورة الفتح: الآية 29.

 

([315])سورة الحج: الآية 77.

 

([316])تفسير القرطبي 1/293.

 

([317])تفسير ابن عثيمين 1/125.

 

([318])أخرجه مسلم في صحيحه، حديث رقم (81).

 

([319])  أخرجه مسلم في صحيحه، حديث رقم (91).

 

([320])تفسير القرطبي 1/297.

 

([321]) سورة النساء: الآية 96.

 

([322]) سورة النساء: الآية 158.

 

([323]) سورة النساء: الآية 134.

 

([324])البحر المحيط في التفسير 1/249.

 

([325])تفسير ابن عثيمين 1/129.

 

([326])تفسير القرطبي 1/298.

 

([327])تفسير ابن عثيمين 1/129.

 

([328])التحرير والتنوير 1/428.

 

([329])التفسير المنير 1/140.

 

([330])سورة الرعد: الآية 38.

 

([331])تفسير ابن عثيمين 1/130.

 

([332])تفسير القرطبي 1/303.

 

([333])سورة الواقعة: الآيتان 32ـ 33.

 

([334])تفسير ابن عثيمين 1/130.

 

([335])سورة الإسراء: الآية 32.

 

([336])  صفوة التفاسير 1/44.

 

([337])تفسير القرطبي 1/304.

 

([338])تفسير ابن عثيمين 1/131.

 

([339])تفسير القرطبي 1/306.

 

([340])تفسير ابن عثيمين 1/131.

 

([341])تفسير القرطبي 1/311.

 

([342])تفسير ابن عثيمين 1/131.

 

([343])سورة الأعراف: الآيتان 20ــ21.

 

([344])سورة طه: الآية 120.

 

([345])تفسير ابن عثيمين 1/132.

 

([346])سورة فاطر: الآية6.

 

([347])تفسير ابن عثيمين 1/132.

 

([348])سورة طه: الآية 122.

 

([349])تفسير القرطبي 1/312.

 

([350])التفسير المنير 1/142.

 

([351])سورة طه: الآية 115.

 

([352])تفسير ابن عثيمين 1/133.

 

([353])تفسير القرطبي 1/321.

 

([354])تفسير ابن عثيمين 1/133.

 

([355])التفسير المنير 1/141.

 

([356])سورة الاعراف: الآية 25.

 

([357])تفسير ابن عثيمين 1/133.

 

([358])تفسير القرطبي 1/321.

 

([359])سورة الاعراف: الآية 23.

 

([360])تفسير القرطبي 1/324.

 

([361])تفسير ابن عثيمين 1/135.

 

([362])وفي قول الإنسان: "ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين" أربعة أنواع من التوسل، الأول: التوسل بالربوبية، الثاني: التوسل بحال العبد: ﴿ظلمنا أنفسنا﴾، الثالث: تفويض الأمر إلى الله، لقوله: ﴿وإن لم تغفر لنا... ﴾ إلخ، الرابع: ذكر حال العبد إذا لم تحصل له مغفرة الله ورحمته، لقوله تعالى: ﴿لنكونن من الخاسرين﴾، وهي تشبه التوسل بحال العبد، بل هي توسل بحال العبد، وعليه فيكون توسل العبد بحاله توسلاً بحاله قبل الدعاء، وبحاله بعد الدعاء إذا لم يحصل مقصوده.

 

([363])تفسير القرطبي 1/325.

 

([364])سورة التوبة: الآية 118.

 

([365])سورة الشورى: الآية25.

 

([366])تفسير ابن عثيمين 1/135.

 

([367])تفسير القرطبي 1/326.

 

([368])تفسير الرازي: 3/ 466، تفسير المراغي: 1/ 92.

 

([369])سورة آل عمران: الآية135.

 

([370])تفسير ابن عثيمين 1/136.

 

([371])  أخرجه أحمد 2/160، حديث رقم 6494، وأخرجه أبو داود ص1585، كتاب الأدب، باب 58: في الرحمة، حديث 4941، وأخرجه الترمذي ص1846، كتاب البر والصلة، باب 16: ما جاء في رحمة الناس، حديث رقم 1924، وفي الحديث: أبو قابوس لم يوثقه غير ابن حبان، قال الألباني: حديث صحيح بالشواهد والمتابعات [السلسلة الصحيحة 2/630 - 631، حديث رقم 925].

 

([372])تفسير القرطبي 1/327.

 

([373])تفسير ابن عثيمين 1/139.

 

([374])تفسير القرطبي 1/328.

 

([375])تفسير ابن عثيمين 1/139.

 

([376])تفسير القرطبي 1/329.

 

([377])  ايسر التفاسير 1/48.

 

([378])تفسير القرطبي 1/329.

 

([379])تفسير ابن عثيمين 1/144.

 

([380])تفسير القرطبي1/331.

 

([381])تفسير ابن عثيمين 1/144.

 

([382])سورة ابراهيم: الآية 34.

 

([383])تفسير الرازي: 3/ 457 وما بعدها، قال بعض العارفين: عبيد النعم كثيرون، وعبيد المنعم قليلون، فاللّه تعالى ذكّر بني إسرائيل بنعمه عليهم، ولما آل الآمر إلى أمة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم ذكرهم بالمنعم فقال: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة 2/ 152] فدل ذلك على فضل أمة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم على سائر الأمم.

 

([384])التفسير المنير1/151.

 

([385])سورة البقرة: الآية 152.

 

([386])  صفوة التفاسير 1/46.

 

([387])  سورة المائدة: الآية 12.

 

([388])  سورة المائدة: الآية 12.

 

([389])تفسير القرطبي1/332.

 

([390])أخرجه البخاري: 9/157، كتاب التوحيد، باب 50: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه، حديث رقم 7536.

 

([391])تفسير ابن عثيمين 1/145.

 

([392])سورة التوبة: الآية 75.

 

([393])تفسير ابن عثيمين 1/145.

 

([394])تفسير القرطبي1/332.

 

([395])تفسير ابن عثيمين 1/145.

 

([396])تفسير القرطبي1/333.

 

([397])تفسير ابن عثيمين 1/148.

 

([398])تفسير القرطبي1/334.

 

([399])أخرجه الحاكم في مستدركه، رقم الحديث (288)، وقال «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَنَدُهُ، ثِقَاتٌ رُوَاتُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.

 

([400]) تفسير القرطبي 1/335.

 

([401])سورة النساء: الآية 77.

 

([402])سورة البقرة: الآية 281.

 

([403])سورة آل عمران: الآية 131.

 

([404])سورة الانفال: الآية 25.

 

([405])تفسير ابن عثيمين 1/151.

 

([406])سورة الانعام: الآية 9.

 

([407])تفسير القرطبي1/340.

 

([408])  الموسوعة القرآنية وخصائص السور1/263.

 

([409])تفسير القرطبي1/342.

 

([410])سورة الحج: الآية 62.

 

([411])سورة سبأ: الآية 24.

 

([412])سورة يونس: الآية32.

 

([413])سورة الكهف: الآية29.

 

([414])أخرجه مسلم في صحيحه 1/203، حديث 223.

 

([415])تفسير القرطبي1/342.

 

([416])قد يقال: إن الكتمان لا يكون إلا بعد طلب؟الجواب: نعم، لكن الطلب نوعان: طلب بلسان المقال، وطلب بلسان الحال، فإذا جاءك شخص يقول: ما تقول في كذا، وكذا: فهذا طلب بلسان المقال، وإذا رأيت الناس قد انغمسوا في محرم: فبيانه مطلوب بلسان الحال، وعلى هذا فيجب على الإنسان أن يبين المنكر، ولا ينتظر حتى يُسأل، وإذا سئل ولم يُجب لكونه لا يعلم فلا إثم عليه، بل هذا هو الواجب، لقوله تعالى: ﴿ولا تقف ما ليس لك به علم﴾ [الإسراء: 23]. هذه واحدة..ثانياً: إذا رأى من المصلحة ألا يبين فلا بأس أن يكتم كما جاء في حديث علي بن أبي طالب: "حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟! "، وقال ابن مسعود: "إنك لن تحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة"، فإذا رأيت من المصلحة ألا تبين فلا تبين ولا لوم عليك..ثالثاً: إذا كان قصد السائل الامتحان، أو قصده تتبع الرخص، أو ضرب أقوال العلماء بعضها ببعض. وأنت تعلم هذا.:

 

=

 

فلك أن تمتنع، الامتحان أن يأتي إليك، وتعرف أن الرجل يعرف المسألة، لكن سألك لأجل أن يمتحنك: هل أنت تعرفها، أو لا، أو يريد أن يأخذ منك كلاماً ليشي به إلى أحد، وينقله إلى أحد: فلك أن تمتنع، كذلك إذا علمت أن الرجل يتتبع الرخص، فيأتي يسألك يقول: سألت فلاناً، وقال: هذا حرام. وأنت تعرف أن المسؤول رجل عالم ليس جاهلاً: فحينئذٍ لك أن تمتنع عن إفتائه، أما إذا كان المسؤول رجلاً تعرف أنه ليس عنده علم. إما من عامة الناس، أو من طلبة العلم الذين لم يبلغوا أن يكونوا من أهل الفتوى: فحينئذ يجب عليك أن تفتيه، لأنه لا حرمة لفتوى من أفتاه، أما لو قال لك: أنا سألت فلاناً، ولكني كنت أطلبك، ولم أجدك، وللضرورة سألت فلاناً، لكن لما جاء الله بك الآن أفتني: فحينئذ يجب عليك أن تفتيه، لأن حال هذا الرجل كأنه يقول: أنا لا أطمئن إلا لفتواك، وخلاصة القول أنه لا يجب عليك الإفتاء إلا إذا كان المستفتي مسترشداً، لأن كتمان الحق لا يتحقق إلا بعد الطلب بلسان الحال، أو بلسان المقال..

 

([417])تفسير القرطبي1/343.

 

([418])التفسير المنير1/152.

 

([419])تفسير ابن عثيمين 1/157.

 

([420])تفسير القرطبي1/345.

 

([421])صفوة التفاسير1/48.

 

([422])تفسير القرطبي1/365.

 

([423])صفوة التفاسير1/48.

 

([424])تفسير القرطبي1/369.

 

([425])تفسير ابن عثيمين 1/158.

 

([426])تفسير ابن عثيمين 1/161.

 

([427])تفسير القرطبي 1/372.

 

([428])رواه ابن حبان في صحيحه 8/174، حديث (3381).

 

([429])تفسير ابن عثيمين 1/161.

 

([430])تفسير القرطبي 1/373

 

([431])أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 5/305.

 

([432])تفسير القرطبي 1/375.

 

([433])تفسير ابن عثيمين 1/165.

 

([434])  ومنه قوله تعالى: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ [الحاقة: 20]،وقوله تعالى: وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ [التوبة: 118]، وقوله تعالى: إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ [البقرة: 230]، وقوله تعالى: فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها [الكهف: 53].

 

([435])تفسير القرطبي 1/376.

 

([436])تفسير ابن عثيمين 1/166.

 

([437])  الموسوعة القرآنية وخصائص السور1/263.

 

([438])تفسير ابن عثيمين 1/166.

 

([439])سورة المائدة: الآية 21.

 

([440])سورة الانبياء: الآية 105.

 

([441])تفسير ابن عثيمين 1/168.

 

([442]) التفسير المنير 1/158.

 

([443])سورة البقرة: الآية 281.

 

([444])سورة المزمل: الآية 17.

 

([445]) التفسير المنير 1/157.

 

([446])سورة الصافات: الآيات 24ــ 26.

 

([447]) التفسير المنير 1/157.

 

([448])سورة الانبياء: الآية 28.

 

([449])سورة  البقرة: الآية48.

 

([450])سورة  البقرة: الآية123.

 

([451])اسرار البيان في التعبير القرآني ص16.

 

([452])سورة آل عمران: الآية 52.

 

([453])تفسير ابن عثيمين 1/176.

 

([454])تفسير القرطبي 1/381.

 

([455])روى مسلم عن ابن عباس أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء، فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالوا: هذا يوم عظيم، أنجى اللّه فيه موسى وقومه، وغرّق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرا، فنحن نصومه. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: فنحن أحق وأولى بموسى منكم، فصامه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأمر بصيامه.انظر: صحيح مسلم 2/795، حديث (1130).

 

([456])تفسير القرطبي 1/382.

 

([457])البحر المحيط 1/315.

 

([458])تفسير القرطبي 1/385.

 

([459])سورة غافر: الآية 25.

 

([460])سورة الاعراف: الآية 127.

 

([461])تفسير ابن عثيمين 1/177.

 

([462])تفسير القرطبي 1/387.

 

([463])سورة الشعراء: الآية 59.

 

([464])تفسير القرطبي 1/387.

 

([465])سورة الشعراء: الآية 60.

 

([466])تفسير القرطبي 1/389.

 

([467])سورة يونس: الآية 90.

 

([468])سورة طه: الآية 77.

 

([469])سورة التوبة: الآيتان 14ــ15.

 

([470])سورة الزخرف: الآيتان 51ــ52.

 

([471])تفسير القرطبي 1/392.

 

([472])تفسير ابن عثيمين 1/182.

 

([473])تفسير القرطبي 1/395.

 

([474])تفسير ابن عثيمين 1/182.

 

([475])تفسير القرطبي 1/397.

 

([476])تفسير ابن عثيمين 1/182.

 

([477])تفسير القرطبي 1/397.

 

([478])تفسير ابن عثيمين 1/182.

 

([479])تفسير القرطبي 1/399.

 

([480])سورة القصص: الآية 76.

 

([481])سورة الاسراء: الآية 2.

 

([482])تفسير ابن عثيمين 1/399.

 

([483])سورة الانبياء: الآية 48.

 

([484])تفسير ابن عثيمين 1/188.

 

([485])أخرجه البخاري: 3/38، كتاب الصوم، باب 51: من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع...، حديث رقم 1968.

 

([486])تفسير ابن عثيمين 1/189.

 

([487])تفسير القرطبي 1/401.

 

([488])تفسير ابن عثيمين 1/188.

 

([489])تفسير القرطبي 1/402.

 

([490])تفسير ابن عثيمين 1/189.

 

([491]) سورة الحجرات: الآية 11.

 

([492])تفسير ابن عثيمين 1/190.

 

([493])تفسير القرطبي 1/402.

 

([494])تفسير ابن عثيمين 1/190.

 

([495])  صفوة التفاسير 1/53.

 

([496])تفسير السعدي 1/52.

 

([497])تفسير ابن عثيمين 1/194.

 

([498])تفسير السعدي 1/52.

 

([499])تفسير ابن عثيمين 1/194.

 

([500])سورة الاعراف: الآية 143.

 

([501])تفسير ابن عثيمين 1/194.

 

([502])تفسير ابن عثيمين 1/194.

 

([503])تفسير القرطبي 1/404.

 

([504])تفسير السعدي 1/52.

 

([505])تفسير ابن عثيمين 1/194.

 

([506])تفسير القرطبي 1/404.

 

([507])تفسير ابن عثيمين 1/194.

 

([508])تفسير السعدي 1/52.

 

([509]) سورة النحل: الآية 81.

 

([510])تفسير ابن عثيمين 1/196.

 

([511])تفسير القرطبي 1/406.

 

([512])تفسير السعدي 1/52.

 

([513])تفسير ابن عثيمين 1/196.

 

([514]) سورة الواقعة: الآية 21.

 

([515])تفسير السعدي 1/52.

 

([516])تفسير ابن عثيمين 1/197.

 

([517]) سورة الانعام: الآية 145.

 

([518])تفسير ابن عثيمين 1/198.

 

([519])تفسير السعدي 1/52.

 

([520])تفسير القرطبي 1/409.

 

([521])التفسير المنير 1/170.

 

([522])تفسير القرطبي 1/410.

 

([523])أخرجه الحاكم في مستدركه 1/164، حديث (297)وعلق عليه الذهبي صحيح على شرط مسلم.

 

([524])تفسير القرطبي 1/410.

 

([525])أخرجه البخاري في صحيحه، حديث رقم (4777).

 

([526])سورة الاعراف : الآية 162.

 

([527])تفسير الرازي: 3/ 525

 

([528])التفسير المنير 1/171.

 

([529])سورة  البقرة : الآيتان 58ــ59.

 

([530]) سورة الأعراف : الآيتان 161ــ162.

 

([531])اسرار البيان في التعبير القرآني ص97.

 

([532])تفسير القرطبي 1/418.

 

([533])تفسير ابن عثيمين 1/208.

 

([534])تفسير السعدي 1/53.

 

([535])تفسير ابن عثيمين 1/208.

 

([536])﴿ وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾

 

([537])﴿ وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160) ﴾ (سورة الأَعراف 160)

 

([538])التناسب في سورة البقرة 2/62.

 

([539])اسرار البيان في التعبير القرآني ص97.

 

([540])التبيان في تفسير غريب القرآن، ص77.

 

([541])تفسير ابن عثيمين 1/208.

 

([542])  صفوة التفاسير 1/55.

 

([543])تفسير ابن عثيمين 1/208.

 

([544])  رواه البخاري1/50،حديث رقم 200.

 

([545]) سورة البقرة : الآية 74.

 

([546])تفسير ابن عثيمين 1/209.

 

([547])تفسير القرطبي 1/421.

 

([548])  صفوة التفاسير 1/55.

 

([549])  الموسوعة القرآنية وخصائص السور1/263.

 

([550])تفسير ابن عثيمين 1/208.

 

([551])  صفوة التفاسير 1/55.

 

([552])تفسير ابن عثيمين 1/210.

 

([553])تفسير القرطبي 1/422.

 

([554])التفسير المنير1/175.

 

([555])تفسير القرطبي 1/422.

 

([556])  الموسوعة القرآنية وخصائص السور1/263.

 

([557])تفسير ابن عثيمين 1/216.

 

([558])سورة المائدة : الآية 24.

 

([559])تفسير القرطبي 1/423.

 

([560])اسناده صحيح على شرط مسلم. رواه احمد في مسنده 17/148، حديث (11084).

 

([561])تفسير ابن عثيمين 1/216.

 

([562])تفسير القرطبي 1/424.

 

([563])التفسير المنير1/175.

 

([564])تفسير ابن عثيمين 1/215.

 

([565])  حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ بِلاَلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مِنْ أَيْنَ هذَا قَالَ بِلاَلٌ: كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيٌّ، فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِنُطْعِمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ أَوَّهْ أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبا عَيْنُ الرِّبَا لاَ تَفْعَلْ وَلكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ، فَبِعِ التَّمْرَ بِبَيْعِ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِهِ.أخرجه البخاري في: 40 كتاب الوكالة: 11 باب إذا باع الوكيل شيئًا فاسدًا فبيعه مردود.

 

([566])تفسير ابن عثيمين 1/216.

 

([567])تفسير القرطبي 1/428.

 

([568])تفسير ابن عثيمين 1/218.

 

([569])  أما مصر في قوله تعالى  وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ [يوسف: 21] فهي ممنوعة من الصرف وهي القطر المعروف الذي يجري فيه نهر النيل، وعاصمته القاهرة.

 

([570])تفسير ابن عثيمين 1/218.

 

([571])  ايسر التفاسير 1/64.

 

([572])تفسير القرطبي 1/432.

 

([573])  صفوة التفاسير 1/55.

 

([574])اسناده حسن. رواه احمد في مسنده 6/413، حديث (3867). أي بالتمثيل بالقتلى.

فإن قيل: كيف جاز أن يخلى بين الكافرين وقتل الأنبياء؟ أجيب ذلك كرامة لهم، وزيادة في منازلهم، كمثل من يقتل في سبيل اللّه من المؤمنين، وليس ذلك بخذلان لهم. قال ابن عباس والحسن البصري: لم يقتل نبي قط من الأنبياء إلا من لم يؤمر بقتال، وكلّ من أمر بقتال نصر. انظر: البحر المحيط في التفسير 1/383.

 

([575])تفسير القرطبي 1/432.

 

([576])  الموسوعة القرآنية وخصائص السور1/263.

 

([577])سورة آل عمران : الآية 112.

 

([578])تفسير ابن عثيمين 1/219.

 

([579])تفسير القرطبي 1/430.

 

([580])تفسير ابن عثيمين 1/219.

 

([581])التفسير البسيط 21/387.

 

([582])سورة الحشر: الآية 14.

 

([583])تفسير ابن عثيمين 1/220.

 

([584])تفسير القرطبي 1/432.

 

([585])تفسير المنير 1/182.

 

([586])تفسير القرطبي 1/432.

 

([587])تفسير ابن عثيمين 1/223.

 

([588])تفسير القرطبي 1/432.

 

([589])تفسير ابن عثيمين 1/224.

 

([590])تفسير القرطبي 1/434.

 

([591])﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ سورة البقرة  ﴿62﴾.

 

([592])﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ سورة المائدة ﴿69﴾.

 

([593])﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ (سورة المائدة 72 - 75).

 

([594])اسرار البيان في التعبير القرآني ص65.

 

([595])تفسير ابن عثيمين 1/223.

 

([596])تفسير القرطبي 1/436.

 

([597])تفسير ابن عثيمين 1/224.

 

([598])  ايسر التفاسير 1/65.

 

([599])تفسير ابن عثيمين 1/227.

 

([600])تفسير القرطبي 1/436.

 

([601])سورة الاعراف : الآية 171.

 

([602])تفسير ابن عثيمين 1/227.

 

([603])التفسير المنير1/183.

 

([604])تفسير القرطبي 1/437.

 

([605])﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ (سورة البقرة 93)

 

([606])﴿ يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (153) وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ (سورة النساء 153 - 154).

 

([607])﴿ وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ (سورة الأَعراف 171).

 

([608])اسرار البيان في التعبير القرآني ص62.

 

([609])تفسير المنير 1/184.

 

([610])تفسير القرطبي 1/437.

 

([611])سورة النحل : الآية 125.

 

([612])تفسير ابن عثيمين 1/227.

 

([613])تفسير القرطبي 1/438.

 

([614])تفسير ابن عثيمين 1/228.

 

([615])تفسير القرطبي 1/439.

 

([616])تفسير ابن عثيمين 1/228.

 

([617])تفسير القرطبي 1/440.

 

([618])التفسير البغوي1/105.

 

([619])سورة الاعراف: الآية 163.

 

([620])أي إنهم اتخذوا حواجز أو أحواضا أمام مدّ مياه البحر، فإذا رجعت المياه بالجزر، بقيت الأسماك محجوزة في الأحواض، فيأتون في صبيحة يوم الأحد ويأخذونها. التفسير المنير1/184.

 

([621])التفسير المنير1/184.

 

([622])تفسير القرطبي 1/444.

 

([623])  التناسب في سورة البقرة 4/25.

 

([624])  البحر المحيط في التفسير 1/404.

 

([625])  التناسب في سورة البقرة 4/27.

 

([626])تفسير ابن عثيمين 1/241.

 

([627])تفسير القرطبي 1/446.

 

([628])التفسير المنير1/191.

 

([629])تفسير السعدي 1/54.

 

([630])تفسير ابن عثيمين 1/241.

 

([631])تفسير السعدي 1/54.

 

([632])تفسير ابن عثيمين 1/241.

 

([633])تفسير السعدي 1/55.

 

([634])تفسير القرطبي 1/448.

 

([635])تفسير ابن عثيمين 1/241.

 

([636])تفسير القرطبي 1/448.

 

([637])تفسير السعدي 1/55.

 

([638])تفسير القرطبي 1/449.

 

([639])تفسير ابن عثيمين 1/242.

 

([640])تفسير القرطبي 1/449.

 

([641])تفسير ابن عثيمين 1/242.

 

([642])تفسير القرطبي 1/450.

 

([643])سورة المائدة : الآية 101.

 

([644])التفسير المنير1/191.

 

([645])تفسير القرطبي 1/451.

 

([646])تفسير ابن عثيمين 1/243.

 

([647])المحرر الوجيز لابن عطية 1/163.

 

([648])تفسير القرطبي 1/454.

 

([649])تفسير السعدي 1/55.

 

([650])تفسير القرطبي 1/455.

 

([651])تفسير ابن عثيمين 1/243.

 

([652])تفسير السعدي 1/55.

 

([653])تفسير القرطبي 1/455.

 

([654])تفسير المراغي 1/144.

 

([655])تفسير القرطبي 1/456.

 

([656])تفسير ابن عثيمين 1/244.

 

([657])تفسير القرطبي 1/462.

 

([658])تفسير ابن عثيمين 1/244.

 

([659])سورة البقرة : الآية 243.

 

([660])سورة البقرة: الآية 259.

 

([661])سورة البقرة: الآية 260.

 

([662])التفسير المنير1/192.

 

([663])تفسير ابن عثيمين 1/245.

 

([664]) سورة النساء : الآية 108.

 

([665])تفسير القرطبي 1/462.

 

([666])تفسير ابن عثيمين 1/247.

 

([667])تفسير القرطبي 1/463.

 

([668])تفسير ابن عثيمين 1/248.

 

([669])تفسير القرطبي 1/464.

 

([670])تفسير ابن عثيمين 1/247.

 

([671])التفسير المنير1/194.

 

([672])تفسير ابن عثيمين 1/248.

 

([673])تفسير القرطبي 1/465.

 

([674]) سورة الجمعة : الآية 1.

 

([675]) سورة الاسراء : الآية 44.

 

([676]) سورة فصلت : الآية 11.

 

([677])تفسير ابن عثيمين 1/248.

 

([678]) سورة فاطر : الآية 28.

 

([679])تفسير القرطبي 1/466.

 

([680])تفسير ابن عثيمين 1/248.

 

([681])  تفسير القرطبي 2/1.

 

([682])تفسير ابن عثيمين 1/251.

 

([683])تفسير القرطبي: 2/ 3.

 

([684])تفسير ابن عثيمين 1/252.

 

([685])  تفسير القرطبي 2/3.

 

([686])سورة النساء : الآية 46.

 

([687])تفسير المنير: 1/ 200.

 

([688])سورة الحجر: الآية 9.

 

([689])تفسير ابن عثيمين 1/252.

 

([690])  تفسير القرطبي 2/3.

 

([691])  تفسير ابن عثيمين 1/254.

 

([692])  تفسير القرطبي 2/3.

 

([693])  تفسير ابن عثيمين 1/255.

 

([694])  سورة الأعراف : الآية 89.

 

([695])  تفسير القرطبي 2/4.

 

([696])  سورة الزمر: الآيتان 30ــ 31.

 

([697])  تفسير القرطبي 2/4.

 

([698])  تفسير ابن عثيمين 1/255.

 

([699])  تفسير القرطبي 2/4.

 

([700])  أخرجه البخاري 8/11، كتاب الأدب، باب 31، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، حديث رقم 6018.

 

([701])  تفسير ابن عثيمين 1/256.

 

([702]) أخرجه البخاري في صحيحه، رقم الحديث (1913).

 

([703])  في ظلال القرآن 1/85.

 

([704]) سورة الحج : الآية 52.

 

([705])  تفسير القرطبي2/6.

 

([706])  تفسير ابن عثيمين 1/256.

 

([707])  تفسير القرطبي2/6.

 

([708])  تفسير القرطبي2/8.

 

([709])  سورة النحل : الآية 43.

 

([710])  الموسوعة القرآنية وخصائص السور1/264.

 

([711]) سورة الأنعام: الآية 38.

 

([712])  تفسير القرطبي2/9.

 

([713])  تفسير ابن عثيمين 1/259.

 

([714])  تفسير القرطبي2/9.

 

([715])  سورة النساء : الآية 77.

 

([716])  تفسير القرطبي2/10.

 

([717])  تفسير ابن عثيمين 1/259.

 

([718])  في ظلال القرآن 1/85.

 

([719])  ايسر التفاسير 1/76.

 

([720])  تفسير ابن عثيمين 1/263.

 

([721]) أخرجه البخاري في صحيحه، رقم الحديث (3169).

 

([722])  تفسير القرطبي2/10.

 

([723])﴿ وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ (سورة البقرة 80)

 

([724])﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ (سورة آل عمران 24)

 

([725])﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ( ﴾ (سورة البقرة 75 - 79)

 

([726])﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ (سورة آل عمران 23 - 24)

 

([727])اسرار البيان في التعبير القرآني ص94.

 

([728])  تفسير ابن عثيمين 1/263.

 

([729])  تفسير القرطبي2/11.

 

([730])  تفسير ابن عثيمين 1/264.

 

([731])  في ظلال القرآن 1/86.

 

([732])  تفسير ابن عثيمين 1/264.

 

([733])  سورة فصلت : الآية 30.

 

([734])  سورة النساء: الآيتان 168ــ 169.

 

([735])  سورة الاحزاب : الآية 64ــ 65.

 

([736])  سورة الجن : الآية 23.

 

([737])  تفسير ابن عثيمين 1/266.

 

([738])  في ظلال القرآن 1/87.

 

([739])  صفوة التفاسير 1/67.

 

([740])  تفسير ابن عثيمين 1/270.

 

([741])  سورة لقمان : الآية 14.

 

([742])سورة الرحمن: الآية 60.

 

([743])  التفسير المنير 1/211.

 

([744])  تفسير ابن عثيمين 1/270.

 

([745])  سورة الانعام : الآية 152.

 

([746])  تفسير ابن عثيمين 1/270.

 

([747])  أخرجه مسلم في صحيحه، رقم الحديث (2983).

 

([748])  أخرجه البخاري في الأدب المفرد، رقم الحديث (131)، وصححه الشيخ الألباني.

 

([749])  سورة الفرقان : الآية 72.

 

([750])(وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً ﴿36﴾ )

 

([751])(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ﴾. سورة البقرة﴿83﴾

 

([752])اسرار البيان في التعبير القرآني ص81.

 

([753])أخرجه مسلم في صحيحه  4/2026، حديث 2626.

 

([754])  تفسير ابن عثيمين 1/272.

 

([755])تفسير المنير1/ 217.

 

([756])  صفوة التفاسير 1/67.

 

([757])تفسير المنير: 1/ 217.

 

([758])تفسير القرطبي: 2/ 22

 

([759])  ايسر التفاسير 1/80.

 

([760])  تفسير ابن عثيمين 1/278.

 

([761])  سورة الحجرات : الآية 13.

 

([762])  سورة محمد : الآية 35.

 

([763])  وجه ذلك أن الله توعد هؤلاء الذين يؤمنون ببعض الكتاب، ويكفرون ببعض، ومثل ذلك إذا آمن ببعض الرسل دون بعض فإنه كفر بالجميع، ودليل ذلك قوله تبارك وتعالى: ﴿كذبت قوم نوح المرسلين﴾ [الشعراء: 105]. ونوح هو أول الرسل لم يسبقهرسول، ومع ذلك جعل الله المكذبين له مكذبين لجميع الرسل، ولقوله تعالى: ﴿إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً﴾ [النساء: 150، 151].

 

([764])  تفسير ابن عثيمين 1/279.

 

([765])  سورة الكهف: الآية 49.

 

([766])  سورة ق : الآية 38.

 

([767])  تفسير ابن عثيمين 1/279.

 

([768])تفسير القرطبي: 2/ 22.أحكام القرآن للجصاص: 1/ 48

 

([769])  تفسير ابن عثيمين 1/280.

 

([770])  تفسير ابن عثيمين 1/285.

 

([771])  سورة المائدة : الآية 44.

 

([772])تفسير المنير: 1/ 222.

 

([773])  تفسير ابن عثيمين 1/285.

 

([774])  أخرجه البخاري في صحيحه، رقم الحديث (453).

 

([775])  تفسير ابن عثيمين 1/286.

 

([776])سورة  البقرة : الآية87.

 

([777])اسرار البيان في التعبير القرآني ص18.

 

([778]) سورة الأعراف : الآية 43.

 

([779])  تفسير ابن عثيمين 1/287.

 

([780])  في ظلال القرآن 1/89.

 

([781])  تفسير ابن عثيمين 1/288.

 

([782])تفسير المنير 1/ 222.

 

([783])  تفسير ابن عثيمين 1/288.

 

([784])تفسير المنير1/ 222.

 

([785])  تفسير ابن عثيمين 1/293.

 

([786])تفسير المنير 1/ 225.

 

([787])  تفسير ابن عثيمين 1/293.

 

([788])  صفوة التفاسير 1/69.

 

([789])أخرجه البخاري:  5/99، كتاب المغازي، باب 22: (ليس لك من الأمر شيء)، حديث رقم 4069.

 

([790])أخرجه البخاري 2/104، كتاب الجنائز، باب 97: ما ينهى من سب الأموات، حديث رقم 1393.

 

([791])تفسير المنير: 1/ 225.

 

([792])  تفسير ابن عثيمين 1/294.

 

([793])  سورة الانسان : الآية 30.

 

([794])وهذه الفائدة لها فروع نوضحها، فنقول: إن من آتاه الله فضلاً من العلم والنبوة لم يخرج به عن أن يكون عبداً، إذاً لا يرتقي إلى منْزلة الربوبية، فالرسول صلى الله عليه وسلم عبد من عباد الله، فلا نقول لمن نزل عليه الوحي: إنه يرتفع حتى يكون رباً يملك النفع، والضرر، ويعلم الغيب..

ويتفرع عنها أن من آتاه الله من فضله من العلم، وغيره ينبغي أن يكون أعبد لله من غيره، لأن الله تعالى أعطاه من فضله، فكان حقه عليه أعظم من حقه على غيره، فكلما عظم الإحسان من الله عزّ وجلّ استوجب الشكر أكثر، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم في الليل حتى تتورم قدماه، فقيل له في ذلك، فقال: "أفلا أكون عبداً شكوراً  "..

ويتفرع عنها فرع ثالث: أن بعض الناس اغتر بما آتاه الله من العلم، فيتعالى في نفسه، ويتعاظم حتى إنه ربما لا يقبل الحق، فحُرِم فضل العلم في الحقيقة. انظر: تفسير ابن عثيمين 1/296.

 

([795])  تفسير ابن عثيمين 1/296.

 

([796])تفسير المنير: 1/ 225.

 

([797])  سورة العنكبوت : الآية 40.

 

([798])  سورة النبأ : الآية 26.

 

([799])تفسير المنير: 1/ 225.

 

([800])  صفوة التفاسير 1/69.

 

([801])  في ظلال القرآن 1/90.

 

([802])  تفسير ابن عثيمين 1/298.

 

([803])  سورة الاعراف : الآية 157.

 

([804])  تفسير القرطبي 2/30.

 

([805])  تفسير ابن عثيمين 1/301.

 

([806])  تفسير ابن كثير 1/329.

 

([807])  تفسير ابن عثيمين 1/301.

 

([808])  سورة الأعراف : الآية 148.

 

([809])  تفسير ابن عثيمين 1/301.

 

([810])  سورة الأعراف : الآية 149.

 

([811])  تفسير ابن عثيمين 1/305.

 

([812])  تفسير الرازي 3/604.

 

([813])  تفسير ابن عثيمين 1/305.

 

([814])  صفوة التفاسير 1/71.

 

([815])  تفسير الرازي 3/604.

 

([816])  تفسير ابن عثيمين 1/306.

 

([817])  صفوة التفاسير 1/71.

 

([818])سورة هود : الآية 87.

 

([819])  تفسير الرازي 3/605.

 

([820])  تفسير ابن عثيمين 1/305.

 

([821])  تفسير الرازي 3/605.

 

([822])  في ظلال القرآن 1/92.

 

([823])  صفوة التفاسير 1/71.

 

([824])  الموسوعة القرآنية وخصائص السور1/265.

 

([825])  تفسير ابن عثيمين 1/311.

 

([826])  ايسر التفاسير 1/87.

 

([827])  تفسير ابن عثيمين 1/312.

 

([828])  في ظلال القرآن 1/92.

 

([829])  تفسير ابن عثيمين 1/312.

 

([830])  ايسر التفاسير 1/87.

 

([831])  تفسير ابن عثيمين 1/312.

 

([832])  ايسر التفاسير 1/87.

 

([833])  تفسير ابن عثيمين 1/312.

 

([834])  سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا يَأْتِيهِ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ بِالرِّسَالَةِ وَبِالْوَحْيِ، فَمَنْ صَاحِبُكَ حَتَّى نُتَابِعَكَ؟ قَالَ: (جِبْرِيلُ) قَالُوا: ذَاكَ الَّذِي يَنْزِلُ بِالْحَرْبِ وَبِالْقِتَالِ، ذَاكَ عَدُوُّنَا! لَوْ قُلْتَ: مِيكَائِيلُ الَّذِي يَنْزِلُ بِالْقَطْرِ وَبِالرَّحْمَةِ تَابَعْنَاكَ. تفسير القرطبي 2/36.

 

([835])  تفسير ابن عثيمين 1/316.

 

([836])  تفسير القرطبي 2/36.

 

([837])  تفسير ابن عثيمين 1/316.

 

([838])  سورة البقرة : الآية 255.

 

([839])  سورة البقرة : الآية 102.

 

([840])  سورة التغابن: الآية 11.

 

([841])  سورة يونس : الآية 59.

 

([842])  سورة الشورى : الآية 21.

 

([843])  تفسير ابن عثيمين 1/317.

 

([844])تفسير المنير1/236.

 

([845])اسرار البيان في التعبير القرآني ص122.

 

([846])  سورة فاطر : الآية 1.

 

([847])وفي الحديث الصحيح أن الله تعالى في الحديث القدسي قال: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب" أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب 38: التواضع، حديث رقم 6502.

 

([848])  تفسير ابن عثيمين 1/319.

 

([849]) سورة آل عمران: الآية 7.

 

([850])سورة آل عمران: الآية 7.

 

([851]) سورة فصلت: الآية 37.

 

([852]) سورة الروم : الآية 22.

 

([853]) سورة الجمعة : الآية 2.

 

([854]) سورة سبأ: الآية 43.

 

([855])  ايسر التفاسير 1/89.

 

([856])  ويكون الفسق على نوعين: فسق أكبر مخرج عن الملة، كما في قوله تعالى: ﴿فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلاً بما كانوا يعملون * وأما الذين فسقوا فمأواهم النار﴾ [السجدة: 19، 20] الآية؛ ووجه الدلالة أنه تعالى جعل الفسق هنا مقابلاً للإيمان..والثاني: فسق أصغر لا يخرج من الإيمان؛ ولكنه ينافيالعدالة، كقوله تعالى: ﴿ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان﴾ [الحجرات: 7] : فعطف ﴿الفسوق﴾ على ﴿الكفر﴾ ؛ والعطف يقتضي المغايرة.

 

([857])  تفسير السعدي 1/60.

 

([858])  سورة الاحزاب : الآية 23.

 

([859])  كان الْيَهُودَ قد عَاهَدُوا لَئِنْ خَرَجَ مُحَمَّدٌ لَنُؤْمِنُ بِهِ وَلَنَكُونَنَّ مَعَهُ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ، فَلَمَّا بُعِثَ كَفَرُوا بِهِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: هِيَ الْعُهُودُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْيَهُودِ فَنَقَضُوهَا كَفِعْلِ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، دَلِيلُهُ قول تَعَالَى:" الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ. تفسير القرطبي 2/40.

 

([860])  ايسر التفاسير 1/89.

 

([861])  تفسير ابن عثيمين 1/324.

 

([862])  أخرجه البخاري: 3/131، كتاب المظالم، باب 17: إذا خاصم فجر، حديث رقم 2459.

 

([863])  تفسير ابن عثيمين 1/326.

 

([864])  صفوة التفاسير 1/74.

 

([865])  البحر المحيط في التفسير 1/521.

 

([866])  راجع البخاري 7/137، كتاب الطب، باب 50: السحر، حديث رقم 5766.

 

([867])  تفسير آيات الأحكام 1/87.

 

([868])تفسير ابن عثيمين 1/331.

 

([869])جاء ذكر السحر في القرآن في مواضع كثيرة، ولا سيما في قصص موسى وفرعون، ووصفه بأنه خداع وتخييل للأعين حتى ترى ما ليس بكائن كائنا، كما قال تعالى: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى [سورة طه:الآية 66] وقال: فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ  [سورة الأعراف :الآية 116].

 

([870])  تفسير آيات الأحكام 1/86.

 

([871])تفسير المنير1/248.

 

([872])تفسير ابن عثيمين 1/331.

 

([873])  تفسير آيات الأحكام 1/86.

 

([874])تفسير ابن عثيمين 1/331.

 

([875])  صفوة التفاسير 1/74.

 

([876])  تفسير آيات الأحكام 1/86.

 

([877])تفسير ابن عثيمين 1/331.

 

([878])  تفسير آيات الأحكام 1/86.

 

([879])تفسير ابن عثيمين 1/332.

 

([880])  تفسير آيات الأحكام 1/87.

 

([881])  تفسير آيات الأحكام 1/87.

 

([882])تفسير ابن عثيمين 1/333.

 

([883])  تفسير آيات الأحكام 1/86.

 

([884])تفسير ابن عثيمين 1/334.

 

([885])  تفسير آيات الأحكام 1/86.

 

([886])تفسير ابن عثيمين 1/334.

 

([887])  تفسير آيات الأحكام 1/87.

 

([888])وهم أبو جعفر الاسترابادي من الشافعية، وأبو بكر الرازي من الحنفية، وابن حزم الظاهري وطائفة.

 

([889])سورة طه: الآية 66.

 

([890])تفسير ابن كثير: 1/ 345

 

([891])تفسير ابن كثير: 1/ 344

 

([892])تفسير المنير1/250.

 

([893])  تفسير آيات الأحكام 1/88.

 

([894])أحكام القرآن: 1/ 59.

 

([895])  تفسير آيات الأحكام 1/87.

 

([896]) رواه الحاكم في مستدركه 4/401، حديث (8073)وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَإِنَّ كَانَ الشَّيْخَانِ تَرَكَا حَدِيثَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ غَرِيبٌ صَحِيحٌ وَلَهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا جَمِيعًا فِي ضِدِّ هَذَا.

 

([897])إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين.رواه احمد في مسنده 36/344، حديث (22016).

 

([898])تفسير ابن ابي حاتم 11/ 64 وما بعدها، تفسير القرطبي: 2/ 47 وما بعدها.

 

([899])سورة البروج : الآية 10.

 

([900])تفسير ابن عثيمين 1/336.

 

([901])إسناده صحيح على شرط الشيخين: أخرجه الإمام أحمد في مسنده، حديث رقم (22797).

 

([902])سورة القصص: الآية 80.

 

([903])تفسير ابن عثيمين 1/337.

 

([904])تفسير السعدي 1/61.

 

([905])  صفوة التفاسير 1/77.

 

([906])تفسير السعدي 1/61.

 

([907])تفسير ابن عثيمين 1/339.

 

([908])تفسير السعدي 1/61.

 

([909])تفسير ابن عثيمين 1/339.

 

([910])تفسير السعدي 1/61.

 

([911])لا يعارض هذه الآية قوله تعالى: ﴿لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون﴾ [المائدة: 82]، لأن هذه الآية في صنف معين من النصارى: وهم الذين منهم القسيسون، والرهبان الذين من صفاتهم أنهم لا يستكبرون، فإذا وجد هذا الصنف في عهد الرسول، أو بعده انطبقت عليه الآية، لكن اختلفت حال النصارى منذ زمن بعيد، نسأل الله أن يعيد للمسلمين عزتهم وكرامتهم، حتى يعرفوا حقيقة عداوة النصارى، وغيرهم من أهل الكفر، فيعدوا لهم العدة..

 

([912])تفسير ابن عثيمين 1/342.

 

([913])أخرجه أحمد 4/409، حديث رقم 2669، إسناده قوي، قيس بن الحجاج -وهو الكلاعي السُّلفي المصري- روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أبو حاتم: صالح، وقال في "التقريب": صدوق، وحديثه عند الترمذي وابن ماجه، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين غير حنش الصنعاني -وهو ابن عبد الله- فمن رجال مسلم. ليث: هو ابن سعد.

 

([914])تفسير ابن عثيمين 1/343.

 

([915]) مشيئته تعالى عامة في كل شيء سواء كان من أفعاله، أو من أفعال عباده، لقوله تعالى: ﴿ولو شاء الله ما فعلوه﴾ [الأنعام: 137]، وقوله تعالى: ﴿وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين﴾ [التكوير: 29]، وأما ما يتعلق بأفعاله تعالى فالأمثلة عليه كثيرة، كقوله تعالى: ﴿ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها﴾ [السجدة: 13]، وقوله تعالى: ﴿إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد﴾ [فاطر: 16]، وقوله تعالى: ﴿والله يفعل ما يشاء﴾، وغير ذلك من الآية.تفسير ابن عثيمين 1/343.

 

([916])  ايسر التفاسير 1/97.

 

([917])تفسير السعدي 1/61.

 

([918])  تفسير آيات الأحكام 1/108.

 

([919])تفسير السعدي 1/61.

 

([920])تفسير ابن عثيمين 1/349.

 

([921])  تفسير آيات الأحكام 1/108.

 

([922])تفسير ابن عثيمين 1/349.

 

([923])قد يقول قائل: ما الفائدة إذاً من النسخ إذا كانت مثلها والله تعالى حكيم لا يفعل شيئاً إلا لحكمة؟

فالجواب: أن الفائدة اختبار المكلف بالامتثال، لأنه إذا امتثل الأمر أولاً وآخراً، دل على كمال عبوديته، وإذا لم يمتثل دل على أنه يعبد هواه، ولا يعبد مولاه، مثال ذلك: تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، هذا بالنسبة للمكلف ليس فيه فرق أن يتجه يميناً، أو شمالاً، إنما الحكمة من ذلك اختبار المرء بامتثاله أن يتجه حيثما وجه، أما المتجَه إليه، وكونه أولى بالاتجاه إليه فلا ريب أن الاتجاه إلى الكعبة أولى من الاتجاه إلى بيت المقدس، ولهذا ضل من ضل، وارتد من ارتد بسبب تحويل القبلة: قال الله تعالى: ﴿وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله﴾ [البقرة: 143]، فالإنسان يبتلى بمثل هذا النسخ، إن كان مؤمناً عابداً لله قال: سمعت وأطعت، وإن كان سوى ذلك عاند، وخالف: يقول: لماذا هذا التغيير! فيتبين بذلك العابد حقاً، ومن ليس بعابد..انظر: تفسير ابن عثيمين 1/349.

 

([924])  تفسير آيات الأحكام 1/108.

 

([925])تفسير ابن عثيمين 1/350.

 

([926])  تفسير آيات الأحكام 1/109.

 

([927])سورة النساء : الآية 3.

 

([928])تفسير ابن عثيمين 1/352.

 

([929])تفسير السعدي 1/61.

 

([930])تفسير ابن عثيمين 1/352.

 

([931])فإذا قال قائل: إن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين﴾ [الأنفال: 62]، ويقول تعالى: ﴿إلا تنصروه فقد نصره الله﴾ [التوبة: 40]، فأثبت نصراً لغير الله..

فالجواب: أن إثبات النصر لغير الله إثبات للسبب فقط، وليس نصراً مستقلاً، والنصر المستقل من عند الله، أما انتصار بعضنا ببعض فإنه من باب الأخذ بالأسباب، وليس على وجه الاستقلال.

 

([932])تفسير ابن عثيمين 1/352.

 

([933])تفسير السعدي 1/62.

 

([934])وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم محذراً من ذلك: "ذروني ما تركتكم فإنما هلك الذين من قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم"  أخرجه البيهقي في سننه الكبرى وفي ذيله الجوهر النقي، رقم الحديث (1897).

 

([935])تفسير السعدي 1/62.

 

([936])تفسير ابن عثيمين 1/355.

 

([937])  تفسير آيات الأحكام 1/108.

 

([938])تفسير ابن عثيمين 1/355.

 

([939])إما رجل وقعت له مسألة يسأل عن حكمها، أو طالب علم يتعلم ليستنتج المسائل من أصولها، أما الأسئلة لمجرد استظهار ما عند الإنسان فقط، أو أقبح من ذلك من يستظهر ما عند الإنسان ليضرب آراء العلماء بعضها ببعض، وما أشبه ذلك، أو لأجل إعنات المسؤول، وإحراجه، فكل هذا من الأشياء المذمومة التي لا تنبغي. تفسير ابن عثيمين 1/355.

 

([940])تفسير ابن عثيمين 1/355.

 

([941])تفسير ابن عثيمين 1/355.

 

([942])  تفسير آيات الأحكام 1/108.

 

([943])  ايسر التفاسير 1/97.

 

([944])  تفسير آيات الأحكام 1/109.

 

([945])تفسير السعدي 1/62.

 

([946])تفسير ابن عثيمين 1/356.

 

([947])تفسير السعدي 1/62.

 

([948])تفسير ابن عثيمين 1/358.

 

([949])  أخرجه أحمد 2/50، حديث رقم 5114، وأخرجه أبو داود ص1518، كتاب اللباس، باب 4: في لبس الشهرة، حديث رقم 4031، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف كتاب السير، باب 79: ما قالوا فيما ذكر من الرماح واتخاذها، حديث رقم 33006، قال الحافظ في الفتح 10/271: أخرجه أبو داود بسند حسن؛ وقال الألباني في صحيح أبي داود: حسن صحيح 2/504، وقال في الإرواء: صحيح 5/109، حديث رقم 1269.

 

([950])  سورة النساء : الآية 32.

 

([951])سورة البقرة  : الآية 105.

 

([952])تفسير ابن عثيمين 1/360.

 

([953])  تفسير القرطبي 2/70.

 

([954])تفسير ابن عثيمين 1/360.

 

([955])  تفسير القرطبي 2/71.

 

([956])تفسير ابن عثيمين 1/361.

 

([957])  تفسير القرطبي 2/71.

 

([958])تفسير السعدي 1/62.

 

([959])تفسير ابن عثيمين 1/361.

 

([960])  تفسير القرطبي 2/71.

 

([961])تفسير ابن عثيمين 1/361.

 

([962])  كما جاء عن النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الصَّلاَةُ قَالَ يَقُولُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَزَّ لِمَلاَئِكَتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ انْظُرُوا فِى صَلاَةِ عَبْدِى أَتَمَّهَا أَمْ نَقَصَهَا فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِى مِنْ تَطَوُّعٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ قَالَ أَتِمُّوا لِعَبْدِى فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعْمَالُ عَلَى ذَاكُمْ ». أخرجه أبي داؤد في سننه 1/322، حديث 864. وقال الشيخ الألباني حديث صحيح.

 

([963])تفسير ابن عثيمين 1/365.

 

([964])  سورة الحج: الآيتان 40ــ 41.

 

([965])تفسير ابن عثيمين 1/365.

 

([966])  اخرجه البخاري:  2/110، كتاب الزكاة، باب 10: "اتقوا النار ولو بشق تمرة"، حديث رقم 1417.

 

([967])تفسير ابن عثيمين 1/365.

 

([968])  أخرجه البخاري في صحيحه، حديث رقم (6442).

 

([969])أخرجه مسلم 1/134، كتاب الإيمان، باب 70: وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس...، حديث رقم 153.

 

([970])تفسير ابن عثيمين 1/368.

 

([971])  تفسير القرطبي 2/75.

 

([972])تفسير ابن عثيمين 1/368.

 

([973])  تفسير القرطبي 2/75.

 

([974])تفسير ابن عثيمين 1/368.

 

([975])  تفسير القرطبي 2/75.

 

([976])تفسير السعدي 1/62.

 

([977])  صفوة التفاسير 1/79.

 

([978])  سورة القصص: الآية 88.

 

([979])تفسير ابن عثيمين 1/370.

 

([980])  ايسر التفاسير 1/101.

 

([981])تفسير السعدي 1/62.

 

([982])تفسير ابن عثيمين 1/371.

 

([983])سورة الانعام : الآية 82.

 

([984])سورة البقرة : الآية 166.

 

([985])سورة البقرة : الآية 167.

 

([986])سورة مريم : الآية 39.

 

([987])تفسير ابن عثيمين 1/371.

 

([988])  تفسير القرطبي 2/76.

 

([989])تفسير ابن عثيمين 1/374.

 

([990])تفسير السعدي 1/63.

 

([991])  تفسير القرطبي 2/76.

 

([992])تفسير ابن عثيمين 1/375.

 

([993])  تفسير القرطبي 2/76.

 

([994])تفسير ابن عثيمين 2/6.

 

([995])  تفسير القرطبي 2/77.

 

([996])تفسير السعدي 1/63.

 

([997])  تفسير القرطبي 2/77.

 

([998])ومنع مساجد الله له أسباب، فتارة تمنع المساجد من أن تمتهن فرشها، أو أرضها، أو كتبها، أو مصاحفها، فتغلَّق الأبواب حماية لها، وتارة تغلق أبوابها خوفاً من الفتنة، كما لو اجتمع فيها قوم لإثارة الفتن، والتشويش على العامة، فتغلق منعاً لهؤلاء من الاجتماع، وتارة تغلق لترميمها، وإصلاحها، وتارة تغلق خوفاً من سرقة ما فيها، ففي كل هذه الصور إغلاقها مباح، أو مطلوب.تفسير ابن عثيمين 2/8.

 

([999])وأخذ بعض العلماء من هذه الآية: تحريم التحجر، وهو أن يضع شيئاً في الصف، فيمنع غيره من الصلاة فيه، ويخرج من المسجد، قالوا: لأن هذا منع المكان الذي تحجره بالمسجد أن يذكر فيه اسم الله، لأن هذا المكان أحق الناس به أسبق الناس إليه، وهذا قد منع من هو أحق بالمكان منه أن يذكر فيه اسم الله، وهذا مأخذ قوي، ولا شك أن التحجر حرام: أن الإنسان يضع شيئاً، ويذهب، ويبيع، ويشتري، ويذهب إلى بيته يستمتع بأولاده، وأهله، وأما إذا كان الإنسان في نفس المسجد فلا حرج أن يضع ما يحجز به المكان بشرط ألا يتخطى الرقاب عند الوصول إليه، أو تصل إليه الصفوف، فيبقى في مكانه، لأنه حينئذ يكون قد شغل مكانين.

 

تفسير ابن عثيمين 2/8.

 

([1000])والمضاف إلى الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام: إما أن يكون أوصافاً، أو أعياناً، أو ما يتعلق بأعيان مخلوقة، فإذا كان المضاف إلى الله وصفاً فهو من صفاته غير مخلوق، مثل كلام الله، وعلم الله، وإذا كان المضاف إلى الله عيناً قائمة بنفسها فهو مخلوق وليس من صفاته، مثل مساجد الله، وناقة الله، وبيت الله، فهذه أعيان قائمة بنفسها إضافتها إلى الله من باب إضافة المخلوق لخالقه على وجه التشريف، ولا شيء من المخلوقات يضاف إلى الله عز وجل إلا لسبب خاص به، ولولا هذا السبب ما خص بالإضافة، وإذا كان المضاف إلى الله ما يتعلق بأعيان مخلوقة فهو أيضاً مخلوق، وهذا مثل قوله تعالى: ﴿ونفخت فيه من روحي﴾ [الحجر: 29]، فإن الروح هنا مخلوقة، لأنها تتعلق بعين مخلوقة.تفسير ابن عثيمين 2/8.

 

([1001])تفسير ابن عثيمين 2/9.

 

([1002])سورة الحج : الآية 26.

 

([1003])تفسير ابن عثيمين 2/10.

 

([1004])تفسير السعدي 1/63.

 

([1005])تفسير ابن عثيمين 2/10.

 

([1006])تفسير السعدي 1/63.

 

([1007])  تفسير القرطبي 2/77.

 

([1008])تفسير ابن عثيمين 2/11.

 

([1009])سورة الشورى: الآية 30.

 

([1010])تفسير ابن عثيمين 2/11.

 

([1011])  تفسير القرطبي 2/79.

 

([1012])تفسير ابن عثيمين 2/14.

 

([1013])تفسير السعدي 1/63.

 

([1014])تفسير ابن عثيمين 2/14.

 

([1015])  تفسير القرطبي 2/84.

 

([1016])تفسير السعدي 1/63.

 

([1017])تفسير ابن عثيمين 2/14.

 

([1018])تفسير السعدي 1/63.

 

([1019])  تفسير القرطبي 2/84.

 

([1020])سورة البقرة : الآية 106.

 

([1021])تفسير ابن عثيمين 2/14.

 

([1022])  أخرجه مسلم 1/381، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب 7: تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته، حديث 537.

 

([1023])تفسير ابن عثيمين 2/15.

 

([1024])  تفسير القرطبي 2/85.

 

([1025])في الحديث الصحيح القدسي: «كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله: إنه لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفْئاً أحدٌ».أخرجه البخاري ص431، كتاب التفسير، باب 1: حديث رقم 4974.

 

وقد أبطل الله هذه الدعوى الكاذبة من ستة أوجه:الوجه الأول: في قوله تعالى: ﴿سبحانه﴾، فإن تنزهه عن النقص يقتضي أن يكون منزهاً عن اتخاذ الولد، لأن اتخاذ الولد يقصد به الإعانة، ودفع الحاجة، أو بقاء العنصر، والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك، ومنزه أيضاً عن المماثلة، ولو كان له ولد لكان مثيلاً له.

الوجه الثاني: في قوله تعالى: ﴿بل له ما في السموات والأرض﴾، وعموم ملكه يستلزم استغناءه عن الولد.

الوجه الثالث: في قوله تعالى: ﴿بل له ما في السموات والأرض﴾، والمملوك لا يكون ولداً للمالك، حتى إنه شرعاً إذا ملك الإنسان ولده يعتق عليه، فالمملوك لا يمكن أن يكون ولداً للمالك، فالله خالق، وما سواه مخلوق، فكيف يكون المخلوق ولداً للخالق!الوجه الرابع: في قوله تعالى: ﴿كل له قانتون﴾، ووجهه أن العباد كلهم خاضعون ذليلون، وهذا يقتضي أنهم مربوبون لله عابدون له، والعبد لا يكون ولداً لربه.

الوجه الخامس: في قوله تعالى: ﴿بديع السموات والأرض﴾، ووجهه أنه سبحانه وتعالى مبدع السموات والأرض،فالقادر على خلق السموات والأرض قادر على أن يخلق إنساناً بلا أب، كما قال تعالى: ﴿لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس﴾ [غافر: 57].

الوجه السادس: في قوله تعالى: ﴿إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون﴾، ومن كان هذه قدرته فلا يستحيل عليه أن يوجد ولداً بدون أب.فبطلت شبهتهم التي يحتجون بها على أن لله ولداً.

 

([1026])تفسير السعدي 1/64.

 

([1027])  تفسير القرطبي 2/85.

 

([1028])تفسير السعدي 1/64.

 

([1029])  تفسير القرطبي 2/85.

 

([1030])تفسير ابن عثيمين 2/19.

 

([1031])تفسير السعدي 1/64.

 

([1032])تفسير ابن عثيمين 2/19.

 

([1033])  تفسير القرطبي 2/86.

 

([1034])والمراد القنوت العام ــــ وهو الخضوع للأمر الكوني ــــ، والقنوت يطلق على معنيين، معنى عام وخاص، «المعنى الخاص» هو قنوت العبادة، والطاعة، كما في قوله تعالى: ﴿أمَّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً﴾ [الزمر: 9]، وكما في قوله تعالى: ﴿وصدَّقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين﴾ [التحريم: 12]، وكما في قوله تعالى: ﴿يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين﴾ [آل عمران: 43]، و «المعنى العام» هو قنوت الذل العام، وهذا شامل لكل من في السموات، والأرض، كما في هذه الآية:﴿كل له قانتون﴾، حتى الكفار بهذا المعنى قانتون لله سبحانه وتعالى، لا يخرجون عن حكمه الكوني. تفسير ابن عثيمين 2/19.

 

([1035])تفسير السعدي 1/64.

 

([1036])  تفسير القرطبي 2/86.

 

([1037])تفسير ابن عثيمين 2/20.

 

([1038])سورة الملك: الآية 3.

 

([1039])هذا النظام الواسع الكبير العظيم لا يختل، ولا يتغير على مر السنين، والأعوام، فتدل على قدرة باهرة بالغة، وحكمة عظيمة بالغة: كل شيء منظم تنظيماً بديعاً متناسباً، فلا يصطدم شيء بشيء فيفسده، ولا يغير شيء شيئاً، بل كل سائر حسب ما أمره الله به، قال الله تعالى: ﴿وأوحى في كل سماء أمرها﴾ [فصلت: 12]، إذاً ﴿بديع السموات والأرض﴾ يستفاد منها القوة، والقدرة، والحكمة. تفسير ابن عثيمين 2/20.

 

([1040])  تفسير القرطبي 2/87.

 

([1041])تفسير السعدي 1/64.

 

([1042])  تفسير القرطبي 2/90.

 

([1043])  تفسير القرطبي 2/91.

 

([1044])سورة يونس : الآيتان 96ــ 97.

 

([1045])تفسير ابن عثيمين 2/23.

 

([1046])  تفسير القرطبي 2/92.

 

([1047])تفسير ابن عثيمين 2/24.

 

([1048])سورة الذاريات : الآيتان 52ــ 53.

 

([1049])لو تأملت الدعاوى الباطلة التي رد بها المشركون رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم من زمنه إلى اليوم لوجدت أنها متشابهة، كما قال تعالى: ﴿وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون﴾ [المطففين: 32]، واليوم يقولون للمتمسكين بالقرآن، والسنة هؤلاء رجعيون، هؤلاء دراويش لا يعرفون شيئاً. تفسير ابن عثيمين 2/24.

 

([1050])  لتشابه القلوب تشابهت الأقوال، ويؤيد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسدكله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».أخرجه البخاري ص6، كتاب الإيمان، باب 39: فضل من استبرأ لدينه، حديث رقم 52، وأخرجه مسلم ص955، كتاب المساقاة، باب 2: أخذ الحلال وترك الحرام، حديث رقم 4094 [107] 1599.

 

([1051])تفسير ابن عثيمين 2/25.

 

([1052])  تفسير القرطبي 2/92.

 

([1053])سورة الزخرف: الآية 39.

 

([1054])تفسير ابن عثيمين 2/25.

 

([1055])سورة محمد : الآية 17.

 

([1056])تفسير ابن عثيمين 2/28.

 

([1057])تفسير السعدي 1/64.

 

([1058])  تفسير القرطبي 2/93.

 

([1059])تفسير ابن عثيمين 2/29.

 

([1060])تفسير السعدي 1/64.

 

([1061])تفسير ابن عثيمين 2/32.

 

([1062])  تفسير القرطبي 2/93.

 

([1063])تفسير ابن عثيمين 2/32.

 

([1064])  تفسير القرطبي 2/94.

 

([1065])تفسير ابن عثيمين 2/32.

 

([1066])سورة يونس: الآية 32.

 

([1067])تفسير ابن عثيمين 2/32.

 

([1068])سورة سبأ : الآية 24.

 

([1069])تفسير ابن عثيمين 2/32.

 

([1070])  تفسير القرطبي 2/94.

 

([1071])تفسير السعدي 1/64.

 

([1072])تفسير ابن عثيمين 2/33.

 

([1073])سورة العنكبوت : الآية 48.

 

([1074])تفسير ابن عثيمين 2/33.

 

([1075])سورة الانعام : الآية82.

 

([1076])تفسير ابن عثيمين 2/34.

 

([1077])  تفسير القرطبي 2/95.

 

([1078])تفسير ابن عثيمين 2/36.

 

([1079])  تفسير القرطبي 2/95.

 

([1080])تفسير ابن عثيمين 2/37.

 

([1081])تفسير السعدي 1/65.

 

([1082])  ايسر التفاسير 1/108.

 

([1083])يكون خاسراً ــــ ولو نال من الدنيا من أموال، وبنين، ومراكب فخمة، وقصور مشيدة ــــ، لأن هذه كلها سوف تذهب، وتزول، أو هو يزول عنها، ولا تنفعه، واذكر قصة قارون، واتل قول الله تعالى: ﴿قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين﴾ [الزمر: 15]، فإذاً يصدق عليهم أنهم هم الخاسرون، كما في قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله﴾ [المنافقون: 9]، ولما كان الذي يتلهى بذلك عن ذكر الله يظن أنه يربح قال تعالى: ﴿ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون﴾ [المنافقون: 9] يعني: ولو ربحوا في دنياهم. تفسير ابن عثيمين 2/37.

 

([1084])تفسير ابن عثيمين 2/37.

 

([1085])  ايسر التفاسير 1/108.

 

([1086]) سورة لقمان : الآية 33.

 

([1087])سورة المائدة  : الآية 36.

 

([1088])  راجع البخاري 6/84، كتاب التفسير، باب 5: (ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبداً شكوراً)، حديث رقم 4712.

 

([1089])تفسير ابن عثيمين 2/39.

 

([1090])  ايسر التفاسير 1/109.

 

([1091])سورة المدثر : الآية 48.

 

([1092])تفسير ابن عثيمين 2/40.

 

([1093])  صفوة التفاسير 1/84.

 

([1094])تفسير ابن عثيمين 2/43.

 

([1095])  سورة النجم : الآية 37.

 

([1096])  تفسير القرطبي 2/97.

 

([1097])تفسير السعدي 1/65.

 

([1098])  تفسير القرطبي 2/98.

 

([1099])  صفوة التفاسير 1/84.

 

([1100])تفسير السعدي 1/65.

 

([1101])  تفسير القرطبي 2/107.

 

([1102])التبيان في تفسير غريب القرآن، ص92.

 

([1103])  ايسر التفاسير 1/111.

 

([1104])التبيان في تفسير غريب القرآن، ص92.

 

([1105])  تفسير القرطبي 2/107.

 

([1106])سورة ابراهيم : الآية 40.

 

([1107])  صفوة التفاسير 1/84.

 

([1108])تفسير السعدي 1/65.

 

([1109])تفسير ابن عثيمين 2/43.

 

([1110])  تفسير القرطبي 2/108.

 

([1111])تفسير السعدي 1/65.

 

([1112])تفسير ابن عثيمين 2/47.

 

([1113])تفسير السعدي 1/65.

 

([1114])تفسير ابن عثيمين 2/48.

 

([1115])لأن الأصل في الأمر الوجوب، فإن قلنا بأن المراد بالمقام جميع مناسك الحج فلا إشكال، لأن فيه ما لا يتم الحج إلا به كالوقوف بعرفة، والطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، ومنه ما يصح الحج بدونه مع وجوبه كالمبيت بمزدلفة، ورمي الجمرات، ومنه ما يصح الحج بدونه وليس بواجب، كصلاة الركعتين بعد الطواف على المشهور، وإذا قلنا: المراد به الركعتان بعد الطواف صار فيه إشكال: فإن جمهور العلماء على أنهما سنة، وذهب الإمام مالك إلى أنهما واجبتان، والذي ينبغي للإنسان: أن لا يدعهما، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فسر الآية بهما، حيث تقدم إلى مقام إبراهيم بعد الطواف، فقرأ: ﴿واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى﴾ تفسير ابن عثيمين 2/48.

 

([1116])تفسير السعدي 1/65.

 

([1117])والعهد هو الوصية بالأمر الهام، ويؤيد ذلك قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا﴾ [التوبة: 28]، ولهذا لا يجوز للمشركين وغيرهم من أهل الكفر أن يدخلوا أميال الحرم، لأنهم إذا دخلوها قربوا من المسجد الحرام والله تعالى يقول: ﴿فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا﴾ [التوبة: 28]. تفسير ابن عثيمين 2/49.

 

([1118])تفسير السعدي 1/65.

 

([1119])تفسير ابن عثيمين 2/49.

 

([1120])تفسير السعدي 1/65.

 

([1121]) قال العلماء: يشترط لصحة الطواف أن يكون في المسجد الحرام، وأنه لو طاف خارج المسجد ما أجزأه، فلو أراد الإنسان ــــ مثلاً ــــ أن يطوف حول المسجد الحرام من خارج فإنه لا يجزئ، لأنه يكون حينئذ طائفاً بالمسجد لا بالكعبة، أما الذين يطوفون في نفس المسجد سواء فوق أو تحت، فهؤلاء يجزئهم الطواف، وعلى هذا يجب الحذر من الطواف في المسعى، أو فوقه، لأن المسعى ليس من المسجد، إذ لو كان من المسجد لكانت المرأة إذا حاضت بعد الطواف لا تسعى، لأنه يلزم من سعيها أن تمكث في المسجد. تفسير ابن عثيمين 2/49.

 

([1122])اسرار البيان في التعبير القرآني ص34. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

والثمن الجنة لعبد الملك القاسم

سلسلة أين نحن من هؤلاء ؟  كتاب والثمن الجنة لعبد الملك القاسم  بسم الله الرحمن الرحيم  المقدمة  الحمد لله الذي وعد من أطاعه جنات عدن تجري ...