دعاء الاموات لمشاري

نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}}

نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}}

نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}}

 نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}

Translate

الاثنين، 6 مارس 2023

تفسير سورة الفرقان الايات من 21 الي 32.

تفسير سورة الفرقان الايات من 21 الي 32. 

 وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32)

 

الفرقان - تفسير ابن كثير 

وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)

{ وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا (24) } .

يقول تعالى مخبرا عن تَعَنُّت الكفار في كفرهم، وعنادهم في قولهم: { لَوْلا أُنزلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ } (1) أي: بالرسالة كما نزل (2) على الأنبياء، كما أخبر عنهم تعالى في الآية الأخرى: { قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ } [ الأنعام : 124] ، ويحتمل أن يكون مرادهم هاهنا: { لَوْلا أُنزلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ } فنراهم عيانا، فيخبرونا أن محمدا رسول الله، كقولهم (3) : { أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا } [ الإسراء : 92]. وقد تقدم تفسيرها في سورة "سبحان"؛ ولهذا قال (4) : { أَوْ نَرَى رَبَّنَا } ولهذا قال الله تعالى: { لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا } . وقد قال [الله] (5) تعالى: { وَلَوْ أَنَّنَا نزلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } [ الأنعام : 111] .

وقوله: { يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا } أي: هم لا يرون الملائكة في يوم خير لهم، بل يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ لهم (6) ، وذلك يَصْدُق على وقت الاحتضار حين تبشرهم الملائكة بالنار، وغضب الجبار، فتقول الملائكة للكافر عند خروج روحه: اخرجي أيتها النفس الخبيثة في الجسد الخبيث، اخرجي إلى سَموم وحَميم، وظلِّ من يحموم. فتأبى الخروج وتتفرق في البدن (7) ، فيضربونه، كما قال الله تعالى: { وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } [ الأنفال : 50]. وقال: { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ } أي: بالضرب ، { أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } [ الأنعام : 93]؛ ولهذا قال في هذه الآية

__________

(1) في أ: "عليه" وهو خطأ.

(2) في أ: "تنزل".

(3) في ف، أ: "وكقولهم".

(4) في ف، أ: "قالوا".

(5) زيادة من ف، أ.

(6) في ف، أ: "للمجرمين".

(7) في أ: "الجسد".

(6/101)

 

 

الكريمة: { يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ } ، وهذا بخلاف حال المؤمنين في وقت احتضارهم، فإنهم يبشرون بالخيرات، وحصول المسرات. قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نزلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ } [ فصلت : 30 -31] .

وفي الحديث الصحيح عن البراء بن عازب: أن الملائكة تقول لروح المؤمن: "اخرجي أيتها النفس الطيبة (1) في الجسد الطيب، كنت تعمرينه، اخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان". وقد تقدم الحديث في سورة "إبراهيم" (2) عند قوله تعالى: { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ } [ إبراهيم : 27] .

وقال آخرون: بل المراد بقوله: { يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ } يعني: يوم القيامة. قاله مجاهد، والضحاك؛ وغيرهما.

ولا منافاة بين هذا وبين ما تقدم، فإن الملائكة في هذين اليومين يوم الممات ويوم المعاد تتجلى للمؤمنين وللكافرين، فتبشر المؤمنين بالرحمة والرضوان، وتخبر الكافرين بالخيبة والخسران، فلا بشرى يومئذ للمجرمين.

{ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا } أي: وتقول الملائكة للكافرين حَرَام محرم عليكم الفلاح اليوم.

وأصل "الحجر" : المنع، ومنه يقال: حَجَر القاضي على فلان، إذا منعه التصرف إما لسفَه، أو فَلَس، أو صغر، أو نحو ذلك. ومنه سمي "الحجْر" عند البيت الحرام؛ لأنه يمنع الطُوَّاف أن يطوفوا فيه (3) ، وإنما يطاف من ورائه. ومنه يقال للعقل "حجر" (4) ؛ لأنه يمنع صاحبه عن تعاطي ما لا يليق.

والغرض أن الضمير في قوله: { وَيَقُولُونَ } عائد على الملائكة. هذا قول مجاهد، وعكرمة، والضحاك، والحسن، وقتادة، وعطية العوفي، وعطاء الخراساني، وخُصَيف، وغير واحد. واختاره ابن جرير (5) .

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو نعيم، حدثنا موسى -يعني ابن قيس -عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري: { وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا } قال: حراما مُحَرّما أن يُبَشَّر بما يبشر به المتقون.

وقد حكى ابن جرير، عن ابن جُرَيْج أنه قال: ذلك من كلام المشركين: { يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ } ، [أي: يتعوذون من الملائكة؛ وذلك أن العرب كانوا إذا نزل بأحدهم نازلة أو شدة] (6) يقولون: { حِجْرًا مَحْجُورًا } .

__________

(1) في ف، أ: "المطمئنة".

(2) عند الآية: 27.

(3) في ف: "به".

(4) في أ: "حجرا".

(5) تفسير الطبري (19/2).

(6) زيادة من ف، أ.

(6/102)

 

 

وهذا القول -وإن كان له مأخذ ووجه -ولكنه بالنسبة إلى السياق في الآية بعيد، لا سيما قد نص الجمهور على خلافه. ولكن قد روى ابنُ أبي نَجِيح، عن مجاهد؛ أنه قال في قوله: { حِجْرًا مَحْجُورًا } أي: عوذاً معاذاً. فيحتمل (1) أنه أراد ما ذكره ابن جريج. ولكن في رواية ابن أبي حاتم، عن ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد أنه قال: { حِجْرًا مَحْجُورًا } [أي] : (2) عوذا معاذا، الملائكة تقُوله. فالله (3) أعلم.

وقوله تعالى: { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا } ، وهذا يوم القيامة، حين يحاسب الله العباد على ما عملوه من خير وشر، فأخبر أنه لا يتحصل لهؤلاء المشركين من الأعمال -التي ظنوا أنها منجاة لهم -شيء؛ وذلك لأنها فقدت الشرط الشرعي، إما الإخلاص فيها، وإما المتابعة لشرع الله. فكل عمل لا يكون خالصا وعلى الشريعة المرضية، فهو باطل. فأعمال الكفار لا تخلو من واحد من هذين، وقد تجمعهما معا، فتكون أبعد من القبول حينئذ؛ ولهذا قال تعالى: { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا } .

قال مجاهد، والثوري: { وَقَدِمْنَا } أي: عمدنا.

وقال السدي:(قدمنا) : عَمَدنا. وبعضهم يقول: أتينا عليه.

وقوله: { فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا } قال سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، رضي الله عنه، في قوله: { [ فَجَعَلْنَاهُ] (4) هَبَاءً مَنْثُورًا } ، قال: شعاع الشمس إذا دخل في الكوَّة. وكذا روي من غير هذا الوجه عن علي. ورُوي مثله عن ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جُبَير، والسُّدِّي، والضحاك، وغيرهم. وكذا قال الحسن البصري: هو الشعاع في كوة أحدهم (5) ، ولو ذهب يقبض عليه لم يستطع.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { هَبَاءً مَنْثُورًا } قال: هو الماء المهراق.

وقال أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي: { هَبَاءً مَنْثُورًا } قال: الهباء رَهْج (6) الدواب . ورُوي مثله عن ابن عباس أيضا، والضحاك، وقاله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.

وقال قتادة في قوله: { هَبَاءً مَنْثُورًا } قال: أما رأيت يَبِيس الشجر إذا ذرته (7) الريح؟ فهو ذلك الورق.

وقال عبد الله بن وهب: أخبرني عاصم بن حكيم، عن أبي سريع الطائي، عن يعلى بن عبيد (8) قال: وإن الهباء الرماد.

وحاصل هذه الأقوال التنبيهُ على مضمون الآية، وذلك أنهم عملوا أعمالا اعتقدوا أنها شيء، فلما عرضت على الملك الحكيم (9) العدل الذي لا يجور ولا يظلم أحدا، إذا إنها لا شيء بالكلية. وشبهت في ذلك بالشيء التافه الحقير المتفرق، الذي لا يقدر منه صاحبه على شيء بالكلية، كما قال

__________

(1) في ف، أ: "فيحمل".

(2) زيادة من أ.

(3) في أ: "والله".

(4) زيادة من ف، أ.

(5) في ف، أ: "أحدكم".

(6) في ف، أ: "وهج".

(7) في أ: "أذرته".

(8) في أ: "عبيد بن يعلى".

(9) في ف: "الحكم".

(6/103)

 

 

الله تعالى: { مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ } [ إبراهيم : 18] وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا } [ البقرة : 264] وقال تعالى: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا } [ النور : 39] وتقدم الكلام على تفسير ذلك، ولله الحمد والمنة.

وقوله: { أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا } أي: يوم القيامة { لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ } [ الحشر : 20]؛ وذلك لأن (1) أهل الجنة يصيرون إلى الدرجات العاليات، والغرفات الآمنات، فهم في مقام أمين، حسن المنظر، طيب المقام، { خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا } [ الفرقان : 76] ، وأهل النار يصيرون إلى الدركات السافلات، والحسرات المتتابعات، وأنواع العذاب والعقوبات، { إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا } [ الفرقان : 66] أي: بئس المنزل منظرا وبئس (2) المقيل مقاما؛ ولهذا قال: { أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا } أي: بما عملوه من الأعمال المتقبلة، نالوا ما نالوا، وصاروا إلى ما صاروا إليه (3) ، بخلاف أهل النار فإنه ليس لهم عمل واحد يقتضي لهم دخول الجنة والنجاة من النار، فَنَبَّه -تعالى -بحال السعداء على حال الأشقياء، وأنه لا خير عندهم بالكلية، فقال: { أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا } .

قال الضحاك: عن ابن عباس: إنما هي ضحوة، فيقيل أولياء الله على الأسرة مع الحور العين، ويَقيل أعداء الله مع الشياطين مقرنين.

وقال سعيد بن جبير: يفرغ الله من الحساب نصف النهار، فيقيل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، قال الله تعالى: { أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا } .

وقال عكرمة: إني لأعرف الساعة التي يدخل فيها أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار: هي الساعة التي تكون في الدنيا عند ارتفاع الضحى الأكبر، إذا انقلب الناس إلى أهليهم للقيلولة، فينصرف أهل النار إلى النار، وأما أهل [الجنة فيُنطلق بهم إلى] (4) الجنة، فكانت قيلولتهم [في الجنة] (5) وأطعموا كبد حوت، فأشبعهم [ذلك] (6) كلهم، وذلك قوله: { أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا } .

وقال سفيان، عن مَيسَرة، عن المِنْهَال، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، أنه قال: لا ينتصف النهار حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء ثم قرأ : { أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا } وقرأ { ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإلَى الْجَحِيمِ } [ الصافات : 68] .

__________

(1) في أ: "أن".

(2) في ف: "أو".

(3) في ف: "وصاروا إلى ما إليه صاروا".

(4) زيادة من ف، أ.

(5) زيادة من ف، أ.

(6) زيادة من ف، أ.

(6/104)

 

 

وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)

وقال العَوْفي، عن ابن عباس في قوله: { أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا } قال: قالوا في الغرف من الجنة، وكان حسابهم أن (1) عُرضوا على ربهم عرضة واحدة، وذلك الحساب اليسير، وهو مثل قوله تعالى: { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا } [ الانشقاق : 7-9] .

وقال قتادة في قوله: { أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا } أي: مأوى ومنزلا قال قتادة: وحَدّث صفوان بن مُحْرِز أنه قال: يجاء يوم القيامة برجلين، أحدهما كان ملكا (2) في الدنيا إلى الحمرة والبياض فيحاسب، فإذا عبدٌ، لم يعمل خيرا فيؤمر به إلى النار. والآخر كان صاحب كساء في الدنيا، فيحاسب فيقول: يا رب، ما أعطيتني من شيء فتحاسبني به. فيقول: صدق عبدي، فأرسلوه. فيؤمر به إلى الجنة، ثم يتركان ما شاء الله. ثم يدعى صاحب (3) النار، فإذا هو مثل الحُمَمة (4) السوداء، فيقال له: كيف وجدت؟ فيقول: شر مَقيل. فيقال (5) له: عد (6) ثم يُدعَى بصاحب الجنة، فإذا هو مثل القمر ليلة البدر، فيقال له: كيف وجدت؟ فيقول: رب، خير مَقيل. فيقال له: عد. رواها ابن أبي حاتم كلها.

وقال ابن جرير: حدثني يونس، أنبأنا ابن وهب، أنبأنا عمرو بن الحارث، أن سعيدًا (7) الصوَّاف حدثه، أنه بلغه: أن يوم القيامة يقصر على المؤمن (8) حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس، وأنهم ليقيلون في رياض الجنة حتى يفرغ من الناس، وذلك (9) قوله تعالى: { أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا } (10) .

{ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنزلَ الْمَلائِكَةُ تَنزيلا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنْسَانِ خَذُولا (29) } .

يخبر تعالى عن هَول يوم القيامة، وما يكون فيه من الأمور العظيمة، فمنها انشقاق (11) السماء وتفطرها وانفراجها بالغمام، وهو ظُلَل (12) النور العظيم الذي يبهر الأبصار، ونزول ملائكة السموات يومئذ، فيحيطون بالخلائق في مقام المحشر. ثم يجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء.

قال مجاهد: وهذا كما قال تعالى: { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ } [ البقرة: 210] .

__________

(1) في أ: "إذ".

(2) في أ: "ملك".

(3) في أ: "بصاحب".

(4) في ف، أ: "الفحمة".

(5) في أ: "فقال".

(6) في ف، أ: "عده".

(7) في أ: "سعيد".

(8) في أ: "المؤمنين".

(9) في ف، أ: "فذلك".

(10) تفسير الطبري (19/5).

(11) في أ: "اشتقاق".

(12) في أ: "ظل".

(6/105)

 

 

قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن الحارث، حدثنا مُؤَمِّل، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مِهْرَان، عن ابن عباس، أنه قرأ هذه الآية: { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنزلَ الْمَلائِكَةُ تَنزيلا } قال ابن عباس: يجمع الله الخلق يوم القيامة (1) في صعيد واحد، الجن والإنس والبهائم والسباع والطير وجميع الخلق، فتنشق السماء الدنيا، فينزل أهلها -وهم أكثر من الجن والإنس ومن جميع الخلائق (2) -فيحيطون بالجن والإنس وبجميع الخلق. ثم تنشق السماء الثانية فينزل أهلها، وهم أكثر من أهل السماء الدنيا ومن الجن والإنس ومن جميع الخلق [فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم والجن والإنس وجميع الخلق (3) ] (4) ثم تنشق السماء الثالثة، فينزل أهلها، وهم أكثر من أهل السماء الثانية والسماء الدنيا ومن جميع الخلق، فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم، وبالجن والإنس وبجميع الخلق. ثم كذلك كل سماء، حتى تنشق السماء السابعة، فينزل أهلها وهم أكثر ممن نزل قبلهم من أهل السموات ومن الجن والإنس، ومن جميع الخلق، فيحيطون (5) بالملائكة الذين نزلوا قبلهم من أهل السموات، وبالجن والإنس وجميع الخلق، وينزل ربنا عز وجل في ظلل من الغمام، وحوله الكروبيون، وهم أكثر من أهل السموات السبع ومن الإنس (6) والجن وجميع الخلق، لهم قرون كأكعب القنا، وهم تحت العرش، لهم زَجَل بالتسبيح والتهليل (7) والتقديس لله عز وجل، ما بين أخمص قدم أحدهم إلى كعبه مسيرة خمسمائة عام، وما بين كعبه إلى ركبته (8) مسيرة خمسمائة عام، وما بين ركبته إلى حُجْزَته (9) مسيرة خمسمائة عام، وما بين حُجْزَته (10) إلى ترقوته مسيرة خمسمائة عام، وما بين ترقوته إلى موضع القُرط مسيرة خمسمائة عام. وما فوق ذلك مسيرة خمسمائة عام، وجهنم مجنبته (11) هكذا رواه ابن أبي حاتم بهذا السياق.

وقال ابن جرير: حدثنا القاسم، حدثنا الحسين، حدثني الحجاج، عن مبارك بن فضالة، عن علي بن زيد بن جُدْعَان، عن يوسف بن مِهْرَان، أنه سمع ابن عباس يقول: إن هذه السماء إذا انشقت نزل منها من الملائكة أكثر من الجن والإنس، وهو يوم التلاق، يوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض، فيقول أهل الأرض: جاء ربنا؟ فيقولون: لم يجئ، وهو آت. ثم تنشق السماء الثانية، ثم سماء سماء على قدر ذلك من التضعيف إلى السماء السابعة. فينزل منها من الملائكة أكثر من [جميع من] (12) نزل من السموات ومن الجن والإنس. قال: فتنزل (13) الملائكة الكَرُوبيُون، ثم يأتي ربنا في حملة العرش الثمانية، بين كعب كل ملك وركبته مسيرة سبعين سنة، وبين فخذه ومنكبه مسيرة سبعين سنة. قال: وكل ملك منهم لم يتأمل وجه صاحبه، وكل ملك منهم واضع رأسه بين ثدييه يقول: سبحان الملك القدوس. وعلى رؤوسهم شيء مبسوط كأنه القَبَاء (14) والعرش فوق ذلك.

__________

(1) في ف، أ: "يجمع الله تعالى الخلق كلهم يوم القيامة".

(2) في ف، أ: "الخلق".

(3) في ف، أ: "الخلائق".

(4) زيادة من ف، أ، والدر المنثور 5/68.

(5) في أ: "فيحطون".

(6) في ف، أ: "والإنس".

(7) في ف، أ: "بالتهليل والتسبيح".

(8) في أ: "ركبتيه".

(9) في ف، أ: "أرنبته".

(10) في ف، أ: "أرنبته".

(11) في هـ، ف غير منقوطة، وفي أ: "مجنبته".

(12) زيادة من ف، أ، والطبري.

(13) في ف، أ: "فينزل".

(14) في أ: "القفاء".

(6/106)

 

 

ثم وقف، فمداره على عليِّ بن زيد بن جُدْعان، وفيه ضعف، وفي سياقاته غالبا نكارة شديدة. وقد ورد في حديث الصور المشهور (1) قريب من هذا، والله أعلم.

وقد قال [الله] (2) تعالى: { فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } [ الحاقة : 15 -17] قال شهر بن حَوْشَب: حملة العرش ثمانية، أربعة منهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على حلمك بعد علمك. وأربعة يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك، رواه ابن جرير عنه.

وقال أبو بكر بن عبد الله: إذا نظر أهل الأرض إلى العرش يهبط عليهم من فوقهم، شخصت إليه أبصارهم، ورَجَفت كُلاهم في أجوافهم، وطارت قلوبهم من مَقَرّها من صدورهم إلى حناجرهم.

وقال ابن جرير: حدثنا القاسم، حدثنا الحسين، حدثنا معتمر بن سليمان، عن عبد الجليل، عن أبي حازم، عن عبد الله بن عمرو قال: يهبط الله حين يهبط وبينه وبين خلقه سبعون ألف حجاب، منها النور والظلمة، فيُصَوّت الماء في تلك الظلمة صوتا تنخلع منه (3) القلوب.

وهذا موقوف على (4) عبد الله بن عمرو من كلامه، ولعله من الزاملتين، والله أعلم.

وقوله تعالى: { الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا } ، كما قال تعالى: { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [ غافر : 16] وفي الصحيح: "إن الله يطوي السموات بيمينه، ويأخذ الأرضين بيده الأخرى، ثم يقول: أنا الملك، أنا الديان، أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون"؟ (5)

وقوله: { وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا } أي: شديدا صعبا؛ لأنه يوم عدل وقضاء فصل، كما قال تعالى: { [فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ] } (6) "، { فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ } [ المدثر : 8 -10]، فهذا حال الكافرين في هذا اليوم. وأما المؤمنون فكما قال تعالى: { لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } [ الأنبياء : 103] .

وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن (7) بن موسى، حدثنا ابن لَهيعة، حدثنا دَرَّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري قال: قيل: يا رسول الله: { يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } ما (8) أطول هذا اليوم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون

__________

(1) تقدم الحديث عند تفسير الآية: 73 من سورة الأنعام.

(2) زيادة من ف، أ.

(3) في ف. أ: "له".

(4) في ف، أ: "عن".

(5) صحيح مسلم برقم (2788) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه، وليس فيه: "أنا الديان".

(6) زيادة من ف، أ.

(7) في ف، أ: "حسين".

(8) في ف، أ: "وما".

(6/107)

 

 

وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31)

أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا" (1) .

وقوله: { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا } : يخبر تعالى عن ندم الظالم الذي فارق طريق الرسول وما جاء به من عند الله من الحق المبين، الذي لا مرْية فيه، وسلك طريقا أخرى غير سبيل الرسول، فإذا كان يوم القيامة نَدمَ حيثُ لا ينفعه النَدَمُ، وعضّ على يديه حسرةً وأسفا.

وسواء كان سبب نزولها في عقبة بن أبي مُعَيط أو غيره من الأشقياء، فإنها عامة في كل ظالم، كما قال تعالى: { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا } [ الأحزاب :66 -68] فكل (2) ظالم يندم يوم القيامة غاية الندم، ويَعَض على يديه قائلا { يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا } يعني: مَن (3) صرفه عن الهدى، وعدل به إلى طريق الضلالة [من دعاة الضلالة] (4) ، وسواء في ذلك أمية بن خلف، أو أخوه أبي بن خلف، أو غيرهما.

{ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ } [وهو القرآن] (5) { بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي } أي: بعد بلوغه إلي، قال الله تعالى: { وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنْسَانِ خَذُولا } أي: يخذله عن الحق، ويصرفه عنه، ويستعمله في الباطل، ويدعوه إليه.

{ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) }

يقول تعالى مخبرا عن رسوله ونبيه محمد (6) -صلوات الله وسلامه (7) عليه دائما إلى يوم الدين -أنه قال: { يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا } ، وذلك أن المشركين كانوا لا يُصغُون للقرآن ولا يسمعونه (8) ، كما قال تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } [ فصلت : 26] وكانوا إذا تلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره، حتى لا يسمعوه. فهذا من هجرانه، وترك [علمه وحفظه أيضا من هجرانه، وترك] (9) الإيمان به وتصديقه من هجرانه، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدولُ عنه إلى غيره -من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره -من هجرانه، فنسأل الله الكريمَ المنانَ القادرَ على ما يشاء، أن يخلّصنا مما يُسْخطه، ويستعملنا فيما يرضيه، من حفظ كتابه وفهمه، والقيام بمقتضاه آناء الليل وأطرافَ النهار، على الوجه الذي

__________

(1) المسند (3/75) وفي إسناده دراج عن أبي الهيثم ضعيف.

(2) في ف، أ: "وكل".

(3) في ف، أ: "لمن".

(4) زيادة من ف، أ.

(5) زيادة من ف، أ.

(6) في أ: "محمدا".

(7) في ف، أ: "صلى الله عليه وسلم".

(8) في أ: "يستمعونه"

(9) زيادة من ف، أ.

(6/108)

 

 

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32)

يحبه ويرضاه، إنه كريم وهاب.

وقوله: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ } أي: كما حصل لك -يا محمد -في قومك من الذين هجروا القرآن، كذلك كان في الأمم الماضين؛ لأن الله جعل لكل نبي عدوا من المجرمين، يدعون الناس إلى ضلالهم وكفرهم، كما قال تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ } [ الأنعام : 112 -113] ؛ ولهذا قال هاهنا: { وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا } أي: لمن اتبع رسوله، وآمن بكتابه وصدقه واتبعه، فإن الله هاديه وناصره في الدنيا والآخرة. وإنما قال: { هَادِيًا وَنَصِيرًا } لأن المشركين كانوا يصدون الناس عن اتباع القرآن، لئلا يهتدي أحد به، ولتغلب طريقتهم طريقة القرآن؛ فلهذا قال: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا } .

{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نزلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا (32) }

=== 

الفرقان - تفسير القرطبي 

الآية: [21] {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً} .

الآية: [22 ]{يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً}

قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} يريد لا يخافون البعث ولقاء الله، أي لا يؤمنون بذلك. قال:

إذا لسعته النحل لم يرج لسعتها ... وخالفها في بيت نوب عوامل

وقيل: {لا يَرْجُونَ} لا يبالون. قال:

لعمرك ما أرجو إذا كنت مسلما ... على أي جنب كان في الله مصرعي

ابن شجرة: لا يأملون؛ قال:

أترجو أمة قتلت حسينا ... شفاعة جده يوم الحساب

{وْلا أُنْزِلَ} أي هلا أنزل. {عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ} فيخبروا أن محمدا صادق. {أَوْ نَرَى رَبَّنَا} عيانا فيخبرنا برسالته. نظيره قوله تعالى: {قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ

(13/19)

 

 

يَنْبُوعاً} [الإسراء: 90]إلى قوله: {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً} [الإسراء: 92]. قال الله تعالى: {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً} حيث سألوا الله الشطط؛ لأن الملائكة لا ترى إلا عند الموت أو عند نزول العذاب، والله تعالى لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، فلا عين تراه. وقال مقاتل: {عَتَوْا} علوا في الأرض. والعتو: أشد الكفر وأفحش الظلم. وإذا لم يكتفوا بالمعجزات وهذا القرآن فكيف يكتفون بالملائكة؟ وهم لا يميزون بينهم وبين الشياطين، ولا بد لهم من معجزة يقيمها من يدعى أنه ملك، وليس للقوم طلب معجزة بعد أن شاهدوا معجزة، وأن {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ} يريد أن الملائكة لا يراها أحد إلا عند الموت: فتبشر المؤمنين بالجنة، وتضرب المشركين والكفار بمقامع الحديد حتى تخرج أنفسهم. {وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً} يريد تقول الملائكة حراما محرما أن يدخل الجنة إلا من قال لا إله إلا الله، وأقام شرائعها؛ عن ابن عباس وغيره. وقيل: إن ذلك يوم القيامة؛ قال مجاهد وعطية العوفي. قال عطية: إذا كان يوم القيامة تلقى المؤمن بالبشرى: فإذا رأى ذلك الكافر تمناه فلم يره من الملائكة. وانتصب "يوم يرون" بتقدير لا بشرى للمجرمين يوم يرون الملائكة. {يومئذ} تأكيد لـ {يَوْمَ يَرَوْنَ}. قال النحاس: لا يجوز أن يكون {يَوْمَ يَرَوْنَ} منصوبا بـ {بُشْرَى} لأن ما في حيز النفي لا يعمل فيما قبله، ولكن فيه تقدير أن يكون المعنى يمنعون البشارة يوم يرون الملائكة؛ ودل على هذا الحذف ما بعده، ويجوز أن يكون التقدير: لا بشرى تكون يوم يرون الملائكة، و {يَوْمَئِذٍ} مؤكد. ويجوز أن يكون المعنى: اذكر يوم يرون الملائكة: ثم ابتدأ فقال: {لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً} أي وتقول الملائكة حراما محرما أن تكون لهم البشرى إلا للمؤمنين. قال الشاعر:

ألا أصبحت أسماء حجرا محرما ... وأصبحت من أدنى حموتها حما

أرادألا أصبحت أسماء محرما

(13/20)

 

 

وقال آخر:

حنت إلى النخلة القصوى فقلت لها ... حجر حرام ألا تلك الدهاريس

وروي عن الحسن أنه قال: {وَيَقُولُونَ حِجْراً} وقف من قول المجرمين؛ فقال الله. عز وجل: {مَحْجُوراً} عليهم أن يعاذوا أو يجاروا؛ فحجر الله ذلك عليهم يوم القيامة. والأول قول ابن عباس. وبه قال الفراء؛ قاله ابن الأنباري. وقرأ الحسن وأبو رجاء: {حِجْراً} بضم الحاء والناس على كسرها. وقيل: إن ذلك من قول الكفار قالوه لأنفسهم؛ قاله قتادة فيما ذكر الماوردي. وقيل: هو قول الكفار للملائكة. وهي كلمة استعاذة وكانت معروفة في الجاهلية؛ فكان إذا لقي الرجل من يخافه قال: حجرا محجورا؛ أي حراما عليك التعرض لي. وانتصابه على معنى: حجرت عليك، أو حجر الله عليك؛ كما تقول: سقيا ورعيا. أي إن المحرمين إذا رأوا الملائكة يلقونهم في النار قالوا: نعوذ بالله منكم؛ ذكره القشيري، وحكى معناه المهدوي عن مجاهد. وقيل: {حِجْراً} من قول المجرمين. {مَحْجُوراً} من قول الملائكة؛ أي قالوا للملائكة نعوذ بالله منكم أن تتعرضوا لنا. فتقول الملائكة: {مَحْجُوراً} أن تعاذوا من شر هذا اليوم؛ قاله الحسن.

الآية: [23] {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} .

الآية: [24] {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً}

قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ} هذا تنبيه على عظم قدر يوم القيامة؛ أي قصدنا في ذلك إلى ما كان يعمله المجرمون من عمل بر عند أنفسهم. يقال: قدم فلان إلى أمر كذا أي قصده. وقال مجاهد: {قَدِمْنَا} أي عمدنا. وقال الراجز:

وقدم الخوارج الضلال ... إلى عباد ربهم فقالوا

إن دماءكم لنا حلال ...

(13/21)

 

 

وقيل: هو قدوم الملائكة، أخبر به نفسه تعالى فاعله. {فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} أي لا ينتفع به؛ أي أبطلناه بالكفر. وليس {هَبَاءً} من ذوات الهمز وإنما همزت لالتقاء الساكنين. والتصغير هبي في موضع الرفع، ومن النحويين من يقول: هبي في موضع الرفع؛ حكاه النحاس. وواحده هباة والجمع أهباء. قال الحارث بن حلزة يصف ناقة:

فترى خلفها من الرجع والوقـ ... ـع منينا كأنه أهباء

وروى الحرث عن علي قال: الهباء المنثور شعاع الشمس الذي يدخل من الكوة. وقال الأزهري: الهباء ما يخرج من الكوة في ضوء الشمس شبيه بالغبار. تأويله: إن الله تعالى أحبط أعمالهم حتى صارت بمنزلة الهباء المنثور. فأما الهباء المنبث. فأما الهباء المنبث فهو ما تثيره الخيل بسنابكها من الغبار. والمنبث المتفرق. وقال ابن عرفة: الهبوة والهباء التراب الدقيق. الجوهري: ويقال له إذا ارتفع هبوا وأهبيته أنا. والهبوة الغبرة. قال رؤبة.

تبدو لنا أعلامه بعد الغرق ... في قطع الآل وهبوات الدقق

وموضع هابي التراب أي كأن ترابه مثل الهباء في الرقة. وقيل: إنه ما ذرته الرياح من يابس أوراق الشجر؛ قاله قتادة وابن عباس. وقال ابن عباس أيضا: إنه الماء المهراق. وقيل: إنه الرماد؛ قاله عبيد بن يعلى.

قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} تقدم القول فيه عند قوله تعالى: {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} [الفرقان: 15]. قال النحاس: والكوفيون يجيزون "العسل أحلى من الخل" وهذا قول مردود؛ لأن معنى فلان خير من فلان أنه أكثر خيرا منه ولا حلاوة في الخل. ولا يجوز أن يقال: النصراني خير من اليهودي؛ لأنه لا خير فيهما فيكون أحدهما أزيد في الخير. لكن يقال: اليهودي شر

(13/22)

 

 

من النصراني؛ فعلى هذا كلام العرب. و {مُسْتَقَرّاً} نصب على الظرف إذا قدر على غير باب "أفعل منك" والمعنى لهم خير في مستقر. وإذا كان من باب "أفعل منك" فانتصابه على البيان؛ قال النحاس والمهدوي. قال قتادة: {وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} منزلا ومأوى. وقيل: هو على ما تعرفه العرب من مقيل نصف النهار. ومنه الحديث المرفوع: "إن الله تبارك وتعالى يفرغ من حساب الخلق في مقدار نصف يوم فيقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار" ذكره المهدوي. وقال ابن مسعود: لا ينتصف النهار يوم القيامة من نهار الدنيا حتى يقيل هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار، ثم قرأ: {ثم إن مقيلهم لإلى الجحيم} كذا هي في قراءة ابن مسعود. وقال ابن عباس: الحساب من ذلك اليوم في أوله، فلا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار. ومنه ما روي: "قيلوا فإن الشياطين لا تقيل". وذكر قاسم بن أصبغ من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة" فقلت: ما أطول هذا اليوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده إنه ليخفف عن المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة المكتوبة يصليها في الدنيا" .

الآية: [25] {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً} .

الآية: [26] {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً}

قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} أي واذكر يوم تشقق السماء بالغمام. وقرأه عاصم والأعمش ويحيى وحمزة والكسائي وأبو عمرو: {تَشَقَّقُ} بتخفيف الشين وأصله تتشقق بتاءين فحذفوا الأولى تخفيفا، واختاره أبو عبيد. الباقون {تَشَقَّقُ} بتشديد الشين على الإدغام، واختاره أبو حاتم. وكذلك في {ق} . {بِالْغَمَام} أي عن الغمام. والباء وعن يتعاقبان؛ كما تقول: رميت بالقوس وعن القوس. روي أن السماء تتشقق عن سحاب

(13/23)

 

 

أبيض رقيق مثل الضبابة، ولم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم فتنشق السماء عنه؛ وهو الذي قال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة: 210]. {وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ} من السماوات، ويأتي الرب جل وعز في الثمانية الذين يحملون العرش لفصل القضاء، على ما يجوز أن يحمل عليه إتيانه؛ لا على ما تحمل عليه صفات المخلوقين من الحركة والانتقال. وقال ابن عباس: تتشقق سماء الدنيا فينزل أهلها وهم أكثر ممن في الأرض من الجن والإنس، ثم تنشق السماء الثانية فينزل أهلها وهم أكثر ممن في سماء الدنيا، ثم كذلك حتى تنشق السماء السابعة، ثم ينزل الكروبيون وحملة العرش؛ وهو معنى قوله: {وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً} أي من السماء إلى الأرض لحساب الثقلين. وقيل: إن السماء تنشق بالغمام الذي بينها وبين الناس؛ فبتشقق الغمام تتشقق السماء؛ فإذا انشقت السماء انتقض تركيبها وطويت ونزلت الملائكة إلى مكان سواها. وقرأ ابن كثير: {ونُنْزِلُ اْلمَلاَئِكَةَ} بالنصب من الإنزال. الباقون. {وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً } بالرفع. دليله {تَنْزِيلاً} ولو كان على الأول لقال إنزالا. وقد قيل: إن نزل وأنزل بمعنى؛ فجاء {تنزيلا} على {نَزَّلَ} وقد قرأ عبدالوهاب عن أبي عمرو: {ونُزِلَ الملائكة تَنْزِيلاً} . وقرأ ابن مسعود: {وأَنْزَلَ الملائكة} . أبي بن كعب: {ونُزِّلَتِ الملائكة} . وعنه {وتنزلت الملائكة} .

قوله تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} {الملك} مبتدأ و {الحق} صفة له و {للرحمن} الخبر؛ لأن الملك الذي يزول وينقطع ليس بملك؛ فبطلت يومئذ أملاك المالكين وانقطعت دعاويهم، وزال كل ملك وملكه. وبقي الملك الحق لله وحده. {وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً} أي لما ينالهم من الأهوال ويلحقهم من الخزي والهوان، وهو على المؤمنين أخف من صلاة مكتوبة؛ على ما تقدم في الحديث. وهذه الآية دال عليه؛ لأنه إذا كان على الكافرين عسيرا فهو على المؤمنين يسير. يقال: عسِر يعسَر، وعسُر يعسُر.

(13/24)

 

 

الآية: [27] {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً}

الآية: [28] {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً}

الآية: [29] {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً}

قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} الماضي عضضت. وحكى الكسائي عضضت بفتح الضاد الأولى. وجاء التوقيف عن أهل التفسير، منهم ابن عباس وسعيد بن المسيب أن الظالم ههنا يراد به عقبة بن أبي معيط، وأن خليله أمية بن خلف؛ فعقبة قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ وذلك أنه كان في الأسارى يوم بدر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله؛ فقال: أأقتل دونهم؟ فقال. نعم، بكفرك وعتوك. فقال: من للصبية؟ فقال: النار. فقام علي رضي الله عنه فقتله. وأمية قتله النبي صلى الله عليه وسلم، فكان هذا من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه خبر عنهما بهذا فقتلا على الكفر. ولم يسميا في الآية لأنه أبلغ في الفائدة، ليعلم أن هذا سبيل كل ظالم قبل من غيره في معصية الله عز وجل: قال ابن عباس وقتادة وغيرهما: وكان عقبة قد هم بالإسلام فمنعه منه أبي بن خلف وكانا خدنين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قتلهما جميعا: قتل عقبة يوم بدر صبرا، وأبي بن خلف في المبارزة يوم أحد؛ ذكره القشيري والثعلبي، والأول ذكره النحاس. وقال السهيلي: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} هو عقبة بن أبي معيط، وكان صديقا لأمية بن خلف الجمحي ويروى لأبي بن خلف أخ أمية، وكان قد صنع وليمة فدعا إليها قريشا، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يأتيه إلا أن يسلم. وكره عقبة أن يتأخر عن طعامه من أشراف قريش أحد فأسلم ونطق بالشهادتين، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل من طعامه، فعاتبه خليله أمية بن خلف، أو أبي بن خلف وكان غائبا. فقال عقبة: رأيت عظيما ألا يحضر طعامي رجل من أشراف قريش. فقال له خليله: لا أرضى حتى ترجع وتبصق في وجهه وتطأ عنقه وتقول كيت وكيت. ففعل

(13/25)

 

 

عدو الله ما أمره به خليله؛ فأنزل الله عز وجل: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} قال الضحاك: لما بصق عقبة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع بصاقه في وجهه وشوى وجهه وشفتيه، حتى أثر في وجهه وأحرق خديه، فلم يزل أثر ذلك في وجهه حتى قتل. وعضه يديه فعل النادم الحزين لأجل طاعته خليله. {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً} في الدنيا، يعني طريقا إلى الجنة .{يَا لَيْتَنِي} دعاء بالويل والثبور على محالفة الكافر ومتابعته. {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً} يعني أمية، وكني عنه ولم يصرح باسمه لئلا يكون هذا الوعد مخصوصا به ولا مقصورا، بل يتناول جميع من فعل مثل فعلهما. وقال مجاهد وأبو رجاء: الظالم عام في كل ظالم، وفلان: الشيطان. واحتج لصاحب هذا القول بأن بعده {كَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} وقرأ الحسن: {يا وَيْلَتِي}. والخليل: الصاحب والصديق {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} أي يقول هذا النادم: لقد أضلني من اتخذته في الدنيا خليلا عن القرآن والإيمان به. وقيل: {نِ الذِّكْرِ} أي عن الرسول. {وََكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} قيل: هذا من قول الله لا من قول الظالم. وتمام الكلام على هذا عند قوله: {بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} . والخذل الترك من الإعانة؛ ومنه خذلان إبليس للمشركين لما ظهر لهم في صورة سراقة بن مالك، فلما رأى الملائكة تبرأ منهم. وكل من صد عن سبيل الله وأطيع في معصية الله فهو شيطان للإنسان، خذولا عند نزول العذاب والبلاء. ولقد أحسن من قال:

تجنب قرين السوء وأصرم حباله ... فإن لم تجد عنه محيصا فداره

وأحبب حبيب الصدق وأحذر مراءه ... تنل منه صفو الود ما لم تماره

وفي الشيب ما ينهى الحليم عن الصبا ... إذا اشتعلت نيرانه في عذاره

آخر:

اصحب خيار الناس حيث لقيتهم ... خير الصحابة من يكون عفيفا

والناس مثل دراهم ميزتها ... فوجدت منها فضة وزيوفا

(13/26)

 

 

وفي الصحيح من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة" لفظ مسلم. وأخرجه أبو داود من حديث أنس. وذكر أبو بكر البزار عن ابن عباس قال: قيل يا رسول الله؛ أي جلسائنا خير؟ قال: "من ذكركم بالله رؤيته وزاد في علمكم منطقه وذكركم بالآخرة عمله" . وقال مالك بن دينار: إنك إن تنقل الأحجار مع الأبرار خير لك من أن تأكل الخبيص مع الفجار. وأنشد:

وصاحب خيار الناس تنج مسلما ... وصاحب شرار الناس يوما فتندما

الآية: [30] {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً}

الآية: [31] {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً}

قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ} يريد محمدا صلى الله عليه وسلم، يشكوهم إلى الله تعالى. {إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} أي قالوا فيه غير الحق من أنه سحر وشعر؛ عن مجاهد والنخعي. وقيل: معنى {مَهْجُوراً} أي متروكا؛ فعزاه الله تبارك وتعالى وسلاه بقوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ} أي كما جعلنا لك يا محمد عدوا من مشركي قومك - وهو أبو جهل في قول ابن عباس - فكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من مشركي قومه، فاصبر، لأمري كما صبروا، فإني هاديك وناصرك على كل من ناوأك. وقد قيل: إن قول الرسول {يَا رَبِّ} إنما يقوله يوم القيامة؛ أي هجروا القرآن وهجروني وكذبوني. وقال أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من تعلم القرآن وعلق مصحفه لم يتعاهده ولم ينظر فيه جاء

(13/27)

 

 

يوم القيامة متعلقا به يقول يا رب العالمين إن عبدك هذا اتخذني مهجورا فاقض بيني وبينه". ذكره الثعلبي. {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} نصب على الحال أو التمييز، أي يهديك وينصرك فلا تبال بمن عاداك. وقال ابن عباس: عدو النبي صلى الله عليه وسلم أبو جهل لعنه الله.

الآية: [32] {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} .

==== 

الفرقان - تفسير الطبري 

وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) }

يقول تعالى ذكره: وقال المشركون الذين لا يخافون لقاءنا، ولا يَخْشَون عقابنا، هلا أنزل الله علينا ملائكة، فتخبرَنا أن محمدًا محقّ فيما يقول، وأن ما جاءنا به صدق، أو نرى ربنا فيخبرنا بذلك، كما قال جلّ ثناؤه مخبرا عنهم:( وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا ) ثم قال بعد:( أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا ) يقول الله: لقد استكبر قائلو هذه المقالة في أنفسهم، ونعظموا،( وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا ) يقول: وتجاوزوا في الاستكبار بقيلهم ذلك حدّه.

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال كفار قريش:( لَوْلا أُنزلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ ) فيخبرونا أن محمدا رسول الله( لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا ) لأن"عتا" من ذوات الواو، فأخرج مصدره على الأصل بالواو، وقيل في سورة مريم( وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ) وإنما قيل ذلك كذلك لموافقة المصادر في هذا الوجه جمع الأسماء كقولهم: قعد قعودا، وهم قوم قعود، فلما كان ذلك كذلك، وكان العاتي يجمع عتيا بناء على الواحد، جعل مصدره أحيانا موافقا لجمعه، وأحيانا مردودا إلى أصله.

القول في تأويل قوله تعالى : { يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22) }

يقول تعالى ذكره: يوم يرى هؤلاء الذين قالوا:( لَوْلا أُنزلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا ) بتصديق محمد الملائكة، فلا بشرى لهم يومئذ بخير( وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا ) يعني أن الملائكة يقولون للمجرمين حجرا محجورا، حراما محرّما عليكم اليوم البشرى أن تكون لكم من الله; ومن الحجر قول المتلمس:

(19/254)

 

 

حَنَّتْ إلى نَخْلَةَ القُصْوَى فَقُلْتُ لَهَا... حِجْرٌ حَرَامٌ ألا تِلْكَ الدَّهاريسُ (1)

ومنه قولهم: حجر القاضي على فلان، وحجر فلان على أهله; ومنه حجر الكعبة، لأنه لا يدخل إليه في الطواف، وإنما يطاف من ورائه; ومنه قول الآخر.

فَهَمَمْتُ أنْ أَلْقَى إلَيْها مَحْجَرًا... فَلَمِثْلُهَا يُلْقَى إلَيْهِ المَحْجَرُ (2)

أي مثلها يُركب منه المُحْرَمُ.

واختلف أهل التأويل في المخبر عنهم بقوله:( وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا ) ومن قائلوه؟ فقال بعضهم: قائلو ذلك الملائكة للمجرمين نحو الذي قلنا فيه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا أبو أسامة، عن الأجلح، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم، وسأله رجل عن قول الله( وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا ) قال: تقول الملائكة: حراما محرما أن تكون لكم البُشرى.

حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثني أبي، عن جدي، عن الحسن، عن قتادة( وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا ) قال: هي كلمة كانت العرب تقولها، كان الرجل إذا نزل به شدّة قال: حجرا، يقول: حراما محرّما.

__________

(1) البيت للمتلمس جرير بن عبد المسيح (عن معجم ما استعجم لأبي عبيد البكري : رسم نخلة) .. وحنت : اشتاقت . وفي (اللسان : دهرس) : حجت . ونخلة القصوى : موضع على ليلة من مكة . وقيل: هما نخلة الشامية ونخلة اليمانية ؛ فالشامية واد ينصب من الغمير . واليمانية : واد ينصب من بطن قرن المنازل ، وهو طريق اليمن إلى مكة . وحجر : مثلث الحاء بمعنى حرام ، وفي المعجم البكري : بسل عليك ، وهو الحرام أيضًا . والدهاريس جمع دهرس ، مثلث الدال ، وهي الداهية (عن اللسان ) . والبيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (الورقة 167 من مصورة الجامعة رقم 26059) وعنه أخذه المؤلف

(2) البيت لحميد بن ثور الهلالي ( اللسان : حجر . والديوان طبعة دار الكتب المصرية ص 84) . وفي رواية الديوان واللسان : أغشى في موضع ألقى . والمحجر : الحرام . قال في اللسان : لمثلها يؤتى إليه الحرام . وقبل البيت ثلاثة أبيات وهي : لَمْ أَلْقَ عَمْرَةَ بَعْدَ إذْ هِيَ نَاشِئٌ ... خَرَجَتْ مُعَطَّفَةً عَلَيْهَا مئْزَرُ

بَرَزَتْ عَقِيلَةَ أَرْبَع هَادَيْنَهَا ... بِيضِ الوُجُوهِ كأنهُنَّ الْعُنْقَرُ

ذَهَبَتْ بِعَقْلِكَ رَيطَةٌ مَطْوِيَّةٌ ... وَهِيَ التي تُهْدَي بِهَا لَوْ تَشْعُرُ

والبيت شاهد على أنت المحجر الحرام . وقال الفراء في معاني القرآن ( الورقة 224 من مصورة الجامعة 24059) : ألقى : من لقيت أي مثلها يركب منه المحرم . وعنه أخذ المؤلف

(19/255)

 

 

وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله:( لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا ) لما جاءت زلازل الساعة، فكان من زلازلها أن السماء انشقت( فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا ) على شفة كل شيء تشقَّق من السماء، فذلك قوله:( يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ ) : يعني الملائكة تقول للمجرمين حراما محرمًا أيها المجرمون أن تكون لكم البشرى اليوم حين رأيتمونا.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد( يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ ) قال: يوم القيامة( وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا ) قال: عوذا معاذا.

حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله، وزاد فيه: الملائكة تقوله.

وقال آخرون: ذلك خبر من الله عن قيل المشركين إذا عاينوا الملائكة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثني الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج( يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا ) قال ابن جُرَيج: كانت العرب إذا كرهوا شيئا قالوا حجرا، فقالوا حين عاينوا الملائكة. قال ابن جُرَيج: قال مجاهد:( حِجْرًا ) عوذا، يستعيذون من الملائكة.

قال أبو جعفر: وإنما اخترنا القول الذي اخترنا في تأويل ذلك من أجل أن الحِجْر هو الحرام، فمعلوم أن الملائكة هي التي تخبر أهل الكفر أن البُشرى عليهم حرام. وأما الاستعاذة فإنها الاستجارة، وليست بتحريم، ومعلوم أن الكفار لا يقولون للملائكة حرام عليكم، فيوجه الكلام إلى أن ذلك خبر عن قيل المجرمين للملائكة.

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا (24) }

يقول تعالى ذكره:( وَقَدِمْنَا ) وعمدنا إلى ما عمل هؤلاء المجرمون( مِنْ عَمَلِ ) ; ومنه قول الراجز:

(19/256)

 

 

وَقَدِمَ الخَوَارِجُ الضُّلالُ... إلَى عِبادِ رَبِّهِمْ وَقالُوا

إنَّ دِمَاءَكُم لَنا حَلالُ (1)

يعني بقوله: قدم: عمد.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:( وَقَدِمْنَا ) قال: عَمَدنا.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله وقوله:( فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ) يقول: فجعلناه باطلا لأنهم لم يعملوه لله وإنما عملوه للشيطان.

والهباء: هو الذي يرى كهيئة الغبار إذا دخل ضوء الشمس من كوّة يحسبه الناظر غبارًا ليس بشيء تقبض عليه الأيدي ولا تمسه، ولا يرى ذلك في الظل.

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن عكرمة أنه قال في هذه الآية( هَبَاءً مَنْثُورًا ) قال: الغبار الذي يكون في الشمس.

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله:( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ) قال: الشعاع في كوّة أحدهم إن ذهب يقبض عليه لم يستطع.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:( هَبَاءً مَنْثُورًا ) قال: شعاع الشمس من الكوّة.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.

__________

(1) الرجز من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (الورقة 167 مصورة الجامعة 26059) وقدم إلى الشيء : عمد إليه وقصده . وهو محل الشاهد عند المؤلف

(19/257)

 

 

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الحسن، في قوله:( هَبَاءً مَنْثُورًا ) قال: ما رأيت شيئا يدخل البيت من الشمس تدخله من الكوّة، فهو الهباء.

وقال آخرون: بل هو ما تسفيه الرياح من التراب، وتذروه من حطام الأشجار، ونحو ذلك.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، قوله:( هَبَاءً مَنْثُورًا ) قال: ما تسفي الريح تَبُثُّهُ.

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة( هَبَاءً مَنْثُورًا ) قال: هو ما تذرو الريح من حطام هذا الشجر.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:( هَبَاءً مَنْثُورًا ) قال: الهباء: الغبار.

وقال آخرون: هو الماء المهراق.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني علي، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله:( هَبَاءً مَنْثُورًا ) يقال: الماء المهراق.

وقوله جلّ ثناؤه:( أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا ) يقول تعالى ذكره: أهل الجنة يوم القيامة خير مستقرّا، وهو الموضع الذي يستقرّون فيه من منازلهم في الجنة من مستقرّ هؤلاء المشركين الذين يفتخرون بأموالهم، وما أوتوا من عرض هذه الدنيا في الدنيا، وأحسن منهم فيها مقيلا.

فإن قال قائل: وهل في الجنة قائلة؟ فيقال:( وَأَحْسَنُ مَقِيلا ) فيها؟ قيل: معنى ذلك: وأحسن فيها قرارا في أوقات قائلتهم في الدنيا، وذلك أنه ذكر أن أهل الجنة لا يمرّ فيهم في الآخرة إلا قدر ميقات النهار من أوّله إلى وقت القائلة، حتى يسكنوا مساكنهم في الجنة، فذلك معنى قوله:( وَأَحْسَنُ مَقِيلا ) .

(19/258)

 

 

* ذكر الرواية عمن قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:( أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا ) يقول: قالوا في الغرف في الجنة، وكان حسابهم أن عرضوا على ربهم عرضة واحدة، وذلك الحساب اليسير، وهو مثل قوله:( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ) .

حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، في قوله:( أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا ) قال: كانوا يرون أنه يفرغ من حساب الناس يوم القيامة في نصف النهار، فيقيل هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج( أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا ) قال: لم ينتصف النهار حتى يقضي الله بينهم، فيقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار. قال: وفي قراءة ابن مسعود:(ثُمَّ إِنَّ مَقِيلَهُمْ لإلى الجَحيم).

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:( أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا ) قال: قال ابن عباس: كان الحساب من ذلك في أوّله، وقال القوم حين قالوا في منازلهم من الجنة، وقرأ( أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا ).

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا عمرو بن الحارث أن سعيدًا الصوّاف حدثه أنه بلغه أن يوم القيامة يقضي على المؤمنين حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس، وأنهم يقيلون في رياض الجنة حتى يفرغ من الناس، فذلك قول الله:( أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا ).

قال أبو جعفر: وإنما قلنا: معنى ذلك: خير مستقرا في الجنة منهم في الدنيا، لأن الله تعالى ذكره عَمَّ بقوله:( أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا ) جميع أحوال الجنة في الآخرة أنها خير في الاستقرار فيها، والقائلة من جميع أحوال أهل النار، ولم يخُصّ بذلك أنه خير من أحوالهم في النار دون الدنيا، ولا في الدنيا دون الآخرة، فالواجب أن يعمَّ كما عمّ ربنا جلّ ثناؤه، فيقال: أصحاب الجنة يوم القيامة خير مستقرًّا

(19/259)

 

 

وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26)

في الجنة من أهل النار في الدنيا والآخرة، وأحسن منهم مقيلا وإذا كان ذلك معناه، صحّ فساد قول من توهم أن تفضيل أهل الجنة بقول الله:( خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا ) على غير الوجه المعروف من كلام الناس بينهم في قولهم: هذا خير من هذا، وهذا أحسن من هذا.

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنزلَ الْمَلائِكَةُ تَنزيلا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) }

اختلف القرّاء في قراءة قوله( تَشَقَّقُ ) فقرأته عامَّة قرّاء الحجاز(وَيَوْمَ تَشَّقَّقُ) بتشديد الشين بمعنى: تَتَشقق، فأدغموا إحدى التاءين في الشين فشدّدوها، كما قال:( لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإ الأعْلَى )

وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة:( وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ) بتخفيف الشين والاجتزاء بإحدى التاءين من الأخرى.

والقول في ذلك عندي: أنهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وتأويل الكلام: ويوم تُشقق السماء عن الغمام. وقيل: إن ذلك غمام أبيض مثل الغمام الذي ظلل على بني إسرائيل، وجعلت الباء، في قوله:( بِالْغَمَامِ ) مكان"عن"كما تقول: رميت عن القوس وبالقوس وعلى القوس، بمعنى واحد.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قوله:( وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ ) قال: هو الذي قال:( فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ) الذي يأتي الله فيه يوم القيامة، ولم يكن في تلك قطّ إلا لبني إسرائيل. قال ابن جُرَيج: الغمام الذي يأتي الله فيه غمام زعموا في الجنة.

قال: ثنا الحسين، قال: ثنا معتمر بن سليمان، عن عبد الجليل، عن أبي حازم، عن عبد الله بن عمرو قال: يهبط الله حين يهبط، وبينه وبين خلقه سبعون حجابا، منها النور والظلمة والماء، فيصوّت الماء صوتا تنخلع له القلوب.

(19/260)

 

 

قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عكرمة في قوله:( يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ ) يقول: والملائكة حوله.

قال: ثني حجاج، عن مبارك بن فضالة، عن عليّ بن زيد بن جُدعان، عن يوسف بن مهران، أنه سمع ابن عباس يقول: إن هذه السماء إذا انشقت نزل منها من الملائكة أكثر من الجنّ والإنس، وهو يوم التلاق، يوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض، فيقول أهل الأرض: جاء ربنا، فيقولون: لم يجيء وهو آت، ثم تَتَشقق السماء الثانية، ثم سماء سماء على قدر ذلك من التضعيف إلى السماء السابعة، فينزل منها من الملائكة أكثر من جميع من نزل من السماوات ومن الجنّ والإنس. قال: فتنزل الملائكة الكُروبيون، ثم يأتي ربنا تبارك وتعالى في حملة العرش الثمانية، بين كعب كل ملك وركبته مسيرة سبعين سنة، وبين فخذه ومنكبه مسيرة سبعين سنة، قال: وكل ملك منهم لم يتأمل وجه صاحبه، وكلّ ملك منهم واضع رأسه بين ثدييه يقول: سبحان الملك القدوس، وعلى رءوسهم شيء مبسوط كأنه القباء، والعرش فوق ذلك، ثم وقف.

قال: ثنا الحسن، قال: ثنا جعفر بن سليمان، عن هارون بن وثاب، عن شهر بن حوشب، قال: حملة العرش ثمانية، فأربعة منهم يقولون: سبحانك اللهمّ وبحمدك، لك الحمد على حلمك بعد علمك. وأربعة يقولون: سبحانك اللهمّ وبحمدك، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك.

قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، قال: إذا نظر أهل الأرض إلى العرش يهبط عليهم فوقهم شخصت إليه أبصارهم، ورجفت كُلاهم في أجوافهم، قال: وطارت قلوبهم من مقرّها في صدورهم إلى حناجرهم.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:( وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنزلَ الْمَلائِكَةُ تَنزيلا ) يعني يوم القيامة حين تشقق السماء بالغمام، وتنزل الملائكة تنزيلا.

وقوله:( وَنزلَ الْمَلائِكَةُ تَنزيلا ) يقول: ونزل الملائكة إلى الأرض تنزيلا( الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ ) يقول: الملك الحقّ يومئذ خالص للرحمن دون كلّ من سواه، وبطلت الممالك يومئذ سوى ملكه. وقد كان في الدنيا ملوك، فبطل الملك يومئذ سوى ملك الجبار( وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا ) يقول: وكان يومُ تشقُّق السماء بالغمام

(19/261)

 

 

وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)

يوما على أهل الكفر بالله عسيرا، يعني صعبا شديدا.

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنْسَانِ خَذُولا (29) }

يقول تعالى ذكره: ويوم يعضّ الظالم نفسه المشرك بربه على يديه ندما وأسفًا على ما فرط في جنب الله، وأوبق نفسه بالكفر به في طاعة خليله الذي صدّه عن سبيل ربه، يقول: يا ليتني اتخذت في الدنيا مع الرسول سبيلا يعني طريقا إلى النجاة من عذاب الله ، وقوله( يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا ) .

اختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله:( الظَّالِمُ ) وبقوله:( فُلانًا ) فقال بعضهم: عني بالظالم: عقبة بن أبي معيط، لأنه ارتدّ بعد إسلامه، طلبا منه لرضا أُبيّ بن خلف، وقالوا: فلان هو أُبيّ.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثني الحسين، قال: ثني حجاج عن ابن جُرَيج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قال: كان أُبيّ بن خلف يحضر النبيّ صلى الله عليه وسلم، فزجره عقبة بن أبي معيط، فنزل:( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا ) ... إلى قوله( خَذُولا ) قال:(الظالم): عقبة، وفلانا خليلا أُبيّ بن خلف.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبيّ في قوله:( لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا ) قال: كان عقبة بن أبي معيط خليلا لأمية بن خلف، فأسلم عقبة، فقال أمية: وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمدا فكفر; وهو الذي قال:( لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا ).

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن قتادة وعثمان الجزري، عن مقسم في قوله:( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا ) قال: اجتمع عقبة بن أبي معيط وأبيّ بن خلف، وكانا خليلين، فقال أحدهما لصاحبه: بلغني أنك أتيت محمدا فاستمعت منه، والله لا أرضى عنك حتى تتفل  في وجهه وتكذّبه، فلم يسلطه الله على ذلك، فقتل عقبة يوم بدر صبرا (1) . وأما أُبيّ بن خلف فقتله النبيّ صلى الله عليه وسلم بيده يوم أُحد في القتال، وهما اللذان أنزل الله فيهما:( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا ).

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن ابن عباس،( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ) ... إلى قوله:( فُلانًا خَلِيلا ) قال: هو أُبيّ بن خلف، كان يحضر النبيّ صلى الله عليه وسلم، فزجره عقبة بن أبي معيط.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ) قال: عقبة بن أبي معيط دعا مجلسا فيهم النبيّ صلى الله عليه وسلم لطعام، فأبى النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يأكل، وقال: "ولا آكُل حتى تَشْهَدَ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وأنَّ مُحمَّدًا رسُولُ الله"، فقال: ما أنت بآكل حتى أشهد؟ قال: "نعم"، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ مُحمَّدًا رسُولُ الله. فلقيه أمية بن خلف فقال: صبوت؟ فقال: إن أخاك على ما تعلم، ولكني صنعت طعاما فأبى أن يأكل حتى أقول ذلك، فقلته، وليس من نفسي.

وقال آخرون: عنى بفلان: الشيطان.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد( فُلانًا خَلِيلا ) قال: الشيطان.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله. وقوله:( لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ) يقول جلّ ثناؤه مخبرا عن هذا النادم على ما سلف منه في الدنيا، من معصية ربه في طاعة خليله: لقد أضلني عن الإيمان بالقرآن، وهو الذكر، بعد إذ جاءني من عند الله، فصدّني عنه، يقول الله:( وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنْسَانِ خَذُولا ) يقول: مسلما لما ينزل به من البلاء غير منقذه ولا منجيه.

__________

(1) يقال : قتل فلان صبرًا : قدم فقتل ، وهو يرى وينظر ، وهو غير من يقتل في حرب أو حادث . السقا .  وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) }

يقول تعالى ذكره: وقال الرسول يوم يعضّ الظالم على يديه: يا ربّ إن قومي الذين بعثتني إليهم لأدعوهم إلى توحيدك اتخذوا هذا القرآن مهجورا.

واختلف أهل التأويل في معنى اتخاذهم القرآن مهجورا، فقال بعضهم: كان اتخاذهم ذلك هجرا، قولهم فيه السييء من القول، وزعمهم أنه سحر، وأنه شعر.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله:( اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ) قال: يهجُرون فيه بالقول، يقولون: هو سحر.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قوله:( وَقَالَ الرَّسُولُ ) ... الآية: يهجرون فيه بالقول. قال مجاهد: وقوله:( مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ ) قال: مستكبرين بالبلد سامرا مجالس تهجرون، قال: بالقول السييء في القرآن غير الحقّ.

حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال، ثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، في قول الله:( إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ) قال: قالوا فيه غير الحقّ، ألم تر إلى المريض إذا هذي قال غير الحق.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: الخبر عن المشركين أنهم هجروا القرآن وأعرضوا عنه ولم يسمعوا له.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله:( وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ) لا يريدون أن يسمعوه، وإن دعوا إلى الله قالوا لا. وقرأ( وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ) قال: ينهون عنه، ويبعدون عنه.

قال أبو جعفر: وهذا القول أولى بتأويل ذلك، وذلك أن الله أخبر عنهم أنهم قالوا:  وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32)

(لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه)، وذلك هجرهم إياه.

وقوله:( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وكما جعلنا لك يا محمد أعداء من مشركي قومك، كذلك جعلنا لكل من نبأناه من قبلك عدوّا من مشركي قومه، فلم تخصص بذلك من بينهم. يقول: فاصبر لما نالك منهم كما صبر من قبلك أولو العزم من رسلنا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن عباس:( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ ) قال: يوطن محمدا صلى الله عليه وسلم أنه جاعل له عدوّا من المجرمين كما جعل لمن قبله.

وقوله:( وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ) يقول تعالى ذكره لنبيه: وكفاك يا محمد بربك هاديا يهديك إلى الحقّ، ويبصرك الرشد، ونصيرا: يقول: ناصرا لك على أعدائك، يقول: فلا يهولنك أعداؤك من المشركين، فإني ناصرك عليهم، فاصبر لأمري، وامض لتبليغ رسالتي إليهم.

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نزلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا (32) }

يقول تعالى ذكره:( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) بالله( لَوْلا نزلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ ) يقول: هلا نزل على محمد صلى الله عليه وسلم القرآن( جُمْلَةً وَاحِدَةً ) كما أنزلت التوراة على موسى جملة واحدة؟ قال الله:( كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ) تنزيله عليك الآية بعد الآية، والشيء بعد الشيء، لنثبت به فؤادك نزلناه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نزلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا ) قال: كان الله ينزل عليه الآية، فإذا علمها نبيّ الله نزلت آية أخرى ليعلمه الكتاب عن ظهر قلب، ويثبت به فؤاده

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله:( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نزلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ) كما أنزلت التوراة على موسى، قال:( كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ) قال: كان القرآن ينزل عليه جوابا لقولهم: ليعلم محمد أن الله يجيب القوم بما يقولون بالحقّ، ويعني بقوله:( لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ) لنصحح به عزيمة قلبك ويقين نفسك، ونشجعك به.

وقوله( وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا ) يقول: وشيئا بعد شيء علمناكه حتى تحفظنه، والترتيل في القراءة: الترسل والتثبت.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، في قوله:( وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا ) قال: نزل متفرّقا.

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الحسن، في قوله:( وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا ) قال: كان ينزل آية وآيتين وآيات جوابا لهم إذا سألوا عن شيء أنزله الله جوابا لهم، وردّا عن النبيّ فيما يتكلمون به. وكان بين أوله وآخره نحو من عشرين سنة.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله:( وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا ) قال: كان بين ما أنزل القرآن إلى آخره أنزل عليه لأربعين، ومات النبيّ صلى الله عليه وسلم لثنتين أو لثلاث وستين.

وقال آخرون: معنى الترتيل: التبيين والتفسير.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:( وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا ) قال: فسرناه تفسيرا، وقرأ:( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا ).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

والثمن الجنة لعبد الملك القاسم

سلسلة أين نحن من هؤلاء ؟  كتاب والثمن الجنة لعبد الملك القاسم  بسم الله الرحمن الرحيم  المقدمة  الحمد لله الذي وعد من أطاعه جنات عدن تجري ...