دعاء الاموات لمشاري

نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}}

نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}}

نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}}

 نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}

Translate

السبت، 4 مارس 2023

ج6وج7.منزل النبي صلى الله عليه وسلم من مكة لما قضى طوافه وسعيه وما جاء عن فاطمة رضي الله عنها في رثاء النبي صلى الله عليه وسلم

ج6..........#5#

$[منزل النبي صلى الله عليه وسلم من مكة لما قضى طوافه وسعيه]$

قال جابر رضي الله عنه: فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى.

لم يذكر في حديث جابر أين نزل النبي صلى الله عليه وسلم من مكة لما قضى طوافه وسعيه.

وقد روي عن أم هانئ رضي الله عنها أنها قالت: قلت: يا رسول الله, (ألا تنزل بيوت مكة, فأبى ذلك واضطرب بالأبطح قبة ولم يدخل بيتاً, ولم يظله.

وفي "الطبقات الكبرى" لابن سعد: ثم سعى – يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم – بين الصفا والمروة على راحلته من فوره ذلك, وكان قد اضطرب بالأبطح فرجع إلى منزله.

وثبت عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو منيخ بالبطحاء, فقال: «بم أهللت؟» قلت: بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «هل سقتَ مِن هَدْي؟» قلت: لا، قال: «فطف بالبيت وبالصفا والمروة، ثم حلّ» فطفت بالبيت وبالصفا والمروة, ثم أتيت امرأة من قومي، فمشطتني وغسلت رأسي - الحديث.


#6#

وعن ابن أبي جُحَيفة, عن أبيه رضي الله [عنه] قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وهو بالأبطح في قبة له حمراء من أدم, قال: فخرج بلال بوضوئه فمن ناضح ونائل, قال فخرج النبي صلى الله عليه وسلم عليه حلة حمراء كأني أنظر إلى بياض ساقيه .... الحديث بطوله.

قال ابن حزم: وأقام صلى الله عليه وسلم يوم الأحد المذكور – يعني يوم دخوله مكة – والإثنين والثلاثاء والأربعاء وليلة الخميس, وهو يوم التروية. انتهى.

وفي يوم من تلك الأيام التي أقام صلى الله عليه وسلم فيها بمكة عاد – فيما ذكره بعضهم – سعد بن أبي وقاص من وجع أشفى منه على الموت, واستأمر النبي صلى الله عليه وسلم في الوصية بماله.

صح من حديث يحيى بن قزعة, حدثنا إبراهيم, عن الزهري, عن عامر بن سعد بن مالك, عن أبيه قال: عادني النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع


#7#

– يعني من وجع أشفيت منه على الموت – فقلت: يا رسول الله, بلغ بي من الوجع ما ترى, وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة, أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: «لا» قال: أفأتصدق بشطره؟ قال: «الثلث يا سعد, والثلث كثير, وإنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس, ولست بنافق نفقة تبتغي بها وجه الله, إلا آجرك الله بها, حتى اللقمة تجعلها في فيّ امرأتك» قلت: يا رسول الله, أخلف بعد أصحابي، فقال: «إنك لن تخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله, إلا ازددت درجة ورفعة, ولعلك تخلف حتى ينتفع بك أقوام, ويضر بك آخرون».

الحديث متفق عليه من حديث الزهري, ورواه عنه جماعة: منهم مالك, وعبد العزيز بن أبي سلمة, ويونس, ومعمر, فكلهم قالوا في حديثهم: عام حجة الوداع.

وقال أبو مسلم عبد الله بن وهب القرشي في "مسنده": حدثني رجال من أهل العلم منهم مالك بن أنس, ويونس بن يزيد أن ابن شهاب


#8#

حدثهم, عن عامر بن سعد بن أبي وقاص أخبره, عن سعد بن أبي وقاص, قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع من وجع اشتد بي, قال: قلت: يا رسول الله, قد بلغ بي من الوجع ما ترى, وأنا ذو مال ... وذكر الحديث, وهو أول حديث في "المسند".

وقد خالفهم ابن عيينة, فقال فيما رواه ابن أبي عمر عنه, عن الزهري, عن عامر بن سعد بن أبي وقاص, عن أبيه رضي الله عنه قال: مرضت عام الفتح مرضاً أشفيت منه على الموت ... وذكر الحديث.

تابعه زكريا بن يحيى المروزي, عن سفيان كذلك.

وحدث به الحميدي, عن سفيان, فلم يذكر وقتاً, إلا أن في روايته قال: مرضت بمكة مرضاً أشفيت منه على الموت.


#9#

ورواه محمد بن كثير, عن سفيان, عن سعد بن إبراهيم, عن عامر بن سعد, عن سعد رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا مريض بمكة, فقلت: لي مال أوصي بمالي كله .... الحديث.

تابعه أبو نعيم الفضل بن دكين, عن سفيان ورواه أبو داود الحفري - عمر بن سعد - عن سفيان, عن سعد بن إبراهيم, عن عامر بن سعد, عن سعد قال: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم يعودني ... : وذكر الحديث, ولم يذكر مكاناً ولا زماناً.

وكذلك جاء في رواية زائدة, عن عبد الملك بن عمير, عن مصعب بن سعد, عن سعد قال: عادني النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: أوصي بمالي كله؟ فقال «لا» .... الحديث.

تابعه كذلك سماك بن حرب, عن مصعب بن سعد, عن أبيه قال: مرضت, فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقلت: دعني أقسم مالي حيث شئت, فأبى, قلت: فالنصف, فأبى .... الحديث.

والصحيح إن شاء الله تعالى في هذه القصة أنها كانت بمكة عام حجة الوداع, كما بين في طرق للحديث ونسب الأئمة سفيان إلى الوهم في روايته أن القصة كانت زمن الفتح.


#10#

وللحديث طرق غير ما تقدم.

منها: ما حدث به أيوب بن أبي تميمة السختياني, عن عمرو بن سعيد, عن حميد بن عبد الرحمن الحميري, عن ثلاثة من ولد سعد, كلهم يحدثه عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على سعد يعوده بمكة ... الحديث.

ورواه المكي بن إبراهيم, عن الجعيد, عن عائشة بنت سعد, عن أبيها قال: اشتكيت بمكة ..... الحديث.

وجزم بأن هذه القصة كانت في حجة الوداع جماعة منهم: الواقدي في "تاريخه" الذي رواه عنه ابنه محمد, وكاتبه محمد بن سعد, ومحمد بن السائب الكلبي.

وحدث الواقدي عن سفيان بن عيينة, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, عن سعد بن أبي وقاص قال: مرضت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني, فوضع يده بين ثديي, فوجدت بردها على فؤادي,


#11#

فقال: «إنك رجل مفئود, فأت الحارث بن كلدة أخا ثقيف, فإنه رجل يتطبب, فمره فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة فليجأهن بنواهن، ثم ليدلك بهن».

وحدث به أبو بكر بن السني في كتابه "رياضة المتعلمين" عن أبي عروبة, حدثنا عمرو بن هشام, حدثنا سفيان [عن] ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: قال سعد بن أبي وقاص: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم يعودني, فوضع يده على بدني, فوجدت بردها في فؤادي, فقال «إنك رجل مفئود, فأت الحارث بن كلدة, فإنه رجل يتطبب».

ورواه الحافظ أبو نعيم في كتابه "الطب" فقال: حدثنا محمد بن [أحمد بن] حمدان، حدثنا الحسن بن سفيان, حدثنا قتيبة بن سعيد, حدثنا سفيان ... فذكره كذلك.

وحدث به أيضاً في الكتاب مرة أخرى بهذا الإسناد مطولاً, كرواية الواقدي.

وروينا من حديث أبي أحمد بشر بن مطر الواسطي, حدثنا سفيان بن عيينة ... فذكره بنحوه.


#12#

وخرج أبو نعيم في كتاب "الطب" من طريق محمد بن سلمة, عن محمد بن إسحاق, عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص, عن أبيه قال: مرض سعد بن أبي وقاص, وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما أراني إلا لما بي, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لأرجو أن يشفيك الله, حتى يضر بك قوماً, وينفع بك آخرين» ثم قال للحارث بن كلدة الثقفي: «عالج سعداً مما به» قال: «والله إني لأرجو أن يكون شفاؤه مما معه في رحله, هل معكم من هذه التمرة العجوة شيء؟» قالوا: نعم, قال: فصنع له الفريقة, خلط له التمر بالحلبة, ثم أوسعها سمناً, ثم أحساها إياه, فكأنما نشط من عقال.

تابعه سلمة بن الفضل, عن ابن إسحاق, عن إسماعيل بن


#13#

محمد بن سعد, عن أبيه, عن سعد أنه مرض بمكة, فعاده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أدعوا له طبيباً», فدعا له الحارث بن كلدة الثقفي, فنظر إليه, فقال: ليس عليه بأس, فاتخذوا له فريقة بشيء من تمر – عجوة وحلبة يطبخان – فتحساها, فبرأ.

الفريقة: تمر يطبخ بأشياء للمداواة, قاله الزبيدي, وهو بفتح الفاء وكسر الراء وإسكان الياء آخر الحروف, وفتح القاف بعدها هاء الثأنيث, والله تعالى أعلم.

وذكر ابن الكلبي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عاد سعداً دعا له الحارث بن كلدة الثقفي, وكان متطبباً, فلما أن نظر إليه قال: إني لأظن شفاءه بعض زاده، فاطلبوا له تمر عجوة, فأتوا بها, فجعل منها دواء, فسقاه فبرأ, قال: وخرج سعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قلت: يحتمل قوله: وخرج سعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون خرج معه لما انصرف من حجه متوجهاً إلى المدينة, ويحتمل أن يكون خروجه مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم التروية متوجهين إلى منى, والله أعلم.

وقبل يوم التروية بيوم – وهو السابع من ذي الحجة – خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس, وأخبرهم بمناسكهم.

روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس قبل يوم التروية بيوم, وأخبرهم مناسكهم. خرجه الحاكم في "مستدركه" وقال: صحيح الإسناد.


#14#

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا محمد بن عمر, حدثني هشام بن عمارة, عن عبد الرحمن بن أبي سعيد, عن عمارة بن حارثة, عن عمرو بن يثربي الضمري رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قبل التروية بيوم بعد الظهر, ويوم عرفة بعرفة حين زاغت الشمس على راحلته قبل الصلاة والغد من يوم النحر بعد الظهر.

وكان توجهه صلى الله عليه وسلم إلى منى يوم الخميس ضحى, وقيل بعد الزوال؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قبل يوم التروية كان قد صلى بمنزله الذي أقام فيه بالمسلمين بظاهر مكة أربعة أيام, يقصر الصلاة, أولها يوم الأحد.

وقال أبو محمد بن حزم في كتابه "سيرة حجة الوداع": ولما ذكرنا أيضاً من أن يوم عرفة كان في ذلك الشهر يوم الجمعة, وكان نهوضه صلى الله عليه وسلم إلى منى بلا خلاف قبل يوم عرفة بليلة واحدة, فكان إذا يوم الخميس بلا شك. انتهى.

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا موسى بن إسماعيل, حدثنا الوليد بن مسلم, عن عثمان بن أبي العاتكة, عن علي بن يزيد, عن القاسم, عن أبي أمامة, عمن أبصر النبي صلى الله عليه وسلم سائراً إلى منى, وبيد بلال عود عليه ثوب أو شيء يظله من الشمس, كان هذا يوم التروية, والله أعلم.


#15#

ويوم التروية هو اليوم الثامن من عشر ذي الحجة.

قال الزهري: سمي يوم التروية؛ لأنهم كانوا يتروون من الماء, فإن عرفات لم يكن بها ماء.

وحكي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمي بذلك؛ لأن إبراهيم صلى الله عليه وسلم رأى ليلة التروية في منامه الأمر بذبح ابنه, فلما أصبح روّى يومه أجمع, أي فكر في أمر الرؤيا, أمن الله أو من الشيطان, فسمي بذلك.

واليوم السابع قبله يسمى يوم الزينة.

ومنى على طريق عرفات من مكة, وهي شعب طوله دون الميلين, وعرضه دون رمية السهم, وهي عن مكة فرسخ, وفي نسختي بـ "الإيضاح" لأبي زكريا النواوي رحمة الله عليه, وهي نسخة معتمدة بخط أبي عبد الله محمد بن سامة, وقوبلت على أصل المصنف, وتداولها المحدثون, وقع فيها قوله: "واعلم أن بين مكة ومنى فرسخين. لكن كانت بخط كاتبها: فرسخاً, فأصلحت: فرسخين, وصحح فوقها, وفي هذا الإصلاح والتصحيح نظر, فإن مسافة ما بين مكة ومنى قد رأيناها ولله الحمد, وربما هي دون فرسخ الذي هو ثلاثة أميال, والله أعلم.

قال مصنف كتاب "صورة الأرض": وبينه – أي بين مكة ومنى – ثلاثة أميال.

وهكذا ذكره ياقوت الحموي في "المشترك".


#16#

ومنى ذكر, قاله ابن السراج اللغوي, فيصرف حينئذ.

قال أبو دهبل الجمحي في تذكيره:

سقى منى ثم رواه وساكنه ... ومن ثوى فيه واهي الودق منبعق.

وقد يؤنث فيمنع – يعني الصرف – أنشد البكري للعرجي:

ليؤمنا بمنى إذ نحن ننزلها ... أشد من يومنا بالعرج أو ملل

وقال أبو بكر محمد بن القاسم بن الأنباري في كتابه "المذكر والمؤنث": وقال الفراء: الغالب على منى التذكير والإجراء.

قال جابر رضي الله عنه: فأهلوا بالحج.

وفي رواية فأهللنا بالحج, فهذه الرواية الثانية توضح أن جابراً رضي الله عنه كان ممن لم يكن معه هدي, وكان حلالاً فأهل مع الناس بالحج.

ويعضده ما خرجه البخاري في "صحيحه" تعليقاً من حديث عطاء, عن جابر رضي الله عنه قال: قدمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم, فأحللنا يوم التروية, وجعلنا مكة بظهر, لبينا بالحج. وقال أبو الزبير عن جابر رضي الله عنه: أهللنا من البطحاء.


#17#

وهي مسافة ما بين المحصب ومكة, قال البكري: وليس الصفا منها.

وذكر ياقوت في "معجم البلدان" أن الأبطح يضاف إلى مكة, وإلى منى؛ لأن مسافته منهما واحدة, وربما كان إلى منى أقرب, وهو المحصب, وهي خيف بني كنانة.

قال جابر رضي الله عنه: وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها.

وفي رواية: فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر.

وفي رواية: والصبح بدل الفجر.

ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس, وأمر بقبة من شعر تضرب.

وفي رواية فضربت له بنمرة.

نمرة: الجبل الذي عليه أنصاب الحرم عن يمينك إذا خرجت من مأزمي عرفة تريد الموقف, قاله الأزرقي وغيره.

قال ابن القيم: وهي قرية شرقي عرفات, وهي خراب اليوم.

وخرج الترمذي من حديث إسماعيل بن مسلم, عن عطاء, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر, ثم غدا إلى عرفات.


#18#

وخرج أبو داود نحوه.

وهو في "معجم الطبراني الأوسط": من حديث عبثر بن القاسم, عن الأعمش, عن الحكم, عن مقسم, عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم التروية بمنى الظهر والعصر.

قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن الأعمش إلا عبثر.

قلت: وأبو إسحاق الفزاري, فيما رواه أبو حفص – عمر بن الحسن بن نصر القاضي – حدثنا عبد الرحمن بن عبيد الله, حدثنا أبو إسحاق الفزاري, عن الأعمش ... فذكره.

وخرجه أبو داود عن الأعمش, عن الحكم بن عتيبة, عن مقسم, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صلى رسول [الله] صلى الله عليه وسلم الظهر يوم التروية, والفجر يوم عرفة بمنى.


#19#

وخرجه الترمذي للأعمش بمعناه, وقال: قال شعبة: لم يسمع الحكم من مقسم إلا خمسة أشياء, وعدها, وقال: ليس هذا الحديث مما عده شعبة فيما سمعه الحكم من مقسم. انتهى.

فعلى هذا يكون الحديث منقطعاً, والله أعلم.

وقال الشافعي – فيما حكاه عنه البيهقي في "المعارف" -: راح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم التروية بعد الزوال إلى منى, فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح, ثم غدا إلى عرفة, فقائل يقول: حين طلعت الشمس على ثبير, وقائل يقول: حين أسفر.

ثبير: جبل عظيم بالمزدلفة, مشرف على الجبال التي حوله, على يسار الذاهب إلى منى.

وكانت صلاته صلى الله عليه وسلم تلك قصراً.

صح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين.

وقال حارثة بن وهب الخزاعي رضي الله عنه: صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن أكثر ما كنا قط, وآمنه بمنى ركعتين.


#20#

وله شاهد من حديث أنس وابن مسعود.


#21#

$[أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الحية في مسجد الخيف]$

وقال ابن جريج: حدثنا أبو الزبير أن مجاهداً أخبره أن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود حدث عن أبيه قال: بينما نحن في مسجد الخيف ليلة عرفة التي قبل يوم عرفة, إذ سمعنا حس الحية, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقتلوها» فدخلت في شق حجر, فأتى بسعفة, فأضرم فيها ناراً, فأدخلنا عوداً, فقلعنا عنها بعض الحجر, فلم نجدها, فقال النبي صلى الله عليه وسلم «دعوها, فقد وقاها الله شركم, ووقاكم شرها».

والحديث مخرج في "الصحيحين" من حديث الأعمش, حدثني إبراهيم, عن الأسود, عن عبد الله رضي الله عنه قال: بينا نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار بمنى, إذ نزلت عليه: {والمرسلات} وإنه ليتلوها, وإني لأتلقاها من فيه, وإن فاه لرطب بها, إذ وثبت علينا حية, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اقتلوها» فابتدرناها, فذهبت, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وقيت شركم, كما وقيتم شرها».


#22#

رواه عن الأعمش: جرير, وحفص بن غياث, وسليمان بن قرم, وأبو معاوية محمد بن خازم.

تابعه عبد الرحمن بن الأسود, عن أبيه.

وهو عند الأعمش أيضاً, عن إبراهيم, عن علقمة بن قيس, عن ابن مسعود.

تابعه منصور, عن إبراهيم, رواه إسرائيل عن الأعمش ومنصور.

قال مسدد: حدثنا يحيى بن سعيد, عن ابن جريج, حدثني أبو الزبير أن مجاهداً أخبره أن أبا عبيدة بن عبد الله أخبره, عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ح.

وقال خلف بن سالم: حدثنا يحيى, عن ابن جريج, أخبرني أبو الزبير, عن مجاهد, عن أبي عبيدة, عن أبيه كلاهما قال: قال: بينما نحن في مسجد الخيف ليلة عرفة التي قبل يوم عرفة, إذ سمعنا حس الحية, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اقتلوا» فدخلت في شق حجر, فأتي بسعفة, فأضرم فيها نار, وأدخلنا عوداً, فقلعنا عنها بعض الحجر, فلم نجدها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوها, فقد وقاها شركم ووقاكم شرها».


#23#

وقال خلف: «فقد وقاها الله شركم, كما وقاكم شرها», وقال أحدهما: فأتي بسعفة, فأضرم فيها ناراً.

وحدث به النسائي عن عمرو بن علي, عن يحيى بنحوه.

ورواه عبد الله بن إدريس, عن ابن جريج, عن أبي الزبير, عن مجاهد, عن أبي عبيدة بن عبد الله, عن أبيه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد الخيف ... وذكر مثله.

حدث به يعقوب بن شيبة في "مسنده" عن الثلاثة كذلك, وقال: قال ابن المديني: إسناده ليس بالمتصل؛ لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه.

وحدث به يعقوب أيضاً في "المسند": عن محمد بن عبد الله بن نمير, حدثنا حفص بن غياث, حدثنا الأعمش, عن إبراهيم, عن الأسود, عن عبد الله قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى ليلة عرفة, فخرجت حية فقال: «اقتلوا, اقتلوا» فسبقتنا.

خرجه البخاري من طريق حفص وأبي معاوية, وسليمان بن قرم وجرير عن الأعمش.

ورواه مسلم من طريق حفص وجرير, وأبي معاوية.


#24#

تابعهم زيد بن أبي أنيسة, عن الأعمش.

[1] (م) حدثنا أبو كريب, حدثنا حفص, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن الأسود, عن ابن مسعود وأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بقتل حية بمنى: ح.


#25#

$[نزول المرسلات على النبي صلى الله عليه وسلم]$

حدثنا محمود, حدثنا عبيد الله بن موسى, عن إسرائيل, عن منصور, عن إبراهيم, عن علقمة, عن عبد الله قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه: {والمرسلات} .... الحديث.

حدثنا عبدة بن عبد الله, حدثنا يحيى بن آدم, عن إسرائيل, عن منصور بهذا.

تابعه أحمد بن سليمان, عن يحيى بن آدم.

وهو عند إسرائيل عن الأعمش, عن إبراهيم, عن علقمة, عن عبد الله مثله.

وتابعه أسود بن عامر, عن إسرائيل.

وقال حفص وأبو معاوية وسليمان بن قرم, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن الأسود.

وقال يحيى بن حماد: وأخبرنا أبو عوانة, عن مغيرة, عن إبراهيم,


#26#

عن علقمة, عن عبد الله.

وقال ابن إسحاق: عن عبد الرحمن بن الأسود, عن أبيه, عن عبد الله.

حدثنا قتيبة, حدثنا جرير, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن الأسود, قال: قال عبد الله: بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار إذ نزلت والمرسلات فتلقيناها من فيه, وإن فاه لرطب بها .... الحديث.

ورواه المسعودي, عن الأعمش, عن أبي وائل, عن عبد الله.

ورواه عبد الله بن إدريس, عن الأعمش, عن أبي رزين, عن زر بن حبيش, عن عبد الله.

وكذلك رواه جرير أيضاً, عن الأعمش.

ورواه عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي, عن أبيه, عن ابن مسعود, علقه البخاري عنه.

(م) حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر وأبو كريب وإسحاق بن إبراهيم, عن أبي معاوية, وحدثنا قتيبة, وعثمان, عن جرير, وحدثنا عمر بن حفص, حدثنا أبي, كلهم عن الأعمش .... فذكره بنحوه.


#27#

رواه خلف بن سالم, وزهير بن حرب, عن جرير, ومحمد بن عبد الله بن نمير, عن أبي معاوية.

وحدث به خلف بن سالم, عن يحيى بن آدم, أخبرنا إسرائيل, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن علقمة, عن عبد الله.

ورواه الأسود بن عامر, عن إسرائيل, عن منصور, عن إبراهيم, عن علقمة, عن عبد الله.

تابعه شيبان, عن منصور.

قال كاتبه: هذه ملحقة وأثبتها في الأصل, غير مخرج لها, وغير مصحح عليها.


#28#

$[صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى عنزة]$

قال محمد بن عبد الله الشافعي: حدثني محمد بن خالد الآجري, حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني: أخبرنا شريك, عن عبد الله, عن أبي إسحاق, عن أبي جحيفة قال: أمنا النبي صلى الله عليه وسلم بمنى, فركز عنزة, فصلى إليها.


#29#

$[من صلى في رحله ثم أتى مسجد جماعة فليصل معهم]$

وقال الترمذي في "جامعه": حدثنا أحمد بن منيع, حدثنا هشيم, أخبرنا يعلى بن عطاء, حدثنا جابر بن يزيد بن الأسود, عن أبيه قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجه, فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف, فلما قضى صلاته وانحرف, إذا هو برجلين في القوم لم يصليا معه, فقال: «علي بهما‌» فجيء بهما ترعد فرائصهما, فقال: «ما منعكما أن تصليا معنا؟» فقالا: يا رسول الله, إنا قد كنا صلينا في رحالنا قال: «فلا تفعلا, إذا صليتما في رحالكما, ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم, فإنها لكما نافلة».

حديث حسن صحيح, قاله الترمذي.

وخرجه أبو حاتم – محمد بن حبان – في "صحيحه" لهشيم, وسيأتي إن شاء الله تعالى.

تابعه حماد بن سلمة وشعبة وسعيد بن زيد وسفيان وهشام بن حسان وأبو عوانة عن يعلى.


#30#

وقال أحمد بن الوليد الفحام: حدثنا أسود بن عامر, أخبرنا شعبة, أخبرني يعلى بن عطاء, سمعت جابر بن يزيد, عن الأسود السوائي يحدث, عن أبيه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح, فإذا رجلان قاعدان حين صلى النبي صلى الله عليه وسلم في ناحية المسجد, ولم يصليا, فدعا بهما, فجيء بهما ترتعد فرائصهما. ... وذكر الحديث.

وزاد غير مسلم: ثم قال الناس يأخذون بيده صلى الله عليه وسلم يمسحون بها وجوههم, قال: فأخذت بيده صلى الله عليه وسلم, فمسحت بها وجهي, فوجدتها أبرد من الثلج وأطيب ريحاً من المسك.

وقد تقدم مختصراً دون القصة من رواية البخاري في "تاريخه الكبير".

وقال يحيى بن عبد الحميد: حدثنا شريك, عن يعلى, عن عطاء, عن جابر بن يزيد, عن أبيه أن أحد الرجلين اللذين صليا في رحالهما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: استغفر لي. قال: «غفر الله لكما» وأخذ بيده فوضعها على صدره, فوجدت بردها في ظهري, قال: فما شممت ريحاً قط أطيب من يده صلى الله عليه وسلم, ولقد كانت يده أبرد من الثلج.


#31#

والحديث من الأفراد, فذكر البيهقي في كتابه "المعارف" أن يزيد بن الأسود ليس له [راو] غير ابنه, ولا لجابر بن يزيد راو غير يعلى بن عطاء, ويعلى بن عطاء لم يحتج به بعض الحفاظ, وكان يحيى بن معين وجماعة من الأئمة يوثقونه, انتهى قول البيهقي.

وعن يعلى اشتهر الحديث فرواه هشيم, كما قدمناه, وتابعه سفيان الثوري وشعبة وهشام بن حسان وحماد بن سلمة وغيرهم, فرووه عن يعلى نحوه.

والحديث عند أبي داود في "سننه" من طريق شعبة, عن يعلى, وهو طائفي نزل واسط, ومات بها سنة عشرين ومائة.

ورواه أبو غسان نصر بن منصور البصري – وكان صاحب سنة, مات يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من صفر سنة إحدى وستين ومائتين – فقال: حدثنا أبو النعمان, حدثنا سعيد بن زيد, عن يعلى بن عطاء ... فذكره [بنحوه].

وقال الطبراني في "معجمه الكبير": حدثنا محمد بن إسحاق بن راهويه, حدثنا أبي, حدثنا أبو خالد الأحمر – سليمان بن حيان – ح.


#32#

وحدثنا القاسم بن زكريا, حدثنا أبو كريب, حدثنا أبو خالد الأحمر, عن حجاج, عن يعلى بن عطاء, عن أبيه, عن عبد الله بن عمرو قال: أبصر النبي صلى الله عليه وسلم رجلين في مسجد الخيف, في أخريات الناس, فأمر بهما, فجيء بهما ترعد فرائصهما, فقال: «ما منعكما من الصلاة معنا؟» قالا: صلينا في رحالنا, قال: «أفلا صليتم معنا فتكون تطوعاً, وصلاتكم الأولى هي الفريضة».

هكذا رواه الحجاج, عن يعلى بن عطاء, عن أبيه, عن عبد الله بن عمرو, وخالف الناس في إسناده.

ورواه شعبة وأبو عوانة وهشيم وإبراهيم بن ذي حماية والثوري وهشام بن حسان, عن يعلى بن عطاء, عن جابر بن يزيد بن الأسود السوائي, عن أبيه.

قال الطبراني: وهذان الرجلان هما أبو الخريف وأخوه.

قال أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي: حدثنا أبو


#33#

الأشعث, حدثنا محمد بن بكر, حدثنا عمر بن قيس, عن صعصعة بن أبي الخريف سمعت أبي يحدث عن جدي قال: أقبلت أنا وأخي والنبي صلى الله عليه وسلم يؤم الناس بالخيف من منى في صلاة الغداة, وقد صلينا الصبح في منازلنا, فتخلفنا حتى فرغ من صلاته, فلما انصرف قال: «علي بهذين الرجلين» فأتي بنا, فقال: «ما منعكما أن تصليا مع الناس؟» قالا: كنا صلينا في رحالنا, فوجدناكم تصلون, فكففنا حتى صليتم قال: «فإذا صلى أحدكم في رحله, فوجد الناس يصلون, فليصل بصلاتهم, وليجعل صلاته في بيته نافلة».

تابعه محمد بن محمود بن محمد السراج, عن أحمد بن المقدام.

وفي سنده اضطراب: فخرجه الطبراني في "معجمه": ابن أبي الخريف, فقال: حدثنا الحسين بن السميدع الأنطاكي, حدثنا موسى بن أيوب النصيبي, حدثنا عبد العزيز بن الزبير, عن عمر بن قيس, عن صعصعة بن السوائي, عن ابن أبي الخريف, عن أبيه, عن جده قال: أتيت أنا وأخي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مسجد الخيف يصلي, وقد صلينا المكتوبة في البيت, فلم نصل معهم .... الحديث.

وحدث به أبو عمرو – عثمان بن السماك – عن علي بن إبراهيم الواسطي, حدثنا الحارث بن منصور, حدثنا عمر بن قيس, عن


#34#

صعصعة, عن أبي الخريف, عن أبيه, عن عمه وجده, قالا: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع, فصلينا في منازلنا بمنى, ثم أتينا المسجد فأصبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يصلون, فقمنا حتى فرغوا, فنظر إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قال: «علي بهذين, ما منعكما أن تصليا؟» قالا: يا رسول الله, صلينا في رحالنا .... الحديث.

وأبو الخريف بفتح الخاء المعجمة, وكسر الراء.

وقد ذكر أبو بشر الدولابي في كتابه "الكنى" أبا الخريف عبيد الله بن ربيعة السوائي الراوي, عن يزيد بن عامر السوائي الصحابي, [ذكره بفتح الحاء المهملة وكسر الراء].

وذكره أبو محمد عبد الله بن علي الجارودي بالخاء المعجمة.

وقال معن بن عيسى: حدثني سعيد بن السائب الطائفي, عن نوح بن صعصعة, عن يزيد بن عامر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جئت للصلاة فوجدت الناس في الصلاة, فصل معهم, وإن كنت قد صليت تكون تلك نافلة وهذه مكتوبة».

قال جابر رضي الله عنه: فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام, كما كانت قريش تصنع في الجاهلية.


#35#

وقع في هذا زيادة من رواية حفص بن غياث, عن جعفر بن محمد, وهي ما قال مسلم في "صحيحه" عقب هذا الحديث الطويل: وحدثنا عمر بن حفص بن غياث, حدثني أبي, حدثنا جعفر بن محمد, حدثني أبي أتيت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما, فسألته عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وساق الحديث بنحو حديث حاتم بن إسماعيل, وزاد في الحديث: وكانت العرب يدفع بهم أبو سيارة على حمار عري, فلما أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم من المزدلفة بالمشعر الحرام, لم تشك قريش أنه سيقتصر عليه, وتكون منزلته ثم, فأجاز ولم يعرض له حتى أتى عرفات, فنزل هكذا.

رواه مسلم مختصراً.

وأبو سيارة آخر من ولي أمر الإفاضة بالناس من المزدلفة وعليه قام الإسلام, واسمه عميلة بن الأعزل العدواني, وتقدم ذكر نسبه.

كان مسيره صلى الله عليه وسلم على طريق ضب, وضب طريق مختصر من المزدلفة إلى عرفة وهو في أصل المأزمين عن يمينك وأنت ذاهب إلى عرفة. قاله أبو الوليد الأزرقي, وقال: وقد ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم سلكها حين غدا من منى إلى عرفة, قال ذلك بعض المكيين. انتهى.

وأما صنيع قريش في الجاهلية فكانت تقف قبل دخولها عرفات


#36#

بالمشعر الحرام, وهو قزح الآتي ذكره إن شاء الله تعالى .

وكان سائر العرب يتجاوزون [المزدلفة] إلى عرفات, ولا يقفون بالمشعر, وكانت قريش ومن دان دينها يسمون الحمس.

وقد صح عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: أضللت بعيراً لي يوم عرفة, فخرجت أطلبه بعرفة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفاً مع الناس بعرفة, فقلت: هذا من الحمس, فما شأنه هاهنا.

متفق عليه من حديث سفيان – هو ابن عيينة – عن عمرو بن دينار, عن محمد بن جبير بن مطعم, عن أبيه.

قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي رحمه الله في كتابه "دلائل النبوة" فيما وجدته بخطه عقب حديث جبير الذي قدمناه قال: وهذا قبل النبوة, وكان الله عز وجل قد وفقه صلى الله عليه وسلم بأن وقف بعرفة مع الحاج, وكانت قريش تسمى الحمس, وكانوا يقفون في الحرم,


#37#

ولا يخرجون منه, فلذلك تعجب منه جبير بن مطعم, بكونه لم يقف مع قومه, فلما جاء الإسلام ظن بعض الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم يقف مع قريش, فأوحى الله عز وجل إليه: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} فوقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفه في حجته. انتهى.

وكانت قريش أيضاً تدفع يوم عرفة قبل غروب الشمس, ومن المزدلفة بعد أن تطلع الشمس, فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم أولاً وآخراً.

وقال الشافعي: أخبرنا مسلم بن خالد, عن ابن جريج, عن محمد بن قيس بن مخرمة قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن أهل الجاهلية كانوا يدفعون من عرفة حين تكون الشمس كأنها عمائم الرجال في وجوههم قبل أن تغرب, ومن المزدلفة بعد أن تطلع الشمس حين تكون كأنها عمائم الرجال [في وجوههم], وإنا لا ندفع من عرفة حتى تغرب الشمس, وندفع من المزدلفة قبل أن تطلع الشمس هدينا مخالف لهدي أهل الأوثان والشرك».

هذا مرسل.

وخرجه الحاكم في "مستدركه" مرفوعاً – وسيأتي إن شاء الله تعالى .


#38#

وقال الشافعي: أخبرنا سفيان, عن ابن طاوس, عن أبيه قال: كان أهل الجاهلية يدفعون من عرفة قبل أن تغيب الشمس, ومن المزدلفة بعد أن تطلع, ويقولون: أشرق ثبير كيما نغير, فأخر الله هذه وقدم هذه.

وخرج الطبراني في "معجمه الأوسط": من حديث محمد بن يزيد بن خنيس, حدثنا ابن جريج, عن عطاء, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة من منى, فلما انبعثت به راحلته وعليها قطيفة قد اشتريت بأربعة دراهم, فقال: «اللهم اجعلها حجة مبرورة لا رياء فيها ولا سمعة».

من أفراد محمد بن يزيد بن خنيس.

قال جابر رضي الله عنه: فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة, فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها.

وفي رواية: فنزلها.

وخرج أبو سعيد المفضل بن محمد بن إبراهيم الجندي في كتابه:


#39#

"فضائل مكة" شرفها الله تعالى فقال: حدثنا ابن أبي عمر, حدثنا مسلم بن خالد, عن ابن جريج قال: سئل عطاء عن نزول النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة, فقال: بنمرة، وهو منزل الخلفاء إلى الصخرة الساقطة بأصل الجبل، عن يمينك وأنت ذاهب إلى عرفة، وكان يلقي عليها ثوبا يستظل به صلى الله عليه وسلم كثيرا.

تابعه أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي, عن مسلم.


#40#

$[إهلال الصحابة]$

وكانت الصحابة رضي الله عنهم في مسيرهم ذلك يلبي بعض ويكبر بعض.

كما ثبت عن مالك, عن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك وهما غاديان من منى إلى عرفة, كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فكان يهل منا المهل, فلا ينكر عليه, ويكبر المكبر منا, فلا ينكر عليه. متفق عليه من حديث مالك.

وقال ابن عمر رضي الله عنهما: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من منى, فمنا من يكبر ومنا من يلبي.

قال جابر رضي الله عنه: حتى إذا زاغت الشمس أمر صلى الله عليه وسلم بالقصواء فرحلت له, فأتى بطن الوادي.

هذا المكان من أرض عرفة بين مكة وعرفات, وليست عرنة من عرفات عند الجمهور, إلا مالكاً فقال: هي من عرفات.

وقال سالم بن عبد الله بن عمر: كتب عبد الملك إلى الحجاج ألا تخالف ابن عمر في الحج, فجاء ابن عمر وأنا معه يوم عرفة حين زالت الشمس فصاح عند سرادق الحجاج فخرج [و] عليه ملحفة


#41#

معصفرة, فقال: ما لك يا أبا عبد الرحمن؟ فقال: الرواح إن كنت تريد السنة, قال: هذه الساعة؟ قال: نعم ..... الحديث.


#42#

$[خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة]$

قال جابر رضي الله عنه: فخطب الناس.

قال الإمام أحمد في "مسنده" حدثنا يعقوب بن إبراهيم, حدثنا أبي, عن ابن إسحاق, حدثني نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى حين صلى الصبح في صبيحة يوم عرفة, حتى أتى عرفة, فنزل بنمرة, وهي منزل الإمام الذي ينزل به بعرفة, حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله صلى الله عليه وسلم مهجراً فجمع بين الظهر والعصر, ثم خطب الناس ... الحديث.

وقد تقدم عن عمرو بن يثربي الضمري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم عرفة بعرفة – حين زاغت الشمس – على راحلته قبل الصلاة, والأول المعروف.

ولما خطب النبي صلى الله عليه وسلم هذه الخطبة, كان على راحلته القصواء, ليكون أبلغ في البلاغ.

وهذه الخطبة هي الخطبة العظيمة المشتملة على تمهيد قواعد الإسلام, وتغيير قواعد الكفر, ووضع أمور الجاهلية, وتحريم الظلم


#43#

وإرشاد الأمة وتحذيرهم من اتباع الشيطان.

وقد سمع هذه الخطبة, ورواها الجم الغفير من الصحابة, بعضهم كاملة وبعضهم روى غالبها, وبعضهم طرفاً منها, وبعضهم لم يسمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفهم صحابياً آخر عنها, فسمعها منه, وكل منهم أدى ما سمع رضي الله عنهم.


#44#

$[تحريم الدماء والأموال]$

قال جابر رضي الله عنه: وقال: «إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم, كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا».

هكذا في حديث جابر جاء مختصرا.

وفي حديث غيره أنه صلى الله عليه وسلم حمد الله وأثنى عليه, ثم قال: «أيها الناس اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً, أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم, فيسألكم عن أعمالكم, وقد بلغت, فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها».

وسيأتي إن شاء الله تعالى من طريق كاملاً.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية جابر في هذا الحديث: «ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع, ودماء الجاهلية موضوعة, وإن أول دم أضع من دمائها دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعاً في بني سعد, فقتلته هذيل».

وذكر ابن إسحاق في رواية إبراهيم بن سعد عنه أنه كان مسترضعاً في بني ليث.


#45#

وفي غير حديث جابر قال: فهو أول ما بدأ به.

وجاء من رواية حماد بن سلمة: دم آدم بن ربيعة.

وحكاه أبو محمد بن حزم عن النسابين وصححه الزبير بن بكار وغيره, وذكره ابن الكلبي في "جمهرة النسب": آدم بن ربيعة بن الحارث, هو ابن عبد المطلب, وعده الدارقطني تصحيفاً.

وقيل: اسم ابن ربيعة هذا إياس, وقيل: حارثة, وقيل: تمام.


#46#

وجاء في رواية مكي بن إبراهيم, عن موسى بن عبيدة, عن عبد الله بن دينار, عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم بالعقبة, فاجتمع إليه ما شاء الله من المسلمين, فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل, ثم قال: «يا أيها الناس, كل دم كان في الجاهلية فهو هدر وأول دم أهدر دم الحارث بن ربيعة بن الحارث, كان مسترضعاً في بني ليث فقتلته هذيل» .... الحديث.

وسبب قتل هذا أنه حصل بين بني سعد وبين بني ليث بن بكر – وقيل: بينهم وبين هذيل – حرب, وابن ربيعة هذا صغير حينئذ يحبو أمام البيوت, فأصابه حجر غائر أو سهم غرب من يد رجل من هذيل فقتله.

ووقع في بعض الروايات: دم ربيعة بن الحارث.

قال أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم بن قرقول في كتابه "المطالع": وهو خطأ وإنما هو ابن ربيعة. انتهى.


#47#

وقال البيهقي: من قال دم ربيعة فإنما أراد دماً وليه ربيعة, والمقتول ابن له صغير. انتهى.

وهذا تأويل أبي عبيد.

ووقع في كلام ابن حزم في تأليفه في "حجة الوداع" دم أبي ربيعة ابن الحارث بن عبد المطلب.


#48#

$[تحريم الربا]$

قال جابر رضي الله عنه – يعني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -: «وأول ربا أضع رباناً رباً عباس بن عبد المطلب, فإنه موضوع كله».

قيل: إنما بدأ صلى الله عليه وسلم بإبطال الدم والربا من أهله وقرابته ليعلم أن ليس في الدين محاباة.

وفي رواية غير جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل ذكر ربا العباس: «وإن كل ربا موضوع, ولكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون, قضى الله أنه لا رباً».

وفي رواية عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال: «أما بعد أيها الناس إن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبداً, ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك فقد رضي به مما تحقرون من أعمالكم, فاحذروه على دينكم, أيها الناس {إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله}, وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض, وإن عدة الشهور عند الله أثنا عشر شهراً منها أربعة حرم, ثلاثة متوالية ورجب مضر, الذي بين جمادى وشعبان».


#49#

$[وصاة النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء]$

قال جابر رضي الله عنه – يعني قال صلى الله عليه وسلم -: «فاتقوا الله في النساء, فإنكم أخذتموهن بأمان الله, واستحللتم فروجهن بكلمة الله, ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه, فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح, ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف».

وفي رواية ابن عباس: «أما بعد, أيها الناس, فإن لكم على نسائكم حقاً, ولهن عليكم حقاً, لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً غيركم، ولا يأذن في بيوتكم أحداً تكرهونه, وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة, فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع, وتضربوهن ضرباً غير مبرح, فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف, واستوصوا بالنساء, فإنهن عندكم عوان, لا يملكن لأنفسهن شيئاً».

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي, حدثنا سفيان, عن عاصم بن عبيد الله, عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب, عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: «أرقاكم أرقاكم, أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون, وإن جاءوا بذنب لا تريدون أن تغفروه فبيعوا عباد الله, ولا تعذبوهم».


#50#

قال جابر رضي الله عنه – يعني قال صلى الله عليه وسلم -: «وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به, كتاب الله عز وجل» – وفي رواية ابن عباس: «وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم, أيها الناس, اسمعوا قولي واعقلوه, تعلمن أن كل مسلم أخو المسلم, وأن المسلمين إخوة, لا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه من طيب نفسه,ولا تظلموا أنفسكم, اللهم هل بلغت».

قال جابر: يعني قال صلى الله عليه وسلم: «وأنتم تسألون» وفي رواية: «مسئولون عني, فما أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أن قد بلغت وأديت ونصحت, فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: «اللهم اشهد, اللهم اشهد» ثلاث مرات.

قوله: "وينكتها" روي بالموحدة بعد الكاف, لعله من قولهم نكبت الكنانة إذا ألقيت ما فيها, أو من النكب وهو الميل, يقال: نكب عن الشيء ينكب إذا مال, وهذا أشبه, وروي بالمثناة بعد الكاف, قال القاضي عياض: وهو بعيد, قبل صوابه بموحدة. انتهى, ولعله بالمثناة أقرب من الموحدة لغة.

قال صاحب "البارع": قال الأصمعي: ضربه فنكته, أي ألقاه على


#51#

رأسه, ووقع منتكثاُ, قال الشاعر:

منتكت الرأس فيه جائفة ... جياشة لا تردها الفتل

وذكر الزبيدي في "مختصر العين" نحوه.:

وهذه الخطبة خرجها كاملة أبو القاسم الطبراني في كتابه "العشرة" فقال: حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي البصري, حدثنا إسماعيل بن أبي أويس, حدثني أبي, عن ثور بن زيد الديلي, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: «يا أيها الناس, اسمعوا قولي, أما إني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في هذا الموقف, أيها الناس, إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى يوم تلقون ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا وإنكم ستلقون ربكم, فيسألكم عن أعمالكم, وقد بلغت, فمن كانت عنده [أمانة] فليؤدها إلى من ائتمنه, وإن كل ربا موضوع, لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون, ألا وإن ربا العباس بن عبد المطلب موضوع كله, وإن كل دم في الجاهلية موضوع, وإن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب, كان مسترضعاً في بني ليث, فقتلته هذيل, فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية, أما بعد, أيها الناس, فإن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم, ولكنه إن


#52#

يطع فيما سوى ذلك مما تحتقرون من أعمالكم فقد رضي, فاحذروه أيها الناس على دينكم, وإن النسيء زيادة في الكفر» ... وذكر الحديث.

تابعه أبو الفضل – محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث – حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي ... فذكره بنحوه.

وموضع هذه الخطبة بعرنة, ولم تكن من الموقف كما بيناه, ثم وقف صلى الله عليه وسلم بعرفة, وخطب خطبة أخرى على ناقته أيضاً متطاولا في الركابين؛ ليسمع الناس.

روي عن العداء بن خالد بن هوذة رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم عرفة على بعير قائماً في الركابين.

خرجه أبو داود من حديث أبي عمرو – عبد المجيد بن أبي يزيد وهب العقيلي – عن العداء به.

ورواه محمد بن مهزم الشعاب البصري العبدي, عن عبد المجيد العقيلي مطولاً, وذكر فيه الخطبة.

وروى إبراهيم بن سعد, عن محمد بن إسحاق قال: وحدثني يحيى ابن عباد بن عبد الله بن الزبير, عن أبيه عباد قال: كان الذي يصرخ في الناس بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو على عرفة – ربيعة بن أمية بن خلف


#53#

قال: يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قل أيها الناس, إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هل تدرون أي شهر هذا؟» فيقولون شهر الحرام, فيقول: «قل لهم: إن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربكم, كحرمة شهركم هذا» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أيها الناس, هل تدرون أي بلد هذا؟» فيصرخ به, فيقولون: البلد الحرام, قال: فيقول: «فإن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة بلدكم هذا», قال: «أيها الناس, هل تدرون أي يوم هذا؟» فقال لهم فقالوا: يوم الحج الأكبر, قال: «إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربكم, كحرمة يومكم هذا».


#54#

وهو في "معجم الطبراني الكبير" من حديث وهب بن جرير, حدثنا أبي سمعت محمد بن إسحاق, حدثنا عبد الله بن أبي نجيح, قال: قال عطاء: قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم يومئذ في أصحابه [يومئذ] غنماً فأصاب سعد بن أبي وقاص تيساً فذبحه عن نفسه, فلما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة, أمر ربيعة بن أمية بن خلف رضي الله عنه فقام تحت يدي ناقته صلى الله عليه وسلم – وكان رجلاً صيتاً – فقال: «اصرخ: أيها الناس, أتدرون أي شهر هذا؟» فصرخ, فقال الناس: الشهر الحرام. فقال: «اصرخ: أتدرون أي بلد هذا؟» قالوا: البلد الحرام. قال: «اصرخ: هل تدرون أي يوم هذا؟» قالوا: الحج الأكبر. فقال: «اصرخ فقل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله عز وجل قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة شهركم هذا, وكحرمة بلدكم هذا, وكحرمة يومكم هذا».


#55#

فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجه, وقال حين وقف بعرفة: «هذا الموقف وكل عرفة موقف» وقال حين وقف على قزح: «هذا الموقف وكل مزدلفة موقف».

وقال محمد بن إبراهيم بن أبان: حدثنا ليث بن حماد الصفار, حدثنا حماد بن زيد, عن المجالد, عن الشعبي, عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات فقال: «إن هذا الدين عزيز منيع, ظاهر على من ناوأه, لا يضر فيه من فارقه أو خالفه, حتى يهلك اثنا عشر كلهم» فلفظ الناس, فقلت لأبي: ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: «كلهم من قريش».

وهو في "صحيح مسلم" من حديث أبي معاوية, حدثنا داود, عن الشعبي بنحوه.

تابعه ابن عون, عن الشعبي.

وخرج الطبراني في "معجمه الأوسط" من حديث سليمان بن أبي هوذة, عن عمرو بن أبي قيس, عن فرات القزاز, عن عبيد الله بن عباد, عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: دخلت أنا وأبي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بنا, فلما سلم ألوى الناس بأيديهم يميناً وشمالاً, فأبصرهم صلى الله عليه وسلم


#56#

فقال: «ما لكم تفتلون أيديكم يميناً وشمالاً, كأنها أذناب خيل الشمس! إذا سلم أحدكم فليسلم على من يمينه وعلى من يساره» قال: فجلسنا معه فقال: «لا يزال الإسلام ظاهراً, حتى يكون اثنا عشر أميراً وخليفة, كلهم من قريش».

قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن فرات القزاز إلا عمرو ابن أبي قيس.

قلت: هو في "صحيح مسلم" من حديث إسرائيل, عن فرات بنحوه مختصراً.

تابعه مسعر, عن عبيد الله وهو ابن القبطية.

وروى إبراهيم بن سعد, عن ابن إسحاق, حدثني ليث بن أبي سليم, عن شهر بن حوشب الأشعري, عن عمرو بن خارجة قال: بعثني عتاب بن أسيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة له, ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة, فبلغته, ثم وقفت تحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإن لعابها ليقع على رأسي, قال: فسمعته وهو يقول: يا أيها الناس, إن الله عز وجل قد أعطى كل ذي حق حقه, لا وصية لوارث, ومن تولى قوماً


#57#

بغير إذن مواليه, فإن عليه لعنة الله وغضبه, لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً, الولد للفراش, وللعاهر الحجر».

ورواه سفيان الثوري [عن ليث], عن شهر بن حوشب أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب قال: وإن لعاب ناقته ليسيل على فخذي .... الحديث.

ورواه سعيد بن منصور, عن هشيم, حدثنا طلحة أبو محمد مولى باهلة, حدثنا قتادة, عن شهر بن حوشب, عن عمرو بن خارجة الأشعري بنحو الحديث الأول.

ورواه شبابة, عن مغيرة بن مسلم وورقاء, عن مطر, عن شهر بن حوشب, عن عمرو بن خارجة بنحوه.

وخرجه أبو محمد دعلج في كتابه "مسند المقلين" من حديث هشام الدستوائي, عن قتادة, عن شهر بن حوشب, عن عبد الرحمن بن غنم, عن عمرو بن خارجة قال: كنت تحت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم, وهي تقصع بجرتها, ولعابها يرتش بين كتفي, فسمعته يقول: «إن الله عز وجل قد أعطى كل ذي حق حقه, ولا يجوز لوارث وصية, والولد للفراش,


#58#

وللعاهر الحجر, ومن ادعى إلى غير أبيه أو ادعى إلى غير مواليه رغبة عنهم, [فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً».

زاد في سنده عبد الرحمن بن غنم].

وهكذا رواه أبو مسلم الكجي, حدثنا أبو بكر الهذلي, عن شهر بن حوشب, عن عبد الرحمن بن خارجة مثله.

ورواه موسى بن هارون, حدثنا قتيبة, حدثنا أبو عوانة, عن قتادة كذلك.

[ورواه محمد بن المنهال, حدثنا يزيد بن زريع, حدثنا سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة كذلك].


#59#

ورواه ابن سعد في "الطبقات", عن عبد الوهاب بن عطاء, عن سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة كذلك.

ورواه محمد بن سليمان الباغندي الكبير, حدثنا عبيد الله بن موسى, أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد, عن قتادة, عن عمرو بن خارجة. فأسقط شهراً وابن غنم,

ورواه عتبة بن عبد الله المروزي, عن عبد الله بن المبارك, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن قتادة, عن عمرو منقطعاً نحوه. والحديث له طرق وفيه اضطراب.

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا سعيد بن سليمان, حدثنا عبد الله بن المبارك, عن سلمة بن نبيط, عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم عرفة على جمل أحمر.

وخرجه النسائي في "سننه" عن محمد بن آدم, عن ابن المبارك, عن سلمة بن نبيط, عن رجل من الحي, عن أبيه نبيط, به.


#60#

وحدث به أيضاً, عن عمرو بن علي, عن يحيي, عن سفيان, عن سلمة كذلك.

وهو عند أبي داود في "سننه" عن عبد الله بن داود, عن سلمة كذلك.

وخرجه ابن ماجه في "سننه", عن أبي بكر بن أبي شيبة, عن وكيع, عن سلمة بن نبيط, عن أبيه به, كما رواه ابن سعد فيما تقدم.

وقال ابن سعد: أخبرنا خلف بن الوليد الأزدي, حدثنا يحيى بن زكريا ابن أبي زائدة, حدثني أبو مالك الأشجعي, حدثني نبيط بن شريط الأشجعي قال: إني لرديف أبي في حجة الوداع إذ تكلم النبي صلى الله عليه وسلم, فقمت على عجز الراحلة, ووضعت رجلي على عاتقي أبي, فسمعته يقول: «أي يوم أحرم؟» قالوا: هذا اليوم, قال: «فأي شهر أحرم؟» قالوا: هذا الشهر, قال: «فأي بلد أحرم؟» قالوا: هذا البلد, قال: «فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام, كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا, هل بلغت؟» قالوا: اللهم نعم, قال: «اللهم اشهد, اللهم اشهد, اللهم اشهد» وأظن هذه كانت يوم النحر, والله أعلم.

ويقوي ذلك ما رواه النسائي في "سننه": عن أيوب بن محمد الوزان, عن مروان بن معاوية الفزاري, عن أبي مالك الأشجعي,


#61#

حدثنا نبيط بن شريط قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى, فحمد الله وأثنى عليه ... الحديث.

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا عفان بن مسلم, حدثنا قتادة, عن عبد الرحمن بن حرملة, عن يحيى بن هند, عن حرملة بن عمرو قال: حججت حجة الوداع مردفي عمي سنان بن سنة, فلما وقفنا بعرفات رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع إحدى إصبعيه على الأخرى, فقلت لعمي: ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: يقول: «ارموا الجمرة بمثل حصا الخذف».


#62#

وقال جابر رضي الله عنه: ثم أذن, ثم أقام, وفي رواية: ثم أذن بلال بنداء واحد وإقامة, فصلى الظهر, ثم أقام فصلى العصر, ولم يصل بينهما شيئاً:

قال الشافعي: أخبرنا إبراهيم بن محمد وغيره, عن جعفر بن محمد, عن أبيه, عن جابر بن عبد الله في حجة الإسلام قال: فراح النبي صلى الله عليه وسلم إلى الموقف بعرفة, فخطب الناس الخطبة الأولى, ثم أذن بلال, ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة الثانية, ففرغ من الخطبة وبلال من الأذان, ثم أقام بلال فصلى الظهر, ثم أقام فصلى العصر. هذا مما تفرد به ابن أبي يحيى, قاله البيهقي.

وابن أبي يحيى هذا إبراهيم بن محمد أحد الأعلام, كان الشافعي إذا حدث عنه يقول: "حدثني من لا أتهم", ومع هذا فلا يحتج بخبره هذا الذي تفرد به.

لكن قال البيهقي: ومعناه موجود في الحديث الثابت عن حاتم بن إسماعيل, عن جعفر – يعني به حديث جابر الذي نحن فيه – قال: فإنه


#63#

ذكر في حديثه ركوب النبي صلى الله عليه وسلم بعدما زاغت الشمس وخطبته, قال: ثم أذن بلال, ثم أقام فصلى الظهر, ثم أقام فصلى العصر, ولم يصل بينهما شيئاً.

"بطن عرنة": بين مكة وعرفات, بمكان يعرف بمسجد إبراهيم, وقد وهم من نسبه إلى إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام, إنما هذا المسجد بني على مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببطن عرنة في الدولة العباسية, بناه إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي العباسي. وكانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم المشار إليها سراً, وهو المشهور.

روي عن ابن جريج أن ابن هشام جهر بالقراءة بعرفة, فسبح به سالم بن عبد الله فسكت. وفيه دليل على أن المسافر لا يصلي جمعة؛ لأن ذلك اليوم كان يوم الجمعة.

ويروى عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز, عن الحسن بن مسلم بن يناق قال: وافق يوم الجمعة يوم التروية في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم, فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة, فأمر الناس أن يروحوا إلى منى وراح فصلى [بمنى] الظهر.

قال البيهقي: هذا منقطع.

قلت: ولا يصح سنده من قبل رواية إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي, عن عبد العزيز.


#64#

قال البيهقي: وحديث عمر بن الخطاب أن يوم الجمعة وافق يوم عرفة, والنبي صلى الله عليه وسلم بعرفات, حديث موصول ثابت, فهو أولى من هذا.

قال جابر رضي الله عنه: ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف, فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات.

وفي رواية: إلى الصخيرات: وقال إسماعيل بن أبان الوراق الأزدي الكوفي الصدوق الذي تابع أبا بكر بن أبي شيبة على روايته الحديث عن حاتم بن إسماعيل: إلى الشجيرات.

قال جابر رضي الله عنه: وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة.

حبل المشاة: كناية عن مجتمعهم وصفهم, شبههم بحبل الرمل المستطيل.

والصخرات: في ذيل الجبل الذي يقال له جبل الرحمة بوسط أرض عرفات ويقال له أيضاً إلال وزان هلال, وفي "المجمل": وإلال على


#65#

فعال موضع بمكة.

وفي "مختصر العين" للزبيدي: والإلال جبل بعرفات.

وقال أبو عبيد البكري في "معجم البلدان" جبل صغير من رمل عن يمين الإمام بعرفة.

وقال: وفي "البارع": الإل جبل رمل بعرفات, هكذا ذكره بلفظ المفرد على وزن فعل.

وفي "معجم البلدان" لياقوت: ألال بالفتح وزان حمام, ثم ذكره أيضاً بالكسر وزان هلال, وقال: قيل: جبل رمل بعرفات, عليه يقوم الإمام, وقيل عن يمين الإمام, وقيل هو جبل عرفة نفسه سمي إلالاً, لأن الحجيج إذا رأوه ألوا – أي اجتهدوا – ليدركوا الموقف. انتهى.

قلت: أل الرجل في السير يَوَلُّ ألا: أسرع.

وقال أبو الوليد الأزرقي: وموقف النبي صلى الله عليه وسلم عشية عرفة بين الأجبل النبعة والنبيعة والنابت, وموقفه منها على النابت وهي الظراب التي تكتنف موضع الإمام, والنابت عند النشزة التي خلف موقف الإمام, وموقف النبي صلى الله عليه وسلم على مضرس من الجبل النابت, مضرس بين أحجار هناك نابتة في جبل الذي يقال له إلال بعرفة عن يسار طريق الطائف وعن


#66#

يمين الإمام, وله يقول نابغة بن ذبيان:

بمصطحبات من لصاف وثبرة ... يزرن إلالاً سيرهن التدافع

وقال أبو داود في "المراسيل": حدثنا أحمد بن حنبل, حدثنا روح, حدثنا ابن جريج, حدثني زبان بن سلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل يوم عرفة عند الصخرة المقابلة منازل الأمراء يوم عرفة التي بالأرض في أسفل الجبل وستر آلهاً بثوب عليه.

زبان لم يرو عنه سوى ابن جريج فيما أعلم.

وثبت عن جابر رضي الله عنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين وقف عند الصخرات: «وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف».


#67#

وخرج الترمذي من حديث زيد بن علي, عن أبيه, عن عبيد الله بن أبي رافع, عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال: «هذا عرفة وهو الموقف, [وعرفة] كلها موقف» الحديث.

وخرجه يعقوب بن شيبة في "مسنده" بطوله وسيأتي إن شاء الله تعالى , وقد تقدم نحوه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

وقال الحارث بن أبي أسامة: حدثنا محمد بن عمر, حدثنا صالح بن خوات, عن يزيد بن رومان,, عن حبيب بن عمير, عن عدي عن خبيب بن خماشة الخطمي رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [بعرفة]: «عرفة كلها موقف إلا بطن عرنة, والمزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر».

يزيد بن رومان أبو روح هذا روى عن صالح بن خوات,


#68#

وروى عنه صالح بن خوات, لكنه غير الأول, فالراوي عن يزيد حفيد شيخه؛ لأن شيخه صالح بن خوات بن جبير الأنصاري روى عن أبيه وسهل بن أبي حثمة, والراوي عن يزيد هنا صالح بن خوات بن صالح بن خوات بن جبير, روى أيضاً عن محمد بن يحيى بن حبان والله أعلم.

وقال أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه": حدثنا ابن عيينة, عن عمرو بن دينار, عن عمرو بن عبد الله بن صفوان, عن يزيد بن شيبان, قال: كنا وقوفاً في مكان بعيد يباعده من الموقف فأتانا ابن مربع فقال: إني [رسول] رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم يقول: «كونوا على مشاعركم, [فإنكم] على إرث من إرث إبراهيم عليه السلام».

ورواه أحمد بن شيبان الرملي, عن سفيان, عن عمرو, عن عبد الله بن صفوان, عن يزيد بن شيبان بنحوه.

تابعه كذلك سعدان بن نصر بن منصور, عن سفيان.

وخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه لسفيان, عن عمرو ابن دينار, عن عمرو بن عبد الله بن صفوان, عن يزيد بن شيبان قال: أتانا ابن مربع الأنصاري رضي الله عنه, ونحن وقوف بالموقف مكاناً يباعده


#69#

عمرو فقال: إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم يقول: «كونوا على مشاعركم, فإنكم على إرث من إرث إبراهيم عليه السلام».

وهذا لفظ الترمذي, وقال: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث سفيان بن عيينة, عن عمرو, وابن مربع اسمه يزيد بن مربع الأنصاري, وإنما يعرف له هذا الحديث الواحد.

وكذلك ذكره أبو بكر – أحمد بن عبد الله البرقي – في كتابه "التاريخ" أن له حديثاً, وساقه عن الحميدي, عن سفيان بن عيينة, عن عمرو بن دينار, وسمي ابن مربع يزيد, كما سماه الترمذي.

وذكره البخاري في "تاريخه الكبير" في من اسمه زيد في الصحابة.


#70#

وسماه البغوي في "معجم الصحابة": عبد الله, وقال: ويقال زيد بن مربع, وقال: بلغني أن عبد الله بن مربع قتل يوم جسر أبي عبيد شهيداً في خلافة عمر رضي الله عنه.

وقال الحارث بن أبي أسامة: [حدثنا روح], حدثنا ابن عون, حدثنا أبو رملة, عن مخنف بن سليم الغامدي قال: كنا وقوفاً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات, فسمعته يقول: «يا أيها الناس إن على أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة, هل تدرون ما العتيرة؟ هي التي تسمونها الرجبية».

وعلقه البخاري في "تاريخه الكبير" فقال: قال أبو عاصم, عن ابن عون, عن أبي رملة, عن مخنف بن سليم, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لكل أهل بيت أضحية وعتيرة».


#71#

وقال الطبراني: حدثنا إسحاق, أخبرنا عبد الرزاق, أخبرني عبد الكريم, عن حبيب بن مخنف العنبري, عن أبيه قال: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة وهو يقول: «تعرفونها؟» فلا أدري ما رجعوا إليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «على كل أهل بيت أن يذبحوا شاة في كل رجب, وفي كل أضحى شاة».

وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: حدثنا سعيد بن بشير القرشي, حدثني عبد الله بن حكيم الكناني – رجل من أهل اليمن من مواليهم – عن بشر بن قدامة الضبابي رضي الله عنه قال: أبصرت عيناي حبي رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفاً بعرفات مع الناس على ناقة حمراء قصواء تحته قطيفة بولانية, وهو يقول: «اللهم حجة غير رياء ولا هباء ولا سمعة» والناس يقولون: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

عرفات: جمع عرفة تقديراً, وإعرابه كمسلمات, ويجوز منع التنوين مع بقاء الكسرة جراً ونصباً, وقد يمنع من التنوين والكسرة.

وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: حد عرفة من الجبل المشرف على بطن عرنة إلى أجبال عرفة, إلى وصيق, إلى ملتقى وصيق ووادي عرنة, رواه الأزرقي – أبو الوليد محمد بن عبد الله – عن جده, حدثنا محمد بن


#72#

عبد الله بن عبيد بن عمير, عن ابن جريج, عن مجاهد قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما فذكره.

وقيل: حد عرفات هو ما جاوز وادي عرنة إلى الجبال المقابلة مما يلي بساتين ابن عامر, قاله الشافعي.

وذكر نحوه مصنف كتاب "صورة الأرض" فقال: وعرفة ما بين وادي عرنة إلى حائط بني عامر إلى ما أقبل على الصحراء التي تكون بها موقف الإمام وإلى طريق حضن, وبحائط بني عامر نخيل, وكذلك في غربي عرفة.

وحكى أبو زكريا النووي رحمه الله فقال: وقال بعض أصحابنا: لعرفات أربعة حدود؛ أحدهما ينتهي إلى جادة طريق المشرق, والثاني إلى حافات الجبل الذي وراء أرض عرفات, والثالث إلى البساتين التي تلي قرية عرفات, وهذه القرية على يسار مستقبل الكعبة إذا وقف بأرض عرفات, والرابع: ينتهي إلى وادي عرنة. انتهى.


#73#

$[دعاؤه صلى الله عليه وسلم يوم عرفة]$

وفي هذا الموقف يوم عرفة دعا النبي صلى الله عليه وسلم ورفع يديه.

قال أبو سعيد المفضل بن محمد الجندي في كتابه "فضائل مكة" زادها الله شرفاً: حدثنا محمد بن يوسف وإبراهيم بن محمد القاضي, قالا: حدثنا أبو قرة, قال: قال ابن جريج: أخبرت عن حسين بن عبد الله, عن عكرمة مولى ابن عباس, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة يدعو ويداه على صدره كاستطعام المسكين.

قلت: حسين هذا هو ابن عبد الله بن عبيد الله بن عباس الهاشمي المدني, ضعفه ابن معين وغيره.

وحدث أبو داود في (المراسيل): عن محمود بن خالد, عن عمر – يعني ابن عبد الواحد – عن الأوزاعي, عن سليمان بن موسى قال: لم يحفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه الرفع كله إلا في ثلاثة مواطن: الاستسقاء والاستنصار, وعشية عرفة, [ثم] كان بعد رفع دون رفع.


#74#

وخرج النسائي في "سننه" من حديث عبد الملك هو ابن أبي سليمان العرزمي, عن عطاء – هو ابن أبي رباح – قال أسامة رضي الله عنه: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات, فرفع يديه فمالت ناقته, فسقط خطامها, فتناول الخطام بإحدى يديه, وهو رافع يده الأخرى.

وقال محمود بن غيلان في "تاريخه": حدثنا الفضل بن موسى, حدثنا الأعمش, عن أنس رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفاً بعرفة على راحلته رافعاً يديه يدعو, وقع زمام الناقة من يده, فتناولها بأصبعه, فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: هذا الابتهال وهذا التضرع.

وحينئذ أكثر النبي صلى الله عليه وسلم من الدعاء والابتهال والتضرع والسؤال والتهليل والتحميد والثناء والتمجيد, وندب الناس إلى ذلك وحضهم عليه وبين فضله, وأرشدهم إليه.

خرج الترمذي من حديث عمرو بن شعيب, عن أبيه, عن جده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة, وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير».

وخرجه الإمام أحمد في "مسنده" والحسين المحاملي في كتابه "الدعاء" بنحوه.


#75#

وخرجه أيضاً الترمذي والمحاملي واللفظ له من حديث طلحة بن عبيد الله بن كريز أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الدعاء يوم عرفة ....» الحديث, وهو مرسل.

وخرج أبو بكر بن أبي الدنيا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عامة دعائي ودعاء الأنبياء قبلي عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير».

وخرجه أبو القاسم الطبراني في "فضل يوم عرفة" بنحوه.

وخرج الترمذي من حديث الأغر بن الصباح, عن خليفة بن حصين, عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أكثر ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة في الموقف: «اللهم لك الحمد كالذي نقول وخير مما نقول, [اللهم] لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي, وإليك مآبي, ولك رب تراثي, اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر، وشتات الأمر, اللهم إني أعوذ بك من شر ما تجيء به الريح».

وقال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه, وليس إسناده بالقوي.


#76#

وخرجه الحسين بن إسماعيل المحاملي في كتاب "الدعاء" ولفظه: عن علي رضي الله عنه قال: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عشية عرفة: «اللهم رب الحمد, لك الحمد كما نقول وخير مما نقول, لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي, وإليك مآبي وإليك ثوابي, أعوذ بك من عذاب القبر, ووسوسة الصدر, وشتات الأمر, اللهم إني أسألك من خير ما تجيء به الرياح, وأعوذ بك من شر ما تجيء به الرياح».

وخرجه أيضاً من حديث موسى بن عبيدة, عن أخيه عبد الله بن عبيدة, عن علي رضي الله عنه قال: كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد, يحيي ويميت, بيده الخير, وهو على كل شيء قدير, اللهم اجعل في سمعي نوراً, وفي بصري نوراً, وفي قلبي نوراً, اللهم اغفر لي ذنبي ويسر [لي] أمري واشرح لي صدري, اللهم إني أعوذ بك من وسواس الصدر, ومن شتات الأمر, ومن عذاب القبر, اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل وشر ما يلج في النهار, وشر ما تهب به الرياح, وشر بوائق الدهر».


#77#

ومن دعائه صلى الله عليه وسلم هناك أيضاً: ما أخبرنا به التقي عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد بن عثمان السلعوس – بقراءتي عليه – أخبرنا والدي في آخرين, قالوا: أخبرنا عمر بن غدير ح.

وقراءة على المعمرة الكبيرة – زينب بنت محمد بن عثمان – عن ابن غدير المذكور, وعلي بن أحمد المقدسي إجازة مطلقة, قالا: أخبرنا القاضي عبد الصمد بن محمد قراءة عليه قال الأول وأنا حاضر والثاني وأنا أسمع: أخبرنا علي بن المسلم, أخبرنا الحسن بن طلاب, أخبرنا أبو الحسين – محمد بن أحمد بن محمد الغساني – حدثنا إبراهيم بن محمد يعني الهمداني الأنماطي ببغداد, حدثنا إبراهيم بن الحسين الهمداني, حدثنا موسى بن إسماعيل المنقري, حدثنا يحيى بن صالح – يعني الأيلي – عن إسماعيل بن أمية عن عطاء – هو ابن أبي رباح – عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان فيما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحجة الوداع: «اللهم إنك تسمع كلامي, وترى مكاني, وتعلم سريرتي وعلانيتي, ولا يخفى عليك شيء من أمري, وأنا البائس الفقير, المستغيث المستجير, الوجل المشفق, المقر المعترف بذنبه, أسألك مسألة المسكين, وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل, وأدعوك دعاء


#78#

الخائف الضرير من خضعت لك رقبته, وفاضت لك عبرته, وذل لك جسده, ورغم لك أنفه, اللهم لا تجعلني بدعائك شقياً, وكن بي رءوفاً رحيماً يا خير المسئولين, ويا خير المعطين».

خرجه الطبراني في "معجمه الصغير" وفي مصنفه في "فضل يوم عرفة" من حديث يحيى بن بكير, حدثنا [يحيى بن صالح الأيلي ... فذكره بنحوه.


#79#

$[مطلب عظيم فيه بشارة عظيمة لهذه الأمة]$

أخبرنا المسند الكبير الشهاب عبد الرحمن بن محمد الفارقي, أخبرنا] يحيى بن محمد المقدسي سماعاً وسليمان بن حمزة الحاكم إجازة, قالا: أنبأنا الحسن بن يحيى المخزومي, زاد الحاكم فقال: وأنبأنا محمد بن علي الحراني, قالا: أخبرنا عبد الله بن رفاعة السعدي, أخبرنا علي بن الحسن القاضي, أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن زريق الكوفي, حدثنا إسماعيل بن يعقوب بن الجراب إملاء, حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي, حدثنا أبو الوليد, حدثنا عبد القاهر بن السري, حدثني ابن لكنانة بن العباس بن مرداس, عن أبيه, عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لأمته عشية عرفة بالمغفرة


#80#

والرحمة, وأكثر الدعاء فأجابه: «إني قد فعلت, إلا ظلم بعضهم لبعض, إلا ذنوبهم فيما بيني وبينهم, قد غفرت لهم», قال: «أي رب إنك قادر أن تثيب هذا المظلوم خيراً منه مظلمته فتغفر لهذا الظالم» فلم يجبه تلك العشية, فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدعاء, فأجابه: «إني قد غفرت لهم».


#81#

وحدث به الطبراني في "المعجم": عن علي بن عبد العزيز وأبي مسلم الكشي ومعاذ بن المثنى ومحمد بن يعقوب بن سودة البغدادي، قالوا: حدثنا أبو الوليد الطيالسي, وعن معاذ بن المثنى أيضاً وعيسى بن إبراهيم البركي, قالوا: حدثنا عبد القاهر بن السري ... فذكره, وفي آخره: فأجابه: «إني قد غفرت لهم». قال: ثم تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال له بعض أصحابه: يا رسول الله, إنك قد تبسمت في ساعة لم تكن تتبسم فيها! فقال: «تبسمت من عدو الله إبليس, إنه لما علم أن الله قد استجاب لي أخذ يدعو بالويل والثبور ويحثو التراب على رأسه».

قال جابر رضي الله عنه: فلم يزل صلى الله عليه وسلم واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً, حتى غاب القرص.

خرج الحاكم أبو عبد الله في "مستدركه" من حديث عبد الوارث بن سعيد, عن ابن جريج, عن محمد بن قيس, عن المسور بن مخرمة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: «أما بعد فإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من هذا الموضع إذا كانت الشمس


#82#

على رؤوس الجبال, كأنها عمائم الرجال في وجوهها, وإنما ندفع بعد أن تغيب, وكانوا يدفعون من المشعر الحرام إذا كانت الشمس منبسطة».

ذكره الحاكم في ترجمة المسور, وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهى.

والحديث له علتان؛ لأن الصواب عن محمد بن قيس بن مخرمة دون ذكر المسور, فهو مرسل, كما قدمناه من رواية الشافعي, عن الزنجي, عن ابن جريج, عن محمد بن قيس بن مخرمة قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن أهل الجاهلية كانوا يدفعون من عرفة». .. الحديث.

وهكذا خرجه أبو سعيد – المفضل بن محمد الجندي – في كتابه "فضائل مكة" شرفها الله تعالى, فقال: حدثنا سعيد, حدثنا سفيان: عن ابن جريج, عن محمد بن قيس (عن قيس بن مخرمة) قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فذكره مرسلاً, وهو أشهر.

والعلة الثانية: ما قال أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه": حدثنا يحيى بن أبي زائدة, عن ابن جريج قال: أخبرت عن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب بعرفة ... فذكره بنحوه.

وقول جابر رضي الله عنه: فلم يزل واقفاً:


#83#

في وقوفه هذا, أرسلت إليه أم الفضل بقدح لبن, وهو فيما صح من حديث سالم أبي النضر, عن عمر مولى عبد الله بن عباس, عن أم الفضل بنت الحارث أن ناساً تماروا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: هو صائم, وقال بعضهم: ليس بصائم, فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فشربه.

وجاءت القصة أيضاً عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها, وذلك فيما صح من حديث بكير بن الأشج, عن كريب مولى ابن عباس, عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: إن الناس شكوا في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة, فأرسلت إليه ميمونة رضي الله عنها بحلاب اللبن وهو واقف في الموقف فشرب منه والناس ينظرون.

وخرج الطبراني في "معجمه الكبير" من حديث عصمة بن سليمان الخزاز, حدثنا شريك, عن جابر, عن عطاء, عن ابن عباس رضي الله عنهما


#84#

[قال]: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلبن يوم عرفه فشربه وسقى الذي عن يمينه.

وقال ابن حبان في "صحيحه": أخبرنا خالد بن النضر بن عمرو بالبصرة, حدثنا عبد الواحد بن غياث, حدثنا حماد بن زيد, حدثنا أيوب, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برمان يوم عرفة فأكل, قال: وحدثتني أم الفضل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلبن يوم عرفة فشربه.


#85#

$[نزول قوله تعالى : {اليوم أكملت لكم دينكم}]$

وهناك أيضاً أنزلت عليه الآية العظيمة قول الله عز وجل: {اليوم أكملت لكم دينكم} خرج الطبراني في "معجمه الكبير": من حديث يعقوب بن إبراهيم بن سعد, حدثني أبي, عن محمد بن إسحاق, عن عمر بن موسى بن وجيه, عن قتادة, عن الحسن, عن سمرة رضي الله عنه قال: نزلت: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} يوم عرفة ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة يوم جمعة. ويروى في بعض ألفاظه: عشية عرفة.

وقال يحيى بن عبد الحميد الحماني: حدثنا قيس بن الربيع, عن إسماعيل بن سلمان, عن أبي عمر البزار, عن ابن الحنفية, عن علي رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم عشية عرفة: {اليوم أكملت لكم دينكم}.

خرجه يعقوب بن شيبة في "مسنده" عن الحماني وقال: وهذا إسناد


#86#

ضعيف, وقد روي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه صحاح عن عمر بن الخطاب وغيره, وإنما ذكرنا هذا الحديث على وهاه وضعفه, ليعرف مخرجه وطريقه.

كان يحيى بن معين يتكلم في إسماعيل بن سلمان هذا, قال: يقال له الأزرق, يروي عن أبي عمر البزار, غير معروف, وضعفه جداً, قال يعقوب: وقيس بن الربيع سيء الحفظ, مختلط الحديث, وهو صدوق, قد حمل الناس عنه. انتهى.

وصح عن طارق بن شهاب, عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرءونها لو علينا معشر اليهود نزلت, لاتخذنا ذلك اليوم عيداً قال: أي آية؟ قال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً}, فقال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم, وهو قائم بعرفة يوم الجمعة. متفق عليه من حديث إدريس بن يزيد الأودي وسفيان الثوري ومسعر وغيرهم عن قيس بن مسلم, عن أبي عبد الله طارق بن شهاب البجلي الأحمسي الكوفي, معدود في الصحابة.

قال غندر: حدثنا شعبة, عن قيس بن مسلم, عن طارق بن شهاب قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم, وغزوت في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ثلاثاً وثلاثين, أو ثلاثاً وأربعين, من غزوة إلى سرية.


#87#

تابعه عمرو بن مرزوق, عن شعبة مختصراً.

ولحديث طارق بن شهاب, عن عمر في نزول الآية طرق غير ما ذكرنا.

وقال الطبراني في "معجمه الأوسط": حدثنا أحمد بن يحيى, حدثنا عمرو بن محمد الناقد, حدثنا زيد بن الحباب, أخبرني رجاء بن أبي سلمة أبو المقدام, عن عبادة بن نسي, عن إسحاق بن قبيصة بن ذؤيب, عن كعب الأحبار قال: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إني لأعرف قوماً لو نزلت عليهم هذه الآية نظروا أي يوم نزلت فيه فاتخذوه عيداً فقال عمر: أية آية؟ فقال: {اليوم أكملت لكم دينكم} إلى آخر الآية, فقال عمر: إني لأعرف في أي يوم نزلت {اليوم أكملت لكم دينكم} في يوم جمعة يوم عرفة, وهما لنا عيدان.

قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن إسحاق بن قبيصة بن ذؤيب إلا عبادة بن نسي, ولا عن عبادة إلا رجاء بن أبي سلمة, تفرد به زيد بن الحباب. انتهى.

وهذه الرواية أفصحت أن السائل لعمر كان كعب الأحبار.


#88#

وخرج الطبراني في "معجمه الكبير" من حديث حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار أن ابن عباس رضي الله عنهما قرأ هذه الآية: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي} إلى آخر الآية, وعنده يهودي فقال: لو أنزلت علينا هذه الآية لاتخذنا يومها عيداً, فقال ابن عباس: فإنها نزلت في يوم عيدين اثنين: جمعة ويوم عرفة.

وقد ذكر بعض المفسرين عن ابن عباس رضي الله عنهما في يوم نزول الآية الشريفة قال: كان في ذلك اليوم خمسة أعياد: يوم جمعة، ويوم عرفة، وعيد لليهود، وللنصارى، وللمجوس، ولم يجتمع أعياد لأهل الملل في يوم قبله ولا بعده.

وروى سيف بن عمر، عن داود بن أبي هند، عن عامر أنه قال في هذه الآية {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} قال: قالت اليهود: إنا لنعجب من العرب: كيف لم يحفظوا هذا اليوم فيتخذونه عيدا، فقال عمر رضي الله عنه: أشد ما حفظوه، نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، وقف نبي الله صلى الله عليه وسلم موقف إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وصد المشركون عن البيت، واضمحل الشرك، وهدمت منار الجاهلية.

وحدث به ابن سعد في "الطبقات": عن إسماعيل بن إبراهيم، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي قال: نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة حين وقف موقف إبراهيم عليه السلام واضمحل الشرك، وهدمت منار الجاهلية،


#89#

ولم يطف بالبيت عريان.

تابعه سعيد بن منصور، عن إسماعيل.

وروى محمد بن فضيل بن غزوان من حديث هارون بن عنترة بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عمر رضي الله عنه قال: لما نزلت {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} بكى عمر رضي الله عنه وقال: يا رسول الله، كنا في زيادة من ديننا، فلما أن كمل فليس بعد الإكمال إلا النقصان قال: «صدقت».

وهناك سقط رجل من المسلمين عن راحلته فمات وهو محرم.

صح من حديث أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا وقصه بعيره ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين، ولا تمسوه طيبا ولا تخمروا رأسه، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا».

تابعة أيوب السختياني، وعمرو بن دينار، والحكم بن عتيبة وعبد الكريم الجزري، وعطاء بن السائب وفضيل بن عمرو ومطر الوراق عن سعيد .


#90#

وطرقه جمة إلى عمرو بن دينار، فممن رواه عن عمرو: أبان بن صالح، وأبان بن يزيد العطار، وأشعث بن سوار وحجاج بن أرطأة، وعبد الله بن على بن الأزرق، وابن أبي ليلى، وعمر بن علي السلمي البصري – قاضي البصرة – وأبو أمية – عمرو بن الحارث المصري – وقيس بن سعد المكي الحبشي وغيرهم.

ورواه عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن منصور، عن سعيد بن جبير بنحوه.

تابعه شبيان عن منصور كذلك.

ورواه شيخ ليس بالمشهور فيما ذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في كتابه "المزيد في متصل الأسانيد" يقال له محمد بن هارون الختلي، عن عبيد الله بن موسى، فأدخل بين منصور وبين سعيد بن جبير سلمة بن كهيل.

ورواه جرير بن عبد الحميد وعبيدة بن حميد، عن منصور، عن الحكم – يعني ابن عتيبة – عن سعيد بن جبير.

وفي ذلك الموقف كان الناس يزدحمون عليه حتى يصرفوا عنه.

قال الشافعي: أخبرنا سعيد، عن ابن جريج، أخبرني حميد الأعرج، عن مجاهد أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يظهر من التلبية: «[لبيك] اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك» قال: حتى إذا كان ذات يوم والناس


#91#

يصرفون عنه، كأنه أعجبه ما هو فيه، فزاد فيها: «لبيك إن العيش عيش الآخرة».

قال ابن جريج: وأحسب أن ذلك كان يوم عرفة.

وفي ذلك الموقف أيضا سأل أهل نجد النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر من أمر الحج، والله أعلم.

خرج الترمذي من حديث سفيان –وهو الثوري- عن بكير بن عطاء، عن عبد الرحمن بن يعمر رضي الله عنه أن ناسا من أهل نجد أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة، فسألوه فأمر مناديا فنادى: "الحج عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج، أيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه.

وخرجه عن ابن [أبي] عمر، عن سفيان بن عيينة، عن سفيان الثوري نحوه بمعناه.

قال: وقال ابن أبي عمر: قال سفيان بن عيينة، وهذا أجود حديث رواه سفيان الثوري، قال: وقد روى شعبة عن بكير بن عطاء نحو حديث الثوري، قال: وسمعت الجارود يقول: سمعت وكيعا يقول –وذكر أنه ذكر هذا الحديث – فقال: هذا الحديث أم المناسك. قلت: وحديث شعبة عن بكير، رواه حفص بن عمر الحوضي وحماد بن مسعدة وسهل بن يوسف وغندر وعبد الرحمن بن زياد،


#92#

والنصر بن شميل ويزيد بن هارون وأبو عامر العقدي وأبو عبيدة الحداد وغيرهم عن شعبة. ورواه يحيى بن آدم وأمية بن خالد، عن شعبة وسفيان، عن بكير.

وخرج هذا الحديث أبو داود وزاد في آخره: وأردف رجلا ينادي بهن. وهو في "مسند أحمد بن حنبل" و"سنن النسائي" وابن ماجه والدارقطني.

وخرجه ابن حبان والحاكم في صحيحهما. وقال الحاكم: صحيح الإسناد.

وألزم الدارقطني الشيخين إخراجه في الصحيح.

وقال أبو بكر – محمد بن جعفر الخرائطي – في كتابه – "مساوئ الأخلاق": حدثنا القنطري، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن سعيد بن نشيط أن قرة بن هبيرة العامري قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، فلما كان عام حجة الوداع نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على ناقة قصيرة قال:


#93#

«يا قرة» فقال الناس: يا قرة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «كيف قلت لي حين أتيتني تسلم؟» قال: قلت: يا رسول الله، كان لنا أرباب وربات من دون الله ندعوهم فلا يجيبونا ونسألهم فلا يعطونا، فلما بعثك الله أجبناك وتركناهم، ثم أدبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد أفلح من رزق لبا».

وفي آخر الحديث قصة لقرة مع عمرو بن العاص رضي الله عنه.

تابعه يحيى بن بكير عن الليث .

ورواه أبو بكر بن أبي عاصم فقال: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثنا شيخ بالساحل، عن رجل من بني قشير يقال له قرة بن هبيرة أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: إنه كان ربات وأرباب نعبدهن من دون الله تعالى، فبعثك الله عز وجل فدعوناهن فلم يجبن، سألناهن فلم يعطين، وجئناك فهدانا الله بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفلح من رزق لبا» فقال: يا رسول الله، اكسني ثوبين من ثيابك قد لبستهما، فكساه، فلما كان بالموقف من عرفات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعد علي ما قلت» فأعاد عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد أفلح من رزق لبا، قد أفلح من رزق لبا».


#94#

تابعة الحسن بن محمد بن سليمان الشطوي، عن هشام، وقال أبو عاصم خشيش بن أصرم في كتاب "الاستقامة" [حدثنا حبان بن هلال]ا، حدثنا همام. ح.

وخرجه دعلج في "مسند المقلين" من تأليفه واللفظ له من حديث همام بن يحيى، عن محمد بن جحادة، عن المغيرة بن عبد الله اليشكري، عن أبيه قال: انطلقت إلى الكوفة أجلب بغالا، فأتيت السوق ولم تقم، فقلت لصاحبي: ادخل بنا المسجد حتى نجلس فيه، قال: والمسجد يومئذ في أصحاب التمر، قال: فدخلنا، فإذا رجل من قيس يقال له: ابن المنتفق، وهو يقول: وصف لي رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فطلبته بمكة، فقيل لي: هو بمنى، فطلبته بمنى، فقيل لي: هو بعرفة، فأتيت عرفة فزاحمتهم عليه، فقالوا لي: إليك عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوا الرجل أرب ماله» فزاحمتهم عليه، حتى خلصت إليه، فأخذت بخطام راحلته أو بزمام راحلته، حتى اختلفت أعناق راحلتيهما، فما وزعني رسول الله صلى الله عليه وسلم – أو قال: ما غير علي – فقلت: يا رسول الله، شيئين أسألك عنهما: ما ينجيني من النار ويدخلني الجنة، فرفع رأسه إلى السماء، ثم أقبل علي فقال: «لئن كنت أقصرت المسألة، لقد عظمت وأطولت، فاعقل عني إذا، تعبد الله لا تشرك به شيئا، وأقم الصلاة المكتوبة، وأد الزكاة المفروضة، وصم شهر رمضان، وما تحب أن يفعله الناس بك فافعله بهم، وما تكره أن يأتي إليك الناس فدع الناس منه، خل سبيل الراحلة».


#95#

وخرج الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتابه "معرفة الصحابة" من حديث أبي بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن مجالد، عن الشعبي، عن جبشي بن جنادة السلولي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو واقف بعرفة فأتاه أعرابي فأخذ بطرف ردائه، فسأله إياه فأعطاه، فعند ذلك حرمت المسألة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المسألة لا تحل لغني، ولا لذي مرة سوي، إلا لذي فقر مدقع، أو غرم مفظع، من سأل الناس ليثري به ماله كان خموشا – يعني في وجهه – يوم القيامة ورضفا يأكله من جهنم، فمن شاء فليقل، ومن شاء فليكثر».

ورواه عبد الله بن نمير، عن مجالد نحوه.

ورواه جابر الجعفي، عن الشعبي نحوه مختصرا، قاله أبو نعيم.

وقال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا إسماعيل بن عمر، حدثني كثير – يعني ابن زيد – عن المطلب بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان واقفا بعرفات فنظر حين تدلت - يعني الشمس – مثل الترس للغروب، فبكى واشتد بكاؤه، فقال له رجل عنده: يا أبا عبد الرحمن قد وقفت معي مرارا لم تصنع هذا. فقال: ذكرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو


#96#

واقف بمكاني هذا؛ فقال: «أيها الناس إنه لم يبق من دنياكم فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى».

وقال أبو بكر محمد بن الحسين الآجري في كتابه "فضائل مكة" زادها الله شرفا: حدثني أبو جعفر – أحمد بن خالد البرذعي – في المسجد الحرام، حدثنا علي بن الموفق البغدادي، حدثنا شبوية المروزي، حدثنا ابن المبارك، عن سفيان الثوري، عن الزبير بن عدي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات يوم عرفة، قال: فكادت الشمس أن تؤوب، فقال يا بلال: «أنصت لي الناس» فقام بلال فقال: أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنصت الناس، فقال: «يا معاشر الناس، أتاني جبرائيل آنفا، فأقرأني من ربي عز وجل السلام وقال لي: إن الله عز وجل قد غفر لأهل عرفات، ما خلا التباعات، أفيضوا باسم الله»، ثم جاء إلى المزدلفة فقام قوم يكسرون له الحجارة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التقطوا من الأرض ولا تنبهوا النوام غدا إلى المشعر» وأخذ في الدعاء، فأطال، ثم قال: «يا بلال، أنصت الناس» فقام بلال، فقال: أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنصت الناس فقال: «يا معاشر الناس، أتاني جبريل عليه السلام آنفا، فأقرأني من ربي عز وجل السلام، وقال: إن الله عز وجل قد غفر لأهل عرفات وأهل المشعر، وضمن عنهم التباعات» فقال عمر بن


#97#

الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله، هذا لنا خاص، فقال: «هذا لكم ولمن أتى بعدكم إلى يوم القيامة» فقال عمر رضي الله عنه: كثر خير الله وطاب.

وفي الباب عن ابن عمر وعبادة بن الصامت، ولا يثبت.

قال جابر رضي الله عنه وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق القصواء بالزمام - وفي رواية باللجام – حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله.

المورك بكسر الراء، وفتحها بعضهم، كالموركة شبه مصدغة تجعل تحت الورك، وقيل: الموضع الذي يثني الراكب رجله عليه قدام واسطة الرحل إذا مل من الركوب.

(كان النبي صلى الله عليه وسلم حبس الناس بالإفاضة قليلا قبل أن يردف أسامة لأجله، والله أعلم).

قال البخاري في "تاريخه الكبير": حدثنا موسى، حدثنا حماد، عن هشام، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الإفاضة بعض التأخير من أجل أسامة بن زيد، ذهب يقضى حاجته، فلما جاء، جاء غلام أفطس أسود، فقال أهل اليمن: ما حبسنا بالإفاضة اليوم إلا من أجل هذا.


#98#

قال عروة: إنما كفرت اليمن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من أجل أسامة رضي الله عنه.

ورواه ابن سعد فقال: حدثنا يزيد, حدثنا حماد بن سلمة, عن هشام ... فذكره وزاد: قال يزيد بن هارون: يعني ردتهم أيام أبي بكر رضي الله عنه.

هذه الصفة التي وصف بها أسامة في هذا الحديث موافق لما خرجه الدارقطني في "سننه" من حديث إبراهيم بن سعد, عن الزهري, عن عروة, عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل قائف ورسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة مضطجعان, فقال: «هذه أقدام بعضها من بعض» قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعجبه فأخبر به عائشة.

قال إبراهيم بن سعد: وكان زيد أحمر أشقر أبيض, وكان أسامة مثل الليل.

وقال أبو داود في "سننه": روي هذا الحديث من طريق سفيان, عن الزهري بنحوه, سمعت أحمد بن صالح يقول: كان أسامة أسود شديد السواد مثل القار, وكان زيد أبيض مثل القطن.

وذكر ابن الجوزي في كتابه "التلقيح" في ترجمة زيد بن حارثة, فقال: ذكر صفته, كان قصيراً, آدم شديد الأدمة, في أنفه فطس. انتهى.

قال جابر رضي الله عنه: ويقول صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى: «أيها الناس السكينة, السكينة»:


#99#

قال الطبراني في "معجمه الكبير": حدثنا علي بن عبد العزيز, حدثنا محمد بن نعيم الواسطي, حدثنا حماد بن زيد, عن كثير بن شنظير, عن عطاء, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنما كان بدء الإيضاع من أهل البادية, كانوا يقفون حافتي الناس, وقد تعلقوا القسي والجعاب, فإذا نفروا تقعقعت, لقد رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأن ذفري ناقته لتمس حاركها وهو يقول: «يا أيها الناس عليكم بالسكينة, يا أيها الناس عليكم بالسكينة».

الذفري: من القفا هو الموضع الذي يعرق من البعير, وهما ذفريان, قاله ابن فارس في "المجمل".

وقال سعيد بن جبير: حدثني ابن عباس رضي الله عنهما أنه دفع مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة, فسمع النبي صلى الله عليه وسلم, وراءه زجراً شديداً وضرباً للإبل, فأشار صلى الله عليه وسلم بسوطه إليهم, وقال: «أيها الناس عليكم بالسكينة, فإن البر ليس بالإيضاع».

الإيضاع: الإسراع, وقال الفراء: هو مثل الخبب.

وقال الإمام أحمد بن حنبل في "مسنده": حدثنا مؤمل بن إسماعيل, حدثنا سفيان, عن الأعمش, عن الحكم, عن مقسم,


#100#

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة وأمرهم بالسكينة, وأردف رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد رضي الله عنهما وقال: «يا أيها الناس عليكم بالسكينة والوقار, فإن البر ليس بإيجاف الإبل والخيل» فما رأيت ناقة رافعة يديها حتى بلغت جمعا، ثم أردف الفضل بن عباس رضي الله عنهما من جمع إلى منى وهو يقول: «يا أيها الناس عليكم بالسكينة والوقار, فإن البر ليس بإيجاف الإبل والخيل» فما رأيت ناقة رافعة يديها عادية حتى بلغت منى.

تابعه المسعودي, عن الحكم نحوه.

الإيجاف: في السير كالعنق, وهو سير من سير الدواب طويل, وقال ابن القطاع في "أفعاله": العنق دون الإسراع.

وروى يحيى بن سلمة بن كهيل, عن أبيه, عن الحسن العرني, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فقال: «يا أيها الناس, إنه ليس البر في إيجاف الإبل ولا إيضاع الخيل, ولكن سيراً جميلاً، لا توطئوا ضعيفاً ولا تؤذوا مسلماً».

الحسن العرني ثقة, لكنه لم يسمع من ابن عباس كما سيأتي إن شاء الله تعالى .

وقال عبد الرزاق بن همام في "جامعه": أخبرنا ابن جريج, أخبرني


#101#

عبد الملك بن عبد الله قال: رأيت أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وأبا سلمة بن سفيان واقفين على الجبل على بطن عرنة فوقفنا معهما, فلما دفع الإمام دفعا وقالا:

إليك تعدو قلقاً وضينها ... مخالفاً دين النصارى دينها

ويكبران بين ذلك حتى فاتانا بعرفة وهما يقولانها فسألت مولى لأبي بكر حينئذ معهم, فزعم أنه سمع أبا بكر يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقولها إذا دفع.

وقال الطبراني في "معجمه الأوسط": حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني, حدثنا سعيد بن سلمان, عن أبي الربيع السمان, حدثنا عاصم بن عبيد الله, عن سالم, عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض من عرفات وهو يقول:

«إليك تعدو قلقاً وضينها ... مخالفاً دين النصارى دينها».


#102#

لم يرو هذا الحديث عن عاصم إلا أبو الربيع السمان, قاله الطبراني.

والوضين: الحزام.

وكانت إفاضة النبي صلى الله عليه وسلم من طريق المأزمين وهو بين العلمين, وذلك غير طريقه التي دخل عرفة منها, والمأزمان شعب بين جبلين يفضي آخره إلى بطن عرنة.

قال جابر رضي الله عنه: كلما أتى جبلاً من الجبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد الجبل.

هو المستطيل من الرمل, وتقدم.

وقال هشام بن عروة, عن أبيه قال: سئل أسامة رضي الله عنه – وأنا جالس – كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في حجة الوداع حين دفع؟ قال: كان يسير العتق فإذا وجد فجوة نص.

والعنق دون الإسراع كما تقدم, والنص فوق العنق, من قولهم: نص الدابة؛ أي: حثها.

وذكر بعضهم أن النص تحريك الناقة حتى تستخرج أقصى سيرها.


#103#

قال جابر رضي الله عنه: حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين, ولم يسبح بينهما شيئاً, ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين طلع الفجر, فصلى الفجر حتى تبين له الصبح بأذان وإقامة.

المزدلفة: هي جمع أيضاً, وكلها من المحرم, وحدها ما بين مأزمي عرفة ووادي محسر, وليس الحدان منها.

وصح عن [حديث] أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع في حجة الوداع المغرب والعشاء بالمزدلفة.

وروى إبراهيم بن عقبة, عن كريب مولى ابن عباس أنه سأل أسامة بن زيد رضي الله عنهم قال: أخبرني عشية ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم, كيف فعلتم أو صنعتم؟ قال: جئنا الشعب الذي ينيخ الناس فيه للمعرس, فأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته, ثم بال – وما قال: أهراق الماء – ثم دعاء بالوضوء فتوضأ وضوءاً ليس بالسابغ جداً, قلت: يا رسول الله, الصلاة, قال: «الصلاة أمامك» قال: فركبت حتى قدمنا المزدلفة, فأقام المغرب, ثم أناخ والناس في منازلهم, فلم يحلوا [بفتح الياء وضم الحاء, أي فلم يحلوا أحمالهم] حتى أقام العشاء الآخرة فصلى, ثم حل الناس.

وأصله في "الصحيحين": من حديث مالك بن أنس, عن موسى بن عقبة, عن كريب.


#104#

تابعه يحيى بن سعيد الأنصاري وحماد بن زيد وغيرهما, عن موسى.

ورواه حاتم بن إسماعيل, عن موسى بن عقبة, [عن إبراهيم بن عقبة, عن كريب.

قال أبو القاسم البغوي: لا أعلم أن أحداً حدث بهذا الحديث عن موسى بن عقبة], عن إبراهيم بن عقبة غير حاتم بن إسماعيل إلا أن موسى قد سمع هذا الحديث من كريب نفسه.

ذكره عنه أبو بكر الخطيب البغدادي في كتابه "المزيد" قال: وذكر إبراهيم بن عقبة خطأ.

قلت: إبراهيم بن عقبة رواه عن كريب متابعة لأخيه موسى.


#105#

حدث بذلك مسلم في "صحيحه" عن أبي بكر وأبي كريب كلاهما عن ابن المبارك, وعن إسحاق بن يحيى بن آدم, عن زهير, كلاهما: عن إبراهيم بن عقبة, عن كريب.

تابعهما أخوهما محمد بن عقبة فيما رواه مسلم أيضاً, عن إسحاق, عن وكيع, عن سفيان, عن محمد بن عقبة.

وهو عند وكيع, عن سفيان, عن إبراهيم بن عقبة فيما خرجه النسائي.

وللحديث طرق منها: ما رواه أبو الوليد الأزرقي, عن جده, أخبرنا مسلم بن خالد, عن ابن جريج, أخبرني موسى بن عقبة, عن كريب مولى ابن عباس, سمعت أسامة بن زيد رضي الله عنهما يقول: أنا رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة, فلما جئنا الشعب – أو إلى الشعب – نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فأهراق الماء, ثم توضأ فلم يتم الوضوء ... وذكر الحديث.

وحدث به أيضاً, عن جده, عن سفيان بن عيينة, عن إبراهيم بن عقبة وابن أبي حرملة وهو محمد, عن كريب مختصراً.

وقال أبو بكر - أحمد بن يوسف بن خلاد النصيبي – حدثنا أبو محمد عبيد بن شريك, حدثنا سعيد بن الحكم بن أبي مريم, حدثنا محمد بن


#106#

جعفر, حدثني محمد بن أبي حرملة, حدثني كريب مولى ابن عباس, عن أسامة بن زيد أنه قال: ردفت النبي صلى الله عليه وسلم عشية عرفة, فلما بلغ الشعب الأيسر الذي بين عرفة والمزدلفة أناخ به فبال, فصببت عليه من الإداوة, فتوضأ وضوءاً خفيفاً, فقلت: الصلاة, قال: «الصلاة أمامك» فركب حتى أتى المزدلفة ضحى بها.

خرجه مسلم في "صحيحه" لابن أبي حرملة بنحوه.

وهذا الشعب الذي بال فيه النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: شعب الإذخر على يسرة الطريق بين المأزمين.

وقال أبو الوليد الأزرقي: سألت جدي عن الشعب الذي بال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة حين أفاض من عرفة, قال: هو الشعب الكبير الذي بين مأزمي عرفة عن يسار المقبل من عرفة, يريد المزدلفة في أقصى المأزم مما يلي نمرة, وبين يدي هذا الشعب الميل ومن هذا الميل سقاية زبيدة التي في أول المزدلفة مثل الميل عنده دونها إلى المزدلفة قليلاً وفي أقصى هذا الشعب صخرة كبيرة, وهي الصخرة التي لم أزل أسمع من أدركت من أهل العلم يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم بال خلفها استتر بها, ثم لم تزل أئمة الحج تدخل هذا الشعب فتبول فيه وتتوضأ إلى اليوم.

قال أبو محمد إسحاق بن أحمد بن إسحاق بن نافع الخزاعي: أحسب أن جد أبي الوليد أوهم؛ وذلك أن أبا يحيى بن أبي ميسرة أخبرني أنه الشعب الذي في بطن المأزم عن يمينك وأنت مقبل


#107#

من عرفة بين الجبلين إذا أفضت من مضيق المأزمين, وهو أقرب وأوصل بالطريق؛ لأن الشعب الذي ذكره جد أبي الوليد الأزرقي يبعد عن الطريق.

وروى الإمام أحمد عن ابن سيرين قال: كنت مع ابن عمر بعرفات, فلما كان حين راح رحت معه, حتى أتى الإمام فصلى معه الأولى والعصر, ثم وقف وأنا وأصحاب لي, حتى أفاض الإمام فأفضنا معه, حتى انتهى إلى المضيق دون المأزمين فأناخ وأنخنا, ونحن نحسب أنه يريد أن يصلي فقال غلامه الذي يمسك راحلته: إنه ليس يريد الصلاة, ولكنه ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى هذا المكان قضى حاجته فهو يحب أن يقضي حاجته.

وقبل وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المزدلفة لقيه خال سويد بن حجير, واسمه فيما قيل: صخر بن القعقاع الباهلي, وقيل: سعد بن الأخرم, وقيل: ابن المنتفق, فسأله: ما يقربني من الجنة.

وهو ما رواه معلى بن أسد, عن قزعة بن سويد, عن أبيه سويد بن حجير, عن خاله قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عرفة والمزدلفة, قال: فأخذت بخطام ناقته, فقلت: ماذا يقربني من الجنة ويباعدني من النار؟ فقال: «أما والله لئن أوجزت المسألة لقد أعظمت وطولت, أقم الصلاة المكتوبة, وأد الزكاة المفروضة واحجج البيت, وما أحببت


#108#

أن يفعله بك الناس فافعله بهم, وما كرهت أن يفعله الناس بك فدع الناس منه، خل عن خطام الناقة».

وروى الواقدي عن محمد بن مسلم الجوسق المخزومي مولاهم, عن عثيم بن كثير بن كليب الجهني, عن أبيه, عن جده قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته وقد دفع من عرفة إلى جمع والنار توقد بالمزدلفة وهو يؤمها حتى نزل قريباً منها.

وفي تلك الليلة – عند غيبوبة القمر – أذن النبي صلى الله عليه وسلم لضعفة أهله أن يتقدموا إلى منى قبل طلوع الفجر, وأمرهم أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس.

وخرج الترمذي من حديث وكيع, عن المسعودي, عن الحكم, عن مقسم, عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم ضعفة أهله وقال: «لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس».

حديث ابن عباس رضي الله عنهما حديث حسن صحيح, قاله الترمذي.


#109#

ورواه الأعمش, عن الحكم, [عن مقسم, عن ابن عباس], وهو معروف من حديث الأعمش, قاله يحيى بن معين.

وخرج أبو داود من حديث سلمة بن كهيل, عن الحسن العرني, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أغيلمة بني [عبد] المطلب على حمرات فجعل يلطح أفخاذنا ويقول: «أبيني – [أي بني] – لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس».

قال أبو داود: اللطح: الضرب اللين.

وفي "المجمل": اللطح: الضرب ببطن الكف.

والحديث في "سنن النسائي" وابن ماجه, وهو منقطع, فإن الحسن العرني – وإن كان ثقة, وقد احتج به مسلم واستشهد به البخاري – لم يسمع من ابن عباس شيئاً, قاله الإمام أحمد بن حنبل فيما رواه عنه ابنه عبد الله, رواه عنه كتابة ابن أبي حاتم في كتابه "المراسيل".

وذكره نحوه يحيى بن معين فقال: يقال: إنه لم يسمع من ابن عباس.


#110#

وقد قال أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه": حدثنا جرير بن عبد الحميد, عن منصور, عن سلمة بن كهيل,. عن الحسن العرني, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, أو عن الحسن عن ابن عباس ... فذكره بنحوه.

وقد جاءت رواية مصرحة بسماع الحسن من ابن عباس, قال عبد الرزاق بن همام في "جامعه": قال الثوري: عن سلمة بن كهيل, عن الحسن العرني قال: سمعت ابن عباس يقول: قدمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أغيلمة بني عبد المطلب. وذكره بنحوه.

وصح من حديث عبيد الله بن أبي يزيد, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله.

ورواه عطاء, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بعث بي من جمع بسحر مع ثقله.

وجمع: تقدم أنه اسم للمزدلفة؛ لاجتماع الناس بها, وقيل: لاجتماع آدم وحواء بها لما أهبطا.

وفي الصحيحين من حديث القاسم, عن عائشة رضي الله عنها قالت: نزلنا المزدلفة فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم سودة أن تدفع قبل حطمة الناس, وأقمنا نحن حتى أصبحنا, ثم دفعنا بدفعه, فلأن أكون


#111#

استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنت سودة أحب إلي من مفروح به.

وروى الشافعي, عن داود بن عبد الرحمن العطار وعبد العزيز بن محمد الدراوردي, عن هشام بن عروة, عن أبيه قال: دار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة يوم النحر, فأمرها أن تجعل الإفاضة من جمع حتى تأتي مكة فتصلي بها الصبح, وكان يومها, فأحب أن توافقه, وفي رواية: أن توافيه.

وخرجه أبو داود من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر, ثم مضت فأفاضت, وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني عندها.

وفي المزدلفة سأل عروة بن مضرس الطائي رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم عن حجه

فيما خرجه الترمذي من حديث سفيان, عن داود بن أبي هند وإسماعيل بن أبي خالد وزكريا بن أبي زائدة, عن الشعبي, عن عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة, فقلت: يا رسول الله, إني جئت من جبلي طيء, أكللت راحلتي وأتعبت نفسي, ووالله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه, فهل لي من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شهد صلاتنا هذه, فوقف معنا حتى ندفع, وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً, فقد تم حجه وقضى تفثه».


#112#

هذا حديث حسن صحيح. قاله الترمذي.

وصححه الإمام أحمد.

وألزم الدارقطني البخاري ومسلماً إخراجه.

وهو في "معجم الطبراني الأوسط" من طريق إسماعيل بن أبي خالد.

وحدث به أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه" عن وكيع, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن الشعبي, عن عروة بن مضرس الطائي رضي الله عنه أنه حج على عهد النبي صلى الله عليه وسلم, فلم يدرك الناس إلا وهم بجمع, قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله, أتعبت نفسي.. وذكر الحديث.

وهو عند أبي معاوية وعلي بن عاصم ويعلى بن عبيد, ويزيد بن هارون, عن إسماعيل بن أبي خالد بنحوه.


#113#

تابعه سيار [بن أبي سيار] وأبو يزيد – داود بن يزيد الأودي – وزبيد اليامي وعبد الله بن أبي السفر ومطرف وغيرهم, عن الشعبي نحوه.

وفي بعض طرقه فيما رواه إبراهيم بن محمد الشافعي, عن ابن عيينة, عن داود بن يزيد, عن الشعبي, عن عروة, قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وقد أتى الصبح, فقال: «أفرخ روعك».


#114#

وفي لفظ آخر عن عروة قال: يا رسول الله, طويت الجبلين ولقيت شدة فقال: «أفرخ روعك, من أدرك إفاضتنا هذه فقد أدرك الحج».

قوله: «أفرخ روعك» هو من الأمثال من قولهم: أفرخ الروع: أمن, قاله الزبيدي في "مختصر العين".

وقيل: هو من قولهم: فرخ الأمر وأفرخ أي: انجلى وانكشف بعد الاشتباه, كما ينكشف ما في البيضة إذا انشق عن الفرخ, وذكر في معناه غير هذا.

وقد جاءت رواية مصرحة أن عروة ذهب إلى عرفات ليلاً والناس في المزدلفة وأتى إليهم بها.

قال أبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه": حدثنا أبو نعيم, حدثنا زكريا بن أبي زائدة, عن عامر, حدثني عروة بن مضرس بن أوس بن


#115#

حارثة بن لام رضي الله عنه أنه حج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يدرك الناس إلا ليلاً وهم بجمع, فانطلق إلى عرفات ليلاً فأفاض منها, ثم رجع إلى جمع فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أعملت نفسي وأنصبت راحلتي فهل لي من حج؟ قال: «من صلى معنا الغداة بجمع, ووقف معنا حتى يفيض, وقد أفاض من عرفات قبل ذلك ليلاً ونهاراً, فقد تم حجه وقضى تفثه».

قال جابر رضي الله عنه: "ثم ركب القصواء, حتى أتى المشعر الحرام – وفي رواية: حتى وقف على المشعر الحرام – فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده, فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً":

المشعر الحرام: هو جبل صغير آخر المزدلفة وليس من منى وهو قزح, وقد بني عليه بناء من جهة المزدلفة بدرج يرقى فيها إلى أعلاه حسبما شاهدته, ولله الحمد.

وقد تقدم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين وقف على قزح: «هذا الموقف وكل مزدلفة موقف».

قال جابر رضي الله عنه: فدفع قبل أن تطلع الشمس.


#116#

خرج الترمذي من حديث الأعمش, عن الحكم, عن مقسم, عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض قبل طلوع الشمس, وحسنه الترمذي.

وله شاهد من حديث عمر وسلمان رضي الله عنهما.

قال جابر رضي الله عنه: وأردف الفضل بن عباس رضي الله عنه, وكان رجلاً حسن الشعر, أبيض وسيماً, فلما دفع النبي صلى الله عليه وسلم مرت ظعن يجرين, فطفق الفضل ينظر إليهن, فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده [على وجه الفضل, فصرف وجهه إلى الشق الآخر فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده] من الشق الآخر على وجه الفضل.

خرج الطبراني في "معجمه الكبير" من حديث خالد بن خداش, حدثنا سكين بن عبد العزيز, عن أبيه, عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان الفضل رديف النبي صلى الله عليه وسلم, فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن, وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجهه بيده من خلفه, وجعل الفتى يلاحظ إليهن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له».

وروينا من حديث أبي بكر الشافعي، حدثنا أبو أحمد الشطوي


#117#

– محمد بن محمد – حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا أبو عبيدة، حدثنا سكين بن عبد العزيز سمعت أبي يقول: حدثني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان الفضل بن عباس رضي الله عنه رديف النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، قال فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يغطي وجهه مرارا، ويستر وجهه بيده، وجعل الفتى يلاحظ النساء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا ابن أخي، هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له».

تابعهما أبو عمر الحوضي، عن سكين.

وقال أيضا: حدثنا الحسين بن عبد الله بن يزيد القطان، حدثنا أيوب بن محمد الوزان، حدثني الوليد بن الوليد، حدثنا عثمان بن عطاء، عن أبيه، عن الفضل بن عباس رضي الله عنه قال: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فجاء رجل من أهل اليمن يسأله عن بعض الأمر وخلفه امرأة ضخمة حسناء، قال: فجعلت أنظره نظرا، ففطن بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهوى بمخصرة فوكزني بها وقال: «يا ابن أخي، هذا يوم من حفظ عينيه من النظر ولسانه أن يتكلم بما لا يحل له غفر له إلى من [كذا] عام قابل من هذا».


#118#

وقال كريب: قلت يعني لأسامة بن زيد: أخبرني كيف فعلتم حين أصبحتم قال: ردفه الفضل بن عباس وانطلقت أنا في سباق قريش على رجلي.

قال جابر رضي الله عنه: حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا:

روى بكير بن مسمار عن عبد الله بن خراش بن أمية الكعبي، عن أبيه رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أوضع في وادي محسر.

محسر بضم أوله وفتح الحاء، وشد السين المهملتين بعدها راء، واد بين يدي موقف المزدلفة مما يلي منى، وليس هو من الموقف ولا من منى.

وقال أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه" حدثنا محبوب القواريري، عن عبد الله بن عامر الأسلمي، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه قال: لما بلغنا وادي محسر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذوا حصا الجمار من وادي محسر».


#119#

وفي رواية عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة جمع وهو كاف ناقته وهو يقول: «أيها عليكم بالسكينة» فلما جاء محسر قال: «عليكم بحصا الخذف».

وخرج يعقوب بن شيبة في "مسنده" من حديث مسلم بن خالد الزنجي، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن زيد بن علي بن حسين، عن أبيه، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة وهو مردف أسامة بن زيد رضي الله عنه فقال: «هذا الموقف وكل عرفة موقف» ثم دفع يسير العنق، والناس يضربون وهو يلتفت يمينا وشمالا ويقول: «السكينة أيها الناس، السكينة أيها الناس». حتى جاء إلى المزدلفة، فجمع بين الصلاتين، ثم وقف بالمزدلفة، فأردف الفضل بن عباس رضي الله عنهما فوقف على قزح، فقال: «هذا الموقف وكل مزدلفة موقف» ثم دفع يسير العنق والناس يضربون يمينا وشمالا، وهو صلى الله عليه وسلم يلتفت ويقول: «السكينة أيها الناس، السكينة أيها الناس» فلما وقف على محسر قرع راحلته فخبت حتى خرج من الوادي، ثم سار مسيره حتى رمى جمرة العقبة، ثم دخل المنحر، فقال، «هذا المنحر وكل منى منحر» ثم جاءت امرأة من خثعم فقالت: إن أبي شيخ كبير أدركته فريضة الله على عباده في الحج، أفأحج عنه؟ فقال: «حجي عن أبيك».


#120#

وخرجه أحمد في "مسنده" والترمذي في "جامعه" وصححه، وهو في سنن أبي داود وابن ماجه بنحوه.

ورواه يعقوب بن شيبة من طريق سليمان بن بلال وحاتم بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن الحارث مختصرا.

ورواه من طريق المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث، عن أبيه تاما،

قال يعقوب: حديث مديني حسن الإسناد، غير أن عبد الرحمن بن الحارث يروي أحاديث مناكير. انتهى.

عبد الرحمن هذا هو ابن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي.

وخرج الحديث أيضا يعقوب بن شيبة من طريق عبد الله بن وهب، عن يحيى بن عبد الله بن سالم، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن زيد بن علي، عن أبيه علي، فلم يذكر عبيد الله بن أبي رافع، وعلي بن حسين لم يلق علي بن أبي طالب رضي الله عنه قاله يعقوب بن شيبة.

وقال: يحيى بن عبد الله بن سالم ليس بالمشهور المعتمد عليه انتهى.


#121#

وفي رواية أبي الزبير التي قدمناها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بأخذ حصى الجمار من محسر.

وقال أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه": حدثنا إسماعيل بن علية، عن عوف، عن زيد بن الحصين، حدثنا أبو العالية، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة: «القط لي حصيات» قال: فلقطت له حصيات مثل حصا الخذف فقال: «بمثل هذا فارموا».

وحدث به النسائي في "سننه" عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي، عن ابن علية، وعن أبي قدامة –واسمه عبيد الله بن سعيد السرخسي – عن يحيى، وهو ابن سعيد القطان، كلاهما عن عوف، عن زياد بن حصين بنحوه.

وزياد هو الصواب.

وخرجه ابن ماجه من حديث أبي أسامة، عن عوف وصححه ابن حبان والحاكم.

وحدث به عبد الرزاق في "جامعه" عن إسماعيل بن عبد الله -هو


#122#

ابن علية-، وابن المبارك وغيرها، عن عوف العبدي، عن زياد بن الحصين، عن أبي العالية، عن ابن عباس، عن الفضل رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال غداة العقبة: «هات، القط لي» فلقطت له حصيات هن حصا الخذف، فلما وضعتهن في يده قال: «نعم أمثال هؤلاء، وإياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين».

وخرج الطبراني في "معجمه الأوسط" من حديث حماد بن زيد، عن المفضل بن فضالة، عن يزيد بن أبي زياد، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص، حدثتني أم جندب رضي الله عنها أنها رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة الجمرة وهو يقول: «يا أيها الناس، لا يقتل بعضكم بعضا، وارموا مثل حصا الخذف».

تفرد به حماد.

وحدث به أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه" عن سفيان بن عيينة، عن يزيد بن أبي زياد، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص الأزدي، عن أمه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يقتل بعضكم بعضا» وذكر الحديث بنحوه.


#123#

وحدث به عبد الرزاق في "جامعه" عن معمر وغير واحد، عن يزيد بن أبي زياد، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص الأزدي، عن أمه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يرمي الجمرة من بطن الوادي وهو يقول: «يا أيها الناس لا يقتل بعضكم بعضا، إذا رميتم الجمرة فارموها بمثل حصا الخذف».

وحدث به علي بن مسهر وغيره عن يزيد بن أبي زياد ولفظه: عن أمه أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم استبطن الوادي فرمى الجمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة.

وخرجه أبو داود في "سننه" فقال: حدثنا أبو ثور إبراهيم بن خالد ووهب بن بيان قالا: حدثنا عبيدة، عن يزيد بن أبي زياد، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص، عن أمه قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند جمرة العقبة راكبا ورأيت بين أصابعه حجرا فرمى ورمى الناس.

وخرج أبو نعيم في "معرفة الصحابة" من حديث سعيد بن أبي مريم، حدثنا يحيى بن أيوب، حدثني عبد الرحمن بن حرملة، حدثني


#124#

يحيى بن هند، عن والدي حرملة بن عمرو رضي الله عنه أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة وعمي مردفي، فنظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واضع أصبعيه إحداهما على الأخرى، قال: قلت: ماذا يقول؟ قال: يقول: «ارموا بمثل حصا الخذف».

وخرجه أبو نعيم أيضا من طريق ضرار بن صرد، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن يحيى بن هند، عن حرملة بن عمرو قال: كنت مع عمي سنان بن سنة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فقلت لعمي: ما يقول؟ قال: يقول: «ارموا الجمار بمثل حصا الخذف».

ورواه بشر بن المفضل وعبد الله المديني – والد علي – ووهيب بن خالد وإبراهيم بن سويد، عن عبد الرحمن بن حرملة نحوه.


#125#

وفي طريقه هذه سألته الخثعمية عن الحج عن أبيها كما مر في حديث عبد الرحمن بن الحارث المخزومي.

قال البخاري في "صحيحه": حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني سليمان بن يسار، أخبرني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم الفضل بن عباس يوم النحر خلفه على عجز راحلته، وكان الفضل رجلا وضيئا، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم للناس يفتيهم، وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة تستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطفق – يعني الفضل – ينظر إليها وأعجبه حسنها، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم والفضل ينظر إليها، فأخلف يده فأخذ بذقن الفضل، فعدل وجهه عن النظر إليها، فقالت: يا رسول، إن فريضة الله على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوي على الراحلة، فهل يقضي عنه أن أحج عنه؟ قال: «نعم».

تابعه مالك والأوزاعي وسفيان بن عيينة وعبد العزيز بن أبي سلمة، عن الزهري بنحوه.

ورواه أبو عاصم النبيل، عن ابن جريج، عن ابن شهاب، حدثني سليمان بن يسار، عن عبد الله بن عباس عن الفضل أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضة الله في الحج، وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعيره، قال: «حجي عنه».


#126#

وقال النسائي في "سننه الكبرى": أخبرنا أحمد بن سليمان، حدثنا يزيد، أخبرنا هشام، عن محمد، عن يحيى بن أبي إسحاق، عن سليمان بن يسار، عن الفضل بن عباس رضي الله عنهما أنه كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءه رجل فقال: يا رسول الله، إن أمي عجوز كبيرة، وإن حملتها لم تستمسك، وإن ربطتها خشيت أن أقتلها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرأيت لو كان على أمك دين، أكنت قاضيه؟» قال نعم، قال: «فحج عن أمك».

تابعه عبد الأعلى عن هشام يعني: ابن حسان

ورواه النسائي أيضا عن أبي داود الحراني، عن الوليد بن نافع، عن شعبة، عن يحيى بن أبي إسحاق به.

وسليمان بن يسار لم يدرك الفضل بن عباس، لأن الفضل توفي زمن عمر رضي الله عنه بناحية الأردن في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة.

وجاء في رواية عن سليمان بن يسار، عن عبيد الله بن عباس. مكان: الفضل. وهو ما قال أبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه": حدثنا يحيى بن أيوب، حدثنا حسان بن إبراهيم الكرماني، حدثنا حماد بن سلمة، عن يحيى بن أبي إسحاق قال: [قال] سليمان بن يسار: حدثني عبيد الله بن العباس أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث.


#127#

ورواه علي بن عاصم، عن يحيى بن أبي إسحاق، عن سليمان بن يسار، عن عبيد الله بن عباس.

قال: قلنا ليحيى: إن محمدا – يعني ابن سيرين – حدث عنك أنك حدثت بهذا الحديث عن سليمان بن يسار، عن الفضل بن عباس فقال: ما حفظته إلا عن عبيد الله بن عباس، فهذا أشبه؛ لأن عبيد الله بن عباس، بقي إلى زمن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان.

وقال محمد بن عمر الواقدي: روى أيوب السختياني هذا الحديث، عن سليمان بن يسار، عن عبيد الله بن عباس.

قلت: قال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا معن بن عيسى، حدثنا مالك، عن أيوب بن أبي تميمة السختياني، عمن أخبره، عن عبيد الله بن عباس .. فذكره.

وجاء في رواية عبيد الله أو الفضل على الشك.

قال أبو بكر بن [أبي] خيثمة في "التاريخ" أيضا: فحدثنا أبي، حدثنا ابن علية، عن يحيى بن أبي إسحاق، حدثنا سليمان بن يسار، حدثني أحد ابني العباس – إما عبيد الله وإما الفضل – أنه كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فقال: يا رسول الله، إن أمي – أو إن أبي - ثم ذكر الحديث.


#128#

خرجه النسائي في "سنة الكبرى" فقال: أخبرنا مجاهد بن موسى، عن هشيم، عن يحيى بن أبي إسحاق، عن سليمان بن يسار، عن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم إن أبي أدركه الحج، وهو شيخ كبير لا يثبت على راحلته، وإن شددته خشيت أن يموت، أفأحج عنه؟

قال: «أرأيت لو كان عليه دين قضيته أكان مجزءا؟» قال: نعم قال: «فحج عن أبيك».

خالفه ابن سيرين كما في روايته عن يحيى بن أبي إسحاق، عن سليمان بن يسار، عن الفضل.

(ذكر الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في كتابه "المزيد" أنه يقوى في الظن أن حديث يحيى بن أبي إسحاق هذا، وحديث الزهري الذي قدمناه واحد، وحديث الزهري أصح. انتهى.

والزهري حافظ، أتقن أثبت من يحيى بن أبي إسحاق، لاسيما وقد رواه ابن سيرين، كما قدمناه عن يحيى بن أبي إسحاق، عن سليمان بن يسار، عن الفضل)، فهذا مما يقوي الظن أن الحديثين واحد.

وقد ذكر ابن أبي خيثمة أن القصة كانت غداة النحر لا شك فيه. وعبد الله بن عباس قد قدم إلى منى. يعني: في ضعفة أهل النبي صلى الله عليه وسلم وذكر عن مصعب أن عبيد الله بن عباس كان أصغر سنا من عبد الله، قال فالفضل لا شك فيه، كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم انتهى.


#129#

فحديث بني العباس واحد – والله أعلم - لكن القصة غير واحدة، لما روي من حديث جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن يوسف بن الزبير [عن عبد الله بن الزبير] رضي الله عنهما قال: جاء رجل من خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الركوب, وأدركته فريضة الله في الحج، فهل يجزئ أحج عنه؟ قال: «أنت أكبر ولده؟» قال: نعم, قال: «أرأيت لو كان عليه دين أكنت تقضيه؟» قال: نعم, قال: «فحج عنه».

خرجه النسائي في "سننه الكبرى" عن إسحاق بن إبراهيم, أخبرنا جرير ... فذكره.

وخرجه الإمام أحمد في "مسنده" بنحوه.

وخرج النسائي [أيضاً] من طريق وكيع فقال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم, أخبرنا وكيع, حدثنا شعبة, عن النعمان بن سالم, عن عمرو بن أوس, عن أبي رزين العقيلي أنه قال: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة والظعن, فقال: «حج عن أبيك واعتمر».

تابعه خالد بن الحارث, عن شعبة.


#130#

وخرجه أبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه.

ومن طريقه خرجه البيهقي في "معارف السنن" وفي "سننه الصغرى".

وقال في "المعارف": وقد روينا عن أحمد بن حنبل أنه قال: لا أعلم في إيجاب العمرة حديثاً أجود من هذا, ولا أصح منه.

وأبو رزين هذا: لقيط بن عامر بن المنتفق العقيلي, ويقال له لقيط بن صبرة, وإليه ذهب يحيى بن معين والبخاري فجعلاه واحداً, وجعلهما اثنين علي بن المديني ومحمد بن سعد وغيرهما.

وقد جاء في هذه القصة روايتان عن ابن عباس مختلفتان يقوى في الظن أنهما ثنتان.


#131#

وذلك ما رواه أبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه" فقال: حدثنا عبد الرحمن بن صالح, حدثنا عبد الرحيم بن سليمان, عن محمد بن كريب, عن أبيه, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني حصين بن عوف، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أبي شيخ كبير عليه حجة الإسلام, لا يستطيع أن يسافر إلا معروضاً فما ترى, قال: فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قال: «حج عن أبيك».

كذا قال ابن عباس: عن حصين بن عوف.

وحدث به ابن ماجه في "سننه" عن محمد بن عبد الله بن نمير, عن أبي خالد الأحمر, عن محمد بن كريب بنحوه.

وقال ابن أبي خيثمة أيضاً: حدثنا محمد بن عيسى الوابشي, حدثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج, أفأحج مكانه؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم, حج عن أبيك».

لم يذكر عكرمة في حديثه حصين بن عوف, جعل الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم, قاله ابن أبي خيثمة.


#132#

وقال الشافعي: أخبرنا مالك, عن أيوب, عن ابن سيرين أن رجلاً جعل على نفسه أن لا يبلغ أحد من ولده الحلب فيحلب ويشرب ويسقيه إلا حج وحج به معه, فجاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأخبره الخبر فقال: إن أبي قد كبر ولا يستطيع أن يحج, أفأحج عنه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم».

قال الشافعي – وذكر مالك أو غيره – عن أيوب, عن ابن سيرين، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, إن أمي عجوز كبيرة لا نستطيع أن نركبها على البعير, وإن ربطتها خفت أن تموت, أفأحج عنها؟ قال: «نعم».

ورواه ابن وهب وغيره عن مالك فيما ذكره البيهقي.


#133#

$[التلبية إلى رمي جمرة العقبة]$

ولم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبي في سيره حتى رمى جمرة العقبة التي تعرف بقارعة الوادي.

صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أسامة رضي الله عنه كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى المزدلفة, ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى, قال: فكلاهما قال: لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة.

وخرج الطبراني في "معجمه الكبير" من حديث مسدد, حدثنا يحيى بن سعيد, عن عبد الملك, عن عطاء, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة, وردفه أسامة بن زيد, فجالت به الناقة, وهو رافع يديه لا يجاوزان رأسه, ثم سار على هيئته إلى جمع وردفه الفضل, فما زال يلبي حتى رمى [الجمرة.

وروى ابن جريج عن عطاء, أخبرني ابن عباس أن الفضل بن عباس رضي الله عنهم أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى] جمرة العقبة.


#134#

تابعه مطر, عن عطاء, عن ابن عباس, وكان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم التلبية حتى رمى الجمرة القصوى يوم النحر.

عطاء هذا هو ابن أبي رباح المكي الذي لقي ابن عباس وسمع منه, وليس بالخراساني, لأنه لم يلقه, وإنما كان يرسل الرواية عنه, قاله الحافظ الخطيب البغدادي في كتابه "المزيد".

وقال أبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه": حدثنا ابن الأصبهاني, أخبرنا حفص بن غياث, عن جعفر بن محمد يعني ابن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب, عن أبيه محمد بن علي – يعني ابن حسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب – عن علي بن حسين – يعني ابن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب – عن ابن عباس – يعني عبد الله بن عباس بن عبد المطلب – عن الفضل – يعني ابن العباس بن عبد المطلب – أن النبي صلى الله عليه وسلم لبى حتى رمى جمرة العقبة, ورماها بسبع حصيات, يكبر مع كل حصاة تكبيرة.

وحدث عبد الرزاق في "جامعه" عن معمر, عن أيوب, عن عكرمة,


#135#

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لبى حتى رمى جمرة العقبة.

وهو عند عبد الرزاق أيضاً عن الثوري, عن حبيب بن أبي ثابت, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس.

تابعه أبو قرة موسى بن طارق الزبيدي, عن الثوري. وله شاهد من حديث ابن مسعود وغيره.

وروى يزيد بن زريع وعبد الأعلى ومحمد بن سلمة وأبو تميلة وإبراهيم بن سعد, عن ابن إسحاق واللفظ لإبراهيم, حدثني أبان بن صالح, عن عكرمة قال: دفعت مع حسين بن علي إلى المزدلفة, فلم أزل أسمعه يقول: لبيك لبيك, حتى انتهى إلى الجمرة, فقيل له: ما هذا الإهلال يا أبا عبد الله, فإني لا أرى الناس يصنعون هذا، قال: إني سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يهل حتى انتهى إلى الجمرة, وحدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل حتى انتهى إلى الجمرة.

خرجه يعقوب بن شيبة في "مسنده" من حديث الجماعة المذكورين عن ابن إسحاق.


#136#

قال يعقوب: حديث صالح الإسناد, يرجع إلى أهل الحجاز, قال: ولا نحفظه عن علي رضي الله عنه إلا من هذا الطريق.

قال جابر رضي الله عنه: ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج – وفي رواية: تخرجك – على الجمرة الكبرى, حتى إذا أتى الجمرة التي عند الشجرة – وفي رواية: عندها الشجرة – فرماها بسبع حصيات, يكبر مع كل حصاة منها حصا الخذف, رمى من بطن الوادي الجمرات الثلاثة.

الجمرة المذكورة في هذا الحديث, جمرة العقبة التي عند الشجرة. ويقال لها: الجمرة الكبرى, وهي في آخر منى مما يلي مكة, وليست هذه العقبة التي تنسب إليها الجمرة من منى.

والجمرة الأولى والوسطى هما معاً فوق مسجد الخيف إلى ما يلي مكة, وجمرات منى الثلاث بين كل جمرتين غلوة سهم.

وصح عن عبد الرحمن بن يزيد أنه حج مع ابن مسعود رضي الله عنه, فرآه يرمي الجمرة الكبرى بسبع حصيات, وجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه, ثم قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة صلى الله عليه وسلم.

وفي رواية: وقال: هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة صلى الله عليه وسلم.

وفي لفظ: قال عبد الرحمن: فاستبطن الوادي, حتى إذا حاذى


#137#

بالشجرة اعترضها, فرمى سبع حصيات, يكبر مع كل حصاة, ثم قال: من هاهنا – والذي لا إله غيره – قام الذي أنزلت عليه سورة البقرة صلى الله عليه وسلم.

وفي رواية أن ابن مسعود أتى جمرة العقبة, فاستبطن الوادي، فاستعرضها فرماها من يطن الوادي بسبع حصيات .... الحديث.

وفي رواية خرجها أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه" قال: حدثنا ابن إدريس, عن ليث, عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد, عن أبيه قال: أفضت مع عبد الله رضي الله عنه, فرمى سبع حصيات, يكبر مع كل حصاة, واستبطن الوادي حتى إذا فرغ قال: اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً, ثم قال: هكذا رأيت الذي نزلت عليه سورة البقرة صلى الله عليه وسلم صنع.

قال البيهقي في قوله: يكبر مع كل حصاة: وفي ذلك دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم قطع التلبية بأول حصاة, ثم كان يكبر مع كل حصاة.

وخرج الدارقطني في "سننه" من حديث أبي خالد الأحمر, عن


#138#

محمد بن إسحاق, عن عبد الرحمن بن القاسم, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يوم النحر حين صلى الظهر, ثم رجع فمكث بمنى ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس, كل جمرة بسبع حصيات, يكبر مع كل حصاة, ويقف عند الأولى وعند الثانية فيطيل القيام ويتضرع, ثم يرمي الثالثة ولا يقف عندها.

وخرجه أبو داود في "سننه" وأحمد في "مسنده" وابن حبان والحاكم في "صحيحيهما".

وخرج الدارقطني في "سننه" من حديث سعيد بن بحر القراطيسي, عن عثمان بن عمر, عن يونس, عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رمى الجمرة التي تلي المسجد – مسجد منى - يرميها بسبع حصيات, يكبر كلما رمى بحصاة, ثم تقدم أمامها فوقف مستقبل البيت رافعاً يديه يدعو وكان يطيل الوقوف, ثم يأتي الجمرة الثانية فيرميها بسبع حصيات, يكبر كلما رمى بحصاة, ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي, فيقف مستقبل البيت رافعاً يديه يدعو ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة فيرميها بسبع حصيات, يكبر كلما رمى بحصاة, ثم ينصرف ولا يقف عندها.

قال الزهري: سمعت سالم بن عبد الله يحدث بهذا عن أبيه, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: كان ابن عمر يفعله.


#139#

خرجه البخاري في "صحيحه" لعثمان, وسيأتي إن شاء الله تعالى .

وقال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا محمد بن سلمة, عن أبي عبد الرحيم, عن زيد بن أبي أنيسة, عن يحيى بن الحصين, عن أم الحصين جدته رضي الله عنها قالت: حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع, فرأيت أسامة وبلالاً, وأحدهما أخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم, والآخر رافع ثوبه يستره من الحر, حتى رمى جمرة العقبة.

وخرجه مسلم في "صحيحه" وأبو داود في "سننه" عن أحمد بن حنبل.

وأبو عبد الرحيم: اسمه خالد بن أبي يزيد, وهو خال محمد بن سلمة الراوي عنه.

وفي رواية عن أم الحصين رضي الله عنها قالت: حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع, فرأيته حين رمى جمرة العقبة, وانصرف وهو على راحلته ومعه بلال وأسامة, أحدهما يقود به راحلته, والآخر رافع ثوبه على رأس النبي صلى عليه وسلم يظلله من الشمس.


#140#

وقد جاء في طريق أن بلالاً رضي الله عنه كان القائد, وأسامة رضي الله عنه رافع الثوب.

قال عبد الله بن جعفر الرقي: حدثنا عبيد الله بن عمرو, عن زيد ابن أبي أنيسة, عن يحيى بن الحصين, عن جدته أم الحصين رضي الله عنها قالت: حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع, فرأيت بلالاً وأسامة رضي الله عنهما, وبلال يقود خطام راحلته, والآخر رافعاً ثوبه يستره به من الحر حتى رمى جمرة العقبة, ثم انصرف وقد جعل ثوبه تحت إبطه الأيمن على عاتقه الأيسر, فرأيت تحت غضروف كتفه الأيمن كهيئة جمع, فوقف على الناس, فقال قولا كثيراً, فكان مما قال: «إن أمر عليكم عبد أسود مجدع, يقودكم بكتاب الله, فاسمعوا له وأطيعوا».

خرجه الطبراني في "معجمه الأوسط" للرقي.


#141#

وخرجه أبو نعيم مختصراً في "معرفة الصحابة" من حديث زهير, حدثنا أبو إسحاق, عن يحيى بن الحصين, عن جدته أم الحصين رضي الله عنها قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع, وهو على رحله وراحلته, وحصين في حجري, وقد أدخل ثوبه من تحت إبطه.

رواه إسرائيل وأبو الأحوص وغيرهما, عن أبي إسحاق ولم يقولوا: وحصين في حجري. تفرد بن زهير, قاله أبو نعيم.

والحديث له طرق: منها ما رواه عبيد الله بن موسى القواريري وأبو غسان مالك بن إسماعيل وعبد الله بن رجاء واللفظ له قالوا: حدثنا إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن يحيى بن حصين, عن جدته أم حصين رضي الله عنها قالت: أنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس بمنى قد التحف بثوبه, وإن عضلة عضده ترتج وهو يقول: «إذا استعمل عليكم عبد حبشي مجدع, فأقام فيكم كتاب الله, فاسمعوا وأطيعوا».

والحديث عند زهير وأبي الأحوص وغيرهما, عن أبي إسحاق بنحوه. (ورواه أبو بكر بن عياش, عن أبي إسحاق), عن يحيى بن الحصين والعيزار بن حريث, عن أم الحصين بمعناه.

ورواه شعبة, عن يحيى بن حصين, عن جدته أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات .... وذكر نحوه.


#142#

ورواه أبو نعيم – الفضل بن دكين – عن يونس بن إسحاق, عن العيزار ابن حريث: سمعت الأحمسية – يعني أم الحصين – تقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع, عليه برد قد التحف به من تحت إبطه وأنا أنظر إلى عضلة ساقه ترتج وهو يقول: «أيها الناس, اتقوا الله وإن أمر عليكم عبد حبشي مجدع, فاسمعوا له وأطيعوا ما أقام فيكم كتاب الله».

وخرج الشافعي والدارمي في مسنديهما, واللفظ للدارمي من حديث أيمن بن نابل, عن قدامة بن عبد الله بن عمار الكلابي رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمار على ناقة صهباء ليس ثم ضرب ولا طرد ولا إليك إليك.

وفي بعض طرقه من رواية يحيى بن عبد الحميد الحماني, حدثنا ابن المبارك, عن أيمن بن نابل, حدثني قدامة بن عبد الله: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر وهو يرمي الجمرة على ناقة صهباء لا ضرب ولا طرد ولا إليك [إليك].

ورواه عاصم بن علي, حدثنا أخي الحسن بن علي, حدثنا أيمن بن نابل مثله. ورواه إسحاق بن راهويه, أخبرنا وكيع, حدثنا أيمن ... فذكر مثله.


#143#

ورواه سعيد بن منصور, حدثنا علي بن ثابت, عن أيمن بن نابل مثله.

وحدث به أحمد بن حنبل في "مسنده" عن أبي أحمد – محمد بن عبد الله الزبيري – حدثنا أيمن بن نابل, حدثني قدامة بن عبد الله الكلابي أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة – جمرة العقبة – من بطن الوادي يوم النحر على ناقة له صهباء لا ضرب ولاطرد ولا إليك إليك .

رواه جماعة عن أيمن منهم: سيفان الثوري, وعبد الرزاق, وهمام, وله طرق, وقد ألزم الدارقطني الشيخين إخراجه في "الصحيح".

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري, حدثنا ابن جريج, أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر يقول:

«لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه».


#144#

وهو في "صحيح مسلم" عن عيسى بن يونس – هو ابن أبي إسحاق السبيعي – عن ابن جريج.

وقال الطبراني: حدثنا أحمد بن علي الأبار, حدثنا علي بن حجر المروزي, حدثنا الهيثم بن حميد, حدثنا المطعم بن المقدام, عن أبي الزبير, عن جابر رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته يوم النحر يقول: «لتأخذ أمتي مناسكها, فإني لا أدري أحج بعد عامي هذا».

تفرد به علي بن حجر, قاله الطبراني.

وخرج النسائي من طريق يزيد بن أبي زياد, عن سليمان بن عمرو بن الأحوص, عن أمه قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند جمرة العقبة راكباً, ورأيت بين أصابعه حجراً فرمى ورمى الناس .... الحديث.


#145#

$[معجزة]$

وخرجه ابن ماجه في "سننه" فقال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة, حدثنا عبد الرحيم بن سليمان, عن يزيد بن أبي زياد, عن سليمان بن عمرو بن الأحوص, عن أم جندب رضي الله عنها قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة من بطن الوادي يوم النحر, ثم انصرف وتبعته امرأة من خثعم ومعها صبي لها به بلاء, فقالت: يا رسول, إن هذا ابني وبقية أهلي وإن به بلاء لا يتكلم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ائتوني بشيء من ماء» فأتي بماء فغسل يديه ومضمض فاه, ثم أعطاه, فقال: «اسقيه منه, وصبي عليه منه, واستشفي الله له», قالت: فلقيت المرأة, فقلت: لو وهبت لي منه, فقالت: إنما هو لهذا المبتلى، قالت: فلقيت المرأة من الحول, فسألتها عن الغلام, فقالت: برئ وعقل عقلاً ليس كعقول الناس.

وحدث به أحمد بن حنبل فقال: حدثنا حسين بن محمد, حدثنا يزيد – يعني بن عطاء – عن يزيد- يعني ابن أبي زياد – عن سليمان بن عمرو بن الأحوص الأزدي – حدثتني أمي أنها رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي وخلفه إنسان يستره من الناس أن يصيبوه بالحجارة وهو يقول: «أيها الناس لا يقتل بعضكم بعضاً, وإذا رميتم فارموا بمثل حصا الخذف» ثم أقبل فأتته امرأة بابن لها, فقالت:


#146#

يا رسول الله, إن ابني هذا ذاهب العقل, فادع له, قال: «ائتيني بماء في تور من حجارة» فتفل فيه وغسل فيه وجهه, ثم دعا فيه, ثم قال: «اذهبي فاغسليه به, واستشفي الله» فقلت لها: هبي لي منه قليلاً لابني هذا, فأخذت منه قليلاً بأصابعي, فمسحت به شفة ابني, فكان من أبرأ الناس, فسألت المرأة بعد ما فعل ابنها؟ قالت: برئ أحسن برء.

وقال أبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه": حدثنا سعيد بن سليمان, حدثنا خالد بن عبد الله, عن يزيد بن أبي زياد, عن سليمان بن عمرو بن الأحوص, عن أمه قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس حتى رمى جمرة العقبة, ورأيته رمى جمرة العقبة من بطن الوادي.


#147#

$[وقت الرمي ورفع ما يقبل من الأحجار]$

وكان رمي النبي صلى الله عليه وسلم جمرة العقبة ضحى.

رواه ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه قال: رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر الضحى, وبعد ذلك عند زوال الشمس.

خرجه أبو داود في "سننه" والدارمي في "مسنده".

وقال عبد الرزاق في "جامعه": أخبرنا إبراهيم بن يزيد, عن أبي الزبير, عن جابر رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة يوم النحر على راحلته ضحى, وكان يرمي بعد ذلك إذا زالت الشمس.

خرج الطبراني من حديث يزيد بن سنان, عن زيد بن أبي أنيسة, عن عمرو بن مرة, عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري, عن أبيه رضي الله عنه قلنا: يا رسول الله, ما هذه الجمار التي نرمي كل سنة, فنحسب أنها تنقص؟ فقال: «ما تقبل منها رفع, ولولا ذلك رأيتموها [مثل] الجبال».

تفرد به يزيد بن سنان.


#148#

وخرجه أبو سعيد – المفضل بن محمد الجندي – في كتابه "أخبار مكة" فقال: حدثنا سعيد, حدثنا سفيان, عن سليمان بن أبي المغيرة العبسي, عن عبد الرحمن بن أبي نعم, عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: الحصا قربان, فمن تقبل منه رفع. هذا موقوف.

وحدث به أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه" عن ابن عيينة كذلك.

وقال المفضل الجندي: حدثنا سفيان, عن ابن جريج قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما تقبل الله حج امرئ إلا رفع له حصاه.

حدثنا سعيد, حدثنا سفيان, [عن فطر, عن أبي العباس], عن أبي الطفيل, سألت ابن عباس رضي الله عنهما قلت: ما بال هذه الجمار ترمى في الجاهلية والإسلام, فكيف لا تسد الطريق؟ قال: إنه والله ما تقبل من امرئ حجه إلا رفع له حصاه.

وقال: حدثنا سعيد, حدثنا سفيان, عن فطر وابن أبي حسين, عن


#149#

أبي الطفيل قال: قلت لابن عباس رضي الله عنهما رمى الناس الجمار في الجاهلية والإسلام, فكيف لا تسد الطريق, قال: ما تقبل منه رفع, ولولا ذلك كان أعظم من ثبير.

حدث به كذلك ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن ابن عيينة, عن فطر.

وقال المفضل: حدثنا محمد بن يوسف, حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا سعيد بن عبد العزيز التنوخي, سمعت عطاء الخراساني يقول: يغفر للحجاج بكل حصاة من حصا الجمار كبيرة من الكبائر.


#150#

$[النحر والمنحر]$

قال جابر رضي الله عنه: ثم انصرف صلى الله عليه وسلم إلى المنحر.

هذا المنحر, قيل: هو منحر إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام الذي ذبح فيه الكبش, وهو الذي تنحر فيه الخلفاء. وقد رأيت مسجداً لطيفاً عند الجمرة الوسطى على يسار الذاهب إلى مكة, قيل لي هو مسجد بني علي منحر النبي صلى الله عليه وسلم.

قال جابر رضي الله عنه: فنحر ثلاثاً وستين بيده, ثم أعطى علياً رضي الله عنه فنحر ماعزاً وأشركه في هديه, ثم أمر من كل بدنة ببضعة, فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها.

وفي رواية سنان بن أبي سنان, عن [محمد] بن علي بن حسين, عن جابر رضي الله عنه قال: - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم – لعلي رضي الله عنه: «بم كان إهلالك يا علي؟», قال: يا رسول الله لم يأتني الخبر, فقلت: اللهم إهلال كإهلال نبيك صلى الله عليه وسلم، فأشركه في بدنه، فنحر رسول الله بيده سبعا وستين، ونحر علي ثلاثاً وثلاثين, ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل بدنة ببضعة فطبخت في مرجل فحسوا من المرق وأكلا من اللحم.

وخرج الطبراني في "معجمه الكبير" من حديث وهب بن بقية, أخبرنا خالد, عن أبن أبي ليلى, عن الحكم, عن مقسم, عن ابن


#151#

عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى مائة بدنة, فنحر منها ستين بدنة, وأمر رجلاً من أصحابه فنحر منها أربعين, وأمره فأخذ من كل بدنة بضعة فينظمن في خيط فطبخن في قدر فأكل منها وحسا.

وخرجه الإمام أحمد في "مسنده" من طريق زهير بن معاوية, عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى, عن الحكم.

وقال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا يعقوب, حدثنا أبي, عن ابن إسحاق, حدثني رجل, عن عبد الله بن أبي نجيح, عن مجاهد بن جبر, عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع مائة بدنة, نحر منها ثلاثين بدنة بيده, ثم أمر علياً رضي الله عنه فنحر ما بقي منها, وقال له: «اقسم لحومها وجلالها وجلودها بين الناس, ولا تعطين جزاراً منها شيئاً, وخذ لنا من كل بعير حذية من لحم, ثم اجعلها في قدر واحدة حتى نأكل من لحمها ونحسوا من مرقها» ففعل.

كان الهدي مائة وجميعه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم, وإنما أشرك فيه علياً.

قال أبو جعفر أحمد بن محمد بن أيوب في "المغازي": حدثنا إبراهيم بن سعد, عن محمد بن إسحاق قال: وحدثني عبد الله بن


#152#

أبي نجيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث علياً إلى نجران فلقيه بمكة وقد أحرم ... الحديث, وفيه: فلما فرغ من الخبر عن سفره قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انطلق فطف بالبيت, وحل كما حل أصحابك» قال: يا رسول الله, إني قد قلت حين أحرمت: اللهم إني أهل بما أهل عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم, قال: «فهل معك من هدي؟» قال: لا, فأشركه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هديه, وثبت على إحرامه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فرغا من الحج ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدي عنهما.

الذي ساقه النبي صلى الله عليه وسلم من الهدي ثلاث وثلاثون بدنة والباقي قدم به علي رضي الله عنه من اليمن, وكان صلى الله عليه وسلم متطوعاً بهديه.

قال البيهقي: قال الشافعي: وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تطوع؛ لأنه كان مفرداً لا هدي عليه. انتهى.

وخرج الترمذي عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حج ثلاث حجج, حجتين قبل أن يهاجر, وحجة بعدما هاجر ومعها عمرة, فساق ثلاثاً وثلاثين بدنة.

وجاء علي رضي الله عنه من اليمن ببقيتها, فيه جمل لأبي لهب في أنفه برة من فضة, فنحرها, وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل بدنة ببضعة فطبخت وشرب من مرقها.

وخرجه ابن ماجه وقال: فيها جمل لأبي جهل.


#153#

وقال الدارقطني: حدثنا أبو القاسم عبد الوهاب بن عيسى بن أبي حية حدثنا محمد بن عمرو بن أبي مذعور, حدثنا النضر بن شميل, أخبرنا إسرائيل, عن عبد الكريم, عن مجاهد, عن عبد الرحمن بن أبي ليلى, عن علي رضي الله عنه قال: أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بدنة, فيها جمل أبي جهل مزموم ببرة من فضة, فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ستين بيده وأعطى علياً أربعين وقال: «تصدق بجلالها, ولا تعط الجزار منها شيئاً».

وحدث هشيم, عن ابن أبي ليلى, عن الحكم, عن مقسم, عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى في حجته مائة بدنة, فيها جمل لأبي جهل.

ذكر ابن أبي خيثمة أن يحيى بن معين سئل عن حديث هشيم هذا فقال: لم يسمعه هشيم.

لكن خرج الطبراني في "معجمه الكبير": من حديث محمد بن سلمة, عن محمد بن إسحاق, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة الحديبية جمل أبي جهل بن هشام عليه خشاش من ذهب وهو الزمام, وما فعل ذلك إلا ليغيظ قريشاً.


#154#

تابعه إبراهيم بن سعد فيما خرجه أحمد بن حنبل من طريقه, عن ابن إسحاق.

وخرجه أبو داود من طريق محمد بن سلمة ويزيد بن زريع, عن ابن إسحاق المعنى [قال]: قال عبد الله بن أبي نجيح, حدثني مجاهد, عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى عام الحديبية في هدايا رسول الله صلى الله عليه وسلم جملاً [كان] لأبي جهل في رأسه برة فضة – وفي رواية ابن سلمة برة من ذهب – زاد ابن سلمة: يغيظ بذلك المشركين.

قال أبو داود: قال النضر: البرة حلقة الأنف, وهذا هو المشهور.

وخرج الطبراني من حديث محمد بن سلمة, عن خصيف, عن عطاء, عن جابر رضي الله عنه قال: ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع مائة بدنة مقلدة.

ورواه عتاب بن بشير, عن خصيف, تفردا به عنه.

وكان الذي نحره النبي صلى الله عليه وسلم من هديه عدد سني عمره على الصحيح, كما في حديث جابر الذي في "الصحيح" لمسلم.

وأما حديث مقسم, عن ابن عباس: فنحر منها ستين بدنة, وفي حديث أنس المتفق عليه: نحر بيده سبع بدن قياماً. فيجمع بينهما


#155#

وبين حديث جابر أن كلا من الرواة شاهد شيئاً فحدث به, وأما رواية سنان بن أبي سنان, عن محمد بن علي عن جابر: فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده سبعاً وستين. فهذه زيادة ذكرها سنان بن أبي سنان, عن محمد بن علي بن حسين, ولم يذكرها جعفر بن محمد بن علي بن حسين, عن أبيه.

وسنان بن أبي سنان ثقة, فتقبل زيادته إن ثبت الإسناد إليه, ويكون حينئذ الذي نحره النبي صلى الله عليه وسلم بيده سبعاًَ وستين, والله أعلم.

وفي "سنن أبي داود" بإسناد ضعيف عن علي رضي الله عنه قال: لما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنه فنحر ثلاثين بيده, وأمرني فنحرت سائرها, وكانت البدن لما نحرت قائمة معقولة يدها اليسرى.

صح عن زياد بن جبير قال: رأيت ابن عمر رضي الله عنهما أتى على رجل قد أناخ بدنته ينحرها, قال: ابعثها قياماً مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وسلم.

وجاء عن عبد الرحمن بن سابط أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يعقلون يد البدنة اليسرى وينحرونها قائمة على ما بقي من قوائمها.

حدث به أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه" فقال: حدثنا يحيى بن سعيد, عن ابن جريج, عن ابن سابط فذكره, وهو مرسل.

وخرجه أبو داود في "سننه" من طريق ابن جريج, عن ابن سابط, ومن


#156#

طريقه أيضاً عن أبي الزبير, عن جابر, فقال أبو داود: وحدثنا عثمان بن أبي شيبة, حدثنا خالد الأحمر, عن ابن جريج, عن أبي الزبير, عن جابر, وأخبرني عبد الرحمن بن سابط أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .... فذكر الحديث.

وخرج أحمد في "مسنده" من حديث عبد الله بن قرط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أعظم الأيام عند الله يوم النحر, ثم يوم القر» وقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس بدنات أو ست ينحرهن, فطفقن يزدلفن إليه أيتهن يبدأ بها, فلما وجبت جنوبها قال كلمة خفية لم أفهمها, فسألت من يليني: ما قال؟ قالوا: قال: «من شاء اقتطع».

وخرجه أبو داود والنسائي والحاكم في "مستدركه" وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

ويوم القر: الحادي عشر؛ لأنهم يستقرون فيه بمنى, وهكذا ورد مفسراً في بعض طرق الحديث من رواية أبي عاصم الضحاك بن مخلد, عن ثور – يعني ابن يزيد – عن راشد بن سعد, عن عبد الله بن لحي, عن عبد الله بن قرط رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الأيام عند الله عز وجل يوم النحر, ثم يوم القر, يستقر فيه الناس, وهو الذي يلي يوم النحر» قدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بدنات خمس أو ست, فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ, فلما وجبت جنوبها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم


#157#

كلمة خفية لم أتقنها, فقلت للذي إلى جنبي ما قال؟ قال: «من شاء اقتطع».

وفي الصحيحين من حديث أبي قلابة, عن أنس رضي الله عنه قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم, فلما دخل مكة أمرهم أن يحلوا, ونحر النبي صلى الله عليه وسلم بيده سبع بدن قياماً, وضحى بالمدينة بكبشين أملحين.

وثبت عن مجاهد, عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن علياً رضي الله عنه, حدثه قال: أهدى النبي صلى الله عليه وسلم مائة بدنة, فأمرني بلحومها فقسمتها, ثم أمرني بجلالها فقسمتها, ثم بجلودها فقسمتها.

وفي رواية عن مجاهد, عن ابن أبي ليلى، عن علي رضي الله عنه أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه, وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها, وأن لا أعطي الجزار منها شيئاً قال: نحن نعطيه من عندنا.

وفي رواية ثابتة [أيضاً] من هذه الطريق عن علي رضي الله عنه أنه أخبر ابن أبي ليلى أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يقوم على بدنه وأمره أن يقسم بدنه كلها, لحومها وجلودها وجلالها في المساكين ولا يعطي في جزارتها منها شيئاً.


#158#

والحديث متفق عليه, وهو في سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه من حديث مجاهد, عن عبد الرحمن بن أبي ليلى, عن علي رضي الله عنه.

وقال عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا عبد الله بن المبارك, عن حرملة بن عمران, عن عبد الله بن الحارث الأزدي, عن غرفة بن الحارث قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأتى بالبدن فقال: «ادعوا لي أبا الحسن» فدعي علي رضي الله عنه فقال: «خذ بأسفل الحربة» وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلاها, ثم طعنا بها البدن, فلما فرغ ركب البغلة وأردف علياً رضي الله عنه.

هذا من الأفراد لا يروى إلا بهذا الإسناد, تفرد به ابن مهدي فيما ذكره الطبراني في "معجمه الأوسط".

وخرجه أبو داود عن محمد بن حاتم بن ميمون, عن عبد الرحمن ابن مهدي.

ورواه ابن علي بن السكن في كتابه "الصحابة" عن محمد بن عبد الرحمن السرخسي, عن مسلم بن الحجاج, عن محمد بن حاتم


#159#

عن ميمون مثله.

ولم يخرجه مسلم في "الصحيح". وخرج أبو داود من حديث يونس, عن ابن شهاب, عن عمرة ابنة عبد الرحمن, عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر عن آل محمد صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بقرة واحدة.

وخرجه النسائي وابن ماجه.

وخرجوا أيضاً واللفظ لأبي داود من حديث الوليد, عن الأوزاعي, عن يحيى بن أبي سلمة, عن أبي هريرة رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح عمن اعتمر من نسائه بقرة بينهن.

وقال حاتم بن الليث: حدثنا عبيد الله بن موسى, أخبرنا بحر, عن الزهري, عن عروة, عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر في حجة الوداع عن نسائه البقر, قالت عائشة: فأتيت بنصيبي.

ولما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى أعلمهم أن منى كلها منحر.

قال عبد الله بن وهب: أخبرني أسامة بن زيد, أن عطاء بن أبي رباح, حدثه أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل عرفة موقف, وكل المزدلفة موقف, وكل منى منحر, وكل فجاج مكة طريق ومنحر».


#160#

خرجه البيهقي في "المعارف" لابن وهب.

وهو في "صحيح مسلم" و"مسند أحمد" و"سنن أبي داود" و"ابن ماجه" بنحوه. وله شاهد من حديث علي.

وقال أبو جعفر الوراق: حدثنا إبراهيم بن سعد, عن ابن إسحاق, حدثني عبيد الله بن أبي نجيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وقف بعرفة قال: «هذا الموقف» للجبل الذي وقف عليه «وكل عرفة موقف» وقال حين وقف على قزح صبيحة المزدلفة: «هذا الموقف وكل المزدلفة موقف» ثم لما نحر بالمنحر قال: «هذا المنحر وكل منى منحر».

وهناك أرخص لهم النبي صلى الله عليه وسلم في ادخار لحوم الأضحية فوق ثلاث.

قال موسى بن هارون الحمال: حدثنا يحيى الحماني, أخبرنا خالد بن عبد الله, عن خالد, عن أبي قلابة, عن أبي المليح, عن نبيشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنا كنا نهيناكم عن لحوم الأضحية فوق ثلاثة أيام كي تسعكم, فقد جاء الله عز وجل بالسعة فكلوا وادخروا وانحروا, وإن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل».


#161#

ورواه يزيد بن زريع, حدثنا خالد الحذاء, عن أبي المليح, [عن نبيشة في رجل من قومه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فرفعه بنحوه.

وكذلك رواه الشافعي وإسحاق بن راهويه – واللفظ له – أخبرنا الثقفي – هو عبد الوهاب – حدثنا خالد الحذاء, عن أبي المليح.

ورواه سعيد بن منصور وسريج بن يونس, واللفظ له, عن هشيم، أخبرنا خالد, عن أبي المليح, عن نبيشة الهذلي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيام التشريق أيام أكل وشرب» فلم يذكروا أبا قلابة.

وقد جاءت الرواية الثابتة أن الحذاء سمع الحديث من أبي قلابة أولاً عن أبي المليح], ثم لقي أبا المليح فحدثه به.

قال مسلم في "صحيحه" بعد أن روى عن سريج حديث هشيم, كما قدمناه قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير, حدثنا إسماعيل – يعني ابن علية – حدثنا خالد الحذاء, حدثني أبو قلابة, عن أبي المليح, عن نبيشة, قال خالد: فلقيت أبا المليح فسألته فحدثني به, فذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث هشيم وزاد: وذكر الله.


#162#

تابعه الحسن بن سفيان, عن ابن نمير.

وخرجه النسائي في "سننه" من حديث هشيم وإسماعيل ابن علية, عن خالد بن أبي المليح كذلك.

وله شاهد من حديث جماعة من الصحابة منهم: علي بن أبي طالب, وسعد بن أبي وقاص, وأوس بن الحدثان, وبديل بن ورقاء, وبشر بن سحيم, وبلال بن رباح, وجابر, وحمزة بن عمرو الأسلمي, وعبد الله بن [حذافة, وعبد الله بن عمرو بن العاص, وأبوه عمرو، وأبو هريرة, وكعب بن مالك, وعائشة رضي الله عنهم.


#163#

$[رواية علي رضي الله عنه]$

قال ابن أبي] خيثمة في "تاريخه" والإمام أحمد في "مسنده" واللفظ له: حدثنا يعقوب, حدثنا أبي, عن ابن إسحاق, حدثني عبد الله بن أبي سلمة, عن مسعود بن الحكم الأنصاري, ثم الزرقي, عن أمه أنها حدثته قالت: لكأني أنظر إلى علي [بن أبي طالب] رضي الله عنه وهو على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء حين وقف على شعب الأنصار في حجة الوداع وهو يقول: أيها الناس, إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنها ليست بأيام صيام, إنما هي أيام أكل وشرب وذكر».

وحدث به النسائي في "سننه" عن عبيد الله بن سعد, عن عمه, عن أبيه, عن ابن إسحاق, عن عبد الله بن أبي سلمة, عن مسعود بن الحكم به.

وعن إسحاق بن إبراهيم, عن عبدة بن سليمان, عن ابن إسحاق قال: حدثني من سمع عبد الله بن أبي سلمة, ولا أراني إلا سمعته منه ... فذكر نحوه.

وعن قتيبة, عن ليث, عن ابن الهاد, عن عبد الله بن أبي سلمة,


#164#

عن عمرو بن سليم الزرقي, عن أمه قالت: بينما نحن بمنى إذا نحن بعلي ... فذكره.

وعن عمران بن بكار, عن أحمد بن خالد, عن ابن إسحاق, عن حكيم بن حكيم, عن مسعود بن الحكم, عن أمه به.

وعن عيسى بن حماد, عن ليث بن سعد, عن يحيى بن سعيد, عن يوسف بن مسعود بن الحكم, عن جدته أنها قالت: بينما نحن بمنى. فذكر نحوه.

وعن أحمد بن الهيثم, عن حرملة بن يحيى, عن ابن وهب, عن عمرو بن الحارث, عن بكير بن الأشج, عن سليمان بن يسار, عن مسعود بن الحكم, عن أمه به, إلا أن فيه قالت: قالت أختي: هذا علي, وقلت أنا: بل هو فلان.

وقال النسائي: وبلغني عن ابن وهب, عن مخرمة بن بكير, عن أبيه, عن سليمان بن يسار, عن الحكم الزرقي, عن أمه, أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم, فسمعوا راكباً, ولم يسمه.

قال النسائي: ما علمت أحداً تابع مخرمة على قوله "الحكم", (والصواب مسعود بن الحكم).


#165#

وخرجه أبو يعلى الموصلي في "مسنده" فقال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة, حدثنا عبد الأعلى, عن محمد بن إسحاق, عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف, عن مسعود بن الحكم, عن أمه أنها حدثته قالت: كأني أنظر إلى علي رضي الله عنه على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهباء في شعب الأنصار وهو يقول: أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم [قال]: «إنها ليست أيام صيام, إنها أيام أكل وشرب أيام منى».

وحدث به أبو زرعة الدمشقي, عن أحمد بن خالد الوهبي, عن ابن إسحاق.

خالفهما إبراهيم بن سعد, كما تقدم في "مسند أحمد" وغيره, فرواه عن ابن إسحاق, حدثني عبد الله بن أبي سلمة .... الحديث.

وعبد الله بن أبي سلمة إنما يرويه عن عمرو بن سليم الزرقي, عن أمه,كما سيأتي إن شاء الله تعالى .

وقال أحمد بن حنبل في "مسنده": حدثنا يحيي, حدثنا يحيى ابن سعيد, عن يوسف بن مسعود – يعني ابن الحكم – عن جدته أن رجلاً مر بهم على بعيره يوضعه بمنى في أيام التشريق أنها أيام أكل وشرب, فسألت عنه فقالوا: علي بن أبي طالب.


#166#

تابعه معاوية بن صالح, عن يحيى بن سعيد الأنصاري.

وقال أحمد أيضاً: حدثنا يحيى بن غيلان, حدثنا المفضل بن فضالة, حدثني يزيد بن عبد الله, عن عبد الله بن أبي سلمة, عن عمرو بن سليم الزرقي, عن أمه قالت: كنا بمنى فإذا صائح يصيح: ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تصومن فإنها أيام أكل وشرب» قالت: فرفعت أطناب الفسطاط فإذا الصائح علي بن أبي طالب.

ورواه أيضاً من طريق سعيد بن سلمة, عن أبي الحسام المديني, حدثنا يزيد بن عبد الله بن الهاد, عن عمرو بن سليم, عن أمه بنحوه.

تابعهما الدراوردي فيما رواه عنه الشافعي.

وجاء عن زهير بن حرب, حدثنا زيد بن الحباب, حدثنا موسى بن عبيدة الربذي, عن منذر بن أبي الجهم الأسلمي, عن عمر بن خلدة الأنصاري, عن أمه, عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه فنادى أيام منى: إنها أيام أكل وشرب وبعال.

وله طرق إلى علي رضي الله عنه منها: ما رواه يعلى بن شبيب, عن جعفر بن محمد بن علي, عن أبيه, عن جده, عن علي رضي الله عنه في النهي عن صوم أيام منى.


#167#

خالفه أبو ضمرة فرواه عن جعفر, عن أبيه, عن جابر, كذلك قاله يعيش بن الجهم عنه, وغيره يرويه عن أبي ضمرة مرسلاً.

وكذلك رواه أصحاب جعفر بن محمد, عن جعفر, عن أبيه مرسلاً, وهو أشبه بالصواب.

قاله الدارقطني.

وستأتي الرواية المرسلة قريباً – إن شاء الله تعالى – من طريق سليمان بن بلال, عن جعفر.


#168#

$[رواية سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه]$

وقال الإمام أحمد: حدثنا روح, حدثنا محمد بن أبي حميد المدني, حدثنا إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص, عن أبيه, عن جده رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي منى, إنها أيام أكل وشرب, ولا صوم فيها. يعني أيام التشريق.

تابعه محمد بن بكر, عن ابن أبي حميد بنحوه.


#169#

$[رواية أوس بن الحدثان رضي الله عنه]$

وقال مسلم في "صحيحه": وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة, حدثنا محمد بن سابق, حدثنا إبراهيم بن طهمان, [عن] أبي الزبير, عن ابن كعب بن مالك, عن أبيه أنه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وأوس بن الحدثان أيام التشريق فينادي: أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن, وأيام منى أيام أكل وشرب.

تابعه عبد الملك بن عمرو, عن إبراهيم بن طهمان.


#170#

$[رواية بديل بن ورقاء رضي الله عنه]$

وقال يحيى بن معين: حدثنا حجاج, عن ابن جريج قال: بلغني عن محمد بن يحيى بن حبان يحدث عن أم الحارث بنت عياش بن أبي ربيعة أنها رأت بديل بن ورقاء على جمل يطوف على أهل المنازل بمنى يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصوموا هذه الأيام, فإنما هي أيام أكل وشرب».

تابعه مروان بن شجاع ومصعب بن سلام وشعيب بن إسحاق وعبد المجيد, عن ابن جريج نحوه.

ورواه القعنبي, حدثنا سليمان بن بلال, عن جعفر بن محمد, عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بديل بن ورقاء ينادي أيام منى: إنها أيام أكل وشرب, وهو على جمل أورق.

ورواه عبد الله بن عتاب الزفتي, حدثنا هارون – يعني ابن سعيد الأيلي, حدثنا أنس – وهو ابن عياض – حدثنا جعفر, عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بديل بن ورقاء على جمل أورق ينادي أيام منى:


#171#

إنها أيام أكل وشرب.

وخرجه الدارقطني في "سننه": من حديث سعيد بن سلام العطار, حدثنا عبد الله بن بديل الخزاعي, عن الزهري, عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق يصيح في فجاج منى: «ألا إن الذكاة في الحلق واللبة, ألا ولا تعجلوا الأنفس أن تزهق, وأيام منى أيام أكل وشرب وبعال».


#172#

$[رواية بشر بن سحيم رضي الله عنه]$

وقال يوسف القاضي: حدثنا عبد الواحد بن غياث, حدثنا حماد بن سلمة, عن عمرو بن دينار, عن نافع بن جبير بن مطعم, عن بشر بن سحيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ينادي بمنى في أيام التشريق: «أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة, وأنها أيام أكل وشرب».

وهو عند حماد بن زيد, عن عمرو.

وحدث به أحمد بن سعيد الدارمي, عن حبان – هو ابن هلال البصري – حدثنا حماد بن زيد, حدثنا عمرو بن دينار, عن نافع بن جبير, عن بشر بن سحيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن ينادي في أيام التشريق: «أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن, وأنها أيام أكل وشرب».

تابعه محمد بن عبيد بن حسان وقتيبة والقواريري وأبو الربيع الزهراني وسليمان بن حرب إلا أنه قال: عن حماد بن زيد, عن عمرو, عن نافع بن جبير, عن بشر بن سحيم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أو أمر رجلاً أن ينادي ... وذكر الحديث.


#173#

ورواه قتيبة مرة أخرى عن حماد, عن عمرو, عن نافع أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر منادياً. وهذا مرسل.

ورواه ابن أبي عمرو وغيره, عن سفيان, عن عمرو بن دينار بنحوه إلى قوله: فنادى بمنى .... وذكر الحديث.

ورواه ابن المبارك, عن هشام صاحب الدستوائي, عن عمرو بن دينار, عن نافع بن جبير بن مطعم, عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً من غفار يقال له: بشر بن سحيم ينادي في أيام التشريق «أن الجنة لا يدخلها إلا مؤمن, وأن هذه أيام أكل وشرب».

ورواه ابن أبي عمرو, عن سفيان, عن عمرو بن دينار بنحوه.

ورواه ابن أبي عدي, عن شعبة, عن عمرو بن دينار, عن نافع بن جبير, عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بشر بن سحيم الأنصاري فنادى بمنى.

وذكر الحديث أحمد بن حنبل فقال: حدثنا محمد، حدثنا شعبة، عن حبيب بن أبي ثابت، عن نافع بن جبير، عن بشر بن سحيم أن رسول


#174#

الله صلى الله عليه وسلم أمره فنادى ..... وذكر الحديث.

تابعه النضر بن شميل والحكم بن عبد الله وأبو عامر العقدي, عن شعبة مثله.

ورواه مسعر والثوري وحجاج بن أرطأة, عن حبيب, عن نافع, عن بشر.

ورواه عمرو بن عبد الله الأودي, حدثنا وكيع, عن سفيان, عن حبيب, عن نافع بن جبير.

وحدث به ابن ماجه في "سننه": عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد كلاهما عن وكيع.


#175#

وحدث به النسائي في "سننه": عن محمد بن بشار, عن عبد الرحمن, عن سفيان, عن حبيب بن أبي ثابت, عن نافع بن جبير، عن بشر بن سحيم خطب النبي صلى الله عليه وسلم في أيام الحج فقال: «إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة, وإنها أيام أكل وشرب».

وخالفهم المسعودي [عبد الرحمن بن] عبد الله, فرواه عن حبيب, عن نافع بن جبير, عن بشر بن سحيم, عن علي رضي الله عنه قال: نادي منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام التشريق إنها أيام أكل وشرب .... الحديث.

[والصواب ما رواه الثوري وغيره, كما تقدم من غير ذكر علي رضي الله عنه, وممن ذكر أن ذلك الصواب الدارقطني في "العلل".

ورواه جرير, عن منصور, عن حبيب بن أبي ثابت, عن رجل, عن بشر بن سحيم, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر: «هذه أيام أكل وشرب».

وله طرق غير ما ذكرنا.


#176#

$[رواية بلال رضي الله عنه]$

وروى محمد بن بكر البرساني, عن سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة, عن عكرمة, عن ابن عباس, عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم منادياً في أيام التشريق أنها أيام أكل وشرب, والمنادي يومئذ بلال رضي الله عنه.

استغربه أبو نعيم من حديث قتادة وعكرمة, وقال: ولا أعلم رواه إلا محمد بن بكر, عن سعيد.

قاله في "الحلية".


#177#

$[رواية حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه]$

وقال إسحاق بن راهويه: أخبرنا عبدة, حدثنا سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة, عن سليمان بن يسار, عن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه رأى رجلاً يتتبع رحال الناس بمنى أيام التشريق ويقول: ألا لا تصوموا هذه الأيام, فإنها أيام أكل وشرب, ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم.

قال قتادة: بلغنا أن المنادي كان بلالاً.


#178#

$[رواية عبد الله بن حذافة رضي الله عنه]$

وقال أحمد بن حنبل في "مسنده": حدثنا روح, حدثنا صالح, حدثنا ابن شهاب, عن سعيد بن المسيب, عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حذافة يطوف في منى أن لا تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب] وذكر الله.

وخرجه الدارقطني في "سننه": من حديث يعقوب الدورقي وأحمد بن يحيى بن عطاء الجلاب, قالا: حدثنا روح بن عبادة, حدثنا صالح بن أبي الأخضر .... فذكره.

وخرجه أيضاً: من حديث إبراهيم بن حميد, حدثنا صالح, عن الزهري, عن سعيد وأبي سلمة, عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.

تابعه مسلم بن إبراهيم, عن صالح بن أبي الأخضر.

وخرجه أيضاً: من طريق أحمد بن أبي نافع, حدثنا العباس بن الفضل, عن سليمان أبي معاذ, عن الزهري, عن سعيد بن


#179#

المسيب, عن عبد الله بن حذافة السهمي قال: أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط أن يطوفوا في منى في حجة الوداع يوم النحر فينادوا: «إن هذه أيام أكل وشرب وذكر الله, فلا صوم فيهن إلا صوماً في هدي».

رواه الزبيدي, عن الزهري أنه بلغه عن مسعود بن الحكم, عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا, ولم يقل فيه إلا محصر أو متمتع. قاله الدارقطني.

وقال يعقوب بن سفيان في "التاريخ": حدثنا أبو الأسود – النضر بن عبد الجبار – وابن بكير, عن ابن لهيعة, عن أبي النضر, عن سليمان بن يسار وقبيصة بن ذؤيب – يحدثان عن أم الفضل – امرأة عباس – قالت: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى أيام التشريق, فسمعت منادياً يقول: إن هذه الأيام أيام طعام وشراب وذكر لله عز وجل, قلت: فأرسلت رسولاً: من الرجل ومن أمره؟ فجاءني الرسول فحدثني أنه رجل يقال له ابن حذافة يقول: أمرني بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم.


#180#

وقال ابن أبي خيثمة في "التاريخ": حدثنا أبي, حدثنا ابن مهدي, عن سفيان, عن عبد الله بن أبي بكر وسالم أبي النضر, عن سليمان بن يسار, عن عبد الله بن حذافة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن ينادي في أيام التشريق أنها أيام أكل وشرب.

قال: سئل يحيى بن معين عن هذا الحديث فكتب على سليمان بن يسار عن عبد الله بن حذافة بيده كذا مرسل.

وخرجه أبو بكر البرقاني من طريق سفيان هكذا, ثم قال: وقال عبد الرحمن بن مهدي حين حدث بهذا الحديث: حدثنا مالك بن أنس, ولا أراه إلا كان أحفظ من سفيان, عن عبد الله بن أبي بكر, عن سليمان بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابن حذافة أن ينادي أيام التشريق أنها أيام أكل وشرب.

قلت: ابن مهدي حدث به عن سفيان الثوري, وهو عند النسائي, عن عباس العنبري, عن عبد الرحمن, وذكر البخاري في "تاريخه الكبير" في ترجمة عبد الله بن حذافة السهمي هذا أنه لا يصح, حديثه مرسل.

وجاء عن الحارث بن مسكين, عن ابن القاسم, عن مالك, عن سالم أبي النضر، عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام أيام منى.


#181#

قلت: وقد تقدم من رواية سليمان بن يسار وقبيصة بن ذؤيب متصلاً.

وقال الطبراني في "معجمه الكبير": حدثنا الحسين بن إسحاق – يعني التستري – حدثنا أبو كريب, حدثنا إبراهيم بن إسماعيل – يعني السكوني, عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة, عن داود بن الحصين, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل أيام منى صائحاً يصيح: أن لا تصوموا هذه الأيام, فإنها أيام أكل وشرب وبعال.

والبعال: وقاع النساء.

وحدث مالك بن أنس, عن أبي النضر –مولى عمر بن عبيد الله –عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام أيام منى.

هذا مرسل.

وقد قدمناه من رواية قتادة, عن سليمان بن يسار عن حمزة بن عمرو الأسلمي موصولاً.


#182#

$[رواية عقبة بن عامر رضي الله عنه]$

خرج أبو داود من حديث موسى بن علي, عن أبيه, عن عقبة بن عامر رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام, وهن أيام أكل وشرب».

وخرجه الترمذي والنسائي, وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وقال أبو بكر محمد بن هارون الروياني في "مسنده": وحدثنا أيضاً المقومي - يعني يحيى بن حكيم – حدثنا عبد الرحمن, حدثنا موسى بن علي, سمعت أبي يحدث عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق هي عيدنا أهل الإسلام, هي أيام أكل وشرب».

تابعه معن بن عيسى, عن موسى بن علي, عن أبيه أنه سمع عقبة .... فذكره.


#183#

$[رواية معمر بن عبد الله العدوي رضي الله عنه]$

وروى عبد الله بن يزيد المقرئ, عن ابن لهيعة قال: عن يزيد بن أبي حبيب, عن عبد الرحمن بن جبير, عن معمر بن عبد الله العدوي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أؤذن في الناس بمنى: «أن لا يصومن أحد أيام التشريق, فإنها أيام أكل وشرب».


#184#

ورواه الهيثم بن كليب الشاشي, عن عيسى بن أحمد العسقلاني, حدثنا محمد بن عمر المديني, عن عبد الحميد بن جعفر, عن يزيد بن أبي حبيب بنحوه.


#185#

$[رواية يونس بن شداد رضي الله عنه]$

وجاء عن محمد بن بشار, حدثنا ابن عثمة, عن سعيد بن بشير, عن قتادة, عن أبي قلابة, عن أبي الشعثاء, عن يونس بن شداد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيام منى أيام أكل وشرب».

أبو الشعثاء جابر بن زيد.


#186#

$[رواية عبد الله بن عمرو رضي الله عنه]$

النسائي [كذا] في "سننه": عن أحمد بن عبدة, عن حسين بن حسن الأشقر, عن شريك, عن أشعث بن أبي الشعثاء, عن أبيه, عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وصلاة, فلا يصومنها أحد».


#187#

$[رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما]$

وحدث به أيضاً عن هارون بن عبد الله, عن حسين الجعفي, عن زائدة, عن إبراهيم بن مهاجر, عن أبي الشعثاء, عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً بنحوه.


#188#

$[رواية بديل بن ورقاء رضي الله عنه]$

وقال ابن سعد في "الطبقات" أخبرنا عبيد الله بن موسى, أخبرنا إسرائيل, عن جابر, عن محمد بن علي, عن بديل بن ورقاء رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي: «إن هذه الأيام أيام أكل وشرب, فلا يصومن أحد».


#189#

$[رواية جندب بن سفيان رضي الله عنه]$

وقال دعلج في كتابه "مسند المقلين": أخبرنا محمد بن غالب التمتام, حدثنا أبو حذيفة, حدثنا سفيان, عن الأسود بن قيس, عن جندب رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى بمنى فرأى قوماً قد ذبحوا, ورأى قوماً لم يذبحوا ولم ينحروا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من ذبح قبل الصلاة فليعد الذبح, ومن لم يذبح فليذبح باسم الله».

تابعه وكيع, حدثنا سفيان .... فذكر نحوه.

فهذا الحديث يشعر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيد يوم النحر بمنى وليس كذلك.

وأبو حذيفة اسمه موسى بن مسعود النهدي البصري ضعفه الترمذي وغيره.

وقال أبو حاتم: صدوق, ولكن كان مصحفاً.

قيل: إنه ابن امرأة سفيان الثوري, وقد روى عن الثوري أربعة عشر ألف حديثاً في بعضها مقال, وهذا منها, والله أعلم.

وقد خالفه الجمهور, فرواه سعيد بن منصور والشافعي وإسحاق بن


#190#

راهويه وغيرهم, عن سفيان ولم يذكروا: (بمنى):

وهكذا رواه سليمان بن حرب, عن شعبة, عن الأسود بن قيس, سمعت جندباً قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم صلى ثم خطب فقال: «من ذبح قبل أن يصلي فليذبح وليبدل مكانها, ومن لم يكن ذبح فليذبح باسم الله» فلم يذكر منى.

وهكذا رواه عمرو بن مرزوق وعاصم بن علي, عن شعبة.

ورواه زائدة وشريك ومحمد بن جابر وزهير بن معاوية, عن الأسود بن قيس نحوه من غير ذكر (منى).


#191#

$[حلق النبي صلى الله عليه وسلم رأسه]$

ولما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بالحلاق فحلق رأسه.

قال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا عفان بن مسلم, حدثنا همام, عن الحجاج, عن الحكم, عن مقسم, عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر ثم حلق.

تابعه علي بن مسهر, عن حجاج.

وفي "الطبقات" أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق رأسه وأخذ من شاربه وعارضيه وقلم أظفاره وأمر بشعره وأظفاره أن تدفن ثم, وأصاب الطيب ولبس القميص, ونادى مناديه بمنى: «أنها أيام أكل وشرب وباه» انتهى.

وثبت من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حلق رأسه في حجة الوداع.

وروى الشافعي في "مسنده": عن سفيان بن عيينة, عن هشام بن


#192#

حسان, عن ابن سيرين, عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رمى جمرة العقبة ونحر نسكه ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه, ثم ناوله النبي صلى الله عليه وسلم أبا طلحة, ثم ناول الحالق شقه الأيسر فحلقه, ثم أمر أبا طلحة أن يقسمه بين الناس.

وخرجه مسلم في "صحيحه" والترمذي في "جامعه" لسفيان.

وهو في "الصحيحين" عن ابن سيرين, عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حلق رأسه كان أبو طلحة أول من أخذ من شعره.

أخبرنا الشيخ المسند الصالح أبو هريرة عبد الرحمن بن الذهبي قراءة عليه وأنا أسمع, أخبرنا [يحيى] بن سعد سماعاً والقاضي أبو الفضل سليمان بن حمزة إجازة قالا: أنبأنا الحسن بن يحيى بن الصباح المخزومي زاد القاضي فقال: وأنبأنا أبو عبد الله محمد بن عماد الحراني, قالا: أخبرنا عبد الله بن رفاعة السعدي سماعاً, أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين القاضي, أخبرنا أبو محمد بن عمر البزار – يعني عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن سعيد – أخبرنا أبو الحسن سعيد بن سعيد التغلبي, حدثنا الحسن بن متوكل, حدثنا سليمان [بن حرب, حدثنا سليمان] بن المغيرة, عن ثابت, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه وقد أطاف به أصحابه, ما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل.


#193#

تابعه محمد بن سعد في "الطبقات" فحدث به عن سفيان بن حرب.

وفي رواية عن حفص بن غياث, عن هشام, عن محمد بن سيرين, عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها, ثم أتى منزله بمنى ونحر, ثم قال للحلاق: هكذا وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر, ثم جعل يعطيه الناس.

خرجه مسلم في "صحيحه" وأحمد بن حنبل في "مسنده" وأبو داود في "سننه".

وحدث به مسلم مرة أخرى في "صحيحه" فقال عقب الحديث: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نمير وأبو كريب, قالوا: حدثنا حفص بن غياث, عن هشام بهذا الإسناد.

أما أبو بكر فقال في روايته: قال للحلاق: «ها» أشار بيده إلى الجانب الأيمن هكذا, فقسم شعره بين من يليه. قال: ثم أشار إلى الحلاق وإلى الجانب الأيسر, فحلقه فأعطاه أم سليم.

وفي رواية أبي كريب: فبدأ بالشق الأيمن فوزعه الشعرة والشعرتين بين الناس, ثم قال بالأيسر فصنع مثل ذلك, ثم قال: «ها هنا أبو طلحة؟» فدفعه إلى أبي طلحة, هكذا ذكر مسلم رحمه الله لفظ الشيخين.


#194#

والذي وجدته في كتاب المناسك من "مصنف أبي بكر بن أبي شيبة" في أبواب الحلق والتقصير, قال: باب:

حدثنا حفص, عن هشام, عن ابن سيرين, عن أنس رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال للحلاق هكذا وأشار بيده إلى الجانب الأيمن.

وأما رواية أبي كريب محمد بن العلاء بن كريب الهمداني فقال أبو داود في "سننه": حدثنا محمد بن العلاء, حدثنا حفص, عن هشام, عن ابن سيرين, عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم النحر, ثم رجع إلى منزله بمنى, فدعا بذبح فذبح, ثم دعا بالحلاق فأخذ بشق رأسه الأيمن فحلقه, فجعل يقسم بين من يليه، الشعرة والشعرتين, ثم أخذ بشق رأسه الأيسر فحلقه فقال: «ها هنا أبو طلحة؟» فدفعه إلى أبي طلحة رضي الله عنه.

ويروى أن خالد بن الوليد رضي الله عنه كلم النبي صلى الله عليه وسلم في شعر ناصيته فدفعه إليه.

وخرج أحمد بن حنبل في "مسنده" من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق الحجام رأسه أخذ أبو طلحة بشعر أحد شقي رأسه بيده, فأخذ بشعره فجاء به إلى أم سليم, قال: فكانت أم سليم تدوفه في طيبها.


#195#

وقال محمد بن أبان المستملي: حدثنا بشر بن السري, حدثنا أبان العطار, عن يحيى بن أبي كثير, عن أبي سلمة أن محمد بن عبد الله بن زيد حدثه أن أباه شهد النبي صلى الله عليه وسلم في المنحر هو ورجل من الأنصار, فقسم ضحايا بين أصحابه, فلم يصبه شيء هو وصاحبه, فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه في ثوبه وأعطاه إياه, فقسم منه على رجال, وقلم أظفاره فأعطاه صاحبه, قال: فإنه لمخضوب عندنا بالحناء والكتم. يعني: الشعر.

إسناد جيد, لكن فيه إرسال.


#196#

$[من حلق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم]$

والحلاق الذي حلق شعر رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع هو معمر بن عبد الله بن نافع بن نضلة بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب العدوي رضي الله عنه.

قال البخاري: وزعموا أن الذي حلق النبي صلى الله عليه وسلم معمر بن عبد الله بن نضلة بن عوف رضي الله عنه.

وقال الإمام أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل في كتابه "الآحاد والمثاني": حدثنا يحيى بن خلف, حدثنا عبد الأعلى, عن محمد بن إسحاق, عن يزيد بن أبي حبيب, عن عبد الرحمن بن عقبة, عن معمر قال: كنت أرحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا هو يسير ذات ليلة وأنا معه فقال: «يا معمر إني أجد في أنساعي الليلة اضطراباً» قلت: والذي بعثك لقد شددتها كما كنت أشدها, ولكن بعض من [حسدني على منزلتي منك هو صنع ذلك؛ لتستبدل بي غيري. قال: «ما كنت لأفعل» قال: وكنت أرحل له, فلما] قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجه, وكان يوم النحر جلس للحلق, فدعاني فأعطاني الموسى, ثم رفع رأسه فنظر في وجهي فقال: «يا معمر أمكنك رسول الله صلى الله عليه وسلم من شحمة


#197#

أذنيه, وفي يدك الموسى» فقلت: أما والله إن ذلك لمن من الله عز وجل وفضله علي. قال: فحلقته.

حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف, حدثنا وهب بن جرير, حدثنا أبي, عن محمد بن إسحاق, عن يزيد بن أبي حبيب عبد الرحمن بن عقبة مولى معمر يحدث .... فذكر مثله.

قلت: وخرجه أحمد بن حنبل, وفيه: لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمكنك رسول الله صلى الله عليه وسلم من شحمة أذنه, وفي يدك الموسى» فقال معمر: أما والله يا رسول الله إن ذلك لمن نعمة الله علي ومنه, قال: «أجل ....» الحديث.


#198#

$[الطيب عند الإحلال]$

وقبل إفاضته صلى الله عليه وسلم بعدما رمى جمرة العقبة طيبته عائشة رضي الله عنها.

وروينا من حديث محمد بن هشام بن أبي خيرة السدوسي, حدثنا الفضل بن العلاء, حدثنا طلحة بن عمرو, عن عطاء, عن عائشة رضي الله عنها قالت: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى بعدما رمى جمرة العقبة.

وصح عن القاسم: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين حين أحرم ولحله حين أحل قبل أن يطوف, وبسطت يديها.

وفي رواية: بطيب فيه مسك.

وقد تقدم قبل, وخرجه النسائي, ولفظه: قالت: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه حين أحرم ولحله بعدما رمى جمرة العقبة قبل أن يطوف بالبيت.

وقال الشافعي في "مسنده": أخبرنا سفيان, عن عمرو بن دينار, عن سالم بن عبد الله قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إذا رميتم الجمرة فقد حل لكل كل شيء إلا النساء والطيب.

قال سالم: وقالت عائشة: أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله وإحرامه.

قال سالم: وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع.


#199#

سالم لم يسمع من جده شيئاً.

وقال إبراهيم بن راشد: حدثنا أبو حذيفة, حدثنا سفيان, عن عمرو بن دينار, عن سالم, عن ابن عمر, عن عائشة رضي الله عنهم قالت: كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم بعدما يرمي الجمرة قبل أن يفيض بالبيت.

قال الطبراني: لم يقل أحد ممن روى هذا الحديث عن سالم, عن ابن عمر إلا أبو حذيفة, تفرد به إبراهيم بن راشد عنه.

وذكر الخطيب البغدادي في كتابه "المزيد" وقال: هذا هو الصحيح, وقد رواه قبيصة بن عقبة ومحمد بن يوسف الفريابي, عن سفيان, فلم يذكروا ابن عمر, وهو الصواب.

وخرج الإمام أحمد في "مسنده" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء» فقال رجل: والطيب؟. فقال ابن عباس رضي الله عنهما: أما أنا فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضمخ رأسه بالمسك, أفطيب ذلك أم لا؟!


#200#

$[آخر حديث جابر رضي الله عنه]$

قال جابر رضي الله عنه: ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت, فصلى بمكة الظهر, فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال «انزعوا بني عبد المطلب, فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم» فناولوه دلواً فشرب منه.

هذا آخر حديث جابر رضي الله عنه الطويل في حجة الإسلام الذي خرجه مسلم في "صحيحه" ومن طريقه سقناه.

وخرجه الإمام أحمد والدارمي في مسنديهما وأبو داود وابن ماجه مطولاً بنحوه.

وخرجه النسائي مفرقاً في قريب من ثلاثين موضعاً من "سننه" من حديث حاتم وغيره.

وبعضه عند أبي داود والنسائي عن يحيى بن سعيد, عن جعفر.

وخرجه أبو داود أيضاً فقال: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي وعثمان بن أبي شيبة, وهشام بن عمار وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقيان, وربما زاد بعضهم على بعض بالكلمة, وبعض قالوا: حدثنا حاتم بن إسماعيل ... فذكره.

وخرجه ابن ماجه, عن هشام بن عمار به.

وحدث به بطوله أبو حاتم محمد بن حبان في "صحيحه" عن ابن سلم وهو عبد الله بن محمد بن سلم, حدثنا هشام بن عمار به.

وعن الحسن بن سفيان, حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة, قالا: حدثنا حاتم بن إسماعيل, عن جعفر بن محمد.


#201#

فذكره بطوله.

وخرجه الحافظ أبو موسى المديني في كتابه "طوال الأحاديث والأخبار" من طريق وهيب بن خالد ويحيى بن سعيد القطان ويحيى بن سليم, عن جعفر بن محمد, ومن رواية إسحاق بن إبراهيم الحنظلي هو ابن راهويه, عن حاتم بن إسماعيل, عن جعفر, أدرج تلك الطرق على هذه الرواية وجعل اللفظ لها وقال: لأنها أتم سياقة, وذكر الحديث بطوله, ثم قال: هذا الحديث مخرج في الصحاح كلها ما خلا كتاب البخاري, ولم يسق هذا السياق إلا حاتم وحفص بن غياث.

قلت: قد ساقه الخطيب بهذا السياق مطولاً من طريق إسماعيل بن أبي أويس, عن أبيه, عن جعفر, في كتابه "الفصل للوصل" فيما وجدته بخطه, كما أشرت إليه قبل.


#202#

$[طواف الإفاضة]$

وقوله: فأفاض إلى البيت, فصلى بمكة الظهر. فيه محذوف تقديره: فأفاض فطاف بالبيت طواف الإفاضة, ثم صلى الظهر, فحذف ذكر الطواف لدلالة الكلام عليه.

وقال أبو داود في "المراسيل": حدثنا قتيبة بن سعيد [حدثنا] بكر – يعني ابن مضر – عن عمارة بن غزية, عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رمى جمرة القصوى رجع إلى المنحر فنحر ثم حلق، ثم أفاض من فوره ذلك.

وإفاضة النبي صلى الله عليه وسلم المذكورة في حديث جابر هذا هي رجوعه من منى إلى مكة, فطاف بالبيت طواف الإفاضة, ويقال له طواف الزيارة والفرض والركن, ويسمى الصدر عند بعضهم.

وطاف النبي صلى الله عليه وسلم طواف الإفاضة راكباً, ولم يسع معه, لأنه صلى الله عليه وسلم سعى بعد طواف القدوم ولم يرمل.

قال أبو داود في "سننه": حدثنا سليمان بن داود, أخبرنا ابن وهب, حدثنا ابن جريج, عن عطاء بن أبي رباح, عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه.


#203#

قال البيهقي: والذي روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه طاف بين الصفا والمروة راكباً, فإنما أراد – والله أعلم – في سعيه بعد طواف القدوم, فأما بعد طواف الإفاضة فلم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه طاف بينهما.

وقال: ثم لما طاف طواف الإفاضة طاف بالبيت راكباً, والله أعلم، انتهى.

وخرج مسلم من حديث ابن جريج, عن أبي الزبير, عن جابر رضي الله عنه قال: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت في حجة الوداع على راحلته يستلم الركن بمحجته, لأن يراه الناس, وليشرف, وليسألوه, فإن الناس غشوه.

ومن حديث شعيب بن إسحاق, عن هشام بن عروة, عن عروة, عن عائشة رضي الله عنها قالت: طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجه الوداع حول الكعبة على بعيره, يستلم الركن كراهية أن يضرب عنه الناس.

وخرجه النسائي لشعيب.

وثبت من حديث مالك, عن ابن شهاب, عن عروة بن الزبير, عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة .... الحديث بطوله, وفيه: قالت: فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت, وبين الصفا والمروة, ثم حلوا, ثم طافوا طوافاً آخر – بعد أن رجعوا من منى – لحجتهم, وأما الذين أهلوا بالحج, وأجمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً.


#204#

رواه جماعة عن مالك منهم: الشافعي ويحيى بن عبد الله بن بكير فحفظاه عن مالك بهذا اللفظ.

والطواف في قول عائشة: طوافاً واحداً. المراد به السعي بين الصفا والمروة, جاء مصرحاً به في رواية عبد الوهاب بن عطاء, عن ابن جريج, عن أبي الزبير, عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداًً طوافه الأول.

وخرجه مسلم من حديث محمد بن بكر ويحيى بن سعيد, عن ابن جريج بنحوه.


#205#

$[وقت طواف الإفاضة]$

وكان طواف النبي صلى الله عليه وسلم للإفاضة يوم النحر نهاراً على الصحيح المحفوظ.

وأما ما خرجه الطبراني في "معجمه الكبير" فقال: حدثنا عبيد العجلي, حدثنا محمد بن إسماعيل الحساني الواسطي ح.

وقال أبو يعلى الموصلي في "مسنده": حدثنا محمد بن إسماعيل بن البختري الواسطي, حدثنا محمد بن الحسن المزني, حدثنا المغيرة بن الأشعث – أمير كان علينا بواسط – عن عطاء بن أبي رباح, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم طواف الصدر ليلاً أو بليل, والسياق للطبراني والشك من المغيرة, بينه يحيى بن صاعد في روايته عن الحساني قال عقيب الحديث: قال محمد بن الحسن: وكان المغيرة إذا حدث شك في قوله: ليلاً أو بليل وهو راجل. انتهى.

ففي إسناده لين, ومحمد بن الحسن الواسطي المزني أبو الحسن صاحب غرائب, سئل أحمد بن حنبل فقال: ليس به بأس, شيخ ضخم, وكان عبد الله بن حازم ضربه, كتبت عنه عن إسماعيل يعني ابن أبي خالد غرائب.


#206#

ذكر نحوه البخاري في "تاريخه الكبير" عن أحمد, وقال: قال ابن عون: مات محمد بن حسن المزني أبو الحسن سنة سبع وثمانين. انتهى.

وروى سفيان الثوري, عن أبي الزبير, عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر طواف يوم النحر إلى الليل.

خرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث سفيان, وحسنه الترمذي. وفي سماع أبي الزبير, عن عائشة نظر, فيما قاله البيهقي.

وهذا قد قاله البخاري فيما سأله عنه أبو عيسى الترمذي فقال في "العلل" قلت له: سمع أبو الزبير من ابن عباس وعائشة؟ فقال: أما من ابن عباس فنعم, وفي سماعه من عائشة نظر.

وقال أبو محمد بن حزم في مصنفه في "صفة حجة الوداع": وهذا حديث معلول, لأن أبا الزبير مدلس, وليس في هذا الحديث ذكر سماع أبي الزبير إياه عن عائشة وابن عباس, فسقط الاشتغال به. انتهى.

وقد جاء ما يقوي رواية أبي الزبير, قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: حدثنا يزيد بن سنان البصري بمصر, حدثنا يحيى بن سعيد, حدثنا


#207#

سفيان, حدثني محمد بن طارق, عن طاوس وأبي الزبير, عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر طواف الزيارة إلى الليل.

تفرد به يحيى, عن سفيان, قاله أبو نعيم الأصبهاني.

وحدث به ابن ماجه عن بكر بن خلف عن يحيى بن سعيد, عن سفيان, عن [محمد] بن طارق, عن طاوس أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر طواف الزيارة إلى الليل .... ذكره مرسلاً.

وجمع بين رواية جابر المصرحة بأن النبي صلى الله عليه وسلم [طاف] طواف الإفاضة قبل صلاة الظهر, وبين رواية ابن عباس وعائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الطواف يوم النحر إلى الليل: أنه طاف الأول للإفاضة نهاراً, ثم عاد للزيارة مع نسائه لا لطواف الإفاضة, والله أعلم.

وقال أبو قرة موسى بن طارق الزبيدي: ذكر ابن جريج, عن ابن طاوس, عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه [أن] يفيضوا نهاراً وأفاض في نسائه ليلاً, فطاف بالبيت على راحلته, ثم جاء زمزم, فقال: «ناولوني», فنوول دلواًَ فشرب منها ثم مضمض فمج في الدلو, ثم أمر بماء في الدلو, فأفرغ في البئر, ثم قال: «لولا أن تغلبوا لنزعت معكم ....» ثم أتى السقاية .... الحديث بطوله.


#208#

وحدث به ابن سعد في "الطبقات" عن عبد الوهاب بن عطاء, عن ابن جريج, أخبرني هشام بن حجير وغيره, عن طاوس ... فذكره.

وجاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه يوم النحر حين صلى الظهر, ثم رجع إلى منى, فمكث بها ليالي التشريق .... الحديث, إسناده ضعيف.

رواه محمد بن إسحاق بن يسار, عن عبد الرحمن بن القاسم, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها, خرجه أحمد في "مسنده".

وهو في "سنن أبي داود" وصحيحي ابن حبان والحاكم وقد قدمناه بطوله.

وقول جابر رضي الله عنه في حديثه: فصلى بمكة الظهر.

صح ما يخالفه, فأخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن عثمان الحنبلي بقراءتي عليه, أخبرنا عبد الكريم بن عبد الكريم بن الصفي, أخبرنا أبو حفص عمر بن عبد المنعم: ح.

وقرأت على المعمرة الكبيرة زينب بنت محمد بن عثمان السريجية, أخبرنا عمر بن عبد المنعم المذكور, وأبو الحسن علي بن البخاري إذناً


#209#

مطلقاً, قالا: أخبرنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد قراءة عليه, قال الأول: وأنا شاهد, والثاني: وأنا أسمع, قال: أخبرنا أبو الحسن علي ابن المسلم, أخبرنا الحسين بن طلاب, أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد الغساني, حدثنا أحمد بن عمرو الحافظ إملاء من حفظه, حدثنا محمد بن حماد الظهراني, حدثنا عبد الرزاق, عن عبيد الله بن عمر, (عن نافع, عن ابن عمر): أن النبي صلى الله عليه وسلم زار البيت يوم النحر وصلى الظهر بمنى.

تابعه أحمد بن حنبل وغيره عن عبد الرزاق,.

وقال أبو عبد الله محمد بن يحيى الذهلي: حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا عبيد الله بن عمر, عن نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر, ثم رجع فصلى الظهر بمنى, قال نافع: وكان ابن عمر يفيض يوم النحر, ثم يرجع, فيصلي الظهر بمنى, ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله.

حدث به مسلم في "صحيحه" عن محمد بن رافع, عن عبد الرزاق مثله.

ومن طريق الذهلي خرجه البيهقي في "معارف السنن" وقال: ونحن لا نعلم في الأسانيد أصح من هذا. انتهى.


#210#

وهكذا حدث به عبد الرزاق في كتابه "المناسك" من "جامعه".

وقال البخاري في "صحيحه": وقال لنا أبو نعيم: حدثنا سفيان, عن عبيد الله, عن نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه طاف طوافاً واحداً, ثم يقيل, ثم يأتي منى. يعني: يوم النحر. هذا موقوف.

ثم قال البخاري: ورفعه عبد الرزاق عن عبيد الله.

فهذه إشارة من البخاري – والله أعلم – إلى أن ابن عمر رضي الله عنهما إنما فعله اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم حين رآه ابن عمر فعله، فرواية الثوري لفعل ابن عمر، ورواية عبد الرزاق لفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما هو مصرح به في رواية الذهلي و"صحيح مسلم" و"الجامع" لعبد الرزاق, فتعارض حديث ابن عمر هذا وحديث جابر المتقدم. وحديث عائشة لا يعارض إسناد حديث جابر الصحيح, فبقي التعارض بين حديث جابر وحديث ابن عمر وهما صحيحان, لكن قد يترجح خبر جابر بضميمة ظاهر رواية عائشة التي تقدمت قالت: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يوم النحر حين صلى الظهر, ثم رجع إلى منى, الحديث؛ لأن من وجوه الترجيحات كثرة العدد في أحد الجانبين حتى يرجحوا أحد الخبرين بضميمة مرسل أو منقطع إليه.

وإلى ترجيح رواية جابر ذهب أبو محمد بن حزم في كتابه "صفة حجة الوداع" بعد أن قال عن هذا الفصل المختلف فيه: حاشاً فصلاً


#211#

لم يلح لنا وجه الحقيقة في أي النقلين منهما.

وقال أيضاً: ولا شك أن أحد الخبرين وهم والثاني صحيح, ولا ندري أيهما هو؟

ثم قال: إلا أن الأغلب عندنا أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر في ذلك اليوم بمكة لوجوه: أحدها, اتفاق عائشة وجابر على ذلك, وأيضاً فإن حجة الوداع كانت في آزار, وهو وقت تساوي الليل والنهار, وقد دفع صلى الله عليه وسلم من مزدلفة قبل طلوع الشمس إلى منى, وخطب بها الناس, ونحر بدنا عظيمة, وتردد بها على الخلق, ورمى الجمرة, وتطيب, ثم أفاض إلى مكة فطاف بالبيت سبعاً, وشرب من زمزم, ومن نبيذ السقاية, وهذه أعمال يبدو في الأظهر أنها لا تنقضي في مقدار يمكن الرجوع من مكة إلى منى قبل الظهر ويدرك بها صلاة الظهر في أيام آزار, والله أعلم. انتهى.

وقد جمع بين الحديثين بأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف طواف الإفاضة قبل الزوال, ثم صلى الظهر بمكة في أول وقتها, ثم رجع إلى منى, فصلى بها الظهر مرة أخرى بأصحابه حين سألوه ذلك, فيكون متنفلاً بالظهر الثانية التي بمنى, والله أعلم.

وقد حدث ابن سعد في "الطبقات" عن عبد الوهاب بن عطاء, عن ابن جريج قال: أخبرنا ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر, فغدا غدواً قبل أن تزول الشمس, ثم رجع فصلى الصلوات بمنى.


#212#

$[مطلب: شرب ماء زمزم]$

وأما قول جابر رضي الله عنه: "فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم".

فروى أبو الوليد الأزرقي في كتابه "أخبار مكة" [قال: أخبرنا جدي], أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي. ح.

وقال أبو سعيد المفضل بن محمد الجندي في كتابه "أخبار مكة": حدثنا ابن أبي عمر, حدثنا مسلم, عن عبد الرحمن بن الحارث بن عباس, عن زيد بن علي, عن أبيه, عن عبيد الله بن أبي رافع, عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في حديث حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم, فدعا بسجل من ماء زمزم, فتوضأ, ثم قال: «انزعوا على سقايتكم يا بني عبد المطلب, فلولا أن تغلبوا عليها لنزعت معكم» هذا لفظ الأزرقي.

وهو في زيادات عبد الله ابن الإمام أحمد في "مسند أبيه" ولفظه: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم, فدعا بسجل من ماء زمزم, فشرب منه وتوضأ.

وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى السقاية


#213#

فاستسقى, فقال العباس: يا فضل, اذهب إلى أمك فأت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراب من عندها, فقال: «اسقني» فقال: يا رسول الله, إنهم يجعلون أيديهم فيه, قال: «اسقني» فشرب, ثم أتى زمزم وهم يستقون ويعملون فيها, فقال: «اعملوا, فإنكم على عمل صالح» ثم قال: «لولا أن تغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل على هذه» يعني على عاتقه, وأشار إلى عاتقه.

خرجه البخاري في "صحيحه".

وفي رواية: ثم ناولوه الدلو, فشرب.

وقال الشافعي: أخبرنا سفيان, أخبرنا عاصم الأحول, عن الشعبي, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بدلو من زمزم فنزع له فشرب وهو قائم.

تابعه الحميدي وأبو نعيم وغيرهما عن سفيان بنحوه.

وخرجه الطبراني في "معجمه الكبير" من حديث قطن بن نسير الذراع, حدثنا عبد الوارث بن سعيد, حدثنا ليث, عن عطاء وطاوس ومجاهد, عن جابر وابن عباس رضي الله عنهم قالا: قدمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا نريد إلا الحج فأهللنا بالحج، وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته يستلم الركن بمحجن كان معه, ثم عدل إلى السقاية فقال: «اسقوني منها», قال العباس: يا رسول الله, ألا نسقيك من شراب لم تمسه الأيدي؟ قال: «لا, اسقوني منها», ثم شرب وعدل إلى زمزم, فقال: «انزعوا لي منها دلواً», فنزعوا له دلواً, فأخذ حسوة فمضمض, ثم مجه في


#214#

الدلو, ثم قال: «أعيدوه فيها», فقال: «يا بني هاشم إنكم على عمل صالح, لولا أن تغلبوا عليه أو يتخذ سنة لأخذت معكم ...» وذكر الحديث.

وقال الإمام أحمد بن حنبل في "مسنده": حدثنا أبو أحمد, حدثنا مسعر, عن عبد الجبار بن وائل, عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بدلو من ماء زمزم فتمضمض, فمج فيه أطيب من المسك, أو قال: مسك, واستنثر خارجاً من الدلو.

أبو أحمد هو محمد بن عبد الله الزبيري.

وحدث به أحمد أيضاً عن أبي نعيم, حدثنا مسعر, عن عبد الجبار بن وائل قال: حدثني أهلي, عن أبي قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء زمزم, فشرب منه, ثم مج في الدلو, ثم صب في البئر أو شرب من الدلو, ثم مج في البئر, ففاح منها مثل ريح المسك.

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء, عن ابن جريج, عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أفاض نزع لنفسه بالدلو لم ينزع معه أحد, فشرب, ثم أفرغ ما بقي في الدلو في البئر, وقال: «لولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لم ينزع منها أحد غيري» قال: فنزع هو نفسه الدلو التي شرب منها لم يعنه على نزعها أحد.

وقال الإمام الشافعي في "مسنده": أخبرنا سفيان, عن عبد الله بن طاوس, عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض فأتى السقاية فقال للعباس:


#215#

«اسقني», فقال له: إن هذا شراب قد أثقل وخاضته الأيدي ووقع فيه الذباب, وعندنا في البيت شراب هو أصفى منه, فقال: «منه فاسقني» فشرب منه صلى الله عليه وسلم قال ابن طاوس: فكان أبي يقول: فشرب النبيذ من تمام الحج. هذا مرسل.

وقد تقدم أول الحديث من رواية أبي قرة اليماني, عن ابن جريج, عن ابن طاوس, ومن رواية عبد الوهاب بن عطاء, عن ابن جريج, عن هشام بن حجير أنه سمع طاوساً يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى زمزم فقال: «ناولني», فنوول دلواً فشرب منها, وذكر بقيته نحو ما تقدم.

والنبيذ: تمر وزبيب أو نحو ذلك, ينبذ في الإناء فينقع.

قال الشافعي: وسقي النبيذ في الجاهلية وعلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد إلى اليوم, غير أنا لا نشك فيما أتى إلينا من الأخبار أنهم إنما سقوه حلواً أو مجاوزاً للحلاوة قبل أن يسكر, فإذا بقي مسكراً فلا يحل شربه, فإذا كان غير مسكر فشربه أحب إلي.

رواه البيهقي في "المعارف" عن الشافعي.

وخرج أيضاً في "المعارف" من طريق أبي داود, من حديث حميد, عن بكر بن عبد الله قال: قال رجل لابن عباس رضي الله عنهما: ما بال أهل هذا البيت يسقون النبيذ, وبنو عمهم يسقون اللبن والعسل والسويق أبخل بهم أم حاجة؟ فقال ابن عباس: ما بنا من بخل وما بنا


#216#

من حاجة, ولكن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وخلفه أسامة بن زيد رضي الله عنهما فأتي بنبيذ, فشرب منه ودفع فضله إلى أسامة بن زيد فشرب, ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحسنتم وأجملتم, كذلك فافعلوا» فنحن لا نريد أن نغير ما قال رسول الله.

وخرجه مسلم في "صحيحه" من حديث يزيد بن زريع, عن حميد الطويل.

وخرجه الطبراني في "معجمه الكبير" من حديث سريج بن النعمان, حدثنا هذيل بن بلال, سمعت القاسم بن أبي بزة وعبد الله بن عبيد بن عمير, عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أعرابياً أتاه فاستسقاه فسقي نبيذاً فقال: ما شأن إخوانكم يسقون العسل واللبن .... الحديث بنحوه.

وقال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا روح, حدثنا ابن جريج، أخبرني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس وداود بن علي بن عبد الله بن عباس يزيد أحدهما على صاحبه: أن رجلاً نادى ابن عباس والناس حوله, فقال: أسنة تبتغون بهذا النبيذ, أم هو أهون عليكم من اللبن والعسل؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: جاء النبي صلى الله عليه وسلم عباساً, فقال: «اسقونا» فقال: إن هذا النبيذ شراب قد مغث ومرث أفلا نسقيك لبناً أو عسلاً؟ فقال: «اسقونا مما تسقوا منه الناس», فأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه من المهاجرين بسقائين فيهما النبيذ, فلما شرب النبي صلى الله عليه وسلم


#217#

عجل قبل أن يروى فرفع رأسه, فقال: «أحسنتم, هكذا فاصنعوا», قال ابن عباس رضي الله عنهما: فرضاً رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أحب إلي من أن تسيل شعابها لبناً وعسلاً.

تابعه محمد بن بكر, أخبرنا ابن جريج.


#218#

$[كساء النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة]$

وأظن – والله أعلم – أن النبي صلى الله عليه وسلم كسا البيت بعد طواف الإفاضة:

حدث ابن سعد في كتابه "الطبقات الكبرى" عن الواقدي بإسناد له عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه [قال]: كسا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته البيت الحبرات.

إلى هنا انتهى ما ذكرناه من الأحاديث الشاهدة لحديث جابر رضي الله عنه في حجة الوداع, والأحاديث التي في معنى ذلك.

وقد جرى في حجة الوداع قصص لها شأن غير مقيدة بمكان ولا زمان.

منها: ما روينا من حديث أبي بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي, حدثنا محمد بن يونس القرشي, حدثنا شاصونة بن عبيد أبو محمد اليمامي سنة عشر ومائتين بالجردة وقد انصرفنا من عدن, حدثني معرض بن عبد الله بن معرض بن معيقيب اليمامي, عن أبيه, عن جده معرض بن معيقيب رضي الله عنه قال: حججت حجة الوداع فدخلت داراً بمكة, فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن وجهه دارة القمر, فسمعت


#219#

عجباً, جاءه رجل من أهل اليمامة بصبي يوم ولد قد لفه في خرقة, فقال: «يا غلام, من أنا؟» فقال: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: «صدقت بارك الله فيك», قال: ثم إن الغلام لم يتكلم بعدها حتى شب, قال: قال أبي: كنا نسميه مبارك اليمامة.

تابعه أحمد بن عبيد الصفار وغيره عن الكديمي.

وقال أبو الحسن أحمد بن محمد بن منصور العتيقي: سمعت أبا عبد الله يعني عثمان بن جعفر العجلي مستملي ابن شاهين يقول: سمعت بعض شيوخنا يقول: [لما] أملى الكديمي هذا الحديث – يعني حديث شاصونة – استعظمه الناس وقالوا: هذا كذب, من هو شاصونة؟ فلما كان بعد وفاته جاء قوم من الرحالة ممن جاءوا من عدن فقالوا: دخلنا قرية يقال لها الجردة, فلقينا بها شيخاً, فسألناه: عندك شيء من الحديث؟ قال: نعم, فكتبنا عنه، قلنا: ما اسمك؟ قال محمد بن شاصونة بن عبيد, وأملى علينا هذا الحديث فيما أملى عن أبيه.


#220#

وذكر البيهقي في "الدلائل" عن شيخه أبي عبد الله الحاكم أنه قال: وقد أخبرني الثقة من أصحابنا عن أبي عمر الزاهد قال: لما دخلت اليمن دخلت جردة, فسألت عن هذا الحديث, فوجدت فيها لشاصونة أعقاباً وحملت إلى قبره فزرته. انتهى.

ورويناه في "معجم ابن جميع": حدثنا العباس بن محبوب بن عبيد أبو الفضل, [حدثنا أبي, حدثنا جدي شاصونة بن عبيد .... فذكره.

وقال البيهقي: ورواه أبو الفضل] أحمد بن خلف بن محمد المقرئ القزويني, عن أبي الفضل العباس بن محبوب بن شاصونة.

ثم قال: ولهذا الحديث أصل من حديث الكوفيين بإسناد مرسل في وقت الكلام.

ثم روى من طريق وكيع بن الجراح, عن الأعمش, عن شمر بن عطية, عن بعض أشياخه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بصبي قد شب لم يتكلم, قال: «من أنا؟» قال: رسول الله.

ورواه من طريق أحمد بن عبد الجبار, حدثنا يونس بن بكير, عن الأعمش, عن شمر بن عطية, عن بعض أشياخه قال: جاءت امرأة


#221#

بابن لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تحرك, فقالت: يا رسول الله, إن ابني هذا لم يتكلم منذ ولد, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أدنيه», فأدنته منه, فقال: «من أنا؟» فقال: أنت رسول الله.

وقد أضربنا عن تخريج القصص المطلقة مما بلغنا في الحجة ورويناه اكتفاء بما في معنى ذلك خرجناه, ونذكر الآن تتمة سيرة حجته صلى الله عليه وسلم إلى حين رجوعه إلى المدينة واستقراره بها حسبما تضمنته الأحاديث التي وقعت لنا.


#222#

$[رجوعه صلى الله عليه وسلم من طواف الإفاضة]$

لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من طواف الإفاضة وصلاة الظهر خطب خطبة يوم النحر بمنى.

وقد تقدم من رواية الواقدي من طريق عمارة بن حارثة, عن عمرو بن يثربي الضمري رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قبل التروية بيوم بعد الظهر ويوم عرفة بعرفة حين زاغت الشمس على راحلته قبل الصلاة, والغد من يوم النحر بعد الظهر.

وهذه الخطبة أعلم الناس فيها بحرمة يوم النحر وشهر ذي الحجة, وحرم مكة على جميع البلاد, وأوصاهم فيها بأنواع من أمور الإسلام.

وقبل ذلك أمر جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن يستنصت الناس.

صح من حديث أبي زرعة بن عمرو بن جرير, عن جده جرير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع: «استنصت الناس ....» الحديث.


#223#

وفتح الله تعالى لتلك الخطبة أسماع الناس حتى سمعها أهل منى في منازلهم.

قال مسدد في "مسنده": حدثنا عبد الوارث, عن حميد الأعرج, عن محمد بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن معاذ التيمي رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى ففتحت أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا, فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار فوضع أصبعيه السبابتين ثم قال: «بحصا الخذف», ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مقدم المسجد, وأمر الأنصار أن ينزلوا من فناء المسجد, ثم نزل الناس بعده.

وخرجه أبو داود عن مسدد [به], وخرجه النسائي بنحوه.

ومحمد بن إبراهيم التيمي لم يدرك عبد الرحمن بن معاذ بن عثمان بن عمر بن كعب التيمي وهو ابن عم طلحة.

وحدث بالحديث ابن سعد في "الطبقات" عن عبد الله بن عمر, عن أبي معمر المنقري، حدثنا عبد الوارث بن سعيد مولى بني العنبر، حدثنا حميد بن قيس المكي ... فذكره.


#224#

وحدث به مسدد أيضاً في "مسنده" عن سفيان, عن حميد الأعرج, عن محمد بن إبراهيم, عن رجل من بني تيم – ولم يسمه – قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فعلمنا مناسكنا, ونزل الناس منازلهم, فقال صلى الله عليه وسلم: «ينزل المهاجرون ههنا, وينزل الأنصار ههنا» ففتح الله عز وجل أسماعنا حتى كنا سمعنا في منازلنا, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ارموا الجمرة بمثل حصا الخذف».

وحدث به أبو داود في "سننه" عن أحمد بن حنبل, حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر, عن حميد الأعرج, عن محمد بن إبراهيم التيمي, عن عبد الرحمن بن معاذ, عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس بمنى, ونزلهم منازلهم, فقال: «لينزل المهاجرون ههنا» وأشار إلى ميمنة القبلة, «والأنصار ههنا» وأشار إلى ميسرة القبلة «ثم لينزل الناس حولهم».

وخرجه أبو سعيد المفضل بن محمد الجندي في كتابه "فضائل مكة" عن ابن أبي عمر, عن سفيان كنحو رواية مسدد عن سفيان.

وقال أيضاً: حدثنا ابن أبي عمر, حدثنا مسلم بن خالد, عن ابن جريج, عن الحسن بن مسلم, عن طاوس قال: كان منزل النبي صلى الله عليه وسلم بمنى على يسار مصلى الإمام, وكان منزل الأنصار خلف دار الإمارة وأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن انزلوا ههنا.


#225#

وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكيع, عن إسرائيل, عن جابر, عن أبي جعفر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل الشق الأيمن من منى.

وقال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا إسرائيل وزيد بن الحباب, أخبرني إسرائيل المعنى عن إبراهيم بن مهاجر, عن يوسف بن ماهك, عن أمه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله, ألا نبني لك بمنى بيتاً أو بناء يظلك من الشمس؟ فقال: «لا, إنما هو مناخ لمن سبق إليه».

وقال المفضل الجندي في كتابه "فضائل مكة": حدثنا صامت, حدثنا عبد المجيد, عن ابن جريج, عن إسماعيل بن أمية, أن خالد بن مضرس أخبره أنه رأى أشياخاً من الأنصار يتحرون مصلى النبي صلى الله عليه وسلم أمام المنارة قريباً منها.

وقال يزيد بن هارون: أخبرنا حجاج بن أرطأة, عن أبي يزيد مولى عبد الله بن الحارث, عن أم جندب الأزدية رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس, لا تقتلوا أنفسكم عند جمرة العقبة, وعليكم بمثل حصا الخذف».

قال حجاج: وقال عطاء: حصا الخذف مثل طرف الأصبع.


#226#

وخرج الإمام أحمد في "مسنده" منه حديث عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: «يا أيها الناس, أي يوم هذا؟» قالوا: يوم حرام. قال: «أي بلد هذا؟» قالوا: بلد حرام. قال: «أي شهر هذا؟» قالوا: شهر حرام. قال: «فإن أموالكم ودماءكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا», ثم أعادها مراراً, ثم رفع رأسه إلى السماء فقال: «اللهم هل بلغت؟» مراراً, وقال: «ألا ليبلغ الشاهد الغائب, لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض».

وهو في "صحيح البخاري", وعنده: ثم رفع رأسه, فقال: «اللهم هل بلغت؟».

وله شاهد من حديث عبد الله بن الزبير وغيره.

ورواه يزيد بن هارون, عن عاصم بن محمد بن زيد, عن أبيه, عن ابن عمر رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم بمنى: «أتدرون أي يوم هذا؟ ....» الحديث.

وقال عبد الرحمن بن جبلة: حدثني عمرو بن النعمان, عن كثير بن الفضل, عن مطرف بن عبد الله بن الشخير, سمعت عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: «أي يوم هذا؟» قلنا: يوم النحر. قال: «أي شهر هذا؟» قلنا: ذو الحجة, شهر [حرام]. قال: «فأي


#227#

بلد هذا؟» قلنا: بلد حرام. قال: «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا, ألا ليبلغ الشاهد الغائب».

وقال البخاري: قال هشام بن الغاز: أخبرنا نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج بها, وقال: «هذا يوم الحج الأكبر», فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم اشهد», فودع الناس قالوا: هذه حجة الوداع.

وما علقه البخاري حدث به ابن سعد في "الطبقات" عن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي, حدثنا الوليد بن مسلم, حدثنا هشام بن الغاز, أخبرني رافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما [أن النبي صلى الله عليه وسلم] وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج. فقال للناس: «أي يوم هذا؟» قالوا: يوم النحر, قال: «فأي بلد هذا؟» قالوا: البلد الحرام, قال: «فأي شهر هذا؟» قالوا: الشهر الحرام. فقال: «هذا يوم الحج الأكبر, فدماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة هذا البلد في هذا اليوم», ثم قال: «هل بلغت؟» قالوا: نعم, فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم اشهد» ثم ودع الناس, فقالوا: هذه حجة الوداع.


#228#

وروى أبو قرة موسى بن طارق الزبيدي عن زمعة – يعني ابن صالح, عن يعقوب بن عطاء, عن نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه حدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه وقف بين الجمرتين بمنى في الحجة التي حج وذلك يوم النحر, فقال في حديثه: «هذا يوم الحج الأكبر».


#229#

$[من خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمنى]$

ومن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ ما رويناه من حديث أبي صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث, حدثنا الفرج بن فضالة الدمشقي, عن لقمان بن عامر سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع, فحمد الله وأثنى عليه وسمعته يقول: «ألا لعلكم لا تروني بعد عامكم هذا» ثلاث مرات, فقام رجل طوال الشعر كأنه من رجال شنوءة, فقال: ما الذي نفعل يا رسول الله؟ قال: «اعبدوا ربكم وصلوا خمسكم, وصوموا شهركم, وحجوا بيتكم, وأدوا زكاتكم طيبة بها أنفسكم تدخلوا جنة ربكم».

ورواه أبو عبد الله محمد بن سلام البيكندي شيخ البخاري في كتابه "السنة" فقال: حدثنا معن بن عيسى القزاز, أخبرنا معاوية بن صالح, عن أبي يحيى سليم بن عامر, سمعت أبا أمامة رضي الله عنه يقول يوم حجة الوداع وهو راكب على الجدعاء قد جعل رجليه في غرز الرحل يتطاول يسمع الناس, فقال: «ألا تسمعون»؟ فقال رجل من طوائف


#230#

الناس لا يدرى من هو: بم تأمرنا, أو بم تعهد إلينا؟ فقال: «اعبدوا ربكم, وصلوا خمسكم, وصوموا شهركم, وأدوا زكاة أموالكم, وأطيعوا ذا أمركم, تدخلوا جنة ربكم».

وخرجه البخاري في "تاريخه الكبير" لسليم بن عامر أنه سمع أبا أمامة يقول في حجة الوداع وهو على الجدعاء, قد جعل رجليه في غرز الركاب تطاول يسمع الناس بطول صوته, فقال قائل من طوائف الناس: بماذا تعهد إلينا؟ قال: «اعبدوا ربكم, وصلوا خمسكم, وأدوا زكاة أموالكم, وأطيعوا أمراءكم, تدخلوا جنة ربكم» قال: قلت: مثل من أنت يومئذ؟ قال: أنا يومئذ ابن ثلاثين سنة أزاحم البعير حتى أزحزحه قدماً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وخرجه الترمذي من حديث سليم بنحوه, وقال: حديث حسن صحيح.

وقال أبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه": حدثنا الهيثم بن خارجة, حدثنا الوليد بن مسلم, عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر,


#231#

حدثني سليم بن عامر قال: قلت لأبي أمامة: ابن كم كنت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما سألني عنها أحد غيرك, كنت ابن ثلاث وثلاثين سنة, ولقد رأيتني وحضرت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجه الوداع, فجعل الرجل يقبل علي بصدر راحلته ليزيلني عن السماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأضع يدي في صدر الراحلة فأزيلها.

وقال الحسين بن إسماعيل: حدثنا إبراهيم بن هانئ, حدثنا أبو الوليد يعني الطيالسي, حدثنا عكرمة بن عمار, حدثني الهرماس بن زياد الباهلي رضي الله عنه قال: أبصرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي مردفي وراءه على جمل له وأنا صبي صغير, فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم على ناقته العضباء [و] يخطب الناس يوم الأضحى بمنى.

وحدث به أبو داود في "سننه" عن: هارون بن عبد الله هو أبو موسى الحمال, عن هشام بن عبد الملك الطيالسي. تابعهما أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي ومحمد بن سعد, عن أبي الوليد الطيالسي بنحوه.


#232#

وألزم الدارقطني الشيخين إخراجه في "الصحيح". ورواه أبو النضر هاشم بن القاسم التميمي ويقال الليثي عن عكرمة بن عمار مختصراً.

وخرجه النسائي في "سننه": عن إبراهيم بن يعقوب, عن أبي نوح عبد الرحمن بن غزوان, عن عكرمة بن عمار بنحوه.

وحدث النسائي أيضاً عن يعقوب بن إبراهيم, عن يحيى بن أبي زائدة وعن إسحاق بن منصور, عن أبي أسامة, كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد, عن أخيه, عن أبي كاهل رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على ناقة وحبشي آخذ بخطام الناقة.

ورواه يحيى بن محمد بن صاعد, فقال: حدثنا يوسف بن موسى, حدثنا أبو أسامة, حدثنا إسماعيل بن أبي خالد, عن أخيه, عن أبي كاهل عبد الله بن مالك رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم .... فذكره.

تابعهما محمد بن عثمان بن كرامة, عن أبي أسامة كذلك.

وحدث به أبو كريب, عن ابن نمير, عن إسماعيل, عن أخيه, عن أبي كاهل به ولم يسمه.

وحدث به ابن ماجه, عن محمد بن عبد الله بن نمير, عن وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد قال: رأيت أبا كاهل, وكانت له صحبة, فحدثني أخي عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم .. فذكره.


#233#

تابعه إسحاق بن راهويه عن وكيع كذلك.

ورواه يحيى بن عبد الحميد الحماني عن وكيع بنحوه.

وهو عند الحماني أيضاً عن المبارك, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن قيس بن عائذ رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم النحر على ناقة حمراء.

ورواه كذلك يحيى بن محمد بن صاعد, حدثنا يوسف بن موسى, حدثنا محمد بن عبيد, حدثنا إسماعيل بن أبي خالد, عن قيس بن عائذ نحوه.

وكذلك خرجه ابن ماجه في "سننه" عن محمد بن عبد الله بن نمير, عن محمد بن عبيد الطيالسي .... فذكره, ولم يذكر فيه أخو إسماعيل.


#234#

وروى الحديث إبراهيم بن موسى الرازي, أخبرنا عيسى بن يونس, عن إسماعيل, أخبرني أخي سعيد, عن أبي كاهل قيس بن عائذ الأحمسي .... فذكره بنحوه.

وفي هذا أن أبا كاهل اسمه قيس بن عائذ, وبه قال جماعة منهم عمرو بن علي الفلاس والبخاري في "تاريخه الكبير", ومسلم في كتابه "الكنى", وأبو بكر أحمد بن عبد الله البرقي في "تاريخه" وأبو عبد الله بن منده في كتابه "الكنى" وغيرهم.

وقيل: اسمه عبد الله بن مالك كما تقدم مصرحاً به في رواية أبي أسامة.

وقال أحمد بن آدم الجرجاني غندر: حدثنا يعقوب بن محمد الزهري, حدثنا سعيد بن أبي حيان الباهلي, حدثنا شبل بن نعيم الباهلي, حدثني عبد الله بن أبي مسقبة الباهلي قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع, فألفيته واقفاً على بعيره كأن ساقه في غرزة الجمار, فاحتضنتها فقرعني بالسوط, فقلت: القصاص يا رسول الله, فدفع إلي السوط, فقبلت ساقه ورجله.


#235#

هذا حديث غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه, قاله أبو عبد الله محمد ابن منده.

وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا سلمة بن نبيط, حدثني أبي – أو نعيم بن أبي هند, عن أبيه – قال: حججت مع أبي وعمي, فقال لي أبي: ترى ذاك صاحب الجمل الأحمر الذي يخطب؟ ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أبو هند هو النعمان بن أشيم الأشجعي رضي الله عنه.

وقال أبو العباس أحمد بن محمد الرقي: حدثنا محمد بن كثير, وأبو حذيفة, عن سفيان, عن سلمة بن نبيط, عن أبيه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على جمل أحمر.

ورواه مروان بن معاوية وغيره, عن أبي مالك الأشجعي, عن نبيط بن


#236#

شريط قال: كنت ردف أبي فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم. ... وذكره.

وخرج أبو محمد دعلج في كتابه "مسند المقلين": من حديث عاصم بن علي, حدثنا قيس بن الربيع, عن عثمان بن المغيرة الثقفي, عن أبي ليلى الكندي: سمعت رب هذه الدار حريزاً – أو أبا حريز – فقال: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب بمنى فوضعت يدي على رحله فإذا ميثرته ضائنة مسك ضائنة.

وخرجه أيضاً من حديث الحماني, حدثنا قيس, عن عثمان بن المغيرة, عن أبي ليلى: حدثني رب هذه الدار حريز أو أبو حريز: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فوضعت يدي على ميثرة رحله فإذا هو من جلدة شاة ضائنة.

وحدث به ابن سعد في "الطبقات": عن محمد بن مقاتل, أخبرنا عبد الله بن المبارك, حدثنا قيس بن الربيع .... فذكره.

تفرد به قيس بن الربيع.


#237#

وخرج أبو القاسم الطبراني في "معجمه الأوسط": من حديث عبد الله بن يوسف, حدثنا أبو معاوية, حدثنا هلال بن عامر, عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى على بغل عليه برد أخضر, ورجل من أهل بدر يعبر عنه, فجئت حتى أدخلت يدي بين قدمه وشراكه فجعلت أعجب من بردها.

وخرجه أبو داود في "سننه" حدث به عن مسدد, عن أبي معاوية.

تابعهما أحمد بن حنبل وإبراهيم بن أبي معاوية عن أبي معاوية هكذا.

ورواه محمد بن عبيد الطيالسي, عن شيخ من بني فزارة, عن هلال بن عامر, عن أبيه, عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وعامر لم يرو فيما ذكره الطبراني وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً غير هذا.

وقال أبو بكر محمد بن هارون الروياني في "مسنده": (حدثنا ابن إسحاق), حدثنا يعلى بن عبيد, حدثنا هلال بن عامر المزني, عن رافع بن عمرو المزني قال: إني يوم حجة الوداع خماسي أو سداسي,


#238#

فأخذ أبي بيدي حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة شهباء يخطب الناس, فتخللت الرجال حتى أقوم عند ركاب البغلة فأضرب بيدي كلتيهما على ركبتيه صلى الله عليه وسلم, فمسحت الساق حتى بلغت القدم, ثم أدخل يدي بين الركاب والقدم, فإنه ليخيل إلي الساعة أني أجد برد قدميه على كفي.

وعلقه أبو بكر أحمد بن عبد الله البرقي في "تاريخه" فقال: ذكر صالح الكوفي عن يعلى بن عبيد .... فذكر نحوه.

وخرجه أبو داود والنسائي لمروان بن معاوية الفزاري, عن هلال بن عامر, عن رافع به.

وقال أبو نعيم في "الحلية": حدثنا سليمان, حدثنا أحمد بن زكريا الإيادي بمدينة جبلة, حدثنا يزيد بن قيس, حدثنا عبد المجيد بن عبد الله بن أبي رواد, عن إبراهيم بن طهمان, عن الحكم بن عتيبة,


#239#

عن طاوس, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى يقول: «لو يعلم أهل الجمع بمن حلوا لاستبشروا بالفضل بعد المغفرة».


#240#

$[رمي النبي صلى الله عليه وسلم الجمار]$

وأقام النبي صلى الله عليه وسلم بمنى أيام التشريق يرمي كل يوم الجمار ماشياً بعد الزوال.

روى ابن جريج, عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمشي إلى الجمار.

خرجه عبد الرزاق في "جامعه" عن ابن جريج, وقال: أخبرنا الأسلمي, عن جعفر بن محمد, عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمار ماشياً ذاهباً وراجعاً, وكان يرميها عند زوال الشمس في أيام التشريق.

وحدث به ابن سعد في "الطبقات" عن مطرف بن عبد الله اليساري, حدثنا الزنجي ابن خالد, عن جعفر ... فذكره بنحوه.

وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رمى الجمار مشى إليها ذاهباً وراجعاً, خرجه الترمذي وصححه.


#241#

وهو في "مسند أحمد" عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم كان يرمي الجمرة يوم النحر راكباً وسائر ذلك ماشياً, ويخبرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.

وخرج البخاري في "صحيحه" فقال: وقال محمد: حدثنا عثمان بن عمر, أخبرنا يونس, عن الزهري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رمى الجمرة التي عند مسجد منى يرميها بسبع حصيات, بكبر كلما رمى بحصاة, ثم تقدم أمامها, فوقف مستقبل القبلة رافعاً يديه يدعو, وكان يطيل الوقوف, ثم يأتي الجمرة الثانية فيرميها بسبع حصيات, يكبر كلما رمى بحصاة, ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي, فيقف مستقبل القبلة رافعاً يديه يدعو, ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة فيرميها بسبع حصيات, يكبر عند كل حصاة, ثم ينصرف, ولا يقف عندها.

قال الزهري: سمعت سالم بن عبد الله يحدث بمثل هذا عن أبيه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وكان ابن عمر رضي الله عنهما يفعله.

ومحمد هذا الذي لم ينسبه البخاري: قال الحافظ أبو بكر البرقاني: قال بعض أصحابنا: رواه البخاري عن محمد بن يحيى.

وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر فيما وجدته بخطه على "أطراف


#242#

خلف" الواسطي: ورأيته أنا في بعض النسخ: محمد بن سلام, فالله أعلم.

قلت: ويحتمل أنه الذهلي كما حكاه البرقاني, فقد قال البخاري في كتاب الكفارات: حدثنا محمد بن عبد الله, حدثنا عثمان بن عمر.. وذكر حديثاً, فذكر الحاكم أبو عبد الله في كتاب "المدخل" أنه محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد الذهلي, نسبه إلى جده.

قلت: ولا يمتنع أن يكون محمد هذا هو ابن إسحاق الصاغاني, فإن البيهقي روى هذا الحديث في "معارف السنن" من حديث أبي العباس محمد ين يعقوب, حدثنا محمد بن إسحاق الصاغاني, أخبرني عثمان بن عمر, أخبرنا يونس, عن الزهري .... فذكره.

لكن الصاغاني هذا معدود من رجال مسلم, فالله أعلم.

وتقدم لحديث ابن عمر هذا شاهد من حديث ابن مسعود وجابر وقدامة بن عبد الله الكلابي وعائشة وأم الحصين رضي الله عنهم.

وقال أبو بكر محمد بن هارون الروياني في "مسنده": حدثنا علي بن سهل الرملي, حدثنا الوليد, حدثنا حماد بن سلمة, عن أبي غالب, عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: عرض رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند رميته الجمرة الأولى, فقال: يا رسول الله, أي الجهاد أفضل؟ قال: فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما رمى الجمرة الثانية عرض له رجل وسأله,


#243#

فأعرض عنه, فلما رمى جمرة العقبة فوضع رجله في الغرز ليركب قال: «أين السائل؟» قال: أنا ذا يا رسول الله, قال: «كلمة حق عند ذي سلطان جائر».

تابعه وكيع وغيره عن حماد.

وقال أبو علي حامد بن محمد الرفا, أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد العزيز, حدثنا عمر بن عبد الوهاب الرياحي, حدثنا يزيد بن زريع, حدثنا روح بن القاسم, عن إسماعيل بن أمية, عن عمر بن عطاء بن أبي الخوار, عن عبيد ابن جريج, عن الحارث بن البرصاء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يمشي بين جمرتين من الجمار وهو يقول: «من أخذ شيئاً من مال امرئ مسلم بيمين فاجرة فليتبوأ بيتاً في النار».


#244#

$[الخطبة الرابعة ونزول سورة النصر]$

وفي أوسط أيام التشريق خطب النبي صلى الله عليه وسلم الخطبة الرابعة وهي آخر خطب الحج الأربع.

قال إسماعيل بن أبي أويس: حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن خالد بن سعيد بن أبي مريم, عن أبيه, عن جده, سمعت أبا مالك الأشعري رضي الله عنه يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع في وسط أيام الأضحى: «أليس هذا يوم حرام؟» قالوا: بلى.

حدث به الحافظ أبو نعيم فقال: حدثنا سليمان بن أحمد, حدثنا عباس بن الفضل, حدثنا إسماعيل بن أبي أويس .... فذكره.

وقال الطبراني في "معجمه الأوسط": حدثنا أبو مسلم الكشي, حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد, حدثنا ربيعة بن عبد الرحمن بن حصن الغنوي, حدثتني سري بنت نبهان – وكانت ربة بيت في الجاهلية – قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع: «هل تدرون أي يوم هذا؟» قالت: وهو اليوم الذي يدعونه يوم الرؤوس


#245#

قالوا: الله ورسوله أعلم, قال: «إن هذا أوسط أيام التشريق», قال: «هل تدرون أي بلد هذا؟» قالوا: الله ورسوله أعلم, قال: «هذا المشعر الحرام», ثم قال: «إني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا, ألا وإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام, كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا حتى تلقوا ربكم فيسألكم عن أعمالكم, ألا فليبلغ أدناكم أقصاكم, ألا هل بلغت؟», فلما قدم المدينة لم يلبث إلا قليلاً حتى مات صلى الله عليه وسلم.

خرجه بنحوه البخاري في كتابه "خلف أفعال العباد" فحدث به عن أبي عاصم مختصراً.

وحدث به ابن سعد في "الطبقات" مطولاً عن أبي عاصم, ولا يعرف إلا به, وسري بفتح السين المغفلة وبإمالة الراء المضعفة.

وكذلك خرجه أبو داود, وقال: وكذلك قال عم أبي حرة الرقاشي أنه صلى الله عليه وسلم خطب أوسط أيام التشريق. انتهى.

وعم أبي حرة هذا صحابي مختلف في اسمه فقيل: حكيم بن أبي يزيد, وقيل: عامر بن عبدة, وقيل: ابن عبيدة, وقيل: اسمه حنيفة.

وخرج أبو داود من حديث عبد الله بن أبي نجيح يسار المكي, عن أبيه, عن رجلين من بني بكر, قالا: رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب من أوسط أيام التشريق ونحن عند راحلته وهي خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي خطب بمنى.


#246#

وقال يعقوب بن إبراهيم الدورقي: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم, حدثنا سعيد الجريري, عن أبي نضرة قال: حدثني – أو قال: حدثنا – من شهد خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى في وسط أيام التشريق وهو على بعير فقال: «يا أيها الناس ألا إن ربكم عز وجل واحد, ألا وإن أباكم واحد, ألا لا فضل لعربي على أعجمي, ألا لا فضل لأسود على أحمر إلا بالتقوى, ألا قد بلغت؟» قالوا: نعم, قال: «ليبلغ الشاهد الغائب».

خرجه الإمام أحمد في "مسنده".

وسمي هذا المبهم من الصحابة في طريق [رواها] أبو الفضل يوسف بن يعقوب بن إسماعيل الأطروش البصري, حدثنا العلاء بن مسلمة, حدثنا شيبة أبو قلابة القيسي, عن الجريري, عن أبي نضرة, عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق خطبة الوداع فقال: «يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد ....» الحديث, وفيه زيادة.

وحدث به الحسن بن سفيان عن العلاء بنحوه.

وخرج البيهقي من حديث موسى بن عبيدة الربذي, عن صدقة بن


#247#

يسار, عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أنزلت هذه السورة {إذا جاء نصر الله والفتح} على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق وعرف أنه الوداع, فأمر براحلته القصواء فرحلت, واجتمع الناس, فقال: «يا أيها الناس ....» ثم ذكر الحديث في خطبته.

وخرجه أبو بكر محمد بن هارون الروياني في "مسنده" فقال: حدثنا محمد بن معمر, حدثنا بهلول. ح.

وحدثنا محمد بن إسحاق حدثنا مكي بن إبراهيم, قالا: حدثنا موسى بن عبيدة, أخبرني صدقة بن يسار وعبد الله بن دينار, عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: تنزلت هذه السورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا جاء نصر الله والفتح} فعرف أنه وداع, فأمر براحلته القصواء, فرحلت, ثم ركب, فوقف الناس بالعقبة, واجتمع عليه ما شاء الله من المسلمين, فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله, ثم قال «أما بعد, أيها الناس, فإن كل دم كان في الجاهلية فهو هدر, وأول دمائكم أهدر دم ربيعة بن الحارث, وكان مسترضعاً في بني ليث فقتله هذيل ...» وذكر الخطبة بطولها نحو ما تقدم في خطبته صلى الله عليه وسلم بنمرة.

[و] قال الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد: أخبرنا أبو حفص الفاروق بن عبد الكبير, حدثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله البصري, حدثنا حجاج بن منهال, حدثنا عطاف بن خالد المخزومي,


#248#

حدثنا إسماعيل بن رافع المديني, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت جالساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الخيف من منى فأتاه رجل من الأنصار, ورجل من ثقيف, فدعوا له دعاء خفياً, ثم قالا: جئناك نسألك. قال: «إن شئتما أخبرتكما بما جئتما تسألاني, وإن شئتما أن أمسك وتسألاني فعلت».

فقالا: أخبرنا نزدد إيماناً أو يقيناً – الشك من قبل إسماعيل – قال الأنصاري للثقفي: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: بل أنت فسل, فإني أعرف لك حقك, فقال الأنصاري: أخبرني يا رسول الله.

قال: «جئت تسألني عن مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام وما لك فيه, وعن طوافك بالبيت وما لك فيه, وعن الركعتين بعد الطواف وما لك فيهما, وعن طوافك بين الصفا والمروة وما لك فيه, وعن وقوفك عشية عرفة وما لك فيه, وعن رميك الجمار وما لك فيه, وعن نحرك وما لك فيه, وعن حلقك رأسك وما لك فيه, وعن طوافك بالبيت بعد ذلك – يعني الإفاضة – وما لك فيه».

قال: إي والذي بعثك بالحق لعن هذا جئت أسألك.

قال: «فإنك إذا خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام لم تضع ناقتك خفاً ولا ترفعه إلا كتب الله لك بها حسنة, ومحا عنك بها خطيئة, وأما طوافك بالبيت فإنك لا تضع رجلاً ولا ترفعها إلا كتب الله لك بها حسنة ومحا عنك بها خطيئة, ورفع لك بها درجة, وأما ركعتاك بعد الطواف فعتق رقبة من بني إسماعيل, وأما طوافك بين الصفا والمروة فكعتق سبعين رقبة, وأما وقوفك عشية عرفة فإن الله عز وجل يهبط


#249#

إلى السماء الدنيا يباهي بكم الملائكة يقول: هؤلاء عبادي جاءوني شعثاً شفعاً, جاءوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ومغفرتي, فلو كانت ذنوبكم عدد الرمل أو كعدد القطر أو كزبد البحر لغفرتها لكم, أفيضوا عبادي مغفوراً لكم ولمن شفعتم له, وأما رميك الجمار فبكل حصاة رميتها – يعني – غفران كبيرة من الكبائر الموبقات الموجبات, وأما نحرك فمدخور لك عند ربك, وأما حلاقك رأسك فبكل شعرة حلقتها حسنة وتمحى عنك بها خطيئة».

قال: يا رسول الله, فإن كانت الذنوب أقل من ذلك؟

قال: «إذن يدخر لك في حسناتك, وأما طوافك بالبيت بعد ذلك فإنك تطوف ولا ذنب لك, يأتي ملك حتى يضع يده بين كتفيك ثم يقول: اعمل لما يستقبل فقد غفر لك ما مضى».

وخرجه أبو القاسم الطبراني في كتابه "الطوالات" من حديث حجاج بن منهال ومسدد, عن العطاف بن خالد.

تابعهم الليث بن سعد, وهشام بن عمار, ومسلم بن إبراهيم, ويعقوب بن أبي عباد, وسعيد بن منصور, والحماني, وأحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي وغيرهم عن العطاف بن خالد, وهو من أفراده, وشيخه إسماعيل متروك لم يدرك أنساً.

ورواه أبو معاذ سليمان بن خالد البلخي, عن إسماعيل بن رافع, عن


#250#

محمد بن أبي بكر, عن أنس قال: كنا جلوساً مع النبي صلى الله عليه وسلم .... فذكره نحوه.

ورواه آدم بن أبي إياس, عن أبي شيبة شعيب بن رزين, عن عطاء الخراساني مرسلاً.

ورواه ليث بن أبي سليم, عن القاسم بن أبي بزة معضلاً.

ورواه الدبري عن عبد الرزاق, عن ابن مجاهد, عن أبيه, عن ابن عمر قال: جاء رجلان, أنصاري وثقفي .... وذكر نحو الحديث.

تابعه خلاد بن يحيى عن عبد الوهاب – هو ابن مجاهد – وهو ضعيف جداً.

وله طريق أخرى إلى مجاهد.


#251#

$[فضل مسجد الخيف]$

وقال أبو حاتم محمد بن حبان في "صحيحه": أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى, حدثنا محمد بن الصباح الدولابي, حدثنا هشيم, أخبرنا يعلى بن عطاء, عن جابر بن يزيد [بن] الأسود العامري, عن أبيه, قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجته, فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف من منى, فلما قضى صلاته إذا برجلين في آخر الناس لم يصليا فأتي بهما ترعد فرائصهما, فقال: «ما منعكما أن تصليا معنا؟» قالا: يا رسول الله كنا قد صلينا في رحالنا, قال: «فلا تفعلا, إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة».

هذا الحديث قد قدمناه بتعليل من عرفة قبل ذكرنا وقوف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة, ثم ذكرناه عند ذكر أفعاله صلى الله عليه وسلم أيام التشريق؛ لأنه لم يلح لنا في أي الوقتين كان هذا على التحقيق, والله أعلم. .

قال أبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه": حدثنا سريج بن النعمان, حدثنا حماد بن سلمة, عن كلثوم بن جبر, عن خثيم بن مروان, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: [قال] رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تشد المطي إلى ثلاثة مساجد: مسجد الخيف, ومسجدي, والمسجد الحرام».


#252#

قال أبو هريرة: لو كنت ساكناً مكة لأتيته كل يوم مرة, فإن لم أفعل ففي كل يومين, فإن لم أفعل ففي كل جمعة. يعني: مسجد منى.


#253#

$[رحيله صلى الله عليه وسلم إلى المحصب بعد أيام التشريق]$

وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام التشريق الثلاثة يرمي الجمار ثم أفاض إلى المحصب:

وخرج الإمام أحمد في "مسنده" من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر [يومه] يوم النحر حين صلى الظهر, ثم رجع إلى منى, فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس .... الحديث.

وخرجه أبو داود [و] ابن حبان في "صحيحه" والحاكم في "مستدركه" وقد تقدم.

وقال البخاري في "صحيحه": ويذكر عن أبي حسان عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت أيام منى.

أبو حسان هو مسلم بن عبد الله الأعرج الأحرد البصري.


#254#

وقال عبد الرزاق في "مصنفه": أخبرنا معمر, عن ابن طاوس, عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض ليالي منى كلها.

وحدث به أبو داود في "المراسيل" عن ابن خلاد, عن يحيى, عن ابن جريج, عن ابن طاوس, عن أبيه قال: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفيض كل ليلة من ليالي منى.

قال أبو داود: قد أسند.


#255#

$[إرداف النبي صلى الله عليه وسلم للشريد بن سويد خلفه]$

وفي طريق إفاضته إلى المحصب أردف صلى الله عليه وسلم الشريد بن سويد الثقفي رضي الله عنه. كما قدمنا في أوائل الكتاب من طريق أبي يونس القشيري, حدثنا سماك بن حرب: أن عمرو بن رافع حدثه وكان مولى لأبي سفيان أن الشريد رضي الله عنه بينما هو يمشي بين منى والشعب في حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي حج قال: فإذا وقع ناقة خلفي فالتفت, فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفني, فقال: «الشريد؟» قلت: نعم, قال: «ألا أحملك خلفي يا شريد؟» قلت: بلى يا رسول الله, ما بي إعياء ولا لغوب, ولكن ألتمس البركة في مركبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: «يا شريد, هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت؟ ...».

الحديث تقدم بطوله مع بعض طرقه, وأبو يونس القشيري هو حاتم بن أبي صغيرة مسلم القشيري البصري.

أخبرنا المسند الكبير أبو هريرة عبد الرحمن بن الذهبي, أخبرنا القاسم بن مظفر الطبيب, أخبرنا علي بن أبي عبد الله السلامي حضوراً وأبو الحسن محمد بن القطيعي ومحمد بن عبد الواحد بن المتوكل


#256#

إجازة أن أبا بكر محمد بن عبيد الله بن الراعوني أنبأهم, زاد السلامي فقال: وأنبأنا نصر بن نصر العكبري: ح.

وأخبرنا أبو هريرة, حدثنا القاسم بن محمد الحافظ, أنبأنا إبراهيم بن علي الواسطي, وعبد الرحمن بن أحمد المقدسي, ومحمد بن مؤمن الصوري, قالوا: أخبرنا داود بن أحمد أبو الفتوح, أخبرنا محمد بن عبيد الله بن الرطبي, ح.

وقال الواسطي والمقدسي أيضاً: وأخبرنا الحسن بن إسحاق بن موهوب, أخبرنا محمد بن عبد الله بن الراعوني, قال هو ونصر العكبري وابن الرطبي: أخبرنا علي بن أحمد البندار, أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الذهبي, حدثنا يحيى بن محمد – يعني ابن صاعد – حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري, حدثنا أبو أسامة, حدثنا حاتم بن أبي صغيرة, عن سماك بن حرب, عن عمرو بن رافع, عن الشريد الهمداني وأخواله ثقيف, قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع, فبينا أنا أمشي ذات يوم إذا وقع ناقة خلفي, فالتفت, فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «الشريد؟» فقلت: نعم. قال: «ألا أحملك؟» قلت: بلى, وما بي من إعياء ولا لغوب ولكني أردت البركة في ركوبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأناخ فحملني فقال: «أمعك من شعر أمية بن أبي الصلت؟» قلت: نعم, قال: «هات», فأنشدته, قال: أظنه قال مائة بيت, قال: فقال: «عند الله علم أمية بن أبي الصلت, عند الله عز وجل علم أمية بن أبي الصلت».


#257#

$[إفاضة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المحصب وضرب القبة له]$

وكانت إفاضته صلى الله عليه وسلم إلى المحصب يوم الثلاثة بعد الظهر.

والمحصب: هو خيف بني كنانة في الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح وهو منه كما تقدم.

وقال أبو زكريا النووي رحمه الله عن المحصب: وهو ما بين الجبل الذي عنده مقابر مكة والجبل الذي يقابله مصعداً في الشق الأيسر وأنت ذاهب إلى منى مرتفعاً عن بطن الوادي, وليست المقبرة منه, والله أعلم. انتهى.

وحدث أبو داود والنسائي: عن محمود بن خالد, عن عمرو بن عبد الواحد, عن الأوزاعي, عن الزهري, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين أراد أن ينفر من منى: «نحن نازلون غداً بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر» ... الحديث.

وأصله في "الصحيحين" عن الأوزاعي.


#258#

فلما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المحصب وجد مولاه أبا رافع قد ضرب قبته صلى الله عليه وسلم هناك, ولم يأمره.

روى سفيان بن عيينة, عن صالح بن كيسان, سمع سليمان بن يسار يحدث عن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا ضربت قبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأمرني فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فنزل – يعني بالأبطح – وهو المحصب.

خرجه مسلم في "صحيحه" وأبو داود في "سننه" لسفيان بن عيينة بنحوه.

وصح أيضاً عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنهما قالت: نزول الأبطح ليس بسنة, إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان أسمح لخروجه إذا خرج.

وعن الزهري, عن سالم أن أبا بكر وعمر وابن عمر رضي الله عنهم كانوا ينزلون الأبطح.

قال الزهري: وأخبرني عروة, عن عائشة رضي الله عنها أنها لم تكن تفعل ذلك, وقالت: إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان منزلاً أسمح لخروجه.


#259#

وعن سفيان بن عيينة, عن عمرو, عن عطاء, عن ابن عباس قال: ليس التحصيب بشيء, إنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وخرج الطبراني في "معجمه الكبير" من حديث أحمد بن صالح, حدثنا ابن وهب, أخبرني عمرو بن الحارث أن أبا الزبير أخبره أن عبد الله ابن العباس رضي الله عنهما كان يقول: ما الإناخة بالمحصب شيئاً, إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما انتظر به عائشة حتى تأتي.


#260#

$[طواف الوداع]$

وخرج أحمد في "مسنده" عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالبطحاء, ثم هجع هجعة, ثم دخل مكة.

وخرجه أبو داود.

وهو في "صحيح البخاري" و"سنن النسائي" من حديث عمرو بن الحارث المصري, عن قتادة أن أنس بن مالك رضي الله عنه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء, ثم رقد رقدة بالمحصب, ثم ركب إلى البيت, فطاف به.

تابعه سعيد هو ابن أبي عروبة, عن قتادة.


#261#

وهذا الطواف هو طواف الوداع, ويقال له طواف الصدر أيضاً كما يقال لطواف الإفاضة.

وطواف الوداع طافه النبي صلى الله عليه وسلم في سحر تلك الليلة, وأمر الناس به.

خرج مسلم في "صحيحه": من حديث سليمان الأحول, عن طاوس, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الناس ينصرفون في كل وجه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينفرن أحدكم حتى يكون [آخر عهده بالبيت».

ومن حديث ابن طاوس, عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أمر الناس أن يكون] آخر عهدهم بالبيت, إلا أنه خفف عن المرأة الحائض.

زاد أحمد في "مسنده": إلا أنه خفف عن المرأة الحائض أن تصدر قبل أن تطوف بالبيت إذا كانت قد طافت في الإفاضة.

وخرجه البخاري مختصراً من حديث طاوس, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رخص للحائض أن تنفر إذا أفاضت.


#262#

$[حيض صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم, ورغبة عائشة في العمرة]$

وحينئذ أخبر صلى الله عليه وسلم أن صفية قد حاضت, ورغبت إليه عائشة أن يعمرها.

صح عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم حاضت فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: «أحابستنا هي؟» قالوا: إنها قد أفاضت. قال: «فلا إذن».

ورواه جرير, عن مغيرة, عن إبراهيم, عن الأسود, عن عائشة رضي الله عنها قالت: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية وهي تبكي وهي حائض, فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعلك حابستنا؟» قالت: أجل, قال: «طفت يوم النحر؟» قالت: نعم, قال: «فانفري فإنك قد فرغت».

وحدث به جرير أيضاً عن منصور, عن إبراهيم, عن الأسود, عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى إلا أنه الحج, فلما قدمنا تطوفنا بالبيت, فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل, فحل من لم يكن ساق الهدي, ونساؤه لم يسقن فأحللن, قالت عائشة رضي الله عنها: فحضت فلم أطف بالبيت, فلما كانت ليلة الحصبة قلت: يا رسول الله, يرجع الناس بحجة وعمرة وأرجع أنا بحجة؟ قال: «وما طفت ليالي قدمنا مكة؟!» قلت: لا, قال: «فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم, فأهلي بعمرة, ثم موعدك كذا وكذا», فقالت صفية: ما أراني إلا حابستهم, قال: «عقرى حلقى أوما طفت يوم النحر؟!», قالت:


#363#

قلت: بلى, قال: «لا بأس انفري». قالت عائشة: فلقيني النبي صلى الله عليه وسلم وهو مصعد من مكة وأنا منهبطة عليها أو أنا مصعدة وهو منهبط منها.

تكلموا في هذا الشك أيهما الصواب, فقال أبو محمد بن حزم: والذي لا شك فيه أنها كانت مصعدة من مكة وهو منهبط؛ لأنها تقدمت إلى العمرة, وانتظرها صلى الله عليه وسلم حتى جاءت, ثم نهض إلى طواف الوداع, فلقيها منصرفة إلى المحصب عن مكة.

وقال أبو العباس ابن تيمية فيما وجدت بخطه: الصواب – والله أعلم – وهو مصعد من مكة خارجاً منها وأنا منهبطة أي داخلة, فإنه لم يرجع بعد التوديع إلى المحصب, ولا عائشة أيضاً بل ودعت ورجعت, ومكة لا ينهبط أحد منها, بل يصعد منها, فإنها في الوادي, والراوي هو الذي شك, مع أنه قد يراد بالانهباط الخروج منها, ومراده باللفظين له: أنا دخلنا إلى مكة وهو خارج منها. انتهى.

وقال البخاري في "صحيحه": حدثنا علي بن عبد الله, حدثنا سفيان, عن عمرو [سمع عمرو] بن أوس أن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أخبره: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يردف عائشة ويعمرها من التنعيم.

وحدث به أبو بكر بن أبي خيثمة في "التاريخ" عن أبيه وحامد بن يحيى, قالا: حدثنا ابن عيينة .... فذكره.


#264#

وفي رواية عن القاسم, عن عائشة رضي الله عنها قالت: فنزلنا المحصب, فدعا عبد الرحمن, فقال: «اخرج بأختك الحرم فلتهل بعمرة, ثم افرغا من طوافكما أنتظركما هاهنا» فأتينا في جوف الليل فقال: «فرغتما؟» قلت: نعم, فنادى بالرحيل في أصحابه, فارتحل الناس ومن طاف بالبيت قبل صلاة الصبح, ثم خرج موجهاً إلى المدينة.

وخرج النسائي وابن ماجه من حديث عمار بن رزيق, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن الأسود, عن عائشة رضي الله عنها قالت: أدلج النبي صلى الله عليه وسلم من البطحاء ليلة النفر إدلاجاً.


#265#

$[إتيان الملتزم]$

واختلف هل وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الملتزم بعد وداعه للبيت أم لا.

وقد خرج الدارقطني في "سننه": من حديث يزيد العدني, حدثنا سفيان [عن المثنى], عن عمرو بن شعيب, عن أبيه, عن جده عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلصق وجهه وصدره بالملتزم.

تابعه ابن جريج, عن عمرو بن شعيب, عن أبيه قال: طاف محمد بن عبد الله بن عمرو مع أبيه عبد الله [بن عمرو] بن العاص, فلما كان في السابع أخذ بيده إلى دبر الكعبة, فجبذه وقال: أعوذ بالله من النار, ثم مضى حتى أتى الركن, فاستلمه, ثم قام بين الركن والباب, فألصق صدره ووجهه بالبيت, وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل.


#266#

خرجه أبو داود في "سننه" فقال: [حدثنا مسدد], حدثنا عيسى بن يونس, حدثنا المثنى بن الصباح, عن عمرو بن شعيب, عن أبيه قال: طفت مع عبد الله, فلما جئنا دبر الكعبة قلت: ألا تتعوذ؟ قال: نعوذ بالله من النار, ثم مضى حتى استلم الحجر, فأقام بين الركن والباب, فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما بسطاً, ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله.

وحدث به أبو الوليد الأزرقي عن القعنبي, عن عيسى بنحوه.

وقال أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل في كتاب "الآحاد والمثاني": حدثنا يوسف بن موسى, حدثنا جرير, عن يزيد بن أبي زياد, عن مجاهد, عن عبد الرحمن بن صفوان, قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت, فلما خرج سألت من كان معه, فقالوا: صلى ركعتين عند السارية الوسطى عن يمينها, ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتزم البيت ما بين الحجر والباب.


#267#

$[الخروج من مكة]$

ولما خرج صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام بعد طواف الوداع خرج من باب الحناطين الذي يقال له باب الحزورة, كما قدمناه من رواية عبد الله بن نافع, عن مالك, [عن نافع], عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلنا معه من باب بني عبد مناف, وهو الذي يسميه الناس باب بني شيبة, وخرجنا معه إلى المدينة من باب الحزورة, وهو باب الحناطين.

وصح عن عائشة أنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى مكة دخلها من أعلاها وخرج من أسفلها.

وله شاهد من حديث ابن عمر, حدث عبيد الله بن عمر, عن نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة من كداء من الثنية العلياء التي بالبطحاء وخرج من الثنية السفلى.

كداء: وزان سحاب, هي الثنية التي تشرف على الحجون وتنحدر منها إلى المقبرة التي في أصل الحجون, وتسمى عقبة باب المسلاة,


#268#

وقد ذكرناها قبل, ولا تنصرف إعراباً, وقال أبو زكريا النووي: ويجوز الصرف على إرادة الموضع. انتهى.

والثنية السفلى يقال لها (كدى) بالقصر والتنوين مع ضم الكاف وهي بالمسفلة من مكة, ومن المعلاة إلى المسفلة نحو ميلين وهو طول مكة من الحد الجنوبي إلى الشمالي.

وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى ذي طوى فبات بها حتى أصبح, ذكره ابن عمر رضي الله عنهما ثم ارتحل صلى الله عليه وسلم قاصداً إلى المدينة, فكانت مدة إقامته صلى الله عليه وسلم بمكة منذ دخلها إلى أن خرج منها متوجهاً إلى المدينة عشرة أيام كما تقدم في حديث أنس, وكان أولها يوم الأحد رابع ذي الحجة, وآخرها يوم الثلاثاء ثالث عشر ذي الحجة على خلاف في ذلك.


#269#

$[عدم دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة في حجه]$

وفي هذه الحجة لم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم جوف الكعبة على الصحيح.

قال أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي: حدثني جدي, سمعت سفيان يقول: سمعت غير واحد من أهل العلم يذكرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما دخل الكعبة مرة واحدة عام الفتح, ثم حج فلم يدخلها.

وقال الواقدي: حدثنا شيبان بن عبد الرحمن, عن جابر, عن أبي يحيى, عن قزعة, عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوماً ودخل البيت وعليه كآبة, فقلت: مالك يا رسول الله؟! قال: «فعلت اليوم أمراً ليتني لم أكن فعلته, دخلت البيت, ولعل الرجل من أمتي لا يقدر أن يدخله فينصرف وفي نفسه حزازة, وإنما أمرنا بالطواف ولم نؤمر بالدخول».

وخرجه الترمذي من طريق إسماعيل بن عبد الملك – هو ابن أبي الصفراء – عن ابن أبي مليكة, عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم من عندي وهو قرير العين طيب النفس, فرجع إلي وهو حزين, فقلت له, فقال: «إني دخلت الكعبة, ووددت أني لم أكن فعلت».

هذا حديث حسن صحيح, قاله الترمذي.


#270#

وخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم في "مستدركه" وصححه.

وإسماعيل: ضعفه ابن معين وغيره, لكن قال البخاري: يكتب حديثه.

وقال طاهر بن خالد بن نزار: حدثنا أبي, حدثنا عمر بن قيس, عن عبد الرحمن بن القاسم, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله, كل أزواجك دخل الكعبة غيري؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «ادخلي الحجر فصلي فيه حتى تمس البيت عقصتك إذا سجدت وكل ذلك من البيت».

وحدث أحمد بن حنبل في "مسنده" عن حسن – هو ابن موسى الأشيب – حدثنا حماد بن سلمة, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله كل أهلك قد دخل البيت غيري. فقال: «أرسلي لي شيبة فيفتح لك الباب» فأرسلت


#271#

إليه, فقال شيبة: ما استطعنا فتحه في جاهلية ولا إسلام بليل, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صلي في الحجر, فإن قومك استقصروا عن بناء البيت حين بنوه».

وحدث به يحيى بن أبي طالب فقال: حدثنا علي بن عاصم, أخبرنا عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله, كل نسائك قد دخلن البيت غيري, قال: «فاذهبي إلى ذي قرابتك», قالت: فأتيته, فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تفتح لي, قالت: فاحتمل المفتاح, ثم ذهب معها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله, والله ما فتحت الباب بليل في الجاهلية ولا في الإسلام, فقال لعائشة رضي الله عنها: «إن قومك حين بنو البيت قصرت بهم النفقة, فتركوا بعض البيت في الحجر, فاذهبي فصلي في الحجر ركعتين».

خرجه البيهقي في "سننه" من طريق يحيى بن أبي طالب.


#272#

$[عود النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة]$

ولما توجه النبي صلى الله عليه وسلم نحو المدينة لقي ركباً بالروحاء فسلم عليهم.

والروحاء قرية جامعة من عمل الفرع على ليلتين من المدينة بينهما نحو من أربعين ميلاً.

حدث الشافعي, عن سفيان بن عيينة, عن إبراهيم بن عقبة, عن كريب مولى ابن عباس, عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قفل, فلما كان بالروحاء لقي ركباً فسلم عليهم وقال: «من القوم؟» فقالوا المسلمون, فمن القوم؟ فقال: («رسول الله صلى الله عليه وسلم»), فرفعت إليه امرأة صبياً لها من محفة, فقالت: يا رسول الله, ألهذا حج؟ قال: «نعم, ولك أجر».

رواه دون لفظه: (قفل) مسلم في "صحيحه" عن أبي بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وابن أبي عمر جميعاً عن سفيان.

تابعه مالك بن أنس وعبد العزيز بن أبي سلمة وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة, عن أبيه إبراهيم بنحوه.


#273#

والحديث عند سفيان الثوري, عن إبراهيم بن عقبة وأخيه محمد, فرواه فيما خرجه مسلم أبو أسامة, وعبد الرحمن – هو ابن مهدي – عن الثوري, عن محمد بن عقبة.

ورواه أبو نعيم, عن الثوري, عن إبراهيم بن عقبة.

وممن رواه عن مالك, عن إبراهيم بن عقبة موصولاً: الشافعي, ومعن بن عيسى, ويحيى بن بكير, وأبو مصعب, وغيرهم.

ورواه فيما ذكره البيهقي في "المعارف" الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني في كتاب "القديم" عن الشافعي عنه مالك منقطعاً, لم يذكر ابن عباس.

قال البيهقي: وكذلك رواه غيره عن مالك. انتهى.


#274#

$[أكل النبي صلى الله عليه وسلم من أضحيته]$

وفي رجوع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان يأكل من لحم شاة قددها له ثوبان مولاه من منى.

خرج أبو داود من حديث جبير بن نفير, عن ثوبان رضي الله عنه قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: «يا ثوبان, أصلح لنا لحم هذه الشاة» فما زلت أطعمه منها حتى قدمنا المدينة.

وخرجه الحاكم أبو عبد الله في "مستدركه" ولفظه عن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أضحيته في السفر, ثم قال: «يا ثوبان, أصلح لحمها», فلم أزل أطعمه منها حتى قدمنا المدينة.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

قلت: بلي خرجه مسلم في "صحيحه" من طريق معاوية بن صالح, عن أبي الزاهرية, عن جبير بن نفير, عن ثوبان قال: ذبح النبي صلى الله عليه وسلم ضحيته, ثم قال: «يا ثوبان, أصلح لحم هذه», فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة.

وخرجه مسلم أيضاً من طريق الزبيدي, عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير, عن أبيه, عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال


#275#

لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: «أصلح هذا اللحم» قال: فأصلحته, قال: فلم يزل صلى الله عليه وسلم يأكل منه حتى بلغ المدينة.

وخرجه الدارمي في "مسنده" عن جبير أنه سمع ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى: «أصلح لنا من هذا اللحم», فأصلحت له منه, فلم يزل يأكل منه حتى بلغنا المدينة.

وفي "الصحيحين" عن جابر رضي الله عنه قال: كنا نتزود لحوم الأضاحي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.


#276#

$[وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى غدير خم]$

ولما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى غدير خم كان وصوله فيما قيل في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة في منصرفه من حجة الوداع.

والغدير: على ثلاثة أميال من الجحفة يسرة للطريق بقرب مكة.

وهذا الغدير تصب فيه عين, وحوله شجر كثير ملتف, وهي الغيطة التي تسمى خم, وبين الغدير والعين مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.


#277#

$[طرق حديث موالاة علي بن أبي طالب]$

وفي ذلك المكان أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي رضي الله عنه وقال: «اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه».

قال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي بن راهويه: أخبرنا شبابة بن سوار المدائني, حدثنا نعيم بن حكيم, حدثنا أبو مريم, عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيده يوم غدير خم فقال: «اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه», قال: فزاد الناس بعد: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

وهذا الحديث له طرق هذا أمثلها, ونعيم فيه لين, وأبو مريم سماه البخاري في "تاريخه الكبير" ومسلم في كتابه "الكنى": قيساً الثقفي. زاد مسلم فقال: ويقال الحنفي, وسماه أبو نصر بن ماكولا: عبد الله بن سنان الكوفي, وليس به, والله أعلم.

وروى محمد بن بكار بن الزبير العيشي البصري, قال: حدثنا نوح بن قيس, حدثنا الوليد بن صالح, عن أبي امرأة زيد بن أرقم, عن


#278#

زيد بن أرقم قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع حتى قدم الجحفة بين مكة والمدينة بين الروحات فقم ما تحتها .... وذكر الحديث مطولاً, ثم قال: «إنكم توشكون أن تردوا علي الحوض فأسألكم حين تلقوني عن ثقلي كيف خلفتموني فيهما» قال: فعيل علينا فلم ندر ما الثقلان؟ حتى قام رجل من المهاجرين فقال: يا نبي الله، ما الثقلان؟ قال: «الأكبر منهما كتاب الله, والأصغر منهما عترتي», ثم أخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه, اللهم وال من والاه, وعاد من عاداه».

وحدث غندر, عن شعبة, عن سلمة بن كهيل, سمعت أبا الطفيل, عن أبي سريحة أو زيد بن أرقم – شك شعبة – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه».

وجاء عن شعبة مرة, عن ميمون أبي عبد الله, عن زيد بن أرقم بنحوه.

وحدث فطر بن خليفة, عن أبي الطفيل قال: جمع علي رضي الله عنه [الناس] في الرحبة ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ سمع رسول الله


#279#

صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم ما سمع لما قام, فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذ بيده رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال للناس: «أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» قالوا: نعم يا رسول الله, قال: «من كنت مولاه فهذا مولاه, اللهم وال من والاه, وعاد من عاداه» ثم قال لي زيد بن أرقم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له.

وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي: حدثنا إبراهيم بن مهاجر بن مسمار, عن أبيه, عن عامر بن سعد, عن أبيه رضي الله عنه قال: أما والله أشهد لقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي يوم غدير خم, وأخذ بضبعيه: «أيها الناس من مولاكم؟» قالوا: الله ورسوله, قال: «من كنت فعلي مولاه, اللهم وال من والاه وعاد من عاداه».

وخرج الدارقطني في "الأفراد" من حديث إسماعيل بن أبان الوراق, عن أبي داود الطهوي, واسمه عيسى بن مسلم, عن


#280#

عمرو بن عبد الله, وعبد الأعلى بن عامر الثعلبي, عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: خطب الناس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الرحبة,. فقال: أنشد الله امرءاًَ نشدة الإسلام سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم أخذ بيدي يقول: «ألست أولى بكم يا معشر المسلمين من أنفسكم» قالوا: بلى يا رسول الله, قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه, اللهم وال من والاه وعاد من عاداه, وانصر من نصره واخذل من خذله» إلا قام فشهد, فقام بضعة عشر رجلاً فشهدوا, وكتم قوم فما فنوا في الدنيا حتى عموا وبرصوا.

تفرد به الطهوي عن عمرو بن عبد الله بن هند الجملي, وعبد الأعلى, عن عبد الرحمن بن أبي ليلى؛ أنه سمع علياً ينشد الناس في الرحبة .. وذكر الحديث بنحوه.

ورواه عبد الله بن الإمام أحمد في "مسند أبيه" من طريق سماك بن عبيد, عن ابن أبي ليلى.

وقال أبو العباس أحمد بن محمد بن عقدة في كتابه "الموالاة": حدثنا جعفر بن عبد الله, حدثنا نصر بن مزاحم وعثمان بن سعيد الأحول, أخبرنا عبد الله بن إبراهيم بن الحسين, حدثني أبي, عن أبيه, عن جده, عن علي رضي الله عنه قال: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما نزل بغدير خم ... فذكر الحديث.


#281#

وقال أيضاً: حدثنا إبراهيم بن الوليد بن حماد, أخبرنا أبي, أخبرنا يحيى بن يعلى, عن حرب بن مسيح, عن ابن أخت حميد الطويل, عن ابن جدعان, عن سعيد بن المسيب, قال: قلت لسعد بن أبي وقاص: إني أريد أن أسألك عن شيء, وإني أتقيك, قال: سل عما بدا لك, فإنما أنا عمك. قال: قلت مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم يوم غدير خم, قال: نعم, قام فينا بالظهيرة فأخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه, اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» الحديث, وذكر له ابنه عقدة طرقاً غير ذلك.

أخبرنا الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد إجازة إن لم يكن سماعاً أخبرنا أبو نصر محمد بن محمد بن محمد المزي, قراءة عليه غير مرة, أنبأنا إسماعيل بن علي الجوهري, أخبرنا أبو المعالي عمر بن علي الصيرفي قراءة عليه وأنا أسمع في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين وخمسمائة, أخبرنا رزق الله التميمي, أخبرنا أبو الحسين أحمد بن المتيم الواعظ, حدثنا أحمد, حدثنا الحسين بن عبد الرحمن الأزدي, حدثنا أبي, حدثنا عبد النور بن عبد الله, قال: وحدثنا سليمان بن قرم وهارون بن سعد وسعيد بن دينار وفطر بن خليفة عن أبي إسحاق, عن سعيد بن وهب وعمرو ذي


#282#

مر وزيد بن بثيع: أن علياً رضي الله عنه قال في الرحبة: أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم يقول ما قال إلا قام, فقام ثلاثة عشر رجلاً ستة من جانب وسبعة من جانب, وقال هارون: اثنا عشر رجلاً, فشهدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه, اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه, وانصر من نصره».

أحمد شيخ ابن المتيم هو ابن عقدة صاحب كتاب "الموالاة".

وأخبرناه أبو هريرة عبد الرحمن بن الفارقي بقراءتي عليه أنبأك سليمان بن حمزة الحاكم ويحيى بن سعيد وغيرهما قالوا: أخبرنا الحسن بن يحيى بن صباح المصري إجازة – زاد الحاكم فقال: وأنبأنا أبو عبد الله محمد بن عماد الحراني, قالا: أخبرنا عبد الله بن رفاعة السعدي سماعاً, أخبرنا علي بن الحسن القاضي بقرافة مصر, أخبرنا أبو العباس أحمد بن الحسين بن جعفر العطار, قراءة عليه وأنا أسمع, حدثنا أبو محمد الحسن بن رشيق العسكري, حدثنا أبو عبد الله محمد بن زريق بن جامع المديني سنة سبع وتسعين ومائتين, حدثنا أبو الحسين سفيان بن بشر الأسدي الكوفي, حدثنا علي بن هاشم بن البريد, عن عبد العزيز بن سياه, عن حبيب بن أبي ثابت قال: لما


#283#

كان يوم غدير خم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالدوح فقم ثم أمر بلالاً فهجر بالصلاة, ثم قام فقال: «يا معشر المسلمين, ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» قالوا: بلى, ثم أخذ صلى الله عليه وسلم بيد علي رضي الله عنه فقال: «من كنت مولاه فهذا مولاه, اللهم وال من والاه وعاد من عاداه».

قال: فما بالدوح يومئذ إنسان يسمع بأذنيه ويبصر بعينيه.

وقال أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي: حدثنا الفضل بن صالح الهاشمي, حدثنا هدبة بن خالد, حدثني حماد بن سلمة, عن علي بن زيد بن جدعان, عن عدي بن ثابت, وأبي هارون العبدي, عن عدي بن ثابت: عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين ونودي في الناس أن الصلاة جامعة, فدعا علياً رضي الله عنه فأخذ بيده فأقامه عن يمينه فقال: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» قالوا: بلى, قال: «ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟» قالوا: بلى, وفي آخر الحديثين: «أليس أزواجي أمهاتكم؟» قالوا: بلى, قال: «هذا ولي وأنا مولاه, اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» فقال له عمر رضي الله عنهما: هنيئاً لك يا علي, أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن.

ورواه عبد الرزاق, عن معمر, عن علي بن زيد.

ومن طرق الحديث الواهية التي زيد فيها ما قال علي بن بحر: حدثنا


#284#

سلمة بن الفضل الأبرش – قاضي الري – عن سليمان بن قرم, عن أبي إسحاق الهمداني, عن حبشي بن جنادة رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم [يقول] يوم غدير خم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: «اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه, اللهم وال من والاه وعاد من عاداه, وانصر من نصره, واخذل من خذله».


#285#

$[من بدع الشيعة]$

وقد بلغنا أن الشيعة قد اخذوا اليوم الذي وصل فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلى غدير خم – وهو الثامن عشر من ذي الحجة – وقال في حق علي رضي الله عنه ما قال اتخذوه عيداً, فيحيون ليلة ذلك اليوم ويصلون في صبيحتها ركعتين قبل الزوال.

وأول من أحدث عيد الغدير معز الدولة أبو الحسن علي بن بويه في سنة اثنين وخمسين وثلاثمائة بعد أن أحدث النياحة على الحسين رضي الله عنه؛ لأنه لما كان عاشر المحرم من السنة المذكورة أمر ابن بويه ببغداد أن تغلق الأسواق وأن تلبس النساء المسوح من الشعر وأن يخرجن كاشفات عن وجوههن ناشرات شعورهن يلطمهن وجوههن ينحن على الحسين رضي الله عنه ولم يتمكن أهل السنة من منع ذلك.

وفي ثاني عشر ذي الحجة من السنة أمر ابن بويه أيضاً بإظهار الزينة ببغداد وأن تفتح الأسواق بالليل كما في الأعياد, وأن تضرب الدباب والبوقات, وأن تشعل النيران بأبواب الأمراء وعند الشرط فرحاً بيوم غدير خم, فكانتا بدعتين ظاهرتين شنيعتين إلى أن زالتا وما جانسهما من البدع بزوال ملك بني بويه في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة ولله الحمد, جنبنا الله الحوادث والبدع وجعلنا ممن اقتفى السنة النبوية واتبع.


#286#

$[صدور النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع ونزوله الجحفة]$

وقال حنبل بن إسحاق الشيباني: حدثنا سعيد بن سليمان, أخبرنا زيد بن الحسن القرشي, حدثنا معروف بن خربوذ, حدثنا أبو الطفيل, عن حذيفة ابن أسيد الغفاري رضي الله عنه قال: لما صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجة الوداع نزل الجحفة ونهى عن شجرات أن ينزل تحتهن, ثم بعث إليهن فقمم ما تحتهن من الشوك، فصلى تحتهن، ثم انصرف، فقال: «أيها الناس إنه نبأني اللطيف الخبير, فإني لأظنني سأدعى فأجيب وإني مسئول وإنكم مسئولون فما أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنك قد بلغت وجهدت ونصحت فجزاك الله خيراً. قال: «ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله, وأن محمداً عبده ورسوله, وأن الجنة حق، وأن النار حق, وأن البعث بعد الموت حق, والساعة آتية لا ريب فيها, وأن الله يبعث من في القبور؟» قالوا: نشهد بذلك. ثم قال: «ألا إني فرطكم وإنكم واردون علي الحوض, حوض أعرض مما بين بصرى وصنعاء, فيه عدد النجوم قدحان من فضة وإني سائلكم حين تردون علي».


#287#

$[مبيت النبي صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة]$

ولما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الحليفة بات بها حتى أصبح, ذكره ابن عمر رضي الله عنهما.

وقال دحيم عبد الرحمن بن إبراهيم: حدثنا ابن أبي فديك, حدثنا عبد الله بن نافع, عن أبيه, عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بات رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رجع من مكة بذي الحليفة, دبر المسجد على شفة الوادي حين تهبط عن يمينك حتى أصبح ثم دخل فقال: «إنكم بتم ببطحاء مباركة».


#288#

$[وصوله صلى الله عليه وسلم المدينة]$

ولما أبصر النبي صلى الله عليه وسلم دوحات المدينة أوضع ناقته وكبر ثلاث مرات, وقال ما كان يقوله إذا قدم من سفر:

صح عن حميد أنه سمع أنساً رضي الله عنه يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر فأبصر دوحات المدينة أوضع ناقته, وإن كانت دابة حركها من جهتها.

وصح عن نافع, عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد, وهو على كل شيء قدير, آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون, صدق الله وعده, ونصر عبده, وهزم الأحزاب وحده».

وله شاهد من حديث أنس.


#289#

$[الصلاة إذا قدم من سفر]$

ودخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة نهاراً من طريق العريش فأناخ على باب مسجده, ثم صلى فيه ركعتين ثم انصرف إلى بيته.

قال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا يعقوب – يعني ابن إبراهيم – حدثنا أبي, عن ابن إسحاق, حدثني نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى حين أقبل من حجه قافلاً في تلك البطحاء قال: ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأناخ على باب مسجده, ثم دخل فركع فيه ركعتين, ثم انصرف إلى بيته, قال: فكان عبد الله بن عمر كذلك يصنع.

وحدث به أبو داود في "سننه": عن محمد بن منصور الطوسي, عن يعقوب بن إبراهيم, بنحوه.


#290#

$[خطبته صلى الله عليه وسلم بالمدينة]$

وحدث أبو السكين زكريا بن يحيى الطائي, عن سليمان بن داود الهاشمي قال: حدثني خالد بن عمرو بن محمد الأموي – وهو ابن عم عبد العزيز بن أبان – عن سهل بن يوسف، بن سهل بن مالك الأنصاري, عن أبيه, عن جده رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: «يا أيها الناس, إن أبا بكر لم يسؤني قط فاعرفوا ذلك له, أيها الناس, إني راض عن عمر بن الخطاب, وعثمان بن عفان, وعلي بن أبي طالب, وطلحة بن عبيد الله, والزبير بن العوام, وسعد بن مالك, وعبد الرحمن بن عوف, والمهاجرين الأولين, فاعرفوا ذلك لهم, يا أيها الناس, إن الله تعالى قد غفر لأهل بدر والحديبية. يا أيها الناس, احفظوني في أختاني وفي أصهاري وفي أصحابي لا يطلبنكم الله بمظلمة أحد منهم؛ فإنها ليست توهب, يا أيها الناس ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين, وإذا مات الرجل فلا تقولوا فيه إلا خيراً» ثم نزل صلى الله عليه وسلم.


#291#

وحدث به أبو روح الفرج بن سعيد العاص القرشي, عن سهل بن يوسف بن سهل بن مالك ابن أخي كعب بن مالك, عن أبيه, عن جده ..... فذكره.

تابعهما محمد بن معاوية النيسابوري, فرواه العاصي به.

وحدث به سيف بن عمر في "الفتوح" عن أبي الهمام سهل بن يوسف بنحوه.


#292#

$[متى كان قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة]$

وكان قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة لسبع أو ثمان بقين من ذي الحجة, روي عن علي رضي الله عنه.

رواه سيف بن عمر في "الفتوح" عن عطية, عن رجل, عن علي رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم لسبع بقين من ذي الحجة أو ثمان فوجد صداعاً يوم قدم وفترة, [و] قدم عليه في أول يومه ذلك خلع من بالبحرين من ربيعة, وقدم وافدهم في أثره بالسلم فوافق النبي صلى الله عليه وسلم وقد بدت الناس إليهم فوضع البعث وأمضى عمرو بن العاص إلى عُمان إلى جيفر بن الجلندا يدعوه, فمضى عمرو وعوفي النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك الصداع وتلك الفترة لأيام بقين من ذي الحجة, وكان كالمتحلل من السير.

وروى الشعبي عن نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: قدم النبي صلى الله عليه وسلم مرجعه من حجته فتحلل به السير فما زال محلوجاً حتى استعن به الوجع.

وقال أبو جعفر أحمد بن محمد الوراق في "المغازي": حدثنا إبراهيم بن سعد, قال ابن إسحاق: ثم قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة


#293#

الوداع فأقام بالمدينة بقية ذي الحجة [و] المحرم وصفر.


#294#

&[أبواب مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاته]&

$*[ابتداء شكوى رسول الله صلى الله عليه وسلم]:$

(وقال ابن إسحاق)[2]: فبينا الناس على ذلك ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشكواه الذي قبضه الله فيه إلى ما أراد به من رحمته وكرامته في ليال بقين من صفر, أو في أول شهر ربيع الأول.

خرجه البيهقي في "الدلائل" من حديث المعتمر بن سليمان عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم مرض لاثنتين وعشرين ليلة من صفر, وبدأ وجعه عند وليدة له يقال لها: ريحانه, كانت من سبي اليهود, وكان أول يوم مرضه صلى الله عليه وسلم يوم السبت.

وروى سيف بن عمر, عن سعيد بن عبد الله, عن عبد الله بن أبي مليكة, عن عائشة رضي الله عنها قالت: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه الذي لزمه في ليلة (ريحانة) بنت شمعون وفي بيتها لأول ليلة من صفر.

وهذا مبني على القول بأن ريحانة رضي الله عنها ماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم, والصحيح أنها ماتت في حياته صلى الله عليه وسلم.

وذكر البيهقي في "الدلائل": من رواية الواقدي, عن أبي معشر, عن محمد بن قيس قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لإحدى عشرة بقيت من صفر سنة إحدى عشرة في بيت زينب بنت جحش.


#295#

وروى الواقدي أيضاً عن أم سلمة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم بدئ في بيت ميمونة زوجته.

وقال أبو حاتم بن حبان وأبو عمر بن عبد البر: ثم بدأ به صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات منه يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر.

وهذا فيه نظر؛ لأن وقفة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كانت يوم الجمعة على الصحيح الذي ما سواه وهم وغلط, فيكون أول ذي الحجة يوم الخميس، [و] على هذا إما أن يكون ذو الحجة كاملاً والمحرم كاملاً, وذو الحجة ناقصاً, وإما أن يكون عكس ذلك فعلى الأول والثاني [يكون أول] صفر يوم الإثنين, وعلى الثالث والرابع يكون أول صفر الأحد, وعلى كل من ذلك لا يصح أن ابتداء مرضه صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر, لكنه يتصور في يوم الأربعاء لمن قال: اشتكى يوم الأربعاء لإحدى عشرة بقيت من صفر كما قدمناه, ويتصور أيضاً في قول من قال يوم الأربعاء ثاني شهر ربيع الأول, والله أعلم.

$*[ابتداء وجع النبي صلى الله عليه وسلم بالصداع]$

وكان ابتداء وجع النبي صلى الله عليه وسلم الصداع, فحم وصدع وتمادى به, وكان صداع الرأس والشقيقة يعتريه كثيراً ويتألم من ذلك أياماً.


#296#

روى يونس بن بكير, عن المسيب بن مسلم الأزدي, حدثنا عبد الله بن بريدة, عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما أخذته الشقيقة فمكث اليوم واليومين لا يخرج, فلما نزل خيبر أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس. وذكر الحديث.

$*[نعي النبي صلى الله عليه وسلم إلى نفسه]$

وقبل مرض النبي صلى الله عليه وسلم نعيت إليه نفسه الشريفة مراراً.

منها: ما قال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس, حدثنا أبو بكر بن عياش, عن مبشر السعيدي, عن ابن شهاب قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا فقصها على أبي بكر رضي الله عنه فقال: «يا أبا بكر, رأيت كأني استبقت أنا وأنت درجة فسبقتك بمرقاتين ونصف» قال: خير يا رسول الله, يبقيك الله حتى ترى ما يسرك, وتقر عينك, قال: فأعاد عليه ثلاث مرات, وأعاد عليه مثل ذلك, قال: فقال له في الثالثة: «رأيت كأني استبقت أنا وأنت في درجة فسبقتك بمرقاتين ونصف» قال: يا رسول الله, يقبضك الله إلى رحمته ومغفرته وأعيش بعدك سنتين ونصفاً.

ومنها: ما قال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا عبد الرزاق, أخبرني أبي, عن ميناء, عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنت مع


#297#

النبي صلى الله عليه وسلم ليلة وفد الجن فلما انصرف تنفس, فقلت: ما شأنك؟. قال: «نعيت إلي نفسي يا ابن مسعود».

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا المعلى بن أسد, حدثنا وهيب, عن أيوب, عن عكرمة قال: قال العباس رضي الله عنه: لأعلمن بقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا, فقال له: لو اتخذت عرشاً فإن الناس قد آذوك فقال: «والله لا أزال بين ظهرانيهم ينازعوني ردائي ويصيبني غبارهم حتى يكون الله تبارك وتعالى يريحني منهم» قال العباس: فعرفنا أن بقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا قليل.

ومنها: ما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان عمر رضي الله عنه يدخلني مع أشياخ بدر فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر رضي الله عنه: إنه ممن قد علمتم, فدعاه ذات يوم فأدخله معهم, قال: فما رأيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم مني, قال: فما تقولون في قول الله تعالى : {إذا جاء نصر الله والفتح}؟ فقال بعضهم: أمرنا نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا, وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً, فقال: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا, قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له, قال: {إذا جاء نصر الله والفتح} وذلك علامة أجلك, {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً} فقال عمر رضي الله عنه: ما أعلم منها إلا ما تقول.

وقال الطبراني في "معجمه الأوسط": حدثنا أحمد بن القاسم,


#298#

حدثنا عمي عيسى بن المساور, حدثنا سويد بن عبد العزيز, عن سفيان بن حسين, عن أبي بشر, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عز وجل: {إذا جاء نصر الله والفتح} قال: فتح مكة, نعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه فاستغفر الله ربك, واعلم أنه قد حضر أجلك.

قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن سفيان بن حسين إلا سويد بن عبد العزيز.

وقال سيف بن عمر التميمي الأسيدي في كتابه "الردة والفتوح": حدثنا محمد بن عون, عن يحيى بن يعمر الرشقي, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم: {إذا جاء نصر الله والفتح} فنعى إليه نفسه, فالفتح: فتح مكة, والنصر: على العرب قاطبة, {ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً} وذلك أن الهجرة انقطعت إلى المدينة بعد الفتح, فكانت القبيلة بأسرها تسلم وتقيم مكانها, وكان دخولهم قبل ذلك الرجل بعد الرجل, والعدة بعد العدة؛ لأنهم أمروا بالهجرة فثقلت, فإذا كان ذلك فسبح, فصل فأكثر, واحمد الله واستغفره للأموات من أمتك وللأحياء, إنه كان تواباً لمن تاب منهم, ففعل صلوات الله وسلامه عليه, فأكثر وألح.

وفي رواية عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه السورة نعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم – يعني نفسه – فأخذ في أشد ما كان اجتهاداً في أمر الآخرة.


#299#

وقال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا محمد بن فضيل, حدثنا عطاء, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت: {إذا جاء نصر الله والفتح} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعيت إلي نفسي» بأنه مقبوض في تلك السنة.

وثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة بعد أن أنزلت: {إذا جاء نصر الله والفتح} إلا يقول فيها: «سبحانك ربنا وبحمدك, اللهم اغفر لي».

وثبت عنها أيضاُ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول: «سبحان الله وبحمده, أستغفر الله وأتوب إليه» فقلت: يا رسول الله, أراك تكثر من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه, فقال: «خبرني ربي عز وجل أني سأرى علامة في أمتي, فإذا رأيتها أكثرت من قول: سبحان الله وبحمده, أستغفر الله وأتوب إليه فقد رأيتها: {إذا جاء نصر الله والفتح} فتح مكة {ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً . فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً}.

وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم في آخر عمره لا يقوم, ولا يقعد, ولا يذهب, ولا يجيء إلا قال: «سبحان الله وبحمده» فذكرت ذلك فقال: «إني أمرت بذلك» وتلا هذه السورة.


#300#

وهذه السورة تسمى: سورة التوديع قاله ابن مسعود رضي الله عنه.

وقال قتادة ومقاتل: عاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه السورة سنتين.

وحدث مكي بن إبراهيم, عن موسى بن عبيدة, عن صدقة بن يسار, عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: نزلت هذه السورة: {إذا جاء نصر الله والفتح} على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق فعرف أنه الوداع فبركت ناقته العضباء .... هذا مختصر.

ورواه مكي, عن موسى, عن عبد الله بن دينار, عن ابن عمر رضي الله عنهما مثله.

وجاء من حديث أبي بكر بن أبي الجهم, عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: آخر سورة نزلت من القرآن جميعاً: {إذا جاء نصر الله والفتح}.

خرجه الطبراني في معجمه الكبير.

وحدث به مسلم في "صحيحه" عن أبي بكر بن أبي شيبة وهارون ابن عبد الله, وعبد بن حميد, عن جعفر بن عون, أخبرنا أبو عميس, عن عبد المجيد بن سهيل, عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: قال لي ابن عباس: تعلم – وقال هارون: تدري – آخر سورة من القرآن نزلت جميعاً؟ قلت: نعم {إذا جاء نصر الله والفتح} قال: صدقت.


#301#

قال: وفي رواية ابن أبي شيبة: تعلم أي سورة؟ لم يقل: آخر.

[قال]: وحدثنا إسحاق بن إبراهيم, أخبرنا أبو معاوية, حدثنا أبو العميس, بهذا الإسناد مثله, وقال: آخر سورة.

وروى موسى بن عقبة في "المغازي" عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: نعى [الله] عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم نفسه حين أنزل عليه: {إذا جاء نصر الله والفتح} فكان الفتح من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة ثمان فلما طعن في سنة تسع من مهاجره تتابع عليه القبائل تسعى فلم يدر متى الأجل ليلاً أو نهاراً, ففعل على قدر ذلك فوسع السنن, وسدد الفرائض, وأظهر الرخص, ونسخ كثيراً من الأحاديث فنسخت الرخصة الشدة, والشدة في بعض الرخصة, وغزا تبوك, وفعل فعل مودع صلى الله عليه وسلم.

وروي سيف بن عمر الأسيدي, عن عطية, عن الضحاك, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الله عز وجل قد عهد إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أنه متوفيه على حين فراغه في الذي بعثه به, وتأدية الذي عليه, وأمره أن ينعي إلى أمته نفسه بصرفه لكي لا يفتنوا من بعده فقرأ عليهم: {إذا جاء نصر الله والفتح} وقص عليهم رؤيا رآها: أن القمر دلي إليه ثم رفع, وقال لهم بمنى وعرفات: «إني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا».

ورواه سيف أيضاً عن محمد بن كريب, عن أبيه, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قد نعانا نبي الله صلى الله عليه وسلم نفسه مراراً لو عقلنا عنه, وكره أن يفجعنا, فلم


#302#

نعرف ما ذلك حتى كان من أمره حين أنزل الله عز وجل: {إذا جاء نصر الله والفتح} وحين قال: «إني رأيت القمر دلي لي بأمراس فركبته ثم رفعت إلى السماء», وحين قال بمنى: «إني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا أبداً» وقوله صلى الله عليه وسلم على المنبر: «إن عبداً خيره الله جل وعز أن يكون ملكاً مخلداً في الدنيا ما بقيت ثم الجنة, وبين ما عنده والجنة, فاختار لقاء الله جل وعز».

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب "العزاء": حدثني محمد بن عثمان العجلي, حدثنا خالد بن مخلد, أخبرني موسى بن يعقوب, أخبرني أبو حازم, عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «سيعزي الناس بعضهم بعضاً للتعزية بي» فكان الناس يقولون: ما هذا, فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي الناس بعضهم بعضاً, يعزي بعضهم بعضاً برسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال أبو اليمان: حدثنا صفوان بن عمرو, عن راشد بن سعد, عن عاصم بن حميد السكوني: أن معاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فخرج النبي صلى الله عليه وسلم معه يشيعه, ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم تحت راحلته فلما فرغ قال: «يا معاذ, إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك تمر بمسجدي وقبري». فبكى معاذ أسفا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تبك يا معاذ، البكاء – أو أن البكاء – من الشيطان».


#303#

وقال سيف بن عمر فى كتابه "الفتوح والردة" عن عطية, عن أبي أيوب, عن علي رضي الله عنه في قول الله عز وجل: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي} قال: اليوم يوم عرفة من حجة التمام, بهذا سميت حجة التمام وحجة الإسلام, وأما قوله تعالى : {أكملت لكم دينكم} فيعني حكم ما بينكم فلم ينزل بعد ذلك اليوم فريضة ولا حد, كمل الدين يعني الحكم ما يدينون به الرعية فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قد فرغ من الإبلاغ والتأدية, وأن الأجل قد أظل فأقام لهم أحكامهم, وتجرد لسن السنن.

وحدث أيضاً عن داود بن [أبي] هند, عن عامر أنه قال في هذه الآية: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} قال: قالت اليهود: إنا لنعجب من العرب كيف لم يحفظوا هذا اليوم فيتخذونه عيداً؟! فقال عمر رضي الله عنه: أشد ما حفظوه, نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة, وقد وقف نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة وقد وقف صلى الله عليه وسلم موقف إبراهيم صلى الله عليه وسلم, وصد المشركون عن البيت واضمحل الشرك, وهدمت منار الجاهلية. تابعه ابن علية, عن داود.

وقد تقدم في حجة الوداع مع بعض طرق حديث نزول قوله تعالى : {اليوم أكملت لكم دينكم} قال سعيد بن جبير: عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أحد وثمانين يوماً.

وقال مقاتل في "تفسيره": ثمانين ليلة.


#304#

وقوله تعالى : {اليوم أكملت لكم دينكم} المراد به يوم عرفة كما تقدم عن علي رضي الله عنه, وصح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو قول المفسرين قاطبة, إلا ما روي عن عطية, عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه ليس بيوم معين, وقاله السدي.

وقد اختلف في إكمال الدين ما معناه؟ فقال ابن عباس: هو إكمال فرائضه وحدوده, ولم ينزل بعد هذه الآية تحريم ولا تحليل.

وكذا قال مقاتل: هي آخر آية نزلت في الحلال والحرام.

وذكره السدي, واختاره المحققون من الأئمة.

وقال سعيد بن جبير وقتادة: أكمل الدين ينفي المشركين عن البيت فلم يحج معهم مشرك عامه.

وقال الشعبي: كمال الدين ههنا عزه وظهوره, وذل الشرك ودثوره, لا بتكامل الفرائض والسنن؛ لأنها لم تزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال نحوه الزجاج: إكمال الدين زوال الخوف من العدو والظهور عليهم.

وقيل: إكمال الدين رفع النسخ عليه, فشريعته لا تنسخ بشريعة أخرى بعدها, كما نسخ بهذه الشريعة ما تقدمها من الشرائع، والله أعلم.


#305#

$[إسرار النبي صلى الله عليه وسلم بوفاته إلى ابنته فاطمة]$

وثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن كنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده جميعاً لم تغادر منا واحدة, فأقبلت فاطمة رضي الله عنها تمشي, لا والله ما تخفى مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما رآها رحب وقال: «مرحباً بابنتي» ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله, ثم سارّها فبكت بكاء شديداً, فلما رأى حزنها سارّها الثانية فإذا هي تضحك, فقلت لها أنا من بين نسائه: خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها عما سارّك قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره, فلما توفي صلى الله عليه وسلم قلت: عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما أخبرتيني, قالت: أما الآن فنعم, فأخبرتني قالت: أما حين سارني صلى الله عليه وسلم في الأمر الأول فإنه أخبرني أن جبريل عليه السلام كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة «وأنه قد عارضني به العام مرتين, فلا أرى الأجل إلا قد اقترب, فاتقي الله واصبري, فإني نعم السلف أنا لك».

قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت, فلما رأى جزعي سارّني الثانية فقال: «يا فاطمة, ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين» أو «سيدة نساء هذه الأمة».


#306#

وفي رواية قالت: إنه خبرني أني أول أهله يتبعه, فضحكت.

وروي عن ميسرة بن حبيب, عن المنهال بن عمرو, عن عائشة بنت طلحة, عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً من فاطمة برسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت إذا دخلت عليه رحب وقام إليها وأخذ بيدها فقبلها, فدخلت عليه في مرضه الذي توفي فيه فرحب بها, وقبلها, وأسر إليها فبكت, ثم أسر إليها فضحكت, فقلت: كنت أحسب أن لهذه المرأة فضلاً على النساء, فإذا هي منهن تبكي إذ هي تضحك فسألتها فقلت: إني إذن لبذرة, فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها فقالت: أسر إلي فأخبرني أنه ميت فبكيت, ثم أسر إلي فأخبرني أني أول أهله لحوقاً به, يعني فضحكت.

خرجه أبو داود والترمذي والنسائي لميسرة.

وجاء عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان: أن أمه فاطمة بنت الحسين حدثته: أن عائشة حدثتها: أنها كانت تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي قبض فيه لفاطمة: «يا بنية, أحني علي» فأحنت عليه فناجاها ساعة, ثم انكشفت عنه وهي تبكي, وعائشة حاضرة, ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بساعة: «أحنى علي يا بنية) فأحنت عليه، فناجاها ساعة, ثم انكشفت تضحك, قال: فقالت عائشة: أي بنية


#307#

أخبريني ماذا ناجاك أبوك صلى الله عليه وسلم قالت فاطمة: أوشكت رأيته ناجاني على حال سر وظننت أني أخبر بسره وهو حي؟! قال: فشق ذلك على عائشة, أن يكون سراً دونها, فلما قبضه الله عز وجل قالت لفاطمة: ألا تخبريني بذلك الخبر؟ قالت: أما الآن فنعم ناجاني في المرة الأولى فأخبرني أن جبريل عليه السلام كان يعارضه بالقرآن في كل عام مرة «وأنه عارضني بالقرآن العام مرتين وأخبرني أنه لم يكن نبي كان بعده نبي إلا عاش بعده نصف عمر الذي كان قبله, وأخبرني أن عيسى ابن مريم عليهما السلام عاش عشرين ومائة سنة, فلا أزاني إلا ذاهباً على رأس الستين» فأبكاني ذلك وقال: «يا بنية, إنه ليس أحد من نساء المسلمين أعظم رزية منك, فلا تكوني من أدنى امرأة صبراً» وناجاني في المرة الآخرى فأخبرني أني أول أهله لحوقاً به, وقال: «إنك سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من البتول مريم بنت عمران» فضحكت لذلك.

خرجه البيهقي في "الدلائل" وقال: كذا في هذه الرواية, وقد روي عن ابن المسيب أن عيسى ابن مريم عليه السلام حين رفع إلى السماء كان ابن ثلاث وثلاثين سنة, وعن وهب بن منبه اثنان وثلاثون سنة, [فإن صح قول ابن المسيب ووهب] فالمراد من الحديث – والله أعلم – بما يبقى في الأرض بعد نزوله من السماء, والله أعلم. انتهى قول البيهقي.


#308#

وروي عن عبد الله بن أبي لبيد, عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت فاطمة عن بكائها حين سارّها النبي صلى الله عليه وسلم, وعن ضحكها, فقالت: أخبرني أنه مقبوض, «وإن أمتي سيصيبهم بعدي بلاء شديد» فبكيت, ثم أخبرني أني أسرع أهله لحوقاً به فضحكت.

وروي عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا فاطمة رضوان الله عليها عام الفتح فناجاها فبكت, ثم حدثها فضحكت, قالت: فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها عن بكائها وضحكها, قالت: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يموت, فبكيت, ثم أخبرني أني سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم بنت عمران فضحكت.

خرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب.

قلت: هذا يشعر أن هذه القصة وقعت مرتين, هذه المرة في سنة الفتح سنة ثمان, وفي سنة وفاته صلى الله عليه وسلم في ضعف الموت كما قدمناه, والله أعلم.


#309#

$[صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على أهل البقيع ودعاؤه لهم]$

وقال محمد بن سعد في "الطبقات": أخبرنا معن بن عيسى ومحمد بن إسماعيل بن أبي فديك, عن هشام بن سعد, عن زيد بن أسلم, ح.

وقال أيضاً: وأخبرنا محمد بن عمر, حدثنا أسامة بن زيد بن أسلم, عن أبيه, عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي, فقيل له: اذهب فصل على أهل البقيع, ففعل ذلك, ثم رجع فرقد, [فأتي], فقيل له: اذهب فصل على أهل البقيع, فذهب فصلى عليهم, فقال «اللهم اغفر لأهل البقيع» ثم رجع, فرقد, فأتي, فقيل له: اذهب فصل على الشهداء, فذهب إلى أحد, فصلى على قتلى أحد, فرجع معصوب الرأس, فكان بدء الوجع الذي مات فيه صلى الله عليه وسلم.

البقيع المذكور هو – بقيع الغرقد – مقبرة المدينة النبوية, قال الأصمعي: قطعت غرقدات في هذا الموضع حين دفن فيه عثمان بن مظعون فسمي بقيع الغرقد لهذا.

وقال الزبيدي في "مختصر العين": البقيع موضع فيه أروم شجر من ضروب شتى, والغرقد: ضرب من الشجر, وقيل: هو العوسج, وقيل: الشجر العظام.


#310#

وقال أبو جعفر أحمد بن محمد الوراق في "المغازي": حدثنا إبراهيم بن سعد, قال ابن إسحاق: وكان أول ما ابتدئ به من ذلك عليه الصلاة والسلام فيما ذكر لي – يعني من وجعه – أنه خرج إلى البقيع بقيع الغرقد من جوف الليل فاستغفر لهم, ثم رجع إلى أهله فلما أصبح ابتدئ بوجعه من يومه ذلك.

وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أخبرنا محمد بن عمر, حدثني إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن المخزومي, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: وثب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مضجعه من جوف الليل, فقلت: أين, بأبي وأمي يا رسول الله؟ قال: «أمرت أن أستغفر لأهل البقيع» قالت: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم, وخرج معه مولاه أبو رافع, وكان أبو رافع يحدث قال: استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم طويلاً ثم انصرف وجعل يقول: «يا أبا رافع إني خيرت بين خزائن الدنيا والخلد ثم الجنة, وبين لقاء ربي والجنة فاخترت لقاء ربي».

وحدث ابن سعد بنحو هذه القصة, عن محمد بن عمر, حدثني إسحاق بن يحيى بن طلحة, عن عمرو بن شعيب عن أبيه, عن جده, عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل: «يا أبا مويهبة, إني


#311#

قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي» فخرج وخرجت معه .... وذكر الحديث.

وحدث به سيف بن عمر وأبو يحيى بكر بن سليمان الأسواري, ويونس بن بكير, وجرير بن حازم, وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم – واللفظ له – عن ابن إسحاق, حدثني عبد الله بن عمر بن علي العبلي, عن عبيد بن جبير مولى الحكم بن أبي العاص, عن عبد الله بن عمرو بن العاص, عن أبي مويهبة – مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم – قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل فقال: «يا أبا مويهبة, إني أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي» [قال]: فانطلقت معه, [قال]: فلما وقف بين أظهرهم قال: «السلام عليكم يا أهل المقابر, ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه الناس, لو تعلمون ما نجاكم الله منه, أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع أخراها أولاها, الآخرة شر من الأولى» ثم أقبل علي فقال: «يا أبا مويهبة, هل علمت أني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها, ثم الجنة, خيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة».


#312#

قال: قلت: بأبي أنت وأمي فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها, ثم الجنة.

قال: «لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي والجنة».

قال: ثم استغفر لأهل البقيع, ثم انصرف, فبدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي قبض فيه حين أصبح.

خرجه الإمام أحمد والدارمي في مسنديهما من طريق ابن إسحاق.

ورواه سيف بن عمر أيضاً عن مبشر بن الفضل, عن عبيد بن جبير بنحوه.

ورواه مرة, عن عبد الله بن سعيد بن ثابت, عن عبيد بن جبير, وزاد في آخره وقال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب بعث أسامة وندب معه وجوه المهاجرين منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأمره أن يوطئ إبل الزيت من مشارف الأردن، فقال المنافقون في ذلك, فلم يجتمع آخرهم وعسكرهم بالجرف حتى توفى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم.


#313#

$[إنفاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش أسامة بن زيد]$

وفي "الطبقات" لابن سعد أنه لما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لغزو الروم, فلما كان من الغد دعا أسامة بن زيد فقال: «سر إلى موضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل, فقد وليتك هذا الجيش, فأغر صباحاً على أهل أبنى وحرق عليهم, وأسرع السير تسبق الأخبار, فإن ظفرك الله فأقلل اللبث فيهم, وخذ معك الأدلاء, وقدم العيون والطلائع أمامك» فلما كان يوم الأربعاء بدئ برسول الله صلى الله عليه وسلم فحم وصدع, فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواء بيده, ثم قال: «اغز بسم الله في سبيل الله فقاتل من كفر بالله» فخرج بلوائه معقوداً فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلمي وعسكر بالجرف, فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة, فيهم: أبو بكر الصديق, وعمر بن الخطاب, وأبو عبيدة بن الجراح, وسعد بن أبي وقاص, وسعيد بن زيد, وقتادة بن النعمان, وسلمة بن أسلم بن حريش, فتكلم قوم وقالوا: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين, فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً, فخرج وقد عصب على رأسه عصابة, وعليه قطيفة, فصعد المنبر, فحمد الله وأثنى


#314#

عليه, ثم قال: «أما بعد أيها الناس, فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة, ولئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله, وايم الله, إن كان للإمارة لخليقاً, وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة, وإن كان لمن أحب الناس إلي, وإنهما لمحيلان لكل خير, فاستوصوا به خياركم» ثم نزل صلى الله عليه وسلم فدخل بيته وذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأول .... وذكر بقيته.

قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر, عن الزهري قال: كان أسامة بن زيد يخاطب بالأمير حتى مات, يقولون: بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

خرجه الحاكم في "مستدركه" من طريق إسحاق بن إبراهيم الدبري, عن عبد الرزاق به.

وقال أبو محمد الحسن بن علي بن محمد الجوهري: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن لؤلؤ الوراق حدثنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي, حدثنا بشر بن الوليد القاضي, أخبرنا أبو معشر, عن محمد بن قيس قال: لما يلق عمر أسامة بن زيد قط إلا قال: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته, أمير أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم ينزعه حتى مات.

وقال أحمد يبن منصور الرمادي: حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر, عن ابن طاوس, عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نصرت بالرعب, وأعطيت الخزائن, وخيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل فاخترت التعجيل».


#315#

هذا مرسل.

وروي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة, عن عائشة رضي الله عنها قالت: رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعاً في رأسي وأنا أقول: وارأساه, قال: «بل أنا والله يا عائشة وارأساه» قالت: ثم قال: «وما ضرك لو مت قبلي فقمت عليك فكفنتك وصليت عليك ودفنتك» قالت: قلت: والله لكأني بك لو فعلت ذلك قد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك, قالت: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم.


#316#

$[استئذان النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه أن يمرض في بيت عائشة]$

وتتام به وجعه وهو يدور على نسائه حتى استعن به وهو في بيت ميمونة فدعا نساءه فاستأذنهن في أن يمرض في بيتي, فأذن له, فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي بين رجلين من أهله أحدهما الفضل بن العباس, ورجل آخر, تخط قدماه عاصباً رأسه حتى دخل بيتي قال عبد الله: فحدثت هذا الحديث عنها عبد الله بن عباس رضي الله عنهم [فقال]: هل تدري من الرجل الآخر؟ قلت: لا, قال: علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم غمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد وجعه فقال: «هريقوا علي سبع قرب من آبار شتى حتى أخرج إلى الناس فأعهد إليهم» قالت: فأقعدناه في مخضب لحفصة بنت عمر, ثم صببنا عليه الماء حتى طفق يقول بيده: حسبكم حسبكم.

وحدث ابن سعد في "الطبقات": عن يزيد بن هارون, أخبرنا حماد بن سلمة, عن أبي عمران الجوني, عن يزيد بن بابنوس


#317#

قال: استأذنت أنا ورجل من أصحابي على عائشة رضي الله عنها فأذنت لنا, فلما دخلنا جذبت الحجاب, وألقت لنا وسادة, فجلسنا عليها, فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر ببابي يلقي إلي الكلمة ينفع الله بها, فمر ذات يوم فلم يقل شيئاً, ثم مر ذات يوم فلم يقل شيئاً: يا جارية ألقي لي وسادة على الباب, فألقت لي وسادة فجلست عليها على طريقه صلى الله عليه وسلم وعصبت رأسي, فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما شأنك؟» فقلت: أشتكي رأسي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا وارأساه» ثم مضى فلم يلبث إلا يسيراً حتى جئ به محمولاً في كساء, فأدخل بيتي, فأرسل إلى نسائه فاجتمعن عنده فقال: «إني أشتكي ولا أستطيع أن أدور بيوتكن, فإن شئتن أذنتن لي فكنت في بيت عائشة» فأذن له, فكنت وإني أمرضه أوصبه, ولم أوصب مريضاً قط قبله.

وروى سيف بن عمر, عن سعيد بن عبد الله, عن عبد الله بن أبي مليكة, عن عائشة رضي الله عنها قالت: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه الذي لزمه في ليلة ريحانة بنت شمعون, وفي بيتها لأول ليلة من صفر, واشتكيت في تلك الليلة شكوى شديدة فجاءني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في صرة أنادي: واغماه, وارأساه, عاصباً رأسه يعودني فقال: «لقد طرقني يا عائشة طارق من صداع فما برحني والآن وجعك ضورني فكيف تجدينك؟» قالت: فوالذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق لقد فزعت فزعة طار عني ما أجد حتى ما أحس منه شيئاً وثرت إليه فالتزمته وأنا أقول: واويلاه, فقال: «واضراه, لا تدعي بالويل» وأقبل يمازحني حتى سكنني وإنه لمثبت, وفزع الناس لصيحتي, فأقبلوا, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إليكم فإنه لم يحدث إلا خير» وتراجع الناس ولزمه النسوة ودرن معه دورة, ثم استأذنهن في بيتي فأذن له.


#318#

وروى سيف – أيضاً – عن محمد بن إسحاق, عن الزهري, ويزيد بن رومان وأبي بكر بن عبد الله أن الذي كان ابتدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجعه الذي لزمه أن دخل على عائشة وهو يجد صداعاً فوجدها تصدع وتقول: وارأساه, فقال: «بل أنا والله يا عائشة وارأساه» قالت: فوالله لطار عني ما أجد, وكدت أن أستطار فسكنني بالمزاح على تجشم منه, فقال: «وما ضرك يا عائشة لو مت قبلي فأقوم عليك وإليك وأصلى عليك؟» قالت: فتفاءلت له فما نجاني مما خشيت الحذر, وقلت: أجل والله لكأني بك قد فعلت قد أعرست ببعض نسائك في بيتي من آخر ذلك اليوم, فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم [ثم تمادى به وجعه وهو في ذلك يدور على نسائه حتى استعن برسول الله صلى الله عليه وسلم] وهو في بيت ميمونة رضي الله عنها قالت: فلما رأوا ما به اجتمع رأي من في البيت على أن يلدوه, وتخوفوا أن يكون به ذات الجنب ففعلوا ثم فرج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد لدوه فقال: «من فعل هذا؟» فهبنه واعتللن بالعباس رضي الله عنه فاتخذ جميع من في البيت العباس سبباً, ولم يكن له في ذلك رأي, فقالوا: يا رسول الله عمك العباس أمر بذلك وتخوفنا أن يكون بك ذات الجنب, فقال: «إنها من الشيطان, ولم يكن الله عز وجل ليسلطه علي, ولا ليرميني بها, ولكن هذا عمل النساء, لا يبقى في البيت أحد إلا لد إلا عمي العباس؛ فإن يميني لا تناله» فلدوا كلهم, ولدت ميمونة وكانت صائمة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت عائشة, وكان يومها بين العباس وعلي, والفضل ممسك بظهره, ورجلاه تخطان في الأرض, حتى دخل على عائشة رضي الله عنها فلم يزل عندها مغلوباً لا يقدر على


#319#

الخروج, وغير مغلوب وهو يقدر على الخروج من بيتها إلى غيره.

وقال عبد الله بن وهب في كتابه: «لا هام»: أخبرني يونس, عن ابن شهاب, أخبرني أبو بكر بن الحارث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتكى أول اشتكائه الذي توفي فيه وهو في بيت ميمونة فاشتد وجعه حتى غمر من شدة الوجع, فاجتمع عنده نساء من أزواجه منهم أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم, وعباس بن عبد المطلب, وأسماء بنت عميس الخثعمية وهي أم عبد الله بن جعفر, وأم الفضل بنت الحارث وهي أم عباس بن عبد المطلب فتشاوروا في لد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غمر فلدوه, وهو مغمر, فلما أفاق قال: «من فعل هذا؟ [هذا] عمل نساء جئن من ههنا» وأشار بيده إلى أرض الحبش, فقالوا: يا رسول الله, حسبنا بك ذات الجنب فلددناك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما كان الله» أحسبه قال: «ليعذبني بذلك الداء .. » الحديث.


#320#

$[تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه العباس]$

وقال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا سليمان بن داود, أخبرنا عبد الرحمن, عن هشام بن عروة, أخبرني أبي: أن عائشة رضي الله عنها قالت له: يا ابن أختي, لقد رأيت من تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أمراً عجيباً, وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تأخذه الخاصرة فتشتد به جداً, فكنا نقول: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عرق الكلية, لا نهتدي أن نقول: الخاصرة, ثم أخذت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فاشتدت به جداً, حتى أغمي عليه, وخفنا عليه, وفزع الناس إليه فظننا أن به ذات الجنب فلددناه, ثم سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفاق فعرف أنه قد لد, ووجد أثر اللدود فقال: «ظننتم أن الله جل وعز سلطها علي, ما كان الله عز وجل ليسلطها علي, والذي نفسي بيده, لا يبقى في البيت أحد إلا لد إلا عمي عليه السلام» فرأيتهم يلدونهم رجلاً رجلاً, قالت عائشة رضي الله عنها: ومن في البيت يومئذ فيذكر فضلهم فلد الرجال أجمعون, وبلغ اللدود أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فلددن امرأة [امرأة], حتى بلغ اللد امرأة منا – قال ابن أبي الزناد: لا أعلمها إلا ميمونة – قال: وقال الناس: أم سلمة, قالت: إني والله صائمة, فقلنا: بئس ما ظننت أن نتركك وقد أقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلددناها, والله يا ابن أختي وإنها لصائمة.


#321#

وقال محمد بن سعد في "الطبقات": أخبرنا محمد بن عمر, حدثني سعيد بن عبد الله بن أبي الأبيض, عن المقبري, عن عبد الله بن رافع, عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: بدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه في بيت ميمونة, فكان إذا خف عنه ما يجد, خرج فصلى بالناس, وإذا وجد ثقلة قال: «مروا الناس فليصلوا» فتخوفنا عليه ذات الجنب, وثقل فلددناه, فوجد النبي صلى الله عليه وسلم خشونة اللد فأفاق, فقال: «ما صنعتم بي؟» قالوا: لددناك قال: «بماذا؟» قلنا: بالعود الهندي وشيء من ورس وقطرات من زيت, فقال: «من أمركم بهذا؟» قالوا: أسماء بنت عميس, قال: «هذا طب أصابته بأرض الحبشة, لا يبقين أحد في البيت إلا التد إلا ما كان من عم رسول الله صلى الله عليه وسلم» يعني العباس, ثم قال: «ما الذي كنتم تخافون علي؟» قالوا: ذات الجنب, قال: «ما كان الله ليسلطها علي».

ولهذا طرق غير ما ذكرنا.

وقال أبو عبد الملك بن حبيب السلمي الأندلسي في كتابه "التداوي": حدثني أسد بن موسى, عن إبراهيم بن محمد, عن العباس بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غشي عليه في مرضه الذي مات فيه, فتخوفوا أن يكون ذات الجنب فلدوه فوجدوه خف فأفاق فقال: «ما صنعتم؟» قالوا: لددناك يا رسول الله, قال: «بماذا؟» قالوا: بالعود الهندي – يعني الكست – وشيء من ورس, وقطرات زيت, وزبد, قال: «من أمركم بذلك؟» قالوا أسماء بنت عميس،


#322#

قال: «هذا طب أصابته بأرض الحبشة, لا يبقين أحد في البيت إلا لد إلا ما كان من عمي» يعني العباس, ثم قال: «ما الذي تخافون علي؟» قالوا: ذات الجنب, قال: «ما كان الله ليسلطها علي, ولكن هذا من شاة اليهودية يوم خيبر, هذا أوان قطعت أبهري».


#323#

$[نعت النبي صلى الله عليه وسلم اللدود لذات الجنب]$

و"اللدود" الموصوف في هذا الحديث ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينعته من ذات الجنب:

قال الترمذي في "جامعه": حدثنا محمد بن بشار, حدثنا معاذ بن هشام, حدثني أبي, عن قتادة, عن أبي عبد الله, عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينعت الزيت والورس من ذات الجنب, قال قتادة: يلده ويلده من الجانب الذي يشتكيه.

هذا حديث صحيح, وأبو عبد الله اسمه ميمون شيخ بصري, قاله الترمذي.

تابعه محمد بن أبي بكر المقدمي, عن معاذ بن هشام.

وخرجه الترمذي أيضاً من طريق شعبة, عن خالد الحذاء, أخبرنا ميمون أبو عبد الله سمعت زيد بن أرقم قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتداوى من ذات الجنب بالقسط البحري والزيت.

هذا حديث حسن صحيح غريب. قاله الترمذي.


#324#

وهو في "تاريخ البخاري الكبير" لشعبة.

ورواه يعقوب بن إسحاق الحضرمي [عن] عبد الرحمن بن ميمون, عن أبيه بنحوه.

وقال عبد الملك بن محمد الرقاشي: حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي, حدثني عبد الرحمن بن ميمون, حدثني أبي, عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: نعت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذات الجنب ورساً وزيتاً وقسطاً.

خرجه الحاكم أبو عبد الله في "المستدرك" للرقاشي, وإسناده جيد.

قال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا محمد بن عمر، حدثني عبد الله بن جعفر, عن عثمان بن محمد الأخنسي قال: دخلت أم بشر بن البراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فقالت: يا رسول الله, ما وجدت مثل هذه الحمى التي عليك على أحد, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما يضاعف لنا البلاء كما يضاعف لنا الأجر, ما يقول الناس؟» قال: قلت: يقولون: به ذات الجنب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما كان الله عز وجل ليسلطها على رسوله إنها همزة من الشيطان, ولكنها من الأكلة التي أكلتها أنا وابنك هذا أوان قطعت أبهري».

وله طريق أخرى ستأتي إن شاء الله تعالى.


#325#

$[تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الدنيا وبين ما عند الله]$

وقال الزهري: حدثني أيوب بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عاصباً رأسه حتى جلس على المنبر, ثم كان أول ما تكلم به أن صلى على أصحاب أحد, ثم استغفر لهم وأكثر الصلاة عليهم, ثم قال: «إن عبداً من عباد الله خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله» قال: ففهمها أبو بكر رضي الله عنه وعرف أن نفسه يريد, فبكى وقال: بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا ثم قال: «على رسلك يا أبا بكر, أنظروا هذه الأبواب اللافظة في المسجد فسدوها إلا ما كان من بيت أبي بكر فإني لا أعلم أن أحداً كان أفضل عندي يداً في الصحبة منه».

وفي رواية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ في كلامه: «لو كنت متخذاً من العباد خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً, ولكن صحبة وإخاء إيمان حتى يجمع الله بيننا عنده».

وقال أحمد بن حنبل في "مسنده": حدثنا أبو الوليد, حدثني أبو عوانة, عن عبد الملك بن عمير, عن أبي المعلى, عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوماً فقال: «إن عبداً خيره ربه عز وجل بين أن يعيش في الدنيا ما شاء أن يعيش فيها, ويأكل من الدنيا ما شاء أن


#326#

يأكل, وبين لقاء ربه فاختار لقاء ربه» قال: فبكى أبو بكر رضي الله عنه فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تعجبون من هذا الشيخ يبكي أن ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً صالحاً خيره ربه عز وجل بين لقاء ربه, وبين الدنيا, فاختار لقاء ربه, وكان أبو بكر أعلمهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال أبو بكر: بل نفديك يا رسول الله بأموالنا وأبنائنا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من الناس أحد أمن علينا في صحبته وذات يده من ابن أبي قحافة, ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت ابن أبي قحافة, ولكن ود وإخاء إيمان – مرتين – وإن صاحبكم خليل الله».

وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري وغيره.

وجاء عن أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أمن الناس علينا في نفسه وذات يده أبا بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذته, ولكن أخوة الإسلام, سدوا كل خوخة إلا خوخة أبي بكر» رضي الله عنه.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أحد أعظم عندي يداً من أبي بكر واساني بنفسه وماله, وأنكحني ابنته».

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر» فبكى أبو بكر وقال: ما أنا ومالي إلا لك.


#327#

خرجه أحمد في "مسنده" وابن ماجه في "سننه".

وخرج عبد الرزاق في "جامعه" عن ابن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما مال رجل من المسلمين أنفع لي من مال أبي بكر» قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي في مال أبي بكر كما يقضي في مال نفسه.


#328#

$[مبلغ ما أنفق أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم]$

[قلت]: ومبلغ مال أبي بكر الذي أنفقه على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعون ألفاً:

جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: أنفق أبو بكر رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم أربعون ألفاً.

وروي عن عروة بن الزبير من قوله نحوه.

وأما ما قدمناه في الهجرة عن أسماء أن أبا بكر رضي الله عنهما لما خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني في سفر الهجرة احتمل أبو بكر ماله كله خمسة آلاف درهم أو ستة لا ينافي ما تقدم آنفاً؛ إذ لعله والله أعلم من حين أسلم أبو بكر كان ماله أربعين ألفاً فأنفق منه إلى حين الهجرة فبقي منه هذه الخمسة آلاف أو ستة فاحتملها معه, ثم أنفقها على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن أرباح تلك النفقة ما خرجه الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه, ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يداً يكافئه الله عز وجل بها يوم القيامة».

هذا مع ما خص به رضي الله عنه من الكرامات وحصل له من شريف المقامات وبشر ببعضه كما تقدم قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم.


#329#

ومن ذلك: ما حدث به عبيد الله بن عمر, عن زيد بن أبي أنيسة, عن عمرو بن مرة, عن عبد الله بن الحارث, أخبرنا جندب رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتوفى بخمس يقول: «قد كان لي منكم إخوة وأصدقاء, إني أبرأ إلى الله عز وجل أن يكون لي منكم خليل, ولو كنت متخذاً خليلاً من أمتي لاتخذت أبا بكر خليلاً, وإن ربي عز وجل اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً, ألا إن من قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك».


#330#

$[من وصايا النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته]$

وقال أبو الحسن أحمد بن مكرم البرتي: حدثنا علي بن عبد الله, حدثنا معن بن عيسى القزاز, حدثنا الحارث بن عبد الملك بن عبد الله بن إياس الليثي الأشجعي, عن القاسم بن يزيد بن عبد الله بن قسيط, عن أبيه, عن عطاء بن أبي رباح المكي, عن ابن عباس, عن أخيه الفضل بن عباس رضي الله عنهم قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم, فخرجت إليه، فوجدته موعوكاً قد عصب رأسه, فقال: «خذ بيدي» فأخذت بيده، فانطلق حتى جلس على المنبر ثم قال لي: «ناد في الناس» قال: فصحت في الناس, فلما اجتمعوا إليه حمد الله وأثنى عليه, ثم قال: «أما بعد, أيها الناس, فإنه قد دنا مني حقوق من بين أظهركم, فمن كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد منه, ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه, ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد منه, ولا يقول رجل: إني أخشى الشحناء من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم, ألا وإن الشحناء ليست من طبيعتي ولا من شأني, فإن أحبكم إلي من أخذ شيئاً إن كان له, أو حللني فلقيت الله عز وجل وأنا طيبة نفسي, وإني أرى أن هذا غير مغن عني حتى أقوم فيكم مراراً».

قال الفضل رضي الله عنه: ثم نزل فصلى الظهر, ثم رجع إلى المنبر فعاد لمقالته الأولى بالشحناء وغيرها, فقام رجل فقال: يا رسول الله,


#331#

إن لي عندك ثلاثة دراهم.

قال: «أما إنا لا نكذب قائلاً ولا نستحلفه على يمين, ففيم كانت لك عندي؟» قال: يا رسول الله تذكر يوم مر بك المسكين فأمرتني فأعطيته ثلاثة دراهم؟ قال: «أعطه يا فضل» قال: فأمر به فجلس ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان لنا عنده شيء فليرده, ولا يقول رجل: فضوح الدنيا, ألا وإن فضوح الدنيا أيسر من فضوح الآخرة» فقام رجل فقال: يا رسول الله, عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله عز وجل قال: «ولم غللتها؟» قال: كنت محتاجاً إليها. قال: «خذها منه يا فضل» ... وذكر الحديث.

تابعه عبد الرحمن بن يعقوب القلزمي, وموسى بن إسماعيل أبو عمران الحبلي, عن معن بن عيسى القزاز.

خرجه الطبراني في "معجمه الأوسط" عن أبي مسلم الكجي, عن ابن المديني علي بن عبد الله نحوه, وقال: لا يروى هذا الحديث عن الفضل إلا بهذا الإسناد, تفرد به الحارث بن عبد الملك.

قلت: حدث به ابن سعد في "الطبقات" عن كثير بن هشام, أخبرنا جعفر بن برقان قال: حدثني رجل من أهل مكة قال: دخل الفضل


#332#

ابن عباس رضي الله عنهما على النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه فقال: «يا فضل, شد هذه العصابة على رأسي» فشدها, ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أرني يدك؟» قال: فأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فانتهض حتى دخل المسجد, فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: «إنه قد دنا مني حقوق من بين أظهركم» .... وذكر الحديث بنحو ما تقدم.

وخرجه أبو أحمد العسكري في كتابه "المواعظ والزواجر" مطولاً.

وقال الزهري: وحدثني عبد الله بن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم صلى واستغفر لأصحاب أحد, وذكر من أمره ما ذكر قال مع مقالته يومئذ: «يا معشر المهاجرين استوصوا بالأنصار خيراً؛ فإن الناس يزيدون وإن الأنصار على هيئتها لا تزيد, وإنهم كانوا عيبتي التي أويت إليها, فأحسنوا إلى محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم».

وقال سيف بن عمر في كتابه "الفتوح": حدثني سعيد بن عبد الله, عن أبيه قال: لما رأت الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يزداد ثقلاً أطافوا بالمسجد, فدخل العباس رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم, فأعلمه بمكانهم وإشفاقهم ثم دخل عليه الفضل رضي الله عنه فأعلمه بمثل ذلك, ثم دخل عليه علي رضي الله عنه فأخبره بمثل ذلك, فمد يده وقال: «ها» فتناولوه فقال: «ما يقولون؟» قال: يقولون: نخشى أن يموت, وتصايح نساؤهم لاجتماع رجالهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فثار النبي صلى الله عليه وسلم فخرج متوكئاً على علي


#333#

والفضل والعباس أمامه والنبي صلى الله عليه وسلم معصوب الرأس يخط رجليه حتى جلس على أسفل مرقاة من المنبر, وثاب الناس إليه فحمد الله وأثنى عليه وقال: «أيها الناس بلغني أنكم تخافون علي الموت – كأنه استنكار منكم للموت – وما تنكرون من موت نبيكم؟! ألم أنع لكم وتنع لكم أنفسكم؟ هل خلد نبي قبلي فيمن بعث إليه فأخلد فيكم؟! إلا إني لاحق بربي وإنكم لاحقون به, وإني أوصيكم بالمهاجرين الأولين خيراً, وأوصي المهاجرين فيما بينهم فإن الله عز وجل قال: {والعصر . إن الإنسان لفي خسر} – إلة آخرها – وإن الأمور تجري بإذن الله, فلا يحملنكم استبطاء أمر على استعجاله, فإن الله عز وجل لا يعجل لعجلة أحد, ومن غالب الله غلبه, ومن خادع الله خدعه {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم} وأوصيكم بالأنصار خيراً فإنهم الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم أن تحسنوا إليهم، ألم يشاطروكم الثمار؟ ألم يوسعوا عليكم في الدار؟ ألم يؤثروكم على أنفسهم وبهم الخصاصة؟ ألا فمن ولي أن يحكم بين رجلين فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم, ألا ولا تستأثروا عليهم, ألا وإني فرط لكم وأنتم لاحقون بي, ألا وإن موعدكم الحوض, حوض أعرض مما بين بصرى الشام وصنعاء اليمن, يصب فيه ميزاب الكعبة, أشد بياضاً من اللبن وألين من الزبد وأحلى من الشهد, من شرب منه لم يظمأ, أبداً حصباؤه اللؤلؤ وبطحاؤه المسك, من حرمه في الموقف هذا حرم الخير كله, ألا فمن أحب أن يرده علي غداً فليكف يده ولسانه إلا مما ينبغي».

فقال العباس رضي الله عنه: يا نبي الله, أوص بقريش. فقال: «إنما أوصي بهذا


#334#

الأمر قريشاً, الناس تبع لقريش برهم لبرهم, وفاجرهم لفاجرهم, فاستوصوا إلى قريش بالناس خيراً, يا أيها الناس, إن الذنوب تغير النعم وتبدل القسم, فأذا بر الناس برهم أئمتهم, وإذا فجر الناس عقوهم, وقال الله جل وعز: {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون}.


#335#

$[آخر مجلس جلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر]$

وثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر أبو بكر والعباس رضي الله عنهما بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون فقال: ما يبكيكم؟ قالوا: ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم منا, فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك, قال: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد عصب على رأسه حاشية برد قال: فصعد المنبر, ولم يصعده بعد ذلك اليوم, فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: «أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي, وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم, فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم».

ورواه ابن سعد في "الطبقات" فقال: أخبرنا عبيد الله بن موسى العبسي, والفضل بن دكين, وهشام بن الوليد الطيالسي, قالوا: حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال عبيد الله في حديثه: أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: هذه الأنصار في المسجد نساؤها ورجالها يبكون عليك, قال: «وما يبكيهم؟» قال: يخافون أن تموت, ثم اجتمعوا في الحديث, فقالوا جميعاً في حديثهم: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس على المنبر مشتملاً متعطفاً عليه بملحفة طارحاً طرفيها على منكبيه عاصباً رأسه بعصابة. قال عبيد الله:


#336#

وسخة, وقال أبو نعيم وأبو الوليد: دسماء, فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: «يا معشر الناس, إن الناس يكثرون وتقل الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام، فمن ولي من أمرهم شيئا فليقبل من محسنهم وليتجاوز عن مسيئهم».

قال أبو الوليد في حديثه: خرج في مرضه الذي مات فيه وكان آخر مجلس جلسه حتى قبض صلى الله عليه وسلم.

وهذا الحديث وما قبله مصرح أن هذا آخر مجلس جلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبره.


#337#

$[خطبة الوداع بالمدينة]$

وأما تلك الخطبة المسماة بخطبة الوداع التي رويت من طريق أبي المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني, حدثنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن الحسين البكري, أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد الليثي, حدثنا أبو بكر أحمد بن يوسف بن خلاد, حدثنا أبو محمد الحارث بن أبي أسامة, حدثنا داود بن المحبر بن قحذم أبو سليمان البصري, حدثنا ميسرة بن عبد ربه, عن أبي عائشة السعدي, عن يزيد بن عمر بن عبد العزيز, عن أبي سلمة بن عبد الرحمن, عن أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم قالا: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة قبل وفاته, وهي آخر خطبة خطبها صلى الله عليه وسلم بالمدينة حتى لحق بالله فوعظنا فيها موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب واقشعرت منها الجلود, وتقلقلت منها الأحشاء, ثم أمر بلالاً فنادى: الصلاة جامعة, قبل أن يتكلم, فاجتمع إليه الناس فارتقى المنبر, وقال: «يا أيها الناس, ادنوا وأوسعوا لمن خلفكم» ثلاث مرات, فدنا الناس, واضظم بعضهم إلى بعض وجعلوا يلتفتون فلا يرون أحداً فقام رجل فقال: لمن نوسع؟ للملائكة؟! فقال: «نعم؛ لأنهم إذا كانوا معكم لم يكونوا من بين أيديكم ولا من خلفكم, ولكن يكونون عن أيمانكم وشمائلكم» قال: ولم لا يكونون بين أيدينا ولا خلفنا؟ أهم أفضل منا؟ قال: «بل أنتم أفضل من


#338#

الملائكة, اجلس» فجلس, ثم خطب فقال: «الحمد لله نحمده ونستعينه ...» الخطبة بطولها.

فهي خطبة مصنوعة ملفقة في بضع عشرة ورقة, وإسنادها مظلم وفيه متهمان بالوضع: أحدهما: داود بن المحبر, والثاني: ميسرة بن عبد ربه, وهو أشد وهناً من الأول, قال أبو زرعة عن ميسرة: كان يضع الحديث وضعا.

وإنما ذكرت هذا لبيانه؛ لئلا يغتر به من ليس الحديث من شأنه.


#339#

$[شدة حمى النبي صلى الله عليه وسلم وازدياد وجعه]$

ولما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم على منبره بالأنصار ونزل عنه تتام به وجعه, وكانت حماه شديدة, ووجعه متزايد قال هناد بن السري في كتابه "الزهد": حدثنا أبو الأحوص, عن أشعث بن أبي الشعثاء, عن أبي بردة, عن بعض أمهات المؤمنين قالت: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتد علزه, فلما أفاق, فقلت له: لو أن إحدانا فعلت هذا لخشيت أن تجد عليها, قالت: فقال: «أولا تعلمين أن المؤمن يشدد عليه في وجعه ليحط عنه من خطاياه».

جاء أن هذه القائلة عائشة رضي الله عنها.

ثبت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك، فقلت: يا رسول الله, إنك توعك وعكاً شديداً, قال: «أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم» قلت: ذلك بأن لك أجرين؟ قال: «أجل, ذلك كذلك ما من مسلم يصيبه أذى – شوكة فما فوقها – إلا كفر الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها».

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت أحداً الوجع أشد عليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.


#340#

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا الفضل بن دكين, عن شيبان بن عبد الرحمن.

قال: وأخبرنا مسلم بن إبراهيم, حدثنا أبان بن يزيد العطار جميعاً, قالا: حدثنا يحيى بن أبي كثير, عن أبي قلابة, عن عبد الرحمن بن شيبة, عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وجع, فجعل يشتكي ويتقلب على فراشه, فقالت له عائشة: يا رسول الله, لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه, فقال لها – قال الفضل بن دكين: «إن الصالحين», وقال مسلم بن إبراهيم: - «إن المؤمنين يشدد عليهم؛ لأنه لا يصيب المؤمن نكبة من شوكة فما فوقها» – قال مسلم: «ولا وجع إلا رفع الله له بها درجة, وحط عنه بها خطيئة» ثم قال الفضل بن دكين: «فما فوقها إلا حط بها عنه خطيئة».

وقال أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي: حدثنا خالد بن الحارث, عن شعبة, أخبرني حصين, سمعت أبا عبيدة, عن عمته فاطمة أنها قالت: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نساء نعوده, فإذا سقاء يقطر عليه من شدة ما يجد من الحمى, فقلت: يا رسول الله, لو دعوت الله عز وجل كشف عنك, فقال: «إن من أشد الناس بلاء الأنبياء, ثم الذين يلونهم, ثم الذين يلونهم».


#341#

فاطمة هي أخت حذيفة بن اليمان.

وقال أحمد في "مسنده": حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر, عن زيد بن أسلم عن رجل, عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: وضع رجل يده على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: والله ما أطيق أن أضع يدي عليك من شدة حماك, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنا معشر الأنبياء يضاعف لنا البلاء كما يضاعف لنا الأجر, إن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالقمل حتى يقتله, وإن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالفقر حتى يأخذ العباءة فيجوبها, وإن كانوا ليفرحون بالبلاء كما يفرحون بالرخاء».

وكذلك حدث به في كتابه "الزهد", والرجل المبهم في الإسناد هو عطاء بن يسار.

قال الحاكم أبو عبد الله في "مستدركه": حدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه, حدثنا بشر بن موسى, حدثنا خالد بن خداش بن عجلان المهلبي, حدثنا عبد الله بن وهب, عن هشام بن سعد, عن زيد بن أسلم, عن عطاء بن يسار, عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو محموم فوضعت يدي من فوق القطيفة فوجدت حرارة الحمى, فقلت: ما أشد حماك يا رسول الله! قال: «إنا كذلك معشر الأنبياء, يضاعف علينا الوجع ليضاعف لنا الأجر ....» الحديث.


#342#

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. انتهى.

تابعه محمد بن سعد في "الطبقات" وأبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب "المرض والكفارات" فحدثا به عن خالد بن خداش.

ورواه زيد بن الحباب التميمي العكلي, عن موسى بن عبيدة الربذي, عن زيد بن أسلم, عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ... فذكره بنحوه, ولم يذكر بين زيد بن أسلم وأبي سعيد أحداً.

وحدث به ابن سعد في "الطبقات" عن عبيد الله بن موسى, عن موسى بن عبيدة الربذي كذلك.

وقال عبد الله بن وهب في كتاب "لا هام": أخبرني عبد الرحمن بن زيد, عن أبيه أن أبا الدرداء رضي الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً وعليه حمى فوضعت يدي فآذاني حرها, فقلت: يا رسول الله, إن الحمى تأخذك بشيء ما تأخذ به أحداً! فقال: «إنا كذلك معشر الأنبياء, إنا كما يضاعف علينا البلاء كذلك يضاعف لنا الأجر ...» الحديث.

وقال الإمام أحمد في كتابه "الزهد": حدثنا حسين بن محمد, عن الفضيل بن سليمان, عن محمد بن مطرف, عن أبي حازم, عن عمر بن


#343#

الخطاب رضي الله عنه أنه قال: دخلت على نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو موعوك, فوضعت يدي فوق ثوبه فوجدت حرها من فوق الثوب, فقلت: يا نبي الله, ما رأيت أحداً تأخذه الحمى أشد من أخذها إياك! قال: «كذلك يضاعف لنا الأجر, من أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون, إن كان من الأنبياء لمن يبتلى بالفقر حتى يتدرع العباءة من الفقر, وإن كان منهم ليسلط عليه القمل حتى يقتله».

وحدث ابن سعد في "الطبقات": عن عفان بن مسلم, حدثنا أبو هلال, حدثنا بكر بن عبد الله, أن عمر رضي الله عنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محموم أو مورود قال: فوضع يده عليه فقبضها من شدة حره, فقال: يا نبي الله, ما أشد وردك! أو أشد حماك! قال: «فإني قد قرأت الليلة أو البارحة سبعين سورة فيهن السبع الطول» قال: يا نبي الله قد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر, فلو رفقت بنفسك, أو خففت عن نفسك, قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً».

وخرج أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الرازي في كتاب "الزهد" له من حديث سليمان بن المغيرة, عن ثابت قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يمرض ويصح فلما مرض مرضه الذي توفي فيه قال: «ما أرى هذا إلا الذي ليس الله بتارك منه أحداً لموافاة يوم القيامة».


#344#

وفي ابتداء مرضه صلى الله عليه وسلم سأله أبو بكر أن يمرضه عنده.

روى سيف بن عمر الأسيدي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: جاء أبو بكر رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي فأمرضك وأكون الذي أقوم عليك, فقال: «يا أبا بكر, إن لم أحمل أزواجي وبناتي علاجي, إن دارت مصيبتي عليهم عظماً, وقد وقع أجرك على الله تعالى».


#345#

$[قسم النبي صلى الله عليه وسلم بين نسائه في مرضه]$

ولما اشتد عليه الوجع, كان يحمل صلى الله عليه وسلم في ثوب ليقسم بين نسائه.

حدث محمد بن سعد, عن أنس بن عياض, عن جعفر بن محمد, عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحمل في ثوب يطاف به على نسائه, وهو مريض يقسم بينهن.

وخرجه أحمد في "مسنده" عن عائشة بمعناه.

وقال أبو جعفر أحمد بن محمد الوراق: حدثنا إبراهيم بن سعد, قال ابن إسحاق: ثم استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه أن يكون في بيت عائشة, ويقال: إنما قال ذلك لهن فاطمة رضي الله عنها فقالت: إنه يشق على رسول الله صلى الله عليه وسلم الاختلاف فأذن له, فخرج من بيت ميمونة إلى بيت عائشة تخط رجلاه بين عباس ورجل آخر حتى دخل بيت عائشة رضي الله عنها.

وقال سيف بن عمر: حدثنا سلمة بن نبيط, عن نعيم بن أبي هند, عن شقيق بن سلمة, عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يدور بين نسائه ويتحامل, فقال يوماً لهن وهن مجتمعات عنده: «قد ترين ما قد أصابني من الشكوى, وهو يشتد علي أن أدور بينكن, فلو أذنتن لي فكنت في بيت إحداكن حتى أعلم ما يصنع الله بي» فقالت إحداهن: أي نبي الله, قد أذنا لك وعرفنا البيت الذي تريد, فتحول إليه, فالزمه,


#346#

فإنا لو قدرنا أن نفديك بأنفسنا فديناك وسررناك. قال: «فأي بيت هو؟» قالت: بيت عائشة لا تعدل به. قال: «صدقت» قالت: فتحول [رسول الله] صلى الله عليه وسلم إلى بيتي.

وروى سيف, عن محمد بن عبيد الله, عن أبي الزبير وعبد الله بن عبيد وابن أبي مليكة, قالوا: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه: «أين أنا غداًَ؟» فيقال: في بيت فلانة, فيعرف, ذلك في وجهه, فأجمع ملاء النسوة على الذي يريد أنه أوفق له. فقلن: نعم, قد علمنا الذي تريد, وأحب ذلك إلينا أحبه إليك, وقد أحببنا أن تحول إلى بيت عائشة قال: «أجل», وسر بذلك, وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وروى سيف أيضاً, عن يحيى بن سعيد, عن محمد بن إبراهيم بن الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي مات فيه وهو عند بعض نسائه: «أين أنا غداً؟» قالوا عند فلانة, ثم سأل أيضاً, فقال: «أين أنا غداً؟» وكذلك حتى قال بعض نسائه: إنما تريد بنت أبي بكر, فأذن له, قلن له: يا رسول الله, إنما نحن أخوات, فأنت في حل. قال: «[أكذلك؟» قلن]: نعم، فأخذ ثوبه, ثم أتى بيت عائشة رضي الله عنها.

وروى سيف, عن محمد بن عبيد الله, عن الحكم, عن مقسم, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين العباس وعلي والفضل وهو


#347#

آخذ بظهره, ورجلاه تخطان في الأرض حتى دخل البيت فلم يزل فيه.

وقال الواقدي: حدثني أسامة بن زيد, عن أبيه, عن عطاء بن يسار قال: اجتمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في مرضه الذي مات فيه, فقالت صفية زوجته: أما والله يا نبي الله, لوددت أن الذي بك بي, فغمزنها أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأبصرهن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «مضمضن» فقلن: من أي شيء؟ قال: «من تغامزكن بصاحبتكن, والله إنها لصادقة».


#348#

$[تطبيب عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم]$

وقد جاء أن عائشة رضي الله عنها كانت تعالج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأدوية التي توصف لها لما ضعف صلى الله عليه وسلم في آخر عمره.

خرج أحمد بن حنبل في "مسنده" من حديث هشام بن عروة قال: كان عروة يقول لعائشة: يا أمتاه لا أعجب من فقهك, أقول زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت أبي بكر رضي الله عنه, ولا أعجب من علمك بالشعر, أقول ابنة أبي بكر رضي الله عنه, ولكن أعجب من علمك بالطب, كيف هو, ومن أين هو؟ قال: فضربت على منكبه وقالت: أي عروة, إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان سقم عند آخر عمره أو في آخر عمره, فكانت تقدم عليه وفود العرب, فتنعت له الأنعات فكنت أعالجها, فمن ثم.

وخرجه الحاكم في "مستدركه" لهشام ولفظه قلت لعائشة: قد أخذت السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, والشعر والعربية عن العرب, فعمن أخذت الطب؟ قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رجلاً مسقاماً, وكان العرب يأتونه فأتعلم منهم.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد, ولم يخرجاه.

وهو في "الحلية" لأبي نعيم بنحو الحديث الأول, وخرجه أبو نعيم أيضاً في كتاب "الطب".


#349#

وثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات, ومسح عليه بيده, فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه, طفقت أنفث عليه بالمعوذات التي كان ينفث وأمسح بيد النبي صلى الله عليه وسلم لبركتها.

وفي بعض طرقه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه, جمع كفيه ثم نفث فيهما بـ: {قل هو الله أحد} و{قل أعوذ برب الفلق} و{قل أعوذ برب الناس} ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده, يبدأ بهما على رأسه ووجهه, وما أقبل من جسده, فيفعل ذلك ثلاث مرات.

قالت عائشة رضي الله عنها: فلما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرني أن أفعل ذلك.

وقال محمد بن سعد في "الطبقات": أخبرنا عارم بن الفضل وسليمان بن حرب وخالد بن خداش, قالوا: حدثنا حماد بن زيد, عن عمرو بن مالك النكري, عن أبي الجوزاء, عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أعوذ النبي صلى الله عليه وسلم بدعاء إذا مرض: أذهب الباس رب الناس, بيدك الشفاء, لا شافي إلا أنت, اشف شفاء لا يغادر سقماً, قالت: فلما


#350#

كان مرضه الذي مات فيه ذهبت أعوذه به, فقال: «ارتفعي عني, فإنه إنما كان ينفعني في المدة».

وهو في "مسند أحمد" بنحوه.

وحدث به ابن سعد, عن إسحاق بن يوسف الأزرق, حدثنا هشام الدستوائي, [عن حماد], عن إبراهيم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عاد مريضاً مسح بيده على وجهه وصدره, وقال: «اذهب الباس رب الناس, واشف وأنت الشافي, لا شفاء إلا شفاؤك, شفاء لا يغادر سقماً» قال: فلما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم تساند إلى عائشة رضي الله عنها فأخذت بيده فجعلت تمسحها على وجهه وصدره, وتقول هؤلاء الكلمات, فانتزع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده منها وقال: «اللهم أعلى جنة الخلد».

وحدث به أيضاً عن عفان بن مسلم, حدثنا حماد بن سلمة, [عن حماد] عن إبراهيم, عن الأسود, عن عائشة .... فذكر نحوه, إلا أنه قال: وقال: «أسأل الله الرفيق الأعلى الأسعد».

ورواه أيضاً عن يحيى بن حماد, حدثنا أبو عوانة, عن سليمان – يعني الأعمش – عن أبي الضحى, عن مسروق, عن عائشة بنحوه,


#351#

وفيه قالت: فانتزع يده من يدي فقال: «اللهم اغفر لي واجعلني في الرفيق الأعلى» مرتين, قالت: فما علمت بموته حتى وجدت ثقله.

وروى الإمام أحمد في "مسنده" فقال: حدثنا سريج, حدثنا نافع, عن ابن أبي مليكة, قالت عائشة رضي الله عنها: مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعت يدي على صدره فقلت: أذهب الباس رب الناس, أنت الطبيب, وأنت الشافي, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «وألحقني بالرفيق الأعلى».

وروى أبو يحيى – عبد الله بن أحمد بن زكريا – حدثنا خلاد بن يحيى, حدثنا سفيان, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي بردة, عن عائشة رضي الله عنها قالت: أغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في حجري, فجعلت أمسح وجهه وأدعو له بالشفاء, فقال: «لا, بل اسألي الله الرفيق الأعلى الأسعد, مع جبريل [وميكائل وإسرافيل».

خرجه ابن حبان في "صحيحه" بنحوه.


#352#

$[رقية جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم]$

وقد ورد أن جبريل] عليه السلام رقى النبي صلى الله عليه وسلم:

قال علي بن عياش: حدثنا ابن ثوبان, عن عمير بن هانئ: أنه سمع جنادة بن أبي أمية, سمعت عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو يوعك, فقال: باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك, من حسد حاسد, ومن كل عين, اسم الله يشفيك.

تابعه زيد بن الحباب فيما خرجه أبو محمد عبد بن حميد في "مسنده" فقال: حدثني ابن أبي شيبة, حدثنا زيد بن الحباب, عن عبد الرحمن بن ثوبان, أخبرني عمير بن هانئ, وذكره بنحوه.

وخرجه الإمام أحمد في "مسنده" من طرق إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه منها: أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اشتكيت يا محمد؟ قال: «نعم» قال: باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك, من شر كل نفس وعين يشفيك, باسم الله أرقيك.

وهو في "صحيح مسلم" و"جامع الترمذي", وفي كتاب "مساؤي


#353#

الأخلاق" تأليف أبي بكر الخرائطي ولفظه: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فرقاه جبريل عليه السلام فقال: باسم الله أرقيك, من كل شيء يؤذيك, من كل حاسد وعين, الله يشفيك.

وقال أسد بن موسى: حدثنا الفضيل بن مرزوق, عن ميسرة بن حبيب, عن المنهال بن عمرو, عن محمد بن علي – وهو ابن الحنفية – عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يشتكي, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أعلمك رقية رقاني بها جبريل عليه السلام» قال: بلى يا رسول الله, قال: فعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بسم الله أرقيك, والله يشفيك من كل داء يعنيك, خذها فلتغنيك».

وله شاهد, عن عائشة رضي الله عنها.

وقال محمد بن سعد في "الطبقات": أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري, حدثنا ابن جريج, أخبرني عطاء وعمرو بن شعيب وجبير بن أبي سليمان أن جبريل عليه السلام كان يعوذ محمداً صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم, باسم الله أرقيك, من كل شيء يؤذيك, من شر كل عين ونفس حاسد وباغ يبغيك, باسم الله أرقيك, والله يشفيك.

وقال الحافظ أبو جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة الكوفي: حدثنا أحمد بن طارق الوابشي, حدثنا علي بن هاشم, عن محمد بن عبيد


#354#

الله, عن عون بن أبي رافع, عن أبيه, عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: دخلت على نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو مريض, فإذا رأسه في حجر رجل أحسن ما رأيت من الخلق, والنبي صلى الله عليه وسلم نائم, فلما دخلت عليه قلت: أدنو؟ قال الرجل: أدن إلى ابن عمك, فأنت أحق به مني, فدنوت منهما, فقام الرجل وجلست مكانه, ووضعت رأس النبي صلى الله عليه وسلم في حجري كما كان في حجر الرجل, فمكثت ساعة, ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ فقال: «أين الرجل الذي كان رأسي في حجره؟» فقلت: لما دخلت عليك دعاني, ثم قال: ادن إلى ابن عمك فأنت أحق به مني, ثم قام فجلست مكانه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فهل تدري من الرجل؟» قلت: لا بأبي وأمي, قال: «ذلك جبريل عليه السلام كان يحدثني حتى خف عني وجعي ونمت, ورأسي في حجره».

إسناده ضعيف, ومحمد هذا هو ابن عبيد الله بن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم, وهو شيعي كالراوي عنه, وقد ضعفا.


#355#

$[رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في الكتابه لأصحابه عند موته]$

وثبت عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة, عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: يوم الخميس وما يوم الخميس! ثم بكى حتى بل دمعه الحصى، ثم قال: اشتد برسول الله {صلى الله عليه وسلم] وجعه فقال: «ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا» فتنازعوا، ولا ينبغي عند [نبي] تنازع.

وفي رواية: فقال بعضهم لبعض.

وفي رواية: قال عمر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده، ومنهم من يقول غير ذلك، فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قوموا» قال عبيد الله: فكان ابن عباس رضي الله عنه يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين أن يكتب هم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم.


#356#

وخرجه الطبراني في "معجمه الكبير" من حديث قيس بن الربيع، عن الأعمش، عن عبد الله بن عبد الله، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما كان يوم الخميس وما يوم الخميس! ثم بكى فقال: [قال] رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ائتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا» فقالوا: يهجر رسول الله، ثم سكتوا وسكت قالوا: يا رسول الله، ألا نأتيك [بعد]، قال: «بعد ما».

وقد صح هذا في "صحيح مسلم" من حديث طلحة بن مصرف، عن سعيد بن جبير دون الزيادة التي أولها: ثم سكتوا.

قال الإمام أبو بكر البيهقي رحمة الله عليه حين روى الحديث: وإن عمر رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع .. الحديث.

قال البيهقي: وإنما قصد عمر بن الخطاب رضي الله عنه التخفيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم [حين رآه قد غلب عليه الوجع، ولو كان ما يريد النبي صلى الله عليه وسلم] أن يكتب شيئا مفروضا لا يستغنون عنه لم يتركه باختلافهم ولغطهم لقول الله عز وجل: {بلغ ما أنزل إليك من ربك} كما لم يترك تبليغ غيره لمخالفة من خالفه ومعاداة من عاداه، وإنما أراد فيما حكى سفيان بن عيينة عن أهل [العلم قبله أن] يكتب لهم


#357#

استخلاف أبي بكر رضي الله عنه ثم ترك كتبته اعتمادا على ما علم من تقدير الله تعالى ذلك، كما هم [به] في ابتداء مرضه حين قال: «وارأساه». ثم بدا له أن لا يكتب وقال: «يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر».


#358#

$[رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في الكتابة باستخلاف أبي بكر الصديق]$

قلت: قال الحسن بن عرفة: حدثنا أبو معاوية محمد بن خازم الضرير، عن عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن أبي بكر «ائتني بكتف حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه بعدي» قالت: فلما قام عبد الرحمن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبى الله والمؤمنون أن يختلف على أبي بكر الصديق رضي الله عنه».

وحدث به أسد السنة في كتابه "فضائل أبي بكر وعمر" رضي الله عنهما عن محمد بن خازم.

وكذلك أحمد في "مسنده" فقال: حدثنا أبو معاوية، حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن أبي بكر: «ائتني بكتف أو لوح حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه» فلما


#359#

ذهب عبد الرحمن ليقوم قال: «أبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر».

ورواه محمد بن أبان الجعفي: حدثنا عبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبي ملكية، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه: «ادعي لي عبد الرحمن بن أبي بكر، أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه أحد بعدي» ثم قال: «دعيه، معاذ الله أن يختلف المؤمنون في أبي بكر رضي الله عنه».

تابعهما نافع بن عمر الجمحي، فرواه عن ابن أبي مليكة كرواية عبد الرحمن وعبد العزيز.

وقال مسلم في "صحيحه": حدثني عبيد الله بن سعيد، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا إبراهيم بن سعد، حدثنا صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: «ادعي لي أبا بكر أباك وأخاك، حتى أكتب كتابا، فإني أخاف أن يتمنى متمن، ويقول قائل أنا ولا، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر».

وفي "كتاب السنة" لأبي بكر بن أبي عاصم من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: «ألا أرسل إلى ابن أبي قحافة وابنه، فلا يطمع في هذا الأمر طامع»، ثم قال: «كلا ويدفع الله، ويدفع بالمؤمنين».


#360#

وجاء من طريق جعفر بن شاكر الصائغ حدثنا الخليل بن زكريا، حدثنا محمد بن ثابت، حدثني أبي، عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا عائشة - في شكاته التي توفي فيها – أدعي لي عبد الرحمن بن أبي بكر، حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه أحد بعدي، معاذ الله لا يختلف على أبي بكر أحد من المؤمنين»


#361#

$[استخلاف أبي بكر رضي الله عنه]$

قال البيهقي: ثم نبه صلى الله عليه وسلم أمته على خلافته – يعني أبا بكر – رضي الله عنه باستخلافه إياه في الصلاة, حين عجز عن حضورها.

قلت: ونبه صلى الله عليه وسلم على خلافة أبي بكر رضي الله عنه بغير ذلك.

منها: ما رويناه من الحديث المتفق على صحته من طريق محمد بن جبير بن مطعم, عن أبيه قال: أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه, قالت: أرأيت يا رسول الله إن جئت ولم أجدك, كأنها تقول الموت, فقال صلى الله عليه وسلم: «إن لم تجديني فأتي أبا بكر» رضي الله عنه.

وقد روينا من حديث أبي الحسن علي بن عمر الحربي, أخبرنا أبو عبد الله – أحمد بن الحسن الصوفي – حدثنا أبو زكريا يحيى بن معين, حدثنا عبد الله بن صالح, حدثنا الليث بن سعد, عن خالد بن يزيد, عن سعيد بن أبي هلال, عن ربيعة بن سيف قال: كنا عند شفي الأصبحي فقال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: [سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:] «يكون خلفي اثنا عشر خليفة: أبو بكر لا يلبث خلفي إلا قليلاً, وصاحب رحى دارة العرب يعيش حميداً ويموت شهيداً»,


#362#

قالوا: ومن هو؟ قال: «عمر بن الخطاب», قال: ثم التفت إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال: «يا عثمان إن كساك الله قميصاً فأرادك [الناس] على خلعه فلا تخلعه, فوالذي نفسي بيده لئن خلعته لا ترى الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط».

خرجه ابن حبان في كتاب "الضعفاء" عن الصوفي, وهذا يعد من أفراد أبي صالح وله مناكير هذا منها. بلى, وربيعة بن سيف صاحب مناكير وعجائب, والعجب من ابن معين كيف رواه من غير تبيين؟!.

ومن هذا الضرب: ما رويناه من طريق أبي يعلى الموصلي, حدثنا أبو بهز الصقر بن عبد الرحمن ابن ابنة مالك بن مغول, حدثنا عبد الله بن إدريس, عن المختار بن فلفل, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل بستاناً, وجاء آت فدق الباب, فقال: «يا أنس افتح له وبشره بالجنة وبشره بالخلافة من بعدي» قال: قلت: يا رسول الله, أعلمه؟ قال: «أعلمه» فإذا أبو بكر رضي الله عنه فقلت: أبشر بالجنة, وأبشر بالخلافة من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: ثم جاء آت فدق الباب .... وذكر الحديث في عمر وعثمان.


#363#

وهذا موضوع من قبل الصقر, ذاك الكذاب الوضاع, ولا يلتفت إلى قول أبي حاتم فيه: صدوق, قال الذهبي: من أين جاءه الصدق؟!

وله طريق أخرى عن أبان بن أبي عياش, عن أنس.

وقد قدمنا في ذكر بناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم من حديث يحيى الحماني, عن حشرج بن نباتة, حدثنا سعيد بن جمهان, عن سفينة قال: لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وضع حجراً ثم قال: «ليضع أبو بكر حجراً إلى حجري, ثم ليضع عمر حجراً إلى حجر أبي بكر» ثم قال: «ليضع عثمان إلى حجر عمر» ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «هؤلاء الخلفاء بعدي».

وله شاهد نحوه في الضعف, عن ابن عمر, وتقدم.

وقال قريش بن أنس: حدثنا صالح بن أبي الأخضر, عن الزهري, عن رجل سمعت أبا ذر رضي الله عنه يقول: لا أذكر عثمان إلا بخير بعد شيء رأيته, كنت رجلاً أتتبع خلوات رسول الله صلى الله عليه وسلم,


#364#

فرأيته وحده, فجلست فجاء أبو بكر فسلم وجلس, ثم جاء عمر, ثم عثمان رضي الله عنهم وبين يدي النبي صلى الله عليه وسلم سبع حصيات فأخذهن فوضعهن في كفه فسبحن حتى سمعت لهن خنيناً كخنين النحل, ثم وضعهن فخرسن, ثم أخذهن فوضعهن في يد أبي بكر فسبحن, ثم وضعهن فخرسن, ثم وضعهن في يد عمر فسبحن, ثم وضعهن فخرسن, ثم وضعهن في يد عثمان فسبحن, ثم وضعهن فخرسن, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه خلافة النبوة».

ورواه شعيب بن أبي حمزة, عن الزهري قال: ذكر الوليد بن سويد أن رجلاً من بني سليم كبير السن, كان ممن أدرك أبا ذر بالربذة, ذكر له هذا الحديث عن أبي ذر.

وجاء عن عاصم بن حميد, عن أبي ذر.

وله شاهد عن أنس رضي الله عنه لكنه من طريقين واهيين, والله أعلم.

وفي نسخة عصمة بن مالك بن أمية الخطمي رضي الله عنه التي رواها الطبراني, عن أحمد بن رشدين المصري, حدثنا خالد بن عبد السلام


#365#

الصدفي, حدثنا الفضل بن المختار, عن عبد الله بن موهب, عن عصمة قال: قدم رجل من أهل البادية بإبل له, فلقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتراها منه فلقيه علي رضي الله عنه فقال: ما أقدمك؟ قال: قدمت بإبل فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فنقدك؟ قال: لا, ولكن بعتها منه بتأخير, فقال له علي رضي الله عنه: ارجع إليه فقل له: يا رسول الله, إن حدث بك حدث من يقضيني مالي, وانظر ما يقول لك, فارجع إلي حتى تعلمني, فقال: يا رسول الله, إن حدث بك حدث من يقضيني؟ قال: «أبو بكر» فأعلم علياً, فقال له: فارجع فاسأله, فإن حدث بأبي بكر فمن يقضيني, فجاءه فسأله, فقال: «عمر» فأعلم علياً, فقال له: ارجع فاسأله إذا مات عمر, فسأله, فقال رسول الله صلى الله عله وسلم: «ويحك إذا مات عمر, فإن استطعت أن تموت فمت».

وروى أحمد بن عبد المؤمن المصري, عن يعقوب بن عبد الرحمن الحنفي, عن محمد بن جابر, حدثنا أبو مالك الأشجعي, حدثني أبو العريض دليل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمال فأتيته أتقاضاه فقضاني جملاً منها وبقيت بقية, فقلت: يا رسول الله, أرأيت إن لم أجدك؟ قال: «فات أبا بكر» فلقيني علي رضي الله عنهما فقال: ارجع فاسأله إن لم أجد أبا بكر, قال: فرجعت, قال: «فأت عمر» قال: فلقيني علي رضي الله عنه فقال: ارجع فقل له: إن لم أجد عمر قال فرجعت, فقال: «ائت عثمان» فرجعت إلى علي رضي الله عنهما فأخبرته.


#366#

وحدث بنحوه محمد بن المسيب الأرغياني, عن أبي حاتم الرازي, عن محمد بن دينار, عن عبد الله بن المطلب, عن محمد بن جابر.

وقال البيهقي بعد قوله: ثم نبه صلى الله عليه وسلم أمته على خلافته – يعني أبا بكر رضي الله عنه – باستخلافه إياه في الصلاة, حين عجز عن حضورها قال: وإن كان المراد به رفع الخلاف في الدين, فإن عمر رضي الله عنه علم أن الله تعالى قد أكمل دينه بقوله تعالى : {اليوم أكملت لكم دينكم} وعلم أنه لا تحدث واقعة إلى يوم القيامة إلا في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بيانها نصاً أو دلالة, وفي نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على جميع ذلك في مرض موته مع شدة وعكه مما يشق عليه, فرأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الاقتصار على ما سبق بيانه نصاً أو دلالة تخفيفاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولكي لا تزول فضيلة أهل العلم بالاجتهاد في الاستنباط وإلحاق الفروع بالأصول بما دل الكتاب والسنة عليه, وفيما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران, وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد» دليل على أنه صلى الله عليه وسلم وكل [بيان] بعض الأحكام إلى اجتهاد العلماء, وأنه أحرز من أصاب منهم الأجرين الموعودين أحدهما بالاجتهاد, والآخر بإصابة العين المطلوبة بما عليها من الدلالة في الكتاب أو السنة, وأنه أحرز من اجتهد فأخطأ أجراً واحداً باجتهاده ورفع عنه إثم الخطأ, وذلك في أحكام الشريعة التي لم يأت بيانها نصاً, وإنما ورد خفياً, فأما مسائل الأصول فقد ورد بيانها جلياً، فلا عذر لمن خالف بيانه, (فرأى عمر بن


#367#

الخطاب رضي الله عنه من الصواب تركه على هذه الجملة) لما فيه من فضيلة العلماء بالاجتهاد, وإلحاق الفروع بالأصول بالدلالة مع طلب التخفيف على صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم, وفي ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنكار عليه فيما قال دليل واضح على استصوابه رأيه, وبالله التوفيق. انتهى.


#368#

$[استخلاف النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر في الصلاة]$

واستخلاف النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه في الصلاة: ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: «مروا أبا بكر فليصل بالناس» قالت عائشة: فقلت: إن أبا بكر إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء, فمر عمر فليصل بالناس فقال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس» قالت عائشة: فقلت لحفصة: قولي له: إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء, فمر عمر فليصل للناس, ففعلت حفصة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مه, إنكن لأنتن صواحب يوسف, مروا أبا بكر فليصل بالناس» فقالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيراً.

ورواه يونس بن يزيد الأيلي وشعيب بن أبي حمزة, عن الزهري, حدثني حمزة بن عبد الله بن عمر, عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: لما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم شكواه الذي توفي فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليصل للناس أبو بكر» وذكر الحديث, وفي آخره قالت عائشة: فوالله ما حملني حينئذ على أن أكلمه في ذلك إلا كراهية أن يتشاءم الناس بأول رجل يقوم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما كان يقع في نفسي أن يحب الناس رجلا يقوم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدا.


#369#

وفي رواية عن عائشة رضي الله عنها قالت: والله ما أقول ذلك إلا أني كنت أحب أن يصرف ذلك عن أبي بكر, وعرفت أن الناس لا يحبون رجلاً قام مقامه أبداً, وإن الناس سيتشاءمون به في كل حدث كان, [فكنت] أحب أن يصرف ذلك عن أبي بكر رضي الله عنه.

وقال أبو يعلى الموصلي: حدثنا زكريا بن يحيى, حدثنا يوسف بن خالد, حدثنا موسى بن دينار المكي, حدثنا موسى بن طلحة, عن عائشة بنت سعد, عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليصل أبو بكر بالناس» قالوا: يا رسول الله لو أمرت غيره أن يصلي, قال: «لا ينبغي لأمتي أن يؤمهم إمام وفيهم أبو بكر» رضي الله عنه.

وخرجه الطبراني في "معجمه الأوسط" من حديث محمد بن سلمة, عن محمد بن إسحاق, عن الزهري, عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام, عن أبيه, عن [عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد] بن عبد العزى رضي الله عنه قال لما استعن برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده في نفر من المسلمين دعاه


#370#

بلال [رضي الله عنه] إلى الصلاة فقال: «مروا أبا بكر يصلي بالناس» قال عبد الله بن زمعة: فخرجت فإذا عمر في الناس وكان أبو بكر غائباً, فقلت: يا عمر, قم [فصل بالناس, قال]: فقام فكبر فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته, قال: وكان عمر رضي الله عنه رجلاً جهيراً, قال: فقال: «وأين أبو بكر؟ يأبى الله [ذلك] والمسلمون» مرتين, قال: فبعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلى عمر بالناس, فقال عبد الله بن زمعة: قال لي عمر: ويحك ماذا فعلت بي يا ابن زمعة؟ والله ما ظننت حين أمرتني إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك بذلك ولولا ذلك ما صليت بالناس, قال: قلت: والله ما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولكن حين لم أر أبا بكر رأيتك أحق من حضر بالصلاة في الناس.

لم يرو هذا الحديث عن الزهري إلا محمد بن إسحاق, ولا يروى عن عبد الله بن زمعة إلا بهذا الإسناد, قاله الطبراني.

ورواه متابعة لابن سلمة إبراهيم بن سعد, وإسحاق بن يوسف الأزرق, وعبد الأعلى, ويونس بن بكير.

ومن طريقه خرجه الحاكم أبو عبد الله في "مستدركه" وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن الزهري إلا محمد بن إسحاق, ولا يروى عن عبد الله بن زمعة إلا بهذا الإسناد.


#371#

قلت: ورواه عن الزهري أيضاً ابن أخيه محمد بن عبد الله.

قال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا محمد بن عمر, حدثني محمد بن عبد الله, عن الزهري, عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن, عن أبيه .... فذكره.

وخرج القصة أحمد بن حنبل في "مسنده" عن عبد الأعلى, حدثنا معمر, عن الزهري قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم – وهو في بيت ميمونة – لعبد الله بن زمعة: «مر الناس فليصلوا» ... وذكر القصة بنحوها.

وقال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا وكيع, حدثنا إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن أرقم بن شرحبيل, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه, فكان في بيت عائشة قال: «أدعو لي علياً» قالت عائشة: ندعو لك أبا بكر؟ قال: «ادعوه», قالت حفصة: يا رسول الله, ندعو لك عمر قال: «ادعوه», قالت أم الفضل: يا رسول الله ندعو لك العباس, قال: «ادعوه», فلما اجتمعوا رفع رأسه فلم ير علياً فسكت, فقال عمر: قوموا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بلال يؤذنه بالصلاة, فقال: «مروا أبا بكر يصلي بالناس» فقالت عائشة: إن أبا بكر رجل حصر, ومتى لا يراك الناس يبكون, فلو أمرت عمر يصلي بالناس, فخرج أبو بكر فصلى بالناس, فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة, فخرج يهادي بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض, فلما رآه الناس سبحوا بأبي بكر, فذهب يتأخر, فأوما إليه أي مكانك, فجاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى جلس, وقام أبو بكر


#372#

عن يمينه, فكان أبو بكر يأتم بالنبي صلى الله عليه وسلم, والناس يأتمون بأبي بكر. قال ابن عباس: وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم من حيث كان بلغ أبو بكر, ومات في مرضه ذاك صلى الله عليه وسلم.

خرجه أسد بن موسى في كتابه "فضائل أبي بكر وعمر" رضي الله عنهما فقال: حدثنا إسرائيل, عن إبي إسحاق, عن الأرقم بن شرحبيل, قال: سافرت مع ابن عباس من المدينة إلى الشام فسألته: أوصى النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما مرض مرضه الذي مات فيه كان في بيت عائشة رضي الله عنها فقال: «ادعوا لي علياً» ... الحديث بنحوه, وزاد في آخره: فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يوص.

تابعه زكريا بن أبي زائدة, عن أبي إسحاق.

أرقم بن شرحبيل هذا ليس بأخي هزيل – والله أعلم – بل هو أرقم بن أبي أرقم, واسم أبي أرقم فيما قاله ابن الجوزي: شرحبيل.

وأرقم بن أبي أرقم روى حميد بن مهران الخياط عنه قال: سئل ابن عباس رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل؟ قال: نعم, مرتين.

خرجه البخاري في "تاريخه الكبير" وقال: هو – يعني أرقم – شيخ مجهول, لا يعرف إلا بهذا. انتهى.

وأما أرقم بن شرحبيل أخو هزيل فهو من الرواة عن ابن مسعود, قال البخاري: ولم يذكر أبو إسحاق سماعاً منه.


#373#

وثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: «أصلى الناس؟» قلنا: لا, هم ينتظرونك يا رسول الله, قال: «ضعوا لي ماء في المخضب» ففعل فاغتسل, ثم ذهب لينوء فأغمي عليه, ثم أفاق فقال: «أصلى الناس؟» قلنا: لا, هم ينتظرونك يا رسول الله, قال: «ضعوا لي ماء في المخضب» ففعل فاغتسل, ثم ذهب لينوء فأغمي عليه, ثم أفاق فقال: «أصلى الناس؟» قلنا: لا, هم ينتظرونك يا رسول الله, والناس عكوف في المسجد ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة, فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر رضي الله عنه بأن يصلي بالناس, فأتاه الرسول فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس, فقال أبو بكر – وكان رجلاً رقيقاً: يا عمر صل بالناس, فقال له عمر: أنت أحق بذلك, فصلى أبو بكر تلك الأيام.

وحدث موسى بن عبيدة الربذي, عن مصعب بن محمد, عن أبي سلمة بن عبد الرحمن, عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم باباً, أو كشف ستراً بينه وبين الناس, وهم يصلون خلف أبي بكر, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من نبي توفاه الله تعالى حتى يؤمه رجل من أمته».

ورواه مختصراً عبد الله بن وهب وابن القاسم, فقالا: حدثنا مالك بن أنس, عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما مات نبي حتى يؤمه رجل من أمته» .... الحديث.


#374#@

وقال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا أسود بن عامر, حدثني عبد الحميد بن أبي جعفر – يعني الفراء – عن إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن زيد بن يثيع, عن علي رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله, من نؤمر بعدك؟ قال: «إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أميناً زاهداً في الدنيا, راغباً في الآخرة, وإن تؤمروا عمر تجدوه قوياً أميناً, لا يخاف في الله لومة لائم, وإن تؤمروا علياً, ولا أراكم فاعلين تجدوه هادياً مهدياً يأخذ بكم الطريق المستقيم».

تابعه سفيان الثوري فيما قاله أبو حامد بن الشرقي, حدثنا أبو الأزهر أحمد بن الأزهر, حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا يحيى بن العلاء, عن سفيان الثوري, ح.

وقال أيضاً: حدثنا حمدان السلمي, حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا النعمان بن شيبة, عن سفيان الثوري, عن أبي إسحاق, عن زيد .... فذكره بنحوه.

وحدث به أبو الصلت الهروي عبد السلام بن صالح, عن عبد الله


#375#

ابن محمد, هو ابن نمير, حدثنا سفيان, حدثنا شريك, عن أبي إسحاق .... فذكره.

وقال البرقاني: رواه عبد الرزاق وابن هراسة, عن الثوري, لم يذكرا شريكاً.

وقال الإمام الزاهد أبو بكر محمد بن إسحاق البخاري الكلاباذي في كتابه "معاني الأخبار": حدثنا حاتم بن عقيل, حدثنا يحيى بن إسماعيل, حدثنا يحيى الحماني, حدثنا شريك, عن أبي اليقظان, عن أبي وائل, عن حذيفة رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله, ألا تستخلف علينا, فقال: «إن أستخلف عليكم خليفة من بعدي ثم عصيتم خليفتي نزل العذاب بكم», ثم قال: «إن تولوا هذا الأمر أبا بكر, تجدوه قوياً في أمر الله، ضعيفا في بدنه، وإن تولوها عمر [تجدوه قويا في أمر الله] قوياً في بدنه, وإن تولوها علياً – ولن تفعلوا – تجدوه هادياً مهدياً, يسلك بكم الطريق المستقيم».

قال الإمام أبو بكر الكلاباذي رحمه الله: النبي صلى الله عليه وسلم كان أفطن الخلق كلهم, وأبعدهم عما يخل بأفعاله, سمع الله تعالى يقول حكاية عن كليمه حين قال لأخيه هارون: {أخلفني في قومي} فكان منهم ما كان من عبادتهم العجل, فكانت توبتهم أغلظ توبة, قال الله تعالى {فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم} فحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم في


#376#

الاستخلاف عليهم ما حل بقوم موسى, واستخلف الله عليهم, فقال: «الله خليفتي عليكم» فخار الله لهم, فاستخلف الله أبا بكر, فهو رضي الله عنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إشارة, وخليفة الله بياناً.

وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أبا بكر ضعيف في بدنه, قوي في أمر الله, وأن عمر قوي في بدنه, قوي في أمر الله, وأجمع أهل السنة والجماعة أن خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر, ثم عمر. وقال ابن عمر: كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم, فنخير أبا بكر, ثم عمر بن الخطاب, ثم عثمان بن عفان.

ثم ذكر أبو بكر الكلاباذي إسناده إلى ابن عمر, ثم قال: فكان أبو بكر خيراً من عمر وهو أضعف بدناً من عمر, وعمر أقوى بدناً منه, وكلاهما قويان في أمر الله رضي الله عنهما فدل ذلك على أن الفضل ليس من جهة قوة الأبدان, ولا بكثرة الأعمال؛ لأن من كان أقوى بدناً مع قوته في أمر الله يجب أن يكون أكثر عملاً, فدل ذلك على أن كثرة العمل لا توجب الفضل, وإنما يوجب الفضل صحة العمل, ومعنى في السر, بل إنما يكون الفضل لمن فضله الله, والله تعالى لا يفعل شيئاً بعلة, وإنما يفعل ما يفعل بالمشيئة, فيختار من يشاء ويفضل من يريد, وهو الحكيم الخبير, ثم يجعل في قلب من فضله واختاره معنى يكون ذلك علماً لفضله, ودليلاً على اختيار الله له, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أبا بكر لم يفضلكم بكثرة صلاة ولا صيام, ولكن بشيء وقر في قلبه» انتهى قوله.

وقال أبو بكر بن عياش الكوفي المقرئ أحد الأعلام: أبو بكر رضي الله عنه


#377#

خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن؛ لأن في القرآن في المهاجرين {أولئك هم الصادقون} فمن سماه الله تعالى صادقاً لم يكذب, هم سموه وقالوا: يا خليفة رسول الله.


#378#

$[تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من اتخاذ قبره وقبر غيره مسجداً]$

ولما انقطع النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بالمسلمين قوي به سقمه واشتد مرضه, فكان يغتم تارة ويفيق أخرى:

ثبت عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه, فإذا اغتم كشفها عن وجهه, فقال وهو كذلك: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» يحذر ما صنعوا.

وخرج الطبراني في "معجمه الكبير": من حديث محمد بن سلمة, عن محمد بن إسحاق, حدثني صالح بن كيسان, عن الزهري, عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أن عائشة رضي الله عنها قالت: كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة سوداء حين اشتد به وجعه, فهو يضعها مرة على وجهه, ومرة يكشفها ويقول: «قاتل الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» يحذر ذلك على أمته.

وقال الفيض بن وثيق: حدثنا جرير بن عبد الحميد, عن حنيف المؤذن, عن أبي الرقاد, عن علقمة بن قيس, عن علي رضي الله عنه قال: مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فأغمي عليه فلما أفاق قال: «يا علي ائذن للناس».


#379#

فأذن علي للناس, وقام على الباب وعرض رجله؛ أن لا يكثروا عليه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله أناساً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».

تابعه أبو موسى الهروي, حدثنا جرير ... فذكره.

وخرجه النسائي في "مسند علي" رضي الله عنه لجرير بنحوه.

وقال يحيى بن معين: حدثنا جرير.. فذكره مرسلاً, لم يذكر فيه علياً.

وكذا رواه أبو خيثمة زهير بن حرب, عن جرير.

وأبو الرقاد: اسمه شويس, وسماه البخاري في "تاريخه الكبير" ومسلم في كتابه "الكنى" شويس, زاد البخاري في نسبه فقال: ابن حياش, وفي نسخة: ابن جياش, والمعروف الأول, والله أعلم.

وقال ابن سعد في "الطبقات": حدثنا عبد الله بن نمير, أخبرنا هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها أن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم تذاكرن عنده في مرضه كنيسة بأرض الحبشة يقال لها مارية, فذكرن من حسنها وتصاويرها, وكانت أم سلمة وأم حبيبة قد أتتا أرض الحبشة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أولئك قوم إذا كان فيهم الرجل


#380#

الصالح بنوا على قبره مسجداً, ثم صوروا فيه تلك الصور, أولئك شرار الخلق عند الله».

قال العلماء: إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجداً؛ خوفاً من المبالغة في تعظيمة والافتتان به, فربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية.

ولما احتاجت الصحابة رضي الله عنهم والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كثر المسلمون وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه, ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها مدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بنوا على القبر حيطاناً مرتفعة مستديرة حوله؛ لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام, ويؤدي إلى المحذور, ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين حرفوهما حتى التقيا حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر ذكره الشيخ أبو زكريا النووي في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى» ... الحديث, ولهذا قال راوي الحديث: ولولا ذلك لأيرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً.


#381#

$[تألم النبي صلى الله عليه وسلم عند موته من أكله الشاة المسمومة بخيبر]$

وثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه: «يا عائشة, ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر, فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم».

وخرج الدارمي في "مسنده" [عن أبي سلمة], عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل الهدية ولا يقبل الصدقة, وأهدت له امرأة من خيبر شاة مصلية, فتناول منها وتناول بشر بن البراء رضي الله عنهما ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده, ثم قال: «إن هذه خبرتني أنها مسمومة» فمات بشر بن البراء, فأرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم: «ما حملك على ما صنعت؟» فقالت: إن كنت نبياً لم يضرك شيء, وإن كنت ملكاً أرحت الناس منك, فقال في مرضه: «ما زلت من الأكلة التي أكلت بخيبر, فهذا أوان انقطاع أبهري» وفي رواية: «ما زالت أكلة خيبر تعادني فالآن أوان قطعت أبهري».

وجاء من طريق بقية: حدثنا أبو بكر العنسي عن يزيد بن أبي


#382#

حبيب ومحمد بن يزيد المصريين قالا: حدثنا نافع, عن ابن عمر, قالت أم سلمة: يا رسول الله, لا يزال يصيبك في كل عام وجع من تلك الشاة المسمومة التي أكلت, فقال: «ما أصابني شيء منها إلا وهو مكتوب علي وآدم عليه السلام في طينته».

وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر, عن الزهري, عن عبد الرحمن ابن كعب بن مالك أن امرأة يهودية أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاة مصلية بخيبر فقال: «ما هذه؟» قالت: هدية, وحذرت أن تقول من الصدقة فلا يأكل منها, فأكل النبي صلى الله عليه وسلم وأكل الصحابة, ثم قال: «أمسكوا», ثم قال للمرأة: «هل سممت هذه الشاة؟» قالت: من أخبرك بهذا؟ قال: «هذا العظم» لساقها وهو في يده صلى الله عليه وسلم قالت: نعم, قال: «لم», قال: قالت: أردت إن كنت كاذباً أن يستريح منك الناس, وإن كنت نبياً لم يضرك [شيء], قال: فاحتجم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة على الكاهل, وأمر أصحابه أن يحتجموا, فاحتجموا فمات بعضهم.

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا سعيد بن سليمان, حدثنا عباد بن العوام, عن هلال بن خباب, عن عكرمة, عن ابن مسعود رضي الله عنه أن امرأة من يهود خيبر أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة, ثم علم بها أنها مسمومة فأرسل إليها فقال: «ما حملك على ما صنعت؟» قالت: أردت أن أعلم إن كنت نبياً فسيطلعك الله عليه, وإن كنت كاذباً


#383#

نريح الناس منك, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد شيئا احتجم, قال: فخرج مرة إلى مكة, فلما أحرم وجد شيئاً فاحتجم.

وهذه المرأة التي سمت الشاة جاءت مسماة. قال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا محمد بن عمر, حدثني إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة, عن داود بن الحصين, عن أبي سفيان, عن أبي هريرة.

قال – يعني ابن عمر -: وحدثني محمد بن عبد الله, عن الزهري, عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك, عن جابر بن عبد الله.

قال: وحدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة, عن يونس بن يوسف, عن سعيد بن المسيب.

قال: وحدثني عمر بن عقبة, عن سعيد, عن ابن عباس, زاد بعضهم على بعض.

قالوا: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر واطمأن, جعلت زينب ابنة الحارث بنت أخي مرحب, وهي امرأة سلام بن مشكم, تسأل أي الشاة أحب إلى محمد صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون الذراع, فعمدت إلى عنز لها فذبحتها وصلتها, ثم عمدت إلى سم لائطي قد شاورت يهود في سموم فأجمعوا لها على هذا السم بعينه, فسمت الشاة وأكثرت في الذراعين والكتف, فلما غابت الشمس وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب بالناس انصرف وهي جالسة عند رحله, فسأل عنها, فقالت: يا أبا القاسم, هدية أهديتها لك, فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت منها فوضعت بين


#384#

يديه, وأصحابه حضور, أو من حضر منهم, وفيهم بشر بن البراء بن معرور, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادنوا فتعشوا» وتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذراع فانتهس منها، وتناول بشر بن البراء عظما آخر فانتهس منه، فلما ازدرد رسول الله صلى الله عليه وسلم ازدرد بشر بن البراء ما في فيه، وأكل القوم منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ارفعوا أيديكم فإن هذه الذراع» أو قال بعضهم: «فإن هذه الشاة تخبرني أنها مسمومة» فقال بشر: والذي أكرمك، لقد وجدت ذلك من أكلتي التي أكلت حين التقمتها، فما منعني أن ألفظها إلا أني كرهت أن أنغص إليك طعامك، فلما أكلت ما في فيك لم أرغب بنفسي عن نفسك، ورجوت ألا تكون ازدرتها وفيها بغي، فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه كالطيلسان وما طله وجعه سنة لا يتحول إلا ما حول، ثم مات.

وقال بعضهم فلم يرم بشر من مكانه حتى توفى، وطرح منها لكلب فأكل، فلم يتبع يده حتى مات، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب ابنة الحارث, فقال: «ما حملك على ما صنعت؟» فقالت: / نلت من قومي ما نلت, قتلت أبي وعمي وزوجي, فقلت: إن كان نبياً ستخبره الذراع, وقال بعضهم: الشاة, وإن كان ملكاً استرحنا منه, ورجعت اليهودية كما كانت, قال: فدفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم [إلى ولاة بشر بن البراء فقتلوها, وهو الثبت, واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم] على كاهله من أجل الذي أكل, حجمه أبو هند بالقرن والشفرة, وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فاحتجموا بأوساط رؤوسهم, وعاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ثلاث سنين, حتى كان وجعه الذي قبض فيه, جعل يقول في مرضه:


#385#

«ما زلت أجد من الأكلة التي أكلتها يوم خيبر عداداً حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري» – عرق في الظهر – وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيداً.

"السم اللائطي" المذكور في هذا الحديث لا يلبث أن يقتل من ساعته, وهو الذي يقول الناس: سم ساعة.

والعداد قال الجوهري في "صحاحه": العداد اهتياح وجع اللديغ, وذلك إذا تمت له سنة مذ يوم لدغ, اهتاج به الألم يقال: عادته اللسعة إذا أتته بعداد, وفي الحديث: «ما زالت أكلة خيبر تعادني, فهذا أوان قطعت أبهري».

وقال الشاعر:

يلاقي من تذكر آل ليلى ... كما يلقى السليم من العداد

كذا قال الجوهري إن العداد اهتياج وجع اللديغ، وليس هو خاصا بوجع اللديغ، بل بكل وجع يأتي لوقت.

قال الزبيدي في "مختصر العين": والعداد اهتياج وجع يعاد الرجل، أي يأتيه لوقت معلوم.

وقال أبو الحسين بن فارس في "مجمله" والعداد اهتياج كل وجع يأتي لوقت كحمى الربع والغب.

وقال أبو الحسن علي بن إسماعيل الضرير الأندلسي ابن سيده في كتابه "المحكم": وبه قال: مرض عداد وهو أن يدعه زمانا، ثم


#386#

يعاوده، وقد عاده معادة وعدادا، وكذلك السليم والمجنون، كأن اشتقاقه من الحساب من قبل عدد الشهور والأيام، أي أن الوجع كأنه يعد ما يمضي من السنة، فإذا تمت عاود الملدوغ، وفي الحديث: «ما زالت أكله خيبر تعادني، فهذا أوان قطعت أبهري». قال:

يلاقي من تذكر آل سلمى ... كما يلقى السليم من العداد

وقيل: عداد السليم، أن تعد له سبعة أيام، فإن مضت رجوا له البرء، وما لم تمض قيل هو في عداده وعداد الحمى وقتها المعروف الذي لا يكاد يخطئه. وعم بعضهم بالعداد فقال: هو الشيء يأتيك لوقت، وأصله من العدد كما تقدم.

وذكر الجوهري في "الصحاح" في الأبهر أنه عرق إذا قطع مات صاحبه، وهما أبهران يخرجان من القلب، ثم يتشعب منهما سائر الشرايين.

وقال أبو الحسن ابن سيده في "المحكم" الأبهر عرق في الظهر


#387#

يقال: هو الوريد في العنق، وبعضهم يجعله عرقا مستبطن الصلب، وقيل: الأبهران الأكحلان، وقيل: الأبهر عرق منشؤه من الرأس، ويمتد إلى القدم، وله شرايين تتصل بأكثر الأطراف والبدن، فالذي في الرأس منه يسمى النامة، ومنه قولهم أسكت الله نامته، أي أماته، ويمتد إلى الحلق فيسمى الوربد، ويمتد إلى الصدر فيسمى الأبهر، ويمتد إلى الظهر فيسمى الوتين، والفؤاد معلق به، ويمتد إلى الفخذ فيسمى النسا، ويمتد إلى الساق فيسمى الصافن.

وحجامة النبي صلى الله عليه وسلم على الكاهل لأجل السم الذي أكله؛ لمعنى وهو أن الكاهل أقرب المواضع التي يمكن فيها الحجامة إلى القلب، فاحتجم فيه ليكون أبلغ وأسرع في إخراج المادة [السمية] التي تصل إلى القلب فخرجت مع الدم غير بقايا يسيرة كانت تعاد النبي صلى الله عليه وسلم كل سنة، لما يريد الله تعالى من إكمال مراتب الفضل كلها، فحين أراد الله إكرامه بالشهادة الخطيرة ظهرت بقايا ذلك السم اليسيرة، فقطعت من أبهره صلى الله عليه وسلم، ما كان موصولا ليقضي الله أمرا كان مفعولا وظهر سر قوله تعالى لأعدائه اليهود: {أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون}فجاء بلفظ {كذبتم} بالماضي الذي وقع منهم وتحقق، وجاء بلفظ {تقتلون} بالمستقبل الذي يتوقعونه وينتظرونه، والله أعلم، ذكره بنحوه بعضهم.

وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: حدثنا ابن وهب، أخبرنا ابن


#388#

سمعان: أن ربيعة أخبره أن أبن هند يسارا هو الذي حجم النبي صلى الله عليه وسلم بقرن وشفرة من الشكوى الذي كان يعتريه من الأكلة التي أكلها بخيبر.

وهذا أحد الأقوال في اسم أبي هند [الحجام] مولى بني بياضة.

[وروى أبو اليمان، عن شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري قال: كان جابر رضي الله عنه يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم على كاهله من أجل الشاة التي أكلها، حجمه أبو هند مولى بني بياضه] بالقرن والشفرة.


#389#

$[طرق حديث سم النبي صلى الله عليه وسلم]$

وطرق حديث سم النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة.

ومنها: ما صح من حديث أنس رضي الله عنه أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة، فأكل منها فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألها عن ذلك، فقالت: أردت أقتلك، فقال: «ما كان الله ليسلطك على ذلك» أو قال: «علي» قالوا: أفنقتلها؟ قال: «لا».

وجاء من حديث جابر بن عبد الله [رضي الله] عنهما وفيه: فعفا عنها ولم يعاقبها.

وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه في إحدى الطرق أنه قال: أتت يهودية النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فقال لأصحابه: «أمسكوا، فإنها مسمومة فقال: ما حملك على ما صنعت؟» قالت: أردت أن أعلم إن كنت نبيا فسيطلعك الله عليه، وإن كنت كاذبا أريح الناس منك، فما عرض لها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وذكر البيهقي في "الدلائل" عن الزهري قال: فأسلمت فتركها النبي صلى الله عليه وسلم.


#390#

وفي رواية أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: فأمر بها فقتلت.

وخرجه أبو داود، عن أبي سلمة مرسلا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر باليهودية فقتلت، وأن بشر بن البراء كان ممن أكل من تلك الشاة فمات رحمه الله [تعالى].

قال أبو محمد عبد الحق الأشبيلي في "الأحكام الوسطى": هكذا رواه مرسلا، والصحيح ما تقدم – يعني من حديث أنس رضي الله عنه قالوا: أفنقتلها؟ قال: «لا» إلا أن عندي أن الخبرين لا يتنافيان، فيمكن أن أولياء بشر ما عفو فقتلها بذلك.

وقال البيهقي في كتاب "السنن الكبير": اختلفت الروايات في قتلها ورواية أنس بن مالك أصحها، ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم في الابتداء لم يعاقبها حين لم يمت أحد من أصحابه ممن أكل، فلما مات بشر بن البراء أمر بقتلها، فأدى كل واحد من الرواة ما شاهد، والله أعلم.

قلت: تقدمت الرواية مصرحة بما ظنه البيهقي رحمه الله في حديث ابن سعد الذي رواه عن شيخه، عن رجاله.

قال الشيخ أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم الشافعي رحمه الله في شرح قصيدة الشقراطسي: ولم أر في شيء من الحديث التعبير عن قصة الذراع بالنطق.


#391#

قلت: ورد التعبير بالكلام وبالقول وهو النطق.

قال محمد بن سعد في "الطبقات": أخبرنا عمر بن حفص، عن مالك بن دينار، عن الحسن أن امرأة يهودية أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة، فأخذ منها بضعة فلاكها في فيه، ثم طرحها، فقال لأصحابه: «أمسكوا إن فخذها يكلمني أنها مسمومة» ثم أرسل إلى اليهودية فقال: «ما حملك على ما صنعت؟» قالت: أردت أن أعلم إن كنت صادقا أن الله سيطلعك على ذلك، وإن كنت كاذبا أرحت الناس منك.

وقال سيف بن عمر الأسيدي في كتابه "الفتوح والردة": حدثني سعيد بن عبد الله، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت أم بشر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يجد غما ونفسا، فقال: «يا أم بشر هذا أوان وجدت انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلتها أنا وابنك يوم خيبر».

وكانت امرأة من أهل خيبر أتتهما بشاة مصلية مسمومة، فأهوى ابنها إلى اللقمة ونهش النبي صلى الله عليه وسلم الذراع وقال: «آكل.؟» قالت: لا تأكل فإني مسمومة، فرمى بها وتعقبه منها ما تعقب.

ونقدم في حديث أبي هريرة: «إن هذه خبرتني أنها مسمومة».

وفي حديث عبد الرحمن بن كعب بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمرأة: «هل سممت هذه الشاة؟» قالت: من أخبرك بهذا؟ قال:


#392#

«هذا العظم» لساقها وهو في يده.

وفي رواية موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: «فإن كتف هذه الشاة تخبرني أن قد بغيت فيها».

وروينا من حديث أبي القاسم عبيد الله بن معروف، أخبرنا أبو حامد محمد بن هارون الحضرمي قراءة عليه وأنا أسمع، حدثني هلال بن بشر أبو الحسن، حدثني سهل بن حماد، ح.

وقال الحاكم أبو عبد الله في كتابه "المستدرك" واللفظ له: حدثنا أبو أحمد بكر بن محمد الصيرفي بمرو، حدثنا أبو قلالة الرقاشي، حدثنا أبو عتاب سهل بن حماد، حدثنا عبد الملك بن أبي نضره، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن يهودية أهدت شاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (سميطا، فلما بسط القوم أيديهم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم): «كفوا أيديكم، فإن عضوا من أعضائها يخبرني أنها مسمومة» قال: فأرسل إلى صاحبتها: «أسممت طعامك هذا؟» قالت: نعم، أحببت إن كنت كاذبا أن أريح الناس منك، وإن كنت صادقا علمت أن الله عز وجل سيطلعك عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذكروا اسم الله وكلوا» وقال: فأكلنا فلم تضر أحدا منا شيئا.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وقال أبو تميلة يحيى بن واضح: حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا


#393#

عبد الملك بن أبي بكر، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن موسى بن طلحة، عن ابن الحوتكية، عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأكل من هدية أهديت له حتى يأمر صاحبها أن يأكل منها؛ للشاة التي أهديت له بخيبر.

خرجه الطبراني في "معجمة الكبير" من طريق أبي تميلة.

ورواه العباس بن محمد الدوري فقال: حدثنا سعيد بن محمد الجرمي, حدثنا أبو تميلة .... فذكره, ولفظه: أن عماراً قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل هدية حتى يأمر صاحبها يأكل منها؛ للشاة التي أهديت له بخيبر.


#394#

$[موت النبي صلى الله عليه وسلم شهيداً]$

قال ابن إسحاق: إن كان المسلمون ليرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيداً مع ما أكرمه الله به من النبوة, يعني من ذلك السم.

وقال الإمام أحمد بن حنبل في "مسنده": حدثنا أبو معاوية, حدثنا الأعمش, عن عبد الله بن مرة, عن أبي الأحوص, عن عبد الله قال: لأن أحلف بالله تسعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل قتلاً أحب إلي من [أن] أحلف واحدة, وذلك بأن الله عز وجل اتخذه نبياً وجعله شهيداً.

تابعه محمد بن سعد في "الطبقات" فرواه عن أبي معاوية.

وحدث به يعقوب بن شيبة في "مسنده" عن محمد بن عبد الله بن نمير, عن أبي معاوية.

وهكذا رواه جرير, عن الأعمش, كما رواه أبو معاوية, قاله أبو يوسف يعقوب بن شيبة في "المسند".

ورواه الإمام أحمد مرة فقال: حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا سفيان, عن الأعمش ... فذكره.

وقد حصلت الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم من وجه آخر:


#395#

قال أبو الحسن الدارقطني: حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الحميد ابن سليمان الوراق, حدثنا جعفر بن محمد الوراق, حدثنا عامر ابن أبي الحسين, حدثنا إبراهيم بن بكر الشيباني, حدثنا عمر بن ذر, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «موت الغريب شهادة».

هذا حديث غريب من حديث عمر بن ذر, عن عكرمة, عن ابن عباس, تفرد به إبراهيم بن بكر الشيباني, ولم يروه عنه غير عامر بن أبي الحسين, قاله الدارقطني.

وتابعه محمد بن إسماعيل بن العباء ومحمد بن المظفر, عن عبد الحميد. ورواه عنهما أبو نعيم أحمد بن عبد الله في كتابه "الحلية".

وخرجه في الكتاب أيضاً من طريق أبي المنذر الهذيل بن الحكم الأزدي, عن عبد العزيز بن أبي رواد, عن عكرمة مثله, تفرد به الهذيل فيما ذكره أبو نعيم.

ورواه أبو إسحاق إبراهيم بن بكر الكوفي الأعور, عن عبد العزيز بن أبي رواد, فقيل: سرقه من الهذيل, وكل منهما منكر الحديث.

وقال أبو بكر محمد بن جعفر بن سهل الخرائطي: حدثنا جعفر بن العباس الكوسج, حدثنا بشر بن آدم المكفوف, عن المشمعل بن


#396#

ملحان, حدثنا عبد الملك بن هارون, عن أبيه, عن جده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «موت الغريب شهادة».

وخرجه الطبراني من حديث عمرو بن الحصين العقيلي, حدثنا محمد بن عبد الله بن علاثة, عن الحكم بن أبان, عن وهب بن منبه, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «موت الغريب شهادة» الحديث.

وخرجه ابن ماجه بنحوه.

وله شاهد من حديث ابن عمر وأنس بن مالك وأبي هريرة.

ولفظ حديث أنس وأبي هريرة: «من مات غريباً مات شهيداً».

وروى سعيد بن عفير المصري, عن ابن وهب, عن حيي المعافري, عن أبي عبد الرحمن الحبلي, عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: إن رجلاً مات بالمدينة ممن مولده بها, فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «وددت أنه مات في غير مولده؛ لأن المؤمن إذا مات في غير مولده قيس له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة».

ورواه يحيى بن معين, عن سعيد بن عفير.


#397#

وخرجه النسائي عن يونس بن عبد الأعلى, وابن ماجه, عن حرملة, عن يحيى كلاهما عن ابن وهب به.

وروى سفيان بن عيينة, عن سعيد القداح, عن ابن جريج, عن إبراهيم بن أبي يحيى, عن موسى بن وردان, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات مريضاً مات شهيداً».

خرجه ابن ماجه في "سننه"

ورواه زياد بن يحيى, حدثنا سعيد بن سالم, حدثنا ابن جريج, عن إبراهيم بن محمد بن [أبي] عطاء, عن موسى به.

ورواه الوليد بن مسرح الحراني, عن سعيد بن سالم ومخلد, عن ابن جريج, عن إبراهيم بن محمد بن أبي عاصم, عن موسى .... فذكره.

ورواه علي بن خشرم, حدثنا حجاج, عن ابن جريج, عن إبراهيم بن محمد بن أبي عطاء به, وزاد في [آخره: «ووقي] فتاني القبر».


#398#

ورواه عبد الرزاق, أخبرنا ابن جريج, عن إبراهيم بن محمد بن أبي عطاء, وزاد فيه: «وغدي عليه وريح برزقه من الجنة».

ورواه الحسن بن زياد اللؤلؤي, عن ابن جريج, عن موسى بن وردان, عن أبي هريرة به, فأسقط إبراهيم بن أبي يحيى؛ لأن مدار طرق هذا الحديث على إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي أحد المتروكين, ويأتي مدلساً كثيراً, فهو إبراهيم بن محمد بن أبي عطاء دلسه ابن جريج, وتارة كان يقول: إبراهيم بن أبي عطاء, وتارة يقول: حدثنا أبو الذئب, وذلك فيما رواه ذواد بن علبة, عن ابن جريج, عن أبي الذئب, عن أبي هريرة مرفوعاً [به], فأسقط ذواد موسى بن وردان.

وكان الواقدي يقول: حدثنا أبو إسحاق محمد بن, وربما قال: إسحاق بن إدريس, وكان مروان بن معاوية يقول: عبد الوهاب المغربي.

وجاء الحديث من طريق أبي محمد عبد الله بن أيوب بن زاذان القربي الضرير, حدثنا إبراهيم بن بكر, حدثنا عكرمة, عن ابن عباس مرفوعاً: «موت الغريب شهادة» لكن عبد الله الأعمى وشيخه الأعور متروكان, والأعور كان يسرق الحديث. وأظنه سرق هذا, والله أعلم.


#399#

نعم, جزم بسرقته أبو الفضل محمد بن طاهر الحافظ, فقال: هذا يعرف بالهذيل بن الحكم السرخسي, عن عبد العزيز, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: وإبراهيم سرقه منه, قاله في كتابه "ذخيرة الحفاظ".

والهذيل منكر الحديث.

ورواه الوليد بن محمد الموقري, عن الزهري, عن أنس مرفوعاً به, والموقري متروك.


#400#

$[أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج ذهب كان عنده في مرضه]$

والنبي صلى الله عليه وسلم مرض مدة قبل موته, كما سيأتي [ذكرها] إن شاء الله تعالى .

وفي ليلة من ليالي مرضه صلى الله عليه وسلم أمر عائشة رضي الله عنها بإخراج ذهب كان عنده: ستة دنانير أو سبعة:

قال قتيبة بن سعيد: حدثنا بكر, عن موسى بن جبير, عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير على عائشة رضي الله عنها, فقالت: لو رأيتما نبي الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في مرض له, قالت: وكانت له عندي ستة دنانير أو سبعة, قالت: فأمرني أن أفرقها فشغلني وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عافاه الله, قالت: ثم سألني عنها, فقلت: لا والله, لقد كان شغلني وجعك, قالت: فدعا بها, ثم وضعها في كفه فقال: ما ظن نبي الله لو لقي الله وهذه عنده».

وقال ابن سعد في "الطبقات": حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب, حدثنا عبد العزيز بن محمد, عن عمرو بن أبي عمرو, عن عبد المطلب بن عبد الله بن حنطب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها وهي مسندته إلى


#401#

صدرها: «يا عائشة, ما فعلت تلك الذهب؟» قالت: هي عندي, قال: «فأنفقيها» ثم غشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على صدرها, فلما أفاق قال: «هل أنفقت تلك الذهب يا عائشة؟» قالت: لا والله يا رسول الله, قالت: فدعا بها فوضعها في كفه بعدها, فإذا هي ستة فقال: «ما ظن محمد بربه لو لقي الله عز وجل وهذه عنده» فأنفقها كلها, ومات من ذلك اليوم صلى الله عليه وسلم.

وقال أبو سعيد الخليل بن أحمد السجزي في كتابه "الآداب": أخبرنا ابن خزيمة, حدثنا علي, حدثنا إسماعيل, حدثنا محمد بن أبي سلمة, عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في وجعه الذي مات فيه: «ما فعلت الذهبة؟» فقلت: هذه عندي يا رسول الله, قال: «ائتيني بها» فأتيته بها, وهي بين التسع إلى الخمس, ثم جعلها في كفه فقال: «ما ظن محمد بالله لو لقي الله وهذه عنده, أنفقيها».

وحدث به هناد بن السري في كتابه "الزهد" عن عبدة, عن محمد ابن عمرو, حدثنا أبو سلمة, عن عائشة .... فذكره بنحوه.

وخرجه الإمام أحمد في "مسنده" فقال: حدثنا يحيى, عن محمد بن عمرو, حدثني أبو سلمة قال: قالت عائشة .... فذكره.


#402#

وحدث به ابن سعد في كتابه "الطبقات" عن عبد الوهاب بن عطاء, حدثنا محمد بن عمرو ..... فذكره.

وحدث به أيضاً عن يحيى بن إسحاق البجلي, أخبرنا يحيى بن أيوب, عن أبي حازم, عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها في مرضه الذي مات فيه: «يا عائشة هلمي تلك الذهب» قالت: فأتيته بها وهي إحدى العددين: تسعة أو سبعة، فأخذها بيده وقال: «ما ظن محمد لو لقي الله وهذه عنده». تابعه أبو غسان محمد بن مطرف، حدثنا أبو حازم. فذكره بنحوه، وفيه أن الشك في الدنانير من أبي حازم.

وقال ابن سعد أيضا: أخبرنا سعيد بن منصور، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة دنانير وضعها عند عائشة, فلما كان في مرضه قال: «يا عائشة ابعثي بالذهب إلى علي» رضي الله عنه ثم أغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم, وشغل عائشة ما به حتى قال ذلك ثلاث مرات, كل ذلك يغمى عليه, ويشغل عائشة ما به, فبعثت – يعني به – إلى علي رضي الله عنه فتصدق به, ثم أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الاثنين في حديد الموت, وأرسلت عائشة إلى امرأة من النساء بمصباحها, فقالت لها: اقطري لنا في مصباحنا من عكتك السمن, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسى في حديد الموت.


#403#

وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما كان يوم الاثنين الذي قبض الله فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم [خرج إلى الناس, وهم يصلون الصبح, فرفع الستر وفتح الباب فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم] حتى قام على باب عائشة رضي الله عنها وكاد المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم برسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه, فرحاً به, فأشار إليهم أن اثبتوا على صلاتكم قال: وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم, سروراً لما رأى من هيئتهم في صلاتهم, وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن هيئة منه تلك الساعة, قال: ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف الناس وهم يرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أفاق من وجعه.

وهو في الصحيحين بنحوه.

ورواه عبد الله بن الزبير الحميدي في "مسنده" عن أنس رضي الله عنه ولفظه قال: آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كشف الستارة يوم الاثنين والناس صفوف خلف أبي بكر [الصديق] رضي الله عنه فلما رأوه كأنهم أي تحركوا, فأشار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اثبتوا, فنظرت إلى وجهه كأنه ورقة مصحف, وألقى السجف, وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر ذلك اليوم.


#404#

$[إمامة أبي بكر في الصلاة للنبي صلى الله عليه وسلم]$

وقال أبو إسماعيل محمد [بن إسماعيل الترمذي: حدثنا أيوب ابن سليمان بن بلال, حدثني أبو بكر بن أبي أويس, عن سليمان] ابن بلال, عن أبي عبد العزيز الربذي, عن مصعب بن محمد بن شرحبيل, عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف, عن عائشة, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم ستراً أو فتح باباً – لا أدري أيهما قال مصعب – فنظر إلى الناس وراء أبي بكر يصلون, فحمد الله, وسر بالذي رأى منهم, وجلس وقال: «الحمد لله, ما من نبي بتوفاه الله حتى يؤمه رجل من أمته, أيها الناس أيما عبد من أمتي أصيب بمصيبة من بعدي فليتعز بمصيبته بي عن مصيبته التي يصاب منها من بعدي, فإن أحداً من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد من مصيبته بي».


#405#

وقال الهيثم بن كليب الشاشي: حدثنا الحارث بن أبي أسامة, حدثنا عبد الله بن أبي أمية البصري, حدثنا نفر من بني تميم أنهم كانوا عند عبد الله بن الزبير قال: حدثني عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] قال: حدثني أبو بكر الصديق رضي الله عنهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم يمت نبي حتى يؤمه رجل من أمته».

تابعه أبو محمد إسماعيل بن علي بن إسماعيل الخطبي, عن الحارث.

وخرج الدارقطني في "سننه": من حديث فليح بن سليمان, عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص, عن عروة بن المغيرة بن شعبة, عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم يمت نبي حتى يؤمه رجل من قومه».

وقال أبو جعفر أحمد بن منيع بن عبد الرحمن البغوي في "مسنده": حدثنا إسماعيل بن إبراهيم, حدثنا أيوب, عن محمد, عن عمرو بن وهب الثقفي قال: كنا عند المغيرة بن شعبة فسئل: هل أم النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأمة أحد غير أبي بكر؟ قال: نعم, قال: فزاده عندي تصديقاً


#406#

الذي قرب به الحديث, قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر, فلما كان من السحر ضرب عنق راحلته, فظننت أن له حاجة, فعدلت معه فانطلقنا حتى برزنا عن الناس, فنزل صلى الله عليه وسلم عن راحلته .... وذكر الحديث, وفيه: ثم ركب فأدركنا الناس, وقد تقدمهم عبد الرحمن بن عوف وصلى بهم ركعة, وهو في الثانية فذهبت أؤذنه فنهاني, فصلينا الركعة التي أدركنا وقضينا التي سبقتنا.

تابعه ابن سعد فرواه في "الطبقات" عن ابن علية بنحوه مطولاً, وهو في "صحيح مسلم" بمعناه.

وخرج مسلم في "صحيحه" عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كشف الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر فقال: «أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له, ألا وإني نهيت أن أقرأ راكعاً أو ساجداً, فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل, وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء, فقمن أن يستجاب لكم».

وعنه أيضاً قال: كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستر, ورسول الله صلى الله عليه وسلم معصوب في مرضه الذي مات فيه فقال: «اللهم هل بلغت – ثلاث مرات – إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصادقة» وذكر الحديث بنحوه.


#407#

وروى أبو صالح محبوب بن موسى الأنطاكي الفراء, عن أبي إسحاق الفزاري, عن شعبة, عن سلمة بن كهيل, عن أبي الزعراء أو زيد بن وهب الجهني, عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: فلما حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم الوفاة أمر أبا بكر أن يصلي بالناس, وهو يرى مكاني, فكان أبو بكر يصلي بالناس سبعة أيام في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم, [فلما قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم ولاه المسلمون أمرهم حين ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم] عظم دينهم.

وروى يحيى بن سعيد الأموي, عن محمد بن السائب الكلبي, عن أبي صالح, عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: إن أبا بكر صلى بالناس سبعة أيام.

قال البيهقي: والذي يدل عليه حديث أم الفضل – يعني قولها: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بـ {والمرسلات عرفاً}, ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله عز وجل – وحديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة, عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم, ثم حديث عبد العزيز بن صهيب, عن أنس بن مالك أن أبا بكر رضي الله عنهما صلى بالناس صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة, ثم صلى بهم خمس صلوات يوم الجمعة, ثم خمس صلوات يوم [السبت, ثم خمس صلوات يوم] الأحد, ثم صلى بهم صلاة الصبح يوم الإثنين وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك اليوم.


#408#

وكان قد خرج فيها ما بين ذلك حين وجد من نفسه خفة لصلاة الظهر, إما يوم السبت وإما يوم الأحد بعدما افتتح أبو بكر صلاته بهم, فافتتح صلاته وعلقوا صلاتهم بصلاته, [و] هو قاعد وهم قيام.

وصلى مرة أخرى خلف أبي بكر, وفي رواية [نعيم] بن أبي هند ومن تابعه, فتكون جملة ما صلى أبو بكر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم مع ما افتتحها قبل خروجه سبع عشرة صلاة.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ, أخبرنا أبو عبد الله الأصبهاني, حدثني الحسن بن جهم, حدثنا الحسين بن الفرج, حدثنا الواقدي, قال: سألت أبا بكر بن أبي سبرة: كم صلى أبو بكر رضي الله عنه بالناس؟ قال: سبع عشرة صلاة, قلت: من أخبرك؟ قال: أيوب بن عبد الرحمن ابن أبي صعصعة, عن أبيه, عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: قلت: وقد ذهب موسى بن عقبة في "مغازيه" إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في صلاة الصبح من يوم الاثنين حتى وقف إلى جنب أبي بكر فصلى خلفه ركعة, فلما سلم أبو بكر أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعة الأخرى.


#409#

قلت: هذا رواه موسى بن عقبة في "مغازيه" عن ابن شهاب, قال لم يزل أبو بكر رضي الله عنه يؤم الناس حتى كان ليلة الاثنين من شهر ربيع الأول فأقلع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الوعك فأصبح مفيقاً, فغدا إلى صلاة الصبح يتوكأ على الفضل بن العباس, وعلى غلام له يدعى ثوبان, ورسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما, وقد سجد الناس سجدة مع أبي بكر من صلاة الصبح, وهو قائم في الأخرى, فتخلص رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف يفرجون له حتى قام إلى جنب أبي بكر, فاستأخر أبو بكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوبه فقدمه في مصلاه, فصفا جميعاً ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وأبو بكر قائم يقرأ القرآن, فلما قضى أبو بكر الصلاة قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فركع معه الركعة الأخرى, ثم جلس أبو بكر حتى قضى سجوده, فتشهد والناس جلوس, فلما سلم أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعة الآخرة.

و[أما] [ما] ذكره ابن شهاب حدث به ابن سعد في "الطبقات" فقال: أخبرنا محمد بن عمر, حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز, عن عبد الله بن أبي بكر, عن أبيه, عن عمرة, عن عائشة رضي الله عنها قالت:


#410#

لما كانت ليلة الاثنين بات رسول الله صلى الله عليه وسلم دنفاً فلم يبق رجل ولا امرأة إلا أصبح في المسجد لوجع رسول الله [صلى الله عليه وسلم], فأتاه المؤذن يؤذنه, بالصبح, فقال: «قل لأبي بكر يصلي بالناس» فكبر أبو بكر في صلاته, فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستر فرأى الناس يصلون, فقال: «إن الله جعل قرة عيني في الصلاة» وأصبح يوم الاثنين مفيقاً, فخرج يتوكأ على الفضل بن العباس, وعلى ثوبان – غلامه – حتى دخل المسجد وقد سجد الناس مع أبي بكر سجدة من الصبح وهم قيام في الأخرى, فلما رآه الناس فرحوا به, فجاء حتى قام عند أبي بكر رضي الله عنه, فاستأخر أبو بكر فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيده فقدمه في مصلاه, فصفا جميعاً: رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وأبو بكر رضي الله عنه قائم على ركنه الأيسر يقرأ القرآن, فلما قضى أبو بكر السورة, سجد سجدتين, ثم جلس يتشهد, فلما سلم صلى النبي صلى الله عليه وسلم الركعة الآخرة, ثم انصرف.

وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري وأم سلمة رضي الله عنهما.

قال الواقدي: ورأيت هذا الثبت عند أصحابنا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر رضي الله عنه.

وقال يعقوب بن شيبة في "مسنده": حدثنا يزيد بن هارون, أخبرنا صخر بن جويرية, عن عبد الرحمن بن القاسم, عن أبيه قال: [صلى رسول الله] صلى الله عليه وسلم يوم توفي الغداة في المسجد, فمن الناس من يقول:


#411#

جاء وأبو بكر قائم يؤم الناس, فجلس عند رجله, ومنهم من يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم المتقدم, وعظم الناس يرون أبا بكر كان المقدم.

قال البيهقي: وكذلك يعني كرواية موسى بن عقبة التي ذكرت هو في مغازي أبي الأسود, عن عروة, وذلك يوافق ما رويناه عن حميد, عن ثابت, عن أنس رضي الله عنه في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر, ورواية نعيم بن أبي هند وغيره في حديث عائشة, ولا ينافي ما روينا عن الزهري وغيره, عن أنس رضي الله عنه, ويكون الأمر فيه محمولاً على أنه رآهم وهم صفوف خلف أبي بكر في الركعة الأولى من صلاة الصبح فقال ما حكى هو وابن عباس, ثم خرج فأدرك معه الركعة الآخرة أو خرج فصلى, ثم قال ما حكيا فنقلا بعض الخبر ونقل غيرهما ما تركاه, كما نقل أحدهما فيما روياه ما ترك صاحبه, وبالله التوفيق.

وقال البيهقي أيضاً بعد أن روى حديث أنس في كشف سجف الحجرة وإرخاء الستر فقال: وهذا الذي رواه أنس بن مالك من إرخائه الستر بعدما نظر إليهم وأظهر الفرح بمكانهم صفوفاً خلف أبي بكر, كان في الركعة الأولى من صلاة الصبح, ثم أنه صلى الله عليه وسلم وجد في نفسه خفة فخرج فأدرك في الركعة الثانية, فصلاها خلف أبي بكر, فلما سلم أبو بكر أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعة الآخرة, وتوفي من يومه ذلك, هكذا ذكره موسى بن عقبة في "مغازيه", وكذلك ذكره عروة بن الزبير, وبمعناه ذكره عبد الله بن أبي مليكة.


#412#

ويشهد له ما أخبرنا أبو القاسم عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق المؤذن, أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن خنب, حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي, حدثنا أيوب بن سليمان, حدثنا أبو بكر بن [أبي] أويس, عن سليمان بن بلال, عن حميد الطويل, عن ثابت البناني, عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم صلى في ثوب واحد متوشحاً به خلف أبي بكر الصديق رضي الله عنه .... انتهى.

وهذا الحديث قد طعن في إسناده أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه "الرد على عبد المغيث" فما أنصف, قال: وقد روى هذا الحديث أبو حاتم بن حبان من حديث أبي بكر بن أبي أويس, عن سليمان بن بلال .... وساق الحديث, ثم قال: والعجب له وهو صاحب الجرح والتعديل, كيف يحتج بأبي بكر بن أبي أويس, وليس بشيء عند العلماء, قال أبو الفتح الأزدي الحافظ: أبو بكر بن أبي أويس يضع الحديث. انتهى.

وهذا الكلام فيه ما فيه, وقوله: "وليس بشيء عند العلماء", إن أراد بالعلماء أهل الحديث فليس بصحيح, فإنهم مجمعون على توثيقه إلا ما شذ عنهم أبو الفتح الأزدي بما نقل عنه ابن الجوزي فيه, وهذه زلة قبيحة من الأزدي فيما ذكره أبو عبد الله الذهبي الحافظ؛ لأن يحيى بن معين ومن بعده وثقوه, وقال الدارقطني: حجة, وقدمه أبو داود كثيراً على أخيه إسماعيل, وأبو بكر أخرج له الشيخان في "الصحيح" وأبو داود والنسائي وابن ماجه.


#413#

والعجب من ابن الجوزي لما حكى الحافظ أبو بكر الخطيب طعن الأزدي في مهنا بن يحيى صاحب الإمام أحمد, حيث قال فيه: منكر الحديث, وقول الدارقطني فيه: ثقة نبيل, أكثر الشناعة على الخطيب بذلك, وقال: كيف يقابل مدح الدارقطني بقول الأزدي: الكذاب؟!

فكيف قابل ابن الجوزي في طعنه على سند هذا الحديث مدح الدارقطني لأبي بكر بن أبي أويس حيث قال فيه: حجة, بقول الأزدي, وهناك ترجم الأزدي بالكذب, وهنا بالحفظ؟! فنسأل الله تعالى أن يعفو عنا [وعنه] بمنه وكرمه.

مع أن الحديث حدث به الترمذي في "جامعه" عن عبد الله بن أبي زياد, عن شبابة بن سوار, عن محمد بن طلحة, عن حميد الطويل, عن ثابت, عن أنس رضي الله عنه قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر قاعداً في ثوب متوشحاً به.

وجاء عن حميد, عن أنس دون ذكر ثابت, وسيأتي إن شاء الله تعالى .

ورواية نعيم بن أبي هند التي أشار إليها البيهقي [وهي] ما رواها من طريق شبابة بن سوار, حدثنا شعبة, عن نعيم بن أبي هند, عن أبي وائل, عن مسروق, عن عائشة رضي الله عنها قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه خلف أبي بكر رضي الله عنه قاعداً.


#414#

وحدث به أحمد بن حنبل في "مسنده" عن شبابة بن سوار, أخبرنا شعبة, عن نعيم بن أبي هند, فذكره بنحوه, ولفظه: [صلى رسول الله] صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر قاعداً.

وخرجه أيضاً في "المسند" فقال: حدثنا بكر بن عيسى, سمعت شعبة, عن نعيم بن أبي هند, عن أبي وائل, عن مسروق, عن عائشة: أن أبا بكر رضي الله عنه صلى بالناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف.

وخرجه أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي, فقال: حدثنا عبد الأعلى هو ابن حماد, حدثنا معتمر, سمعت أبي يحدث, حدثنا نعيم بن أبي هند, عن أبي وائل, عن عائشة رضي الله عنها [أنها] قالت: أغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما أفاق قال: «هل نودي بالصلاة؟» قالت: فقلنا: لا, أو فقيل: لا, قال: «مري بلالاً, أو: مرن بلالاً فليناد بالصلاة, ليصل بالناس أبو بكر» فقلت: يا رسول الله, إن إبا بكر رجل أسيف, وإنه لا يستطيع أن يقوم مقامك, قالت: فنظر إلي, يعني حين فرغت من كلامي, ثم أغمي عليه, فلما أفاق قال: «هل نودي بالصلاة؟» قالت: قلت: لا, قال: «مري بلالاً فليناد بالصلاة, وليصل بالناس أبو بكر فإنكن صواحب يوسف» ثم أغمي على


#415#

رسول الله صلى الله عليه وسلم, [و] أقام بلال الصلاة, فصلى بالناس أبو بكر, فجاءت نويبة وبريرة فاحتملتاه, فقالت عائشة: وكأني أنظر إلى أصابع قدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم تخط في الأرض, أو تمس, قالت: فلما أحس أبو بكر بجيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يتأخر, فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم, وجيء بنبي الله صلى الله عليه وسلم فوضع بحذاء أبي بكر, أو قالت: في الصف.

وخرجه أبو حاتم بن حبان في "صحيحه" عن الحسن بن سفيان, عن عبيد الله بن معاذ العنبري, عن معتمر, عن أبيه, عن نعيم بن أبي هند, عن أبي وائل, أحسبه عن مسروق, عن عائشة .... فذكره بنحوه, وعنده: فجاءت نوبة وبريرة.

قيل: المشهور نوبة, ولكنها صغرت في رواية أبي يعلى, وذكر أبو حاتم أن هذه القصة وحديث عائشة خرج بين رجلين قصتان.

قال: وقد دللنا بحمد الله ومنه على أن هذه الأخبار التي رويت كان في صلاتين لا صلاة واحدة على حسب ما وصفنا, فكان خروج النبي صلى الله عليه وسلم إليها بين رجلين, وكان فيها إماماً, وصلى بهم قاعداً,


#416#

وأمرهم يالقعود في تلك الصلاة, وهذه الصلاة كان خروج النبي صلى الله عليه وسلم إليها بين بريرة ونوبة, وكان فيها مأموماً, وصلى قاعداً في الصف خلف أبي بكر رضي الله عنه. انتهى.

وحدث سيف بن عمر الأسيدي في كتابه "الفتوح" عن سعيد بن عبد الله, عن أبيه, عن عائشة قالت: قلت: هل صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر؟ قالت: نعم, قاعداً.

وقد حدث أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني, عن عبد الله بن جعفر, أخبرنا إسماعيل بن عبد الله, حدثنا مسلم بن إبراهيم, حدثنا شعبة, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن الأسود, عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر رضي الله عنه.

وحدث به يعقوب بن سفيان في كتابه في "السنة" عن مسلم بن إبراهيم به.

وروى بدل بن المحبر, عن شعبة, عن موسى بن أبي عائشة, عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة, عن عائشة رضي الله عنها: أن أبا بكر رضي الله عنه صلى بالناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف خلفه.

أعله أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه "الرد على عبد المغيث" بأن رواية موسى بن أبي عائشة المخرجة في الصحيحين عن عبيد الله بن عبد الله قال: دخلت على عائشة فقلت: حدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم .... الحديث بطوله, قال: وليس فيه: ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف خلفه, وإنما فيه: فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإخراجه في الصحيحين بخلاف هذا الطريق دليل على غلط بدل بن المحبر على


#417#

شعبة, وبدل ليس من شرط الصحيح. انتهى.

وهذه غفلة من ابن الجوزي رحمه الله فإن بدل بن المحبر أبا المنير اليربوعي البصري أحد شيوخ البخاري, وثقه أبو زرعة الرازي وغيره.

وقال أبو أحاتم: هو أرجح من بهز وحبان وعفان, توفي سنة خمس عشرة ومائتين.

وفي "الصحيح" عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة, فخرج بين رجلين – أحدهما العباس – لصلاة الظهر, وأبو بكر يصلي بالناس, فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر, فأوما إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يتأخر, فقال: اجلساني إلى جنبه، فأجلساه إلى جنب أبي بكر رضي الله عنه قال: فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم, والناس يصلون بصلاة أبي بكر, والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد.

وقال وكيع بن الجراح: حدثنا سفيان الثوري, عن حميد الطويل, عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر في مرضه وعليه بردة.

ورواه عبد الوهاب بن عطاء والمعتمر بن سليمان فقالا: حدثنا حميد الطويل, عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر في ثوب واحد.


#418#

تابعهما علي بن عاصم, عن حميد.

ورواه محمد بن جعفر المديني, حدثني حميد الطويل, أنه سمع أنس بن مالك يقول: أن آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم في ثوب واحد ملتحفاً به خلف أبي بكر.

وقال محمد بن إسماعيل الترمذي: حدثنا أيوب بن سليمان, حدثنا أبو بكر بن أبي أويس, عن سليمان بن بلال, عن حميد الطويل, عن ثابت البناني, عن أنس رضي الله عنه أنه قال: آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم, صلى في ثوب واحد متوشحاً به خلف أبي بكر رضي الله عنه.


#419#

$[أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإنفاذ جيش أسامة بن زيد]$

ورواه يحيى بن أيوب الغافقي المصري, عن حميد الطويل، حدثني ثابت البناني, عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر في ثوب واحد مخالفاً بين طرفيه, فلما أراد أن يقوم قال: «ادعوا لي أسامة بن زيد» فأسند ظهره إلى نحره, فكانت آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

زاد فيه يحيى بن أيوب وغيره: ثابتاً البناني, وهو الصحيح.

وذكر يحيى بن أيوب في آخر قصة أسامة بن زيد رضي الله عنهما وكان أسامة رضي الله عنه قد ضرب عسكره بالجرف وهو على فرسخ من المدينة إلى جهة الشام, وحين ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام أسامة بالجيش هناك لينظر ما الله قاض في رسوله صلى الله عليه وسلم.

وقيل: إن أسامة رضي الله عنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الإقامة حتى يشفيه الله تعالى , كما سيأتي إن شاء الله تعالى .

وقال تمام بن محمد بن عبد الله الرازي أبو القاسم: أخبرنا أبو الحسين محمد بن يحيى بن أيوب بن أبي عقال, قراءة عليه في داره بحجر الذهب, أخبرنا أبي أبو زيد يحيى بن أيوب بن أبي عقال,


#420#

واسم أبي عقال هلال بن زيد بن الحسن بن أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن امرئ القيس بن عامر بن نعمان بن بن فيدة بن ثور بن كلب.

قال تمام: وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عبد الملك بن مروان – قراءة عليه – أخبرنا أبو زيد يحيى بن أيوب بن أبي عقال هلال بن زيد بن حسن بن أسامة بن زيد بن حارثة – قراءة عليه – أن أباه حدثه وكان صغيراً فلم يع عنه, [قال]: فحدثني عمي زيد بن أبي عقال, عن أبيه: أن آباءه حدثوه: أن حارثة تزوج إلى طيئ امرأة من بني نبهان ... وذكر قصة طويلة.

ثم قال: وأول لواء عقده النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى الشام لزيد رضي الله عنه, وأول شهيد كان بمؤتة زيد, ونائبه جعفر الطيار, وآخر لواء عقده بيده لأسامة على اثني عشر ألفاً من الناس فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهم فقال: إلى أين يا رسول الله [صلى الله عليه وسلم؟] قال: «عليك بيبنا, فصبحها صباحاً, فقطع وحرق, وضع سفيك, وخذ بثأر أبيك» واعتل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «جهزوا جيش أسامة, أنفذوا جيش أسامة» فجهز إلى أن صار إلى الجرف, واشتدت علة النبي صلى الله عليه وسلم, فبعث إلى أسامة: أن النبي صلى الله عليه وسلم يريدك, فرجع, فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم وقد أغمي عليه, ثم أفاق صلى الله عليه وسلم, فنظر إلى أسامة, فأقبل يرفع يده إلى السماء ثم يفرغها عليه, قالوا: فعرفنا أنه إنما يدعو له, ثم قبض صلى الله عليه وسلم, فكان فيمن غسله: الفضل بن العباس


#421#

وعلي بن أبي طالب, وأسامة يصب عليه, فلما دفن صلى الله عليه وسلم قال عمر لأبي بكر: ما ترى في لواء أسامة؟ قال: ما أحل عقداً عقده النبي صلى الله عليه وسلم, ولا يحل من عسكره رجل إلا أن تكون أنت يا عمر, ولولا حاجتي إلى مشورتك ما حللتك من عسكره .... وذكر بقيته.

وحدث محمد بن إسحاق, عن سعيد بن عبيد بن السباق, عن محمد بن أسامة بن زيد, عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم هبطت وهبط الناس معى إلى المدينة, يعني جيشه الذي خرج فيه, قال: فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصمت فلا يتكلم, فجعل يرفع يده إلى السماء يصبها علي أعرف أنه يدعو لي.

خرجه الطبراني في "معجمه الأوسط", وقال: لا يروى هذا الحديث عن أسامة إلا بهذا الإسناد, تفرد به محمد بن إسحاق.

ومن طريقه خرجه الترمذي في "جامعه" وقال: حسن غريب.

وذكر موسى بن عقبة في "المغازي" عن الزهري: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج يوم الاثنين, وأبو بكر يصلي بالناس الصبح انصرف النبي صلى الله عليه وسلم إلى جذع من جذوع المسجد, قال: فجلس رسول الله صلى الله عله وسلم إلى ذلك الجذع, واجتمع إليه المسلمون يسلمون عليه ويدعون له بالعافية, ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة فقال: «اغد على بركة الله والنصر والعافية, ثم أغر حيث أمرتك أن تغير» فقال أسامة بن زيد رضي الله عنهما: يا نبي الله, قد أصبحت مقنعاً, وأرجو أن يكون الله عز وجل قد شفاك, فأذن لي أن أمكث


#422#

حتى يشفيك الله, فإني إن خرجت وأنت على هذه الحال خرجت وفي قلبي قرحة من شأنك, وأكره أن أسأل عنك الناس, فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقام فدخل بيت عائشة رضي الله عنها وهو يومها.


#423#

$[تحذير النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الفتن]$

وروي أنه صلى الله عليه وسلم حذرهم يومئذ من الفتن:

وقال خيثمة بن سليمان في كتابه "فضائل الصحابة" رضي الله عنهم: حدثنا عبد الله بن سعدويه المكي, حدثنا أحمد بن يحيى بن بشير, حدثنا الحسن بن محمد أبو محمد البلخي, حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري, عن ابن أبي مليكة, عن عبيد الله بن عمير, عن عائشة رضي الله عنها قالت: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه [أن] يصلي بالناس صلاة الصبح, ثم وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة فخرج تفرج له الصفوف, وكان أبو بكر رضي الله عنه لا يلتفت إذا صلى, فلما سمع أبو بكر الحس من ورائه عرف أنه لا يتقدم من ذلك المكان إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فتأخر إلى الصف, وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكانه, وقعد إلى جنب أبي بكر رضي عنه فافتتح الصلاة, فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي, وأبو بكر يقتدي به, والناس يقتدون بأبي بكر رضي الله عنه فلما فرغ قام إلى جنب حجرته يحذرهم الفتن فقال: «يا فاطمة بنت محمد, ويا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم اعملا لما عند الله تعالى فإني لا أغني عنكما من الله شيئاً» حتى يسمع صوته خارجاً من المسجد, فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله, إنك قد أصبحت اليوم


#424#

صالحاً, وهذا يوم بنت خارجة, فأذن رسول الله لأبي بكر رضي الله عنه فأتى أهله, قال: فما انتصف النهار من ذلك حتى قبض الله رسوله صلى الله عليه وسلم.

وحدث به ابن سعد في "الطبقات" عن يزيد بن هارون, أخبرنا يحيى بن سعيد, عن أبي بكر بن أبي مليكة, عن عبيد بن عمير الليثي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه, أمر أبا بكر رضي الله عنه أن يصلي بالناس .... وذكر القصة بنحوها مطولة.

وقال سيف بن عمر: حدثني سعيد بن عبد الله, عن عبد الله بن أبي مليكة, عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يومئذ صوته حتى أسمع من وراء المسجد, فقال: «يا أيها الناس, سعرت النار, وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم, وإنها أكلة من وجدت على رأس خمس وثلاثين سنة إلا من تمسك بالثقلين كتاب الله وسنتي, وإني والله لا تعقلون علي بشيء, إني لم أحل إلا ما أحل القرآن, ولم أحرم إلا ما حرم القرآن, والمسلمون شهود الله فيما لم يكن فيه كتاب ولا سنة, فما حسنوه فحسن وما قبحوه فقبيح, فالزموا الجماعة والطاعة» فأما الجماعة فالسنة, وأما الطاعة فالعصمة ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته وقال: «مروا أبا بكر يصلي بالناس».

ورواه ابن إسحاق عن ابن أبي مليكة مرسلاً مختصراً بنحوه وفي آخره: فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله قال له أبو بكر: يا نبي الله,


#425#

إني أراك قد أصبحت بنعمة من الله وفضل كما نحب واليوم يوم بنب خارجة أفآتيها؟ قال: «نعم», قال: ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر إلى أهله بالسنح.

وذكر موسى بن عقبة, عن ابن شهاب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل يوم الاثنين بيت عائشة دخل أبو بكر على ابنته عائشة فقال: قد أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مفيقاً, وأرجو أن يكون الله عز وجل قد شفاه, ثم ركب فلحق بأهله بالسنح, وهنالك كانت امرأته حبيبة ابنة خارجة بن أبي زهير أخي بني الحارث بن الخزرج, وانقلبت كل امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيتها وذلك يوم الاثنين.


#426#

$[أمر العباس علياً بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم للبيعة]$

وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج يومئذ علي بن أبي طالب رضي الله عنه على الناس من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال الناس: يا أبا حسن, كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئاً, قال: فأخذ العباس رضي الله عنه بيده, ثم قال: يا علي أنت والله عبد العصا بعد ثلاث أحلف بالله لقد عرفت الموت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كنت أعرفه في وجوه بني عبد المطلب, فانطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإن كان هذا الأمر فينا أعلمناه, وإن كان في غيرنا سألناه, فأوصى بنا الناس, فقال علي رضي الله عنه: والله لا أفعل, والله لئن منعناه لا يؤتيناها الناس بعده.

ورواه عبد الرزاق, عن معمر, عن الزهري, أخبرني ابن كعب بن مالك, عن ابن عباس بنحوه.

قال عبد الرزاق: فكان معمر يقول لنا: أيهما كان أصوب عندكم رأياً, فتقول: العباس, فيأبى ثم قال: لو أن علياً سأله عنها فأعطاه إياها فمنعه الناس كانوا قد كفروا.

وقال عبد الرزاق: فحدثت به ابن عيينة فقال: قال الشعبي: لو أن علياً سأله عنها كان خيراً له من ماله وولده.

وقال بكر بن خلف: حدثنا عثمان بن اليمان, حدثنا أبو بكر بن أبي


#427#

عون أنه سمع عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى, عن أبيه, عن جده, [أو قال عن أبيه, أو عن جده], سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: لقيني العباس فقال: يا علي, انطلق بنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فإن كان لنا من الأمر شيء وإلا أوصى بنا الناس, فدخلنا عليه وهو مغمى عليه, فرفع رأسه وقال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» ثم قالها الثالثة, فقلما رأينا ما به خرجنا ولم نسأله عن شيء, قال: فسمعت علياً يقول: يا ليتني أطعت عباساً, يا ليتني أطعت عباساً.

تابعه أحمد بن الدورقي, عن عثمان بن اليمان بنحوه.


#428#

$[ختيار النبي صلى الله عليه وسلم الرفيق الأعلى]$

وثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة, ثم يحيى أو يخير» فلما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحضره القبض, ورأسه على فخذ عائشة, فلما أفاق شخص بصره نحو سقف البيت, ثم قال: «اللهم الرفيق الأعلى» فقلت: إذن لا يختارنا, وعرفت أنه حديثه الذي كان يحدثنا, وهو صحيح.

وروى إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري, عن أبيه, عن عروة, عن عائشة رضي الله عنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا والآخرة» فلما كان في مرضه الذي قبض فيه, أخذته بحة شديدة, فسمعته يقول: «مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين» قالت: فعلمت أنه يخير.

تابعه شعبة, عن سعد بن إبراهيم.

وحدث به ابن سعد في "الطبقات" فقال: أخبرنا محمد بن عبد الله


#429#

الأسدي, حدثنا كثير بن زيد, عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من نبي إلا تقبض نفسه ثم يرى الثواب, ثم ترد إليه فيخير بين أن ترد إليه أو أن يلحق» قالت: وكنت قد حفظت ذلك منه, فإني لمسندته إلى صدري, فنظرت إليه حتى مالت عنقه, فقلت: قد قضى, قالت: وعرفت الذي قال: قالت: فنظرت إليه حتى ارتفع ونظر, قالت: قلت: إذن والله لا يختارنا, فقال: «مع الرفيق الأعلى في الجنة {مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين ...}» إلى آخر الآية.

تابعه الإمام أحمد, فحدث به في "مسنده" عن محمد بن عبد الله بن الزبير بنحوه.


#430#

$[موت النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة وفي يومها بين سحرها ونحرها]$

وصح عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن من نعم الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري, وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته دخل علي عبد الرحمن وبيده سواك وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته ينظر إليه, وعرفت أنه يحب السواك, فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه أن نعم, فتناولته, فاشتد عليه, فقلت: ألينه لك؟ فأشار برأسه أن نعم, فلينته فأمره وبين يديه ركوة أو علبة فيها ماء, فجعل يدخل يديه في الماء, فيمسح بهما وجهه ويقول: «لا إله إلا الله, إن للموت سكرات» ثم نصب يده, فجعل يقول: «في الرفيق الأعلى» حتى قبض, ومالت يده صلى الله عليه وسلم.

وفي رواية عن عائشة رضي الله عنها قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالموت، وعنده قدح فيه ماء, وهو يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء, ثم يقول: «اللهم أعني على غمرات الموت وسكرات الموت» خرجه الترمذي.

وفي حديث مرسل: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم إنك تأخذ الروح من


#431#

بين العصب والأنامل, اللهم فأعني على الموت وهونه علي».

وقد روي عن عائشة رضي الله عنها في قصة السواك ألفاظ غير ما تقدم منها أنها قالت: فاستن به, فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم استن استناناً قط أحسن منه, فما عدا أن فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يده أو إصبعه ثم قال: «في الرفيق الأعلى» ثلاثاً, ثم قضى صلى الله عليه وسلم.

وخرجه أحمد بن حنبل في "مسنده" فقال: حدثنا إسماعيل, أخبرنا أيوب, عن [ابن] أبي مليكة قال: قالت عائشة: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي ويومي وبين سحري ونحري, فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك رطب, فنظر إليه, فظننت أن له فيه حاجة, قالت: فأخذته فمضغته ونفضته وطيبته ثم دفعته [إليه], فاستن كأحسن ما رأيته مستناً قط, ثم ذهب يرفعه إلي فسقط من يده, فأخذت أدعو الله عز وجل بدعاء كان يدعو له به جبريل عليه السلام وكان هو يدعو به إذا مرض فلم يدع به في مرضه ذاك, فرفع بصره إلى السماء وقال: «الرفيق الأعلى, الرفيق الأعلى» – تعني وفاضت نفسه صلى الله عليه وسلم – فالحمد لله الذي جمع بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا.


#432#

وحدث به ابن حبان في "صحيحه" عن عمران بن موسى بن مجاشع, حدثنا عثمان بن أبي شيبة, حدثنا ابن علية ... فذكره.

وفي لفظ قالت: فدخل علي رجل من آل أبي بكر وفي يده سواك أخضر, قالت: فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده نظراً عرفت أنه يريده, قالت: فقلت: يا رسول الله, تحب أن أعطيك هذا السواك؟ قال: «نعم»: فأخذته فمضعته له حتى ألينه, ثم أعطيته إياه, فاستن به كأشد ما رأيته يستن بسواك قبله, ثم وضعه, قالت: فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثقل في حجري, قالت: فذهبت أنظر في وجهه فإذا بصره قد شخص وهو يقول: «بل الرفيق الأعلى من الجنة» قالت: فقلت: خيرت فاخترت والذي بعثك بالحق.

وفي لفظ خرجه ابن حبان في "صحيحه" عن عائشة رضي الله عنها قالت: أغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه في حجري, فجعلت أمسحه وأدعو له بالشفاء, فلما أفاق قال صلى الله عليه وسلم: «لا, بل اسألي الله الرفيق الأعلى مع جبريل وميكائيل وإسرافيل».

وقد تقدم هذا الحديث.

وقال الواقدي: حدثني شبل بن العلاء, عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم, لما حضرته الوفاة بكت فاطمة, فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تبكين يا بنية, قولي


#433#

إذا مت: إنا لله وإنا إليه راجعون, فإن لكل إنسان بها من كل مصيبة معوضة» قالت: ومنك يا رسول الله؟ قال: «ومني».

وقال الواقدي أيضاً: حدثني الحكم بن القاسم, عن أبي الحويرث قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشتك شكوى إلا سأل الله العافية حتى [كان] مرضه الذي مات فيه, فإنه لم يكن يدعو بالشفاء ويقول: «يا نفس مالك تلوذين كل ملاذ» قال: وأتاه جبريل عليه السلام في مرضه ويقول: إن ربك يقرئك السلام ورحمة الله, ويقول: إن شئت شفيتك وكفيتك, وإن شئت توفيتك وغفرت لك؟ قال: «ذلك إلى ربي يصنع بي ما شاء».

وكان لما نزل به دعا بقدح من ماء فجعل يمسح به وجهه ويقول: «اللهم أعني على كرب الموت, ادن مني يا جبريل, ادن مني يا جبريل, ادن مني يا جبريل».

وروى موسى بن عقبة, عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف يوم الاثنين دخل بيت عائشة وهو يومها, قالت: ووعك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رجع أشد الوعك, واجتمع إليه نساؤه, وأخذ بالموت, فلم يزل كذلك حتى زاغت الشمس من يوم الاثنين يغشى عليه زعموا الساعة, ثم يفيق, ثم يشخص بصره إلى السماء فيقول: «اللهم الرفيق الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً» ثم قال: واشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم الوجع, وأرسلت


#434#

فاطمة إلى علي, وأرسلت حفصة إلى عمر, وأرسلت كل امرأة إلى حميمها, فلم يجتمعوا حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدر عائشة وفي يومها.

وجاء أن عائشة رضي الله عنها قالت: فلما خرجت نفسه صلى الله عليه وسلم لم أجد ريحاً قط أطيب منها.

وقال الواقدي: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن يحنس, عن زيد بن أبي عتاب, عن عروة, عن عائشة رضي الله عنها قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري وفي دولتي لم أظلم فيه أحداً فعجبت من حداثة سني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض في حجري, فلم أتركه على حاله في حجري حتى يغسل, ولكن تناولت وسادة فوضعتها تحت رأسه, ثم قمت مع النساء أصيح وألتدم, وقد وضعت رأسه على الوسادة وأخرته عن حجري.

وروينا من طريق سعيد بن عبد الله الحدثاني, حدثنا سويد بن عبد العزيز بن المختار, عن ثابت, عن إسحاق بن عبد الله بن نوفل بن عبد المطلب, عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاته, فجعلت سكرة الموت تذهب الطويل ثم نسمعه يقول: «مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء


#435#

والصالحين وحسن أولئك رفيقاً» ثم يغلب, ثم يغرق فيقول مثلها, ثم قال: «أوصيكم بالصلاة, أوصيكم بما ملكت أيمانكم» ثم قضى عندها عليه أفضل الصلاة والسلام.

وخرج الطبراني في "معجمه الكبير" من حديث علي بن ثابت الجزري عن المختار بن نافع, عن عبد الأعلى التيمي, [عن إبراهيم التيمي] عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء ملك الموت عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قبض فيه فاستأذن ورأسه في حجر علي رضي الله عنه فقال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته, فقال علي رضي الله عنه ارجع فإنا مشاغيل عنك, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتدري من هذا يا أبا حسن؟ هذا ملك الموت, أدخل راشداَ» فلما دخل قال: إن ربك عز وجل يقرئك السلام قال: «أين جبريل؟» قال: ليس هو قريب مني, الآن يأتي, فخرج ملك الموت حتى نزل عليه جبريل عليه السلام, فقال له جبريل وهو قائم بالباب: ما أخرجك يا ملك الموت؟ قال: التمسك محمد صلى الله عليه وسلم, فلما أن جلسا, قال جبريل: سلام عليك يا أبا القاسم, هذا وداع مني ومنك, فبلغني أنه لم يسلم ملك الموت على أهل بيت قبله, ولا يسلم بعده.

إسناده واه.

وروى أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد فقال: حدثنا محمد بن يحيى بن عبد الكريم الأزدي بالبصرة سنة خمسين ومائتين, وقدم علينا


#436#

بغداد قبل هذا الوقت, وكتبنا عنه, حدثنا أصرم بن حوشب, حدثنا المبارك بن فضالة, عن ثابت, عن أنس رضي الله عنه قال: دخلت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وقد أغمي عليه, فقالت: واكرباه لكربك يا أبتاه, قال: فرفع رأسه ونظر إليها فقال: «يا بنية, لقد حضر من أبيك ما ليس الله يمؤخر عنه أحداً لموافاة يوم القيامة».

قال: ثم أغمي عليه, وأتاه آت فقال: السلام عليك أدخل؟ فقال من حول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت من المهاجرين أو من الأنصار فارجع, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم عنك مشغول, فرفع صلى الله عليه وسلم رأسه فقال: «من تطردون؟ تطردون داعي ربي؟ ادخل يا ملك الموت».

قال: وكان أمر أن لا يدخل عليه صلى الله عليه وسلم إلا بأذن, قال: «جئت لقبض روحي ولم ألق حبيبي يا ملك الموت؟ أنظرني حتى ألقى حبيبي جبريل» عليه السلام, قال: ذلك لك يا محمد. قال: وكان أمر بذلك, فخرج ملك الموت, فلقيه جبريل, فقال: أين يا ملك الموت؟ قال: إنه سألني أن لا أقبض روحه حتى يلقاك. قال: يا ملك الموت, أما ترى أبواب السموات قد فتحت لجيئة محمد صلى الله عليه وسلم؟ أما ترى أبواب الجنان قد فتحت لجيئة محمد صلى الله عليه وسلم؟ أما ترى الملائكة قد نزلوا لجيئة محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال فأقبلا جميعاً حتى دخلا عليه, فسلما, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا جبريل: ما بد من الموت؟» قال: يا محمد: {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفأن مت فهم الخالدون}, {كل نفس ذائقة الموت} قال: يا جبريل, فمن لأمتي؟ قال: يا محمد {كل نفس ذائقة الموت


#437#

وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} قال: فقبضه ملك الموت وإن رأسه لفي حجر جبريل عليه السلام, فلما قبض صلى الله عليه وسلم قالت فاطمة رضي الله عنها: وا أبتاه إلى جبريل ننعاه, من ربه ما أدناه, أهل السموات بالبشرى تلقاه, والرسل به تحظى في عدن الجنان مأواه, ثم إنها قعدت فقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون, ثم إنا لله وإنا إليه راجعون انقطع الخبر من السماء, وما جبريل بنازل علينا أبدا أبداً.

وروى محمد بن سعد في "الطبقات" فقال: أخبرنا أنس بن عياض أبو ضمرة قال: حدثونا عن جعفر بن محمد, عن أبيه قال: لما بقي من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث, نزل عليه جبريل عليه السلام فقال: يا أحمد, إن الله أرسلني إليك إكراماً لك وتفضيلاً لك, وخاصة بك, يسألك عما هو أعلم به منك, يقول: كيف تجدك؟ قال: «أجدني يا جبريل مغموماً, وأجدني يا جبريل مكروباً» فلما كان اليوم الثاني هبط إليه جبريل عليه السلام فقال: يا أحمد, إن الله أرسلني إليك إكراماً لك, وتفضيلاً لك, وخاصة بك يسألك عما هو أعلم به منك, يقول: كيف تجدك؟ قال «أجدني يا جبريل مغموماً, وأجدني يا جبريل مكروباً» فلما كان اليوم الثالث, نزل إليه جبريل عليه السلام وهبط معه ملك الموت, ونزل معه ملك يقال له إسماعيل يسكن الهواء, لم يصعد إلى السماء قط, ولم يهبط إلى الأرض منذ يوم كانت الأرض على سبعين ألف ملك ليس منهم ملك إلا على سبعين ألف ملك, فسبقهم جبريل عليه السلام فقال: يا أحمد,


#438#

إن الله أرسلني إليك إكراماً لك, وتفضيلاً لك, وخاصة بك, يسألك عما هو أعلم به منك, يقول لك: كيف تجدك؟ قال: «أجدني يا جبريل مغموماً, وأجدني يا جبريل مكروباً» ثم استأذن ملك الموت عليه السلام فقال: - يعني جبريل عليه السلام -: يا أحمد, هذا ملك [الموت يستأذن عليك؟ ولم يستأذن على آدمي كان قبلك, ولا يستأذن على آدمي بعدك, فقال: «(ائذن له»] فدخل ملك الموت عليه السلام, فوقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, يا أحمد, إن الله تعالى أرسلني إليك, وأمرني أن أطيعك في كل ما تأمرني, إن أمرتني أن أقبض نفسك قبضتها, وإن أمرتني أن أتركها تركتها, قال: «وتفعل يا ملك [الموت]؟» قال: بذلك أمرت أن أطيعك في كل ما أمرتني, فقال جبريل عليه السلام: يا أحمد, إن الله عز وجل قد اشتاق إليك, قال: «فامض يا ملك الموت لما أمرت به» قال جبريل عليه السلام: السلام عليك يا رسول الله, هذا آخر موطئي الأرض, إنما كنت حاجتي من الدنيا, فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم, وجاءت التعزية يسمعون الصوت والحس, ولا يرون الشخص: السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله وبركاته, {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة}, إن في الله عزاء من كل مصيبة, وخلفا من كل هالك, ودركاً من كل ما فات, فبالله فثقوا, وإياه فارجوا, إنما المصاب من حرم الثواب, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وخرجه البيهقي في كتابه "الدلائل" من حديث سيار بن حاتم,


#439#

حدثنا عبد الواحد بن سليمان الحارثي, حدثنا الحسن بن علي, عن محمد بن علي ...فذكره بنحوه, وقال قوله: إن الله عز وجل, قد اشتاق إلى لقائك. إن صح إسناد هذا الحديث, فإنما معناه: قد أراد [لقاءك, وذلك بأن يردك من دنياك إلى معادك زيادة] في قربتك وكرامتك.

وخرجه من طريق أخرى من حديث الطحاوي, حدثنا المزني, حدثنا الشافعي, عن القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص, عن جعفر بن محمد, عن أبيه أن رجالاً من قريش دخلوا على أبيه علي بن الحسين, فقال: ألا أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: بلى، فحدثنا عن أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، قال: لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل .... وذكر الحديث بنحوه, ثم قال: والمراد بقوله: إن الله اشتاق إلى لقائك. أي: أراد ردك من دنياك إلى آخرتك ليزيد في كرامتك ونعمتك وقربتك.

وخرجه أبو أحمد العسكري في كتابه "المواعظ".

وخرجه أبو بكر الآجري في كتاب "الشريعة", فقال: وحدثنا


#440#

أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عفير الأنصاري, حدثنا محمد بن يحيى الأزدي, حدثنا المثنى بن بحر القشيري, حدثنا عبد الواحد بن سليمان, عن الحسن بن الحسن بن علي, عن أبيه, عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام هبط عليه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد, أرسلني إليك من هو أعلم منك بما تجد, خاصة لك, وإكراماً لك, وتفضيلاً لك يقول لك: كيف تجدك .... وذكر الحديث بطوله.

وحدث به أبو عبد الله محمد بن مسلم بن واره الرازي فقال: حدثنا المنهال بن بحر بن سلام بن مسلم القشيري أبو سلمة, حدثني عبد الواحد بن سليمان, حدثني الحسن بن علي رجل من أهل المدينة، عن محمد بن علي, عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ... فذكره مطولاً بنحوه.

وحدث به ابن سعد أيضاً, عن محمد بن عمر, حدثنا رجل, عن جعفر بن محمد, عن أبيه, عن علي رضي الله عنه ودخل عليه رجلان من قريش فقال: ألا أخبركما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالا: بلى حدثنا عن أبي القاسم صلى الله عليه وسلم, قال: لما كان قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام هبط إليه جبريل, ثم ذكر مثل الحديث الأول, وقال في آخره: فقال علي رضي الله عنه: تدرون من هذا؟ يعني الذي سمعوا صوته بالتعزية, قالوا: لا. قال: هذا الخضر عليه والسلام.


#441#

$[ما ورد في أن النبي صلى الله عليه وسلم مات جالساً]$

وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي جالساً:

قال عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب "العلل": وجدت في كتاب أبي, [حدثنا إبراهيم بن خالد], حدثنا رباح قال: قلت لمعمر: قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس؟ قال: نعم.

وقال الواقدي: حدثني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب, عن أبيه, عن جده, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: «ادعوا لي أخي» فدعي له علي, فقال: «ادن مني» فدنوت منه, فاستند إلي فلم يزل مستنداً إلي, وإنه ليكلمني حتى إن بعض ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصيبني, ثم نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم, وثقل في حجري, فصحت: يا عباس, أدركني, فإني هالك, فجاء العباس فكان جهدهما جميعاً أن أضجعاه.

وخرج أبو الحسن الدارقطني في كتابه "الأفراد" من حديث إسماعيل بن أبان الوراق, حدثنا عبد الله بن مسلم الملائي, عن أبيه, عن إبراهيم, عن علقمة والأسود, عن عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيتها لما حضره الموت: «ادعو لي حبيبي»


#442#

فدعوت له أبا بكر, فنظر إليه ثم وضع رأسه, ثم قال: «ادعوا لي حبيبي» فدعوا له عمر, فلما نظر إليه وضع رأسه, ثم قال: «ادعوا لي حبيبي» فقلت: ويلكم ادعو له علي بن أبي طالب, فوالله ما يريد غيره, فلما رآه أفرد الثوب الذي عليه, ثم أدخله فيه, فلم يزل محتضنه حتى قبض ويده عليه.

فهذا حديث كالذي قبله منكر جداً, تفرد به مسلم بن كيسان الملائي الضبي الأعور, وهو منكر الحديث جداً, قاله الفلاس, وقال البخاري: ضعيف ذاهب الحديث, ولا أروي عنه. وضعفه يحيى بن معين وأبو زرعة الرازي وغير واحد.

وقال معاذ بن المثنى: حدثنا كثير بن يحيى, حدثنا أبو عوانة, عن الأجلح, حدثنا زيد بن علي بن الحسين قال: لما كان اليوم الذي توفي فيه النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً وظهره إلى صدر عائشة رضي الله عنها وهو مستند به, والناس مجتمعون في المسجد, فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «ادعوا لي أخي وصاحبي» قالت عائشة: ادعوا أبي يا جارية, فلما دخل قال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعوا لي أخي وصاحبي» فقالت حفصة: ادعوا لي أبي يا جارية, فلما دخل قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «ادعوا لي أخي وصاحبي» فلما دخل علي رآه عمر بن الخطاب فقام ليخرج, أو خرج من البيت,


#443#

فسلته عائشة حتى وضعت رأسه على المرفقة وقامت, فأخبر نبي الله صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه بألف باب مما يكون قبل يوم القيامة, يفتح كل باب منها ألف باب .... وذكر قصة.

ولا يلتفت إلى هذا, فإن راويه كثير بن يحيى بن كثير شيعي أحاديثه من هذا الضرب, وقد نهى عباس العنبري الناس عن الأخذ عنه.

وقال أبو أحمد بن عدي: حدثنا أبو يعلى, حدثنا كامل بن طلحة, حدثنا ابن لهيعة, حدثنا يحيى بن عبد الله, عن أبي عبد الرحمن الحبلي, عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: «ادعوا لي أخي» فدعوا له أبا بكر .... وذكر الحديث بنحو ما تقدم, وفيه عن علي قال: علمني ألف باب يفتح كل باب ألف باب.

وهذا حديث منكر: ولعل البلاء فيه من ابن لهيعة فإنه شديد الإفراط في التشيع, وقد تكلم فيه الأئمة ونسبوه إلى الضعف. قاله ابن عدي.


#444#

وحدث محمد بن إبراهيم بن المقرئ, عن أبي يعلى الموصلي, حدثنا أبو خيثمة, حدثنا جرير, عن مغيرة, عن أم موسى قالت: قالت أم سلمة: والذي تحلف به أم سلمة إن كان أقرب الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالت: [لما] كانت غداة قبض فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان أرى في حاجة بعثه لها, قال: فجعل غداة بعد غداة يقول: «جاء علي؟», ثلاث مرات, فجاء قبل طلوع الشمس, فلما جاء عرفنا أن له إليه حاجة, فخرجنا من البيت, وكنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ في بيت عائشة, قالت: فكنت آخر من خرج من البيت, ثم جلست أدناهن من الباب, فأكب عليه علي, فكان آخر الناس به عهداً, وجعل يساره ويناجيه.

قال ابن عساكر في "تاريخه": والمراد بالوصية – يعني في هذه المسارة – أنه أمره أن يقضي عنه ديونه ثم استدل بما ثبت في "الصحيح" من قول علي: من زعم أن عندنا شيئاً نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة فيه أسنان الإبل وأشياء من الجراحات فقد كذب .... الحديث.


#445#

وقال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا علي بن عاصم, عن سعيد بن إياس الجريري, عن أبي عبد الله الجسري قال: دخلت على عائشة وعندها حفصة بنت عمر فقالت لي: هذه حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم, ثم أقبلت عليها, فقالت: أنشدك الله أن تصدقيني بكذب قلته, أو تكذبيني بصدق قلته, تعلمين أني كنت أنا وأنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأغمي عليه, فقلت لك: أترينه قد قبض؟ قلت: لا أدري, فأفاق, فقال: «افتحوا لي الباب» ثم أغمي عليه, فقلت لك: أترينه قد قبض؟ قلت: لا أدري, ثم أفاق, فقال: «افتحوا لي الباب» فقلت لك: أبي وأبوك؟ قلت: لا أدري, ففتحنا الباب, فإذا عثمان بن عفان, فلما أن رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ادنه» فانكب عليه, فساره بشيء لا أدري أنا وأنت ما هو, ثم رفع رأسه فقال: «أفهمت ما قلت لك؟» قال: نعم. قال: «ادنه» فأكب عليه أخرى مثلها, فسارة بشيء لا أدري ما هو, ثم رفع رأسه فقال: «أفهمت ما قلت لك؟» قال: نعم, قال: «ادنه« فأكب عليه إكباباً شديداً, فساره بشيء, ثم رفع رأسه فقال: «أفهمت ما قلت لك؟» قال: نعم, سمعته أذني, ووعاه قلبي, فقال له: «اخرج» فقال: قالت حفصة: اللهم نعم, أو قالت: اللهم صدقت.

وفي لفظ عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادعوا لي بعض أصحابي» قالت: أبا بكر؟ قال: «لا» قلت: عمر؟ قال: «لا» قلت: ابن عمك؟ قال: «لا» قلت: عثمان؟ قال: «نعم» فلما جاء قال: «تنحي»


#446#

فجعل يساره, ولون عثمان يتغير, فلما كان يوم الدار وحصر فيها, قلنا يا أمير المؤمنين, ألا نقاتل؟ قال: لا, إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهداً, وإني صابر نفسي عليه.

خرجه أحمد في "مسنده" وهو في "جامع الترمذي" و"صحيح ابن حبان".


#447#

$[آخر وصايا النبي صلى الله عليه وسلم]$

وكان آخر وصايا النبي صلى الله عليه وسلم, ما روى ابن سعد في "الطبقات" فقال: أخبرنا أسباط بن محمد القرشي, عن سليمان التيمي, عن قتادة, عن أنس رضي الله عنه قال: كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيبن حضره الموت: «الصلاة وما ملكت أيمانكم» حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يغرغر بها في صدره, وما كاد يفيض بها لسانه. أي: ما يقدر على الإفصاح بها.

تابعه جرير, وسفيان الثوري, عن التيمي, وخرجه البيهقي.

وقال أبو سعيد الخليل بن أحمد السجزي في كتابه "الآداب": حدثنا أبو يعقوب, يعني يوسف بن يعقوب بن شارك السجستاني, حدثني محمد بن إبراهيم الحنائي من أهل البصرة بمصر, حدثنا أبو معاوية الضرير مؤذن مسجد عمرو بن مرزوق, حدثنا بشر بن منصور,


#448#

عن ثابت, عن أنس رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضرته الوفاة فقال لنا: «اتقوا الله في الصلاة» ثلاثاً يقولها, «اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم, اتقوا الله في الضعيفين: في المرأة الأرملة والصبي اليتيم», وهو يقول: «اتقوا الله في الصلاة» وهو يغرغر حتى فاضت نفسه صلى الله عليه وسلم.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي بالصلاة وما ملكت أيمانكم حتى انكسر لسانه.

رواه أبو أمية الطرسوسي في "مسند ابن عمر" عن كثير بن عبيد, عن محمد بن خالد, عن الوصافي, عن محارب بن دثار, عن ابن عمر.

وخرج الخرائطي في كتابه "مكارم الأخلاق" من حديث عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة, عن سفينة مولى أم سلمة قال: كان من آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصلاة الصلاة, وما ملكت أيمانكم», حتى جعل يلجلجها في صدره وما يفصح بها لسانه.

وكذلك حدث به النسائي, عن قتيبة بن سعيد, عن أبي عوانة, عن قتادة, عن سفينة قال: كان عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصلاة الصلاة, وما ملكت أيمانكم» .... الحديث.

وحدث به ابن سعد في "الطبقات" عن يزيد بن هارون, وعفان بن


#449#

مسلم, قالا: أخبرنا همام بن يحيى, عن قتادة, عن أبي الخليل, عن سفينة, عن أم سلمة.

وهذا أشبه بالصواب.

وهو كذلك في "سنن النسائي" و"ابن ماجه" من حديث يزيد بن هارون, عن همام, عن قتادة, عن صالح أبي الخليل, عن سفينة, عن أم سلمة بنحوه.

وخرجه النسائي أيضاً من حديث يزيد هو ابن زريع, عن سعيد, عن قتادة أن سفينة حدث عن أم سلمة ... فذكره.

وحدث أبو داود في "سننه" عن زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة, كلاهما عن محمد بن فضيل, عن مغيرة, عن أم موسى سرية علي بن أبي طالب, عن علي رضي الله عنه قال: كان آخر كلام النبي صلى الله عليه وسلم «الصلاة الصلاة, اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم».

وحدث به ابن ماجه عن سهل بن أبي سهل, عن محمد بن فصيل


#450#

به, ولفظه: «الصلاة الصلاة, وما ملكت أيمانكم».

وقال الإمام أحمد بن حنبل في "مسنده": حدثنا بكر بن عيسى الراسبي, حدثنا عمر بن الفضل, عن نعيم بن يزيد, عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن آتيه بطبق يكتب فيه ما لا تضل أمته من بعده, قال: فخشيت أن تفوتني نفسه, قال: قلت: إني أحفظ وأعي, قال: «أوصي بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم».

أخبرنا عبد الرحمن بن الحافظ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن الذهبي أن يحيى بن محمد المقدسي, أخبره عن علي بن مختار العامري, أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد الحافظ قراءة عليه وأنا أسمع, أخبرنا الشريف أبو الفضل محمد بن عبد السلام ببغداد, أخبرنا أبو علي حامد بن محمد الرفا الهروي, حدثنا محمد بن صالح – يعني: الأشج – حدثنا يحيى بن نصر, حدثنا المغيرة السراج, عن حماد بن أبي سليمان, عن سعيد [بن جبير], عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: آخر شيء حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «رفيع ذو المعارج, قد بلغت – ثلاثاً – الصلاة, وملك اليمين».


#451#

قال المغيرة – يعني ابن مسلم السراج -: يقال [إن] آخر وصية الأنبياء الصلاة.

قلت: وله شاهد من حديث العباس رضي الله عنه, وقد تقدم قريباً.

وقال عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما: أوصى – يعني النبي صلى الله عليه وسلم – بكتاب الله.

وحديث يونس بن بكير, عن ابن إسحاق, حدثني صالح بن كيسان, عن الزهري, عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة, قال: لم يوص رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته إلا بثلاث: للرهاويين بجاد مائة وسق من خيبر, وللدرايين بجاد مائة وسق, وللشنئيين بجاد مائة وسق من خيبر, وللأشعريين بجاد مائة وسق من خيبر, وأوصى بتنفيذ بعث أسامة بن زيد, وأوصى أن لا يترك بجزيرة العرب دينان.

وخرج الطبراني في "معجمه الأوسط" من حديث عتيق بن


#452#

يعقوب, حدثني حميد بن القاسم بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف, عن أبيه, عن جده, عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: لما حضرت النبي صلى الله عليه وسلم الوفاة قالوا: يا رسول الله, أوصنا, قال: «أوصيكم بالسابقين الأولين من المهاجرين وأبنائهم من بعدهم, إلا تفعلوه لا يقبل منكم صرف ولا عدل».

لا يروى هذا الحديث عن عبد الرحمن بن عوف إلا بهذا الإسناد, تفرد به عتيق قاله الطبراني.

وقال أبو الجهم أحمد بن الحسين بن طلاب: حدثنا موسى بن سهل الرملي, حدثنا موسى بن داود, حدثنا عمرو بن ثابت, عن أبيه, عن حبة العرني, عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مسنده إلى نحري: «يا علي, أوصيك بالعرب خيراً» قال: وسالت نفسه في كفي صلى الله عليه وسلم.

إسناده مظلم سوى الثلاثة الأول فإنهم ثقات, والثلاثة بعدهم ضعفى, فعمرو بن ثابت بن أبي المقدام هرمز أبو ثابت, قال ابن معين: ليس بثقة ولا مأمون, وضعفه غيره جداً, وأبوه ثابت


#453#

تكلموا فيه, قاله أبو الفتح الأزدي, وحبة بن جوين العرني شيعي غال مرمي بالكذب.

وقال البيهقي في "السنن الكبرى": أخبرنا أبو عبد الله الحافظ, حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب, حدثنا العباس بن محمد الدوري, حدثنا أزهر بن سعد السمان, عن ابن عون, عن إبراهيم, عن الأسود قال: قيل لعائشة رضي الله عنها: إنهم يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إلى علي رضي الله عنه فقالت: بما أوصى إلى علي, وقد رأيته دعا بطست ليبول فيها, وأنا مسندته إلى صدري, فانخنس – أو قال: فانخنث – فمات, وما شعرت, ففيم يقول هؤلاء أنه أوصى إلى علي رضي الله عنه؟!

وإبراهيم هذا يقال هو إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي, قاله البيهقي.

وكذا حدث به في "الدلائل". وقال عقبه: وإبراهيم [هذا] هو ابن يزيد بن شريك التيمي.


#454#

قلت: بل هو إبراهيم بن يزيد [بن] عمرو النخعي الكوفي ابن أخت الأسود بن يزيد النخعي الذي روى عنه هذا الحديث وغيره, وهذا الحديث مخرج في الصحيحين بنحوه من حديث إسماعيل بن علية, وفي "صحيح البخاري" أيضاً و"سنن النسائي" من حديث أزهر بن سعد كلاهما, عن ابن عون.

وخرجه الترمذي في "الشمائل" من حديث سليم بن أخضر, عن ابن عون, وابن ماجه من طريق حماد بن زيد, عن ابن عون, ولفظه: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عنده أحد غيري, ودعا بالطست .... فلم يذكر فيه أمر الوصية.

وقال أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي: حدثنا محمد بن يونس, حدثنا حماد بن عيسى الجهني, حدثنا جعفر بن محمد, عن أبيه, عن جابر بن عبد الله, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: «سلام عليك أبا الريحانتين, أوصيك بريحانتي من الدنيا, وعن قليل بنهد ركناك والله خليفتي عليك» قال: فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم قال علي: هذا أحد الركنين اللذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما ماتت فاطمة قال: هذا


#455#

الثاني الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[وخرجه الإمام أحمد في كتابه "مناقب علي" رضي الله عنه.


#456#

$[ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من اللباس حين توفي]$

وكان على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم توفي من اللباس ما ثبت عن أبي بردة قال: أخرجت إلينا عائشة رضي الله عنها كساء ملبداً وإزاراً غليظاً, وقالت: في هذا نزع روح النبي صلى الله عليه وسلم.

خرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث حميد بن هلال, عن أبي بردة, عن عائشة.

و"الكساء الملبد": المرقع على أحد القولين.

وروى يونس بن بكير, عن الحجاج بن أبي زينب, عن طلحة مولى ابن الزبير, عن عائشة رضي الله عنها قالت: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خميص البطن.

وقال أبو عبد الله محمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس: أخبرنا عبد العزيز بن يحيى, حدثنا حاتم بن إسماعيل, عن جعفر بن محمد, عن أبيه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ووبيص الطيب يرى في مفارقه.


#457#

$[اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في التصديق والتكذيب بموته صلى الله عليه وسلم]$

وقال الحميدي: حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي, حدثنا عبد الواحد بن أبي عون, عن موسى بن مناح قال: لما ولي عمر بن عبد العزيز قال القاسم بن محمد: ينطق العذراء في خدرها, سمعت عمتي عائشة رضي الله عنها تقول: لما قبض – يعني النبي صلى الله عليه وسلم – ارتدت العرب قاطبة, واشرأب النفاق فصار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كأنهم معزى مطيرة حفش .... الحديث.

وجاء في بعض طرقه: وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم صلى الله عليه وسلم حين جمعهم الله على أبي بكر رضي الله عنه وكان الناس في موت النبي صلى الله عليه وسلم بين مكذب بموته ومصدق به.

قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر, حدثني القاسم بن إسحاق,


#458#

عن أمه, عن أبيها القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق, أو عن أم معاوية أنه لما شك في موت النبي صلى الله عليه وسلم, قال بعضهم: قد مات, وقال بعضهم: لم يمت, وضعت أسماء بنت عميس رضي الله عنها يدها بين كتفيه صلى الله عليه وسلم وقالت: قد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم, قد رفع الخاتم من بين كتفيه.

وروى أبو معشر, عن محمد بن قيس, عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: وضعت يدي على صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات, فمرت بي جمع آكل الطعام وأتوضأ, فما يذهب ريح المسك من يدي.

حدث به ابن أبي الدنيا في كتاب "العزاء" فقال: حدثنا أبو عمر التميمي, حدثنا يونس بن بكير, عن أبي معشر. فذكره.


#459#

$[عظم مصيبة المسلمين بموته صلى الله عليه وسلم]$

فهذه المصيبة العظيمة والرزية الجسيمة التي لم ينظر المسلمون إلى شكلها ولم يصابوا قبل ولا بعد بمثلها.

خرج الطبراني في "معجمه الكبير" من حديث علي بن المديني ومحمد بن أبي بكر المقدمي وزيد بن المبارك, قالوا: حدثنا عبد ربه بن بارق الحنقي, حدثني سماك الحنفي, عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من مات له فرطان من أمتي أدخله الله الجنة». قالت عائشة: ومن مات له فرط؟ قال: «ومن مات له فرط يا موفقة». قالت: فمن لم يكن له فرط؟ قال: «فأنا فرط أمتي لم يصابوا بمثلي».

وقال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا عبد الصمد, حدثنا عبد ربه بن بارق الحنفي, حدثنا سماك أبو زميل الحنفي, سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من كان له فرطان من أمتي دخل الجنة», قالت عائشة رضي الله عنها: بأبي, فمن كان له فرط؟ فقال «ومن كان له فرط يا موفقة» قالت: فمن لم يكن له فرط من أمتك؟ قال: «فأنا فرط أمتي لم يصابوا بمثلي».

وهو في "جامع الترمذي" بنحوه.


#460#

وقال ابن أبي الدنيا في كتاب "العزاء": حدثنا عبد الرحمن بن واقد, حدثنا ضمرة بن ربيعة, عن رجاء بن جميل الأيلي رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من مات ولم يقدم فرطاً لم يرد الجنة إلا تصريداً» قيل: يا رسول الله, ما الفرط؟ قال: «الولد, أو ولد الولد, والأخ تؤاخيه في الله عز وجل فمن لم يكن له فرط فأنا له فرط».

الفرط: في اللغة ما سيق من شيء, والفرط أيضاً والفارط: السابق إلى الماء لمصلحة من يتقدمهم في الغالب.

وجعل النبي صلى الله عليه وسلم بموته فرطاً لأمته وسلفاً لها ليشفع في مسيئهم, ويشد أمن محسنهم, وهذا من رحمة الله تعالى بهذه الأمة.

كما ثبت من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أراد الله عز وجل رحمة أمة, قبض نبيها قبلها, فجعله لها فرطاً بين يديها, وسلفا لها» ... الحديث.

وأي فرط لأمة أعظم من نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام لهذه الأمة الشريفة, ولهذا كانت المصيبة به أعظم المصائب.

قال أبو أحمد بن عدي في كتابه "الكامل" في ترجمة أبي عبد الرحمن عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي [الحراني: حدثنا


#461#

أحمد بن الحسين بن عبد الصمد, أخبرني إسحاق بن زريق, عن عثمان – يعني الطرائفي], حدثنا فطر بن خليفة, عن شرحبيل بن سعد, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي, فإنها أعظم المصائب».

قلت: رواه محمد بن عبيد الطنافسي, أخبرنا فطر بن خليفة, عن عطاء بن أبي رباح, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب».

هذا المرسل أثبت.

وخرجه أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب "العزاء" فقال: حدثني سعيد بن محمد الجرمي, حدثنا أبو عبيدة الحداد, حدثني فطر, عن عطاء, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها من أعظم المصيبة».

وقال: حدثني محمد بن عثمان العجلي, حدثنا عبيد الله بن موسى, عن مالك بن مغول, عن عطاء, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته بي, فإنها أفضل المصائب».


#462#

حدثنا الحكم بن موسى, حدثنا الوليد بن مسلم, عن طلحة بن عمرو, عن عطاء, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا اشتد حزن أحدكم على هالكه فليذكرني, وليعلم أني قد مت».

حدثني علي بن محمد بن إبراهيم, حدثنا أبو صالح, حدثنا الليث، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من عظمت مصيبته فليذكر مصيبته بي فإنها ستهون عليه».

حدثني عثمان بن معبد, حدثنا عبيد بن إسحاق, حدثنا أبو بردة الأشعري, عن علقمة بن مرثد, عن ابن سابط, عن أبيه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أصبتم بمصيبة فاذكروا مصيبتي فإنها أعظم المصائب».

ورواه أبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه" فقال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد, حدثنا أبو بردة, عن علقمة بن مرثد, عن ابن سابط، عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها, أعظم المصائب».

ابن سابط هو عبد الله بن عبد الرحمن بن سابط الجمحي من الثقات, مات سنة ثمان عشرة ومائة.


#463#

قال أبو بكر أحمد بن مروان الدينوري: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الحنفي قال: أنشدني أبي رحمه الله لغيره:

اصبر لكل مصيبة وتجلد ... واعلم بأن المرء غير مخلد

وإذا ذكرت مصيبة تسلو بها ... فاذكر مصابك بالنبي محمد

وقال أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي في كتابه "المواعظ والوصايا": أخبرنا أبو الحسن – يعني أحمد بن محمد قحطبة المروزي – أنشدنا عبد الله هو ابن محمود قال: وأنشدنا علي بن حجر:

اصبر لكل مصيبة وتجلد ... واعلم بأن المرء غير مخلد

أوما ترى أن المصيبة جمة ... وترى المنية للعباد بمرصد

وإذا ذكرت مصيبة تشجو بها ... فاذكر مصابك بالنبي محمد

خرج ابن أبي الدنيا في كتاب "العزاء" من حديث جعفر بن محمد, عن أبيه, قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجت صفية رضي الله عنها تلفع بردائها وتقول:


#464#

قد كان بعدك أنباء وهنبشة ... لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

الخطب التي أشارت إليها اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في موته صلى الله عليه وسلم.


#465#

$[مواقف الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم]$

قال الواقدي: حدثني مسلمة بن عبد الله بن عروة, عن زيد بن أبي عتاب, عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: اقتحم الناس على النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة ينظرون إليه, فقالوا: كيف يموت وهو شهيد علينا ونحن شهداء على الناس, فيموت ولم يظهر على الناس, لا والله ما مات, ولكنه رفع كما رفع عيسى ابن مريم, وليرجعن, وتوعدوا من قال أنه مات, ونادوا في حجرة عائشة وعلى الباب: لا تدفنوه, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت.

وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: وسجى رسول الله صلى الله عليه وسلم الملائكة بثوبي, وقعد الرجال, وكانوا كأقوام ليس فيهم أرواح وحق لهم في أطوار من البلاء قسمت بينهم, وكذب بعضهم بموته, وأخرس بعضهم فما تكلم إلا بعد الغد, وخلط آخرون فلاثوا الكلام بغير بيان, وبقي آخرون ومعهم عقولهم, وأقعد آخرون, فكان عمر ممن كذب بموته, وعلي فيمن أقعد, وعثمان فيمن أخرس, وخرج عمر على الناس, ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت, وليرجعنه الله، وليقطعن أيدياً وأرجلاً من رجال المنافقين يتمنون لرسول الله صلى الله عليه وسلم الموت, وإنما واعده ربه عز وجل كما واعد موسى عليه السلام وهو آتيكم, وأما


#466#

عثمان فجعل لا يكلم أحداً, ويؤخذ بيده فيجاء به ويذهب به.

وروى سيف الأسيدي, عن عبد الله بن سعيد بن ثابت, عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك, عن أبيه قال: بلغ من وجد رجال من المسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صاروا إلى أطوار من الوجد, فأما عمر فإنه كذب بموته فقال: أيها الناس, كفوا ألسنتكم عن نبي الله صلى الله عليه وسلم, (فإن النبي صلى الله عليه وسلم) لم يمت, ولكن ربه عز وجل واعده كما واعد موسى, وهو آتيكم, والله لا أسمع أحداً يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي إلا علوته بسيفي هذا, وأما عثمان فإنه بهت فلم يطق كلاماً, وأما علي فإنه أقعد, ولم يكن أحد من المسلمين في مثل حال أبي بكر والعباس رضي الله عنهما فإن الله عز وجل دلهما على التوفيق والسداد, وإن كان الناس لم يرعووا إلا لقول أبي بكر, جاء العباس قبله فتكلم بنحو من كلامه, فما انتهى له أحد ممن ابتلي حتى جاء أبو بكر رضي الله عنه فانتهى الناس كلهم إلى قوله وتفرقوا عن كلامه.

وروى ابن سعد في "الطبقات" فقال: أخبرنا عارم بن الفضل, حدثنا حماد بن زيد, حدثنا أيوب, عن عكرمة قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالوا: إنما عرج بروحه كما عرج بروح موسى. قال: وقام عمر


#467#

رضي الله عنه خطيباً يوعد المنافقين قال: وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت, ولكن عرج بروحه كما عرج بروح موسى [عليه السلام], لا يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقطع أيدي رجال وألسنتهم, فما زال عمر رضي الله عنه يتكلم حتى أزبد شدقاه, قال: فقال العباس رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأسن كما يأسن البشر, وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات, فادفنوا صاحبكم,. أيميت أحدكم إماتة، ويميته إماتتين؟ هو أكرم على الله من ذلك، فإن كان كما تقولون فليس على الله بعزيز أن نحث عنه التراب, إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات حتى ترك السبيل نهجاً واضحاُ, أحل الحلال وحرم الحرام, ونكح وطلق, وحارب وسالم, وما كان راعي غنم تتبع بها صاحبها رؤوس الجبال يخبط عليها العضاه بمخبطه, ويمدر حوضها بيده بأنصب ولا أدأب من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيكم.

وقال: أخبرنا يزيد بن هارون, حدثنا حماد بن سلمة, عن أبي عمران الجوني, عن يزيد بن بابنوس, عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم, وجاء أبو بكر رضي الله عنه فدخل عليه, فرفعت الحجاب، فكشف الثوب عن وجهه, فاسترجع, فقال: مات والله رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم تحول قبل رأسه, فقال: وانبياه, ثم حدر فمه فقبل جبهته, ثم رفع


#468#

رأسه, فقال: واخليلاه, ثم حدر فمه فقبل جبهته, ثم رفع رأسه فقال: واصفياه, ثم حدر فمه فقبل جبهته, ثم سجاه بالثوب, ثم خرج.

وحدث بنحوه أحمد بن حنبل في "مسنده" عن بهز, عن حماد بن سلمة, عن أبي عمران الجوني ... فذكره مطولاً, وعن مرحوم بن عبد العزيز, حدثنا [أبو] عمران الجوني ... فذكره.

وخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب "العزاء" عن أبي موسى محمد بن المثنى, حدثني مرحوم بن عبد العزيز ... فذكره بنحوه.

وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي, وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما مات, ولكنه ذهب به إلى ربه كما ذهب بموسى بن عمران, فقد غاب عن قومه أربعين ليلة, ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات, والله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رجع موسى, فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات, قال: وأقبل أبو بكر حتى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر, وعمر يكلم الناس, فلم يلتفت إلى شيء حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة, ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية البيت مسجى عليه ببرد حبرة, فأقبل حتى كشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم أكب عليه فقبله


#469#

ثم قال: بأبي أنت وأمي, أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها, ثم لن يصيبك بعدها موتة أبداً, قال: ثم رد البرد على وجهه, ثم خرج وعمر يكلم الناس, فقال: على رسلك يا عمر, أنصت, قال: فأبى إلا أن يتكلم, قال: فلما رآه أبو بكر لا يصمت أقبل على الناس, فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه وتركوا عمر, فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: يا أيها الناس, إنه من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات, ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت, ثم تلا هذه الآية: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقيبه فلن يضر الله شيئاً وسجزي الله الشاكرين} قال: فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ, قال: وأخذ الناس عن أبي بكر, فإنما هي في أفواههم.

قال أبو هريرة: قال عمر رضي الله عنهما: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها حتى وقعت إلى الأرض ما تحملني رجلاي, وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات.

وروي عن جابر رضي الله عنه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه في السوق, فأتاه فكشف عن وجهه وقال: مات والذي لا إله إلا هو، ثم قبله.

وجاء عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول, عن ليث, عن مجاهد,


#470#

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قبل أبو بكر الصديق رضي الله عنه بين عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: بأبي طبت حياً وميتاً.

عبد الرحمن ضعيف.

وخرج البخاري في "تاريخه الكبير" من حديث نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم دخل أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم فأكب عليه وقال: بأبي أنت وأمي, طبت حياً وميتاً, وقال: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات, ومن كان يعبد الله فإن الله عز وجل في السماء حي لا يموت.

وقد روي في خطبة أبي بكر رضي الله عنه زيادة فيما خرجه البيهقي من حديث ابن لهيعة حدثنا أبو الأسود, عن عروة قال: وقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب الناس ويوعد من قال قد مات بالقتل والقطع، ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غشيته, لو قد قام قتل وقطع, وعمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم بن أم مكتوم قائم في مؤخر المسجد يقرأ: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل} إلى قوله: {وسيجزي الله الشاكرين} والناس في المسجد قد ملئوه يبكون ويموجون لا يسمعون, فخرج عباس بن عبد المطلب على الناس, فقال: يا أيها الناس, هل


#471#

عند أحد منكم [من] عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفاته فليحدثنا؟ قالوا: لا, قال: هل عندك يا عمر من علم؟ قال: لا. قال العباس: أشهد أيها الناس أن أحداً لا يشهد على النبي صلى الله عليه وسلم بعهد عهده إليه في وفاته, والله الذي لا إله إلا هو لقد ذاق رسول الله صلى الله عليه وسلم الموت.

قال: وأقبل أبو بكر من السنح على دابته حتى نزل بباب المسجد, ثم أقبل مكروباً حزيناً, فاستأذن في بيت ابنته عائشة, فأذنت له, فدخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد توفي على الفراش والنسوة حوله, فخمرن وجوههن واستترن من أبي بكر إلا ما كان من عائشة, فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, فحنا عليه يقبله ويبكي ويقول: ليس ما يقول ابن الخطاب شيئاً, توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده, رحمة الله عليك يا رسول الله, ما أطيبك حياً [وأطيبك] ميتاً! ثم غشاه بالثوب، ثم خرج سريعاً إلى المسجد يتوطأ رقاب الناس حتى أتى المنبر، وجلس عمر حين رأى أبا بكر مقبلاً إليه, فقام أبو بكر إلى جانب المنبر, ثم نادى الناس فجلسوا, فتشهد أبو بكر بما علمه من التشهد, وقال: إن الله تبارك وتعالى نعى نبيكم صلى الله عليه وسلم إلى نفسه وهو حي بين أظهركم, ونعاكم إلى أنفسكم, فهو الموت حتى لا يبقى أحد إلا الله, قال الله تبارك وتعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل} إلى قوله {وسيجزي الله الشاكرين}. فال عمر: هذه الآية في القرآن, والله ما علمت أن هذه الآية أنزلت قبل اليوم, وقال: قال الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم: {نك ميت وإنهم ميتون}, ثم قال: قال الله تبارك وتعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون}, وقال:


#472#

{كل من عليها فان . ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}، وقال: {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة} ثم قال: إن الله تبارك وتعالى عمر محمداً صلى الله عليه وسلم وأبقاه حتى أقام دين الله، وأظهر أمر الله, وبلغ رسالة الله، وجاهد في سبيل االله, ثم توفاه الله عز وجل على ذلك, وقد ترككم على الطريقة, فلن يهلك هالك إلا من بعد البينة والشفاء, فمن كان الله ربه فإن الله حي لا يموت, ومن كان يعبد محمداً وينزله إلهاً فقد هلك إلهه, واتقوا الله أيها الناس, واعتصموا بدينكم, وتوكلوا على ربكم, فإن دين الله قائم, وإن كلمة الله تامة, وإن الله ناصر من نصره, ومعز دينه, وإن كتاب الله عز وجل بين أظهرنا, وهو النور والشفاء, وبه هدى الله محمداً صلى الله عليه وسلم, وفيه حلال الله وحرامه, والله لا نبالي من أجلب علينا من خلق الله, إن سيوف الله لمسلولة ما وضعناها بعد, ولنجاهدن من خالفنا كما جاهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلا يبغين أحد إلا على نفسه. ثم انصرف معه المهاجرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: وذكر الحديث في غسله صلى الله عليه وسلم وتكفينه والصلاة عليه ودفنه.

وذكره موسى بن عقبة في "المغازي" عن ابن شهاب.

وحدث محمد بن سعد في "الطبقات": عن يزيد بن هارون, حدثنا حماد بن سلمة, عن أبي عمران الجوني, عن يزيد بن بابنوس, عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن عمر والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهما فدخلا عليه, وكشفا الثوب عن وجهه, فقال عمر: واغشياه,


#473#

ما أشد غشي رسول الله صلى الله عليه وسلم! ثم قال: فلما انتهينا إلى الدار قال المغيرة: يا عمر, مات والله رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال عمر رضي الله عنه: كذبت, ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولكنك رجل تجوسك فتنة, ولن يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يفنى المنافقين, ثم جاء أبو بكر وعمر يخطب الناس, فقال له أبو بكر: اسكت, فسكت, فصعد أبو بكر, فحمد الله وأثنى عليه, ثم قرأ: {إنك ميت وإنهم ميتون} ... الحديث.

وقال يعقوب بن شيبة في "مسنده": حدثنا يزيد بن هارون, أخبرنا حماد بن سلمة, عن أبي عمران الجوني, عن يزيد بن بابنوس قال استأذنت أنا وصاحب لي على عائشة رضي الله عنها فأذنت لنا, فلما دخلنا عليها جذبت الحجاب وألقت لنا [وسادة], فقال لها صاحبي: يا أم المؤمنين, ما تقولين في العراك؟ فضربت منكبه فقالت: مه آذيت أخاك, فقالت: قل كما قال الله: المحيض, ثم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينال من وجهي وأنا حائض, ويتوشحني, ثم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر ببابي ثم يلقي إلي الكلمة ينفع الله بها, فمر ذات يوم فلم يقل شيئاً, ثم مر يوماً آخر فلم يقل شيئاً, فلما كان اليوم الثالث قلت: يا جارية, ألقي لي وسادة على الباب, فجلست وعصبت رأسي فمر بي وقال: «مالك يا عائشة؟» قلت: أشتكي رأسي. قال: «أنا وارأساه», ثم مضى, فلم يلبث إلا يسيراً حتى جيء به محمولاً في كساء فأدخل بيتي فأرسل إلى نسائه فاجتمعن, فقال لهن: «إني مريض, ويشق علي أن أدور عليكن, فأذن لي أن أكون في منزل


#474#

عائشة», فأذن له, فكنت أوصبه ولم أوصب مريضاً قبله, فبينا ذات يوم قد أسندته إلى صدري ووضع رأسه على عاتقي إذ مال رأسه, فظننته يريد من وجهي شيئاً, وخرجت من فيه نطفة باردة, فوقعت على ثغرة تجري, فاقشعر لها جلدي فظننت أنه غشي عليه, فسجيته, فاستأذن عمر بن الخطاب والمغيرة بن شعبة, فألقيت الحجاب, فدخلا عليه, فكشفا عن وجهه, فقال عمر: واغشياه, ما أطول غشي رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم رد الثوب عليه فقاما, فخرجا, فلما انتهيا إلى الباب قال المغيرة لعمر: مات والله رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال عمر: كذبت, بل تجوسك فتنة, ولن يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يفني المنافقين, فخرج عمر فصعد [المنبر] وجاء أبو بكر فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فاسترجع, وجلس عند رأسه وقال: وانبياه, واخليلاه, ثم رفعه, ثم حدر فمه فقبله فقال: واصفياه, ثم رد الثوب على وجهه, ثم خرج وعمر يخطب الناس ويقول: إن ناساً من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، ولت يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يفني المنافقين, فقال له أبو بكر: اسكت, وسكت ونزل, وصعد أبو بكر المنبر, فحمد الله وأثنى عليه, ثم قرأ: {إنك ميت وإنهم ميتون}, وقرأ: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعفابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً}, حتى فرغ من الآية, فقال عمر: أهذا في كتاب الله؟ قال: نعم, ثم قال: من كان يعبد محمداً فإن محمدا قد مات, ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت, فقال عمر: أيها الناس, هذا أبو بكر وذو شيبة المسلمين فبايعوه, فبايعه الناس.


#475#

وخرجه أحمد بن حنبل في "مسنده" فحدث به كما ذكرته قبل عن بهز بن أسد, عن حماد بن سلمة, عن أبي عمران الجوني .... فذكره مطولاً بنحوه.

ورواه أحمد بن حنبل أيضاً, ومحمد بن أبي بكر المقدمي, عن مرحوم بن عبد العزيز العطار, عن أبي عمران بطوله.

وخرجه الإمام أحمد مرة أخرى في "مسنده" مختصراً من طريق يزيد بن بابنوس, عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر رضي الله عنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته, فوضع فمه بين عينيه, ووضع يديه على صدغيه, وقال: وانبياه, واخليلاه, واصفياه.

ولما تكلم عمر رضي الله عنه بما تقدم ذكره خوف الناس وإن فيهم لنفاقاً فخافوا, ولما خطب أبو بكر رضي الله عنه بين للناس الهدى وبصرهم من العمى, فعرفوا الحق من الباطل, ولبثوا على الإسلام, واعتذر عمر رضي الله عنه عن كلامه بعد ذلك بما سنذكره إن شاء الله تعالى .

وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إني لأمشي مع عمر في خلافته وهو عامد إلى حاجة له, وفي يده الدرة وما معه غيري, قال وهو يحدث نفسه ويضرب وحشي قدمه بدرته إذ التفت إلي فقال: يا ابن عباس, هل تدري ما كان حملني على مقالتي التي قلت حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: قلت: لا أدري يا أمير المؤمنين, أنت أعلم, قال: فإنه والله إن الذي حملني على ذلك لأني كنت أقرأ هذه الآية: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم


#476#

شهيداً}, فوالله إن كنت لأظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها, فإنه الذي حملني على أن قلت ما قلت.

رواه أبو جعفر أحمد بن محمد الوراق في "المغازي".

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب "العزاء": حدثني أبو محمد البلخي, حدثنا يحيى بن الحكم بن مروان السلمي, حدثنا داود بن المحبر, عن المحبر بن قحذم, حدثنا محمد بن يزيد الأنصاري, عن محمد بن كعب القرظي, عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: جاء أبو بكر رضي الله عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى, فكشف الثوب عن وجهه, ثم قبل بين عينيه ثم قال: بأبي وأمي, ونفسي لك الفداء, طبت حياً وطبت ميتاً, وانقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد من النبوة والأنبياء, وعممت حتى صرت مسلاة عمن سواك, وعظمت عن المصيبة وجللت عن البكاء, فلولا أن موتك كان اختياراً منك وأنك نهيت عن البكاء لجدنا لحزنك بالنفوس, وأنفدنا عليك ماء الشئون, فأما ما لا نستطيع دفعه فكمد وادكار, فاذكرنا عند ربك ولنكن من بالك, فلولا ما خلفت فينا من السكينة لم نقم بما خلفت علينا من الوحشة, اللهم أبلغ نبيك صلى الله عليه وسلم واخلفه فينا.

قال ابن عمر: فما احتاج أحد إلى كلام بعده.


#477#

$[ما روي في عزاء النبي صلى الله عليه وسلم]$

وحدث سيف بن عمر في كتابه "الفتوح" عن سعيد بن عبد الله, عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: جاء أبو بكر رضي الله عنه حتى دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فاسترجع وصلى وأثنى, فعج أهل البيت عجيجاً سمعه أهل المصلى, كلما ذكر شيئاً ازدادوا, فما سكن عجيجهم إلا تسليم رجل على الباب صيت جلد يقول: السلام عليكم يا أهل البيت: {كل نفس ذائقة الموت} الآية, إن في الله خلفاً من كل أحد, ودركاً لكل رغبة, ونجاة من كل مخافة, فالله فارجوا, وبه فثقوا, فاسمعوا له واذكروه, فقطعوا البكاء, ثم عادوا فبكوا, فناداهم مناد آخر لا يعرفون صوته: يا أهل البيت, اذكروا الله واحمدوه على كل حال تكونوا من المخلصين, إن في الله عزاء من كل مصيبة, وعوضاً من كل رغبة, فالله فأطيعوا, وبأمره فاعملوا, فقال: أبو بكر: هذا الخضر واليسع حضرا النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب "الهواتف": حدثني إسماعيل بن إبراهيم بن بسام, حدثني صالح المري, عن أبي حازم المديني قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المهاجرون فوجاً فوجاً يصلون ويخرجون, ثم دخلت الأنصار فوجا فوجا يصلون ويخرجون، ثم دخل أهل بيته, حتى إذا فرغت الرجال دخلت النساء, فكان منهن


#478#

صوت وجزع كبعض ما يكون منهن, فسمعن هدة في البيت, فسكتن, فسمعن قائلاً يقول ولا يرين شيئاً: في الله عزاء عن كل هالك, وعوض من كل مصيبة, وخلف من كل ما فات, فالمجبور من جبره الثواب, والمصاب من لم يجبره الثواب.

وحدث به كذلك في كتابه في "العزاء".

وقال فيه [و] في كتاب "الهواتف" أيضاً: حدثني محمد بن صالح القرشي, حدثني محمد بن جعفر بن محمد, عن أبيه, عن جده, عن علي بن حسين, عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء آت يسمع حسه ولا يرى شخصه فقال: السلام عليكم ورحمة الله, إن في الله عوضاً من كل مصيبة وخلفاً من كل هالك, ودركاً من كل ما فات, فبالله فثقوا, وإياه فارجوا, فإن المحروم من حرم الثواب, والسلام عليكم, لفظه في "الهواتف".

وزاد في كتاب "العزاء": فقال علي رضي الله عنه: تدرون من هذا؟ هذا الخضر عليه السلام.

وقال في "الهواتف": حدثني الحسن بن يحيى الدعاء – جار أبي همام – حدثنا خازم بن جبلة, عن أبي نضرة العبدي, عن خارجه بن مصعب, عن زيد بن أسلم, عن سويد بن غفلة, عن علي بن أبي


#479#

طالب رضي الله عنه قال: لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم وسجي بثوب, هتف هاتف من ناحية البيت, يسمعون صوتاً ولا يرون شخصاً: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, السلام عليكم أهل البيت, فردوا عليه, فقال: {كل نفس ذائقة الموت} الآية, إن في الله خلفاً من كل هالك, وعزاء من كل مصيبة, ودركاً من كل ما فات, فبه فثقوا وإياه فارجوا, فإنما المصاب من حرم الثواب.

وخرجه بهذا الإسناد في كتاب "العزاء".

وحديث جعفر بن محمد خرجه البيهقي في "الدلائل" من طريق الشافعي في "مسنده": أخبرنا القاسم بن عبد الله بن عمر, عن جعفر بن محمد, عن أبيه, عن علي بن الحسين قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت التعزية ... وذكر نحوه.

وخرجه أيضاً من طريق أبي الوليد المخزومي, حدثنا أنس بن عياض, عن جعفر بن محمد, عن أبيه, عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عزتهم الملائكة, يسمعون الحس ولا يرون الشخص: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته, إن في الله عزاء من كل مصيبة, وخلفاً من كل هالك, فبالله فثقوا وإياه فارجوا, فإنما المحروم من حرم الثواب.

هذان الإسنادان وإن كانا ضعيفين, فأحدهما يتأكد بالآخر ويدل على أن له أصلاً من حديث جعفر, والله أعلم, قاله البيهقي.


#480#

وأبو الوليد المخزومي الذي روى البيهقي الحديث الثاني من طريقه, وهو خالد بن إسماعيل المدني ذاك المتروك.

وخرج البيهقي أيضاً من طريق كامل بن طلحة, حدثنا عباد بن عبد الصمد, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدق به أصحابه, فبكوا حوله واجتمعوا, فدخل رجل أشهب اللحية، جسيم, صبيح, فتخطى رقابهم فبكى, ثم التفت إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن في الله عزاء من كل مصيبة, وعوضاً من كل فائت، وخلفاً من كل هالك, فإلى الله فأنيبوا, وإليه فارغبوا, ونظره إليكم في البلاء فانظروا, فإن المصاب من لم يجبر, فانصرف وقال بعضهم لبعض: تعرفون الرجل؟ قال أبو بكر وعلي رضي الله عنهما: نعم, هذا أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم الخضر عليه السلام.

عباد بن عبد الصمد ضعيف, وهذا منكر بمرة, قاله البيهقي.

وحدث به أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب "العزاء" حدثني كامل بن طلحة .... فذكره بنحوه.


#481#

$[بكاء الصحابة لموت رسول الله صلى الله عليه وسلم]$

ويروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مات فقال وهو يبكيه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله, لقد كان جزع تخطب الناس عليه, فلما كثر الناس اتخذت منبراً لتسمعهم, فحن الجزع لمفارقتك حتى جعلت يدك الكريمة عليه فسكن, فأمتك كانت أولى بالحنين إليك حين فارقتهم, يا رسول الله بأبي أنت وأمي, لقد بلغ من فضيلتك أنه جعل طاعتك طاعته فقال: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} بأبي أنت وأمي يا رسول الله, لقد بلغ من فضيلتك عنده أن بعثك في آخر الأنبياء, وذكرك في أولهم فقال: {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح} الآية, لقد بلغ من فضيلتك عنده أن أهل النار يودون لو كانوا أطاعوك, وهم بين أطباقها يعذبون, يقولون: يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول, بأبي أنت وأمي يا رسول الله, لئن كان الله قد أعطى موسى حجراً يتفجر منه الأنهار, فما ذاك بأعجب من أصابعك حين نبع الماء منها, وإن كان سليمان أعطاه الله الريح غدوها شهر ورواحها شهر, فما ذاك بأعجب من البراق حين جريت عليه – يعني إلى المسجد الأقصى – وأسرى بك إلى السماء السابعة, ثم صلبت الصبح من ليلتك بالبطحاء, وإن كان عيسى أعطاه الله إحياء الموتى, فما ذاك بأعجب من الشاة المسمومة حين كلمتك, لقد دعا نوح على قومه فقال: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً}، فلو دعوت علينا هلكنا عن آخرنا, ولقد وطئ ظهرك وأدمي وجهك, وكسرت رباعيتك, فأبيت أن تقول إلا خيراً, قلت: «اللهم اغفر لقومي


#482#

فإنهم لا يعلمون» لقد اتبعك في قلة سنيك وقصر عمرك ما لم يتبع نوحاً في كثرة سنيه وطول عمره, ولقد آمن بك الكثير, وما آمن معه إلا قليل, ولبست الصوف وركبت الحمار, ووضعت طعامك على الأرض, ولعقت أصابعك من الطعام تواضعاً منك, صلى الله عليك.

وخرج النسائي في "سننه" من حديث قتادة, عن مطرف بن عبد الله, عن حكيم بن قيس بن عاصم, عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: لا تنوحوا علي, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه.

وروي عن عكرمة أن أم أيمن رضي الله عنها جعلت تبكي – يعني لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم – وقالت: والله إني ما أبكي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أكون أعلم أنه قد ذهب إلى ما هو خير له من الدنيا, ولكني أبكي على خبر السماء انقطع.

ورواه سفيان الثوري, عن قيس بن مسلم, عن طارق بن شهاب قال: لما مات النبي صلى الله عليه وسلم بكت أم أيمن, وهي أم أسامة بن زيد, فقيل لها: ما يبكيك؟ فقالت: انقطع عنا خبر السماء.

وقال ابن سعد في كتابه "الطبقات الكبرى": أخبرنا عفان بن مسلم, حدثنا حماد بن سلمة, عن ثابت, عن أنس رضي الله عنه أن أم أيمن رضي الله عنها بكت حين مات النبي صلى الله عليه وسلم, فقيل لها: أتبكين؟ فقالت: إني والله


#483#

لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيموت, ولكن إنما أبكي على الوحي إذ انقطع من السماء.

وقال يعقوب بن شيبة في "مسنده": حدثني زهير بن حرب, حدثنا عمرو بن عاصم الكلابي, حدثنا سليمان بن المغيرة, عن ثابت, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال أبو بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها, كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها, فلما انتهينا إليها بكت, فقال لها: ما يبكيك, ما عند الله تعالى خير لرسوله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ما أبكي ألا أكون أعلم أن ما عند الله تعالى خير لرسوله صلى الله عليه وسلم, ولكني أبكي أن الوحي انقطع من السماء, فهيجتهما على البكاء, فجعلا يبكيان معها.

قال يعقوب بن شيبة قبل: رواه سليمان بن المغيرة وقد سمعته ممن يحدث به عن سليمان, ولم يحضرني الآن.

وقال حفيده أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب: ورأيت هذا الحديث في كتاب جدي عن عمرو بن عاصم بخطه, يعني: عن سليمان بن المغيرة, وهو عند مسلم في "صحيحه" عن أبي خيثمة, عن عمرو بن عاصم.

تابعه يعقوب بن شيبة والقاضي أحمد بن علي بن سعيد المروزي, عن أبي خيثمة زهير بن حرب.

وقال محمد بن إسحاق: فبلغني أن الناس بكوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفاه الله عز وجل وقالوا: والله لوددنا أنا متنا قبله, إنا نخشى أن نفتن


#484#

بعده, فقال معن بن عدي رضي الله عنه: لكني والله ما أحب أني مت قبله حتى أصدقه ميتاً, كما صدقته حياً.

وقد حدث به مالك بن أنس, عن ابن شهاب, عن سالم, عن أبيه قال: بكى الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات, وقالوا: والله لوددنا أنا متنا قبله, إنا نخشى أن نفتتن بعده, فقال معن بن عدي رضي الله عنه: لكني والله ما أحب أن أموت قبله؛ لأصدقه ميتاً, كما صدقته حياً.


#485#

$[إظلام المدينة بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم]$

وقال الترمذي: حدثنا بشر بن هلال الصواف البصري, حدثنا جعفر بن سليمان, عن ثابت, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما كان اليوم [الذي] دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء, فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء, وما نفضنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم الأيدي وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا.

وحدث به ابن ماجه في "سننه" وابن أبي الدنيا في كتاب "العزاء" عن بشر الصواف به.

قال الترمذي: هذا حديث صحيح غريب.

قلت: تابعه مسلم بن إبراهيم وعبيد الله بن عمر القواريري ويزيد بن هارون وغيرهم, عن جعفر, رواه أبو جعفر محمد بن عبد الملك الدقيقي, عن يزيد بن هارون, وابن سعد عن مسلم بن إبراهيم, وقد تقدم.


#486#

وروى ابن سعد, عن عفان بن مسلم, عن حماد بن سلمة, عن ثابت, عن أنس رضي الله عنه فذكر حديثاً قال في آخره: فشهدته, يعني النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل المدينة, فما رأيت يوماً كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل المدينة, وشهدته يوم مات, فما رأيت يوماً كان أقبح ولا أظلم من يوم مات.

وقد ذكرناه بتمامه في الهجرة.

وروي عن أنس رضي الله عنه أيضاً قال: لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم أظلمت المدينة حتى لم ينظر بعضنا بعضاً, وكان أحدنا يبسط يده فلا يبصرها .... الحديث.


#487#

$[مصيبة أبي هريرة بموت النبي صلى الله عليه وسلم وقصة المزود]$

وقال الإمام أبو بكر البيهقي في "الدلائل": حدثنا أبو الحسين بن الفضل القطان, أخبرنا أبو سهل بن زياد القطان, حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي, حدثنا أحمد بن عبدة, حدثنا سهل بن أسلم [ح.

وأخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ, أخبرنا الحسن بن محمد ابن إسحاق, حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي, حدثنا ابن الخطاب, حدثنا سهل بن أسلم] العدوي, عن يزيد بن أبي منصور, عن أبيه, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

أصبت بثلاث مصائب في الإسلام، لم أصب بمثلهن: بموت النبي صلى الله عليه وسلم وكنت صويحبه, وقتل عثمان, والمزود, قالوا: وما المزود يا أبا هريرة؟ قال: كنا مع رسول


#488#

الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: «يا أبا هريرة أمعك شيء؟» قال: قلت: تمر في مزود معي قال: «جيء به», فأخرجت منه تمراً فأتيته به, قال: فمسه فدعا فيه, ثم قال: «ادع عشرة» فدعوت عشرة, فأكلوا حتى شبعوا, ثم كذلك, حتى أكل الجيش كله وبقي من تمر المزود, قال: «يا أبا هريرة, إذا أردت أن تأخذ منه شيئاً فأدخل يدك ولا تكبه» قال: فأكلت منه حياة النبي صلى الله عليه وسلم, وأكلت منه حياة أبي بكر كلها, وأكلت منه حياة عمر كلها, وأكلت منه حياة عثمان كلها, فلما قتل عثمان انتهب ما في بيتي وانتهب المزود, ألا أخبركم كم أكلت منه؟, أكثر من مائتي وسق.

لفظ حديث المقرئ.

وحدث به الإمام أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني في كتابه "المعجزات" عن الإمام أبي سهل أحمد بن علي الآبيوردي من إملائه ببخارى, أخبرنا الإمام أبو عبد الله الحليمي, حدثنا أبو بكر بن خنب, حدثنا إسماعيل بن إسحاق .... فذكره بنحوه, وقال في آخره أبو المحاسن.

وروي أنه قال: كان في المزود تسع وعشرون تمرة.

وفي هذا الخبر معجزتان ظاهرتان, كذا قال الروياني.


#489#

وجاء في رواية أبي زياد سهل بن زياد, عن أيوب السختياني, عن محمد بن سيرين, عن أبي هريرة رضي الله عنه أن التمر كان إحدى وعشرين تمرة, وفيه قال أبو هريرة: فأخذت منه خمسين وسقاً في سبيل الله.

وجاء في رواية: أن التمر كان بضع عشرة تمرة.

وجاء الحديث من طريق حماد بن زيد, عن المهاجر مولى آل بكرة, عن أبي العالية, عن أبي هريرة بنحوه.


#490#

$[أمر سقيفة بني ساعدة واستخلاف أبي بكر رضي الله عنه]$

قال الزهري: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم انحاز هذا الحي من الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة, واعتزل علي بن أبي طالب والزبير وطلحة بن عبيد الله في بيت فاطمة رضي الله عنهم وانحاز بقية المهاجرين إلى أبي بكر رضي الله عنهم وانحاز معهم أسيد بن حضير في بني عبد الأشهل من بين الأنصار, فأتى آت إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقال: إن هذا الحي من الأنصار مع سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة قد انحازوا إليه, فإن كان لكم بأمر الناس حاجة, فأدركوا الناس من قبل أن يتفاقم أمرهم, ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفرغ من أمره, قد أغلق دونه أهله, قال عمر: فقلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار حتى ننظر ما هم عليه.

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه قال: فقلت لأبي بكر:

انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار, فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا منهم رجلان صالحان, فذكرا لنا ما تمالأ عليه القوم, وقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ قلت: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار, فقالا: فلا عليكم ألا تقربوهم, يا معشر المهاجرين اقضوا أمركم,


#491#

قال: قلت: والله لنأتينهم.

فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة, فإذا رجال بين ظهريهم رجل مزمل, فقلت: من هذا؟ فقالوا: سعد بن عبادة, فقلت: ماله قالوا: وجع, فلما جلسنا تشهد خطيبهم فأثنى على الله عز وجل بما هو أهله, ثم قال: أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام, وأنتم معشر المهاجرين رهط منا, وقد دفت دافة من قومكم, قال: وإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ويغصبونا الأمر, فلما سكت أردت أن أتكلم, وقد كنت زورت مقالة – أي هيأتها – قد أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر, وكنت أدارئ منه بعض الحد, فقال أبو بكر: على رسلك يا عمر, فكرهت أن أعصيه, فتكلم فهو كان أحلم مني وأوقر, ووالله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا وقد قال في بديهته مثالها أو أفضل حتى سكت.

قال: أما ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل, ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسباً وداراً, وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين, فبايعوا أيهما شئتم, وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا فلم أكره شيئاً مما قال غيرها, كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر – وفي رواية: قال: اللهم إلا أن تسول لي نفسي عند الموت شيئاً لا أجده الآن – قال: فقال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب, منا أمير ومنكم


#492#

أمير, يا معشر قريش, قال: فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى تخوفت من الاختلاف, فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون, ثم بايعه الأنصار ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة .... الحديث.

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا حسين الجعفي, عن زائدة, عن عاصم, عن زر, عن عبد الله رضي الله عنه قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار رضي الله عنهم: منا أمير ومنكم أمير, قال: فأتاهم عمر رضي الله عنه فقال: يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر يصلي بالناس؟ قالوا: بلى, قال: فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر رضي الله عنه؟ (قالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر رضي الله عنه).

وقد روي: أن أبا بكر رضي الله عنه قال يومئذ للأنصار: يا معشر الأنصار, إنا رهط رسول الله صلى الله عليه وسلم وعترته الأدنون, وأصل العرب, وقطب الناس, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الأئمة من قريش إلى أن تقوم الساعة» وقد سمانا الله تعالى في كتابه: الصادقين حين قال: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضوناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون} وسماكم المفلحين فقال: (والذين تبوءو الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} وأمركم الله أن تكونوا معنا حيث كنا فقال: {يا أيها الذين


#493#

ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} وقال لكم: «سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض» وقال لنا في آخر خطبة خطبها: «أوصيكم بالأنصار خيراً, أن تقبلوا من محسنهم وتجاوزا عن مسيئهم» ولو كان لكم من الأمر شيء ما رأيتم أثرة ولا وصى بكم, فلما سمعوا ذلك من علمه ووعوه من قوله تذكروا الحق وانقادوا له والتزموا حكمه.

ذكره أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي.


#494#

$[روايات قصة السقيفة]$

وقد روي في هذه القصة أحاديث غير ذلك منها:

ما قال الوليد بن مسلم: حدثنا عبد الله بن لهيعة, عن أبي الأسود القرشي, عن عروة بن الزبير, قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا معشر الأنصار أنا أدعوكم إلى عمر بن الخطاب أو إلى أبي عبيدة بن الجراح, فكلاهما قد رضيته للقيام على هذا الأمر, وكلاهما أراهما لذلك أهلاً, قال عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح: ما ينبغي لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون فوقك يا أبا بكر, أنت صاحب الغار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين, وأمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة حين رجع فصليت بالناس, فأنت أحق بهذا الأمر من غيرك, فبايعه عمر, ثم أبو عبيدة بن الجراح, ثم الأنصار.

وروى أبو بكر بن عياش ومحمد بن فضيل, قالا: حدثنا إسماعيل بن سميع, عن مسلم البطين, عن أبي البختري قال: قال أبو بكر الصديق – يعني لأبي عبيدة -: [هلم أبايعك, فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن لكل أمة أميناً وإن أبا عبيدة بن الجراح] أمين هذه الأمة» فقال أبو عبيد: ما كنت لأتقدم بين يدي رجل أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنا حتى مات.


#495#

وحدث به أسد بن موسى في كتابه "فضائل أبي بكر وعمر" رضي الله عنهما عن مروان بن معاوية, حدثنا إسماعيل بن سميع, عن يحيى بن أبي كثير: أن أبا بكر قال لأبي عبيدة: هلم لأبايعك, فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنك لأمين هذه الأمة» فقال أبو عبيدة: ما كنت لأفعل أصلي بين يدي رجل أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنا حتى قبض.

وخرج الطبراني في "معجمه الكبير" من حديث عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا قرة بن خالد, عن رجل يقال له القاسم, عن سالم بن عبد الله, عن أبيه رضي الله عنه قال: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر المسلمون خيرهم فاستخلفوه وهو أبو بكر رضي الله عنه [وذكر بقيته.

قال الطبراني: القاسم هذا الذي روى عنه قرة بن خالد هذا الحديث هو أبو نهيك بصري, هو ابن محمد].


#496#

$[خطبة أبي بكر الصديق بعد استخلافه]$

وقال أبو جعفر أحمد بن محمد بن أيوب البغدادي: حدثنا إبراهيم بن سعد, عن ابن إسحاق, قال الزهري: حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما بويع أبو بكر رضي الله عنه في السقيفة, وكان الغد جلس أبو بكر على المنبر, فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر, فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل, ثم قال: أيها الناس, إني قد كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت, وما وجدتها في كتاب الله, ولا كانت عهداً عهده إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولكني قد كنت أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدبر أمرنا, يقول: يكون آخرنا, وإن الله عز وجل قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى رسوله صلى الله عليه وسلم, فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان به [هدى] أهله, وإن الله عز وجل قد جمع أمركم على خيركم, صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وثاني اثنين إذ هما في الغار, فقوموا فبايعوا, فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة [بعد] بيعة السقيفة, ثم تكلم أبو بكر, فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو له أهل, ثم قال: أما بعد, أيها الناس فإني قد وليت عليكم, ولست بخيركم, فإن أحسنت فأعينوني, وإن أسأت فقوموني, الصدق أمانة, والكذب خيانة, والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه – إن شاء الله – والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه – إن شاء الله – لا يدع قوم الجهاد في الله إلا ضربهم الله تعالى بالذل,


#497#

ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم [الله] البلاء, أطيعوني ما أطعت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم, قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

وخرجه يعقوب بن شيبة في "مسنده" فقال: حدثنا أحمد بن أيوب، حدثنا إبراهيم بن سعد ... فذكره, وفي آخره قال إبراهيم بن سعد: وسمعت أبي يذكر هذه الخطبة.

وقال أسد بن موسى: حدثنا المبارك بن فضالة, عن الحسن البصري قال: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه بلال .... الحديث, وفيه قال: ثم خطب أبو بكر خطبة ولا والله إن خطب بعده بها أو قال بمثلها, حمد الله وأثنى عليه, ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فخنقته العبرة, ثم قال: [يا أيها] الناس إني لم أجعل بهذا المكان أني أكون خيركم – قال الحسن: هو والله خيرهم غير مدافع, ولكن المرء المسلم يهضم نفسه – والله لوددت أنه يكفيني هذا الأمر بعضهم – قال الحسن: هو والله صادق – ولئن أخذتموني بما كان الله يقيم له رسوله صلى الله عليه وسلم من الوحي ما ذاك عندي, ما أنا إلا كأحدكم ألا فراعوني, فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني, فإذا أنا زغت فقوموني .... وذكر بقيته.

خرجه في كتابه "فضائل أبي بكر وعمر" رضي الله عنهما.


#498#

$[طرق خطبة أبي بكر رضي الله عنه]$

وخطبة أبي بكر رضي الله عنه هذه قد رويت من طرق:

منها: ما قال يعقوب بن شيبة في "مسنده": حدثنا الحارث بن مسكين, حدثنا ابن وهب, حدثني الليث بن سعد, عن إسماعيل بن رافع: أن أبا بكر رضي الله عنه قام فخطب الناس فقال: أيها الناس إني قد وليت عليكم أموركم, ولست أزعم أني أفضلكم, ولكني أثقلكم حملاً, فإن استقمت فاتبعوني, وإن زغت فاعدلوني, وإن أضعف الناس عندي القوي حتى آخذ منه الحق, وإن أقوى الناس عندي الضعيف حتى آخذ له الحق, وإن أكيس الكيس التقى, وإن أحمق الحمق الفجور.

قال ابن وهب: وحدثني الليث: أن أبا بكر رضي الله عنه حين استخلف قام على المنبر فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: يا أيها الناس إني قد وليت أمركم هذا, وإني له لكاره, ولوددت أن بعضكم كفانيه, ولئن كلفتموني أن أعمل فيكم بعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أقوم به؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم امرؤ أكرمه الله عز وجل بالوحي وعصمه به, وإنما أنا امرؤ منكم لست أزعم أني خيركم, ولكني أكثركم شغلاً, وأثقلكم حملاً, فراعوني, فإن اعتدلت فاتبعوني, وإن ملت فاعدلوني, وأعلموا أن لي شيطاناً يعتريني, فإذا رأيتموني عصيت فاجتنبوني لا أمثل بأشعاركم


#499#

وأبشاركم، واعلموا أن أكيس الكيس التقى, وأحمق الحمق الفجور, وإن أضعف الناس عندي القوي حتى آخذ منه الحق, وإن أقوى الناس عندي الضعيف حتى آخذ له الحق.

وقال يعقوب أيضاً: حدثنا يزيد بن هارون, أخبرنا حريز بن عثمان, عن نعيم بن محمد قال: كان في خطبة أبي بكر: واعلموا أنكم تغدون وتروحون في أجل قد غيب عنكم علمه, فإن استطعتم أن ينقضي الأجل وأنتم في عمل الله عز وجل فافعلوا, ولن تنالوا ذلك إلا بالله, وإن أقواماً جعلوا آجالهم لغيرهم, فأنهاكم أن تكونوا أمثالهم, ولا تكونوا كالذين نسوا الله فنسيهم, أين من تعرفون من إخوانكم قد قدموا على ما قدموا في أيام سلفهم فخلوا فيه بالشقاوة والسعادة, أين الجبارون الأولون الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحوائط, قد صاروا تحت الصخر والآكام, هذا كتاب الله لا تفنى عجائبه, فاستضيئوا منه ليوم الظلمة وانتصحوا كتابه وتبيانه, فإن الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: {كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين} لا خير في قول لا يراد به وجه الله, ولا خير في مال لا ينفق في سبيل الله, ولا خير فيمن بغلب جهله حلمه, ولا خير فيمن يخاف في الله لومة لائم.

وقد روي في خطبة أبي بكر هذه زيادة ألفاظ منها ما ذكره أصحاب


#500#

الغريب, وأنه قال فيها:

أيها الناس إنما أنا متبع ولست بمبتدع, فإن أحسنت فأعينوني, وإن زغت فقوموني, ألا إن أشقى الناس في الدنيا والآخرة الملوك, إذا ملك الملك زهده الله فيما عنده ورغبه فيما عند غيره شطر أجله, وأشرب قلبه الإشفاق, فإذا وجب ونضب عمره وضحاُ ظله حاسبه الله فأشد حسابه وأقل عفوه, وسترون بعدي ملكاً عضوضاً وأمة شعاعاً ودماً مفاحاً, فإن كانت للباطل نزوة ولأهل الحق جولة, يعفو لها الأثر وتموت السنن, فالزموا المساجد واستشيروا القرآن, وليكم الإبرام بهد التشاور, والصفقة بعد طول التناظر.

الصفقة: بيعة الناس الخليفة.

وروى موسى بن عقبة في "المغازي" عن ابن شهاب في خطبة أبي بكر رضي الله عنه قال: ثم قام أبو بكر فخطب الناس واعتذر إليهم, وقال: والله ما كنت حريصاً على الإمارة يوماً ولا ليلة قط, ولا كنت فيها راغباً, ولا سألتها الله في سر ولا علانية, ولكني أشفقت من الفتنة, ومالي في الإمارة من راحة, ولقد قلدت أمر اً عظيماً, مالي به طاقة ولا يدان إلا بتقوية الله تعالى , ولوددت أني أقوى الناس عليها مكاني اليوم, قال: فقبل المهاجرون منه ما قال وما اعتذر به, وقال علي والزبير رضي الله عنهما: [ما] غضبنا إلا أننا أخرنا عن المشورة, وإنا لنرى أن أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإنه لصاحب الغار, اثنين, وإنا لنعرف له شرفه وكبره, ولقد أمره رسول الله


#501#

صلى الله عليه وسلم بالصلاة للناس وهو حي.

وخرجه يعقوب بن شيبة في "مسنده" حدثنا الحارث بن مسكين, عن عبد الله ابن وهب قال: وأخبرني ابن لهيعة, عن أبي الأسود فذكره مطولاً من قوله.


#502#

$[رضى الصحابة ببيعة أبي بكر]$

قال يعقوب بن شيبة خارج "المسند": حدثنا العباس بن صالح, سمعت سفيان بن عيينة يقول: معنى قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها, قال: كان قبول أبي بكر رضي الله عنه لها فلتة من أبي بكر؛ لأنه كان رضي الله عنه أعظم قدراً وأرفع في نفسه من أن يقبلها, فكان ذلك فلتة منه, أو نحو هذا, يشهد لهذا تصريح أبي بكر بالكراهة لذلك غير ما مرة.

وقال محمد بن عبيد: حدثنا تليد بن سليمان, عن أبي الجحاف, عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قام أبو بكر رضي الله عنه بعدما استخلف بثلاث يقول: من يستقيلني ببيعتي فأقيله, قال علي: فقلت: لا والله, لا نقيلك, ولا نستقيلك, من ذا الذي يؤخرك, وقد قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تابعه أحمد بن حاتم, عن تليد نحوه.

ورواه علي بن سهل, عن خلف بن تميم, عن عمار بن سيف وعلي بن هاشم, عن هاشم بن البريد, عن أبي الجحاف.

ورواه أسد بن موسى, عن الحجاج بن إبراهيم, عن علي بن هاشم بنحوه.


#503#

ورواه عبد الرحمن بن وهب, عن حميد بن مسعدة, عن يونس بن أرقم, عن هاشم بن البريد, عن داود بن أبي عوف, عن علي.

وداود: هو أبو الجحاف لم يدرك علياً, والله أعلم.

وقال أحمد بن حنبل: حدثنا عبد الرزاق, حدثني عبد الله بن المبارك, عن مالك بن مغول, عن ابن أبجر قال: لما بويع لأبي بكر رضي الله عنه جاء أبو سفيان إلى علي رضي الله عنهما فتكلم, فقال له علي: إنا رأينا أن أبا بكر لها أهلاً.

وقال يعقوب بن شيبة في "مسنده": حدثنا خالد بن أبي يزيد القرني, حدثنا نصر بن باب, عن الحسن بن عمارة, عن المنهال بن عمرو, عن سويد بن غفلة, عن علي رضي الله عنه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على صلاة المؤمنين فصلى بهم ثمانية أيام في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم واختار له ما عنده مفقوداً صلى الله عليه وسلم, ولاه المؤمنون ذلك, وفوضوا إليه الزكاة؛ لأنهما مقرونتان, وأعطوه البيعة طائعين غير مكرهين, أنا أول من سن ذلك من بني عبد المطلب, وهو لذلك كاره.

نصر هذا وشيخه متهمان بالكذب.

وقد قدمنا من حديث أبي صالح محبوب بن موسى الأنطاكي, عن أبي إسحاق الفزاري, عن شعبة, عن سلمة بن كهيل, عن أبي الزعراء أو زيد بن وهب الجهني, عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: فلما حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم الوفاة أمر أبا بكر أن يصلي بالناس وهو يرى مكاني, فكان أبو بكر يصلي بالناس سبعة أيام في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم,


#504#

فلما قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم ولاه المؤمنون أمرهم حين ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عظم دينهم.

وقال محمد بن سعد في "الطبقات": أخبرنا وكيع بن الجراح, عن أبي بكر الهذلي, عن الحسن قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم نظرنا في أمرنا, فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد قدم أبا بكر رضي الله عنه في الصلاة, فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا, فقدمنا أبا بكر رضي الله عنه.

هذا مختصر, وفيه قصة حدث بها أبو علي – أحمد بن الفضل بن عباس بن خزيمة, عن عبد الله بن روح, حدثنا سلمة, حدثنا أبو بكر الهذلي, عن الحسن قال: لما قدم علي البصرة قام إليه ابن الكواء وقيس بن عباد, فقالا: ألا تخبرنا عن مسيرك هذا الذي سرت فيه, تنولى على الأمة تضرب بعضهم ببعض, أعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليك, فحدثنا فأنت الموثوق المأمون على ما سمعت فقال: أما أن يكون عندي عهد من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ولا والله إن كنت أول من صدق به, فلا أكون أول من كذب عليه, ولو كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك عهد ما تركت أخا تيم بن مرة وعمر بن الخطاب يقومان على منبره, ولقاتلتهما بيدي, ولو لم أجد إلا بردي هذا, ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل قتلاً ولم يمت فجأة, مكث في مرضه أياماً وليالي يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة, فيأمر أبا بكر أن يصلي بالناس وهو يرى مكاني, ولقد أرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبي بكر, فأبى


#505#

وغضب, وقال: «أنتن صواحب يوسف, مروا أبا بكر يصلي بالناس» فلما قبض الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم نظرنا في أمورنا فاخترنا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا, فكانت الصلاة أصل الإسلام وقوام الدين, وهو أمين الدين فبايعنا أبا بكر, فكان لذلك أهلاً, لم يختلف عليه منا اثنان ولم يشهد بعضنا على بعض, ولم يقطع منه البراءة فأديت إلى أبي بكر حقه, وعرفت له طاعته, وغزوت معه في جنوده, وكنت آخذ إذا أعطاني, وأغزو إذا أغزاني, وأضرب بين يديه الحدود بسوطي .... وذكر بقيته.

وحدث به إسحاق بن راهويه في "مسنده" عن عبدة بن سليمان, حدثنا سالم المرادي – أبو العلاء – قال: سمعت الحسن يقول: لما قدم علي البصرة في إثر طلحة وأصحابة ... وذكره بنحوه.

وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: والله الذي لا إله إلا هو لولا أن أبا بكر رضي الله عنه استخلف ما عبد الله, فقيل له: مه يا أبا هريرة, ما تقول؟ فأقام الحجة لذلك حتى صدقوه وشهدوا له بما ذكر فيه.

وقال عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما: ولينا أبو بكر فخير خليفة أرحمه بنا وأحناه علينا.


#506#

وقال يعقوب بن شيبة في "مسنده": حدثنا محمد بن عبد الأعلى بن كناسة, قال: وحدثني أيضاً محمد بن القاسم الأسدي, قالا: حدثنا جعفر بن برقان, عن ثابت بن الحجاج الكلابي, عن ابن العفيف قال: شهدت أبا بكر رضي الله عنه وهو يبايع الناس بعد نبي الله صلى الله عليه وسلم فتجتمع إليه العصابة فيقول: أتبايعوني على السمع والطاعة لله ولكتابه, ثم للأمير؟ قال: فيقولون: نعم. فيبايعهم. قال: فلما خلا من عنده أتيته, وأنا فتى من قريش, فقلت: أبايعك على السمع والطاعة لله وكتابه, ثم للأمير, فصعد في البصر وصوبه, فرأيت أني أعجبته.

قال ابن سعد في "الطبقات": حدثنا عفان بن مسلم, حدثنا سليمان بن المغيرة, عن حميد بن هلال قال: لما ولي أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: افرضوا لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يغنيه, قالوا: نعم, برداه, إذا اخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما, وظهره إذا سافر ونفقته على أهله, كما كان ينفق قبل أن يستخلف, قال أبو بكر: رضيت.

وفي "الطبقات" أيضاً لابن سعد قالوا: فتوفي – يعني النبي صلى الله عليه وسلم – حين زاغت الشمس يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع


#507#

الأول, ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة, ودخل بريدة بن الحصيب بلواء أسامة معقوداً حتى أتى به باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرزه عنده, فلما بويع لأبي بكر رضي الله عنه أمر بريدة بن الحصيب أن يذهب باللواء إلى بيت أسامة, ليمضي لوجهه, فمضى بريدة إلى معسكرهم الأول, فلما ارتدت العرب كلم أبو بكر رضي الله عنه في جيش أسامة رضي الله عنه فأبى, وكلم أبو بكر أسامة في عمر رضي الله عنهم أن يأذن له في التخلف ففعل, فلما كان هلال شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة خرج أسامة فسار إلى أهل أبنى عشرين ليلة فشن عليهم الغارة, وكان شعارهم: يا منصور أمت, فقتل من أشرف له وسبى من قدر عليه وحرق منازلهم وحروثهم ونخلهم, فصارت أعاصير من الدخاخين, وأجال الخيل في عرصاتها, وأقاموا يومهم ذلك في تعبئة ما أصابوا من الغنائم, وكان أسامة على فرس أبيه سبحة وقتل قاتل أبيه في الغارة, وأسهم للفرس سهمين ولصاحبه سهماً وأخذ لنفسه مثل ذلك, فلما أمسي أمر الناس بالرحيل، ثم أغذ السير فوردوا وادي القرى في تسع ليال, ثم بعث بشيراً إلى المدينة يخبر بسلامتهم, ثم فصل يفذ في السير فصار إلى المدينة ستاً, وما أصيب من المسلمين أحد, وخرج أبو بكر الصديق والمهاجرون وأهل المدينة يتلقونهم سروراً بسلامتهم, ودخل على فرس أبيه سبحة, واللواء أمامه يحمله بريدة بن الحصيب حتى انتهى إلى المسجد، فدخل فصلى ركعتين, ثم انصرف إلى بيته .... وذكر بقيته.


#508#

$[ما روي في غسله صلى الله عليه وسلم]$

قال أبو جعفر الوراق: حدثنا إبراهيم بن سعد قال ابن إسحاق: فلما بويع أبو بكر رضي الله عنه أقبل الناس على جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء.

قال الإمام أحمد بن حنبل في "مسنده": حدثنا يعقوب, حدثنا أبي, عن ابن إسحاق, حدثني حسين بن عبد الله, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أجمع القوم لغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في البيت إلا أهله: عمه العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب والفضل بن عباس وقثم بن عباس وأسامة بن زيد بن حارثة وصالح مولاه, فلما اجتمعوا لغسله نادى من وراء الباب أوس بن خولي الأنصاري, ثم أحد بني عوف بن الخزرج, وكان بدرياً: يا علي بن أبي طالب, فقال: يا علي ننشدك الله وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال له علي: أدخل فدخل فحضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولم يل من غسله شيئا, قال: فأسنده علي رضي الله عنه إلى صدره وعليه قميصه, وكان العباس والفضل وقثم يقبلونه مع علي, وكان أسامة بن زيد وصالح مولاه هما يصبان الماء, وجعل علي يغسله, ولم ير من رسول الله صلى الله عليه وسلم


#509#

شيئاً مما يراه من الميت, وهو يقول: بأبي وأمي ما أطيبك حياً وميتاً! حتى إذا فرغوا من غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان يغسل بالماء والسدر جففوه, ثم صنع به بما يصنع بالميت, ثم أدرك في ثلاثة أثواب, ثوبين أبيضين وبرد حبرة ... الحديث.

وجاء عن ابن عباس بلفظ آخر فحدث به سيف بن عمر في كتابه "الفتوح" عن الضحاك بن يربوع الحنفي عن ماهان الحنفي, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قلت: كيف غسل النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: ضرب عليه العباس كلة له يمانية صفاق, فصارت سنة فينا في كثير من صالحي الناس, ثم أذن لرجال من بني هاشم فقعدوا بين الحيطان والكلة, وسأله الأنصار أن يدخل لهم رجلاً فأدخل أوس بن خولي, ثم دخل العباس الكلة ودعا علياً والفضل وأبا سفيان وأسامة, فكان الفضل لصب الماء والمعونة, فإذا شغله الصب أعقبه أبو سفيان وأسامة, فلما اجتمعوا في الكلة ألقي عليهم النعاس وعلى من وراء الكلة في البيت, حتى ما منهم أحد إلا وذقنه في صدره يغط, فنادلهم مناد فانتبهوا به وهو يقول: ألا لا تغسلوا النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان طاهرا فقال العباس: ألا بلى, وقال أهل البيت: صدق, فلا تغسلوه, فقال العباس: لا ندع سنته لصوت ما ندري ما هو, وغشيهم النعاس ثانياً, فناداهم مناد فانتبهوا وهو يقول: اغسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثيابه, فقال أهل البيت: ألا لا, فقال العباس: ألا نعم, وقد كان العباس حيث دخل قعد


#510#

متربعاً وأقعد علياً متربعاً فتواجها وأقعد النبي صلى الله عليه وسلم على حجورهم فنودوا أن أضجعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ظهره, ثم اغسلوه واستروا, فثاروا عن الصفيح, وأضجعاه فغربا رجل الصفيح وشرقا رأسه, ثم أخذا في غسله, وما يريان أنه ينبغي لهما أن يأتيا على شيء إلا قلب لهما ورفع لهما, وعليه قميص ومجول مفتوح الشق لم يغسل إلا بالماء القراح وطيبوه بالكافور, ثم اعتصر قميصه ومجوله وحنطوا مساجده ومفاصله ووضئوا به ذراعيه ووجهه وكفيه وقدميه, ثم أدرجوا أكفانه على قميصه ومجوله, وجمروه عوداً ونداً, ثم احتملوه حتى وضعوه على سريره وسجوه.

وجاء من حديث عمرو بن أبي قيس, عن مطرف, عن ناجية, عن علي رضي الله عنه بنحوه مختصراً, تفرد به عمرو.

وروي عن إسماعيل بن أبي خالد, عن عامر – هو الشعبي – قال: غسل النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب والفضل بن عباس وأسامة بن زيد, وكان علي يغسله ويقول: بأبي وأمي, طبت حياً وميتاً.

وحدث ابن إسحاق, عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما أرادوا غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا فيه فقالوا: والله ما ندري أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه, كما نجرد موتانا,


#511#

أو نغسله وعليه ثيابه, قالت: فلما اختلفوا ألقى الله تعالى عليهم النوم, حتى ما منهم رجل إلا ذقته في صدره, ثم كلمهم مكلم في ناحية البيت – لا يدرون من هو -: اغسلوا النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه, قالت: فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسلوه وعليه قميصه يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه, والقميص دون أيديهم, وكانت عائشة تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه.

تابعه عيسى بن معمر, فيما رواه مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير عنه, عن عباد بن عبد الله, عن عائشة.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا في كتابه "الهواتف": حدثني أبي, أخبرنا هشيم, أخبرنا مغيرة, عن مولى لبني هاشم قال: لما أرادوا غسل النبي صلى الله عليه وسلم ذهبوا ليخلعوا قميصه فناداهم مناد من ناحية البيت لا تنزعوا قميصه دعوه, فغسلوه وعليه قميصه.

وله شاهد من رواية أبي بكر بن أبي شيبة, حدثنا أبو معاوية, حدثنا أبو بردة, عن علقمة بن مرثد, عن سليمان بن بريدة, عن أبيه قال: لما أخذوا في غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هم بمناد من الداخل: لا تخرجوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه.


#512#

وخرجه أبو عبد الله محمد بن ماجه في "سننه" فقال: حدثنا سعيد بن يحيى بن الأزهر الواسطي, حدثنا أبو معاوية, حدثنا أبو بردة، عن علقمة بن مرثد, عن أبي بريدة, عن أبيه رضي الله عنه قال: لما أخذوا في غسل النبي صلى الله عليه وسلم ناداهم مناد من الداخل: لا تنزعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه.

أبو بردة هو عمرو بن يزيد التميمي الكوفي ضعفوه.

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا محمد بن عمر قال: فحدثني ابن أبي حبيبة, عن داود بن الحصين, عن أبي غطفان, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلف الذين يغسلونه فسمعوا قائلاً يقول – لا يدرون من هو -: اغسلوا نبيكم وعليه قميصه, فغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قميصه.

وخرج الطبراني في "معجمه الكبير" فقال: حدثنا إسحاق الدبري, عن عبد الرزاق, عن ابن جريج, عن صالح مولى التوأمة, سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول: غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قميص .... الحديث.


#513#

$[ذكر من غسل النبي صلى الله عليه وسلم]$

وقال الواقدي: حدثني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب, عن أبيه, عن جده, عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما أخذنا في جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أغلقنا الباب دون الناس جميعاً, فنادت الأنصار: نحن أخواله ومكاننا من الإسلام مكاننا, ونادت قريش: نحن عصبته, فصاح أبو بكر: يا معشر المسلمين, كل قوم أحق بحيازتهم من غيرهم, فنشدتكم الله, فإنكم إن دخلتم أخرتموهم عنه, والله لا يدخل عليه أحد إلا من دعي.

أخبرنا يوسف بن عثمان الكناني, أنبأنا إبراهيم بن محمد الطبري – وتفردت بالرواية عنه في الدنيا – أخبرنا علي بن هبة الله – قراءة عليه وأنا أسمع – أخبرنا أحمد بن محمد – أبو طاهر الحافظ – أخبرنا محمد ابن المظفر وعبيد الله والحسن – ابنا محمد – ومحمد بن عبد الرحمن بن غزو قالوا: أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن النهاوندي, أخبرنا علي بن عبد الرحمن البكائي, حدثنا أبو جعفر محمد بن عبد الله الحضرمي, حدثنا ضرار بن صرد, حدثنا علي بن هشام, عن حسين بن علي, عن أبيه, عن جده قال: أوصى النبي صلى الله عليه وسلم علياً أن يغسله, فقال علي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أخشى أن لا أطيق ذلك. قال: «إنك ستعان علي» قال: فوالله ما أردت أقلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم عضواً إلا قلب لي.


#514#

ضرار بن صرد هو أبو نعيم الكوفي الطحان, شيعي متروك الحديث, رماه يحيى بن معين بالكذب, مات أبو نعيم هذا سنة تسع وعشرين ومائتين.

وقال الواقدي: حدثني عبد الله بن جعفر, عن الزهري, عن عبد الواحد بن أبي عون قال: [قال] رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب في مرضه الذي توفي فيه: «اغسلني يا علي إذا مت» فقال: يا رسول الله, ما غسلت ميتاً قط, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنك ستهيأ أو تيسر» قال علي: فغسلته, فما آخذ عضواً إلا تبعني, والفضل آخذ بحضنه يقول: اعجل يا علي انقطع ظهري.

وقد روي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان العباس وابناه الفضل وقثم يقلبونه, وكان أسامة بن زيد وشقران يصبان الماء عليه, وعلي يغسله قد أسنده إلى صدره, وعليه قميصه يدلكه بيده من ورائه, لا يفضي بيده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ذكره بنحوه الزهري.

وجاء عن الشعبي قال: كان علي يغسل النبي صلى الله عليه وسلم, والفضل وأسامة يحجبانه.

وروي أن علياً رضي الله عنه كان على يده خرقة يغسل (النبي صلى الله عليه وسلم) بها من


#515#

تحت القميص, وذلك فيما روي عن عبد الله بن الحارث: أن علياً – لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم – قام فأرتج الباب قال: فجاء العباس معه بنو عبد المطلب, فقاموا على الباب, وجعل علي يقول: بأبي أنت, طيباً حياً, وطيباً ميتاً قال: وسطعت ريح طيبة لم يجدوا مثلها قط, فقال العباس لعلي: دع خنيناً كخنين المرأة, وأقبلوا على (صاحبكم, فقال علي): أدخلوا علي الفضل. قال: وقالت الأنصار: نناشدكم الله في نصيبنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأدخلوا رجلاً منهم يقال له أوس بن خولي يحمل جرة بإحدى يديه قال: فغسله علي, يدخل يده تحت القميص والفضل يمسك الثوي عليه والأنصاري ينقل الماء, وعلى يد علي خرقة يدخل يده وعليه القميص.

حدث به كذلك ابن سعد, عن مالك بن إسماعيل أبي غسان النهدي, عن مسعود بن سعد, عن يزيد بن أبي زياد, عن عبد الله بن الحارث. تابعه محمد بن فضيل, عن يزيد بن أبي زياد.

وقال ابن سعد أيضاً: أخبرنا عبد الصمد بن النعمان البزار, أخبرنا كيسان أبو عمر القصار, عن مولاه يزيد بن بلال قال: قال علي – رضي الله عنه: أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يغسله أحد غيري «فإنه لا يرى أحد


#516#

عورتي إلا طمست عيناه» قال علي: وكان الفضل وأسامة يناولاني الماء من وراء الستر وهما معصوبا العين.

قال علي: فما تناولت عضواً إلا كأنما يقلبه معي ثلاثون رجلاً حتى فرغت من غسله صلى الله عليه وسلم.

وجاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: غسلت النبي صلى الله عليه وسلم فذهبت أنظر ما يكون من الميت, فلم أجد شيئاً, فقلت: طبت حياً وميتاً, وسطعت منه ريح طيبة لم نجد مثلها قط.

وحدث به سليمان بن أرقم, عن الزهري, عن سعيد بن المسيب, عن علي رضي الله عنه قال: غسلت النبي صلى الله عليه وسلم فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أجد شيئاً, فقلت: طبت حياً وميتاً.

ورواه صفوان بن عيسى, عن معمر, عن الزهري, عن سعيد بن المسيب, عن علي رضي الله عنه.

تابعه عبد الواحد بن زياد فيما خرجه يعقوب بن شيبة في "مسنده" من طريق عبد الواحد, حدثنا معمر, عن الزهري, عن سعيد بن المسيب قال: قال علي: غسلت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئاً, وكان طيباً صلى الله عليه وسلم حياً وميتاً.


#517#

ورواه أيضاً من طريق ابن المبارك وعبد الأعلى, عن معمر, عن الزهري, عن سعيد بن المسيب قال: التمس علي رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم ما يلتمس من الميت فلم يجده فقال: بأبي أنت, طبت حياً وميتاً.

وهو في "المراسيل" لأبي داود من طريق ابن المبارك كذلك.

وحدث به ابن ماجه, عن يحيى بن خدام, عن صفوان بن عيسى, عن معمر بنحوه.

وروى يونس بن بكير, عن المنذر بن ثعلبة, عن العلباء بن أحمر قال: كان علي والفضل بن عباس يغسلان رسول الله صلى الله عليه وسلم فنودي علي: ارفع طرفك إلى السماء.

وقال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا يحيى بن يمان, عن الحسن بن صالح, عن جعفر بن محمد: كان الماء يستنقع في حقوي النبي صلى الله عليه وسلم, فكان علي رضي الله عنه يحسوه.


#518#

$[ما روي في غسل النبي صلى الله عليه وسلم من بئر غرس]$

وخرج البيهقي في كتابه "السنن" و"دلائل النبوة" وهذا لفظه في "الدلائل" من حديث أسيد بن عاصم, حدثنا الحسين بن حفص, عن سفيان, عن عبد الملك بين جريج سمعت محمد بن علي – أبا جعفر – قال: غسل النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً بالسدر, وغسل وعليه قميص, وغسل من بئر يقال لها: الغرس, بقباء, كانت لسعد بن خيثمة, وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب منها, وولي سفلته علي, والفضل محتضنه, والعباس يصب الماء, فجعل الفضل يقول: أرحني قطعت وتيني إني لأجد شيئاً يترطل علي.

وحدث به مختصراً ابن سعد, عن الواقدي, حدثني الثوري, عن ابن جريج, عن أبي جعفر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعذب له من بئر غرس ومنها غسل.

وقال: أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا عاصم بن عبد الله الحكمي, عن عمر بن الحكم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم البئر بئر غرس, هي من


#519#

عيون الجنة, وماؤها أطيب المياه», وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعذب له منها, وغسل من بئر غرس.

وقد جاءت الرواية بأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى أن يغسل من ماء هذه البئر.

حدث أبو عبد الله ابن ماجه في "سننه": عن عباد بن يعقوب, عن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي, عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر, عن أبيه, عن علي رضي الله عنهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أنا مت فاغسلوني بسبع قرب من بئري بئر غرس», وكانت بقباء, كانت لسعد بن خيثمة, وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب منها.

وهذا إسناد جيد, وعباد وإن كان شيعياً جلداً, فقد أخرج له البخاري مقروناً, ووثقه أبو حاتم, وشيخه مشاه ابن عدي, وإسماعيل وثقوه.

وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر, أخبرني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة, عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بئر غرس من عيون الجنة».


#520#

وقال: أخبرنا محمد بن عمر, حدثني سعيد بن أبي زيد (عن ابن أبي زيد), عمن سمع نافعاً, يخبر عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس على شفير بئر غرس: «رأيت الليلة أني جالس على عين من عيون الجنة» يعني: هذه البئر.

وقال: أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا سعيد بن محمد, عن سعيد بن رقيش قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: جئنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء, فانتهى إلى بئر غرس, وإنه يستقي منها على حمار, ثم نقوم عامة النهار ما نجد فيها ماء, فمضمض رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدلو ورده فيها فجاشت بالرواء.

وهذه البئر ذكرها الحافظ أبو عبد الله الذهبي في كتابه "مشتبه الأسماء والأنساب" فقال: وبالضم, بئر غرس بالمدينة ذكره لي ابن المطري, انتهى قول الذهبي.

قال أبو جعفر بن الكويك: لقيت ابن المطري وأخبرته به, فقال إنه رجع عن قوله, وإنه بالفتح. انتهى.

وبالفتح قيده أبو عبيد البكري في كتابه "المعجم" فقال: بئر غرس, بفتح أوله وإسكان ثانيه وسين مهملة: بئر معروفة بالمدينة لسعد بن خيثمة, كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب منها في حياته, وبمائها غسل بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.


#521#

تابع البكري في تقييدها كذلك ياقوت في "معجمه" انتهى.

وهذه البئر بينها وبين مسجد قباء نحو نصف ميل شرقي مسجد قباء إلى جهة الشمال, وهي بين النخيل وتعرف ناحيتها بها, وكانت قد خربت فجددت بعد السبعمائة, وماؤها غزير, وعرضها فيما ذكره الإمام محمد بن أحمد المطري عشرة أذرع, وطولها يزيد على ذلك.

وقال الحافظ محمد بن محمود (بن) النجار في كتابه "الدرة الثمينة في أخبار المدينة": ذرعتها فكان طولها سبعة أذرع شافه منها ذراعان ماؤها، وعرضها عشرة أذرع, والله أعلم.

(و) قال ابن حبان في كتابه "الثقات": حدثنا عمر بن محمد الهمداني, حدثنا أحمد بن المقدام العجلي, حدثنا الفضيل بن سليمان, عن عبد الله بن رقيش قال: رأيت أنس بن مالك رضي الله عنه أتى قباء, ثم قال: ائتوني بماء من بئر غرس؛ فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم


#522#

يشرب منها ويتوضأ, فأتي بماء فصب على يديه, ثم أدخلها في إزاره فأمسه ذكره, ثم توضأ ومسح على خفيه.

ويروى أنه لما فرغ من غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم جففوه, ثم جعلوا في مواضع سجوده كافوراً.

وخرج البيهقي في "السنن الكبرى" من حديث الحسن بن صالح, عن هارون بن سعد, عن أبي وائل قال: كان عند علي رضي الله عنه مسك فأوصى أن يحنط به, قال: وقال علي رضي الله عنه: هو فضل حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رواه إبراهيم بن موسى, عن حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي, عن حسن بن صالح (به.

ورواه محمد بن إسحاق بن خزيمة, عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي, عن حميد الرؤاسي, عن حسن بن صالح), عن هارون بن سعد قال: كان عند علي رضي الله عنه مسك فأوصى أن يحنط به .... وذكره, فلم يذكر أبا وائل.

وهذا يدل على أنه كان في حنوطه صلى الله عليه وسلم مسك.


#523#

$[ما روي في تكفينه صلى الله عليه وسلم]$

وكفن صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية جدد يمانية, ليس فيها قميص ولا عمامة, أدرج فيها إدرجاً قالته عائشة رضي الله عنها.

و"سحولية": من سحول بلدة باليمن.

وإدراجه صلى الله عليه وسلم في الأثواب كان بعد أن نزع قميصه الذي غسل فيه على الصحيح.

وجاء عن ابن عمر رضي الله عنهما فيما خرجه ابن ماجه في "سننه" قال: كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاث رياط بيض سحولية.

"الريطة": الملاءة إذا كانت قطعة واحدة لا تكون لفقين.

وقال الإمام أحمد: حدثنا مسكين بن بكير, عن سعيد – يعني: ابن عبد العزيز – قال: قال مكحول: حدثني عروة, عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاث رياط يمانية.

وخرج أحمد في "مسنده" أيضاً من حديث الحكم, عن مقسم, عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثوبين أبيضين وبرد أحمر.


#524#

وخرجه البيهقي في "سننه الكبرى" ولفظه: في ثوبين أبيضين وبرد حبرة.

وخرجه من طريق أخرى من حديث يزيد بن أبي زياد, عن مقسم, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب نجرانية: الحلة وقميصه الذي مات فيه.

وخرجه أبو داود في "سننه" من طريق يزيد بن أبي زياد, وهو منكر الحديث, قاله البخاري وضعفه غيره.

ولو كفن النبي صلى الله عليه وسلم في قميصه الذي توفي فيه لأفسد؛ لأنه لم يجرد عنه على المشهور حين غسل, ففيه غسل ونزع عنه حين كفن, والله أعلم.

وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً قال: لما غسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم جففوه, ثم صنع به ما يصنع بالميت, ثم أدرج في ثلاثة أثواب: ثوبين أبيضين وبرد حبرة.

وقال يعقوب بن شيبة في "مسنده": حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب, حدثنا الحسين بن زيد بن علي, عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب, عن أبيه, عن جده, عن علي رضي الله عنه قال: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب: ثوبين سحوليين وبرد حبرة.


#525#

قال يعقوب بن شيبة: وليس حديث الحسين بن زيد بالقوي, كان يحيى بن معين يضعفه. انتهى.

وثبت من حديث هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض يمانية, ليس فيها قميص ولا عمامة, قال: فقيل لعائشة: إنهم يزعمون أنه قد كان كفن في برد حبرة قالت عائشة: قد جاءوا ببرد حبرة ولم يكفنوه.

وفي رواية قالت: فأما الحلة فإنما شبه على الناس فيها, إنما اشتريت ليكفن فيها فتركت الحلة أخذها عبد الله بن أبي بكر فقال: لأحبسنها لنفسي لأكفن فيها, ثم قال: لو رضيها الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم لكفنه فيها, فباعها وتصدق بثمنها.

وفي لفظ: عن عائشة رضي الله عنها قالت: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بردي حبرة كانا لعبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما فلف فيهما, ثم نزعا عنه, فكان عبد الله بن أبي بكر قد أمسك تلك الحلة لنفسه؛ حتى يكفن فيها إذا مات, ثم قال بعد أن أمسكها: ما كنت لأمسك لنفسي شيئاً منع الله منه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يكفن فيه, فتصدق بثمنه عبد الله.


#526#

خرجه البيهقي في "السنن الكبرى" بنحوه, وقال: وفيه دلالة على أن عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما إنما أمسكهما لنفسه؛ لأنهما كانا له.

وخرجه أيضاً في كتابه "دلائل النبوة" وقال في آخره: فهذا يدل على أن الحلة كانت لعبد الله. ثم خرج أيضاً في الكتابين عن عائشة رضي الله عنها قالت: أدرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلة يمانية كانت لعبد الله بن أبي بكر, ثم نزعت عنه وكفن في ثلاثة أثواب .... الحديث.

وخرج أبو داود في "السنن" من حديث الزهري, عن القاسم بن محمد, عن عائشة رضي الله عنها قالت: أدرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوب حبرة, ثم أخر عنه.

وخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" من طريق الزهري وزاد في آخره قال: قال القاسم: إن بقايا ذلك الثوب عندنا.

قال البيهقي عقب هذا: فالذي باع عبد الله بن أبي بكر وتصدق بثمنه هو الحلة, والحلة عندهم ثوبان, والذي قال القاسم: إن بقاياه عندنا. هو الثوب الثالث الذي زعموا أنه صلى الله عليه وسلم كفن فيهما, وفيه: فبينت عائشة رضي الله عنها بياناً شافياً أنه أتي بالثوبين اللذين كانوا يسمونها حلة وببرد حبرة, فلم يكفن فيها وكفن في ثلاثة أثواب بيض كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة, والله أعلم.


#527#

وخرج البيهقي أيضاً في "الدلائل" عن الشعبي قال: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحولية برود يمنية غلاظ إزار ورداء ولفاقة.

ومن الغرائب ما قال يعقوب بن شيبة في "مسنده": حدثنا عفان بن مسلم والحجاج بن منهال والحسن بن موسى الأشيب, قالوا: حدثنا حماد بن سلمة, حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل, عن محمد بن الحنفية, عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في سبعة أثواب.

وخرجه أحمد بن حنبل في "مسنده" عن عفان والأشيب.

تابعهما أبو حسان – الحسن بن عثمان – فرواه عن الحسن الأشيب به.

وقال أبو حسان: أخبرني المعافى بن عمران, عن عبد الله بن مسلم قال: لما قدم القاسم – يعني: ابن محمد – مكة قالوا له: يا أبا محمد, فيم كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبين.


#528#

قال أبو عبد الله البخاري: أصح شيء في هذا الباب أنه – يعني: النبي صلى الله عليه وسلم – كفن في ثلاثة أثواب يمانية بيض.

وقال ابن أبي الدنيا في كتاب "العزاء": أخبرنا علي بن الجعد, أخبرنا أبو يوسف, عن يزيد بن أبي زياد, عن مقسم, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم تضوع منه ريح لم يوجد مثلها طيباً, فجعل بعضهم يقول: بأبي وأمي طبت حياً وميتاً.

وجاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما فرغ من غسل النبي صلى الله عليه وسلم وأدرجه في أكفانه كشف الإزار عن وجهه صلى الله عليه وسلم ثم قال: بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً, انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد ممن سواك من النبوة والأنبياء, خصصت حتى صرت مسلياً عمن سواك, وعممت حتى صارت المصيبة فيك سواء, ولولا أنك أمرت بالصبر ونهيت عن الجزع لأنفدنا عليك الشئون، بأبي أنت وأمي، اذكرنا عند ربك واجعلنا ممن همك, ثم نظر إلى قذاة في عينه صلى الله عليه وسلم فلقطها بلسانه, ثم رد الإزار على وجهه صلى الله عليه وسلم.


#529#

$[ما روي في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم]$

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء, أخبرنا عوف, عن الحسن قال: غسلوه صلى الله عليه وسلم وكفنوه وحنطوه, ثم وضع على سرير, فدخل عليه المسلمون أفواجاً يقومون يصلون عليه ثم يخرجون, ويدخل آخرون حتى صلوا عليه كلهم.

وقال أبو جعفر أحمد بن محمد الوراق: حدثنا إبراهيم بن سعد, عن ابن إسحاق قال: ولما فرغ من جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء وضع على سريره في بيته, ثم دخل الناس عليه يصلون عليه أرسالاً الرجال حتى (إذا) فرغوا, أدخل النساء حتى إذا فرغن, أدخل الصبيان, ثم العبيد, ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد.

وخرجه البيهقي في كتابه "السنن الكبرى" من طريق ابن إسحاق بسند له, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما صلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل الرجال فصلوا عليه بغير إمام أرسالاً حتى فرغوا, ثم أدخل النساء يصلين عليه، ثم أدخل الصبيان فصلوا عليه، ثم أدخل العبيد فصلوا عليه أرسالاً لم يؤمهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد.


#530#

وقد قيل: أول من صلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس رضي الله عنه ثم بنو هاشم, ثم المهاجرون, ثم الأنصار, ثم سائر الناس, ثم الصبيان, ثم النساء.

وروي عن جعفر بن محمد قال: صلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير إمام, يدخل المؤمنون زمراً فيصلون عليه ويخرجون, فلما صلي عليه صلى الله عليه وسلم نادى عمر رضي الله عنه: خلوا الجنازة وأهلها.

وخرج البيهقي في "الدلائل" من طريق الواقدي: حدثني أبي بن عباس بن سهل بن سعد, عن أبيه, عن جده رضي الله عنه قال: لما أدرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكفانه وضع على سريره, ثم وضع على شفير قبره, ثم كان الناس يدخلون عليه رفقاً رفقاً, لا يؤمهم أحد.

وقال ابن أبي الدنيا في كتاب "العزاء": حدثني محمد بن صالح القرشي, قال: حدثنا محمد بن عمر قال: حدثني ابن أبي سبرة, عن عباس بن عبد الله بن معبد, عن أبيه, عن ابن عباس قال: أول من صلى عليه – يعني: النبي صلى الله عليه وسلم – العباس بن عبد المطلب وبنو هاشم, ثم خرجوا, ثم دخل المهاجرون والأنصار, ثم الناس رفقاً رفقا, فلما انقضى الناس دخل عليه الصبيان صفوفاً, ثم النساء.

وروي أن ابن الماجشون لما سئل: كم صلي على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة؟


#531#

قال: اثنان وسبعون صلاة كحمزة رضي الله عنه فقيل: من أين لك هذا؟ فقال: من الصندوق الذي تركه مالك بخطه, عن نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما حكاه مغلطاي فيما أنبئونا عنه.

وروى محمد بن سعد, أخبرنا محمد بن عمر, حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي قال: وجدت هذا في صحيفة بخط أبي فيها: لما كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع على سريره دخل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فقالا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته, ومعهما نفر من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم قدر ما يسع البيت, فسلموا كما سلم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وصفوا صفوفاً لا يؤمهم عليه أحد, فقال أبو بكر وعمر وهما في الصف الأول حيال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إنا نشهد أن قد بلغ ما أنزل إليه ونصح لأمته, وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله الله دينه وتمت كلماته, وأومن به وحده لا شريك له, فاجعلنا يا إلهنا ممن يتبع القول الذي أنزل معه, وأجمع بيننا وبينه حتى يعرفنا وتعرفه بنا, فإنه كان يالمؤمنين رءوفاً رحيماً, لا نبتغي بالإيمان بدلاً, ولا نشتري به ثمناً أبداً, فيقول الناس: آمين آمين, ثم يخرجون, ثم يدخل آخرون حتى صلى عليه الرجال, ثم النساء, ثم الصبيان.

وحدث به ابن أبي الدنيا في كتاب "العزاء": عن محمد بن صالح, حدثنا محمد بن عمر قال: حدثني موسى بن محمد ... فذكره.


#532#

قيل: في صلاتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير إمام أنه كان آخر العهد, فأراد كل واحد منهم أن يأخذ البركة بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم مختصاً بها دون أن يكون فيها تابعاً لغيره.

وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم أوصى بذلك فيما خرجه البزار في "مسنده" والحاكم في "مستدركه" لكن سنده ضعيف, ذكره الحافظ أبو محمد الدمياطي فيما أنبؤونا عنه.

وخرج البيهقي في "السنن الكبرى" عن الشافعي – رحمة الله عليه – أنه قال عن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بغير إمام قال: وذلك لعظم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي وتنافسهم على أن لا يتولى الإمامة في الصلاة عليه أحد.

هذا هو الصحيح الذي عليه الجمهور, أنهم صلوا على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة المعهودة أفراداً.


#533#

وقيل: أمهم أبو بكر الصديق رضي الله عنهم.

وقيل: صلوا عليه بصلاة جبريل عليه السلام وكبروا بتكبيره.

وقالت طائفة – مع اتفاقهم على غسل النبي صلى الله عليه وسلم وتكفينه: لم يصل عليه أحد أصلاً, وإنما كان الناس يدخلون أرسالاً يدعون وينصرفون, وشبهتهم في ذلك ما قدمناه من طريق الواقدي: لما كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع على سريره دخل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فقالا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته, ومعهما نفر من المهاجرين والأنصار قدر ما يسع البيت, فسلموا كما سلم أبو بكر وعمر وصفوا صفوفاً لا يؤمهم عليه أحد, فقال أبو بكر وعمر وهما في الصف الأول حيال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إنه قد بلغ (الأثر) – (يعني إلى آخره).

وهذه الطائفة القائلون بهذا اختلفوا في علة ترك الصلاة عليه, فقيل: لفضيلته فهو غني عنها, وينخرم عليهم هذا بغسله صلى الله عليه وسلم.

وقيل: لم يصلوا عليه؛ لأنه لم يكن هناك إمام, وهذا غلط ظاهر, فإن إمامة الفرائض لم تعطل؛ ولأن بيعة أبي بكر كانت قبل جهاز النبي صلى الله عليه وسلم ودفنه, وكان أبو بكر إمام الناس كما تقدم.

والصحيح القول الأول: أنهم صلوا على النبي صلى الله عليه وسلم أرسالاً حسبما جاءت به الروايات التي قدمناها.

وقال مكحول: ثم توفي – يعني: النبي صلى الله عليه وسلم – فمكث ثلاثة أيام لا يدفن, يدخل عليه الناس أرسالاً (أرسالاً) يصلون عليه وطهره ابن


#534#

عمه الفضل بن العباس وعلي بن أبي طالب, وكان العباس يناولهم الماء, وكفن في ثلاثة رياط بيض يمانية, فلما كفن وطهر دخل الناس عليه في تلك الأيام الثلاثة, صلوا عليه عصباً عصباً, تدخل العصبة تصلي وتسلم, لا يصفون ولا يصلي بين أيديهم مصل حتى فرغ من يريد ذلك, ثم دفن.

حدث به يعقوب بن سفيان في "التاريخ" عن عبد الحميد بن بكار السلمي من أهل بيروت, أخبرني محمد بن شعيب, أخبرني النعمان, عن مكحول .. فذكره.


#535#

$[موضع قبر النبي صلى الله عليه وسلم]$

ولما فرغوا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تكلموا في موضع قبره كما تقدم:

فحدث ابن سعد في "الطبقات" عن عبد الوهاب بن عطاء, أخبرنا (عوف), عن الحسن قال: ائتمروا أن يدفنوه صلى الله عليه وسلم في المسجد فقالت عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان واضعاً رأسه في حجري إذ قال: «قاتل الله أقواماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» فاجتمع رأيهم أن يدفنوه حيث قبض في بيت عائشة.

وحدث الواقدي عن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي اختلفوا في دفنه فقيل: بالبقيع, وكان يكثر الاستغفار لهم, وقيل: عند منبره, وقيل: في مصلاه, فجاء أبو بكر رضي الله عنه فقال: إن عندي من هذا خبراً وعلماً, سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ما قبض نبي إلا دفن حيث توفي».

وروي هذا الحديث عن أبي بكر رضي الله عنه مرفوعاً وموقوفاً من غير وجه, ومن ذلك ما خرجه يعقوب بن شيبة في "مسنده" قال: فحدثناه أبو خيثمة, حدثنا يعقوب بن إبراهيم, حدثنا (أبي, عن محمد) بن إسحاق, حدثني


#536#

حسين بن عبد الله, عن عكرمة, عن ابن عباس, عن أبي بكر رضي الله عنهم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض».

وفي بعض طرقه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه, فقال قوم: ندفنه في مسجده, وقائل: مع أصحابه, فقال أبو بكر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض».

(و) قال الإمام أحمد بن حنبل في "مسنده": حدثنا عبد الرزاق, أخبرني ابن جريج, أخبرني أبي: أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يدروا أين يقبرون النبي صلى الله عليه وسلم, حتى قال أبو بكر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لن يقبر نبي إلا حيث يموت» فأخروا فراشه, وحفروا له تحت فراشه.

وخرجه يعقوب بن شيبة في "مسنده": عن مسدد, حدثنا عيسى بن يونس, حدثنا ابن جريج, عن أبيه: أنهم شكوا في قبر النبي صلى الله عليه وسلم, فقال أبو بكر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن النبي (صلى الله عليه وسلم) لا يحول عن مكانه, يدفن حيث يموت» فحول فراشه فحفروا له في موضع فراشه صلى الله عليه وسلم.

ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في "مسنده" عن عيسى بن يونس.


#537#

وقال الترمذي: حدثنا أبو كريب, حدثنا أبو معاوية, عن عبد الرحمن بن أبي بكر, عن ابن أبي مليكة, عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في دفنه, فقال أبو بكر: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً ما نسيته قال: «ما قبض الله نبياً إلا في الموضع الذي يجب أن يدفن فيه» فدفنوه في موضع فراشه صلى الله عليه وسلم.

وقال الترمذي: هذا حديث غريب, وضعف عبد الرحمن بن أبي بكر من قبل حفظه.

وقال يعقوب بن شيبة في "المسند": وروى هشام بن عروة حديثاً هو أحسنها وأشبهها بالصواب ولم يجاوز أبا بكر وقال: فحدثناه أبو الوليد هشام عن حماد بن سلمة, حدثنا هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة قالت: لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: أين ندفنه؟ فقال أبو بكر: في المكان الذي مات فيه, قالت: وكان بالمدينة قباران أحدهما يلحد, والآخر يشق, فأرسل إليهما, فجاء الذي يلحد, فألحد للنبي صلى الله عليه وسلم.

ومن طرقه الموقوفة ما قال مسدد: حدثنا عبد الله بن داود, حدثنا سلمة بن نبيط, عن نعيم بن أبي هند, عن نبيط بن شريط, عن سالم بن عبيد, فذكر حديث مرض النبي صلى الله عليه وسلم مطولاً وفيه: قالوا: يا سالم بن عبيد, اذهب إلى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم – يعني: أبا بكر – قالوا: يا صاحب


#538#

رسول الله صلى الله عليه وسلم أندفن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم, قالوا: وأين يدفن؟ قال: حيث قبض, فإن الله تعالى لم يقبضه إلا في بقعة طيبة, فعلموا أنه كما قال.

وجاء عن الزهري مرسلاً موقوفاً.

قال إبراهيم بن المنذر الحزامي: حدثنا محمد بن فليح, حدثنا موسى بن عقبة, عن ابن شهاب قال: اختلفوا في موضع القبر, فقالوا: ما ترى يا أبا بكر؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: نرى أن لا نؤخره من المكان الذي توفاه الله عز وجل فيه, فارفعوا هذا المثال – يعني: الفراش – فلم يراجعه منهم أحد, حين أشار بذلك, ورأوا أنه قد أصاب بما قال, قال: وكان موفقاً, ورضوا بما قال.

ويروى من قول علي رضي الله عنه فيما قال أبو يعلى الموصلي: حدثنا عبد الرحمن بن صالح, حدثنا أبو بكر بن عياش, عن صدقة بن سعيد, عن جميع بن عمير: أن أمه وخالته دخلتا على عائشة رضي الله عنها فقالتا: يا أم المؤمنين أخبرينا عن علي بن أبي طالب, فقالت: أي شيء تسألن؟! عن رجل وضع يده من رسول الله صلى الله عليه وسلم موضعاً, فسالت نفسه في يده فمسح بها وجهه, واختلفوا في دفنه فقال: إن أحب البقاع إلى الله مكان قبض فيه نبيه صلى الله عليه وسلم ... الحديث.

وفي غير هذه الرواية, فقال علي رضي الله عنه: ليس في الأرض بقعة أكرم على الله من بقعة قبض فيها نفس نبيه صلى الله عليه وسلم.


#539#

والأكثر على أنه عن عائشة, عن أبي بكر, كما خرجه الترمذي, وذكرناه آنفاً.

وخرجه القاضي أبو بكر أحمد بن علي بن سعيد المروزي في "مسند أبي بكر" الذي جمعه, فحدث به عن أبي كريب شيخ الترمذي, عن أبي معاوية.

وحدث به القاضي أبو بكر في "المسند" أيضاً عن سعيد بن يحيى الأموي قال: حدثنا أبي, عن محمد بن إسحاق, عمن حدثه, عن عروة ابن الزبير, عن عائشة رضي الله عنها قالت: إنما دفن النبي صلى الله عليه وسلم في مضجعه: أن أبا بكر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنه لم يدفن نبي قط إلا حيث قبض» فلذلك دفنوه صلى الله عليه وسلم حيث قبض.

وقال أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص: حدثنا عبد الله – يعني: البغوي – حدثنا عبد الله بن عون الخراز – وكان من الأبدال – حدثنا عبد الرحمن بن القاسم, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها


#540#

قالت: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: أين يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلم يجدوا عند أحد من ذلك علماً, فقال أبو بكر رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من نبي يقبض إلا يدفن تحت مضجعه الذي مات فيه».

وقال أسد بن موسى: حدثنا عبد الرحمن بن زياد, عن خالد بن حميد, عن عمر مولى غفرة قال: لما ائتمروا في دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قائل: ندفنه حيث كان يصلي في مقامه, فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: معاذ الله أن نجعله وثنا يعبد, وقال آخر: ندفنه في البقيع حيث يدفن إخوانه من المهاجرين, فقال أبو بكر: إنا لنكره أن يخرج قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البقيع؛ فيعوذ به عائذ من الناس لله عليه حق, وحق الله فوق حق رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإن أجرناه ضيعنا حق الله, وإن أخفرناه أخفرنا قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم, قالوا له: فما ترى؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما قبض الله نبياً قط إلا دفن حيث قبض روحه» قالوا: فأنت والله رضي مقنع, ثم خطوا حول الفراش خطاً, ثم احتمله علي والعباس والفضل وأهله, ووقع القوم في الحفر, يحفرون حيث كان الفراش.

وحدث سيف بن عمر في كتابه "الفتوح" عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان سرير رسول الله صلى الله عليه وسلم في أقصى البيت


#541#

مما يلي الحائط في وسط مما بين الحائطين, وكان فراشه قدام سريره ملزقاً بالسرير في وسط مما بين الحائطين, وكان فضل البيت – من عند رأس السرير والفراش, ومن عند رجل السرير والفراش – يسيراً, لا يكون فضله ما بينهما ذراعين, يزيد قليلاً أو ينقص قليلاً.


#542#

$[ما روي في دفن النبي صلى الله عليه وسلم]$

وقال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا يعقوب بن إبراهيم, حدثني أبي, عن ابن إسحاق, وحدثني حسين بن عبد الله, عن عكرمة مولى ابن عباس, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو عبيدة بن الجراح يضرح كحفر أهل مكة, وكان أبو طلحة زيد بن سهل يحفر لأهل المدينة, وكان يلحد, فدعا العباس رضي الله عنه رجلين فقال لأحدهما: اذهب إلى أبي عبيده, وللآخر: اذهب إلى أبي طلحة, اللهم خر لرسولك صلى الله عليه وسلم, قال: فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فجاء به فلحد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تابعه جرير بن حازم, عن ابن إسحاق, ومن طريقه خرجه ابن ماجه في "سننه" وخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (و) "دلائل النبوة" بنحوه.

وحدث به الواقدي عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة, عن داود بن الحصين, عن عكرمة.


#543#

وحدث إسماعيل بن عياش, عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة, حدثني ابن حزم, عن عمرة بنت عبد الرحمن, عن أمهات المؤمنين: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: كيف نبني قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم نجعله مسجداً؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» قالوا: فكيف نحفر له؟ قال أبو بكر الصديق: إن من أهل المدينة رجلاً يلحد, ومن أهل مكة رجلاً يشق, اللهم فأطلع علينا أحبهما إليك أن يعمل لنبيك, فأطلع أبا طلحة وكان يلحد, فأمروه أن يلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم دفن ونصب عليه اللبن.

وروي عن أنس رضي الله عنه قال: لحد النبي صلى الله عليه وسلم لحداً.

وخرجه أحمد بن حنبل في "مسنده" عن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم ألحد له لحد.

وخرج ابن حبان في "صحيحه" من حديث زياد بن خيثمة, حدثني إسماعيل السدي, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخل قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس وعلي والفضل, وسوى لحده رجل من الأنصار, وهو


#544#

الذي سوى لحود الشهداء يوم بدر.

وقال أبو زرعة الدمشقي في "تاريخه": حدثنا عبيد الله بن عمر, حدثنا يزيد بن زريع, حدثنا معمر, عن الزهري, عن سعيد المسيب قال: ولي غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإكفانه أربعة دون الناس: العباس وعلي والفضل وصالح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحدوا له ونصبوا عليه اللبن.

وقال أبو جعفر أحمد بن محمد الوراق: حدثنا إبراهيم بن سعد قال: قال ابن إسحاق: وكان الذين نزلوا في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب والفضل بن عباس وقثم بن العباس وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد قال أوس بن خولي لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: يا علي, أنشدك الله وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: انزل, فنزل مع القوم.

وخرجه الطبراني في "معجمه الكبير" من طريق يونس بن بكير, عن ابن إسحاق, عن حسين بن عبد الله, عن عكرمة, عن ابن عباس من قوله.


#545#

وقال أبو زرعة الدمشقي في "تاريخه": حدثنا أبو نعيم, حدثنا سفيان, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن الشعبي, حدثني أبو مرحب أو ابن أبي مرحب قال: كأني أنظر إليهم أربعة: أحدهم عبد الرحمن بن عوف يعني: في قبر النبي صلى الله عليه وسلم.

تابعه محمد بن سعد, عن الفضل بن دكين.

(و) تابعه أبو عاصم الضحاك.

وهو في "سنن أبي داود" من حديث الثوري وزهير, عن إسماعيل بنحوه.

ورواه أحمد بن محمد بن أيوب صاحب "المغازي" عن إبراهيم بن سعد, عن سفيان الثوري به وزاد في آخره: وقد كان المغيرة بن شعبة رضي الله عنه يدعي أنه أحدث الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أخذت خاتمي فألقيته في القبر وقلت: إن خاتمي سقط مني, وإنما طرحته عمداً لأمس رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأكون آخر الناس به عهداً.


#546#

ففي هذا أنزل أيضاً في قبر النبي صلى الله عليه وسلم) المغيرة بن شعبة.

وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: فلما أرادوا أن يقبروه صلى الله عليه وسلم نحوا السرير من قبل رجليه فأدخل من هناك.

وخرجه الشافعي في "الأم" عن الثقة, عن عمر بن (عطاء, عن) عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه.

ورواه أيضاً عن مسلم بن خالد وغيره, عن ابن جريج, عن عمران بن موسى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه.

وقال دعلج بن أحمد في كتابه "مسند المقلين": حدثنا موسى بن هارون, حدثنا داود بن رشيد, حدثنا عبد الرحمن بن عثمان بن إبراهيم الحاطبي, حدثني أبي وعمي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر عليه أربعاً وأدخل القبر من قبل القبلة.

قال موسى: هكذا حدثنا به داود مرسلاً.


#547#

وخرج البيهقي في "السنن الكبرى" من حديث أبي بردة, حدثنا علقمة بن مرثد, عن ابن بريدة, عن أبيه قال: أدخل النبي صلى الله عليه وسلم من قبل القبلة وألحد له لحد ونصب عليه اللبن نصباً.

قال البيهقي: وأبو بردة هذا هو عمرو بن يزيد التميمي الكوفي وهو ضعيف في الحديث, ضعفه يحيى بن معين وغيره. انتهى.

وتقدم له حديث قبل.

وقال ابن سعد: أخبرنا قبيصة بن عقبة, حدثنا سفيان الثوري, عن الحجاج بن أرطاه, عن رجل, عن إبراهيم قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم من قبل القبلة.

المبهم هو حماد بن أبي سليمان, والله أعلم, وهو يروي عن إبراهيم بن يزيد النخعي لا عن التيمي.

وقبل أن يوضع النبي صلى الله عليه وسلم في لحده فرش له قطيفة نجرانية حمراء كان يتغطى فيها.

وقال ابن سعد: أخبرنا وكيع بن الجراح والفضل بن دكين وهاشم بن القاسم الكناني قالوا: حدثنا شعبة, عن أبي جمرة: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: جعل في قبر النبي صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء.

قال وكيع: هذا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة.


#548#

تابعه ابن أبي خيثمة في "تاريخه" عن أبي نعيم الفضل بن دكين وحده.

وهو في "صحيح مسلم" لوكيع عن شعبة بنحوه.

وروى أبو داود في "المراسيل": عن زياد بن أيوب, عن هشيم, عن منصور, عن الحسن قال: جعل في لحد النبي صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء أصابها يوم خيبر, لأن المدينة أرض سبخة.

وقال ابن سعد: أخبرنا عارم بن الفضل وخالد بن خداش, قالا: حدثنا حماد بن زيد, عن يزيد بن حازم, عن سليمان بن يسار: أن غلاماً كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فلما دفن النبي صلى الله عليه وسلم رأى قطيفة كان يلبسها النبي صلى الله عليه وسلم على ناحية القبر, فألقاها في القبر, وقال: لا يلبسها أحد بعدك أبداً, فتركت.

هذا الغلام هو شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وخرج الترمذي من حديث عثمان بن فرقد: سمعت جعفر بن محمد, عن أبيه قال: الذي ألحد قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو طلحة, والذي ألقى القطيفة (تحته شقران.

قال جعفر: وأخبرني ابن أبي رافع سمعت شقران يقول: أنا والله طرحت القطيفة) تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر.


#549#

ابن أبي رافع هذا هو عبيد الله.

قال الطبراني في "معجمه الكبير": حدثنا محمد بن صالح بن الوليد النرسي, حدثنا زيد بن أخزم, حدثنا (عثمان) بن أبي عثمان الغطفاني, سمعت جعفر بن محمد, يحدث عن أبيه, أخبرني عبيد الله بن أبي رافع، سمعت شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنا والله طرحت القطيفة تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وذكر ابن إسحاق, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: وقد كان مولاه شقران حين وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته أخذ قطيفة قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها ويفترشها فقذفها معه في القبر, وقال: والله لا يلبسها أحد بعدك قال: فدفنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال البيهقي حين خرج هذا الحديث في "سننه الكبرى" من طريق ابن إسحاق: ففي هذه الرواية إن كانت ثابتة, دلالة أنهم لم يفرشوها في القبر استعمالاً للسنة في ذلك. انتهى.

وروى الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" من مراسيل الحسن, قال


#550#

رسول الله صلى الله عليه وسلم: «افرشوا لي قطيفتي في لحدي, فإن الأرض لم تسلط على أجساد الأنبياء».

ومن الغرائب ما حدث به سيف بن عمر في كتابه "الفتوح" عن جابر بن يزيد, عن محمد بن علي قال: فرش لرسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفة, ومفرشه, وشعاره, وكل ثوب كان يلبسه نائماً, ففرشت على مفرشه في القبر, ثم وضع عليها وهو في أكفانه ثوبين, وأعقدوا بالقميص الذي غسل فيه, فمن قال: كفن في ثوبين فقد قال, ومن قال: في ثلاثة, فقد صدق, واستقبل استقبالاً.

وحدث أيضاً عن محمد بن إسحاق, عن أبي جعفر: لم يترك لرسول الله صلى الله عليه وسلم سبداً ولا لبداً إلا دفن معه.

وحدث أيضاً بنحوه عن محمد بن عبيد الله, عن أبي جعفر, قال: فرش (في) لحد رسول الله صلى الله عليه وسلم مفرش النبي صلى الله عليه وسلم وقطيفته, وفرشت ثيابه عليها التي كان يلبس يقظاناً على القطيفة والمفرش ثم وضع عليها في أكفانه, وإنما بقي ما بقي في أيدي نسائه من متاعه.

وذكر أبو عمر بن عبد البر: أن القطيفة أخرجت لما فرغوا من وضع اللبنات التسع.

قال البيهقي: وبلغني أنه بني عليه صلى الله عليه وسلم في لحده اللبن.


#551#

ويقال: هي تسع لبنات عدداً.

وحدث محمد بن عباد المكي, عن عبد العزيز الدراوردي, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: ونصب عليه اللبن نصباً.

وخرج أبو حاتم بن حبان في "صحيحه" من حديث جعفر بن محمد, عن أبيه, عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحد ونصب عليه اللبن نصباً, ورفع قبره نحواً من شبر.

وجاء عن يحيى بن سعيد – هو الأنصاري – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً وقبر يحفر بالمدينة, فاطلع رجل في القبر فقال: بئس مضجع المؤمن, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بئس ما قلت» قال الرجل: إني لم أرد هذا, إنما أردت القتل في سبيل الله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولا مثل القتل في سبيل الله, ما على الأرض بقعة أحب إلي أن يكون قبري بها مثلها», ثلاثاً.

علقه رزين في كتابه "الصحاح".


#552#

وقال أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي الحافظ: حدثنا أبو الوليد, حدثنا أبو عوانة, عن عبد الملك بن عمير, عن ابن أبي المعلى, عن أبيه, عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(قال أبو حاتم: وحدثنا عبد الله بن جعفر, حدثنا عبيد الله بن عمرو, عن عبد الملك بن عمير, عن بعض بني أبي المعلى, عن أبيه – وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) -: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم وهو عند قبره: «إن قدمي على ترعة من ترع الجنة».

لقظ الحديث لأبي عوانة, وحديث عبيد الله أتم.

وخرج البيهقي في "الدلائل" عن سعيد بن المسيب قال: عرضت عائشة رضي الله عنها على أبيها رضي الله عنه رؤيا وكان أعبر الناس, فقالت: رأيت ثلاثة أقمار وقعن في حجري فقال: إن صدقت رؤياك دفن في بيتك خير أهل الأرض ثلاثة, فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفن في بيتها قال: يا عائشة, هذا خير أقمارك.

وخرجه أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله بن مسلم في كتابه "الفضائل" بنحوه, وزاد في آخره: ودفن في بيتها أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.

وخرجه كذلك سعيد بن منصور في "سننه".

وخرجه ابن سعد في "الطبقات": عن يزيد بن هارون, عن يحيى بن سعيد, عن سعيد بن المسيب نحوه.


#553#

ورويناه من حديث إسحاق بن الحسن الحربي, حدثنا أبو سلمة، حدثنا حماد, عن أيوب, عن نافع – أو ابن سيرين – عن عائشة قالت: رأيت [فيما يرى] النائم: كأن ثلاثة أقمار وقعن في حجري, فأخبرت بها أبا بكر رضي الله عنه فقال أبو بكر: خيراً رأيت .... وذكر الحديث بنحوه.

وقال أبو بكر الآجري في كتاب "الشريعة": وحدثنا أبو بكر المطرز أيضاً – يعني: القاسم بن زكريا – حدثنا إبراهيم بن حاتم, حدثنا حماد بن زيد, عن أيوب, عن أبي قلابة: أن عائشة رضي الله عنها رأت في المنام كأن قمراً جاء يهوي من السماء فوقع في حجرها, ثم قمر, ثم قمر, ثلاثة أقمار, فقصتها على أبي بكر رضي الله عنه فقال أبو بكر: إن صدقت رؤياك دفن خير أهل الأرض في بيتك, أو قال: في حجرتك.

قال أيوب: فحدثني أبو يزيد المديني قال: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن, قال أبو بكر رضي الله عنه: يا عائشة, هذا خير أقمارك.

وخرج ابن سعد, عن هاشم بن القاسم, حدثنا المسعودي, عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قالت عائشة رضي الله عنها: رأيت في حجري ثلاثة أقمار, فأتيت أبا بكر فقال: ما أولتها؟

قلت: أولتها ولداً من رسول الله, فسكت أبو بكر حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم


#554#

فأتاها فقال لها: خير أقمارك ذهب به, ثم كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما دفنوا جميعاً في بيتها.

وحدث أيضاً عن موسى بن داود, سمعت مالك بن أنس يقول: قسم بيت عائشة باثنين: قسم كان فيه القبر, وقسم كانت تكون فيه عائشة, وبينهما حائط, فكانت عائشة ربما دخلت حيث القبر فضلاً, فلما دفن عمر لم تدخله إلا وهي جامعة عليها ثيابها.

وحدث أيضاَ عن سعيد بن سليمان, حدثنا عبد الرحمن بن عثمان بن إبراهيم, سمعت أبي يذكر قال: كانت عائشة تكشف قناعها حيث دفن أبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما دفن عمر رضي الله عنه تقنعت فلم تطرح القناع.

وقال الحاكم في "مستدركه": حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب, حدثنا الحسن بن علي بن عفان, حدثنا أبو أسامة, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أدخل (على) البيت الذي دفن معهما عمر – والله – ما دخلت إلا وأنا مشدود علي ثيابي حياء من عمر رضي الله عنه.

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.


#555#

وخرجه أحمد بن حنبل في "مسنده" فقال: حدثنا حماد بن أسامة – يعني: أبا أسامة ... فذكره.

وجاء عن عمرة, عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما زلت أضع خماري وأتفضل في ثيابي في بيتي حتى دفن عمر رضي الله عنه, فلم أزل متحفظة في بيتي حتى بنيت بيني وبين القبور جداراً فتفضلت بعد.

وقد روي هذا بزيادة في أوله.

قال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن الحسن, عن إسماعيل بن عبد الله, عن أبيه, عن عبد الله بن أبي بكر, عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يلي الغرب, ورأس أبي بكر رضي الله عنه عند رجلي النبي صلى الله عليه وسلم, وعمر خلف ظهر النبي صلى الله عليه وسلم, قالت عائشة رضي الله عنها: وما زلت أضع خماري وأتفضل في ثيابي حتى دفن عمر رضي الله عنه فلم أزل متحفظة في ثيابي حتى بنيت بيني وبين القبور جداراً.


#556#

$[صفة القبور الثلاثة الشريفة]$

وحدث سيف بن عمر في "الفتوح" عن هشام بن عروة, عن أبيه قال: لما فرغ من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم أدخل القبر فتناولوه استقبالاً حتى وضعوه في قبره, ثم نصبوا اللبن, وحثوا وسنموا التراب, فلما دفن أبو بكر رضي الله عنه حفر له دونه إلى الباب فجعل رأسه حيال حقوي النبي صلى الله عليه وسلم ورجليه إلى جنب الحائط, وألحد له, ونصب له اللبن نصباً, فلما دفن عمر رضي الله عنه حفر له بحيال قبر النبي صلى الله عليه وسلم من دون أبي بكر رضي الله عنه إلى الباب, فكان قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر عمر رضي الله عنه متحاذين, وكان قبر أبي بكر رضي الله عنه في وسط من قبر النبي صلى الله عليه وسلم وعمر رضي الله عنه وكان رأس أبي بكر رضي الله عنه بحيال حقوي النبي صلى الله عليه وسلم وسرة عمرة, ورجليه إلى جنب الحائط, قال: فما فضل عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يشك فيه أحد, وقطعته عائشة رضي الله عنها بحائط فكانت تدخل تلك الفضلة يوم الجمعة مجتمعة, قالت: كنت أدخل وفيه بعلي وأبي في غير حجاب وأما إذ أدخله عمر, فإنه لا يحل لي أن أدخله إلا محتجبة.

وقد روي في صفة القبور الشريفة غير هذا, فحدث أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي الهاشمي مولاهم المدني, عن محمد بن قيس قال: انهدم الحائط الذي على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت قبره مرتفعاً وقبر أبي بكر وقبر عمر رضي الله عنهما, فقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدم في القبلة, وقبر أبي بكر رضي الله عنه وراءه من قبل رأس النبي صلى الله عليه وسلم, وقبر عمر


#557#

رضي الله عنه وراء قبر النبي صلى الله عليه وسلم من قبل رجليه بحذاء قبر أبي بكر رضي الله عنه كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام وهما خلفه. وقد صور هذه الصفة بالخط أبو حسان الحسن بن عثمان الزيادي في "تاريخه" على هذه الصورة:

*صفة قبر النبي صلى الله عليه وسلم:

*صفة قبر أبي بكر رضي الله عنه:

*صفة قبر عمر رضي الله عنه:


#558#

وقال الواقدي: حدثني ربيعة بن عثمان, عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: رأس أبي بكر رضي الله عنه عند كتفي النبي صلى الله عليه وسلم, ورأس عمر رضي الله عنه (عند) حقوي أبي بكر – رضي الله عنه.

وصورها أبو حسان الزيادي أيضاً في "تاريخه" بالخط على الصورة المشهورة التي قال بها الجمهور, فقال: أخبرنا إبراهيم بن المنذر الحزامي, حدثني عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة (بن) الزبير, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما توفي أبو بكر رضي الله عنه دفن إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: ووصف لي عبد الله بن محمد, عن أبيه, عن هشام, القبور هكذا:

*صفة قبر النبي صلى الله عليه وسلم:

*صفة قبر أبي بكر رضي الله عنه:

*صفة قبر عمر رضي الله عنه:


#559#

وحدث زكريا بن يحيى بن خلاد, عن الأصمعي, حدثنا سلمة بن بلال, عن مجالد, عن الشعبي: أن حساناً رضي الله عنه قال في النبي صلى الله عليه وسلم وفي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما:

(ثلاثة) برزوا بسبقهم ... نضرهم ربهم إذا نشروا

فليس من مؤمن له بصر ... ينكر من فضلهم إذا ذكروا

عاشوا بلا فرقة ثلاثتهم ... واجتمعوا في الممات إذ قبروا

خرجه أبو القاسم اللالكائي في كتابه "شرح السنة" للشعبي.

وقال أبو هارون موسى بن سهل الرازي: حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق, حدثنا سفيان الثوري, عن أبي إسحاق الشيباني, عن أبي الأحوص الجشمي, عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا وفي سرته من تربته التي يولد منها, فإذا رد إلى أرذل عمره رد إلى تربته التي خلق منها, حتى يدفن فيها, وإني وأبو بكر


#560#

وعمر خلقنا من تربة واحدة, وفيها ندفن.

خرجه الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في كتابه "المزيد في متصل الأسانيد".

وحدث به في "تاريخه" فقال: أخبرناه أحمد بن محمد بن غالب, أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي, أخبرني محمد بن يوسف الهروي – قاضي دمشق – حدثني محمد بن عبد الرحمن البغدادي بمصر, حدثنا موسى بن سهل أبو هارون الرازي ... فذكره.

ثم قال: غريب من حديث الثوري, عن الشيباني, لا أعلمه يروى إلا من هذا الوجه. وقيل: إن محمد بن مهاجر المعروف بأخي حنيف رواه عن إسحاق الأزرق. انتهى.

وقال الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله: حدثنا القاضي محمد بن إسحاق بن إبراهيم الأهوازي, حدثنا محمد بن نعيم, حدثنا أبو عاصم, حدثنا ابن عون, عن محمد بن سيرين, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا وقد ذر عليه من تراب حفرته».

قال أبو عاصم: ما نجد لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فضيلة مثل هذه, لأن طينتهما طينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.


#561#

وقال أبو بكر الآجري في كتاب "الشريعة": أخبرنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكشي, حدثنا سليمان بن داود الشاذكوني, حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي, أخبرني أنيس بن أبي يحيى, عن أبيه, عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المدينة فمر بقبر فقال: «من هذا؟» قالوا: فلان الحبشي, فقال: «سبحان الله سيق من أرضه وسمائه إلى التربة التي خلق منها».

وقال الطبراني في "معجمه الكبير": حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل, حدثنا عقبة بن مكرم, حدثنا عبد الله بن عيسى الخزاز, عن يحيى البكاء, عن ابن عمر رضي الله عنهما أن حبشياً دفن بالمدينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دفن بالطينة التي خلق منها».

وقال أبو الحسن محمد بن أحمد البراء العبدي في كتابه "الروضة الصغيرة": حدثني محمد بن هشام, حدثني عبد الله بن عبد الرحمن القرشي قال: كنت عند أبي أسامة يوماً فقال للمستملي: خذ إليك, حدثني الأحوص بن حكيم, عن راشد بن سعد وأبي الزاهرية, قالا:


#562#

سمعنا أبا الدرداء رضي الله عنه يقول: مر بنا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نحتفر قبراً فقال: «ما تصنعون؟» قلنا: نحفر قبراً لهذا الأسود, قال: «جاءت به منيته إلى قبره».

(ثم) قال أبو أسامة: تدرون يا أهل الكوفة لم حدثتكم بهذا الحديث؛ لأن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما خلقاً من تربة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال أبو عثمان سعيد بن محمد بن أحمد البحيري في كتاب "الأحاديث الألف مما يستفاد ويعز وجودها": أخبرنا جدي أبو الحسين أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن بحير بن نوح بن حيان بن مختار البحيري, حدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم الثقفي إملاء, حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر, حدثنا عبد العزيز بن محمد, عن أنيس بن أبي يحيى، عن أبيه, عن أبي سعيد قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبر فقال: «قبر من هذا؟» قالوا: قبر فلان الحبشي قال: «لا إله إلا الله سيق من أرضه وسمائه إلى التربة التي خلق منها».

وقال: أخبرنا جدي, سمعت محمد بن إسحاق الثقفي يقول: سمعت سوار بن عبد الله بن سوار العنبري قال: سمعت أبي لما حدثته بهذا الحديث قال: يا بني ما لأبي بكر ولا لعمرة رضي الله عنهما فضيلة أفضل منه أن


#563#

يكون النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما خلقوا من تربة واحدة.

وأنبأنا أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن العز أحمد بن عبد الحميد المقدسي: أن أبا الفضل سليمان بن حمزة الحاكم أخبره سماعاً, أخبرنا عمر ابن حزم الدينوري كتابة, أخبرنا عبد الأول بن عيسى السجزي سماعاً, حدثنا أبو منصور عبد الوهاب بن أحمد الثقفي رحمه الله فيما قرأه علينا بهراة من كتابه, أخبرنا الشيخ الفاضل أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عتبة ابن عبد الله بن أحمد بن بالويه, حدثنا أبو أحمد محمد بن إبراهيم بن أيروين بإستراباذ, حدثنا أبو الحسن (علي بن الحسن) القومسي بجرجان, حدثنا محمد بن الفضل بن حاتم, حدثنا محمد بن الحسن الجوري, حدثنا أحمد بن الحسن بن أبان المصري, حدثنا الضحاك بن مخلد, عن ابن عون, عن ابن سيرين: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من آدمي إلا ومن تربته في سرته, فإذا دنا أجله قبضه الله عز وجل من التربة التي منها خلق


#564#

وفيها يدفن, وخلقت أنا وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما من طينة واحدة, وندفن جميعاً في بقعة واحدة».

المصري واه روى عنه الطبراني.

والقبور الثلاثة بني عليها (جداران, فالجدار الأول بني عليها) فيما أعلم الجدار الذي جعلته عائشة بينها وبين القبور حاجزاً, وهو من شمالي القبور جعلته مستقيماً من جهة الغرب إلى الشرق, ثم بني عليها وعلى الجدار المذكور من جهة باب الحجرة الذي كان مستقبل الشام جداران منحرفان, التقى طرفاهما على الوسط, وهذا هو الحائز الداخل الذي بني خمسة جدران, فطول جداره القبلي خمسة عشر ذراعاً, وطول جداره الشرقي ثمانية أذرع, وهو الذي سقط عليهم في زمن الوليد بن عبد الملك وبدت له قدم عمر رضي الله عنه, وبناه عمر بن عبد العزيز, وطول الجدار الغربي كذلك, وطول كل من الجدارين الشماليين المنحرفين اثنا عشر ذراعاً, وبني خارج ذلك حائز آخر على هيئة الداخل, وهو الحائز الذي يراه الناس اليوم, فطول جداره القبلي سبعة عشر ذراعاً, وفيه المسمار الفضة المقابل لوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومن أول الجدار من جهة الغرب إلى المسمار خمسة أذرع, وطول الجدار الشرقي اثنا عشر ذراعاً, وطول الجدار الغربي تسعة عشر ذراعاً, وطول كل من الجدارين الشماليين المنحرفين اثنا عشر ذراعاً,


#565#

وارتفاع جداري الحائز الخارج في السماء ثلاثة وعشرون ذراعاً, وقد أطبق عليها فيما حدثني أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الجبرتي الأصل المدني: سقف من خشب سمر بمسامير, فلم يبق وصول إلى القبور الشريفة بحال, وذلك لقصة أخبرني بها ونحن بين الحرمين الشريفين في الحجة الثانية.


#566#

$[هل القبر الشريف مسنم أو مسطح؟]$

وقد اختلف في القبر الشريف هل هو مسنم أو مسطح فروي الوصفان:

وفي "صحيح البخاري": عن أبي بكر بن عياش, عن سفيان التمار أنه حدثه أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنماً.

وروي عن إبراهيم النخعي, (قال) أخبرني من شاهد قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنها مسنمة وعليها أحجار بيض.

وخرج أبو بكر أحمد بن مروان المالكي في "المجالسة" من حديث القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت: يا أماه, اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكشفت لي عن ثلاثة أقبر ليست بالمشرفة ولا اللاطئة مبطوحة من بطحاء العرصة, فرأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنماً وأبو بكر الصديق رضي الله عنه رأسه عند منكب النبي صلى الله عليه وسلم, وعمر بن الخطاب, رأسه عند رجلي النبي صلى الله عليه وسلم.


#567#

وخرجه ابن سعد في "الطبقات" فقال: أخبرني ابن أبي فديك, عن عمرو بن عثمان بن هانئ, عن القاسم بن محمد قال: دخلت على عائشة فقلت: يا أمه, اكشفي لي عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه, فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة, ولا لاطئة, مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء.

قال: فرأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم مقدماً, وقبر أبي بكر رضي الله عنه عند رأسه, ورأس عمر, عند رجلي النبي صلى الله عليه وسلم.

قال عمرو بن عثمان: فوصف لي القاسم قبورهم.

وقال: أخبرنا محمد بن عمر, حدثني هشام بن سعد, عن عمرو بن عثمان سمعت القاسم بن محمد يقول: اطلعت وأنا صغير على القبور فرأيت عليها حصباء حمراء.

وخرج البيهقي في "دلائل النبوة" من حديث العباس رضي الله عنه قال: دخلت على عائشة فقلت: يا أمه, اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما, فكشفت لي عن ثلاثة قبور, لا مشرفة, ولا لاطئة, مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء – يعني: وضع عليها تراباً أحمر.

وخرج أيضاً في "السنن الكبرى" من حديث أبي نعيم الفضل بن دكين, حدثنا الحسن بن صالح, عن أبي البراء قال: دخلت مع مصعب بن الزبير البيت الذي فيه قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت قبورهم مستطيلة.


#568#

قال البيهقي عقب روايته حديث العباس المذكور قبل: فدلت هذه الرواية على أن قبورهم مسطحة, فإنها – يعني: البطحاء – لا تثبت إلا على مسطح انتهى.

وقال الواقدي: حدثنا عبد العزيز بن محمد, عن جعفر بن محمد, عن أبيه أنه قال: جعل قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسطوحاً.

قال البيهقي يمكن أن يقال: إن أصل قبر النبي صلى الله عليه وسلم جعل مسطحاً وسنم على البطحاء, فمن رواه مسطحاً أراد دون الحصباء, ومن رواه مسنماً أراد بالبطحاء.

هذا قوله في "الدلائل".

وقال في كتابه "السنن الكبرى": ومتى ما صحت رواية القاسم بن محمد: قبورهم مبطوحة ببطحاء العرصة, فذلك يدل على التسطيح, وصحت رؤية سفيان التمار قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنماً فكأنه غير ما كان عليه في القديم, فقد سقط جداره في زمن الوليد بن عبد الملك, وقيل: في زمن عمر بن عبد العزيز, ثم أصلح, وحديث القاسم بن محمد في هذا الباب أصح, وأرى أن يكون محفوظاُ إلا أن بعض أهل العلم من أصحابنا استحب التسنيم في هذا الزمان لكونه جائزاً بالإجماع وأن التسطيح صار شعاراً لأهل البدع, فلا يكون سبباً لإطالة الألسنة فيه, ورميه بما هو منزه عنه من مذاهب أهل البدع, وبالله التوفيق. انتهى.


#569#

وخرج أبو داود في "المراسيل" من حديث عيسى – هو ابن يونس – عن محمد بن مرة, عن حماد – وهو ابن أبي سليمان – عن (إبراهيم – هو) ابن يزيد النخعي – قال: جعل قبر النبي صلى الله عليه وسلم نبثاً ولم يسو تسوية.

"نبثاً": مأخوذ من النبيثة: وهي التراب يخرج من البئر.


#570#

$[آخر الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم]$

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا عبيد الله بن محمد بن حفص التيمي, أخبرنا حماد بن سلمة, عن هشام بن عروة, عن عروة أنه قال: لما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في لحده ألقى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه خاتمه في القبر ثم قال: خاتمي خاتمي, فقالوا: أدخل فخذه, قال: فدخل, ثم قال: أهيلوا علي التراب, فأهالوا عليه التراب حتى بلغ أنصاف ساقيه, فخرج, فلما سوي على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب قال: أخرجوا حتى أغلق الباب فإني أحدثكم عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالوا: لعمري, لئن كنت أردتها لقد أصبتها.

وخرج يعقوب بن شيبة في "مسنده" من حديث مجالد بن سعيد, عن عامر, عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كنت فيمن حفر قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحدنا له لحداً, فلما أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم طرحت الفأس, ثم قلت: الفأس, ثم نزلت فوضعت يدي على اللحد, قال: فكان يقول: أنا أقرب الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم.


#571#

وخرجه أبو جعفر أحمد بن منيع بن عبد الرحمن البغوي في "مسنده" فقال: حدثنا هشيم, أخبرنا مجالد, عن الشعبي, عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه, كان يحدثنا هاهنا بالكوفة فقال: أنا آخر الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه من القبر, ودفن النبي صلى الله عليه وسلم ألقيت خاتمي, فقلت: يا أبا الحسن, خاتمي, قال: انزل فخذ خاتمك, فنزلت, فأخذت خاتمي, ووضعت يدي على اللبن ثم خرجت.

وحدث به ابن سعد, عن سريج بن النعمان, عن هشيم.

وقال أبو محمد دعلج بن أحمد في كتابه "مسند المقلين": حدثنا موسى بن هارون, حدثنا شيبان بن فروخ, حدثنا حماد بن سلمة, أخبرنا أبو عمران الجوني, عن أبي عسيب قال: لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: كيف نصلي عليه؟ قال: ادخلوا من هذا الباب أرسالاً أرسالاًً, ثم صلوا عليه, واخرجوا من الباب الآخر, قال: فلما وضعوه في


#572#

لحده قال المغيرة بن شعبة: قد بقي من قبل قدمه شيء لم يصلح, قالوا: فأدخل فأصلحه, قال: فدخل, فمس قدمه النبي صلى الله عليه وسلم قال: هيلوا التراب, فهالوا عليه التراب حتى بلغ أنصاف ساقيه, ثم خرج فقال: أنا أحدثكم عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم.

تابعه عفان والأسود بن عامر, حدثنا حماد بن سلمة, حدثنا أبو عمران الجوني, حدثنا أبو عسيم شهد ذاك قال: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: كيف نصلي عليه, قال: ادخلوا أرسالاً أرسالاً ... وذكر, وهذا لفظ عفان.

قال الحاكم أبو أحمد: ولا يصح أن المغيرة نزل قبره صلى الله عليه وسلم. انتهى.

وقال أحمد بن محمد بن أيوب صاحب "المغازي": حدثنا إبراهيم بن سعد, عن محمد بن إسحاق, فحدثني إسحاق بن يسار, عن مقسم أبي القاسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل, عن مولاه عبد الله بن الحارث قال: اعتمرت مع علي بن أبي طالب في زمن عمر أو زمن عثمان, فنزل على أخته أم هانئ بنت أبي طالب فلما فرغ من عمرته رجع, فسكب له ماء فاغتسل, فلما فرغ من غسله دخل عليه نفر من أهل العراق, فقالوا:


#573#

يا أبا حسن, جئنا نسألك عن أمر نحب أن تخبرنا عنه، قال: أظن المغيرة بن شعبة يخبركم أنه كان أحدث الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: أجل, عن ذلك جئناك نسألك, قال: أحدث الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم قثم بن العباس رضي الله عنهما.

ورواه يحيى بن معين فقال: حدثنا وهب بن جرير, حدثني أبي, سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن أبيه إسحاق بن يسار, عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: خرجت مع عمي علي بن أبي طالب رضي الله عنه معتمراً في زمن عثمان رضي الله عنه, فلما قدم مكة نزل على أم هانئ بنت أبي طالب, فلما فرغ من طوافه وحلق دخل عليه رهط من أهل العراق فقالوا: إن المغيرة بن شعبة يحدث أنه كان آخر الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كذب, آخر الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم قثم بن عباس رضي الله عنهما.

وقد قيل: إن آخر الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وخرج البيهقي في "سننه الكبرى" و "الدلائل" وهذا لفظه من طريق الواقدي قال: وحدثنا عبد الله بن جعفر, عن ابن أبي عون, عن أبي عتيق, عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: رش على قبر النبي صلى الله عليه وسلم الماء رشاً.


#574#

قال: وكان الذي رش الماء على قبره بلال بن رباح رضي الله عنه بقربة بدأ من قبل رأسه من شقه الأيمن حتى انتهى إلى رجليه, ثم ضرب بالماء إلى الجدار لم يقدر على أن يدور من الجدار.

وخرج أيضاً عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها قالت: نحن مجتمعون نبكي, لم ننم, ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيوتنا نسكن لرؤيته على السرير إذْ سمعنا صوت الكرازين في السحر, قالت أم سلمة: فصحنا وصاح أهل المسجد فارتجت المدينة صيحة واحدة, وأذن بلال بالفجر, فلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى فانتحب فزادنا حزناً, وعاجل الناس الدخول إلى قبره فغلق دونهم, فيالها من مصيبة ما أصابنا بعدها بمصيبة إلا هانت إذا ذكرنا مصيبتنا به صلى الله عليه وسلم.

وروي عن عَمْرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل من ليلة الأربعاء – تعني: لما أهالوا عليه التراب صلى الله عليه وسلم.



[1] [[من هنا إلى نهاية صفحة (27) ورد في طبعة العلمية في الهامش 5/ 2363-2365، وقال محققه:

ما سيأتي هنا ليس من أصل التأليف كما بينه نساخ النسختين، لذا وضعناه في محله هذا، كونه حاشية أدرجها أحد النساخ في الأصل]]

[2] [[من طبعة العلمية (5/ 2556)، وفي طبعة الفلاح (وبه قال ابن إسحاق) وجعلها تابعة للفقرة السابقة]]

 

ج7.                 #5#

&[ما جاء عن فاطمة رضي الله عنها في رثاء النبي صلى الله عليه وسلم]&

وثبت عن حماد بن زيد, عن ثابت, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه الكرب, فقالت فاطمة عليها السلام: واكرب أباه, فقال لها: «ليس على أبيك كرب بعد اليوم» فلما مات قالت: يا أبتاه أجاب رباً دعاه, يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه, يا أبتاه إلى جبريل ننعاه, فلما دفن قالت فاطمة عليها السلام: يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب؟!

خرجه البخاري في "صحيحه" لحماد، ورواه ابن ماجه في "سننه" من طريق حماد, عن ثابت, عن أنس رضي الله عنه قالت لي فاطمة عليها السلام: يا أنس, كيف سخت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

وخرج أبو حفص عمر بن شاهين من حديث جعفر بن محمد, عن أبيه, عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما رمس رسول الله صلى الله عليه وسلم, وفي رواية: لما رش قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت فاطمة عليها السلام فأخذت قبضة من تراب القبر فوضعته على عينها وبكت وأنشأت تقول:

ماذا على من شم تربة أحمد ... أن لا يشم مدى الزمان غواليا


#6#

صبت علي مصائب لو أنها ... صبت على الأيام عدن لياليا.

وقال أبو بكر محمد بن الحُسَيْن الآجري في كتاب "الشريعة": بلغني أنه لما دفن النبي صلى الله عليه وسلم جاءت فاطمة عليها السلام فوقفت على قبره الشريف وأنشأت تقول:

أمسى بخدي للدموع رسوم ... أسفاً عليك وفي الفؤاد كلوم

والصبر يحسن في المواطن كلها ... إلا عليك فإنه معدوم

لا عيب في حزني عليك لو أنه ... كان البكاء لمقلتي يدوم.

وقال الزبير بن بكار : وحدثني عمي مصعب, عن محمد بن الضحاك قال: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم ورجع المهاجرون والأنصار إلى رحالهم رجع فيمن رجع فاطمة عليها السلام إلى بيتها فقعدت فيه, فلما كان بعد أيام قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون, انقطع عنا أخبار السماء, ثم أنشأت تقول:

اغبر آفاق السماء وكورت ... شمس النهار وأظلم العصران


#7#

فالأرض من بعد النبي حزينة ... تبكي عليه كثيرة الرجفان

فليبكه شرق البلاد وغربها ... وليبكه مصر [و] كل يمان

وليبكه الطود المعظم جوه ... وليبكه بيت مع الأركان

نفسي فداؤك ما لرأسك مائلا ... قد وسدوك وسادة الوسنان

يا خاتم الرسل المبارك صنوه ... صلى عليك منزل الفرقان

ويُروَى أنها تمثلت بشعر فاطمة بنت الأحجم:

قد كنت لي جبلاً ألوذ بظله ... فتركتني أمشي بأحرد ضاحي

قد كنت ذات حمية ما عشت لي ... أمشي البراز وكنت أنت جناحي

فاليوم أخضع للذليل وأتقي ... منه وأدفع ظالمي بالراح

وإذا دعت قمرية شجناً لها ... ليلاً على فنن دعوت صباحي


#8#

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا محمد بن عُمر، عن سفيان بن عيينة، عن عَمرو بن دينار، عن أبي جعفر قال: ما رأيت فاطمة عليها السلام ضاحكة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه قد تموري في طرف فيها.

وقال يعقوب بن سفيان في "تاريخه": حدثنا أبو بكر الحميدي، حدثنا سفيان، عن عَمرو بن دينار، عن أبي جعفر محمد بن علي قال: ما رأيت فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولقد امتروا يوماً في طرف نابها.

قال أبو جعفر: ومكثت بعده ستة أشهر.

وخرجه أبو نعيم في كتابه "الحلية" من حديث عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ، حدثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: مَا رَأَيْتُ فَاطِمَةَ عليها السلام ضَاحِكَةً بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا يَوْمًا افْترَّتْ بِطَرْفِ نَابِهَا، قَالَ: وَمَكَثَتْ بَعْدَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ.

وروي أنه لم يهن لأهل المدينة عيش في حياة فاطمة عليها السلام لأنهم كانوا كلما رأوها كئبة حزينة تجدد حزنهم وكدر عليهم عيشهم إلى أن توفيت رضوان الله عليها, وقيل: كانت دموعها على الدوام تجري, وربما كلمت ولا تدري, وما أحقها بما قاله أبو الحسن علي بن حسن بن علي بن ميمون النهري الشاعر الشمسي:


#9#

دع مقلتي تبكي عليك بأدمع ... إن البكاء شفاء قلب الموجع.

ودع الدموع تكد جفني في الهوى ... من غاب عنه حبيبه لم يهجع.

ولقد بكيت عليك حتى رق لي ... من كان فيك يلومني وبكى معي


#10#

&[شدة حزن الصحابة على فراق النبي صلى الله عليه وسلم]&

وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق بن السني الدينوري في كتاب "الطب": حدثنا أحمد بن محمد بن زهير, حدثنا عبيد الله بن سعد, حدثنا عمي, (حدثنا) سيف بن عمر, عن مبشر بن الفضل, عن سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما, عن أبيه قال: كان سبب موت أبي بكر موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال جسمه يحري حتى مات.

وحدث به أبو نعيم في "الطب" عن ابن السني إجازة.

ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب "العزاء" فقال: حدثنا عبيد الله بن سعد القرشي .... فذكره.

حري الشيء يحري حرياً إذا نقص. قاله الزَّبيدي في "مختصر العين".

ومنه قول الراجز: والشيء بعد تمامه يحري.

وقال ابن أبي الدنيا في كتاب "العزاء" أيضاً: حدثنا عبيد الله بن سعد, حدثنا عمي, (حدثنا) سيف بن عمر, عن عمرو بن محمد


#11#

السعدي, عن العاص بن تمام قال: كان سبب موت أبي بكر رضي الله عنه الكمد على النبي صلى الله عليه وسلم على قوته على أمر الله عز وجل.

وقال إسماعيل بن محمد الصفار: حدثنا إدريس بن يزيد الرملي اللخمي, حدثنا أحمد بن عبد العزيز الواسطي, حدثنا عبد الرزاق, عن معمر, عن الزهري, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: وقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بأبي وأمي أنت يا رسول الله, والله إن الجزع لقبيح إلا عليك, وإن الصبر لجميل إلا عنك, وإن المصاب بك لجلل, وإنه قبلك وبعدك لجلل وأنشأ يقول:

ما غاص دمع عند نازلة ... إلا جعلتك للبكا سببا

فإذا ذكرتك سامحتك به ... مني الجفون وفاض فانسكبا

إني أجل ثرى حللت به ... عن أن أرى بسواه مكتئباً

ويقال: وقف أعرابي على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا خير الخلق ومحرز فضيلة السبق, إن الألسنة فيك لعيية وإن الأعين فيك لبكية، فلا يبلغك الوصف ولا يدانيك القول, فسواء فيك الناطق والصامت, ولكن اختصر بك الأمر على العجز عن بلوغ حقك, والقيام بوصفك عن أداء شكرك يا من ختمت الدنيا به, وفتحت الآخرة له, ثم أنشأ يقول:

هلا وضعتم رسول الله في سفط ... من الألوة مغشى فوقه الذهبا


#12#

بل أكرم الناس طراً كلهم حسبا ... وأطهر الخلق أما برة وأبا

علق أبو عبد الله طاهر بن محمد بن أحمد بن نصر بن الحُسَيْن الحذاذي البخاري في كتابه "عيون المجالس", وكانت وفاته سنة ست وأربعمائة.

وذكر هذه القصة غيره, فقال: وروي أن أعرابياً شهد دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

هلا دفنتم رسول الله في سفط ... من الألوة أحوى ملبساً ذهبا

أو في سحيق من المسك الذكي ولم ... ترضوا لجنب رسول الله متربا

خير البرية أتقاها وأكرمها ... عند الإله إذا ما ينسبون أبا

فقال له أبو بكر رضي الله عنه: إني لأجو أن يغفر لك الله بما قلت إلا أن هذه سنتنا.

وقال أبو بكر ابن أبي الدنيا في كتاب "الخائفين" من تأليفه: حدثنا محمد بن علي بن الحَسن بن شقيق, أخبرنا خاقان بن عبد الله, عن عبد الله بن المبارك: أن امرأة قالت لعائشة: اكشفي لي عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم فكشفت لها عنه فبكت حتى ماتت رحمها الله تعالى.


#13#

وقال أبو بكر أحمد بن محمد بن الفضل الأهوازي في كتابه "المنود من وفود القبائل": حدثني محمد بن الحسن النيسابوري, حدثني أحمد بن بيان الخفاف, حدثنا عبد الله بن أحمد البلوي أبو محمد – بمصر في محرس النحل – حدثنا عمارة بن زيد, حدثني صالح بن سماعة الطائي يرفع الخبر إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدمت أم رعلة القشيرية مع زوجها أبي رعلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكانت ذات لسان, فقالت: يا رسول الله, نحن معتقدات الخدور, ومحل آزار البعول, ومربيات الأولاد, وممهدات المهاد, لا حظ لنا في الجهاد إلا في الجيش الأعظم – يعني: المقابر – من بعد الكبر والهرم, فدلنا على ما يقربنا من ربنا صلى الله عليك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكن بذكر الله في آناء الليل وآناء النهار, وبخفض الصوت وغص الطرف, وشدة التوقير لبعولتكن, فإنكن إذا فعلتن ذلك كنتن في موازين حسنات الرجال».

قال ابن عباس: فقالت أم رعلة: يا رسول الله, أنا كلفة بما ينفعني – يعني عجوله في الكلام – فتجوز لي وإن غلظت, صلى الله عليك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هات ما أنت قائلة» قالت: يا رسول الله, أنا مقينة – تقول: ماشطة – أزين النساء لأزواجهن, فهل هو من حوب فأميط عنه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل هو خير, فزينيهن ما استطعت, ونفقيهن إن كسدن».


#14#

قال ابن عباس: فغابت أم رعلة وغبرت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قدمت المدينة في ردة مسيلمة, وأبو بكر رضي الله عنه المستخلف, فوقفت على مجلس أبي بكر رضي الله عنه فقامت والناس مجتمعون, فقالت: السلام عليك يا رسول الله, فضج المسلمون بالبكاء, وقالوا: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم, قالت: فمن المستخلف بعده؟ قالوا: أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقالت: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار؟ قالوا: نعم, قالت: فهل بقي من ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد توجد منه رائحة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقيل لها: نعم, سيري إلى منزل فاطمة – وكانت إحدى من قينتها وزينتها ليلة بني بها على علي بن أبي طالب رضي الله عنه فوقفت بباب منزل فاطمة فصوتت فخرج عليها حسن وحُسَيْن فقالت: أين أمكما نفسي فداؤكما؟ فقالا: قبض جدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولحقته أمنا, فحملت حسناً وحُسَيْنا على عاتقيها فجالت بهما المدينة تبكي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاطمة رضي الله عنها وهي تقول:

حسرت يا أسفا عن قوس ميتته ... لقد رماني الردى عن قوس غدار

لم يخط لما رمى قلبي بأسهمه ... فجرها كأشابيب من النار

يا أيها المصطفي عند الحريض لقد ... أوهنت في كبدي صدعاً بأضرار

لو كنت شاهدة والموت يحضره ... لمت قبل رسول الخالق الباري


#15#

يا دار فاطمة المعمور ساحته ... هيجت لي حزناً حييت من دار

فأقامت بالمدينة مأتماً ولم يبق دار بالمدينة إلا وأهلها باكون على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: فلقد بلغنا بعد خروجها أنها لم تقطع البكاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فارقت الدنيا ولحقت بالله عز وجل.

هذا حديث إسناده واه جداً, مع أنه معضل, وقد اختلف فيه: فرواه أبو العباس جعفر بن محمد بن المعتز المستغفري وجادة, فقال: وجدت في كتاب أحمد بن عبد العزيز المكي بخطه يذكر: أن أبا عبد الله محمد بن علي بن الحُسَيْن البلخي حدثه في حجرته في خان البزار بن بنسف, حدثني محمد بن عمرو بن موسى بمكة في داره, أملاه علي, حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد البلوي المدني بالمدينة, حدثنا عمارة بن زيد المدني, حدثني إبراهيم بن سعد, حدثني محمد بن إسحاق, حدثني يحيى بن عبد الله بن الحارث ابن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب, عن أبيه, عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قدمت القشيرية مع زوجها أبي رعلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكانت امرأة بدوية ذات لسان ... وساق الحديث بنحو الأول.

وجاء من طريق أخرى إلى ابن عباس رضي الله عنهما حدث به أبو محمد جعفر بن محمد بن أحمد بن يحيى بن عاصم بن مهران الفقيه, عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم السرنديبي في مسجد الجامع, حدثنا أبو بكر


#16#

عمر بن سعيد بن أحمد بن سنان, حدثنا المصفى, حدثنا الوليد بن مسلم, حدثنا الأوزاعي, عن عطاء, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وفدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة يقال لها أم رعلة القشيرية, وكانت امرأة ذات لسان وفصاحة ... وذكر الحديث.

قال أبو موسى محمد بن أبي بكر المديني: هذا الإسناد لا يحتمل مثل هذا الحديث, والحمل فيه فيما أرى على السرنديبي هذا فإنه غير مشهور, ولا مذكور في شيء من كتب أصبهان, وباقي الإسناد مشهورون.

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا محمد بن عمر, عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي, عن أبيه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن بلال ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبر, فكان إذا قال: "أشهد أن محمداًً رسول الله" انتحب الناس في المسجد, قال: فلما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أبو بكر رضي الله عنه: أذن, فقال له: إن كنت إنما أعتقتني لأن أكون معك فسبيل ذلك إليك, وإن كنت أعتقتني لله فخلني ومن أعتقتني له, فقال: ما أعتقتك إلا لله, قال: فإني لا أؤذن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: فذاك إليك, قال: فأقام حتى خرجت بعوث الشام فسار معهم حتى انتهى إليها.


#17#

وقال أحمد بن عمير بن جوصا: حدثنا عمرو بن عثمان, حدثنا بقية بن الوليد, عن محمد بن زياد, عن السلف أنهم قالوا: لما أسلم بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع برسول الله صلى الله عليه وسلم, وبمخرجه, أقبل إليه فأسلم قال: فأخذه مواليه فأوتدوا له أربعة أوتاد, فربطوا بها يديه ورجليه, ثم جعلوا يدخلون في فيه خرؤ كلب ويقولون: لم تتبع الصابئ؟ ثم قالوا: هذا مكانك أو تخرج مما دخلت فيه، قال: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه وقال: «اذهب إليهم, لعل الله يهيئ لك شراءه» قال: فأتاهم أبو بكر رضي الله عنه فقال: هل لكم أن تبيعوه؟ قالوا: نعم, قال: بكم؟ قالوا: بكذا وكذا دينار, قال أبو بكر رضي الله عنه: قد أخذته, قال: فدفع إليهم ثمنه, ثم جعل يأتي وتداً وتداً فيحله, ثم يقول: اللهم هذا لك حتى فرغ منها, ثم قال أبو بكر: والله لو سألتموني في مثل ثمنه كذا وكذا مرة لأخذته منكم, قال: يقولون هم: والله لو لم تعطنا به إلا دون ما أعطيتنا بكذا وكذا لبعناكه, قال: فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم أراده أبو بكر رضي الله عنه على أن يؤذن له فأبى, ثم أراده فأبى, فلما أكثر عليه قال له بلال: يا أبا بكر, إن كنت إنما اشتريتني عبداً فاصنع بي ما بدا لك, وإن كنت إنما اشتريتني لله فدعني – أو قال: خلني – فقال له أبو بكر رضي الله عنه: بل اشتريتك لله, فاذهب حيث شئت.

وقال أبو عروبة الحُسَيْن بن محمد بن مودود الحراني في كتابه "الطبقات": حدثنا المسيب بن واضح, حدثنا ابن المبارك, عن معمر, عن عطاء الخراساني, عن سعيد بن المسيب قال: لما كانت خلافة أبي بكر رضي الله عنه تجهز بلال إلى الشام فقال له أبو بكر رضي الله عنه: ما كنت


#18#

أراك يا بلال تدعنا على هذه الحالة, لو أقمت معنا فأعنتنا, قال بلال: إن كنت إنما أعتقتني لله عز وجل فدعني أذهب إلى الله تعالى, وإن كنت إنما أعتقتني لنفسك فاحبسني عندك, فأذن له أبو بكر رضي الله عنه فخرج إلى الشام فمات بها في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

قال لنا أبو موسي: مات سنة إحدى وعشرين.

وقال ابن سعد: أخبرنا روح بن عبادة وعفان بن مسلم وسليمان بن حرب, قالوا: حدثنا حماد بن سلمة, عن علي بن زيد, عن سعيد بن المسيب: أن أبا بكر رضي الله عنه لما قعد على المنبر يوم الجمعة قال له بلال: يا أبا بكر, قال: لبيك, قال: أعتقتني لله أو لنفسك؟ [قال: لله] قال: فأذن لي حتى أغزو في سبيل الله تعالى, فأذن له, فذهب إلى الشام, فمات ثم.

وما أشبه هذه القصة غماً وحزناً بقصة أويس القرني حساً ومعنى.

قال أحمد بن أبي الحواري: سمعت أبا سليمان يقول: حج أويس ودخل المدينة فلما وقف على باب المسجد قيل له: هذا قبر النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فغشي عليه, فلما أفاق قال: أخرجوني فليس بلادي بلداً محمد صلى الله عليه وسلم فيه مدفون.

صرح أويس بما كتمه سيد المؤذنين, وأظهر ما أخفاه في فؤاده الحزين, وبلال عرض بالجهاد, والخروج إلى البلاد, وذلك حين صارت أفئدة المؤمنين حزينة لفقد المصطفي صلى الله عليه وسلم حياً بالمدينة, فخرج


#19#

هارباً عنها بلال قائلاً عنه لسان الحال:

ولما نأى الأحباب عني وأعرضوا ... ولم أرج بعد البين من نحوهم قربا

خرجت بنفسي هارباً عن ديارهم ... لئلا ترى العينان ما يؤلم القلبا

وبلغنا أن بلالاً رضي الله عنه لم يؤذن لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم, فلما قدم عمر رضي الله عنه الشام لقي بلالاً فأمره فأذن.

قال الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن حزم: لم يؤذن بلال لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة بالشام للظهر أو للعصر فقط, ولم يستتم الأذان فيها أيضاً.

ذكره في كتابه "المحلى".

وقال البخاري في "تاريخه الأوسط": حدثنا يحيى بن بشر, حدثنا قراد, أخبرنا هشام بن سعد, عن زيد بن أسلم, عن أبيه قال: قدمنا الشام مع عمر رضي الله عنه فأذن بلال فذكر الناس النبي صلى الله عليه وسلم, فلم أر يوماً أكثر باكياً منه.

كان ديوان بلال في خثعم.

وخرج أبو بكر محمد بن إبراهيم بن مهدي في "فتوح الشام" من طريق عطاء بن عجلان, عن أبي نضرة, عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قصة ذكر فيها قدوم عمر إلى الشام, وفتحه بيت المقدس, وفيها قال: فقال عمر:


#20#

يا بلال, ألا تؤذن لنا؟ فقال: يا أمير المؤمنين, ما أردت أن أؤذن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني سأطيعك إذ أمرتني في هذه الصلاة وحدها, فلما أذن بلال سمعت الصحابة أذانه بكوا بكاءً شديداً وكان أطول الناس بكاءً يؤمئذٍ: عقبة بن عامر, ومعاذ بن جبل, فقال لهما عمر: حسبكما رحمكما الله.

وجاء أن بلالاً رضي الله عنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه يقول له: ما هذه الجفوة, أما آن لك أن تزورني؟ فانتبه وركب راحلته حتى أتى المدينة فذكر أنه أذن بها فارتجت المدينة, فما رئي يوم أكثر باكياً بالمدينة من ذلك اليوم.

وفي كتاب "الرسالة في الصلاة" عن الإمام أحمد بن حنبل رواية مهنا بن يحيى الشامي عنه قال: لأن الحديث جاء عن بلال رضي الله عنه أنه لم يؤذن لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا يوماً واحداً إذ أتى مرجعه من الشام, ولم يكن للناس عهد بأذانه حيناً فطلب إليه أبو بكر رضي الله عنه وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم فأذن, فلما سمع أهل المدينة صوت بلال وذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعد طول عهدهم بأذان بلال وصوته جدد ذلك في قلوبهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم وشوقهم أذانه إليه حتى قال بعضهم: بعث النبي صلى الله عليه وسلم؛ شوقاً منهم إلى رؤيته, فلما هيجهم بلال عليه بأذانه وصوته فرقوا عند ذلك وبكوا واشتد بكاؤهم عليه صلى الله عليه وسلم حتى خرج العواتق من خدورهن شوقاً


#21#

إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين سمعن صوت بلال وأذانه وذكر النبي صلى الله عليه وسلم, ولما قال بلال: "أشهد أن محمداً رسول الله" امتنع من الأذان فلم يقدر عليه، وقال بعضهم: سقط مغشياً عليه حباً للنبي صلى الله عليه وسلم, وشوقاً إليه, فرحم الله بلالاً والمهاجرين والأنصار ورضي عنهم, وجعلنا وإياكم من التابعين لهم بإحسان.

كنية بلال: أبو عبد الله, وقيل: أبو عمرو, وقيل: أبو عبد الكريم، ومات بدمشق, قاله الجمهور, وذكر عثمان بن خرزاذ, عن شيخ له أنه مات بحلب, وهو قول ضعيف.

وكانت وفاته سنة عشرين زمن عمر رضي الله عنه. هذا قول محمد بن إبراهيم التيمي, وابن إسحاق, وأبي عمر الضرير والجمهور.

وتقدم قول أبي عروبة الحراني، عن أبي موسى – وهو محمد بن المثنى العنزي -: أن بلالاً رضي الله عنه مات سنة إحدى وعشرين.

وقال يحيى بن بكير: توفي ابن بضع وستين سنة – رحمه الله ورضي عنه.

وكان من مولدي السراة فيما بين اليمن والطائف.

وكان رجلاً آدم شديد الأدمة نحيفاً طوالاً أحنى, له شعر كثير, خفيف العارضين, شمط كثير لا يغيره. قاله مكحول.

وقال أبو عروبة الحُسَيْن بن أبي معشر الحراني في كتابه "الطبقات": حدثنا مؤمل بن هشام, حدثنا إسماعيل, عن الجريري, عن أبي الورد،


#22#

عن عمرو ابن مرداس قال: أتيت الشام أتية فإذا أنا برجل حبشي غليط الشفتين أو قال: ضخم الشفتين والأنف, وإذا بين يديه سلاح فيه ألوية وهو يقول: يا أيها الناس, خذوا من هذا السلاح, فاستصلحوه وجاهدوا في سبيل الله عز وجل, قلت: من هذا؟ قالوا: بلال.

وقال الإمام أحمد في "العلل": حدثنا أبو بكر بن عياش, حدثنا حبيب بن أبي ثابت: أن أبا بكر أعتق بلالاً رضي الله عنهما فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم كره المقام, فقال أبو بكر: اذهب حيث شئت, فخرج إلى الشام, فمات بالشام.

وتقدم عن سعيد بن المسيب نحوه.

وذكر أبو حسان الحسن بن عثمان في ذكر سنة عشرين من الهجرة, قال: وفيها مات بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن تسع وستين سنة, ويقال: إنه كان ترب أبي بكر رضي الله عنهما ودفن عند باب الصغير, ويكنى أبا عبد الله.

وكلام أبي حسان هذا حدث به الواقدي, عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي, عن أبيه قال: توفي بلال بدمشق سنة عشرين, ودفن عند الباب الصغير في مقبرة دمشق وهو ابن بضع وستين سنة, وذلك في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وقال: سمعت شعيب بن طلحة – من ولد أبي بكر: كان بلال ترب أبي بكر رضي الله عنهما.


#23#

وقال أبو عبد الملك أحمد بن إبراهيم القرشي في كتابه "الطبقات": بلال ابن رباح يكنى أبا عبد الله, مات بالشام بدمشق, ودفن في مقبرة باب كيسان, مات سنة عشرين وهو ابن بضع وستين سنة لا يغير – يعني شيبه.

وقال: قال أبو أيوب – يعني سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي -: سمعت الوليد يقول: دفن بلال بباب كيسان.

وروي أنه مات بداريا ودفن بها.

وجاء عن يزيد بن هارون, حدثنا حسام بن مصك, حدثنا قتادة, عن القاسم بن ربيعة, عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم المرء بلال, وهو سيد المؤذنين».

ولما ترك بلال الأذان أتى أبو بكر رضي الله عنه لسعد القرظ بن عائذ, ويقال: ابن عبد الرحمن مولى عمار بن ياسر.

قال البخاري في "تاريخه الأوسط": يظن بعض الأنصار أن سعداً هذا من الأنصار, وليس هو من الأنصار, وهو مولى لقريش. انتهى.


#24#

فأتى به أبو بكر رضي الله عنه من قباء مؤذناً بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم, وتوارث بنوه عنه الأذان إلى أيام مالك بن أنس وبعده.

وقيل: إنما من قباء عمر رضي الله عنه وكان النبي صلى الله عليه وسلم جعله مؤذناً بقباء.

ذكره أبو عمر ابن عبد البر.

وخرج الحاكم في "المستدرك" من طريق بقية: حدثنا الزبيدي, عن الزهري, عن حفص بن عمر بن سعد القرظ: أن أباه وعمومته أخبروه أن سعد القرظ كان مؤذناً لأهل قباء, فانتقله عمر بن الخطاب, فجعله مؤذناً.

وقال حماد بن إسحاق: حدثنا الزبير بن أبي بكر, حدثني ذؤيب بن عمامة, عن عبد الرحمن بن سعد, عن عمر وعامر ابني حفص, ومحمد بن عمار, عن آبائهم, عن أجدادهم, عن سعد القرظ رضي الله عنه قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت الزنج يتراطنون حين رأوه ليس معه أحد, ولم يدر به الناس, قال: فارتقيت على نخلة, فأذنت, قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا يا سعد, من أمرك بهذا؟» قال: قلت: يا رسول الله, بأبي أنت وأمي, إني رأيت الزنج يتراطنون ولم يكن معك أحد فخفتهم عليك, فأردت أن يعلم أنك قد جئت حتى يجتمع الناس, فقال: «أصبت, إذا لم يكن معي بلال فأذن».


#25#

قال: وكان النجاشي قد أهدى له صلى الله عليه وسلم عنزتين فأعطى بلالاً واحدة, فكان يمشي بها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي, قال: فجاء بلال إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أفضل أعمالكم الجهاد في سبيل الله» وقد أردت الجهاد, فقال له أبو بكر: أسألك بحقي إلا ما صبرت, إنما هو اليوم أو غداً حتى أموت, فأقام بلال معه يمشي بالعنزة بين يديه حتى توفي أبو بكر رضي الله عنه, فجاء إلى عمر رضي الله عنه فقال له كما قال لأبي بكر, فسأله عمر بما سأله أبو بكر رضي الله عنهما فأبى, قال: فمن يؤذن؟ قال: سعد القرظ؛ فإنه قد كان أذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأعطاه العنزة, فمشى بها بين يدي عمر رضي الله عنه حتى قتل, ثم بين يدي عثمان رضي الله عنه, ثم لم يزل يمشي بين يدي الأمراء ... هلم جرا, قال: حتى قدم علينا أمير المؤمنين المهدي, فغدونا بها, قال: وإذا الحراب قد طلع بها من كل وجه, فقلنا: إن عنزة النبي صلى الله عليه وسلم لا يمشى معها بحربة, فرد الحراب, ومشينا بها بين يديه حتى غرزناها في القبلة, قال: وأتي بدابة ليركبها, فقلت له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى ماشياً ذاهباً وراجعاً.

تابعه فيما رواه حماد أيضاً أبو ثابت محمد بن عبد الله المدني, عن عبد الرحمن بن سعد بنحوه مختصراً, إلا أنه قال: عن عبد الله بن محمد بن عمار مكان محمد بن عمار, فزاد عبد الله.

وفيه أن النجاشي بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث عنزات, وسيأتي – إن شاء الله تعالى – فيما بعد.


#26#

وحدث به ابن سعد في "الطبقات" عن إسماعيل (بن عبد الله) بن عبد الله ابن أبي أويس المدني قال: حدثني عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد (المؤذن, حدثني عبد الله بن محمد بن عمار بن سعد, وعمار بن حفص بن عمر بن سعد), وعمر بن حفص بن عمر بن سعد, عن آبائهم, عن أجدادهم أنهم أخبروهم أن النجاشي الحبشي بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث عنزات .. وذكر الحديث بطوله.

وسعد سمي سعد القرظ للزومه التجارة فيه.

قال البخاري في "تاريخه الأوسط": حدثني إسماعيل بن أبي أويس قال: سألت بعض ولد سعد: لما سمي القرظ؟

قال: لأنه كان يتجر, فكلما اتجر في شيء نقص حتى اتجر في القرظ, فربح, فلزم التجارة فيه.

وبعد أن توفي النبي صلى الله عليه وسلم تكلم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في أمر جيش أسامة بن [زيد كما تقدم من طريق هلال بن زيد بن حسن بن أسامة بن زيد بن حارثة, عن آبائه.

وروى هشام بن عروة, عن أبيه قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول – (في مرضه -: «أنفذوا جيش أسامة»), فسار حتى بلغ الجرف, فأرسلت إليه امرأته فاطمة بنت قيس تقول]: لا تعجل؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثقيل,


#27#

فلم يبرح حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما قبض رجع إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني وأنا على غير حالكم هذه, وأنا أتخوف أن تكفر العرب, وإن كفرت كانوا أول من يقاتل, وإن لم تكفر مضيت, فإن معي سروات الناس وخيارهم.

قال: فخطب أبو بكر رضي الله عنه الناس, ثم قال: والله لأن يخطفني الطير أحب إلي من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال فبعثه أبو بكر واستأذن لعمر أن يتركه عنده, وأمر أن يحرز في القوم – أي: يقطع الأيدي والأرجل والأوساط في القتال.

قال: فمضى حتى أغار, ثم رجعوا وقد غنموا وسلموا, فكان عمر رضي الله عنه يقول: ما كنت لأحيي أحداً بالإمارة غير أسامة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو أمير, قال: فسار فلما دنوا من الشام أصابتهم ضبابة شديدة فسار بهم حتى أغاروا وأصابوا حاجتهم, قال: فقدم بنعي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هرقل وإغارة أسامة في ناحية أرضه خبراً واحداً, فقالت الروم: ما بال هؤلاء يموت صاحبهم وأغاروا على أرضنا؟.

وحدث عبد الله بن لهيعة, عن أبي الأسود, عن عروة قال: فلما فرغوا من البيعة واطمأن الناس قال أبو بكر لأسامة بن زيد رضي الله عنهم: انهض وامض لوجهك, فكلمه رجال من المهاجرين والأنصار, وقالوا: أمسك


#28#

أسامة وبعثه, فإنا نخشى أن تميل علينا العرب إذا سمعوا بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنا أحبس جيشاً بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم! لقد اجترأت على أمر عظيم, والذي نفسي بيده, لأن تميل علي العرب أحب إلي من أن أحبس جيشاً بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, امض يا أسامة في جيشك للوجه الذي أمرت به, ثم اغز حيث أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية فلسطين, وعلى أهل مؤتة, فإن الله تعالى سيكفي ما تركت, ولكن إن رأيت أن تأذن لعمر, فأستشيره وأستعين به فافعل, ففعل أسامة, ورجع عامة العرب عن دينهم, وعامة أهل المشرق, وغطفان, وأسد, وعامة أشجع, وتمسكت طيئ بالإسلام.

وقال الزهري: سار أسامة في ربيع الأول حتى بلغ أرض الشام, وانصرف, فكان مسيره ذاهباً وقافلاً أربعين يوماً.

وقيل: كان أسامة حينئذ ابن عشرين سنة.


#29#

&[الاختلاف في سنه وتأريخ وفاته صلى الله عليه وسلم]&

وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين. هذا هو الصحيح.

وثبت عن عائشة وأنس رضي الله عنهما وهو قول ابن عباس في المشهور عنه, وقول جرير بن عبد الله ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم.


#30#

ولذلك جاء عن عمران أبي نصر الضبعي – إن كان محفوظاً – فروى حجاج بن منهال, وعفان بن مسلم, عن حماد بن سلمة, عن أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي, عن أبيه عمران الضبعي أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين.

هكذا حدث به حماد بن سلمة, فوهم فيه, والصواب عن أبي جمرة, عن ابن عباس, قاله أبو عبد الله محمد بن منده.

وبهذا القول في سن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي قال سعيد بن المسيب, والحسن البصري, فيما رواه عنه أشعث الحمراني, وقال كذلك, والقاسم بن محمد, والشعبي, وأبو جعفر محمد بن علي بن الحُسَيْن, وأبوه علي بن الحُسَيْن, وأبو إسحاق السبيعي, ومحمد بن إسحاق وغيره.

وثبته محمد بن سعد, فقال: وهو الثبت إن شاء الله تعالى.

وصححه البخاري, وأبو عمر ابن عبد البر, والجمهور.

وقيل: توفي على رأس ستين سنة من عمره, صح ذلك عن أنس رضي الله عنه في حديث صفة النبي صلى الله عليه وسلم, فقال فيه: وتوفاه الله عز وجل على رأس ستين سنة.. الحديث.


#31#

وقال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث, حدثنا أبي, حدثنا نافع أبو غالب الباهلي, شهد أنس بن مالك رضي الله عنه قال: فقال العلاء بن زياد العدوي: يا أبا حمزة, بسن أي الرجال كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذ بعث؟ قال: ابن أربعين سنة, قال: ثم كان ماذا؟ قال: ثم كان بمكة عشر سنين, وبالمدينة عشراً (كذا), فتمت له (ستون) سنة, ثم قبضه الله عز وجل إليه, قال: بسن أي الرجال هو إذ عقل؟ قال: كأشب الرجال وأحسنه وأجمله وألحمه .... وذكر الحديث, وقد قدمنا أوله.

وجاءت رواية عن أنس بخلاف ذلك في "صحيح مسلم" من حديث عثمان بن زائدة, عن الزبير بن عدي, عن أنس رضي الله عنه قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين, وقبض أبو بكر رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وستين, وقبض عمر رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وستين.

وبذلك قال عروة بن الزبير ومالك بن أنس.

وقال هشام بن حسان, عن الحسن قال: توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ستين سنة.


#32#

وقيل: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره خمس وستون سنة.

قال أحمد بن حنبل في "مسنده": حدثنا إسماعيل – هو ابن علية – عن خالد الحذاء, حدثني عمار-مولى بني هاشم, سمعت ابن عباس رضي الله عنهما – يقول: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين.

تابعه أبو خيثمة زهير بن حرب وأبو بكر ابن أبي شيبة, عن ابن علية.

وهو عند أبي بكر ابن أبي شيبة, عن وكيع, عن سفيان, عن خالد.

ورواه بشر بن المفضل, عن خالد الحذاء به.

تابعه يونس بن عبيد, عن عمار وهو ابن أبي عمار.

قال البخاري في "تاريخه الصغير": ولا يتابع عليه, وكان شعبة يتكلم في عمار.

وقال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا عفان.


#33#

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا خالد بن خداش قالا واللفظ لعفان: حدثنا يزيد بن زريع, حدثنا يونس, عن عمار – مولى بني هاشم – سألت ابن عباس رضي الله عنهما كم أتى لرسول الله صلى الله (عليه وسلم يوم مات؟ قال: ما كنت أرى مثلك من قومه يخفى عليك ذاك, قال: قلت: إني قد سألت فاختلف) علي, فأحببت أن أعلم قولك فيه. قال: أتحسب؟ قلت: نعم, قال: أمسك أربعين بعث لها, وخمس عشرة أقام بمكة يأمن ويخاف, وعشراً مهاجره بالمدينة.

وحدث به يعقوب بن سفيان في "التاريخ" عن هدبة بن خالد, حدثنا وهيب بن خالد, عن يونس بن عبيد .... فذكره.

تابعه معلى بن أسد, عن وهيب.

وقد وردت متابعة لعمار وهي ما رواه أحمد في "مسنده" عن هشيم, والطبراني في "معجمه الكبير" من حديث هشيم, عن علي بن زيد, عن يوسف بن مهران, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين.

وحدث به ابن سعد, عن سعيد بن سليمان, عن هشيم, ويعقوب


#34#

ابن سفيان في "التاريخ" عن زياد بن أيوب, عن هشيم, وابن أبي خيثمة في "تاريخه" عن أحمد بن حنبل, عن هشيم.

ورواه أبو علي حنبل بن إسحاق في "تاريخه" فقال: حدثني أبو عبد الله – يعني: أحمد بن حنبل – حدثنا إسماعيل بن إبراهيم, حدثنا خالد الحذاء, حدثنا عمار – مولى بني هاشم – سمعت ابن عباس رضي الله عنهما قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين.

وقال الطبراني في "المعجم الكبير": حدثنا إسحاق, عن عبد الرزاق, عن ابن جريج, عن أبي الحويرث, عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم مات وهو ابن خمس وستين, وأبو بكر رضي الله عنه وهو بمنزلته, وعمر بن الخطاب ابن ست وخمسين, وعثمان ابن إحدى وثمانين.

وحدث محمد بن عمر – هو الواقدي -, عن ابن أبي سبرة, عن عثمان بن عبد الله بن رافع, عن عكرمة (قال): قال ابن عباس: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين, وأقام بمكة خمس عشرة سنة, وهاجر عشراً, وقبض وهو ابن خمس وستين.

ويروى عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن خمس وستين.

وقال أحمد بن حنبل: حدثنا معاذ بن هشام, حدثني أبي, عن قتادة,


#35#

عن الحُسَيْن, عن دغفل بن حنظلة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض وهو ابن خمس وستين.

تابعه إسحاق بن راهويه وبندار ومحمد بن أبان البلخي, عن معاذ.

وحدث به أبو زرعة الدمشقي في "تاريخه" عن عبيد الله بن عمر – هو القواريري -, حدثنا معاذ بن هشام.. فذكره.

وخرجه يعقوب بن سفيان في "التاريخ" فقال: حدثني أبو بشر وشباب قالا: حدثنا معاذ بن هشام.. فذكره.

وحدث به ابن أبي خيثمة في "تاريخه" عن أحمد بن حنبل ومثنى بن معاذ, قالا: حدثنا معاذ بن هشام.. فذكره.

وعلقه البخاري في "تاريخه الكبير" فقال علي: حدثنا معاذ, حدثنا أبي.. فذكره, وقال: هو السدوسي الذهلي الشيباني, وقال: ولا يتابع عليه, ولا يعرف سماع الحسن من دغفل, ولا يعرف لدغفل إدراك النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن عباس وعائشة ومعاوية رضي الله عنهم: توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين. وهو أصح.


#36#

وعلق ابن الجوزي في كتابه "التلقيح" عن أحمد بن حنبل أنه قال: أرى له صحبة – يعني: دغفل – وهذا غير المشهور عن أحمد.

وقال عبد الرحمن ابن أبي حاتم: أخبرنا حرب بن إسماعيل فيما كتب إلي قال: قلت لأحمد بن حنبل: دغفل بن حنظلة له صحبة؟ قال: ما أعرفه.

(قال الذهبي فيث كتابه "الميزان": ويقال: له صحبة. ولم يصح. وقال أحمد بن حنبل: ما أعرفه). قلت: يكفي في جهالته كون أحمد ما عرفه. انتهى.

وتأويل الذهبي هذا ليس بصحيح؛ لأن حرب بن إسماعيل لما سأل أحمد عن دغفل: له صحبة؟ فقال: ما أعرفه – يعني: ما أعرفه بصحبة – وكذا أوله عبد الرحمن ابن أبي حاتم, قال: يعني ما تعرف له صحبة أم لا.

ومما يوضح ذلك ما قال أبو بكر أحمد بن محمد الأثرم, عن أحمد بن حنبل أنه قال: قد سمعت منه – يعني: معاذ بن هشام – حديث دغفل بن حنظلة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض وهو ابن خمس وستين, قلت لأبي عبد الله:


#37#

دغفل بن حنظلة له صحبة؟ فقال: لا, ومن أين له صحبة؟ هذا كان صاحب نسب.

قيل لأبي عبد الله: روي عنه غير هذا الحديث؟ فقال: نعم, حديث آخر يرويه أبان العطار, فذكر حديث صوم النصارى.

قال أبو عبد الله: لا أعلمه روي عن دغفل غيرهما.

وذكر محمد بن سعد دغفل في الطبقة الأولى من أهل البصرة وقال: لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم.

وذكره في الكبير في الطبقة الأولى من تابعي أهل البصرة فقال: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئاً, وفد على معاوية بن أبي سفيان وكان له علم ورواية للنسب وعلم به.

جاءت له آثار تشهد بذلك, وله قصة مع طلبة بن قيس من بني سعد مناة جرت في الجاهلية بينهما في النسب, خرجها أبو بكر محمد بن المرزبان في كتابه "المروءة".

وقد جاء حديث يفصح برؤية دغفل للنبي صلى الله عليه وسلم, لكنه لا يثبت, وقد تقدم بطوله في أوائل الهجرة.

وهو دغفل بن حنظلة بن زيد بن عبدة بن عبد الله بن ربيعة بن عمرو بن شيبان بن ذهل.

ودغفل هذا خرج مع مسلم بن عيسى بن كريز إلى قتال الأزارقة فغرق في الماء منهزماً.


#38#

ودغفل في اللغة: ولد الفيل, والدغفل أيضاً: الزمن الخصيب.

قال محمد بن سواء: حدثنا (أبو) العوام شيبان بن زهير بن شقيق بن ثور, حدثنا قتادة, عن عمران بن حطان, عن دغفل (قال): قال لي معاوية: يا دغفل من أين علمت هذا العلم؟ قال: علمنيه يا أمير المؤمنين لسان سئول وقلب عقول.

وروينا من طريق ابن أبي خيثمة في "تاريخه": حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا أبو هلال, عن قتادة, عن عبد الله بن بريدة: أن معاوية دعا دغفلاً فسأله عن أنساب الناس, وسأله عن النجوم فإذا رجل عالم, فقال: يا دغفل من أين حفظت؟ قال: حفظت بقلب عقول, ولسان سئول, وإن غائلة العلم النسيان, فقال معاوية: انطلق إلى يزيد فعلمه أنساب الناس, وعلمه النجوم, وعلمه العربية.

والحديثان اللذان لا يروى عن دغفل غيرهما خرجهما الطبراني في "معجمه الكبير" فقال: حدثنا موسى بن هارون, حدثنا إسحاق بن راهويه, حدثنا معاذ بن هشام, حدثني أبي, عن قتادة, عن الحسن,


#39#

عن دغفل بن حنظلة قال: كان على النصارى صوم شهر رمضان, وكان عليهم ملك, فمرض, فقال: لئن شفاني الله لأزيدن عشراً, ثم كان عليهم ملك بعده فأكل اللحم فوجع, فقال: لئن شفاه الله تعالى ليزيدن ثمانية أيام, ثم كان بعده ملك فقال: ما ندع من هذه الأيام أن نتمها ونجعل صومنا في الربيع, ففعل, فصارت خمسين يوماً.

وبه عن دغفل بن حنظلة قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين سنة.

وخرج الأول البخاري أيضاً في "تاريخه الكبير" عن إسحاق – يعني: ابن راهويه – مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم مختصراً.

وخرج الثاني الترمذي في "الشمائل" عن بندار ومحمد بن أبان البلخي, عن معاذ بن هشام به.

وقال: دغفل لا نعرف له سماعاً من النبي صلى الله عليه وسلم, (وكان في زمن النبي صلى الله عله وسلم رجلاً. انتهى.

وقيل: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم) لثنتين وستين سنة ونصف, روي عن مكحول فحدث عمر بن عبد الواحد الدمشقي, عن النعمان بن المنذر الغساني, عن مكحول قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثنتين وستين سنة وأشهر.


#40#

وقال يعقوب بن سفيان في "التاريخ": حدثنا عبد الحميد بن بكار السلمي – من أهل بيروت – أخبرني محمد بن شعيب, أخبرني النعمان, عن مكحول, أخبره قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين, وأوحي إليه يوم الاثنين, وهاجر يوم الاثنين, وتوفي يوم الاثنين لثنتين وستين سنة ونصف ... وذكر بقيته, وقد قدمنا منه طرفاً.

وحدث يحيى بن حمزة, عن الأوزاعي, عن ابن عجلان, عن سعيد بن أبي سعيد, عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثنتين وستين سنة وستة أشهر, وقيل: لثنتين وستين سنة.

وقال ابن أبي خيثمة في "تاريخه": حدثنا أبي, حدثنا معاذ بن هشام الدستوائي.

وقال يعقوب بن سفيان في "التاريخ" واللفظ له: حدثنا محمد بن المثنى, حدثنا معاذ بن هشام الدستوائي, حدثنا أبي, عن قتادة: أن النبي صلى الله عليه وسلم شمط في عنفقته وصدغيه, وتوفي وهو ابن ثنتين وستين سنة ... وذكر بقيته.

وجمع بين الاختلاف في سن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي, فقال أبو الفرج ابن الجوزي: ومن قال: ستين أراد أعشار السنين, والإنسان قد يقول: سني أربعون, ويكون قد زاد عليها إلا أن الزيادة لم تبلغ عشراً.


#41#

وقال مغلطاي فيما أنبؤونا عنه: وجمع – يعني: بين الخلاف في سنه صلى الله عليه وسلم – بأن من قال: خمساً يعني: وستين حسب السنة التي ولد فيها والتي قبض فيها, ومن قال: ثلاثاً وهو المشهور, أسقطهما, ومن قال: ستين أسقط الكسور.

قلت: وما قدمناه عن ابن الجوزي في تأويل الستين أبين وأبلغ.

وكانت وفاته صلى الله عليه وسلم سنة إحدى عشرة من الهجرة في شهر ربيع الأول يوم الاثنين, لا خلاف بين أهل السير في الشهر, وكذلك في اليوم.

قال محمد بن يوسف الفريابي: حدثنا سفيان, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة قالت: قال لي أبو بكر: أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: يوم الاثنين, قال: إني أرجو أن أموت فيه, فمات فيه.

وهو في "الصحيح" من حديث معلى بن أسد, عن وهيب, عن هشام بن عروة.

وقال عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "العلل": حدثني محمد بن حاتم, أخبرنا عامر بن صالح, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين.


#42#

وجاء عن عبد الله بن صالح, عن الليث بن سعد قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الاثنين لليلة خلت من ربيع الأول.

قال ابن أبي خيثمة في "تاريخه": حدثنا موسى – يعني: ابن إسماعيل– حدثنا أبو يحيى – صاحب الطعام – حدثني محمد بن المنكدر, عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن صوم يوم الاثنين, فقال: «أما يوم الاثنين فهو اليوم الذي ولدت فيه», ولم يبين للناس أني أموت فيه.

وممن جزم باليوم أيضاً عائشة فيما تقدم, وأنس وابن عباس وأبو سلمة بن عبد الرحمن, والزهري, وجعفر بن محمد, وعروة بن الزبير, وطاوس, ومكحول, وخلق, ولا أعلم فيه خلافاً.

وكانت الوفاة حين اشتدت الضحاء, وهو المشهور.

وجاء عن الأوزاعي: أنه قبل أن ينتصف النهار, وقيل: كان نصف النهار, وقال: حين زاغت الشمس من يوم الاثنين.

ذكره موسى بن عقبة, عن الزهري وابن لهيعة, عن أبي الأسود, عن عروة, وقال عثمان بن محمد الأخنسي, وذكره الحاكم في "الإكليل".


#43#

وقد صح عن أنس رضي الله عنه أنه قال في حديث لما كشف سجف الحجرة يوم الاثنين قال: وتوفي من آخر ذلك اليوم.

قال الحافظ أبو الفضل عبد الرحيم بن العراقي فيما أجازه لنا مكاتبة من مصر غير مرة: والجمع بينهما – أي: بين قول أنس: "وتوفي من آخر ذلك اليوم" وقول من قال: "توفي ضحى" – أن المراد أول النصف الثاني, وهو آخر وقت الضحى, وهو من آخر النهار باعتبار أنه من النصف الثاني.

ويدل عليه ما رواه ابن عبد البر بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم – وإنا لله وإنا إليه راجعون – ارتفاع الضحى وانتصاف النهار يوم الاثنين.

وذكر موسى بن عقبة في "مغازية" عن ابن شهاب: توفي يوم الاثنين حين زاغت الشمس, فبهذا يجمع بين مختلف الحديث في الظاهر, والله أعلم. انتهى.

وقد قدمنا من طريق ابن (أبي) مليكة, عن عبيد بن عمير, عن عائشة رضي الله عنها قالت: فما انتصف النهار من ذلك – تعني: اليوم – حتى قبض الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم.

وحدث به الواقدي, عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي, عن أبيه, عن جده من قوله.


#44#

وقد اختلف فيما مضي من الشهر، فقيل: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول.

ذكره الزهري عن عروة بن الزبير, ورواه إبراهيم بن يزيد, عن ابن طاوس, عن أبيه.

وحدث به أبو جعفر الوراق, عن إبراهيم بن سعد, عن ابن إسحاق.

وقال أبو حسان (الحسن) بن عثمان: وهذا أثبت الأقاويل.

وجزم بذلك سعيد بن عفير ومحمد بن سعد, وأبو حاتم بن حبان, وأبو عمر بن عبد البر, وأبو الفرج بن الجوزي, وصححه أبو عمرو بن الصلاح, وأبو زكريا النووي, والذهبي في "العبر", وبه صدر المزي الخلاف.

وقيل: توفي صلى الله عليه وسلم لمستهل شهر ربيع الأول فيما روي عن عروة وسعيد بن جبير.

وقاله أبو نعيم الفضل بن دكين فيما رواه عنه يوسف هو ابن يعقوب الصفار.

ورواه إبراهيم بن المنذر الحزامي, عن ابن فليح, عن موسى بن عقبة, عن ابن شهاب.

وروي نحوه عن مقاتل بن سليمان.

ورواه أبو الشيخ ابن حيان في "تاريخه" عن الليث بن سعد.


#45#

وذكره الحافظ أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي.

وجزم به ابن زبر في "الوفيات".

وقيل: لليلة خلت من ربيع الأول.

رواه يحيى بن بكير, وعبد الله بن صالح, عن الليث بن سعد, وتقدم.

وقيل: توفي صلى الله عليه وسلم لليلتين خلتا منه.

رواه المعتمر بن سليمان التيمي, عن أبيه.

وروي عن محمد بن قيس مولى يعقوب القبطي رواه عنه أبو معشر, حدث به أحمد بن حنبل عن حُسَيْن بن محمد عن أبي معشر.

ورواه الواقدي عن أبي معشر.

وبه قال القاضي أحمد بن كامل بن شجرة.

وذكر ابن جرير عن الكلبي ولوط أبي مخنف: أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي في الثاني من ربيع الأول.

وقيل: لثمان خلون من ربيع الأول, قاله أبو محمد بن حزم ورجحه, وجزم به غيره.

وقيل: لعشر خلون منه.

رواه سيف بن عمر الأسيدي, عن محمد بن عبد الله, عن الحكم, عن مقسم, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لعشر خلون من ربيع الأول.


#46#

قال الحافظ أبو الفضل بن العراقي فيما أخبرنا به مكاتبة من مصر غير مرة: والقول الأول – يعني: الذي قدمناه – أنه توفي صلى الله عليه وسلم لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول, وإن كان قول الجمهور فقد استشكله السهيلي من حيث التاريخ.

قلت: واستشكله أيضاً الحافظ أبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم بن حسان الحميري الكلاعي, وأبو اليمن ابن عساكر وغيرهم.

قال ابن العراقي: وذلك لأن الوقفة كانت في حجة الوداع يوم الجمعة بالاتفاق لحديث عمر رضي الله عنه المتفق عليه, وإذا كان كذلك فلا يمكن أن يكون ثاني عشر ربيع الأول من سنة إحدى عشرة يوم الاثنين لا على تقدير


#47#

كمال (الشهور الثلاثة, ولا على تقدير) نقصانها, ولا على تقدير كمال بعضها ونقص بعضها؛ لأن ذا الحجة أوله الخميس, فإن نقص هو والمحرم وصفر كان ثاني عشر ربيع الأول يوم الخميس, وإن كمل الثلاث كان ثاني عشر يوم الأحد, وإن نقص بعضها وكمل بعضها كان ثاني عشر إما الجمعة أو السبت, هذا التفصيل لا محيص عنه.

وقد رأيت بعض أهل العلم يجيب عن هذا الإشكال بأنه: تفرض الشهور الثلاثة كوامل, ويكون قولهم: "لاثنتي عشرة ليلة خلت منه" أي: بأيامها كاملة, فتكون وفاته صلى الله عليه وسلم بعد استكمال ذلك والدخول في الثالث عشر.

وفيه نظر من حيث إن الذي يظهر من كلام (أهل) السير نقصان الثلاثة أو اثنين منها؛ بدليل ما رواه البيهقي في "دلائل النبوة" بإسناد صحيح إلى سليمان التيمي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض لاثنتين وعشرين ليلة من صفر, وكان أول يوم مرض فيه يوم السبت, وكانت وفاته اليوم العاشر يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول.

فهذا يدل على أن أول صفر يوم السبت, فلزم نقصان ذي الحجة والمحرم.

وقوله: وكانت وفاته اليوم العاشر – أي: من مرضه – يدل على نقص صفر أيضاً.


#48#

ويدل على ذلك أيضاً ما رواه الواقدي, عن أبي معشر, عن محمد بن قيس: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء, لإحدى عشرة بقيت من صفر, إلى أن قال: اشتكى بثلاثة عشر يوماً, وتوفي يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول.

فهذا يدل على نقصان الشهور أيضاً, إلا أنه جعل مدة مرضه صلى الله عليه وسلم أكثر مما في حديث التيمي.

ويجمع بينهما بأن المراد بهذا ابتداؤه, وبالأول اشتداده, والواقدي وإن ضعف في الحديث, فهو من أئمة أهل السير, وأبو معشر نجيح مختلف فيه.

ويرجح ذلك وروده عن بعض الصحابة, وذلك فيما رواه الخطيب في "الرواة عن مالك" من رواية سعيد بن سلم بن قتيبة الباهلي, حدثنا مالك بن أنس, عن نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض ثمانية, فتوفي لليلتين خلتا من ربيع الأول ... الحديث.

فاتضح أن قول سليمان التيمي ومن وافقه راجح من حيث التاريخ, وكذلك قول ابن شهاب: مستهل شهر ربيع الأول, فيكون أحد الشهور الثلاثة ناقصاً, والله أعلم.


#49#

قلت: وقد أجاب بعضهم بجواب أبين مما ذكره شيخنا أبو الفضل بن العراقي وهو أنه يؤرخ بالليالي دون الأيام, ولكن لا يؤرخ إلا بليلة مضى يومها, فيكون اليوم تبعاً لليلة, وكل ليلة لم يمض يومها لم يعتد بها وكذلك إذا ذكروا الليالي في عدد فإنهم يريدون بها الليالي مع أيامها, فإذا قالوا: عشر ليال فمرادهم بأيامها, فحينئذ يوم الاثنين الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ثالث عشر الشهر, لكن لما لم يكن يومه قد مضى لم يؤرخ بليلته, وإنما أرخوا بليلة الأحد ويومها وهو الثاني عشر, فيتصور حينئذ قول ابن إسحاق وغيره: توفي النبي صلى الله عليه وسلم لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول, والله أعلم.

وأشار الذهبي في "تاريخ الإسلام" إلى احتمال وهو: إن كان يوم عرفة بمكة يوم الجمعة, وبالمدينة يوم الخميس مثلاً أو يوم السبت فيبنى على حساب ذلك.

قلت: لا يتوجه على تقدير أنه كان يوم عرفة بالمدينة يوم الخميس, بل على أنه كان يوم السبت مع فرض الأشهر الثلاثة كوامل فيكون مستهل شهر ربيع الأول يوم الخميس, فثاني عشرة يوم الاثنين, والله أعلم.

وكانت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في شهر أيلول, روي ذلك عن الحسن البصري.

ودفن صلى الله عليه وسلم ليلة الأربعاء. وروي عن عائشة رضي الله عنها وهو قول سهل بن سعد الساعدي وغيره, قال أبو محمد بن حزم في "التاريخ": ودفن عليه الصلاة والسلام نصف ليلة الأربعاء.


#50#

وقال عكرمة: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين, فحبس بقية يومه وليلته, ومن الغد حتى دفن من الليل – يعني: ليلة الأربعاء.

وقيل: دفن يوم الثلاثاء.

روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبي سلمة بن عبد الرحمن والأوزاعي وابن جريج.

وقيل: ليلة الثلاثاء, روي عن عائشة رضي الله عنها في أحد قوليها.

وقيل: يوم الأربعاء.

وروي عن مكحول وغيره.

وقيل: دفن من ساعته يوم الاثنين عند الزوال, وليس هذا بشيء, والأول أثبت الأقوال.


#51#

&[الاختلاف في مدة علته صلى الله عليه وسلم]&

واختلف في مدة علته صلى الله عليه وسلم، قيل: كانت مدة علته صلى الله عليه وسلم اثني عشر يوماً, وهو غريب.

وقيل: ثلاثة عشر يوماً, وهو المشهور.

ورواه الواقدي عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب, عن أبيه, عن جده, قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لليلة بقيت من صفر سنة إحدى عشرة, وتوفي يوم الاثنين لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول.

وقيل: أربعة عشر يوماً.

وذكر القاضي أحمد بن كامل بن شجرة فيما رواه عنه الحاكم أن علته صلى الله عليه وسلم كانت عشرة أيام أولها يوم السبت, وتوفي (في) العاشر لليلتين خلتا من ربيع الأول لتمام عشر سنين من مقدمه المدينة.

وفي هذا أن ابتداء علته صلى الله عليه وسلم كان يوم السبت.

وقيل: كان ابتداء علته صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من صفر.


#52#

وقيل: يوم الأربعاء لليلة بقيت من صفر وهو غلط, والله أعلم؛ لأن على هذا يكون مستهل صفر يوم الأربعاء, ولا يتصور؛ لأن مستهل ذي الحجة كان يوم الخميس, وقد ذكرنا الخلاف قبل في ابتداء وجعه صلى الله عليه وسلم في أي بيوت أزواجه كان.


#53#

&[أزواجه صلى الله عليه وسلم المتوفى عنهن]&

ولا خلاف أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللائي توفي عنهن تسع نسوة.

قال أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة في "تاريخه": حدثنا عثمان بن زفر, حدثنا سيف بن عمر, عن عبد الله بن محمد, عن هند بن هند بن أبي هالة, عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل أبى لي أن أتزوج أو أزوج إلا أهل الجنة».

وقال عبد الله بن الإمام أحمد في "العلل": حدثني زياد بن أيوب, حدثنا علي بن محمد, حدثنا أبو الحُسَيْن العكلي, قال هارون بن [أبي] إبراهيم أخبرني, قال: سألت محمد بن سيرين عن كم قبض النبي صلى الله عليه وسلم قال: عن تسع, عن عائشة, وأم سلمة, وميمونة, وسودة, وأم حبيبة, وزينب, وحفصة, وممن سبى فاستنكح: صفية, وجويرية.

وجاء عن ابن سيرين, عن أبي هريرة: قال أبو علي محمد بن


#54#

محمد بن الأشعث الكوفي: حدثنا محمد بن عمرو بن يونس, حدثنا أسباط بن محمد القرشي, عن أبي بكر الهذلي, عن محمد بن سيرين, عن أبي هريرة قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تسع نسوة: أم سلمة, وعائشة, وأم حبيبة بنت أبي سفيان, وزينب, وحفصة, وصفية ابنة حيي, وجويرية بنت الحارث, وميمونة وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم, وسودة بنت زمعة.

والتسع المذكورات رضي الله عنهن منهن خمس قرشيات وأربع من نساء القبائل.


#55#

فأما القرشيات فهن:

$1 - [أم المؤمنين سودة بنت زمعة]:$

أم الأسود سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نضر بن مالك بن حسل – ويقال: ابن حسيل – بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر القرشية العامرية.

وأمها الشموس بنت قيس بن عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار, والشموس بنت أخي سلمى بنت عمرو بن زيد أم عبد المطلب بن هاشم, وتقدم ذكرها.

كانت سودة تحت ابن عمها السكران بن عمرو بن عبد شمس أخي سهل وسهيل وسليط وحاطب بني عمرو, وكل منهم أسلم وله صحبة.

هاجر بسودة زوجها السكران إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية, ثم رجع بها إلى مكة فمات بها, وقيل: مات بالحبشة, فلما حلت خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمها وقدان بن قيس فيما قاله عبد الله بن محمد بن عقيل, فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان سنة عشر من النبوة قبل الهجرة بعد موت خديجة رضي الله عنها بأيام.

وقيل: بعد موت خديجة بسنة, وقيل: قبل عائشة فيما روي عن قتادة, وقاله أبو عبيدة معمر بن المثنى, وهو المشهور عند الجمهور. ورواه عقيل عن الزهري.


#56#

وجاء عن يونس عن الزهري أنه صلى الله عليه وسلم تزوج سودة بعد عائشة, وسيأتي – إن شاء الله تعالى – في ترجمة عائشة رضي الله عنها فيما رواه عنها يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ما يدل على ذلك.

وقد انفردت سودة بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع سنين لا يشاركها فيه امرأة ولا سرية, ثم بنى بعائشة رضي الله عنها بعد. قاله الذهبي في "تاريخ الإسلام".

$[صداق سودة أم المؤمنين رضي الله عنها]:$

وكان صداقها أربعمائة درهم.

قال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا إسماعيل, حدثنا سلمة بن علقمة, عن محمد بن سيرين قال: نبئت عن أبي العجفاء السلمي, سمعت عمر رضي الله عنه يقول: ألا لا تغلوا صدق النساء, قال: لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم, ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية.

وخرج أبو داود في "سننه" فقال: حدثنا محمد بن عبيد, حدثنا حماد بن زيد, عن أيوب, عن محمد, عن أبي العجفاء السلمي


#57#

قال: [خطبنا فقال: ألا تغالوا بصدق النساء, فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله] كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم .... وذكر الحديث.

ورواه أبو أمية الطرسوسي فقال: حدثنا جعفر بن عون, حدثنا إسماعيل بن مسلم, عن ابن سيرين, عن أبي العجفاء السلمي قال: قال عمر ... فذكره بنحوه.

وقال أبو القاسم الطبراني: حدثنا أبو الزنباع, روح بن الفرج ويحيى بن أيوب, قالا: حدثنا يوسف بن عدي, حدثنا القاسم بن مالك, عن أشعث بن سوار, عن الشعبي, عن شريح قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تغالوا بمهور النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا والآخرة كان أحقكم بها وأولاكم بها محمد صلى الله عليه وسلم وأهل بيته, ما تزوج امرأة من نسائه, ولا زوج شيئاً من بناته بأكثر من اثنتي عشرة أوقية.

غريب من حديث الشعبي عن شريح, والمشهور من حديث [ابن] سيرين, عن أبي العجفاء, عن عمر. تفرد به القاسم بن مالك المزني,


#58#

عن أشعث, قاله أبو نعيم في "الحلية" بعد أن حدث بالحديث عن سليمان بن أحمد, هو الطبراني.

والحديث عند الشعبي أيضاً عن مسروق, عن عمر.

قال أبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه": حدثنا أبي, حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد, حدثنا أبي, [عن ابن إسحاق, حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعيد, عن المجالد بن سعيد, عن الشعبي], عن مسروق قال: ركب عمر بن الخطاب رضي الله عنه منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم [يخطب الناس فقال: يا أيها الناس, ما إكثاركم في صدقات النساء؟ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم] وأصحابه وإنما الصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما فوق ذلك, ولو كان الإكثار في ذلك تقوى من الله أو مكرمة لم تسبقوهم إليها, فلا أعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم.

قال: ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين, أنهيت الناس أن يزيدوا في صدقاتهن على أربعمائة درهم؟ قال: نعم, قالت: أما سمعت ما أنزل الله تبارك وتعالى في القرآن؟ قال وأي ذلك؟ قالت: أما: سمعت الله عز وجل يقول: {وءاتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً} فقال: اللهم غفراً, كل الناس أفقه من عمر.


#59#

ثم رجع فركب المنبر فقال: أيها الناس, إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم, فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب وطابت به نفسه فليفعل.

وذكر أبو بكر ابن العربي تعليقاً في كتابه "أحكام القرآن" [مختصراً بنحوه, ثم قال: وهذا لم يقله عمر رضي الله عنه على طريق التحريم, وإنما أراد به الندب إلى التعليم]. انتهى.

وقال الشافعي: أخبرنا عبد العزيز بن محمد, عن يزيد بن عبد الله ابن الهاد, عن محمد بن إبراهيم بن الحارث, عن أبي سلمة: سئلت عائشة رضي الله عنها: كم كان صداق النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشًّا, قالت: أتدري ما النش؟ قلت: لا, قالت: نصف أوقية.

حدث بنحوه أحمد في "مسنده" عن الشافعي.

وخرجه مسلم ومحمد بن أبي عمر المكي فرقهما, عن عبد العزيز.

تابعهم عبد الله بن محمد النفيلي, عن عبد العزيز, خرجه أبو داود عن النفيلي. وسيأتي إن شاء الله تعالى في ترجمة الجونية من قول النبي صلى الله عليه وسلم.


#60#

والأوقية بالضم مشددة وقد تخفف, اسم لأربعين درهماً.

والنش: نصف الأوقية, فتكون الاثنتا عشرة أوقية والنش: خمسمائة درهم, والله أعلم.

وخرج الطبراني في "معجمه الأوسط": من حديث صالح بن موسى الطلحي, عن منصور بن المعتمر, عن إبراهيم بن الأسود بن يزيد, عن عائشة رضي الله عنها قالت: جرت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في صداق النساء اثنتا عشرة أوقية, والأوقية أربعون درهماً, فذلك ثمانون وأربعمائة درهم .... الحديث.

تفرد به صالح عن منصور.

وقال عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب "العلل": وجدت في كتاب أبي بخط يده: حدثنا إبراهيم بن خالد, حدثني رباح, عن معمر, عن الزهري قال: كان يقول: كان صداق كل امرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم عشر أواق ذهب.

$[إمساك النبي صلى الله عليه وسلم سودة وعدم طلاقها]:$

وكان دخول النبي صلى الله عليه وسلم بسودة بمكة على الصحيح, وهاجر بها إلى المدينة, فلما كبرت هم بطلاقها وذلك في السنة الثامنة من الهجرة, فوهبت يومها لعائشة وقالت: لا حاجة لي في الرجال, وإنما أريد أن أحسب في زوجاتك, فأمسكها.


#61#

روى موسى بن زيد بن ثابت, عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: إن سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت أكبر نساء النبي صلى الله عليه وسلم, فتخوفت أن يطلقها, وضنت به وعرفت من حبه عائشة فقالت: يا رسول الله, أرأيت يومي الذي هو لي, فإني أهبه لعائشة طيبة به نفسي, فقبل ذلك منها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس, حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد, عن هشام بن عروة, عن أبيه قال: قالت عائشة رضي الله عنها: يا ابن أختي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا, وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعاً, فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ الذي هو يومها فيبيت عندها, ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت, وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله يومي لعائشة. فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, قالت: تقول في ذلك أنزل الله عز وجل وفي أشباهها أراه قال: {إن امرأة خافت من بعلها نشوزاً} الآية.


#62#

ورواه ابن أبي مريم, عن [ابن] أبي الزناد, وقال في الحديث «فيقبل ويلمس ما دون الوقاع».

وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: وطلق سودة بنت زمعة, فقعدت له قبل صلاة الصبح, فلما مر قالت له: إنه ليس لي في الرجال أرب, ولكني أحب أن أبعث في أزواجك فراجعني واجعل يومي لمن أحببت من نسائك. فراجعها وجعل يومها لعائشة رضي الله عنها. انتهى.

وقال أحمد بن عبد الجبار العطاردي: حدثنا يونس – يعني ابن بكير – عن النعمان بن ثابت, عن الهيثم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسودة ابنة زمعة: «اعتدي» فتعرضت له في طريقه فقالت: نشدتك الله إلا راجعتني, فلك يومي اجعله لأي نسائك شئت, فإنما أريد أن أحشر من أزواجك يوم القيامة, فراجعها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وروينا من حديث موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد بن سلمة, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما من الناس أحد أحب إلي أن أكون في مسلاخه من سودة بنت زمعة إلا أن بها حدة.


#63#

وروى الأعمش, عن إبراهيم قال: قالت سودة: يا رسول الله, صليت البارحة خلفك فركعت بي حتى أمسكت بأنفي مخافة أن يقطر الدم, قال: فضحك صلى الله عليه وسلم, وكانت تضحكه الأحيان.

$[وفاتها رضي الله عنها]:$

ماتت سودة رضي الله عنها آخر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة عشرين.

قال البخاري في "تاريخه الأوسط": حدثنا يحيى بن سليمان, حدثنا ابن وهب, عن عمرو, عن سعيد بن أبي هلال قال: توفيت سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم في زمن عمر رضي الله عنه.

وقال أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة, عن مصعب: في آخر زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وقيل: ماتت في شوال سنة أربع وخمسين, وهو المشهور.

ورجحه الواقدي, وقال: إنه الثبت.

وقال البخاري في "صحيحه": حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا أبو عوانة, عن فراس, عن الشعبي, عن مسروق, عن عائشة رضي الله عنها: أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن للنبي صلى الله عليه وسلم: أينا أسرع بك لحوقاً؟ قال:


#64#

«أطولكن يداً» فأخذوا قصبة يذرعونها, فكانت سودة أطولهن يداً, فعلمنا بعد أنما كانت طول يدها الصدقة, وكانت أسرعهن لحوقا به, وكانت تحب الصدقة.

وخرجه أبو عوانة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الإسفراييني في "صحيحه" المخرج على "صحيح مسلم" عن أبي زرعة الرازي, عن موسى بن إسماعيل, وعن عثمان بن شداد, عن سهل بن بكار, وعن أبي داود سليمان بن سيف الحراني الحافظ, عن يحيى بن حماد قالوا: حدثنا أبو عوانة .. فذكره.

وخرجه النسائي في "سننه" عن أبي داود الحراني به.

وخرجه الإمام أحمد في "مسنده" عن عفان, عن أبي عوانة هكذا.

وفي هذا نظر, فإن المشهور أن أسرعهن لحوقاً به صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش, فإنها ماتت في أول خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المشهور.


#65#

وقال مسلم في "صحيحه": حدثنا محمود بن غيلان أبو أحمد حدثنا الفضل بن موسى السيناني, أخبرنا طلحة بن يحيى بن طلحة, عن عائشة بنت طلحة, عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يداً» قالت: فكانت أطولنا يداً زينب؛ لأنها كانت تعمل بيديها وتصدق.

وقال محمد بن عبيد: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد, عن عامر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسائه: «أطولكن يداً أسرعكن موتاً بعدي» فكن يتذارعن, فكانت سودة أطولهن يداً, فلما توفي [رسول الله] صلى الله عليه وسلم, كانت زينب أسرعهن موتاً بعده, فقلن: كيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكرن, فقلن: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت أطولنا يداً في الخير.

هذا من مراسيل الشعبي, فهذا هو الصحيح, لكن سودة أطولهن يداً


#66#

في الخلق.

وجاء أنها كانت امرأة ضخمة طويلة ولهذا قال عمر رضي الله عنه: ألا قد عرفناك يا سودة, والله ما تخفين علينا.

وأما أطولهن يداً في الصدقة وأولهن لحوقاً به صلى الله عليه وسلم فزينب, فبهذا يجمع بين الحديثين, وإن بعض الرواة اشتبه عليه طول يد هذه من طول يد هذه.

ذكر معنى هذا الحافظ أبو الحجاج المزي رحمه الله.

لكن ذكر الحافظ أبو عبد الله محمد بن منده في كتابه "معرفة الصحابة" في ترجمة زينب بنت خزيمة الهلالية أم المساكين, من طريق يونس بن بكير قال: حدثنا زكريا بن أبي زائدة, عن عامر الشعبي قال: قلن النسوة: يا رسول الله, أينا أسرع بك لحوقاً؟ قال: «أطولكن يداً», فأخذن يتذارعن أيتهن أطول يداً, فلما توفيت زينب علمن أنها كانت أطولهن يداً في الخير والصدقة.

وإدخال ابن منده هذا الحديث في ترجمة أم المساكين يدل على أن المراد عنده بزينب المذكورة في الحديث أم المساكين, والله أعلم.


#67#

$2-[أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها]:$

وأم عبد الله عائشة بنت أبي بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشية التيمية رضي الله عنها.

وأمها أم رومان – بضم الراء وفتحها – وهي بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة, وقيل في نسبها غير ذلك, فيه خلاف كثير.

قال أبو بكر ابن أبي خيثمة في "تاريخه": حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا حماد, عن علي بن زيد, عن القاسم بن محمد أن أم رومان زوج أبي بكر أم عائشة لما دليت في قبرها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أم رومان».

كانت عائشة رضي الله عنها مسماة لجبير بن مطعم, فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال أبو بكر: يا رسول الله, دعني حتى أسلها من جبير سلاً رقيقاً.

وقال الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ: أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب, حدثنا أحمد بن عبد الجبار, حدثنا عبد الله بن إدريس الأودي, عن محمد بن عمرو, عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: قالت عائشة رضي الله عنها: لما ماتت خديجة بنت خويلد رضي الله عنها جاءت


#68#

خولة بنت حكيم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالت: يا رسول الله, ألا تزوج؟ قال: «ومن؟».

قالت: إن شئت بكراً, وإن شئت ثيباً, فقال: «ومن البكر ومن الثيب؟».

فقالت: أما البكر فابنة أحب خلق الله إليك عائشة, وأما الثيب فسودة بنت زمعة, قد آمنت بك واتبعتك. قال صلى الله عليه وسلم: «فاذكريها علي».

قالت: فأتيت أم رومان فقلت: يا أم رومان ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة؟ قالت: وذاك ماذا؟ قالت: قلت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر عائشة. قالت: انتظري, فإن أبا بكر آت. قالت: فجاء أبو بكر فذكرت ذلك له فقال: أوتصلح له وهي ابنة أخيه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أخوه وهو أخي وابنته تصلح لي».

قالت: وقام أبو بكر فقالت لي أم رومان: إن المطعم بن عدي قد كان ذكرها على ابنه, ووالله, ما أخلف وعداً قط – تعني أبا بكر – قالت: فأتى أبو بكر المطعم فقال: ما تقول في أمر هذه الجارية؟ قالت: فأقبل على امرأته فقال لها: ما تقولين يا هذه؟ قالت: فأقبلت على أبي بكر رضي الله عنه فقال: لعلنا إن أنكحنا هذا الفتى إليك تصيبه وتدخله في دينك الذي أنت عليه. قال: فأقبل عليه أبو بكر رضي الله عنه فقال: ماذا تقول؟ فقال: إنها تقول ما تسمع.

قالت: فقام أبو بكر رضي الله عنه وليس في نفسه من الموعد شيء, قالت: فقال لها أبو بكر رضي الله عنه: قولي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فليأت.

قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فملكها.

قالت خولة: ثم انطلقت إلى سودة بنت زمعة, وأبوها شيخ كبير, قد جلس عن المواسم, قالت: فحييته بتحية أهل الجاهلية, وقلت: أنعم


#69#

صباحاً. قال: من أنت؟ قالت: قلت: خولة بنت حكيم, قالت: فرحب بي وقال ما شاء الله أن يقول, قالت: قلت: محمد صلى الله عليه وسلم [بن عبد الله] بن عبد المطلب يذكر سودة بنت زمعة, قال: كفؤ كريم, ماذا تقول صاحبتكم؟ قالت: قلت: تحب ذاك. قال: قولي له فليأت, قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فملكها.

قالت: وقدم عبد بن زمعة, فجعل يحثي على رأسه التراب, وقال بعد أن أسلم: لعمرك إني لسفيه يوم أحثي على رأسي التراب أن تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة.

حديث حسن الإسناد.

وقد خرجه الإمام أحمد في "مسنده" فقال: حدثنا محمد بن بشر, حدثنا محمد بن عمرو, حدثنا أبو سلمة ويحيى, قالا: لما هلكت خديجة جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون قالت: يا رسول الله, ألا تزوج؟ قال: «من؟» قالت: إن شئت بكراً, وإن شئت ثيباً .... وذكر الحديث بنحوه أطول سياقاً من هذا.

عرضها الملك على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نكاحها في سرقة من حرير وقال: هذه زوجتك.

صح عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيتك في المنام يجئ بك الملك في سرقة من حرير,


#70#

فقال لي: هذه امرأتك, فكشفت عن وجهك الثوب فإذا أنت هي, فقلت إن يك هذا من عند الله يمضه».

له طرق إلى هشام.

وقال عبد بن حميد: أخبرنا عبد الرزاق, عن عبد الله بن عمرو بن علقمة, عن ابن أبي حُسَيْن, عن ابن أبي مليكة, عن عائشة رضي الله عنها أن جبريل عليه السلام جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه زوجتك في الدنيا والآخرة.

حدث به الترمذي عن عبد, وقال: هذا حديث حسن غريب.

وأعله برواية عبد الرحمن بن مهدي, عن عبد الله بن عمرو مرسلاً, لم يذكر عائشة.

وقال بكر بن سهل الدمياطي: حدثنا عبد الغني بن سعيد – يعني الثقفي – حدثنا موسى بن عبد الرحمن الصنعاني, عن ابن جريج, عن عطاء, عن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما توفيت خديجة رضي الله عنها بمكة نزل جبريل عليه السلام بصورة عائشة رضي الله عنها في سرقة حرير خضراء فقال: يا محمد هذه عائشة زوجتك في الدنيا وزوجتك في الآخرة عوضاً من خديجة بنت خويلد.

$[تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها]:$

كان تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة في شوال: صح من حديث عبد الله بن عروة, عن عروة, عن عائشة رضي الله عنها: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في


#71#

شوال, وبنى بي في شوال, فأي نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى عنده مني؟ قال: وكانت تستحب أن يدخل نساؤها في شوال.

كان تزويجها بمكة قبل الهجرة بسنتين, وقيل: سنة عشر من النبوة قبل الهجرة بثلاث سنين وهي يومئذ ابنة ست سنين, وقيل سبع, والأول أصح.

وأصدقها أربعمائة درهم, وقيل: اثنتي عشرة أوقية ونشا.

وحدث أبو الفضل عباس بن محمد الدوري, عن يحيى بن معين في "تاريخه" حدثنا وكيع, عن فضيل بن مرزوق, عن عطية, عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيت قيمته خمسون درهماً.

قال يحيى بن معين: تعني متاع بيت.

قلت ليحيى: إن قوماً يقولون: على بت قيمته خمسون درهماً.

فقال يحيى: لا والله الذي لا إلا هو إلا على بيت.

فقلت ليحيى: انظر في كتابك.

فقال: لا والله الذي لا إله إلا هو لا أنظر في كتابي, وما هو إلا على بيت. تعني متاع بيت.

البت: الكساء, وقيل: الكساء الغليظ, وقيل: النطع.


#72#

وبنى النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها وهي بنت تسع سنين بالمدينة في شوال على رأس ثمانية أشهر من مهاجره على الصحيح.

وقيل: [على] رأس سبعة أشهر.

وقيل: على رأس ثمانية عشر شهراً.

صح عن عبد الرزاق, عن معمر, عن الزهري, عن عروة, عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت سبع سنين, وزفت إليه وهي بنت تسع سنين, ولعبها معها, ومات عنها وهي بنت ثماني عشرة سنة.

وحدث يونس بن بكير, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت أمي تعالجني تريد أن تسمنني بعض السمن؛ لتدخلني على رسول الله صلى الله عليه وسلم فما استقام لها حتى أكلت التمر بالقثاء, فسمنت عليه أحسن ما يكون من السمن.

خرجه ابن ماجه عن محمد بن عبد الله بن نمير, عن يونس بنحوه.

وخرجه أبو داود والنسائي من حديث إبراهيم بن سعد, عن ابن إسحاق, عن هشام به.

وعن أبي بكر بن أبي شيبة قال: وجدت في كتابي عن أبي أسامة, عن هشام, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم


#73#

لست سنين, قالت: فقدمنا المدينة, فوعكت شهراً فوفى شعري جميمة, فأتتني أم رومان وأنا على أرجوحة ومعي صواحبي فصرخت بي, فأتيتها وما أدري ما تريد بي, فأخذت بيدي, فأوقفتني على الباب, فقلت: هه هه حتى ذهب نفسي, فأدخلتني بيتاً فإذا نسوة من الأنصار, فقلت: على الخير والبركة وعلى خير طائر, فأسلمتني إليهن, فغسلن رأسي وأصلحن, فلم يريني إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى, فأسلمنني إليه.

وللحديث طرق إلى عائشة رضي الله عنها.

وحدث الزبير بن بكار, عن محمد بن حسن المخزومي, عن [ابن] أبي الزناد, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفنا وخلف بناته ... وذكر الحديث بطوله.


#74#

وفيه قالت: ثم إنا قدمنا المدينة, فنزلت مع آل أبي بكر, ونزل آل النبي صلى الله عليه وسلم معه, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبني مسجده وأبياتاً حول المسجد، فأنزل فيها أهله, فمكثنا أياماً, ثم قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، ما يمنعك أن تبني بأهلك؟ قال: «الصداق» فأعطاه أبو بكر رضي الله عنه اثنتي عشرة أوقية ونشاً, فبعث بها إلينا, وبنى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي هذا الذي أنا فيه, وهو الذي توفي فيه ودفن فيه صلى الله عليه وسلم .... وذكر بقيته.

وقد تقدم مطولاً في الهجرة.

$[من فضائل عائشة]:$

ولم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بكراً غيرها.

وكانت رضي الله عنها كثيرة الصدقة والمعروف والإحسان, صائمة الدهر فيما قاله القاسم وسعد بن إبراهيم.

قال [ابن] الزبير: ما رأيت أجود من عائشة وأسخى, كانت تجمع الشيء إلى الشيء, حتى إذا اجتمع عندها وضعته مواضعه, وأما أسماء رضي الله عنها فكانت لا تمسك شيئاً لغد.

وقال عروة بن الزبير: لقد رأيت عائشة رضي الله عنها تقسم سبعين ألفاً وهي ترقع درعها.

وجاء عن الزهري, عن قبيصة بن ذؤيب بن حلحلة قال: كانت عائشة رضي الله عنها أعلم الناس يسألها الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.


#75#

وقال زياد بن الربيع أبو خداش اليحمدي البصري: حدثنا خالد بن سلمة, حدثنا أبو بردة بن أبي موسى, عن أبيه قال: ما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون في شيء إلا سألوا عنه عائشة رضي الله عنها فيجدون عندها من ذلك علماً.

وقال الواقدي: حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي, أخبرني أبي, عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: ما رأيت أحداً أعلم بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أفقه في رأي إن احتيج إلى رأيه, ولا أعلم بآية فيم نزلت ولا فريضة, من عائشة رضي الله عنها.

وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل في "كتاب العلل": وجدت في كتاب أبي: حدثنا إبراهيم بن خالد, حدثني رباح, حدثني معمر, عن الزهري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو جمع علم نساء هذه الأمة فيهن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كان علم عائشة أكثر من علمهن».

ورواه بشر بن موسى, حدثنا الحميدي, حدثنا سفيان, عن الزهري, قال: لو جمع علم الناس كلهم, ثم علم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لكانت عائشة رضي الله عنها أوسعهم علماً.


#76#

وخرجه الحاكم في "مستدركه".

ووقفه على الزهري أشبه بالصواب, والله أعلم.

وكلا الإسنادين قوي, لكن ترجمة الحميدي عن سفيان عن الزهري متينة صحة وحفظاً.

ورواه عبد الله بن محمد بن سلم, عن عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار العطار, حدثنا سفيان عن الزهري .... فذكر نحوه.

وقال أحمد بن حنبل: حدثني أبو معاوية, عن الأعمش, عن مسلم, عن مسروق أنه قيل له: هل كانت عائشة رضي الله عنها تحسن الفرائض؟ قال: إي والذي نفسي بيده لقد رأيت مشيخة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض.

تابعه ابن سعد وأحمد بن يونس وخلف بن الوليد, عن أبي معاوية.

وحدث به يعقوب بن سفيان في "تاريخه" عن عمرو بن حفص, عن أبيه, عن الأعمش.

ورواه القاضي يوسف بن يعقوب, عن عمرو بن مرزوق, حدثنا شعبة, عن الأعمش, عن أبي الضحى, عن مسروق, وقال: ذكرت


#77#

عائشة رضي الله عنها عنده فقال رجل: إن كانت لفقيهة؟

قال: فكأن مسروقاً غضب وقال: لقد رأيت الأشياخ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض.

وقال ابن أبي خيثمة في "التاريخ": حدثنا مسلم بن إبراهيم, حدثنا زياد بن الربيع, حدثنا خالد بن سلمة المخزومي, عن أبي بردة, عن أبيه قال: ما أشكل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط فسألنا عائشة رضي الله عنها إلا وجدنا عندها منه علماً.

وقال أبو سعيد محمد بن شاذان: حدثنا إسحاق بن إبراهيم, أخبرنا عيسى بن يونس, عن هشام بن عروة, عن أبيه قال: ما رأيت أحداً أعلم بالحلال والحرام والعلم والشعر والطب من عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.

خرجه وحديث أبي معاوية السابق الحاكم في "مستدركه".

وقال الواقدي: حدثنا ابن أبي الزناد, عن هشام بن عروة, عن أبيه قال: ربما روت عائشة رضي الله عنها القصيدة ستين بيتاً وأكثر.

وقال أبو بكر بن أبي خيثمة في "التاريخ": حدثنا أحمد بن يونس, حدثنا المعافى بن عمران, حدثنا المغيرة بن زياد, عن عطاء قال: كانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس وأحسن الناس رأياً في العامة.

وخرجه الحاكم في "المستدرك".


#78#

وقال الواقدي: حدثنا عبد الله بن عمر بن حفص العمري, عن عبد الرحمن بن القاسم, عن أبيه قال: كانت عائشة رضي الله عنها قد استقلت بالفتوى في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان هلم جرا إلى أن ماتت, وكنت ملازماً لها مع برها بي. وذكر بقيته.

وقال الليث بن سعد: إن علياً ذكر عائشة رضي الله عنها قال: لو كانت امرأة خليفة لكانت عائشة خليفة.

خرجه اللالكائي في "شرح السنة" لليث.

ورويناه من طريق أحمد بن محمد بن بشير بن عيسى, حدثنا جدي بشير بن عيسى, حدثنا تميم بن البهلول, حدثنا محمد بن حميد, حدثنا جرير, عن مغيرة, عن أم موسى قالت: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لو كانت المرأة خليفة, أو تصلح أن تكون خليفة لكان يصلح أن تكون عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما خليفة.

وخرج أبو نعيم في كتابه "الحلية" من حديث الوليد بن محمد الموقري, عن الزهري, عن أنس رضي الله عنه قال: أول حب كان في الإسلام حب النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها.

وخرجه الخطيب في "تاريخه" فقال: أخبرنا علي بن أحمد بن عمر


#79#

المقرئ, أخبرنا أحمد بن جعفر بن سلم, حدثنا أحمد بن إسحاق الملحمي, حدثنا محمد بن عمرو بن خالد المصري, وأخبرنا أبو نعيم الحافظ, حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني, حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني أبو علاثة, حدثنا أبي, حدثنا محمد بن الزبير – مؤذن حران – حدثنا الزهري قال: أول حب كان في الإسلام حب النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها.

واللفظ لحديث الملحمي.

وحدث به أبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي في كتابه "اعتلال القلوب" فقال: حدثنا علي بن داود القنطري, حدثنا عمرو بن خالد الحراني, حدثنا محمد بن الزبير – إمام مسجد حران – عن الزهري قال: أول حب كان في الإسلام حب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها.

وقال أيضاً: حدثنا محمد بن جابر الضرير, حدثنا أبو عمر الحوضي, حدثنا مبارك بن فضالة, عن علي بن زيد, عن عمته أم محمد, عن عائشة رضي الله عنها أن فاطمة عليها السلام ذكرت عائشة رضي الله عنها عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: «يا بنية, إنها حبيبة أبيك».


#80#

وخرج النسائي من حديث يزيد [بن المقدام] بن شريح بن هانئ, عن أبيه, عن أبيه شريح, عن عائشة رضي الله عنها أنه سأل عائشة رضي الله عنها: هل تأكل المرأة مع زوجها وهي طامث؟ قال: نعم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوني فآكل معه وأنا عارك, وكان يأخذ العرق فيقسم علي فيه فأغترف منه, ثم أضعه فيأخذ فيغترف منه, ويضع فمه حيث وضعت فمي من العرق، ويدعو الشراب فيقسم علي فيه قبل أن يشرب منه، فآخذه فأشرب منه، ثم أضعه فيأخذه فيشرب منه، ويضع فمه حيث وضعت فمي من القدح.

ورواه أيضاً عن الأعمش, عن المقدام بن شريح, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع فاه على الموضع الذي أشرب منه ويشرب من فضل سؤري وأنا حائض.

ورواه أيضاً عن مسعر, عن المقدام بنحوه, ولفظه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يناولني الإناء فأشرب منه وأنا حائض, ثم أعطيه, فيتحرى موضع في فيضعه على فيه.


#81#

وخرجه أبو داود لمسعر.

وهو في "صحيح مسلم" من حديث وكيع, عن مسعر وسفيان, كلاهما عن المقدام بنحوه.

وخرجه ابن ماجه من حديث شعبة عن المقدام.

وخرج ابن سعد في "الطبقات الكبرى" من حديث عبد الملك بن عمير, عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أعطيت خلالاً ما أعطيتها امرأة, ملكني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت سبع سنين, وأتاه الملك بصورتي في كفه, فنظر إلي, وبنى بي لتسع سنين, ورأيت جبريل ولم تره امرأة غيري, وكنت أحب نسائه إليه, وكان أبي أحب أصحابه إليه, ومرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي, فمرضته فقبض ولم يشهده غيري والملائكة.

وخرجه الحاكم أبو عبد الله في كتابه "المستدرك" من حديث أبي الخطاب زياد بن يحيى الحساني, حدثنا مالك بن سعير, حدثنا إسماعيل بن أبي خالد, أخبرنا عبد الرحمن بن الضحاك: أن عبد الله بن صفوان أتى عائشة رضي الله عنها وآخر معه, فقالت عائشة لأحدهما: أسمعت حديث حفصة يا فلان؟ قال: نعم يا أم المؤمنين, فقال لها عبد الله بن صفوان: وما ذاك يا أم المؤمنين؟ قالت: خلال لي تسع لم


#82#

تكن لأحد من النساء قبلي إلا ما آتى الله عز وجل مريم بنت عمران عليها السلام والله ما أقول هذا أني أفخر على أحد من صواحباتي, فقال لها عبد الله بن صفوان: وما هن يا أم المؤمنين؟ قالت: جاء الملك بصورتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة سبع سنين, وأهديت إليه وأنا ابنة تسع سنين وتزوجني بكراً لم يشركه في أحد من الناس, وكان يأتيه الوحي وأنا وهو في لحاف واحد, وكنت من أحب الناس إليه, ونزل في آيات من القرآن كادت الأمة تهلك فيها, ورأيت جبريل عليه السلام ولم يره أحد من نسائه غيري, وقبض في بيتي لم يله أحد غير الملك إلا أنا.

وخرجه أبو جعفر بن جرير في "تاريخه" فقال: حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري, أخبرنا محمد بن يزيد, عن إسماعيل – يعني ابن أبي خالد – عن عبد الرحمن بن أبي الضحاك, عن رجل من قريش, عن عبد الرحمن بن محمد أن عبد الله بن صفوان وآخر معه أتيا عائشة رضي الله عنها ... وذكر الحديث بنحوه.

وقال بكر بن سهل الدمياطي: حدثنا عبد الغني بن سعيد الثقفي البرقي, حدثنا موسى بن عبد الرحمن الصنعاني القرشي, عن ابن


#83#

جريج, عن عطاء, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قالت عائشة رضي الله عنها: أعطيت عشر خصال لم تعطهن ذات خمار قبلي: صورت لرسول الله قبل أن أصور في رحم أمي, وتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم بكراً, لم يتزوج بكرا غيري, وكان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي وهو بين سحري ونحري, وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين سحري ونحري, ونزلت براءتي من السماء, وكنت أحب النساء إليه وكان أبي أحب الرجال إليه, وخير رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين حاقنتي وذاقنتي, ودفن في بيتي.

وقال عبد الملك بن محمد: حدثنا الحكم بن مروان, حدثنا فرات بن السائب, عن ميمون بن مهران, عن عروة, عن عائشة رضي الله عنها قالت: إني لأفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بسبع: ابتكرني ولم يبتكر امرأة غيري, ولم ينزل عليه من القرآن منذ دخل علي إلا في بيتي, ونزل بعذري قرآن يتلا, وقال لي: أنت زوجتي في الدنيا والآخرة, وقبض بين سحري ونحري, ودفن في بيتي, وأتاه جبريل بصورتي مرتين قبل أن يملك عقدي.

وخرج الطبراني في "معجمه الأوسط" من حديث يحيى بن آدم, حدثنا قيس بن الربيع, عن مغيرة, عن الشعبي, عن عمرو بن الحارث بن المصطلق: بعث زياد إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بمال وفضل عائشة, فجعل الرسول يعتذر إلى أم سلمة فقالت: يعتذر إلينا زياد, فقد كان يفضلها من كان علينا أعظم تفضيلاً من زياد رسول الله صلى الله عليه وسلم.


#84#

لم يرو هذا الحديث عن مغيرة إلا قيس, ولا عن قيس إلا يحيى بن آدم, تفرد به الوكيعي, قاله الطبراني.

والوكيعي هو أحمد بن عمر راوي الحديث, عن يحيى بن آدم.

وقال الحاكم في "مستدركه": وأخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن عبيد القرشي بالكوفة, حدثنا الحسن بن علي بن عفان العامري, حدثنا أسباط بن محمد القرشي, حدثنا مطرف, عن أبي إسحاق, عن مصعب بن سعد قال: فرض عمر رضي الله عنه لأمهات المؤمنين عشرة آلاف, وزاد عائشة ألفين وقال: إنها حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مطرف هو ابن طريف الحارثي الكوفي.

وخرجه من حديث عبيد الله بن موسى, عن إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن مصعب بن سعد عن سعد موقوفاً عليه.

ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه لإرسال مطرف بن طريف إياه.

قلت: وحدث به أبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي, عن أخيه أحمد بن جعفر, حدثنا أحمد بن بديل, حدثنا أسباط بن محمد, حدثنا مطرف بن عبد الله, عن أبي إسحاق ... فذكره.

وخرج من طريق يحيى بن أبي طالب: حدثنا زيد بن الحباب, أخبرنا عمر بن سعيد بن أبي حُسَيْن المكي, حدثني عبد الله بن أبي مليكة, حدثني


#85#

ذكوان أبو عمرو مولى عائشة أن درجاً قدم إلى عمر رضي الله عنه من العراق وفيه جوهر, فقال لأصحابه: تدرون ما ثمنه؟

فقالوا: لا, ولم يدورا كيف يقسمونه.

فقال: تأذنون أن أبعث به إلى عائشة لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها؟

فقالوا: نعم, فبعث به إليها ففتحته فقالت: ماذا فتح على ابن الخطاب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ اللهم لا تبقني لعطيته لقابل.

فيه إرسال, لم يصح سماع ذكوان من عمر رضي الله عنه.

وقال هناد بن السري في كتابه "الزهد": حدثنا أبو معاوية, عن حجاج, عن عطاء قال: بعث معاوية رضي الله عنه إلى عائشة رضي الله عنها بطوق من ذهب فيه جوهر قوم مائة ألف, فقسمته بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال أيضاً: حدثنا أبو معاوية, عن هشام بن عروة, عن محمد بن المنكدر, عن أم ذرة – وكانت تغشى عائشة رضي الله عنها قالت بعث إليها ابن الزبير بمال في غرارتين, فقالت: أراه ثمانين ومائة ألف, فدعت بطبق وهي يومئذ صائمة, فجعلت تقسمه بين الناس, فأمست وما عندها من ذلك درهم, فلما أمست, قالت: يا جارية, هلمي فطري, فجاءتها بخبز وزيت, فقالت لها أم ذرة: أما استطعت مما قسمت اليوم أن تشتري


#86#

لنا بدرهم لحماً نفطر عليه؟ فقالت: لا تعنفيني, لو كنت ذكرتيني لفعلت.

وقال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن تيم, عن عروة بن الزبير, قال: لقد رأيت عائشة رضي الله عنها تصدق بسبعين ألفاً, وإنها لترقع جانب درعها.

وقال الحارث بن أبي أسامة: حدثنا روح, حدثنا حاتم بن أبي صغيرة, حدثنا ابن أبي مليكة أن عائشة بنت طلحة حدثته أن عائشة رضي الله عنها قتلت جاناً فأريت في المنام: والله لقد قتلته مسلماً, فقالت: لو كان مسلماً ما دخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم, فقيل لها: وهل دخل إلا وعليك ثيابك؟ فأصبحت فزعة, فأمرت باثنتي عشرة ألفاً فجعلتها في سبيل الله.

وروي عن علي بن الأقمر, عن مسروق أنه كان إذا حدث عن أم المؤمنين عائشة قال: حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرأة من فوق سبع سماوات.

تابعه الشعبي وغيره عن مسروق. وإسناده صحيح.


#87#

وحدث به الحُسَيْن بن الحسن المروزي في كتاب "الزهد" لابن المبارك من زياداته عليه, فقال: أخبرنا أبو معاوية, حدثنا الأعمش, عن مسلم, عن مسروق أنه كان إذا حدث عن عائشة رضي الله عنها قال: حدثتني المبرأة المصدقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله صلى الله عليه وسلم. قال: فقلت له: فكانت تحسن الفرائض؟ قال: لقد رأيت أكابر أصحاب رسول الله يسألونها عن الفرائض.

وتقدم بنحوه مختصراً.

وخرج أحمد بن حنبل في "مسنده" وابن سعد في "الطبقات الكبرى" واللفظ له من حديث عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة أنه حدثه ذكوان حاجب عائشة رضي الله عنها أنه جاء – يعني ابن عباس – يستأذن على عائشة, فجئت وعند رأسها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن, فقلت: هذا عبد الله بن عباس يستأذن عليك – وهي تموت – فقالت: دعني من ابن عباس فإنه لا حاجة لي به ولا بتزكيته, فقال: يا أمتاه: إن ابن عباس من صالح بنيك يسلم عليك ويودعك, قالت: فأذن له إن شئت, فأدخلته, فلما أن جلس وسلم قال: أبشري, قالت: بم؟ قال: ما بينك وبين أن تلقي محمداً صلى الله عليه وسلم والأحبة إلا أن تخرج الروح من الجسد, كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب إلا طيباً, وسقطت قلادتك ليلة الأبواء, فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ليطلبها حين يصبح في المنزل, فأصبح الناس


#88#

ليس معهم ماء فأنزل الله تعالى أن تيمموا صعيداً طيباً, فكان ذلك من سببك, وما أذن الله لهذه الأمة من الرخصة, وأنزل الله براءتك من السماء من فوق سبع سماوات جاء بها الروح الأمين, فأصبح ليس مسجد من مساجد الله يذكر فيها إلا هي تتلى فيها آناء الليل والنهار, فقالت: دعني منك يا ابن عباس, فوالذي نفسي بيده لوددت أني كنت نسياً منسياً.

وخرجه أحمد في "مسنده" من حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم, عن ابن أبي مليكة إن شاء الله بنحوه.

ورواه عثمان بن سعيد الدارمي, عن ابن أبي مليكة مختصراً.

وفي "صحيح البخاري" نحوه.

وقال الحُسَيْن بن الحسن المروزي في زياداته على "كتاب الزهد" لشيخه ابن المبارك: حدثنا أبو معاوية, حدثنا أبو حنيفة, عن حماد, عن إبراهيم, عن الأسود, عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه ليهون علي الموت أن أريتك زوجتي في الجنة.

وقال أبو بكر محمد بن الحسن بن الأزهر: حدثنا عباس الدوري, حدثنا قبيصة بن عقبة، حدثنا سفيان الثوري, عن الأعمش, عن أبي


#89#

صالح, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما أن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجراً من مكة أشعث أغبر, أكثر عليه اليهود المسائل, والنبي صلى الله عليه وسلم يجيبهم جواباً مداركاً – بإذن الله - وكانت خديجة رضي الله عنها قد ماتت بمكة فلما أن دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واستوطنها, طلب التزويج, فقال لهم: «أنكحوني», فأتاه جبريل عليه السلام بخرقة من الجنة طولها ذراع في عرض شبر, فيها صورة لم ير الراءون أحسن منها, فنشرها جبريل له وقال له: يا محمد إن الله تعالى يقول لك أن تزوج هذه الصورة, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا من أين لي مثل هذه الصورة يا جبريل؟» فقال له جبريل: إن الله عز وجل يقول لك؛ تزوج ابنة أبي بكر الصديق, فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزل أبي بكر فقرع الباب ثم قال: «يا أبا بكر, إن الله عز وجل أمرني أن أصاهرك», وكان له ثلاث بنات, فعرضهن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله أمرني أن أتزوج هذه الجارية» عائشة رضي الله عنها فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا الحديث من مراسيل أبي هريرة رضي الله عنه لو ثبت, بل هو حديث موضوع مختلق من قبل محمد بن الحسن بن الأزهر بن جبير بن جعفر القطان الأصم الدعاء.

قال الخطيب أبو بكر الحافظ: رجاله كلهم ثقات غير محمد بن الحسن, ونراه مما صنعت يداه.


#90#

وقال ابن الجوزي: ما أبعد الذي وضعه عن العلم! فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها وهو بمكة, ولم يكن حينئذ لأبي بكر ثلاث بنات, ما كان له غير أسماء وعائشة رضي الله عنها وإنما جاءته بعد وفاته ابنة يقال لها أم كلثوم. انتهى.

ومحمد بن الحسن الدعاء هذا هو راوي كتاب "الحيدة" منفرداً به، رواه عنه أبو عمرو عثمان بن السماك. قال الذهبي في كتاب "الميزان": ويغلب على ظني أنه هو الذي وضع كتاب "الحيدة" إني أستبعد وقوعها جداً, وإنما ذكرنا هذا الحديث الباطل لهتك حاله وللمعرفة به.

وحدث يونس بن بكير في "المغازي" عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت أمي تعالجني تريد أن تسمني بعض السمن لتدخلني على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فما استقام لها بعض ذلك حتى أكلت التمر بالقثاء فسمنت عليه كأحسن ما يكون من السمنة.

وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل في كتاب "العلل": حدثني أبي, حدثنا حسن بن موسى, حدثنا حماد بن سلمة, عن هشام بن عروة, عن أبيه, قالت عائشة رضي الله عنها: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم متوفى خديجة قبل مخرجه إلى المدينة بثنتين أو ثلاث وأنا بنت سبع سنين أو ست سنين فلما قدمنا المدينة جاءتنا نسوة وأنا ألعب في أرجوحة, وأنا مجممة فذهبن بي, فهيأنني وصنعنني, ثم أتين بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت تسع سنين.


#91#

قال أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار: حدثنا عبيد الله بن النعمان, حدثنا سعيد بن سلام, حدثنا ابن أبي رواد, حدثني منصور بن عبد الرحمن, عن أمه صفية بنت شيبة, عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من نسائه فنثروا على رأسه تمر عجوة.

وحدث الكديمي, عن سهل بن حسان, وهو ابن أبي حدويه, حدثنا الوليد بن مسلم, عن الأوزاعي, عن يحيى بن أبي كثير, قال: أخبرني كلاب بن تلاد, حدثتني أسماء مقينة عائشة رضي الله عنها قالت: لما أقعدنا عائشة لنجليها برسول الله صلى الله عليه وسلم, إذ جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في نسوة, فقرب إلينا لبناً وتمراً, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلن واشربن» فقلن: يا رسول الله, إنا صوام, قال: «كلن واشربن ولا تجمعن جوعاً وكذباً» قالت: فأكلنا وشربنا.

وقال أبو اليمان الحكم بن نافع: أخبرنا شعيب, عن عبد الله – يعني ابن أبي حُسَيْن – حدثني شهر أن أسماء بنت زيد بن سكن إحدى نساء بني عبد الأشهل دخل عليها يوماً فقربت له طعاماً, فقال: لا أشتهيه, قالت: إني قينت عائشة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم


#92#

جئته بجلوتها فدعوته لجلوتها, فجاء فجلس إلى جنبها, فأتي بعس لبن فشرب منه, ثم ناولها, فخفضت رأسها واستحيت, قالت أسماء رضي الله عنها: فانتهرتها وقلت لها: خذي من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فأخذته فشربت شيئاً, ثم قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «أعطي تربك» قالت أسماء،: فقلت: يا رسول الله, بل خذه فاشرب منه, ثم ناولنيه من يدك, فأخذه فشرب منه, ثم ناولنيه, قالت: فجلست ثم وضعته على ركبتي, ثم طفقت أديره وأتبعه بشفتي لأصيب منه مشرب النبي صلى الله عليه وسلم, ثم قال لنسوة عندي: «ناوليهن», فقلن: لا نشتهي, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تجمعن جوعاً وكذباً» فهل أنت منتهية أن تقولي: لا أشتهيه؟ فقلت: إي أمه لا أعود أبداً.

وقال ابن حبان في «صحيحه»: أخبرنا ابن قتيبة, أخبرنا ابن أبي السري, حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر, عن الزهري, [عن يحيى بن سعيد بن العاص]، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم استعذر أبا بكر من عائشة رضي الله عنها ولم يظن النبي صلى الله عليه وسلم أن ينالها بالذي نالها, فرفع أبو بكر رضي الله عنه يده فلطمها وصك في صدرها, فوجد من ذلك النبي صلى الله عليه وسلم, قال: «يا أبا بكر, ما أنا بمستعذرك منها بعدها أبداً».


#93#

$[وفاتها رضي الله عنها]:$

ولدت عائشة رضي الله عنها سنة أربع من النبوة, ومات عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بنت ثمان عشرة سنة.

وتوفيت بالمدينة ليلة الثلاثاء بعد صلاة الوتر لسبع عشرة.

وقيل: لخمس عشرة مضت من شهر رمضان سنة ثمان وخمسين, قاله الواقدي وغيره.

[وقيل: سبع وخمسين, قاله هشام بن عروة, في خلافة معاوية رضي الله عنه].

وقيل: سنة سبع وخمسين, وعاشت ستاً وستين سنة, قاله الواقدي.

وقيل: ماتت وهي ابنة تسع وستين.

وصلى عليها أبو هريرة بعد الوتر في شهر رمضان, وكان إذ ذاك أمير المدينة من قبل مروان بن الحكم؛ لأن مروان اعتمر تلك السنة واستخلف أبا هريرة, ومروان حينئذ كان عاملاً لمعاوية, استعمله على الحجاز ليس ذلك في ولايته.

ودفنت بالبقيع ليلاً, فاجتمع الخلق, فلم ير ليلة أكثر ناساً منها؟ قاله الواقدي.

وعن أبي عتيق قال: رأيت ليلة توفيت عائشة حمل معها جريد في الخرق والزيت فيه نار في الليل, ورأيت النساء بالبقيع كأنه عيد.

وحدث محمد بن الحسن بن زبالة, عن عبد الله بن وهب, عن ابن


#94#

جريج, عن نافع وغيره من أهل العلم قالوا: والإمام يوم صلينا على عائشة رضي الله عنها أبو هريرة, وحضر ذلك عبد الله بن عمر رضي الله عنهم ودخل قبر عائشة عبد الله وعروة ابنا الزبير, والقاسم وعبد الله ابنا محمد بن أبي بكر, وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر.

حدث به عن ابن زبالة الزبير بن بكار في كتابه "ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم".

وقال أيضاً: حدثني محمد بن حسن, عن معن بن عيسى, عن فائد, عن منقذ الحفار قال: كان من المقبرة قبران مطابقان بالحجارة ليس فيها غيرهما: قبر عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم, وقبر الحسن بن علي رضي الله عنهما.

$[كنيتها رضي الله عنها]:$

ويروى أن عائشة رضي الله عنها أسقطت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سقطاً سماه عبد الله.

وقال أبو علي إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الصفار: حدثنا عبد الله بن أيوب المخرمي أبو محمد, حدثنا داود بن المحبر, حدثنا محمد بن عروة, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: أسقطت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سقطاً فسماه عبد الله, وكناني بأم


#95#

عبد الله, [وقال محمد:] فليس فينا امرأة اسمها عائشة إلا كنيت بأم عبد الله.

وقد خرج ابن سعد في "الطبقات" من حديث هشام بن عروة, عن عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت: يا نبي الله, ألا تكنيني؟ قال: «اكتني بابنك عبد الله بن الزبير» فكانت تكنى بأم عبد الله.

وخرجه الحاكم وصحح إسناده.

وخرجه أبو داود في "سننه", عن مسدد وسليمان بن حرب المعنى, قالا: حدثنا حماد, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله, كل صواحبي لهن كنى, قال: «فاكتني بابنك عبد الله» قال مسدد: عبد الله بن الزبير. قال: فكانت تكنى أم عبد الله.

قال أبو داود: وهكذا قال قران بن تمام ومعمر جميعاً, عن هشام نحوه, ورواه أبو أسامة عن عباد بن حمزة, وكذلك حماد بن سلمة ومسلمة بن قعنب, عن هشام كما قال أبو أسامة.


#96#

قلت: رواية هشام عن عباد حدث بها أبو بكر بن أبي خيثمة في "التاريخ" فقال: حدثنا موسى, حدثنا وهيب بن خالد, حدثنا هشام بن عروة, عن عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله, ألا تكنيني, قال: «اكتني بابنك, عبد الله بن الزبير» قال: فكانت تكتني بأم عبد الله.

وحدث به أيضاً عن أبيه, حدثنا يحيى بن سعيد الأموي, عن هشام بن عروة, عن عباد بن حمزة, عن عائشة ... فذكره.

ورواه أيضاً عن يحيى بن عبد الحميد, حدثنا حماد بن زيد، عن هشام، عن أبيه قال: قالت عائشة رضي الله عنها.. فذكره.

وحدث به ابن ماجه في "سننه" عن أبي بكر بن أبي شيبة, عن وكيع, عن هشام بن عروة, عن مولى الزبير, عن عائشة رضي الله عنها قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: لكل أزواجك كنية غيري, قال: «فأنت أم عبد الله».

وقال أبو سعيد الخليل بن أحمد السجزي في كتابه "الآداب": أخبرنا ابن صاعد, حدثنا محمد بن إسحاق, حدثنا داود بن رشيد, حدثنا عباد بن العوام, حدثنا عمر بن عامر عن أم كلثوم, عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كناها بأم عبد الله.

وقال أبو سعيد أحمد بن محمد بن الأعرابي في "معجمه": حدثنا


#97#

عبد الله بن أيوب, حدثنا داود بن المحبر, حدثنا محمد بن عروة, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: أسقطت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سقطاً فسماه عبد الله وكناني بأم عبد الله. قال محمد: فليس فينا امرأة اسمها عائشة إلا كنيت بأم عبد الله.

وهذا حديث منكر من قبل داود بن المحبر, فلا يلتفت إليه ولا يعول عليه؛ ولهذا لم نذكره عند أولاد النبي صلى الله عليه وسلم.


#98#

$ 3 - [أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها]:$

وحفصة بنت عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي القرشية العدوية شقيقة عبد الله رضي الله عنهم.

وأمها زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح, من المهاجرات, وهي أخت عثمان بن مظعون.

ولدت حفصة رضي الله عنها وقريش تبني البيت قبل البعثة بخمس سنين, وكانت عند أبي حذافة خنيس بن حذافة بن قيس السهمي البدري رضي الله عنه ولم يشهد بدراً سهمي غيره, مات عنها بعد رجوعه من بدر على رأس خمسة عشر شهراً من الهجرة.

وذكر أبو عمر بن عبد البر أن خنيساً شهد أحداً, ونالته جراحات, مات بالمدينة. قال: فعلى هذا يكون تزوجه صلى الله عليه وسلم بها بعد أحد؛ لأنهم أجمعوا على أنها تأيمت من خنيس, والقول الأول هو الصحيح.

ولما حلت عرضها أبوها عمر بن الخطاب على عثمان بن عفان رضي الله عنهما وكانت زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ماتت ودفنت يوم أتى البشير بفتح الله ونصره ببدر على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قدمناه قبل, وكان عثمان شكا إلى عمر رضي الله عنهما انقطاع الصهر بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال عمر: ألا أزوجك ابنتي؟ فلم يجبه, وشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: «بل يزوجك الله خيراً من ابنة عمر, ويزوج ابنة عمر خيراً منك», فزوجه أم كلثوم, وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة.


#99#

ذكره بنحوه أبو عبيدة معمر بن المثنى.

قال: وزعم بعضهم أن عثمان خطب إلى عمر فرده, فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم تلك المقالة.

وقال ابن سعد في كتاب "الطبقات الكبرى": حدثنا إسماعيل بن إبراهيم, عن يونس عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت بعض بناته عند عثمان فتوفيت, فلقيه عمر رضي الله عنهما فرآه حزيناً ورأى من جزعه, فقال له وعرض عليه حفصة, فأتى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: لقيت عثمان, فرأيت من جزعه فعرضت عليه حفصة, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلك على ختن خير من عثمان, وأدل عثمان على ختن هو خير له منك؟» قال: بلى يا رسول الله, فتزوج النبي صلى الله عليه وسلم حفصة رضي الله عنها وزوج ابنة له عثمان رضي الله عنه.

وخرج في "الطبقات" أيضاً من حديث علي بن زيد, عن سعيد بن


#100#

المسيب قال: تأيمت حفصة من زوجها, وتأيم عثمان من رقية, قال: فمر عمر بعثمان رضي الله عنهما وهو كئيب حزين, فقال: هل لك في حفصة فقد فرطت عدتها من فلان؟ فلم يحر إليه شيئاً, قال: فذهب عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فذكر ذلك له, قال: «خيراً من ذاك, زوجني حفصة وأزوجه أم كلثوم [أختها», قال: فتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة رضي الله عنها وزوج عثمان أم كلثوم رضي الله عنها] [وخرجه الحاكم. وكان تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بحفصة رضي الله عنها] في شعبان على رأس ثلاثين شهراً من الهجرة قبل أحد بشهرين, وقيل: تزوجها في السنة الثانية من الهجرة.

وقال أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة في "التاريخ": حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا حماد بن سلمة, أخبرنا أبو عمران الجوني, عن قيس بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ابنة عمر رضي الله عنهما فدخل عليها خالاها قدامة وعثمان ابنا مظعون, فبكت وقالت: والله ما طلقني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شبع, وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فتجلببت, فقال صلى الله عليه وسلم: «قال لي جبريل عليه السلام: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة, وإنها زوجتك في الجنة».


#101#

تابعه عفان وجماعة عن حماد وهو مرسل وإسناده جيد.

وخرجه ابن سعد في "الطبقات" وأبو نعيم في "الحلية" والحاكم في "مستدركه".

وروي عن أنس وقتادة وابن سيرين بنحوه.

ومن حديث أنس: رواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه" فقال: حدثنا مسلم بن إبراهيم, حدثنا الحسن بن أبي جعفر, حدثنا ثابت عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة تطليقة, فأتاه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد, طلقت حفصة وهي صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة؟!

وخرجه بنحوه الطبراني في "معجمه الأوسط" وهو في "المستدرك" للحاكم.

وجاء من حديث هشيم, عن حميد, عن أنس.

ورواه قتادة عن أنس.

وخرج أبو نعيم في "الحلية" من حديث أحمد بن عبد الرحمن بن


#102#

وهب, حدثنا عمي عبد الله بن وهب, حدثني عمر بن صالح, عن موسى بن علي بن رباح, عن أبيه, عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: لما طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر رضي الله عنهما فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فوضع التراب على رأسه, وجعل يقول: ما يعبأ الله بعمر بعد هذا؟ قال: فنزل جبريل عليه السلام من الغد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله عز وجل يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر رضي الله عنهما.

وخرجه الطبراني في "معجمه" فقال: حدثنا أحمد بن طاهر بن حرملة بن يحيى, حدثنا جدي حرملة, حدثنا ابن وهب, حدثني عمرو بن صالح [الحضرمي فذكره.

وحدث يونس بن بكير في "المغازي" عن سليمان الأعمش عن أبي صالح], عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: دخل عمر على أختي حفصة وهي تبكي, فقال لها: ما يبكيك؟ لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم طلقك, إنه قد كان طلقك مرة ثم راجعك من أجلي, فوالله لئن كان طلقك أخرى لا أكلمك كلمة أبداً.

وجاء عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها. رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه به.


#103#

خرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه في سننهم, والحاكم في "مستدركه", وصححه.

وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم هم بطلاقها ولم يفعل.

قال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أخبرنا محمد بن عمر, حدثني مخرمة بن بكير, عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هم بطلاق حفصة حتى ذكر بعض ذلك, فنزل جبريل عليه السلام فقال: إن حفصة صوامة قوامة وكانت امرأة صالحة.

وخرج أبو نعيم في "الحلية" من حديث المنذر بن الوليد الجارودي, حدثنا أبي, حدثنا الحسن بن أبي جعفر, عن عاصم, عن زر, عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلق حفصة فجاء جبريل عليه السلام, فقال: لا تطلقها فإنها صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة.

وجاء عن عبد الله بن عمر, عن نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه أوصى إلى حفصة رضي الله عنها.


#104#

*[وفاتها]:

توفيت حفصة رضي الله عنها في شعبان سنة خمس وأربعين بالمدينة في خلافة معاوية رضي الله عنه وهي ابنة ستين سنة.

وقيل: توفيت سنة إحدى وأربعين حين بايع الحسن [بن علي] معاوية رضي الله عنهم.

وقيل: ماتت في خلافة عثمان رضي الله عنه بالمدينة سنة سبع وعشرين.

وقيل: سنة ثمان وعشرين عام أفريقية في خلافة عثمان رضي الله عنه وقيل غير ذلك.

وروي عن الزهري, عن سالم, عن أبيه قال: توفيت حفصة رضي الله عنها فصلى عليها مروان بن الحكم وهو يومئذ عامل المدينة.

وروى المقبري عن أبيه قال: رأيت مروان بين أبي هريرة وبين أبي سعيد أمام جنازة حفصة رضي الله عنها قال: ورأيت مروان حمل بين عمودي سريرها من عند دار آل حزم إلى دار المغيرة بن شعبة, وحمله أبو هريرة من دار المغيرة إلى قبرها.

قال الواقدي: وحدثني عبيد الله بن نافع, عن أبيه قال: نزل في قبر حفصة رضي الله عنها عبد الله وعاصم ابنا عمر, وسالم وعبد الله وحمزة بنو عبد الله بن عمر رضي الله عنهم.


#105#

$4 - [أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها]:$

وأم حبيبة رملة, وقيل: هند – والأول هو المشهور, وصححه ابن عبد البر – بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشية الأموية.

وأمها صفية بنت أبي العاص بن أمية عمة عثمان بن عفان بن أبي العاص, وهي أم حنظلة بن أبي سفيان الذي قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم بدر كافراً.

وقيل في أمها غير ذلك, فقيل: آمنة بنت عبد العزى من بني عدي بن كعب, والمشهور الأول.

قال الدارقطني في "سننه": حدثنا عبد الله بن محمد بن زياد, حدثنا أحمد بن منصور, حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر, عن الزهري, عن عروة, عن أم حبيبة أنها كانت عند عبدان بن جحش, فهلك عنها وكانت ممن هاجر إلى أرض الحبشة فزوجها النجاشي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي عندهم بأرض الحبشة.

قال الرمادي: كذا قال عبد الرزاق وإنما هو عبيد الله بن جحش الذي مات على النصرانية. انتهى.

وهذا هو الذي لا يصح غيره: أن أم حبيبة كانت عند عبيد الله بن جحش بن رياب, وولدت له حبيبة فكنيت بها.


#106#

وذكر [في ترجمة أمها] موسى بن عقبة فيمن هاجر إلى أرض الحبشة: حبيبة بنت عبيد الله بن جحش, وذكر في ترجمة أمها أنها ولدت لزوجها حبيبة بأرض الحبشة.

وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا عبد الله بن جعفر, عن عثمان بن محمد الأخنسي أن أم حبيبة بنت أبي سفيان ولدت حبيبة ابنتها بمكة قبل أن تهاجر إلى أرض الحبشة.

قال عبد الله بن جعفر: وسمعت إسماعيل بن محمد بن سعد يقول: ولدتها بأرض الحبشة.

قال محمد بن عمر: فأخبرني أبو بكر إسماعيل بن محمد بن سعد عن أبيه قال: خرجت من مكة وهي حامل فولدتها بأرض الحبشة.

هاجر عبيد الله بأم حبيبة إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية, ثم ارتد عن الإسلام وتنصر, ومات بالحبشة نصرانياً, وثبتت أم حبيبة رضي الله عنها على دينها وهجرتها, فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ليخطب عليه أم حبيبة في المحرم على الأصح, وقيل: في شهر ربيع الأول سنة سبع من الهجرة, وزعم ابن حزم أنه لا خلاف فيه, وقيل: سنة ست, فزوجه إياها.

وكان الذي أنكحها وعقد عليها خالد بن سعيد بن العاص بن أمية, وصححه ابن الجوزي وغيره.


#107#

وقال البيهقي: قال محمد بن إسحاق بن يسار صاحب "المغازي": إن الذي ولي نكاحها ابن عمها خالد بن سعيد بن العاص وهو ابن ابن عم أبيها فإنها أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية, والعاص هو ابن أمية.

وقد قيل: إن عثمان بن عفان هو الذي ولي نكاحها, وروي ذلك عن عروة وعن الزهري, وعثمان هو ابن عفان بن أبي العاص بن أمية ابن ابن عم أبيها. انتهى.

وأصدقها عنه النجاشي صداقاً مختلفاً فيه, فقيل أربعة آلاف درهم.

خرج الدارقطني في "سننه" من حديث معلى بن منصور, حدثنا ابن المبارك, أخبرنا معمر, عن الزهري, عن عروة, عن أم حبيبة رضي الله عنها أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش فمات بأرض الحبشة, فزوجها النجاشي النبي صلى الله عليه وسلم وأمهرها عنه أربعة آلاف درهم وبعث بها إليه مع شرحبيل بن حسنة.

وحدث به أبو داود عن حجاج (بن أبي يعقوب الثقفي, حدثنا معلى بن منصور ... فذكره.

وقال أبو داود أيضاً: حدثنا محمد بن حاتم) بن بزيع, حدثنا علي بن الحسن بن شقيق, عن ابن المبارك, عن يونس, عن الزهري أن النجاشي رضي الله عنه زوج أم حبيبة بنت أبي سفيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم على


#108#

صداق أربعة آلاف درهم وكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقبل).

وذكر أبو عبيدة أن بعضهم زعم أنه ساق عنه أربعين أوقية, وهذا من قول الزهري, فإنه قال: فتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان, وكانت قبله تحت عبيد الله جحش الأسدي, وذكر قصة كفره, ثم قال: وأتم الله لها الإسلام والهجرة حتى قدمت المدينة فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها إياه عثمان بن عفان رضي الله عنه.

[قال الزهري: وقد زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى النجاشي فزوجها إياه وساق عنه] أربعين أوقية.

خرجه الحاكم في "مستدركه" بطوله.

وقيل: أصدقها عنه أربعمائة دينار.

خرج ابن سعد من حديث جعفر بن محمد بن علي, عن أبيه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي يخطب عليه أم حبيبة بنت أبي سفيان, وكانت تحت عبيد الله بن جحش, وزوجها إياه وأصدقها أربعمائة دينار, فقال أبو جعفر محمد بن علي أحد رواته: فما نرى عبد الملك بن مروان وقت صداق النساء أربعمائة دينار إلا لذلك.


#109#

وخرج الطبراني من حديث مروان بن محمد الطاطري, حدثنا سفيان بن عيينة, عن سعيد بن بشير, عن قتادة, عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النجاشي رضي الله عنه زوج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة وأصدق عنه من ماله مائتي دينار.

تفرد به مروان.

قال عبد الواحد بن أبي عون: لما بلغ أبا سفيان بن حرب نكاح النبي صلى الله عليه وسلم ابنته قال: ذات الفحل لا يقدع أنفه.

وذكر نحوه مصعب بن عبد الله الزبيري قال: فقيل لأبي سفيان يومئذ وهو مشرك محارب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن محمدا صلى الله عليه وسلم قد نكح ابنتك, قال: ذاك الفحل لا يقدع أنفه.

حدث به ابن أبي خيثمة عن مصعب.

وقال ابن سعد في كتاب "الطبقات الكبير": أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا عبد الله بن عمرو بن زهير, عن إسماعيل بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: قالت أم حبيبة رضي الله عنها: رأيت في النوم كأن عبيد الله بن جحش – زوجي – بأسوأ صورة وأشوهه, ففزعت فقلت: تغيرت والله


#110#

حاله, فإذا هو يقول حين أصبح: يا أم حبيبة إني نظرت في الدين فلم أر ديناً خيراً من [دين] النصرانية, وكنت قد دنت بها, ثم دخلت في دين محمد صلى الله عليه وسلم, ثم قد رجعت إلى النصرانية, فقلت: والله ما خير لك, وأخبرته بالرؤيا التي رأيت, فلم يحفل بها, وأكب على الخمر حتى مات, فأرى في النوم كأن آتياً يقول: يا أم المؤمنين, ففزعت فأولتها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوجني, فما هو إلا أن انقضت عدتي فما شعرت إلا برسول النجاشي على بابي يستأذن, فإذا جارية له يقال لها أبرهة كانت تقوم على ثيابه ودهنه, فدخلت علي, فقالت: إن الملك يقول لك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلي أن أزوجكه, فقلت: بشرك الله بخير, قالت: يقول لك الملك, وكلي من يزوجك, فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص فوكلته وأعطت أبرهة سوارين من فضة وخدمتين, كانتا في رجليها, وخواتيم من فضة كانت في أصابع رجليها, سروراً بما بشرتها, فلما كان العشي أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ومن هناك من المسلمين, فحضروا فخطب النجاشي رضي الله عنه فقال: الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار, أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأنه الذي بشر به عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم: أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلي أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد أصدقتها أربعمائة دينار. ثم سكب الدنانير بين يدي القوم, فتكلم خالد بن سعيد فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه وأستنصره, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين


#111#

الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون, أما بعد, فقد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم, وزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان, فبارك [لرسول] الله صلى الله عليه وسلم ودفع الدنانير إلى خالد بن سعيد بن العاص, فقبضها ثم أرادوا أن يقوموا فقال: اجلسوا فإن سنة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج, فدعا بطعام فأكلوا, ثم تفرقوا, قالت أم حبيبة: فلما وصل إلي المال أرسلت إلى أبرهة التي بشرتني فقلت لها: إني كنت أعطيتك ما أعطيتك يومئذ ولا مال بيدي فهذه خمسون مثقالاً فخذيها فاستعيني بها, فأبت فأخرجت حقاً فيه كل ما كنت أعطيتها وقالت: عزم علي الملك أن لا أرزأك شيئاً, وأنا التي أقوم على ثيابه ودهنه وقد اتبعت دين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلمت لله, وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بكل ما عندهن من العطر, قالت: فلما كان من الغد جاءتني بعود وورس وعنبر وزباد كثير, فقدمت بذلك كله على النبي صلى الله عليه وسلم وكان يراه علي وعندي فلا ينكره. ثم قالت أبرهة: فحاجتي إليك أن تقرئي رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام, وتعلميه أني قد اتبعت دينه قالت: ثم لطفت بي, وكانت التي جهزتني, وكانت كلما دخلت علي تقول: لا تنسي حاجتي إليك, قالت: فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته كيف كانت الخطبة وما فعلت بي أبرهة, فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأقرأته منها السلام, فقال: «وعليها السلام ورحمة الله وبركاته».

وحدث به الزبير بن بكار, عن محمد بن حسن – هو ابن زبالة – عن عبد الله بن عمرو بن زهير بنحوه.


#112#

وقد قال النضر بن محمد بن يونس الجرشي اليمامي: حدثنا عكرمة بن عمار, حدثنا أبو زميل, حدثني ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الناس لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه, فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ثلاث أعطينهن قال: «نعم» قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها قال: «نعم» قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك قال: «نعم» قال: وتأمرني أن أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين. قال: «نعم».

خرجه الطبراني في "معجمه الكبير" من رواية العباس بن عبد العظيم العنبري, عن النضر هكذا.

وخرجه أيضاً في "المعجم" فقال: حدثنا علي بن سعيد الرازي, حدثنا عمرو بن خليف بن إسحاق بن مرسال الخثعمي, حدثني إسماعيل بن مرسال, عن أبي زميل الحنفي, حدثني ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يفاتحونه, فقال: يا رسول الله ثلاث أعطينهن ... وذكر الحديث, وهو في صحيحي مسلم وابن حبان من حديث النضر عن عكرمة بن عمار بنحوه.

حدث به مسلم, عن عباس بن عبد العظيم المذكور قبل, وأحمد بن جعفر المعقري, عن النضر.

تابعهما أحمد بن ثابت الرازي, عن النضر.


#113#

وهو حديث مشهور بالإشكال, معدود وهماً, وقع في صحيح مسلم, لا بل عد منكراً.

وتجاوز أبو محمد بن حزم كعادته في إطلاق لسانه فقال: وهذا حديث موضوع لا شك في وضعه, والآفة فيه من عكرمة بن عمار, يعني الراوي عن أبي زميل.

وعده ابن الجوزي وهماً من بعض الرواة من غير شك في ذلك.

ووجه الإشكال في الحديث قول أبي سفيان للنبي صلى الله عليه وسلم: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها. قال: «نعم» مع أنه لا خلاف أن أبا سفيان وابنه معاوية من مسلمة فتح مكة سنة ثمان من الهجرة, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج أم حبيبة رضي الله عنها قبل ذلك بزمان في سنة ست من الهجرة، فيما قاله معمر بن المثنى أبو عبيدة وخليفة بن خياط والجمهور.

وقيل: تزوجها في سنة سبع, قاله جماعة.


#114#

وادعى ابن حزم عدم الخلاف فيه.

والجمهور على أن زواجها بالنبي صلى الله عليه وسلم كان وهي بالحبشة كما تقدم, وهو الصحيح.


#115#

قال ابن عبد البر: وقد ذكر الزبير - يعني ابن بكار- في ذلك أخباراً كثيرة كلها تشهد بتزويج النجاشي رضي الله عنه إياها بأرض الحبشة.

وقد قال ابن سعد في "طبقاته الكبرى": أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا محمد بن عبد الله, عن الزهري قال: لما قدم أبو سفيان بن حرب المدينة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد غزو مكة, فكلمه أن يزيد في هدنة الحديبية فلم يقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقام فدخل على ابنته أم حبيبة فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته دونه, فقال: يا بنية أرغبتي بهذا الفراش عني أم بي عنه؟ فقالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأنت نجس مشرك, فقال: يا بنية لقد أصابك بعدي شر.

وقد أجيب عن هذا الإشكال بأجوبة فيها اختلال, رأيت ذكر الغالب منها مع تبيينه بما نقض به وتوهينه؛ ليعلم أن الإشكال مقيم ولربما يتضح معناه لأحد, وفوق كل ذي علم عليم.

فالأول من الأجوبة: أنه يحتمل أن أبا سفيان طلب من النبي صلى الله عليه وسلم تجديد عقد ابنته أم حبيبة بقوله: أزوجكها. تطييباً لقلب أبي سفيان؛ لأنه كان ربما يرى عليه غضاضة من رياسته ونسبه أن تزوج بنته بغير رضاه, أو أنه ظن أن إسلام الأب في مثل هذا يقتضي تجديد العقد, وقد خفي أوضح من هذا على أكبر مرتبة من أبي سفيان ممن كثر علمه وطالت صحبته.


#116#

ونقض هذا: بأن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم وعده بقوله نعم, ولم ينقل أحد أنه جدد عقد أم حبيبة, ولو كان لنقل فكيف يعد ولم يف.

والثاني: أن معنى قوله: أزوجكها. يحتمل أن يكون أرضى بزواجك بها, فإنه كان أولاً على رغم مني وإن كان نكاحك إياها صحيحاً, فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بـ «نعم» تأنيساً له وتطييباً لقلبه, ثم يكون أخبره بعد بصحة العقد, وأنه لا يشترط رضاك, ولا ولاية لكافر على مسلمة.

ونقض بأن لفظ الحديث لا يفهم منه هذا الاحتمال وهو بعيد عنه, فإن قول أبي سفيان: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها. لا يكون معناه أن زوجتك التي هي في عصمتك أرضى زواجك بها, ولا يطابق هذا الاحتمال أن يقال في جوابه نعم, فإن أبا سفيان سأل من النبي صلى الله عليه وسلم أمراً تكون الإجابة إليه من جهة النبي صلى الله عليه وسلم, وأما رضى أبي سفيان بزواج ابنته من النبي صلى الله عليه وسلم فأمر قائم بقلبه لا يحتاج إلى طلب, فكيف يطلبه من النبي صلى الله عليه وسلم.

والثالث: يحتمل أن أبا سفيان سأل ذلك قبل إسلامه بمدة تقدمت على تاريخ نكاح النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة وسؤاله ذلك كالمشترط, ويكون تقديره: ثلاث إن أسلمت تعطينهن: أم حبيبة أزوجك بها, ومعاوية يسلم ويكون كاتباً بين يديك, وتؤمرني إن أسلمت حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين.

ونقض من وجوه منها: قوله في الحديث: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان, ولا يقاعدونه. فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا نبي الله ثلاث أعطينهن, فكيف يصح الاحتمال المذكور مع هذا السياق؟! أم كيف يقول وهو


#117#

كافر: حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين؟! أم كيف ينكر جفوة المسلمين وأنهم لا يقاعدونه وهو جاهد في قتالهم وحربهم وإطفاء نور الله؟! مع أن قصة إسلام أبي سفيان لا يعرف فيها اشتراط لهذا ولا لغيره سوى ما سئل له: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن», ونحوه.

والرابع: يحتمل أن تكون مسألة أبي سفيان النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجه أم حبيبة وقعت في بعض خراجات أبي سفيان إلى المدينة وهو كافر حتى سمع نعي زوجها من أرض الحبشة, والمسألتان الباقيتان وقعتا بعد إسلامه, فجمع الراوي الثلاث جميعاً.

ونقض بأن أبا سفيان إنما قدم آمناً بعد الهجرة في زمن الهدنة كما تقدم عن الزهري, وقاله ابن إسحاق وغيرهما, وأم حبيبة حينئذ زوج النبي صلى الله عليه وسلم, ولو ورد هذا الاحتمال منقولاً لعد غلطاً؛ لأنه لا يمكن تزويج أبي سفيان في حال كفره أم حبيبة وهي مسلمة, إذ لا ولاية له عليها حينئذ, مع أن ظاهر الحديث يدل على أن المسائل الثلاث وقعت منه جميعاً في وقت واحد في حال إسلامه.

والخامس: يحتمل أن أبا سفيان طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجه ابنته الأخرى أختاً لأم حبيبة واسمها درة وقيل: عزة, وخفي على أبي سفيان تحريم الجمع بين الأختين لحداثة عهده بالإسلام مع أنه قد خفي على ابنته أم حبيبة أم المؤمنين فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم: انكح أختي ابنة أبي سفيان. فاشتبه على الراوي ابنة أبي سفيان بأختها أم حبيبة فسماها بها غلطاً منه, والله أعلم.

وتقض هذا الاحتمال بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في جوابه: «نعم» فلو صح الاحتمال لأخبره بعدم الجواز, كما قال لأم حبيبة حين سألته نكاح أختها: «إن ذلك لا يحل لي».


#118#

والسادس: يحتمل أن زواج أم حبيبة بالنبي صلى الله عليه وسلم كان بعد سؤال أبيها كما في الحديث؛ لأن أهل النقل لم يتفقوا على أن زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم كان وهي بأرض الحبشة, كما قاله الجمهور, بل قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها بالمدينة بعد قدومها من الحبشة.

وينقض بأن هذا القول أنه تزوجها بالمدينة بعد قدومها من الحبشة يحتاج إلى نقل ويعز ذلك؛ لأنه ليس له راو يستند إليه, ولا سند يعتمد عليه, ولو كان لعد غلطاً لاستفاضة تزويجها بأرض الحبشة من النبي صلى الله عليه وسلم, نعم, قال أبو عمر بن عبد البر في "الاستيعاب" لما ذكر القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة بالمدينة قال: وهذا قول يروى عن قتادة, وكذلك روى الليث عن عقيل, عن ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة بالمدينة. انتهى.

وهذا مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها بالمدينة لا بمكة كسودة وعائشة وميمونة, ولا بخيبر كصفية, بل تزوجها بالمدينة وصارت له زوجة وهي بأرض الحبشة وهو صلى الله عليه وسلم بالمدينة.

وما علقه أبو عمر عن قتادة والزهري, أخذه – والله أعلم – من «تاريخ أبي بكر بن أبي خيثمة» فإن ابن أبي خيثمة قال في "تاريخه": حدثنا يحيى بن يوسف, حدثنا عبيد الله بن عمرو, عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال: ثم نكح.

وحدثنا الوليد بن شجاع, حدثنا شعيب بن الليث, عن الليث, عن عقيل, عن ابن شهاب أنه قال: فتزوج بالمدينة من بني أمية.


#119#

وحدثنا أحمد بن المقدام, حدثنا زهير بن العلاء, حدثنا سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة قال: ثم تزوج بالمدينة.

وحدثنا الوليد بن شجاع, حدثني ابن وهب, أخبرني يونس, عن ابن شهاب قال: ثم تزوج صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب, وكانت قبله تحت عبيد الله بن جحش الأسدي أسد خزيمة, وقال [قتادة: أحد بني أسد بن خزيمة, وقال عقيل في حديثه]: أخو بني أسد, وزاد عقيل وقتادة في حديثهما: فمات عنها بأرض الحبشة, وكان خرج بها من مكة مهاجراً في المهاجرين, قال عقيل: ثم افتتن وتنصر, فمات وهو نصراني, وأثبت الله لأم حبيبة الإسلام والهجرة, وقال قتادة: ثم تنصر ومات نصرانياً, وأبت أم حبيبة بنت أبي سفيان أن تتنصر فأتم الله لها الإسلام والهجرة, حتى قدمت المدينة فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فزوجها إياه عثمان بن عفان رضي الله عنه.

قال: وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى النجاشي فزوجها إياه, وساق عنه أربعين أوقية.

ومن هنا حصلت الشبهة لمن قال: تزوجها بعد قدومها إلى المدينة وليس في الحديث ما يعطي ذلك إلا قوله: حتى قدمت المدينة فخطبها. ومعنى هذا أن الله تعالى أتم لأم حبيبة الإسلام والهجرة لم يصبها شيء من أمور الكفر في دار الكفار حتى انقضت هجرتها وقدمت المدينة دار الإسلام, فأتم الله لها هجرتها وإسلامها.


#120#

وقوله: فخطبها. إنما هو متعلق بما قبل ذلك من قصة زوج أم حبيبة وهو ثم تنصر ومات نصرانياً, فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها إياه عثمان بن عفان رضي الله عنه وذلك الكلام جملة معترضة بين قوله: ومات نصرانياً. وبين قوله: فخطبها. والله أعلم.

ويعضده أن قتادة لما ذكر أن عثمان رضي الله عنه زوجها ذكر الخلاف في ذلك وهو أن النجاشي زوجها فلو كان عند قتادة أن تزويج أم حبيبة كان بعد قدومها إلى المدينة لما احتاج إلى ذكر النجاشي في ذلك, ويغني عن هذا كله ما أفصح به سفيان بن عيينة, عن سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة بتزويجها من النبي صلى الله عليه وسلم بأرض الحبشة, وذلك فيما حدث به الزبير بن بكار, عن محمد بن حسن, عن سفيان بن عيينة, عن سعيد, عن قتادة قال: إن النجاشي رضي الله عنه زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان بأرض الحبشة, وأصدق عنه مائتي دينار, والله أعلم.

والسابع: أن الحديث صحيح كما جزم به مسلم, وإسناده ثقات, والحديث الآخر في نكاحها وهي بأرض الحبشة جاء من رواية ابن إسحاق مرسلاً, والناس مختلفون في الاحتجاج بمسند ابن إسحاق فكيف بمرسله, ومع ذلك فقد خالف المسانيد الثابتة؟!.

ونقض بأن هذا إذا تساوى النقلان يرجح الحديث بما ذكر, وأما مع بطلان أحدهما فلا, ولا يعلم نزاع بين اثنين من أهل العلم بالسير والمغازي أن نكاح أم حبيبة رضي الله عنها لم يتأخر إلى بعد الفتح ولم ينقل قط خلاف في هذا.


#121#

ولذلك ذكر ابن الجوزي أن أهل التاريخ أجمعوا على قصة تزويجها بأرض الحبشة من النبي صلى الله عليه وسلم.

وأيضاً فالعمدة في ذلك ليست على رواية ابن إسحاق وحده, بل على ما نقل متواتراً أيضاً ونقله الأئمة حتى جعلوا القصة أصلاً يعتمد عليه في أن الكافر هل يكون ولياً لمسلمة أو لا؟ فقال الشافعي فيما رواه الربيع عنه: ولا يكون الكافر ولياً لمسلمة وإن كانت بنته, قد زوج ابن سعيد بن العاص النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان وأبو سفيان حي؛ لأنها كانت مسلمة وابن سعيد مسلم, ولا أعلم مسلماً أقرب بها منه, ولم يكن لأبي سفيان فيها ولاية؛ لأن الله تعالى قطع الولاية بين المسلمين والمشركين في المواريث والعقل وغير ذلك.

وابن سعيد الذي ذكره الشافعي هو خالد بن سعيد بن العاص بن أمية, فهذا يبين غلط من قال: إن زواج أم حبيبة بالنبي صلى الله عليه وسلم كان بالمدينة بعد إسلام أبيها, (والله أعلم.

والثامن: أن عكرمة بن عمار راوي الحديث ضعف, وقال أحمد بن حنبل: أحاديثه ضعاف), قال أبو حاتم: صدوق, وربما وهم, وربما دلس, فإذا كان حاله ما ذكر فلعله دلس هذا الحديث تدليس التسوية, فإن مسلماً رواه بالعنعنة, فقال: عن عكرمة بن عمار, عن أبي زميل, عن ابن عباس به.

وينقض هذا من وجوه:

منها: أن قول الإمام أحمد في عكرمة بن عمار جاء مطلقاً بقوله:


#122#

ضعيف الحديث, ومقيداً يحمل هذا عليه بقوله: أحاديثه عن يحيى ضعاف, ويحيى هو ابن أبي كثير, وكذلك ذكره يحيى بن معين فقال: أحاديثه عن يحيى بن [أبي] كثير ضعيفة, وقال البخاري: لم يكن له كتاب, فاضطرب حديثه عن يحيى, فهؤلاء الأئمة إنما ضعفوا رواية عكرمة عن يحيى, والحديث ليس من روايته عن يحيى، ويفهم من قولهم أن روايته عن غير يحيى قوية, ويدل على ما قاله الحافظ يعقوب بن شيبة: حدثنا غير واحد سمعوا يحيى بن معين يقول عن عكرمة: ثقة ثبت, وقال علي بن المديني: عكرمة بن عمار كان عند أصحابنا ثقة ثبتاً.

ومنها ما قيل: فلعله دلس هذا الحديث تدليس التسوية. أي: كان في سنده ضعف, فسوى عكرمة بين رجاله في الصحة بإسقاطه الضعيف من بينهم, وحاشا أن يظن في هذا العبد الصالح الذي كان فيما قاله عاصم بن علي: (مستجاب الدعوة) أن يدلس هذا التدليس الفاحش.

ومنها ما قيل: فإن مسلماً رواه بالعنعنة. وليس كذلك, فإن في روايتنا أن مسلماً قال: حدثنا [عباس بن عبد العظيم العنبري وأحمد بن جعفر المعقري, قالا: حدثنا النضر – وهو ابن محمد اليمامي – حدثنا] عكرمة, حدثنا أبو زميل, حدثني ابن عباس قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال لنبي الله صلى الله عليه وسلم: يا نبي الله،


#123#

ثلاثاً أعطينهن, قال: «نعم» قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها, قال: «نعم» قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك, قال: «نعم» قال: وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين, قال: «نعم».

قال أبو زميل: ولولا أنه طلب ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ما أعطاه ذلك؛ لأنه لم يكن يسأل شيئاً إلا قال: «نعم».

وعلي تقدير مجيئه من طريق مسلم معنعناً, فقد خرجه الطبراني في "المعجم الكبير" فقال: حدثنا محمد بن محمد الجدوعي, حدثنا العباس بن عبد العظيم, حدثنا النضر بن محمد, حدثنا عكرمة بن عمار, حدثنا أبو زميل, حدثنا ابن عباس ... فذكره كما قدمناه.

وكل هذه الأجوبة فاسدة كما تقدم وأقرب من ذلك كله إلى التوجيه وأحسنه عندي في الاحتمال أنه يحتمل: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما آلى من نسائه واعتزلهن في تلك المشربة, وكان ذلك في سنة تسع بعد إسلام أبي سفيان [ظن أبو سفيان أن ذلك طلاق كما توهمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فطلب أبو سفيان] رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم رجعتها إليه بقوله: أزوجكها. أي: أرجعها إليك, فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بـ «نعم» على تقدير امتداد الإيلاء أو وقوع طلاق؛ لأن في الغالب ما يعتزل الإنسان عن زوجته غضباً


#124#

إلا وفي نفسه من فراقها [شيء], لكنه لم يقع طلاق من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما وقع التخيير لأزواجه كما هو معروف, فبدأ بعائشة رضي الله عنها والله أعلم.

وقال ابن سعد في "طبقاته الكبرى": أخبرنا محمد بن عمر, حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة, عن عبد المجيد بن سهيل, عن عوف بن الحارث: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: دعتني أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عند موتها فقالت: قد كان يكون بيننا ما بين الضرائر, فغفر الله لي ولك ما كان من ذلك, فقلت: يغفر الله لك ذلك كله وتجاوز, وحللك من ذلك, فقالت: سررتيني سرك الله, وأرسلت إلى أم سلمة رضي الله عنها فقالت لها مثل ذلك.

*[وفاتها]:

توفيت أم حبيبة رضي الله عنها سنة أربع وأربعين, قاله الواقدي والفسوي وأبو عبيد القاسم بن سلام وغيرهم, وذلك في أيام أخيها معاوية رضي الله عنهما.

وقال المفضل الغلابي: توفيت سنة اثنتين وأربعين.

وقيل: توفيت قبل معاوية بسنة, وهو وهم فيما ذكره الذهبي.

وتوفيت بالمدينة على الصحيح.

وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن حسن يعني ابن زبالة, عن حسن بن علي قال: هدمت منزلي من دار علي بن أبي طالب رضي الله عنه فحفرنا من ناحية منه فأخرجنا حجراً فإذا فيه مكتوب: هذا قبر رملة بنت صخر. فأعدناه في مكانه.

وقيل: توفيت بدمشق في قدومها دمشق لزيارة أخيها, والله أعلم.


#125#

$5 - [أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها]:$

وأما سلمة واسمها هند, وقيل: رملة, سماها مصعب بن عبد الله الزبيري.

قال أبو بكر بن أبي خيثمة: وهذا خطأ, اسمها هند, ثم روى تسميتها بهند عن الزهري.

وهي بنت أبي أمية حذيفة. وقيل: سهيل.

ويقال له: زاد الراكب بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة.

وهي بنت عاتكة عمة النبي صلى الله عليه وسلم في قول ضعيف.

وذكر ابن سعد في "طبقاته الكبرى" وابن أبي خيثمة في "تاريخه" واللفظ لابن سعد أن أمها عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن جذيمة بن علقمة جذل العطان بن فراس بن غنم بن مالك بن كنانة.

وسيأتي إن شاء الله تعالى من طريق خرجها ابن سعد وغيره أن عمار بن ياسر كان أخاها لأمها, والله أعلم, اللهم إلا أن يكون قوله: لأمها. أي التي أرضعتها, وقد وردت رواية مصرحة بذلك من طريق صححها الحاكم في "مستدركه" سيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.

كانت أم سلمة رضي الله عنها أول ظعينة دخلت المدينة مهاجرة, فيما رواه الحميدي عن سفيان من قوله, وذكره مصعب بن عبد الله الزبيري وغير واحد.


#126#

وقيل: بل أول مهاجرية قدمت المدينة ليلى ابنة أبي حثمة زوجة عامر بن ربيعة.

وكانت أم سلمة عند أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عمر بن مخزوم بن برة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم, هاجر بأم سلمة إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعاً وولدت له هناك برة التي غير النبي صلى الله عليه وسلم اسمها فسماها زينب, وولدت له بعد ذلك سلمة وعمر ودرة.

وكان استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة حين خرج إلى غزوة العشيرة, ثم شهد معه بدراً وأحداً, ورمي يوم أحد بسهم في عضده, رماه أبو أسامة الجشمي, فمكث شهراً يداوي جرحه, ثم برئ الجرح, وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هلال المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهراً من مهاجره, وعقد له لواء, وبعث معه مائة وخمسين رجلاً من المهاجرين والأنصار إلى قطن, وهو جبل بناحية فيدنة ماء لبني أسد بن خزيمة, وذلك حين بلغه أن طلحة وسلمة بن خويلد قد سارا في قومهما ومن أطاعهما يدعوان بني جذيمة إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فسار أبو سلمة بمن معه فأصابوا إبلاً وشاء, ولم يلقوا كيداً, ثم رجع بمن معه إلى المدينة, وكانت غيبته تسعاً وعشرين ليلة, فانتقض جرحه فمات لثمان, وقيل: لثلاث خلت من جمادى الآخرة سنة أربع من الهجرة, فاعتدت أم سلمة وحلت لعشر بقين من شوال, وقيل غير ذلك سنة أربع, فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم لليال بقين من شوال, وبنى بها فيه وأصدقها فيما ذكر على خلاف في ذلك


#127#

فراشاً من ليف وقدحاً وصحفة.

وروى أبو داود الطيالسي عن الحكم بن عطية, عن ثابت البناني, عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم سلمة على متاع قيمته عشرة دراهم.

وقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل بها قال أهل المدينة: دخلت أيم العرب على سيد الإسلام والمسلمين أول العشاء عروساً, وقامت من آخر الليل تطحن, وهي أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها.

وخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" فقال: أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا كثير بن زيد, عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: دخلت أيم العرب على سيد المسلمين أول العشاء عروساً, وقامت من آخر الليل تطحن, يعني أم سلمة رضي الله عنها.

وقال الحارث بن أبي أسامة: حدثني محمد بن سهيل, عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قبل وقعة بدر في سنة اثنتين من التاريخ أم سلمة واسمها هند .... وذكر بقيته, وهذا وهم, والله أعلم.

وذكر ابن عبد البر نحوه, إلا أنه قال: سنة اثنتين من الهجرة بعد وقعة بدر, وكلاهما لا يصح, إلا أن يراد بذلك سنة اثنتين من بعد وقعة بدر, فيكون سنة أربع من التاريخ, والله أعلم.


#128#

قال أبو عبد الله محمد بن سعد في كتاب "الطبقات الكبير": أخبرنا أحمد بن إسحاق الحضرمي, حدثنا عبد الواحد بن زياد, حدثنا عاصم الأحول, عن زياد بن أبي مريم قال: قالت أم سلمة لأبي سلمة: بلغني أنه ليس امرأة يموت زوجها وهو من أهل الجنة وهي من أهل الجنة ولم تتزوج بعده إلا جمع الله بينهما في الجنة, وكذلك إذا ماتت امرأة وبقي الرجل بعدها, فتعال أعاهدك ألا تزوج بعدي ولا أتزوج بعدك, قال: أتطيعيني؟ قالت: ما استأمرتك إلا وأنا أريد أن أطيعك, قال: فإذا مت فتزوجي, ثم قال: اللهم ارزق أم سلمة بعدي رجلاً خيراً مني لا يخزيها ولا يؤذيها, قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: من هذا الذي هو خير من أبي سلمة, فلبثت ما لبثت, ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام على الباب, فذكر الخطبة إلى ابن أخيها وإلى ابنها وإلى وليها, فقالت أم سلمة: أرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أتقدم بعيالي؟ قالت: ثم جاء الغد فذكر الخطبة فقلت مثل ذلك, ثم قالت لوليها إن عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوج, فعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتزوجها.

وقال عبد الله بن الإمام أحمد في زياداته في كتاب "الزهد" لأبيه: حدثني عبد الرحمن بن صالح الأزدي, حدثني عجلان بن عبد الله من بني عدي, عن مالك بن دينار, عن أنس رضي الله عنه قال: لما ثقل أبو سلمة رضي الله عنه قالت أم سلمة: إلى من تكلني؟ قال: إلى الله, اللهم أبدل أم سلمة بخير من أبي سلمة, فلما انقضت عدتها خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني كبيرة [السن كثيرة] العيال غيور قال: «أنا أكبر منك سناً


#129#

والعيال على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم, وأما الغيرة فإني سأدعو الله عز وجل أن يذهب بها عنك» فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأرسل إليها برحى وجرة من ماء.

وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: وذكر عن حماد بن سلمة, عن ثابت البناني, عن ابن عمر بن [أبي] سلمة, عن أبيه, عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أصابت أحدكم مصيبة فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون, اللهم عندك احتبست مصيبتي فأجرني فيها وأبدلني منها خيراً» فلما احتضر أبو سلمة بن عبد الأسد قال: اللهم اخلفني في أهلي بخير مني, فلما قبض قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم عندك أحتسب مصيبتي فأجرني فيها, وكنت إذا أردت أن أقول وأبدلني بها خيراً منها قلت: ومن خير من أبي سلمة؟ قالت: فلم أزل حتى قلتها, فلما انقضت عدتها خطبها أبو بكر رضي الله عنه فردته, وخطبها عمر فردته, ثم بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقالت: رحباً برسول الله صلى الله عليه وسلم) وبرسوله, أقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام وأخبره أني امرأة غيرى, وإني مصبية, وإنه ليس أحد من أوليائي شاهداً فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما قولك إنك غيرى, فإني سأدعو الله فيذهب غيرتك, وأما قولك: إنك


#130#

مصيبة, فإن الله سيكفيك صبيانك, وأما أولياؤك فإنه ليس أحد منهم شاهد ولا غائب إلا سيرضاني» فقالت: قم يا عمر فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إني لا أنقصك ما أعطيت أختك فلانة شيئاً جرتين ورحائين ووسادة من أدم حشوها ليف».

وخرجه ابن سعد في "طبقاته الكبرى" فقال: حدثنا عفان بن مسلم, حدثنا حماد بن سلمة .... فذكره بنحوه, وفي آخره قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيها, فإذا جاء أخذت زينب فوضعتها في حجرها لترضعها, وكان رسول الله حيياً كريماً يستحيي فيرجع, فعل ذلك مراراً, ففطن عمار بن ياسر رضي الله عنهما لما تصنع, فأقبل ذات يوم وجاء عمار وكان أخاها لأمها فدخل عليها فانتشطها من حجرها وقال: دعي هذه المقبوحة المشقوحة التي أذيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فدخل فجعل يقلب بصره في البيت يقول: «أين زناب, ما فعلت زناب؟» قالت: جاء عمار فذهب بها قالت: فبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهله, فقال: «إن شئت أسبع لك سبعت وسبعت للنساء».

ورواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه" فقال: حدثنا أبو سلمة [حدثنا حماد بن سلمة] ... فذكره بطوله, إلا أن في روايته: ففطن لها عمار بن ياسر, وكان أخاها من الرضاعة, وبهذا اللفظ خرجه الحاكم


#131#

في "مستدركه" من طريق موسى بن إسماعيل, عن حماد, ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد, فإن ابن عمر بن أبي سلمة الذي أسماه حماد بن سلمة في هذا الحديث سماه غيره سعيد بن عمر بن أبي سلمة ولم يخرجاه.

وحدث به النسائي فقال: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن علية, حدثنا يزيد, عن حماد بن سلمة, عن ثابت البناني قال: أخبرني ابن عمر بن أبي سلمة, عن أبيه, عن أم سلمة لما انقضت عدتها بعث إليها أبو بكر رضي الله عنه فخطبها فلم تزوجه, (ثم بعث إليها عمر رضي الله عنه فخطبها فلم تزوجه), فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطبها عليه فقالت: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني امرأة غيرى, وأني امرأة مصبية, وليس أحد من أوليائي شاهداً. وذكر الحديث بنحوه مختصرا وفيه فقالت لابنها: قم يا عمر فزوج رسول الله صلى الله عليه [فزوجه].

وخرجه الإمام أحمد في "مسنده" من طريق ثابت البناني, حدثني ابن عمر بن أبي سلمة, عن أم سلمة بنحوه مختصراً, فلم يذكر أباه, وفيه فقالت لابنها عمر: قم فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم, فزوجه.

وهذه اللفظة ذكرها ابن أبي خيثمة والحاكم في روايتهما.


#132#

وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أخبرنا محمد بن عمر, حدثني مجمع بن يعقوب, عن أبي بكر بن محمد بن عمر بن أبي سلمة, عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب أم سلمة إلى ابنها عمر بن أبي سلمة فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ غلام صغير.

وحدث يونس بن بكير, عن ابن إسحاق, حدثني عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم وعبد الرحمن بن الحارث ومن لا أتهم, عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: كان الذي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة ابنها سلمة, فزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنة حمزة وهما صبيان صغيران, فلم يجتمعا حتى ماتا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل جزيت سلمة بتزويجه إياي أمه».

وذكر ابن سعد أيضاً في "الطبقات" في ترجمة سلمة بن أبي سلمة أنه ولي تزويج أم سلمة من النبي صلى الله عليه وسلم [ابنها سلمة بن أبي سلمة دون غيره من أهل بيتها.

وذكر أيضاً أن سن عمر بن أبي سلمة] لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين, وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال سنة أربع فيكون له من العمر حينئذ ثلاث سنين, ومثل هذا لا يزوج.


#133#

وذكر ذلك غير ابن سعد.

وقد قيل معنى ذلك للإمام أحمد فقال: من يقول أن عمر كان صغيراً؟!

قال ابن الجوزي: ولعل أحمد قال هذا قبل أن يقف على مقدار سنه, فقد ذكر مقدار سنه جماعة من المؤرخين, ابن سعد وغيره.

وقد روى الحديث بعضهم فوهم فيه فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قم يا غلام فزوج أمك».

قال ابن الجوزي: وما عرفنا هذا في هذا الحديث, قال: وإن ثبت فيحتمل أن يكون قاله على وجه المداعبة للصغير إن كان له من العمر يومئذ ثلاث سنين؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها في سنة أربع ومات ولعمر تسع سنين, ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفتقر نكاحه إلى ولي, قال ابن عقيل: ظاهر كلام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشترط في نكاحه الولي, وأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم.

وقد قيل في توجيه ذلك ما هو أقوى وأجود من الاحتمال الذي ذكره ابن الجوزي آنفاً وهو: أن الذي زوجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمها عمر بن الخطاب, ونسبه ونسبها يلتقيان في كعب, وتقدم حديث حماد بن سلمة وفيه فقالت: قم يا عمر فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها ... الحديث, فذكرت: قم يا عمر. مطلقاً, فظن بعض الرواة أنه ابنها فرواه بالمعنى, فقال: قالت لابنها عمر, وكل هذا بناء على أن ابنها عمر كان حينئذ صغيراً, وهو قول مرجوح أنكره الإمام أحمد كما تقدم وغيره.


#134#

وقال البيهقي رحمه الله: وقول من زعم أنه زوجها بالبنوة, معلل بقول من قال: بل زوجها بأنه كان من بني أعمامها ولم يكن لها ولي هو أقرب منه إليها وذلك لأن عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.

وأم سلمة هي هند بنت أبي أمية بن عبد الله بن عمر [بن مخزوم فتزويجها كان بولي. انتهى.

وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أخبرنا محمد بن عمر], حدثنا عبد الله بن جعفر, عن عثمان بن محمد الأخنسي, عن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع, عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: لما خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: إن في خلالاً لا ينبغي لي أن أتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني امرأة مسنة, وإني أم أيتام, وإني شديدة الغيرة قالت: فأرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما قولك إني مسنة فأنا أسن منك ولا يعاب على المرأة أن تتزوج أسن منها, وأما قولك إني أم أيتام فإن كلهم على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم, وأما قولك إني شديدة الغيرة فإني أدعو الله أن يذهب ذاك عنك» قالت: فتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتقلني فأدخلني بيت زينب بنت خزيمة أم المساكين بعد أن ماتت رضي الله عنها فإذا


#135#

جرة فاطلعت فيها فإذا فيها شيء من شعير وإذا رحى وبرمة وقدر فنظرت فإذا فيها كعب من إهالة قالت: فأخذت ذلك الشعير فطحنته, ثم عصدته في البرمة وأخذت الكعب من الإهالة فأدمته به, قالت: فكان ذلك طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أهله ليلة عرسه.

وحدث بنحوه يونس بن بكير, عن أبي معشر المدني, عن سعيد المقبري من قوله.

وخرج الطبراني في "معجمه الأوسط" من حديث شريك, عن حميد, عن أنس رضي الله عنه قال: أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة بتمر وسمن.

تفرد به شريك عن حميد, قاله الطبراني.

وجاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة حزنت عليها حزناً شديداً لما ذكروا لنا من جمالها قالت: فتلطفت لها حتى رأيتها, فرأيتها والله أضعاف ما وصف لي في الحسن والجمال قالت: فذكرت ذلك لحفصة – وكانتا يداً واحدة – فقالت: لا والله إن هذه إلا الغيرة ما هي كما يقولون, فتلطفت لها حفصة حتى رأتها, فقالت: قد رأيتها ولا والله ما هي كما تقولين ولا قريبة إنها لجميلة قالت: فرأيتها بعد فكانت لعمري كما قالت حفصة, ولكني كنت غيرى.

خرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى".


#136#

وخرج الحاكم في "مستدركه" من طريق إسحاق بن إبراهيم الدبري, أخبرنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر, عن الزهري, عن هند بنت الحارث الفراسية قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لعائشة مني شعبة ما نزلها أحد» قالت: فلما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة رضي الله عنها سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل: يا رسول الله, ما فعلت الشعبة؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم, فعلم أن أم سلمة نزلت عنده صلى الله عليه وسلم.

وحدث به الواقدي عن معمر.

وحدث موسى بن عقبة, عن أمه, عن أم كلثوم بنت أبي سلمة رضي الله عنها قالت: لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة رضي الله عنها قال لها: «إني قد أهديت النجاشي أواقي من مسك وحلة, وإني لا أراه إلا قد مات ولا أرى الهدية إلا سترد إلي, فإذا ردت إلي فهي لك», فكان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم, مات النجاشي وردت إلى النبي صلى الله عليه وسلم هديته, وأعطى لكل امرأة من نسائه أوقية من ذلك المسك, وأعطى سائره أم سلمة, وأعطاها الحلة رضي الله عنها.

رويناه من طريق المخلص قال: حدثنا عبد الله – يعني البغوي – حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري, حدثنا مسلم بن خالد, حدثني موسى بن عقبة .... فذكره.


#137#

$[وفاتها رضي الله عنها]:$

توفيت أم سلمة رضي الله تعالى عنها في سنة تسع وخمسين في ذي القعدة في أيام معاوية رضي الله عنهما وقيل: في يوم عاشوراء سنة إحدى وستين في اليوم الذي قتل فيه الحُسَيْن رضي الله عنه. وقيل: في شوال سنة اثنتين وستين في ولاية يزيد بن معاوية.

قال ابن الجوزي: والأول أصح.

وصحح سبطه يوسف بن قزاغلي والحافظ أبو محمد الدمياطي وغيرهما القول الأخير, وحجتهم في ذلك الحديث الذي في "صحيح مسلم" من طريق جرير عن عبد العزيز بن رفيع, عن عبد الله بن القبطية أن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وعبد الله بن صفوان دخلا على أم سلمة رضي الله عنها فسألاها عن الجيش الذي يخسف به, وكان ذلك في أيام ابن الزبير .... الحديث, وفي أيام يزيد بن معاوية.

وكانت ولاية يزيد يوم الخميس لثمان بقين من رجب سنة ستين, وهو اليوم الذي مات فيه معاوية ومات يزيد في رجب سنة أربع وستين.

وذكر ابن الجوزي أن معاوية توفي يوم الخميس للنصف من رجب سنة ستين, وأن يزيد توفي لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة أربع وستين.

خرج الحاكم في "مستدركه" من حديث يحيى بن عبد الحميد,


#138#

حدثنا خالد وجرير, عن عطاء بن السائب قال: كنا قعوداً مع محارب بن دثار فقال: حدثني ابن لسعيد بن زيد: أن أم سلمة رضي الله عنها أوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد, خشية أن يصلي عليها مروان بن الحكم.

تابعه أحمد بن حنبل عن جرير.

وقال أبو نعيم أحمد بن عبد الله: وصلى عليها سعيد بن زيد رضي الله عنهما.

قال ابن الجوزي: وهو غلط, والصحيح أبو هريرة رضي الله عنه.

وقبرت بالبقيع وهي بنت أربع وثمانين سنة.

وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أخبرنا محمد بن عمر, حدثني عبد الله بن نافع, عن أبيه قال: ماتت أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسع وخمسين فصلى عليها أبو هريرة بالبقيع.

تابعه ابن جريج عن نافع نحوه.

وقال الواقدي في رواية ابن سعد عنه أيضاً: وحدثني عبد الله بن نافع, عن أبيه قال: أوصت أم سلمة ألا يصلي عليها والي المدينة وهو الوليد بن عتبة بن أبي سفيان, فماتت حين دخلت سنة تسع وخمسين وصلى عليها ابن أخيها عبد الله بن عبد الله بن أبي أمية.

وقال محمد بن الحسن بن زبالة, عن محمد بن جعفر بن أبي كثير,


#139#

عن يونس, عن ابن شهاب قال: كانت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها آخر نسائه صلى الله عليه وسلم وفاة.

هذا على قول من قال إن وفاتها كانت سنة اثنتين وستين, وإليه ذهب البيهقي وغيره: أنها آخر الزوجات موتاً، وقيل: ميمونة آخرهن موتا.

وقال أبو محمد بن حزم: آخرهن موتا صفية رضي الله عنهن.

عاشت أم سلمة رضي الله عنها تسعين سنة فيما قيل.

وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن حسن, عن إبراهيم بن علي قال: حفر لسالم البانكي مولى محمد بن علي بالبقيع فأخرجوا حجراً طويلاً, فإذا فيه مكتوب: هذا قبر أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقابل خوخة آل نبيه, فأهيل عليه التراب, وحفر لسالم موضع آخر.

$6 - [أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها]:$

وأما اللاتي من نساء القبائل: فأم الحكم زينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبيرة بن غنم بن دودان بن راشد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر الأسدية أسد مضر كما سقناه لا أسد قريش الذي هو أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر.

وأما زينب: أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم.


#140#

وكان اسم زينب برة, فسماها النبي صلى الله عليه وسلم زينب.

وكان اسم أبيها برة فقالت: يا رسول الله بدل اسم أبي فإن البرة حقيرة فقال لها: «لو كان أبوك مؤمناً لسميته باسم رجل منا أهل البيت, ولكني قد سميته جحشاً والجحش أكبر من البرة».

ذكره الدارقطني.

وحدث أبو سعيد الخليل بن أحمد السجزي في كتابه "الآداب": عن أبي العباس السراج, حدثنا أبو كريب, حدثنا أبو أسامة, عن الوليد بن كثير, عن محمد بن عمرو بن عطاء, عن زينب بنت أم سلمة قالت: كان اسمي برة فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب, وأدخلت عليه زينب بنت جحش وكان اسمها برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب.

ورويناه من طريق عيسى بن يونس عن الوليد بن كثيرة بنحوه.

وكانت زينب عند زيد بن حارثة فطلقها, فزوجه الله إياها من السماء, ولم يعقد عليها، وذلك في سنة خمس من الهجرة لهلال ذي القعدة، وهي يومئذ بنت خمس وثلاثين سنة, وأصدقها أربعمائة درهم.

وخرج الحافظ أبو نعيم في كتابه "الحلية" من حديث الحُسَيْن بن أبي السري العسقلاني, حدثنا الحسن بن محمد بن أعين الحراني,


#141#

حدثنا حفص بن سليمان, عن الكميت بن زيد الأسدي, حدثني مذكور مولى زينب بنت جحش, عن زينب بنت جحش قالت: خطبني عدة من قريش فأرسلت أختي حمنة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (أستشيره فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم): «أين هي ممن يعلمها كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم؟» قالت ومن هو يا رسول الله؟ قال: «زيد بن حارثة» فغضبت حمنة غضباً شديداً فقالت: يا رسول الله أتزوج ابنة عمتك مولاك؟ قالت: وجاءتني فغضبت أشد من غضبها, فقلت أشد من قولها, فأنزل الله عز وجل: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً} الآية, قالت: فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني أستغفر الله وأطيع الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم, افعل يا رسول الله ما رأيت, فزوجني زيداً, فكنت أذري عليه، فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاتبني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عدت فأخذته بلساني فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أمسك عليك زوجك واتق الله» فقال: يا رسول الله, أنا أطلقها, قالت: فطلقني فلما انقضت عدتي لم أعلم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل علي بيتي وأنا مكشوفة الشعر, فعلمت أنه أمر من السماء, فقلت: يا رسول الله بلا خطبة ولا إشهاد؟! فقال: «الله المزوج وجبريل الشاهد».

وروى من حديث عيسى بن طهمان وثابت, عن أنس رضي الله عنه أنها


#142#

كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات.

ولفظ عيسى: إن الله عز وجل أنكحني في السماء.

وفي لفظ قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: زوجنيك الرحمن من فوق عرشه.

وقال الشعبي: قالت زينب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أدل عليك بثلاث ما من أزواجك امرأة تدل بهن: جدي وجدك واحد, وإني أنكحنيك الله من السماء, وأن السفير جبريل عليه السلام.

علقه ابن العربي في كتابه "أحكام القرآن" هكذا.

ورواه الحارث بن أبي أسامة فقال: حدثنا علي بن عاصم, عن داود بن أبي هند, عن عامر قال: كانت زينب بنت جحش تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: أنا أعظم نسائك عليك حقاً, أنا خيرهن منكحاً, وأكرمهن سفيراً, وأقربهن رحماً, ثم تقول: زوجنيك الرحمن من فوق عرشه, وكان جبريل عليه السلام هو السفير بذلك, وأنا ابنة عمتك, وليس لك من نسائك قريبة غيري.

خرجه الحاكم في "المستدرك" للحارث وهو مرسل.


#143#

وذكر بعض المفسرين والإخباريين في صفة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب رضي الله عنها أحاديث فيها ألفاظ باطلة وكلمات واهية لا يلتفت إليها, ولا يعتمد بكل حال عليها ومنها:

ما قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: وكان حين خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على زيد مولاه أبت, فأنزل الله عز وجل: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} حتى انتهى إلى آخر الآية فقالت: يا رسول الله, أمري إليك فاصنع ما أحببت, فأنكحها زيداً فكان زيد لا يزال يشكوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم لشيء يكون بينهما, وقد كانت نفس النبي صلى الله عليه وسلم تتبعها وكان يخفي ذلك, فإذا شكاها يقول له: «اتق الله وأمسك عليك زوجك», فطلقها زيد, فلما انقضت عدتها أتاه جبريل عليه السلام بأن الله عز وجل قد زوجه إياها, فكانت تفخر بذلك على سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم, وأنزل الله عز وجل في تتبع نفسه إياها: {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} فقالت عائشة: لو كتم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من الوحي كتم هذه الآية ثم قال: {فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها} إلى آخر الآية.

قال الإمام أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي في كتابه "أحكام القرآن": إن أحداً لا ينبغي أن يذكر نبياً إلا بما ذكره الله به لا يزيد عليه, وإن أخبارهم مروية وأحاديثهم منقولة بزيادات تولاها أحد رجلين إما: غبي بمقدارهم, وإما: بدعي لا أرى له نصيباً في برهم


#144#

ووقارهم, فيدس به تحت المقال المطلق الدواهي, ولا يراعي الأدلة ولا النواهي.

ثم قال: فهذا محمد صلى الله عليه وسلم ما عصى قط ربه عز وجل لا حال الجاهلية ولا بعدها, تكرمة من الله وتفضيلاً وجلالاً أحله به المحل الرفيع؛ ليصلح أن يقعد معه على كرسيه للفصل بين الخلق في القضاء يوم الحق.

ثم قال: فلم يقع قط لا في ذنب صغير - حاشا لله - ولا كبير, ولا وقع في أمر يتعلق به لأجله نقص ولا تعيير, وقد مهدنا ذلك في كتب الأصول, وهذه الروايات كلها ساقطة الأسانيد, إنما الصحيح منها ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتماً من الوحي شيئاً لكتم هذه الآية: {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه} يعني بالعتق فأعتقه {أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} إلى قوله: {وكان أمر الله مفعولاً} وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوجها قالوا: تزوج حليلة ابنه, فأنزل الله عز وجل: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم تبناه وهو صغير, فلبث حتى صار رجلاً يقال له زيد بن محمد, فأنزل الله تعالى: {ادعوهم لآبائهم} الآية.


#145#

ثم قال: فأما قولهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم رآها فوقعت في قلبه, فباطل؛ فإنه كان معها في كل وقت وموضع ولم يكن حينئذ حجاب فكيف تنشأ معه وينشأ معها ويلحظها في كل ساعة ولا تقع في قلبه إلا إذا كان لها زوج.

ثم قال: فكيف يتجدد له هوى لم يكن, حاشا لذلك القلب المطهر من تلك العلاقة الفاسدة.

ثم قال: وإنما كان الحديث أنها لما استقرت عند زيد جاءه جبريل عليه السلام فقال له: إن زينب زوجك, ولم يكن بأسرع من أن جاءه زيد يعني شاكياً منها فقال له: «اتق الله وأمسك عليك زوجك» فأبى زيد إلا الفراق, فطلقها وانقضت عدتها وخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على يدي مولاه زيد, وأنزل الله عز وجل القرآن المذكور فيه خبرها: هذه الآيات التي نتلوها وفسرناها فقال: يا محمد {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله} في فراقها {وتخفي في نفسك ما الله مبديه} يعني: من نكاحك لها وهو الذي أبداه, لا سواه, وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أن الله أوحى إليه أنها زوجه لا بد من وجود هذا الخبر وظهوره؛ لأن الذي يخبر الله عز وجل أنه كائن لابد أن يكون؛ لوجوب صدقه في خبره وهذا يدلك على براءته صلى الله عليه وسلم من كل ما ذكره متسور من المفسرين, متصور على علوم الدين.


# 146#

و[قال]: روى يحيى بن سلام وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا زيداً فقال: «ائت زينب فاذكرني لها» كما تقدم.

وقال يحيى: «فأخبرها أن الله عز وجل قد زوجنيها», فاستفتح زيد الباب فقالت: من؟ قال: زيد, قالت: وما حاجة زيد؟ فقال: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: مرحباً برسول الله صلى الله عليه وسلم, ففتحت له, فدخل عليها وهي تبكي فقال زيد: لا يبكي الله عينك, قد كنت نعمت المرأة تبرين قسمي وتطيعين أمري وتتبعين مسرتي وقد بدلك الله خيراً مني قالت: من؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرت ساجدة.

وفي رواية كما تقدم فقالت: حتى أآمر ربي, وقامت إلى مصلاها, ونزل القرآن فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير إذن, فكانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم .... الحديث.

قال: وفي رواية أن زيداً لما جاءها برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وجدتها تخمر عجيناً فما استطعت أنظر إليها من عظمها في صدري قال: فوليتها ظهري ونكصت على عقبي وقلت: يا زينب, أبشري, أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم, يذكرك ... الحديث.


#147#

وخرج مسلم في "صحيحه" من حديث هاشم بن القاسم وبهز وهذا لفظه قال: حدثنا سليمان بن المغيرة, عن ثابت, عن أنس رضي الله عنه قال: لما انقضت عدة زينب رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد رضي الله عنه: «فاذكرها علي» قال: فانطلق حتى أتاها وهي تخمر عجينها قال: فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها, فوليتها ظهري ونكصت على عقبي فقلت: يا زينب, أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك. قالت: ما أنا بصانعة شيئاً حتى أآمر ربي. فقامت إلى مسجدها, ونزل القرآن, وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن .... وذكر الحديث.

وحدث به عبد الله بن المبارك في كتابه "الزهد" عن سليمان بن المغيرة.

تابعهم حبان بن هلال فيما رواه محمد يونس الكديمي عنه.

وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا عبد الله بن عمرو بن زهير, سمعت إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن جحش يقول: قالت زينب بنت جحش: لما جاءني الرسول بتزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم إياي جعلت لله علي صوم شهرين, فلما دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت لا أقدر أصومها في حضر ولا سفر تصيبني


#148#

فيه القرعة, فلما أصابتني القرعة في المقام صمتها.

وقالت عائشة رضي الله عنها عن زينب رضي الله عنها: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.

ووهم الذهبي لما ذكر قول عائشة هذا في ترجمة حفصة أم المؤمنين من "تاريخ الإسلام" في مبتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب رضي الله عنها نزلت آية الحجاب وكانت زينب رضي الله عنها كثيرة الخير والصدقة والمعروف.

حدث عمر بن عثمان بن عبد الله الجحشي عن أبيه قال: ما تركت زينب بنت جحش رضي الله عنها ديناراً ولا درهماً, وكانت تصدق بكل ما قدرت عليه وكانت تؤوي المساكين وتركت منزلها فباعوه من الوليد بن عبد الملك حين هدم المسجد بخمسين ألف درهم.

وقال يعقوب بن إبراهيم: حدثنا أبي, عن صالح, عن ابن شهاب الزهري قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: أن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت زينب بنت جحش رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم تساميني من بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أر امرأة قط خيراً في الدين وأتقى لله عز وجل وأصدق حديثاً وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدق به [وتتقرب به] لله عز وجل ما عدا سورة من حدة كانت فيها [تسرع منها] الفينة.


#149#

خرجه أبو نعيم في "الحلية" ليعقوب.

وخرجه أيضاً من طريق عبد الرزاق, عن معمر, عن الزهري بنحوه.

ورواه أبو قرة موسى بن طارق الزبيدي, عن [زمعة بن صالح, عن يعقوب بن عطاء, عن الزهري.

وخرج أبو نعيم في "الحلية" من حديث علي] بن المديني, حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى, حدثنا محمد بن عمرو, حدثني يزيد بن خصيفة, عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة, عن أخته برة بنت رافع قالت: لما خرج العطاء بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى زينب بنت جحش رضي الله عنها بعطائها, فأتيت به ونحن عندها قالت: ما هذا؟ قال: أرسل به إليك عمر, قالت: غفر الله له, والله لغيري من أخواتي كانت أقوى على قسم هذا مني, قالوا: (إن هذا لك كله, قالت): سبحان الله! فجعلت تستر بينها وبينه بجلبابها أو بثوبها وقالت: ضعوه, اطرحوا عليه ثوباً, ثم قالت: اقبض, اذهب إلى فلان ابن فلان, من أهل رحمها وأيتامها, حتى بقيت بقية تحت الثوب


#150#

قالت: فأخذنا ما تحت الثوب فوجدناه بضعة وثمانين درهماً, ثم رفعت يديها, ثم قالت: اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا أبداً. فكانت أول نساء النبي صلى الله عليه وسلم لحوقاً به.

*[وفاتها رضي الله عنها]:

ماتت زينب رضي الله عنها بالمدينة سنة عشرين وهي بنت ثلاث وخمسين ودفنت بالبقيع.

وقال أبو محمد بن حزم: في أول خلافة عمر بن الخطاب ... انتهى.

وصلى عليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكبر أربعاً. ودخل قبرها أسامة بن زيد ومحمد بن عبد الله بن جحش وعبد الله بن أبي أحمد بن جحش ومحمد بن طلحة بن عبيد الله.

قاله أبو حسان الحسن بن عثمان.

وقال: أخبرني محمد بن يزيد الواسطي, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن عامر, عن عبد الله ابن فلان رجل سماه محمد بن يزيد قال: صليت خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه على جنازة زينب ابنة جحش رضي الله عنها وكانت أول نساء النبي صلى الله عليه وسلم وفاة فكبر عليها أربعاً.

وقال البخاري في "تاريخه الأوسط": حدثنا أحمد بن يونس,


#151#

حدثنا زهير, حدثنا إسماعيل, أن عامراً أخبره, أن عبد الرحمن بن أبزى أخبره أنه صلى مع عمر رضي الله عنه على زينب بنت جحش رضي الله عنها وكانت أول نساء النبي صلى الله عليه وسلم موتاً بعده.

وخرج أبو نعيم في "الحلية" من حديث إسماعيل بن أبي أويس.

وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس, عن يحيى بن سعيد, عن عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية, عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه: «يتبعني أطولكن يداً» قالت عائشة رضي الله عنها: فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد النبي صلى الله عليه وسلم نمد أيدينا في الجدار نتطاول, فلم نزل نفعل حتى توفيت زينب بنت جحش, وكانت امرأة قصيرة يرحمها الله, ولم تكن أطولنا فعرفنا حينئذ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بطول اليد الصدقة. قالت: وكانت زينب امرأة صناع اليد, فكانت تدبغ وتخرز وتصدق به في سبيل الله.

وخرجه الحاكم في "المستدرك" من حديث إبراهيم بن الهيثم البلدي, حدثني إسماعيل بن أبي أويس المدني ... فذكره بنحوه وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

قلت: خرجه مسلم في "صحيحه" لكن من طريق طلحة بن


#152#

يحيي, عن عمته عائشة, عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بنحوه.

وقد قدمناه في ترجمة أم المؤمنين سودة رضي الله عنها.

وزينب بنت جحش رضي الله عنها أول امرأة ضرب على قبرها فسطاط.

حدث الواقدي, عن أبي معشر, عن محمد بن المنكدر قال: مر عمر رضي الله عنه على حفارين يحفرون قبر زينب رضي الله عنها في يوم صائف فقال: لو أني ضربت عليهم فسطاطاً. فكان أول فسطاط, ضرب على قبر.

وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أخبرنا محمد بن عمر, حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة, عن يزيد بن عبد الله بن الهاد, عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي قال: أوصت زينب بنت جحش رضي الله عنها أن تحمل على سرير رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجعل عليه نعش, وقبل ذلك حمل عليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكانت المرأة إذا ماتت حملت عليه, حتى كان مروان بن الحكم, فمنع أن يحمل عليه إلا الرجل الشريف, وفرق سرراً في المدينة تحمل عليها الموتى. قيل: إن زينب رضي الله عنها أول امرأة جعل عليها نعش جعلته لها أسماء بنت عميس الخثعمية رضي الله عنها لما رأت أهل الحبشة يصنعونه, إذ كانت مهاجرة, لكن جاء في بعض الطرق أن أسماء إنما فعلت ذلك بفاطمة عليها السلام.


#153#

خرج أبو نعيم في كتاب "الحلية" من حديث قتيبة بن سعيد, حدثنا محمد بن موسى المخزومي, عن عون بن محمد بن علي بن أبي طالب, عن أمه أم جعفر بنت محمد بن جعفر, وعن عمارة بن المهاجر, عن أم جعفر أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: يا أسماء إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء, إنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها, فقالت أسماء: يا ابنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ألا أريك شيئاً رأيته بالحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها, ثم طرحت عليها ثوباً فقالت فاطمة عليها السلام: ما أحسن هذا وأجمله! تعرف به المرأة من الرجل, فإذا مت فاغسليني أنت وعلي ولا يدخل علي أحد. فلما توفيت غسلها علي وأسماء رضي الله عنهم.

وقال الطبراني في "معجمه الأوسط": حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة, حدثنا أبو الربيع الأعرج جار التميمي, حدثنا خلف بن راشد أبو عثمان, حدثنا داود بن أبي هند, عن الشعبي, عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها أن ابنة رسول الله صلى الله عليهما وسلم توفيت, وكانوا يحملون الرجال والنساء على الأسرة سواء, فقلت: يا رسول الله, إني كنت بالحبشة وهم نصارى أهل الكتاب, وإنهم يجعلون للمرأة نعشاً فوقه أضلاع يكرهون أن يوصف شيء من خلقها, أفلا أجعل لابنتك نعشاً مثله؟ فقال: «اجعليه» فهي أول من جعل لها النعش في الإسلام لرقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.


#154#

لم يرو هذا الحديث عن داود بن أبي هند إلا خلف بن راشد, تفرد به أبو الربيع الأعرج, قاله الطبراني.

$7 - [أم المؤمنين جويرية رضي الله عنها]:$

وجويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن عائذ بن مالك بن جذيمة – وهو المصطلق – بن سعد بن كعب بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء الأسدية الخزاعية المصطلقية رضي الله عنها.

كان اسمها برة, فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها فسماها جويرية, كره أن يقال: خرج من عند برة. قاله كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما.

حدث به الحسن بن الصباح البزار, حدثنا سفيان, عن محمد بن عبد الرحمن – هو مولى آل طلحة – عن كريب.

تابعه شعبة ومسعر فروياه عن محمد بن عبد الرحمن.

وقال ابن أبي خيثمة في "تاريخه": حدثنا أبو نعيم, حدثنا المسعودي, عن محمد بن عبد الرحمن, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:


#155#

كان اسم جويرية [بنت الحارث] برة فحول النبي صلى الله عليه وسلم اسمها, كذا قال.

سبيت جويرية رضي الله عنها في غزوة بني المصطلق يوم المريسيع.

قال الواقدي: وحدثني حزام بن هشام, عن أبيه قال: قالت جويرية بنت الحارث رضي الله عنها: رأيت قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث ليال كأن القمر أقبل يسير من يثرب حتى وقع في حجري, فكرهت أن أخبر بها أحداً من الناس, حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما سبينا رجوت الرؤيا فلما أعتقني وتزوجني, والله ما كلمته في قومي حتى كان المسلمون هم الذين أرسلوهم, وما شعرت إلا بجارية من بنات عمي تخبرني الخبر, فحمدت الله عز وجل.

كانت جويرية رضي الله عنها عند صفوان بن مالك بن جذيمة ذي الشفر.

وقيل: عند مسافع بن صفوان ذي الشفر بن أبي سرح بن مالك بن جذيمة الخزاعي, وهو الذي قال يوم المريسيع وهو يقاتل:

أنا ابن ذي الشفر وحدي مبذول ... رمحي ذو الطول وسيفي مسلول

قد علمت نفسي بأني مقتول ...

فقتل يومئذ, فوقعت جويرية في سهم ثابت بن قيس بن شماس, فكاتبها على تسع أواق, فجاءت إلى عائشة رضي الله عنها لتكلم لها رسول الله


#156#

صلى الله عليه وسلم ليعينها في فدائها, وكانت حلوة حسانة عتيقة فكلمته فقال لها: «ألا خير من ذلك؟! أعتقك فأتزوجك وأجعل صدقتك عتقك» فقالت: بلي. ففعل صلى الله عليه وسلم, فلما رأى ذلك المسلمون أعتقوا ما في أيديهم من سبايا بني المصطلق وقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ذكر بنحوه أبو عبيدة.

وجاء عن جويرية رضي الله عنها قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت عشرين سنة.

وقال ابن سعد في كتابه "الطبقات الكبرى": أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا عبد الله بن يزيد بن قسيط, عن أبيه, عن محمد بن عبد الرحمن ابن ثوبان, عن عائشة رضي الله عنها قالت: أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء بني المصطلق فأخرج الخمس منه, ثم قسمه بين الناس فأعطى الفرس سهمين والرجل سهماً, فوقعت جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار في سهم ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري وكانت تحت ابن عم لها يقال له صفوان بن مالك بن جذيمة ذو الشفر فقتل عنها, فكاتبها ثابت بن قيس على نفسها على تسع أواق وكانت امرأة حلوة لا يكاد يراها أحد إلا أخذت بنفسه, فبينا النبي صلى الله عليه وسلم [عندي] إذ


#157#

دخلت عليه جويرية تسأله في كتابتها, فوالله ما هو إلا أن رأيتها فكرهت دخولها على النبي صلى الله عليه وسلم وعرفت أنه سيرى منها مثل الذي رأيت, فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه, وقد أصابني من الأمر ما قد علمت فوقعت في سهم ثابت بن قيس, فكاتبني على تسع أواق, فأعني في فكاكي. فقال: «أو خير من ذلك؟», فقالت: ما هو؟ فقال: «أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك» قالت: نعم يا رسول الله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد فعلت» وخرج الخبر إلى الناس فقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترقون! فأعتقوا ما كان في أيديهم من نساء بني مصطلق فبلغ عتقهم مائة أهل بيت بتزويجه صلى الله عليه وسلم, فلا أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها وذلك منصرفة صلى الله عليه وسلم من غزوة المريسيع.

وخرجه أحمد بن حنبل في "مسنده" وأبو داود في "سننه" وأبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه" والخرائطي في كتاب "اعتلال القلوب" من حديث ابن إسحاق, عن محمد بن جعفر بن الزبير, عن عروة بن الزبير, عن عائشة رضي الله عنها بنحوه.

وقيل: أعتق بتزويج النبي صلى الله عليه وسلم جويرية رضي الله عنها مائتا أهل بيت.

وقيل: وقعت جويرية رضي الله عنها في سهم ثابت وابن عم له فكاتباها.

وقال زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي: كانت جويرية من ملك اليمين فأعتقها صلى الله عليه وسلم وتزوجها. رواه سفيان بن عيينة ومنصور بن


#158#

أبي الأسود, عن زكريا.

وحدث به يونس بن بكير في "المغازي" عن زكريا بن أبي زائدة, عن عامر الشعبي قال: كانت جويرية من ملك يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقها واستنكحها, وجعل مهرها عتق كل مملوك من بني المصطلق.

وروى أبو نعيم الفضل بن دكين وعبد الله بن نمير ووكيع, عن زكريا, عن عامر قال: أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث رضي الله عنها واستنكحها, وجعل صداقها عتق كل مملوك من بني المصطلق, وكانت من ملك يمين النبي صلى الله عليه وسلم.

وخرج الحاكم في "المستدرك" من حديث سفيان بن عيينة, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال: قالت جويرية بنت الحارث رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أزواجك يفخرن علي, يقلن: لم يتزوجك رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أنت ملك يمين, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألم أعظم صداقك, ألم أعتق أربعين من قومك».

وقد قيل: إن أباها جاء بافتدائها, ثم أنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك.

خرج ابن سعد في "الطبقات الكبرى" من حديث أيوب, عن أبي قلابة أن النبي صلى الله عليه وسلم سبى جويرية بنت الحارث رضي الله عنها فجاء أبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابنتي لا يسبى مثلها, فأنا أكرم من ذلك فخل سبيلها, قال:


#159#

«أرأيت إن خيرناها أليس قد أحسنا؟» قال: بلي, وأديت ما عليك قال: فأتاها أبوها فقال: إن هذا الرجل قد خيرك فلا تفضحينا. فقالت: إني قد اخترت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قد والله فضحتينا.

وقيل: إن أباها قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بفداء ابنته فأسلم وأسلم معه ابنان له وأناس من قومه, والله أعلم.

روينا من طريق زياد بن عبد الله بن الطفيل الكوفي قال: قال ابن إسحاق: ويقال لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث, فكان بذات الجيش دفع جويرية إلى رجل من الأنصار وديعة وأمره بالاحتفاظ بها, وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة, وأقبل أبوها الحارث بن أبي ضرار بفداء ابنته, فلما كان بالعقيق نظر في الإبل حين جاء بها للفداء, فرغب في بعيرين منها فغيبهما في شعب من شعاب العقيق, ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد, أتيت بفداء ابنتي وهذا فداؤها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأين البعيران اللذان غيبتهما بالعقيق في شعب كذا وكذا؟» فقال الحارث: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله, فوالله ما اطلع على ذلك إلا الله, فأسلم وأسلم معه ابنان له وناس من قومه, وأرسل إلى البعيرين فجاء بهما, فدفع الإبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم, ودفع إليه ابنته جويرية, فأسلمت رضي الله عنها, وحسن إسلامها وخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيها, فزوجه إياها وأصدقها أربعمائة درهم.


#160#

*[وفاتها رضي الله عنها]:

توفيت جويرية رضي الله عنها في شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين في خلافة معاوية رضي الله عنه وصلى عليها مروان بن الحكم, وهو يومئذ والي المدينة.

وقيل: سنة خمسين, وهي ابنة خمس وستين رضي الله عنها.

رواه الواقدي عن محمد بن يزيد, عن جدته, وكانت مولاة جويرية بنت الحارث رضي الله عنهم.

$8 - [أم المؤمنين صفية رضي الله عنها]:$

وصفية بنت حيي بن أخطب بن سعية بن عامر, وقيل: ابن ثعلبة بن عبيد ابن كعب بن الخزرج بن أبي حبيب بن النضر بن النحام بن ينحوم النضرية من بني إسرائيل من سبط هارون بن عمران أخي موسى عليهما السلام.

وأمها برة بنت سموأل أخت رفاعة بن سموأل القرظي الصحابي, ذكره في الصحابة أبو نعيم الأصبهاني وغيره.

واسم صفية: حبيبة كما قال الزبير بن بكار في كتابه "ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم": حدثني محمد بن حسن, عن محمد بن إسماعيل, عن ابن أبي مليكة, أن اسم صفية حبيبة, ولكنها سميت صفية؛ لأنها كانت صفية للنبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر.


#161#

وقال إسحاق بن إبراهيم الدبري: أخبرنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر, عن ثابت, عن أنس رضي الله عنه قال: بلغ صفية أن حفصة رضي الله عنها قالت لها: بنت يهودي, فبكت, فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقال: «ما شأنك؟» قالت: قالت لي حفصة: إني بنت يهودي, فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «إنك لبنت نبي, وإن عمك لنبي, وإنك لتحت نبي, فبم تفخر عليك؟!» ثم قال: «اتقي الله يا حفصة».

خرجه أبو نعيم في "الحلية" للدبري, وخرجه الترمذي, عن إسحاق بن منصور وعبد بن حميد, كلاهما عن عبد الرزاق بنحوه.

وقال أبو الربيع الزهراني: حدثنا جعفر بن سليمان, حدثنا ثابت قال: كان بين حفصة بنت عمر وصفية بنت حيي كلام, فقالت حفصة: أنا حفصة بنت عمر وزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقالت صفية: أنا بنت هارون وعمي موسي, قال: فعظمت ذلك حفصة وظنت أنها قالت قولاً عظيماً قال: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفصة, فقالت حفصة: يا رسول الله, كان بيني وبين صفية كلام, فقلت: أنا بنت عمر وزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالت صفية: أنا بنت هارون وعمي موسى وزوجي محمد صلى الله عليه وسلم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدقت».


#162#

وجاء عن هاشم بن سعيد الكوفي, عن كنانة – وهو مولى صفية – عن صفية قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي, فقال: «يا بنت حيي ما يبكيك؟» قلت: بلغني أن حفصة وعائشة تنالان مني وتقولان نحن خير منها, نحن بنات عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه, قال: «ألا قلت لهم كيف تكونون خيراً مني وأبي هارون وعمي موسى وزوجي محمد صلوات الله وسلامه عليهم».

خرجه الحاكم في "المستدرك" لشاذ بن فياض, عن هاشم.

تابعه عبد الصمد بن عبد الوارث, عن هاشم فيما خرجه الترمذي في "جامعه" وقال: لا نعرفه إلا من حديث هاشم, وليس إسناده بذلك.

كانت صفية رضي الله عنها عند سلام بن مشكم القرظي الشاعر, ثم فارقها, فتزوجها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النضري الشاعر, فقتل عنها يوم خيبر, ولم تلد لأحد منهما شيئاً.

قال ابن سعد في "طبقاته الكبرى": أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي, حدثنا سليمان بن المغيرة, عن حميد بن هلال قال: قالت صفية بنت حيي رضي الله عنها: رأيت كأني وهذا الذي يزعم أن الله أرسله وملك


#163#

يسترنا بجناحيه, قال: فردوا عليها رؤياها, وقالوا لها في ذلك قولاً شديداً.

سبيت صفية يوم خيبر من القموص فاصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه, فأعتقها وتزوجها, وجعل عتقها صداقها, ولم تبلغ يومئذ سبع عشرة سنة.

وفي "المستدرك" للحاكم عن آمنة بنت أبي قيس الغفارية قالت: أنا إحدى النساء اللاتي زففن صفية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعتها تقول: ما بلغت سبع عشرة سنة أو جهدي إن بلغت سبع عشرة سنة ليلة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وجاء عن مقسم, عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان عرض عليها أن يتخذها سرية أو يعتقها وينكحها فقالت: لا, بل أعتقني وانكحني, ففعل صلى الله عليه وسلم.

خرجه الطبراني في "معجمه الكبير" لمحمد بن عمران بن أبي ليلى [عن أبيه, عن ابن أبي ليلى] عن الحكم, عن مقسم به, وفي الحديث قصة.

وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أخبرنا بكر بن عبد الرحمن قاضي أهل الكوفة, حدثنا عيسى بن المختار, عن محمد بن


#164#

عبد الرحمن بن أبي ليلى, عن الحكم, عن مقسم, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج من خيبر, قال القوم: الآن نعلم أسرية صفية أم امرأة, فإن كانت امرأة فإنه سيحجبها, وإلا فهي سرية, فلما خرج صلى الله عليه وسلم أمر بستر فستر دونها, فعرف الناس أنها امرأة, فلما أرادت أن تركب أدنى صلى الله عليه وسلم فخذه منها لتركب عليها, فأتت ووضعت ركبتها على فخذه ثم حملها, فلما كان الليل نزل فدخل الفسطاط ودخلت معه, وجاء أبو أيوب رضي الله عنه فبات عند الفسطاط معه السيف واضعا رأسه على الفسطاط, فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع الحركة فقال: «من هذا؟» قال: أنا أبو أيوب, فقال: «ما شأنك؟» فقال: يا رسول الله جارية شابة حديثة عهد بعرس, وقد صنعت بزوجها ما صنعت, فلم آمنها, فقلت: إن تحركت كنت قريباً منك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحمك الله يا أبا أيوب, رحمك الله يا أبا أيوب».

وقال أيضاً: أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا أسامة بن زيد بن أسلم, عن هلال بن أسامة, عن عطاء بن يسار, عن أبي هريرة.

وقال: قال: وحدثنا عمر بن عثمان بن سليمان بن أبي حثمة العدوي, عن أبي غطفان بن طريف المري.


#165#

وقال: قال: وحدثنا محمد بن موسى, عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة, عن أنس بن مالك.

وقال: قال: وحدثنا عبد الله بن يحيى, عن ثبيتة بنت حنظلة, عن أمها أم سنان الأسلمية – دخل حديث بعضهم في حديث بعض – قال: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وغنمه الله أموالهم سبى صفية بنت حيي وابنة عم لها من القموص, فأمر بلالاً يذهب بها إلى رحله, وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صفي من كل غنيمة, فكانت صفية مما اصطفى يوم خيبر, وعرض عليها النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتقها إن اختارت الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم, [وأسلمت] فأعتقها وتزوجها, وجعل [عتقها مهرها, ورأى بوجهها] أثر خضرة قريباً من عينها فقال: «ما هذا؟» قالت: يا رسول الله رأيت في المنام قمراً أقبل من يثرب حتى وقع في حجري, فذكرت ذلك لزوجي كنانة, فقال: تحبين أن تكوني تحت هذا الملك الذي يأتي من المدينة فضرب وجهي, واعتدت حيضة, ولم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر حتى طهرت من حيضها, فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر ولم يعرس بها, فلما قرب البعير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرج وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجله لتضع قدمها على فخذه, فأتت ووضعت ركبتها على فخذه, وسترها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملها وراءه, وجعل رداءه على ظهرها ووجهها, ثم شده من تحت رجلها وتحمل بها وجعلها بمنزلة نسائه, فلما صار إلى منزل يقال له تبار على ستة أميال من خيبر, مال


#166#

يريد أن يعرس بها, فأبت عليه, فوجد النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه من ذلك, فلما كان بالصهباء – وهي على بريد من خيبر – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [لأم سليم]: «عليكن صاحبتكن فأمشطنها» وأراد أن يعرس بها هناك, قالت أم سليم: وليس معنا فسطاط ولا سرادقات, فأخذت كساءين أو عباءتين فسرت بينهما إلى شجرة فمشطتها وعطرتها, قالت أم سنان الأسلمية: وكنت فيمن حضر عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية, مشطناها وعطرناها, وكانت جارية تأخذ الزينة من أوضأ ما يكون من النساء, وما وجدت رائحة طيب كانت أطيب من ليلتئذ, وما شعرنا حتى قيل: رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أهله وقد نمصناها ونحن تحت دومة, وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي [إليها, فقامت إليه], وبذلك أمرناها فخرجنا من عندهما, وأعرس بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هناك, وبات عندها, وغدونا عليها وهي تريد أن تغتسل, فذهبنا بها حتى توارينا من العسكر, فقضت حاجتها واغتسلت, فسألتها عما رأت من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فذكرت أنه سر بها ولم ينم تلك الليلة, لم يزل يتحدث معها وقال لها: «ما حملك على الذي صنعت حين أردت أن أنزل المنزل الأول فأدخل بك؟!» فقالت: خشيت عليك قرب يهود, فزادها ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأولم عليها هناك, وما كانت وليمته إلا الحيس, وما كانت قصاعهم [إلا] الأنطاع, فتغدى القوم يومئذ, ثم راح رسول الله صلى الله عليه وسلم, فنزل بالقصيبة وهي على ستة عشر ميلاً.


#167#

في هذا الحديث: وجعل عتقها مهرها. وكذا ثبت من حديث أنس بن مالك وغيره.

وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم أمهرها جارية.

قال علي بن الحُسَيْن السكري: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري, حدثتنا عليلة بنت الكميت العتكية, عن أمها أميمة, عن أمة الله بنت رزينة, عن أمها في قصة صفية أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتقها وخطبها وتزوجها, وأمهرها رزينة.

وصح عن سليمان بن المغيرة, عن ثابت, عن أنس رضي الله عنه قال: صارت صفية لدحية في مقسمه, فجعلوا يمدحونها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: ويقولون: ما رأينا في السبي مثلها, قال: فبعث إلى دحية الكلبي فأعطاه بها ما أراد, ثم دفعها إلى أمي فقال: «أصلحيها» قال: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر, حتى إذا جعلها في ظهره نزل, ثم ضرب عليها القبة, فلما أصبح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان عنده فضل زاد فليأتنا به» قال: فجعل الرجل يجئ بفضل التمر وفضل السويق, حتى جعلوا من ذلك حيساً, فجعلوا يأكلون من ذلك الحيس, ويشربون من حياض إلى جنبهم من ماء السماء قال: فقال أنس: فكانت تلك وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها.


#168#

قال: فانطلقنا حتى إذا رأينا جدر المدينة هشينا إليها فرفعنا مطينا ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطيته, قال: وصفية خلفه [قد] أردفها قال: فعثرت مطية رسول الله صلى الله عليه وسلم, فصرع وصرعت, قال: فليس أحد من الناس ينظر إليه [ولا إليها] حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسترها, قال: فأتيناه, فقال: «لم نضر» قال: فدخلنا المدينة فخرج جواري نسائه يتراءينها ويشمتن بصرعتها.

وخرج أبو داود من حديث وائل بن داود, عن ابنه بكر بن وائل, عن الزهري, عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أولم على صفية بسويق وتمر.

وروي عن يحيى بن أبي طالب, أخبرنا عمرو بن عون, أخبرنا عبد الحميد بن سليمان, عن أبي حازم, عن سهل بن سعد قال: أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أدخلت عليه صفية رضي الله عنها. فقلت له: ما كانت وليمته؟ قال: التمر والسويق.

وهو في "الصحيح".


#169#

وفي "المستدرك" للحاكم عن عيسى بن طهمان سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: أطعم النبي صلى الله عليه وسلم على صفية بنت حيي خبزاً ولحماً.

قال ابن سعد في "طبقاته الكبرى": أخبرنا يزيد بن هارون وهشام أبو الوليد الطيالسي, قالا: حدثنا حماد بن سلمة, عن ثابت البناني, عن أنس بن مالك: أن صفية بنت حيي وقعت في سهم دحية الكلبي, فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه قد وقعت في سهم دحية الكلبي جارية جميلة, فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعة أرؤس ودفعها إلى أم سليم حتى تهيئها وتصنعها وتعتد عندها.

وحدث به أبو داود في "سننه" عن محمد بن خلاد الباهلي, حدثنا بهز بن أسد, [حدثنا حماد فذكره.

تابعه سليمان بن المغيرة, عن ثابت نحوه.

وقال الواقدي]: حدثنا كثير بن زيد, عن الوليد بن رباح, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية بات أبو أيوب رضي الله عنه على باب النبي صلى الله عليه وسلم, فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر ومع أبي أيوب السيف, فقال: يا رسول كانت جارية حديثه عهد بعرس, وكنت


#170#

قتلت أباها وأخاها وزوجها فلم آمنها عليك, فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له خيراً.

حدث به ابن سعد, عن الواقدي في "الطبقات الكبرى".

وخرج في "الطبقات" أيضاً من حديث عطاء بن يسار قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر ومعه صفية أنزلها في بيت من بيوت حارثة بن النعمان, فسمع بها نساء الأنصاري وبجمالها فجئن ينظرن إليها, وجاءت عائشة متنقبة حتى دخلت عليها فعرفتها, فلما خرجت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أثرها, فقال: «كيف رأيتيها يا عائشة؟» قالت: رأيت يهودية, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقولي هذا يا عائشة, فإنها قد أسلمت فحسن إسلامها».

وخرج أيضاً عن الواقدي: حدثني عبد الله بن أبي نجيح, عن ثبيتة بنت حنظلة, عن أمها أم سنان الأسلمية قالت: لما نزلنا المدينة لم ندخل منازلنا حتى دخلنا مع صفية منزلها, وسمع بها نساء المهاجرين والأنصار, فدخلن عليها متنكرات, فرأيت أربعاً من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم متنقبات: زينب بنت جحش وحفصة وعائشة وجويرية, فأسمع زينب تقول لجويرية بنت الحارث: ما أرى هذه الجارية إلا ستغلبنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت جويرية: كلا إنها من نساء قل ما يحظين عند الأزواج.

وقال الطبراني في "معجمه الأوسط": حدثنا أبو مسلم, حدثنا أبو عمر الضرير, حدثنا حماد بن سلمة, عن ثابت البناني, عن سمية,


#171#

عن عائشة رضي الله عنها قالت: وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية في شيء, فقالت لي صفية: هل لك أن ترضي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولك يومي؟ فلبست خماراً لي كان مصبوغاً بزعفران ونضحته بماء, ثم جئت فجلست إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: «إليك عني فإنه ليس بيومك» فقلت: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء, وأخبرته الخبر فرضي عنها.

وقال أبو عمر بن عبد البر: روينا أن جارية لها أتت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت: إن صفية تحب السبت وتصل اليهود, فبعث إليها عمر فسألها, فقالت: أما السبت فإني لم أحبه منذ أبدلني الله به يوم الجمعة, وأما اليهود فإن لي فيهم رحماً, فأنا أصلها, قال: ثم قالت للجارية: ما حملك على ما صنعت؟ قالت: الشيطان, قالت: اذهبي فأنت حرة.

وقال أبو بكر الخرائطي في كتابه "اعتلال القلوب": حدثنا علي بن داود القنطري, حدثنا آدم بن أبي إياس, حدثنا سليمان بن المغيرة, عن ثابت البناني, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت صفية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وكان ذلك يومها، فأبطأت في المسير، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تبكي وتقول: حملتني على جمل بطئ, فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عينيها ويسكنها رضي الله عنها.


#172#

وقال عبد العزيز بن أبي عمران: حدثنا موسى بن عبيدة الربذي, عن عبد الله بن عبيدة أن نفراً اجتمعوا في حجرة صفية, فذكروا الله تعالى وتلوا القرآن وسجدوا فنادتهم صفية رضي الله عنها: هذا السجود وتلاوة القرآن, فأين البكاء؟

*[وفاتها رضي الله عنها]:

توفيت صفية رضي الله عنها بالمدينة في شهر رمضان سنة خمسين في أيام معاوية. وقيل: سنة ست وثلاثين. وقيل: في خلافة عمر رضي الله عنه سنة خمس عشرة, ودفنت بالبقيع رضي الله عنها.

خرج الطبراني في "معجمه الكبير" من حديث إسحاق بن راهويه حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان, حدثني أبي, عن عكرمة قال: ماتت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم, قال إسحاق: أظنه سماها صفية بنت حيي بالمدينة, فأتيت ابن عباس, فأخبرته, فسجد, فقلت له: أتسجد ولما تطلع الشمس؟ فقال ابن عباس: لا أم لك, أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيتم الآية فاسجدوا» وأية آية أعظم من أمهات المؤمنين يخرجن من بين أظهرنا ونحن أحياء.


#173#

$9 - [أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها]:$

وميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن العامرية.

وأمها هند بنت عوف بن زهير بن حماطة بن جرش, ويقال: جريش, وهو لقب, واسمه منبه بن أسلم بن زيد بن الغوث بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سدد بن زرعة, وهو حمير الأصغر [بن سبأ] بن كعب كهف الظلم بن سهل بن زيد الجمهور.

ولميمونة [أم المؤمنين] رضي الله عنها أخوات سبع, فمن أبيها وأمها هند المذكورين أربع: أم الفضل لبابة الكبرى زوج العباس, وأم بنيه عبد الله والفضل وغيرهما رضي الله عنهم, ولبابة الصغرى أم خالد بن الوليد أثبت إسلامها ابن سعد وغيره, وذكر ابن عبد البر أن فيه نظراً, وعزة أم يزيد الأصم ذكرها في الصحابيات ابن عبد البر منفرداً بذلك, وأم حفيد هزيلة صاحبة الضباب والأقط.

وثلاث من أمها هند وهن بنات عميس بن معد بن الحارث الخثعمي, إحداهن: أسماء أم عبد الله وعون ابني جعفر بن أبي طالب, ثم أم محمد بن أبي بكر الصديق, ثم أم يحيى بن علي بن أبي طالب.


#174#

والثانية: سلمى أم أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب, ثم أم عبد الله وعبد الرحمن ابني شداد بن الهاد.

والثالثة: سلامة بنت عميس, ولم أر لها ذكراً في الصحابيات, والله أعلم.

كان اسم ميمونة برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة, رواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه" عن عمرو بن مرزوق, أخبرنا شعبة, عن عطاء بن أبي ميمونة, عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه من قوله.

ورواه أيضاً عن أبي نعيم, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد من قوله.

وعن عاصم بن يوسف اليربوعي, حدثنا إسرائيل, عن محمد بن عبد الرحمن يعني مولى آل طلحة سمعت كريباً أبا رشدين, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان اسم ميمونة برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة.

وكانت ميمونة في الجاهلية عند مسعود [بن عمرو] بن عمير الثقفي, ثم فارقها وخلفه عليها أبو رهم بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نضر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي فتوفي عنها وهو أخو حويطب بن عبد العزى.


#175#

وقيل: كانت عند أبي رهم بن عبد العزى. قاله الزهري.

وقيل: كانت عند فروة بن عبد العزى بن أسد بن غنم بن دودان. قاله قتادة.

وقيل: كانت عند سبرة بن أبي رهم. حكاه أبو عبيدة.

وقيل: عند حويطب بن عبد العزى أخي أبي رهم, قاله عبد الله بن محمد بن عقيل.

ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبت له نفسها فيما ذكره أبو عبد الله بن منده, قيل: لما أتاها الخاطب – وهو أبو رافع – وهي على بعيرها فقالت: البعير وما عليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه إياها عمه العباس بن عبد المطلب, فيما خرجه الطبراني في "معجمه الأوسط" فقال: أحمد بن داود المكي, حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب, حدثنا سلمة بن عبد الله الأموي, عن عبد الله بن أبي لبيد, عن أبي سلمة بن عبد الرحمن, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ليس للنساء في عقد النكاح شيء, جعلت ميمونة أمرها إلى أم الفضل فجعلته إلى العباس رضي الله عنه فأنكحها للنبي صلى الله عليه وسلم.

لا يروى هذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما إلا بهذا الإسناد, تفرد به يعقوب بن حميد, قاله الطبراني.

وحدث به الواقدي, عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة, عن


#176#

داود بن الحصين, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وقال عبد الله بن يوسف: أخبرنا ابن لهيعة, عن أبي الأسود, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث محمية بن جزء ورجلين آخرين إلى ميمونة يخطبها وهي بمكة, فردت أمرها إلى أختها أم الفضل, فردت أم الفضل إلى العباس رضي الله عنه فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال أبو الرحمن [عبد الله] بن الإمام أحمد في كتاب "العلل": سألت أبي عن حديث ميمونة بنت الحارث أنها جعلت أمرها بيد العباس فزوجها من النبي صلى الله عليه وسلم. صحيح هذا الحديث؟ قال أبي: هذا الحديث ليس له أصل.

وقال محمد بن أحمد بن البراء العبدي: أخبرنا المعافى – يعني: ابن سليمان – حدثنا موسى – هو ابن أعين – عن يحيى بن أيوب, عن عطاء بن أبي رباح, عن ابن عباس رضي الله عنهما, عن العباس رضي الله عنه قال: زوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم ونحن بسرف.

كان تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بميمونة في شوال سنة سبع من الهجرة بسرف في عمرة القضية.


#177#

جاء عن علي بن عبد الله بن عباس قال: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج إلى مكة عام القضية بعث أوس بن خولي وأبا رافع إلى العباس ليزوجه ميمونة, فأضلا بعيريهما, فأقاما أياماً ببطن رابغ حتى أدركهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بقديد وقد ضما بعيريهما, فسارا معه حتى قدم مكة فأرسل إلى العباس, فذكر ذلك له, وجعلت ميمونة أمرها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .... الحديث.

وكان بعد أن حل من عمرته على الصحيح.

وقيل: قبل إحلاله منها وهو محرم وهو أحد قولي ابن عباس رضي الله عنهما, رواه عنه أبو الشعثاء جابر وسعيد بن جبير وعكرمة ومقسم وميمون بن مهران وأبو الزبير.

وخالفهم يزيد بن الأصم فيما رواه الواقدي, عن معمر, عن الزهري, عن يزيد بن الأصم, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حلال.

وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار: حدثنا محمد بن عثمان بن مخلد, حدثنا أبي, عن سلام أبي المنذر, عن مطر الوراق, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال.

خرجه الدارقطني في "سننه" من طريق البزار, وقال: كذا قال. تفرد به محمد بن عثمان, عن أبيه, عن سلام, وهو غريب عن مطر.


#178#

وعند مطر عن ربيعة, عن سليمان بن يسار, عن أبي رافع هذا القول أيضاً.

ورواه أبو الأسود يتيم عروة, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما مثل رواية مطر عنه.

وهذا موافق للصحيح من القولين, وهو قول أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفية بنت شيبة ويزيد بن الأصم وسعيد بن المسيب ومحمد بن إبراهيم التيمي والجمهور.

وأبو رافع هو كان السفير في القضية وباشرها, وعلى يديه جرت, فوجب المصير إلى قوله دون غيره ممن خالفه.

قال أبو حاتم محمد بن حبان في "صحيحه": أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى, حدثنا أبو الربيع الزهراني وخلف بن هشام البزار, قالا: حدثنا حماد بن زيد, حدثنا مطر الوراق, عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن, عن سليمان بن يسار, عن أبي رافع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة حلالاً وبنى بها حلالاً, وكنت الرسول بينهما.

تابعه داود بن عمرو, عن مطر.

وحدث به أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه" عن الفضل بن دكين, عن حماد.


#179#

وخرجه أحمد بن حنبل في "مسنده" والترمذي في "جامعه" والدارقطني في "سننه".

وخرج أحمد والترمذي أيضاً من حديث يزيد بن الأصم, عن ميمونة أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها حلالاً وبنى بها حلالاً وماتت بسرف, فدفناها بالظلة التي بنى بها فيها.

وقال عباس بن محمد الدوري: حدثنا كثير بن هشام, حدثنا جعفر بن برقان, حدثنا ميمون بن مهران قال: كنت عند عطاء بن أبي رباح فسئل أيتزوج المحرم؟ قال: ما حرم الله النكاح منذ أحله, فنظرت إليه فقال: مه أيريبك شيء؟ فقال: فقال ميمون: كتب إلي عمر بن عبد العزيز وأنا يومئذ على أرض الجزيرة: أن سل يزيد بن الأصم, أتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال أو هو حرام؟ قال يزيد: لا, بل تزوجها وهو حلال.

تابعه أبو نعيم الفضل بن دكين عن جعفر يبن برقان.

وقال الطبراني في "معجمه الأوسط": حدثنا أحمد بن عبد الرحمن – يعني: ابن عفان – الحراني, حدثنا أبو جعفر النفيلي, حدثنا خطاب بن القاسم, عن عبد الكريم بن مالك الجزري, عن ميمون بن مهران قال: أتيت صفية بنت شيبة فسألتها أتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم؟


#180#

فقالت: لا, إنما تزوجها وهما حلالان.

لم يرو هذا الحديث عن عبد الكريم إلا خطاب بن القاسم, قاله الطبراني.

وقد خرج أبو داود في "سننه" فقال: حدثنا ابن بشار, حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا سفيان, عن إسماعيل بن أمية, عن رجل, عن سعيد بن المسيب قال: وهم ابن عباس في تزويج ميمونة وهو محرم.

وقال الشافعي: أخبرنا سعيد بن سالم عن إسماعيل بن أمية, عن سعيد بن المسيب قال: أوهم الذي روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم, ما نكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو حلال.

وقال أبو حاتم بن حبان في "صحيحه": قول ابن عباس رضي الله عنهما: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم, يريد به داخل الحرم؛ لا أنه كان محرماً في ذلك الوقت, كما تستعمل العرب ذلك في لغتها تقول لمن دخل نجداً: أنجد, ولمن دخل الظلمة: أظلم, ولمن دخل تهامة: أتهم, أراد أنه داخل الحرم, لا أنه كان محرماً بنفسه في ذلك الوقت. انتهى.

وقيل في ذلك قول ثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها قبل أن يخرج من المدينة.


#181#

حدث به أنس بن عياض, عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن, عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع ورجلاً من الأنصار فأنكحاه ميمونة وهو بالمدينة قبل أن يخرج.

وحدث به الشافعي, عن مالك, عن ربيعة.

ولما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة رضي الله عنها أراد أن يبني بها قبل أن يخرج من مكة, فأتاه في اليوم الرابع من إقامته سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى عند الظهر, وسعد بن عبادة رضي الله عنه يتحدث معه, فأمراه بالخروج ولم يمهلاه أن يبني بميمونة, وذلك فيما رواه الإخباريون ومنهم الواقدي في "السير", فروى عن عبد الله بن محمد قال: فقال – يعني حويطباً -: قد انقضي أجلك, فاخرج. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وما عليكم لو تركتموني فعرست بين أظهركم, فصنعت لكم طعاماً» فقالا: ننشدك الله يا محمد, والعهد الذي بيننا وبينك إلا خرجت من أرضنا, فهذه الثلاث قد مضت, وكان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينزل بيتاً ضربنا له قبة من أدم بالأبطح, فكان هناك حتى خرج منها, لم يدخل تحت سقف من بيوتها, فغضب سعد بن عبادة رضي الله عنه لما رأى من غلطة كلامهم للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لسهيل: كذبت, لا أم لك, ليست بأرضك ولا أرض أبيك, والله لا يخرج منها إلا طائعاً راضياً, فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قال: «يا سعد لا ترد قوماً زارونا في رحالنا», قال: أسكت الرجلان


#182#

عن سعد, قال: ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع بالرحيل وقال: «لا يمسين بها أحد من المسلمين» وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل سرف وتتام الناس وخلف أبا رافع؛ ليحمل إليه زوجته حين يمسي وأقام أبو رافع حتى أمسى فخرج بميمونة ومن معها فلقوا عيناً من سفهاء المشركين من أذى ألسنتهم للنبي صلى الله عليه وسلم, وقال أبو رافع: أنتظر أن يبطش أحد منهم فنستحل منه, فلم يفعلوا, إلا أني قد قلت لهم: ما شئتم هذه والله الخيل والسلاح ببطن يأجج والخيل قد قربت ... وذكر الحديث, وفيه: فلم يأت سرف حتى ذهب عامة الليل, فأتينا سرف فبنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم, [ثم أدلج فسار حتى قدم المدينة.

وقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم] تزوجها على مهر خمسمائة درهم, قال الواقدي: حدثني موسى بن محمد بن عبد الرحمن, عن أبيه, عن عمرة قال: قيل لها: إن ميمونة وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت: تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم على مهر خمسمائة درهم وولي نكاحها العباس رضي الله عنه.

خرج أبو نعيم في كتابه "حلية الأولياء" من حديث أبي اليمان, حدثنا إسماعيل بن عياش, عن صفوان بن عمرو, عن عبد الرحمن بن


#183#

جبير بن نفير, عن أبيه قال: أهدى ابن السائب ابن أخي ميمونة لميمونة رضي الله عنها فراش ريش, فلما أفطرت وأرادت أن ترقد – وقد كانت نحلت من العبادة – قالت: افرشوا فراش ابن أخي, فرقدت عليه, فما تحركت حتى أصبحت, فقالت: أخرجوها عني, هذا مغفل, هذا منيم, لا أفترشها.

*[وفاتها رضي الله عنها]:

ماتت ميمونة رضي الله عنها بسرف في مثل الليلة التي بنى بها رسول صلى الله عليه وسلم فيها. ودفنت في الظلة التي بنى بها فيها, وقبرها ظاهر هناك, مقصود بالزيارة في المكان المعروف اليوم بمسجد ميمونة.

وجاء من حديث جرير: سمعت أبا فزارة, عن يزيد بن الأصم, عن ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها حلالاً, وماتت بسرف في الليلة التي بنى بها فيها. قال: وكانت خالتي فنزلت في قبرها أنا وابن عباس, فلما وضعناها في اللحد مال رأسها فأخذت ردائي فجمعته فوضعته تحت رأسها فأخذه ابن عباس فرمى به ووضع تحت رأسها كذانة.

وكانت وفاة ميمونة رضي الله عنها سنة إحدى وخمسين, وقد بلغت ثمانين سنة.


#184#

وقيل: ماتت سنة ثلاث وستين في أيام معاوية, وقيل: سنة ست وستين. وصحح القول الأول الحافظ أبو محمد الدمياطي فيما أنبئونا عنه, وضعف القولين بعده. وقال: لأن الصحيح أنها توفيت في حياة عائشة رضي الله عنها. انتهى.

ومما يشهد لذلك ما روي من حديث جعفر بن برقان, حدثنا يزيد بن الأصم قال: تلقيت عائشة رضي الله عنها وهي مقبلة من مكة أنا وابن طلحة بن عبيد الله – وهو ابن أختها أم كلثوم – وقد كنا وقعنا في حائط من حيطان المدينة فأصبنا منه فبلغها ذلك قال: فأقبلت على ابن أختها تلومه وتعذله, ثم أقبلت علي فوعظتني موعظة بليغة, ثم قالت: أما علمت أن الله ساقك حتى جعلك في بيت نبيه صلى الله عليه وسلم, ذهبت والله ميمونة ورمى بحبلك على غاربك, أما إنها كانت من أتقانا وأوصلنا للرحم.

وذكر ابن الجوزي في كتابه "التلقيح" وغيره أنها توفيت سنة إحدى وستين.

وقيل: سنة ثمان وثلاثين.

وقيل: سنة أربعين في خلافة علي رضي الله عنه.

وسرف: ما بين التنعيم وبطن مرو, وهو إلى التنعيم أقرب, وهو على ثلاثة فراسخ من مكة.


#185#

*[آخر أمهات المؤمنين]:

وميمونة رضي الله عنها آخر من تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمهات المؤمنين, وهي آخرهن موتاً في قول عطاء بن أبي رباح وغير واحد.

فهؤلاء اللواتي توفي عنهن رسول الله صلى الله عليه وسلم.


#186#

&[نساؤه اللاتي توفين في حياته صلى الله عليه وسلم]&

ومات في حياته صلى الله عليه وسلم من زوجاته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها كما قدمناه.

وكذلك مات في حياته صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية أخي سعد رضعاء النبي صلى الله عليه وسلم ابني بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان الهلالية القيسية أم المساكين.

سميت بذلك في الجاهلية لإطعامها المساكين ورأفتها بهم ورحمتها عليهم وإحسانها إليهم.

كانت عند الطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي رضي الله عنه [فطلقها] فتزوجها أخوه عبيدة بن الحارث, فقتل عنها يوم بدر شهيداً رضي الله عنه فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم, هكذا ذكر غير واحد: منهم ابن الجوزي, وبه جزم الحافظ أبو محمد الدمياطي فيما أنبئونا عنه.

وقال الزهري: وكانت قبله تحت عبد الله بن جحش فقتل عنها يوم أحد.


#187#

خرجه أبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه" من طريق الليث, عن عقيل, عن ابن شهاب, والحاكم في "مستدركه", وحكاه أبو عمر بن عبد البر وابن الجوزي عن الزهري.

وذكره البيهقي وعبد الغني المقدسي, ثم قال: وقيل: عند الطفيل بن الحارث, والأول أصح. انتهى, وعزا أبو عمر بن عبد البر القول الثاني لقتادة, وهو صحيح, فإن ابن أبي خيثمة حدث به في "التاريخ" عن أحمد – هو ابن المقدام – عن زهير – هو ابن العلاء – عن سعيد – هو ابن أبي عروبة – عن قتادة قال: وكانت قبله عند الطفيل بن الحارث.

وفي "الطبقات الكبرى" لابن سعد, عن الزهري خلاف ما ذكر.

قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا محمد بن عبد الله, عن الزهري قال: كانت زينب بنت خزيمة الهلالية تدعى أم المساكين, وكانت عند الطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف فطلقها.

وقال: أخبرنا محمد بن عمر, فحدثني عبد الواحد بن جعفر, عن عبد الواحد بن أبي عون قال: فتزوجها عبيدة بن الحارث فقتل عنها يوم بدر شهيداً رضي الله عنه.

وقال علي بن الجنيد الرازي في "تاريخه": كانت قبله – يعني: قبل النبي صلى الله عليه وسلم – عند الحصين بن الحارث أو عند أخيه الطفيل بن الحارث. انتهى.


#188#

وعبيدة والطفيل والحصين لهم صحبة وهم إخوة بني الحارث بن المطلب بن عبد مناف رضي الله عنهم.

وذكر أبو عبيدة أنها: كانت قبله عند طفيل بن عباد بن الحارث بن المطلب.

وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا كثير بن زيد, عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: قال: وحدثنا محمد بن قدامة, عن أبيه قالا: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة الهلالية أم المساكين فجعلت أمرها إليه, فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأشهد وأصدقها اثنتي عشرة أوقية ونشا, وكان تزويجه إياها في شهر رمضان على رأس إحدى وثلاثين شهراً من الهجرة, فمكثت عنده ثمانية أشهر, وتوفيت في آخر شهر ربيع الآخر على رأس تسعة وثلاثين شهراً وصلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنها بالبقيع.

وحدث به الزبير بن بكار في كتابه "ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم" عن محمد بن حسن – يعني ابن زبالة – عن غير واحد منهم: إبراهيم بن محمد بن عبد المجيد بن سهيل, وكثير بن زيد, عن المطلب بنحوه.


#189#

وفي هذا الحديث أن مكثها عند النبي صلى الله عليه وسلم كان ثمانية أشهر, هذا هو المشهور, وقيل: مكثت عنده صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشهر, وقيل: شهرين.

وفاتها مختلف في وقتها أيضاً, فقيل: توفيت في السنة الخامسة من الهجرة.

وقال أبو عبد الله بن منده: وتوفيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي لم يلبث بعدها إلا يسيراً انتهى.

وكان سنها لما توفيت ثلاثين سنة أو نحوها.

قال الواقدي: سألت عبد الله بن جعفر: من نزل في حفرتها؟ فقال: إخوة لها ثلاثة, قلت: كم كان سنها؟ قال: ثلاثين أو نحوها.

فهاتان زوجتان ماتتا في حياته صلى الله عليه وسلم, وفي ريحانة خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى.

وحكى أبو عمر بن عبد البر فقال: قال أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني النسابة قال: وكانت زينب بنت خزيمة أخت ميمونة رضي الله عنها لأمها.

قال أبو عمر: ولم أر ذلك لغيره, والله أعلم.

قلت: أم ميمونة هند بنت عمرو الحميرية التي ذكرناها قبل, المعروف من بناتها: ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم, ولبابة الكبرى أم بني العباس, ولبابة


#190#

الصغرى أم خالد بن الوليد, والعصماء, كانت تحت أبي بن خلف الجمحي وولدت له, وقيل: هي أم خالد لبابة, لقبها العصماء, وهزيلة أم حفيد وعزة بنات الحارث بن حزن, وأسماء وسلمى وسلامة بنات عميس الخثعمي.

وهذه الثلاثة أخوات المذكورات قبلهن لأمهن وهن صحابيات إلا سلامة, وعزة, والله أعلم.

قال أبو عمر ابن عبد البر عن عزة: وأظنها لم تدرك الإسلام.


#191#

&[ترتيب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم]&

وأول من تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة, ثم سودة, ثم عائشة, ثم حفصة, ثم أم المساكين زينب, ثم أم حبيبة, ثم أم سلمة, ثم زينب بنت جحش, ثم جويرية, ثم صفية, ثم ميمونة رضي الله عنهن.

وذكرهن على هذا الترتيب أبو الحسن علي بن الجنيد الرازي في "تاريخه" غير صفية فلم يذكرها.

وذكرهن أبو محمد بن حزم على الترتيب المذكور إلا أنه أخر أم حبيبة إلى بعد جويرية, واختاره الحافظ أبو محمد عبد العظيم المنذري وغيره, وهو المشهور, وبه جزم الحافظ أبو محمد الدمياطي فيما أنبئونا عنه.

وذكرهن أبو الفرج ابن الجوزي فيما وجدته بخطه في كتابه "منتخل المنتخب" على الترتيب الذي قدمناه إلى حفصة. ثم قال بعدها:


#192#

[ثم] أم سلمة, ثم أم حبيبة, ثم زينب بنت جحش, ثم زينب بنت خزيمة, ثم جويرية, ثم صفية, ثم ميمونة.

وذكرهن أبو بكر ابن أبي خيثمة في "تاريخه" علي هذا الترتيب: خديجة, سودة, عائشة, أم حبيبة, حفصة, زينب بنت جحش, صفية, أم سلمة, ميمونة, جويرية, زينب العامرية رضي الله عنهن.

ثم قال: وهذا آخر ما ذكر عبد الله بن محمد بن عقيل من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم, كتبته على نسق ما كان في حديث ابن عقيل إلا سودة بنت زمعة فإن ابن عقيل جعل عائشة قبلها والباقي على تأليف ابن عقيل, ثم قال: والعامرية لم يذكرها ابن عقيل أيضاً, فأما قتادة فجعل أولهن خديجة وسودة وعائشة وأم حبيبة وأم سلمة وحفصة, فهؤلاء ست من قريش، ومن حلفاء قريش: زينب بنت جحش, ثم من سائر العرب: جويرية بنت الحارث وميمونة بنت الحارث, ومن بنات هارون: صفية بنت حيي, وزينب بنت خزيمة رضي الله عنهن.

وذكر ابن سعد في "الطبقات الكبرى" عن الزهري والمطلب بن عبد الله بن حنطب ترتيبهن ما ملخصه: خديجة, ثم سودة, ثم عائشة, ثم حفصة, ثم أم سلمة, ثم جويرية, ثم زينب بنت جحش, ثم زينب بنت خزيمة, ثم ريحانة النضرية, ثم أم حبيبة, ثم صفية, ثم ميمونة رضي الله عنهن.


#193#

هكذا ذكر فيهن ريحانة, وهي مختلف فيها, هل كان صلى الله عليه وسلم يطؤها بملك اليمين أو كانت زوجة؟ سيأتي الخلاف في ذلك قريباً إن شاء الله تعالى, [و] في ترتيبهن غير ما ذكر فيما جاء عن الزهري وغيره.


#194#

&[قسمه صلى الله عليه وسلم بين نسائه رضي الله عنهن]&

وأما قسمه صلى الله عليه وسلم بين نسائه رضي الله عنهن فكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها, غير سودة, فإنها وهبت يومها وليلتها لعائشة رضي الله عنها كما قدمناه.

وقد خرج مسلم في "صحيحه" من حديث ابن جريج, أخبرني عطاء قال: حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة رضي الله عنهم زوج النبي صلى الله عليه وسلم [بسرف] فقال ابن عباس رضي الله عنهما: هذه زوجة النبي صلى الله عليه وسلم, فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوها ولا تزلزلوا وارفقوا, فإنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم تسع فكان يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة, قال عطاء: التي لا يقسم لها صفية بنت حيي بن أخطب.

وخرجه البخاري, لكن لم يذكر قول عطاء في آخره وتركه – والله أعلم – لما فيه من الوهم, وإنما التي كان لا يقسم لها سودة؛ لأنها وهبت يومها لعائشة رضي الله عنهما, وصفية إنما وهبت لعائشة رضي الله عنها يوماً واحداً من أيامها لترضي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم, ففعلت، فقسم النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة يومها ويوم صفية رضي الله عنهما كما قدمناه من رواية الطبراني في "معجمه الأوسط" ولعل الوهم من هنا حصل, والله أعلم.


#195#

وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم, عن أيوب, [عن أبي] قلابة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل, ثم يقول: «اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك» يعني: الحب بالقلب.

وهذا منقطع سقط منه عبد الله بن يزيد رضيع عائشة رضي الله عنها.

خرجه موصولاً أبو داود فقال: حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا حماد, عن أيوب, عن أبي قلابة, عن عبد الله بن يزيد الخطمي, عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل ويقول: «اللهم هذا قسمي فيما أملك, فلا تلمني فيما تملك ولا أملك».


#196#

قال أبو داود: يعني القلب.

تابعه أبو بكر بن أبي خيثمة فرواه في "التاريخ" عن أبي سلمة, حدثنا حماد. فذكره متصلاً.

وقال ابن أبي مليكة: سألت عنها عائشة رضي الله عنها عن قسمة النبي صلى الله عليه وسلم لأمي ولده فقالت: كان يقسم لهما مرة ويدعهما مرة, فإذا قسم أضعف قسمنا, فلإحداهن يوم ولنا يومان.

أما ولده اللتان لم يسميا في هذا الأثر هما: ريحانة ومارية رضي الله عنهما.

أما الأولى فهي ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة.

هكذا نسبها يزيد بن الهاد, عن ثعلب بن أبي مالك, وكذلك نسبها الزهري وعمر بن الحكم وابن سعد وزاد بعد خنافة: ابن شمعون بن زيد. وقال أبو عبيدة: ريحانة بنت زيد بن شمعون من بني النضير. وجاء عن قتادة عكسه: ريحانة بنت شمعون بن زيد بن خنافة من بني عمرو بن قريظة. ذكر غير واحد أن أباها هو شمعون, وكان أحد موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل في أبيها: شمغون بالغين المعجمة.

وهي من بني النضير, كما قاله أبو عبيدة وغيره.


#197#

وكانت متزوجة رجلاً من بني قريظة, يقال له عبد الحكم, فنسبها بعض الرواة إلى بني قريظة لذلك. قاله ابن سعد وطائفة.

لكن ذكر قتادة أن زوجها عبد الحكم ابن عم لها فيما بلغه.

وممن قال هي قرظية: الزهري.

قال أبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه": حدثنا الوليد بن شجاع, حدثني ابن وهب, أخبرني يونس بن يزيد, عن ابن شهاب قال: واستسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ريحانة من بني قريظة, ثم أعتقها فلحقت بأهلها.

وعلى هذا القول بأن ريحانة من بني قريظة جماعة من المتأخرين.

وقال يعقوب بن سفيان في "تاريخه": ريحانة بنت شمعون من أهل الكتاب من بني خنافة, وهم بطن من بني قريظة.

وقال أبو عمر بن عبد البر: الأكثر أنها من بني قريظة.

وقال أبو عبيدة: وقال بعضهم: ربيحة القرظية إحدى نساء بني خنافة وكانت تكون في نخله بالعالية, وكان يقيل عندها أحيانا إذا


#198#

ما جاء النخل, وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتدأه وجعه الذي توفي فيه عندها, سباها في شوال سنة أربع.

والذي أبهمه أبو عبيدة بقوله: (وقال بعضهم) هو قتادة, والله أعلم.

قال ابن أبي خيثمة في "التاريخ": حدثنا أحمد بن المقدام, حدثنا زهير بن العلاء, حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: وكانت ربيحة القرظية, وقال بعضهم: ريحانة وكانت تكون في نخل بالعالية, وكان يقيل عندها أحياناً إذا أتي النخل.

وزعم بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتدأه وجعه الذي توفي فيه عندهم.

وقد اختلفت الرواية هل كانت زوجة كأمهات المؤمنين أو ملك يمين كمارية؟ فروي عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي المدني إمام بني قريظة وأبي حفص عمر بن الحكم بن رافع الأنصاري ومحمد بن كعب القرظي والمطلب بن عبد الله بن حنطب والزهري والواقدي وكاتبه محمد بن سعد وطائفة من المتأخرين أن ريحانة كانت زوجة.

قال الواقدي: وهو أثبت الأقاويل عندنا, وهو الأمر عند أهل العلم, وقد سمعت من يروي أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعتقها, وكان يطؤها بملك اليمين حتى ماتت رحمها الله تعالى. انتهى.

وقيل فيها قول ثالث, وقد تقدم عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم تسرى بها, ثم أعتقها فلحقت بأهلها والقائلون بزوجيتها مختلفون؛ منهم من قال:


#199#

إنها لم تزل عنده صلى الله عليه وسلم حتى ماتت مرجعه من حجة الوداع, ومنهم من قال: طلقها ثم راجعها, ومنهم من قال: طلقها ولم يراجعها, فكانت في أهلها, وتقول: لا يراني أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال الواقدي فيما رواه عنه كاتبه في "الطبقات": حدثنا عاصم بن عبد [الله بن] الحكم, عن عمر بن الحكم قال: أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة, فكانت عند زوج لها محباً لها مكرماً فقالت: لا أستخلف بعده أبداً, وكانت ذات جمال, فلما سبيت بنو قريظة عرض السبي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت فيمن عرض عليه، فأمر بي فعزلت, وكان يكون له صفي من كل غنيمة, فلما عزلت خار الله لي, فأرسل بي إلى منزل أم المنذر بنت قيس أياماً حتى قتل الأسرى وفرق السبي, ثم دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فتجنبت منه حياء فدعاني فأجلسني بين يديه وقال: «إن اخترت الله ورسوله اختارك رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه» فقلت: فإني أختار الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم. فلما أسلمت أعتقني رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجني وأصدقني اثنتي عشرة أوقية ونشا, كما كان يصدق نساءه، وأعرس بي في بيت أم المنذر، وكان يقسم لي كما كان يقسم لنسائه, وضرب علي الحجاب, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معجباً بها, وكانت لا تسأله شيئا إلا أعطاها ذلك, ولقد قيل لها: لو كنت سألت رسول صلى الله عليه وسلم بني قريظة لأعتقهم, وكانت تقول: لم يخل بي حتى فرق السبي. ولقد كان يخلو بها ويستكثر منها, فلم


#200#

تزل عنده حتى ماتت مرجعه من حجة الوداع, فدفنها بالبقيع, وكان تزويجه إياها في المحرم سنة ست من الهجرة.

وقال أيضاً: حدثني صالح بن جعفر, عن محمد بن كعب قال: كانت ريحانة مما أفاء الله عليه, وكانت امرأة جميلة وسيمة، فلما قتل زوجها وقعت في السبي، وكانت صفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بني قريظة، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الإسلام وبين دينها, فاختارت الإسلام, فأعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وتزوجها وضرب عليها الحجاب, فغارت عليه غيرة شديدة, فطلقها تطليقة وهي في موضعها لم تبرح, فشق عليها، فأكثرت البكاء, فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي على تلك الحال فراجعها, وكانت عنده حتى ماتت عنده قبل أن يتوفى صلى الله عليه وسلم.

وقال أيضاً: حدثني ابن أبي ذئب, عن الزهري قال: كانت ريحانة بنت زيد [بن] عمرو بن خنافة قرظية, وكانت من ملك رسول الله صلى الله عليه وسلم بيمينه فأعتقها ثم تزوجها ثم طلقها وكانت في أهلها, وتقول: لا يراني أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

في هذا الحديث وهل من وجهين: هي نضرية, وتوفيت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, قاله الواقدي.

وقال أبو معشر: ريحانة بنت عبد الله بن خندف القرظية, سباها


#201#

رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بني قريظة فأعتقها وتزوجها, وكانت قبل عند رجل من قومها, فبنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبحت قالت: يا رسول الله, إن بي بياضاً قدر درهم تحت مئزري, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفلا أخبرتيني قبل؟» قالت: أحببت مسك وبركتك وقد أخبرتك. فدعا لها بخير وطلقها, فلبثت أربعة أشهر, فماتت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليها ودفنها رضي الله عنها.

وقال كاتبه في "الطبقات": أخبرنا عبد الملك بن سليمان, عن أيوب بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة, عن أيوب بن بشير المعاوي قال: لما سبيت قريظة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بريحانة إلى بيت سلمى بنت قيس أم المنذر, فكانت عندها حتى حاضت, ثم طهرت من حيضها, فجاءت أم المنذر فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أم المنذر, وقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحببت أعتقتك وتزوجتك فعلت, وإن أحببت أن تكوني في ملكي» فقالت: يا رسول الله أكون في ملكك أخف علي وعليك, فكانت في ملك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطؤها حتى ماتت.

وقال أيضاً: أخبرنا محمد بن عمر, حدثني عمر بن سلمة, عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم قال: لما سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ريحانة, عرض عليها الإسلام فأبت, وقالت: أنا على دين قومي, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أسلمت اختارك رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه» فأبت, فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه إذ سمع خفق نعلين فقال:


#202#

«هذا ابن سعية يبشرني بإسلام ريحانة» فجاءه فأخبره أنها قد أسلمت, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطؤها بالملك حتى توفي عنها صلى الله عليه وسلم.

قيل: ماتت ريحانة رضي الله عنها سنة ست عشرة وصلى عليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وأما الثانية فهي مارية بنت شمعون القبطية أم إبراهيم من أهل حفن من كورة أنصنا, وهي بضم الألف وسكون النون وكسر المهملة, ثم نون ثانية وألف, هكذا قيدها الملك المؤيد إسماعيل الملك الأفضل الأيوبي صاحب حماة في كتابه "نزهة الزمان" وضبطها غيره بفتح الهمزة أولها وبعضهم بكسرها والباقي سواء.

وهي بلدة قديمة من صعيد مصر الأوسط على شط النيل من البر الشرقي, ومنها جلب فرعون السحرة فيما ذكره الشريف الإدريسي في كتابه "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق".

وبلغنا أن بحفن مسجداً بني بعد فتح مصر, بني على اسم مارية, ومارية أهداها إلى النبي صلى الله عليه وسلم عظيم القبط جريج بن مينا المقوقس صاحب الإسكندرية في جملة ما أهدى إليه مع حاطب بن أبي بلتعة ورجل آخر اسمه جبر بن عبد الله القبطي مولى أبي رهم الغفاري, وكان النبي


#203#

صلى الله عليه وسلم أرسل إليه حاطباً في ذي القعدة سنة ست, ومعه كتاب يدعوه إلى الإسلام.

حدث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم, عن أبيه قال: حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب, عن أبيه, عن جده حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك الإسكندرية فجئته بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلني في منزلة وأقمت عنده ليالي, ثم بعث إلي وقد جمع بطارقته فقال: إني سأكلمك بكلام أحب أن تفهم مني, قال: قلت: هلم, قال: أخبرني عن صاحبك, أليس هو نبي؟ قال: قلت: بلى هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فما له حيث كان هكذا لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلدته إلى غيرها؟ فقلت له: فعيسى بن مريم أتشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. فقلت: فما له حيث أخذه قومه فأرادوا صلبه ألا يكون دعا عليهم بأن يهلكهم الله حتى رفعه الله إليه في سماء الدنيا؟! قال: أحسنت, إنه حكيم جاء من عند حكيم, هذه هدايا أبعث بها معك إلى محمد صلى الله عليه وسلم, وأرسل معك من يبلغك إلى مأمنك قال: فأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث جوار منهن أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأخرى وهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهم بن حذيفة العدوي, وأخرى وهبها لحسان بن ثابت, وأرسل إليه بثياب مع طرف من طرفهم.


#204#

وقال إبراهيم الحربي في كتاب "الهدايا": حدثنا محمد بن سهل, حدثنا أصبغ, عن ابن وهب, أخبرني يونس, عن ابن شهاب, أخبرني عبد الرحمن بن عبد القاري أن المقوقس أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع حاطب كسوة وحلة سيراء وجاريتين, فاتخذ إحداهما – أم إبراهيم – وأما الأخرى فوهبها لجهم بن قيس.

وقال الواقدي: حدثني يعقوب بن محمد بن أبي صعصعة, عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة قال: بعث المقوقس صاحب الإسكندرية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة سبع من الهجرة بمارية وبأختها سيرين, وألف مثقال ذهباً وعشرين ثوباً ليناً وبغلته الدلدل, وحماره عفير ويقال: يعفور, ومعهم خصي يقال له مأبور. شيخ كبير, فعرض حاطب بن أبي بلتعة على مارية الإسلام, ورغبها فيه, فأسلمت وأسلمت أختها, وأقام الخصي على دينه حتى أسلم بالمدينة بعد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معجباً بأم إبراهيم, وكانت بيضاء جميلة, فأنزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في العالية الذي يقال لها اليوم: مشربة أم إبراهيم, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختلف إليها هناك, وضرب عليها الحجاب, وكان يطؤها بملك اليمين, فلما حملت وضعت هناك وقبلتها سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجاء أبو رافع زوج سلمى فبشر


#205#

رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبراهيم, فوهب له عبداً, وذلك في ذي الحجة سنة ثمان, وتنافست الأنصار في إبراهيم وأحبوا أن يفرغوا مارية للنبي صلى الله عليه وسلم لما يعلمون من هواه فيها.

وقال أيضاً: حدثني موسى بن محمد بن عبد الرحمن بن حارثة بن النعمان, عن أبيه, [عن عمرة], عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما غرت على امرأة إلا دون ما غرت على مارية, وذلك أنها كانت جميلة من النساء جعدة وأعجب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان أنزلها أول ما قدم بها في بيت لحارثة بن النعمان, فكانت جارتنا, فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عامة الليل والنهار عندها حتى قذعنا لها فجزعت فحولها إلى العالية, فكان ذلك أشد علينا, ثم رزق الله منها الولد وحرمنا منه.

توفيت مارية رضي الله عنها في المحرم سنة ست عشرة, وصلى عليها عمر رضي الله عنه ودفنت بالبقيع.


#206#

&[ولادة سيدنا إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم]&

وروى عمرو بن محمد العنقزي, حدثنا أبو بكر بن أبي سبرة, عن حُسَيْن بن عبد الله, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما ولدت أم إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعتقها ولدها».

خرجه الدارقطني في "سننه" للعنقزي.

تابعه أبو عاصم الضحاك بن مخلد وعبد الحميد بن أبي أويس عن ابن أبي سبرة.

ورواه عبد الله بن سلمة بن أسلم, عن حُسَيْن بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس بنحوه. ورواه سعيد بن زكريا المدائني, عن ابن أبي سارة, عن ابن أبي حُسَيْن, عن عكرمة.

وذكر الزبير بن بكار عن أشياخه: أن أم إبراهيم ولدته بالعالية, وعق عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبش يوم سابعه, وحلق رأسه, حلقه أبو هند, فتصدق بزنة شعره فضة على المساكين, وأمر بشعره فدفن في الأرض، وسماه يومئذ.


#207#

أبو هند هذا هو البياضي الحجام واسمه يسار, وقيل: سالم بن أبي سالم, وقيل: عبد الله بن هند.

وقول الزبير: "وسماه يومئذ" يعني يوم سابعه, فالحديث المشهور يرده من أنه سماه غداة, ولقد جاء من حديث أنس رضي الله عنه.

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا محمد بن عمر, حدثني محمد بن عبد الله, عن الزهري, عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما ولد إبراهيم جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي فقال: «انظري إلى شبهه بي» فقلت: ما أرى شبهاً, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا ترين إلى بياضه ولحمه؟» فقلت: إنه من قصر عليه اللقاح ابيض وسمن.

قال الواقدي: حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم, عن أبيه قال: كان أبو بكر ينفق على مارية حتى توفي, ثم كان عمر ينفق عليها حتى توفيت في خلافته رضي الله عنهم.

وقال الواقدي أيضاً: توفيت مارية أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المحرم سنة ست عشرة من الهجرة, فرؤي عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجمع الناس لشهودها, وصلى عليها, وقبرها بالبقيع. انتهى.


#208#

$[وفاة سيدنا إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم]:$

وتوفي إبراهيم في السنة العاشرة من الهجرة وهو ابن ستة عشر شهراً.

قال محمد بن محمد بن سليمان الباغندي: حدثنا عبد الله بن عمر – يعني: ابن أبان بن صالح الجعفي – حدثنا معاوية بن هشام, حدثنا سفيان, عن فراس, عن الشعبي, عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: توفي إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ستة عشر شهراً, فقال رسول الله صلى الله عله وسلم: «ادفنوه في البقيع, فإن له مرضعاً يتم رضاعه في الجنة».

وحدث به الباغندي أيضاً, عن أبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة, عن معاوية بن هشام كذلك, وعن شيخه المذكور أولاً عن معاوية بن هشام, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن البراء بنحوه.

وقال الإمام أحمد بن حنبل في "مسنده": حدثنا ابن نمير, أخبرنا الأعمش, عن مسلم بن صبيح, قال الأعمش: أراه عن البراء رضي الله عنه, قال: مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ستة عشر شهراً, فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفن في البقيع وقال: «إن له مرضعاً يرضعه في الجنة».

ورواه لابنه عبد الله في "كتاب العلل" أيضاً بها الإسناد.

وقال في "المسند" أيضاً: حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا سفيان عن


#209#

الأعمش, عن أبي الضحى, عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: توفي إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم ابن ستة عشر شهراً فقال: «ادفنوه بالبقيع, فإن له مرضعاً يتم رضاعه في الجنة».

وهذا أحد الأقوال في سن إبراهيم عليه السلام حين توفي.

وقيل: توفي وهو ابن ثمانية عشر شهراً, قاله الواقدي وغيره, وصححه ابن الجوزي.

حدث أبو داود في "سننه" عن محمد بن يحيى بن فارس, عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد, عن ابن إسحاق, حدثني عبد الله بن أبي بكر, عن عمرة, عن عائشة رضي الله عنها قالت: مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهراً فلم يصل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[وقيل: توفي, وهو ابن سبعة عشر شهراً].

وقيل: [توفي] وهو ابن ستة عشر شهراً وثمانية أيام.

وقيل: توفي وهو ابن سنة وعشرة أشهر وستة أيام.

وكانت وفاته يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول, ذكره الواقدي. وكان ذلك في بني مازن عند ظئره أم بردة خولة بنت المنذر بن زيد بن لبيد من بني النجار, وقد تقدم ذكرها, وغسلته في


#210#

قول, وحمل من بيتها على سرير صغير – يأتي ذكره في حديث أبي جعفر محمد بن علي إن شاء الله تعالى – ودفن بالبقيع, ورش على قبره الماء, وقبره ظاهر مشهور يتبرك بزيارته إلى الآن.

قال الزبير بن بكار في كتابه "ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم": حدثني محمد بن حسن, عن محمد بن إسماعيل, عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب أن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم توفي فخرج به وخرج النبي صلى الله عليه وسلم يمشي أمام سريره, ثم جلس على قبره, ثم دلي في قبره, فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وضع في القبر دمعت عيناه, فلما رأى أصحابه ذلك بكوا حتى ارتفعت أصواتهم فأقبل عليه أبو بكر رضي الله عنه فقال: يا رسول الله تبكي وأنت تنهى عن البكاء؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر, تدمع العين ويوجع القلب ولا نقول ما يسخط الرب» قال: ثم دفن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل من أحد يأتينا بماء نطهر به قبر إبراهيم» قال: فأتي بماء, فأمر به, فرش على قبر إبراهيم عليه السلام, ثم وضع يده اليمنى على قبره من عند رأسه, ثم قال: «ختمت عليك بالله من الشيطان الرجيم».

وبإسناده إلى عبد الله بن محمد بن عمر قال: عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رش على قبر إبراهيم ابنه, وكان أول من رش على قبره, وختم عليه بيديه, وقال عند رأسه: «السلام عليكم».


#211#

وهو في "المراسيل" لأبي داود, عن عبد العزيز بن محمد, عن عبد الله بن محمد – يعني ابن عمر, عن أبيه, بهذا.

وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أخبرنا محمد بن عمر, فحدثني أسامة بن زيد الليثي, عن المنذر بن عبيد, عن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت, عن أمه سيرين قالت: حضرت موت إبراهيم عليه السلام فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما صحت أنا وأختي ما ينهانا, فلما مات نهانا عن الصياح, وغسله الفضل بن عباس رضي الله عنهما ورسول الله صلى الله عليه وسلم والعباس جالسان, ثم حمل فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على شفير القبر والعباس جالس إلى جنبه, ونزل في حفرته الفضل بن عباس وأسامة بن زيد وأنا أبكي عند قبره ما ينهاني أحد, وخسفت الشمس يومئذ, فقال الناس: لموت إبراهيم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها لا تنخسف لموت أحد ولا لحياته» ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجة في اللبن, فأمر بها أن تسد, فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: «أما إنها لا تضر ولا تنفع, ولكن تقر بعين الحي, وإن العبد إذا عمل عملاً أحب الله أن يتقنه».

وقال ابن سعد: أخبرنا وكيع بن الجراح, عن سفيان, عن برد, عن مكحول: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على شفير قبر ابنه فرأى فرجة في اللحد, فناول الحفار مدرة وقال: «إنها لا تضر ولا تنفع, ولكن تقر عين الحي».


#212#

وقال: أخبرنا خالد بن مخلد البجلي, حدثني محمد بن موسى, أخبرني محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب قال: أول من دفن بالبقيع عثمان بن مظعون, ثم أتبعه إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم أشار بيده يخبرني أن قبر إبراهيم إذا انتهيت إلى البقيع فجزت أقصى دار عن يسارك تحت الكبا الذي خلف الدار.

ومن أضعف ما قيل في سنه أنه توفي وهو ابن سبعين ليلة.

خرج أبو داود في "سننه" عن عطاء بن أبي رباح: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على ابنه إبراهيم وهو ابن سبعين ليلة.

هذا مرسل, وفيه تصريح بالصلاة عليه.

وكذلك ما خرجه البيهقي في "السنن الكبرى" من حديث إسرائيل, عن جابر, عن عامر, عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال [صلى رسول الله] صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم عليه السلام, ومات وهو ابن ستة عشر شهراً وقال: «إن له مرضعاً في الجنة يتم رضاعه, وهو صديق».

لكن في إسناده جابر الجعفي.

وخرج أبو داود في "المراسيل" فقال: حدثنا هناد بن السري وعثمان بن أبي شيبة, قالا: حدثنا محمد بن عبيد, عن واصل بن داود


#213#

سمعت البهي قال: لما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المقاعد.

البهي تابعي, وهو أبو محمد عبد الله بن يسار مولى مصعب بن الزبير بن العوام القرشي, سمع ابن عمر وابن الزبير وعائشة.

وخرج البيهقي في "سننه الكبرى" من حديث ابن وهب, أخبرني سليمان بن بلال, عن جعفر بن محمد, عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على ابنه إبراهيم حين مات.

ثم قال البيهقي: فهذه الآثار وإن كانت مراسيل, فهي مثل الموصول وبعضها يشد بعضاً وقد أثبتوا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم, وذلك أولى من رواية من روى أنه لم يصل عليه.

قلت: وخرج أبو الحسن الدارقطني في "الأفراد" من حديث أبي ميسرة أحمد بن عبد الله بن ميسرة الحراني, حدثنا أبو قتادة الحراني، عن سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة, عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على [ابنه] إبراهيم فكبر عليه أربعاً.

قال الدارقطني: هذا حديث غريب من حديث سعيد بن أبي عروبة,


#214#

عن قتادة, عن أنس رضي الله عنه, تفرد به أبو قتادة الحراني عبد الله بن واقد عنه، ولا نعلم حدث به عنه غير أبي ميسرة. انتهى.

ورواه عبد الله بن نمير, عن عطاء, عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر على ابنه إبراهيم أربعاً.

وعطاء هذا هو ابن عجلان وليس بابن السائب؛ لأن ابن نمير لم يرو عن ابن السائب ولم يسمع منه.

وأما رواية من روى: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على ولده [إبراهيم] فقد خرجها أبو داود بإسناد فيه ابن إسحاق, عن عائشة رضي الله عنها قالت: مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهراً فلم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم.


#215#

وقال الإمام أحمد في كتاب "العلل": حدثنا حجاج بن محمد الترمذي, عن ابن جريج, أخبرني أبو جعفر محمد بن علي: أن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات حمل إلى قبره على منسج الفرس.

وحدث به أبو داود في "المراسيل" عن أحمد.

"منسج الفرس": ما بين مغرز العنق إلى منقطع الحارك في الصلب, وقيل فيه: (منسج) كالآلة التي يمد عليها الثوب للنسج.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن له مرضعاً في الجنة يتم رضاعه, ولو عاش لكان صديقاً نبياً, ولو عاش لأعتقت أخواله من القبط».

علقه البيهقي في "الدلائل" وهو آخر حديث في الكتاب.

وقال أحمد بن حنبل: حدثنا وكيع, عن إسماعيل بن أبي خالد, سمعت ابن أبي أوفى رضي الله عنهما يقول: لو كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبي ما مات ابنه.


#216#

وفي "صحيح مسلم" من حديث إسماعيل بن علية, عن أيوب, عن عمرو بن سعيد, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان إبراهيم مسترضعاً في عوالي المدينة، فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وإنه ليدخن, وكان ظئره قيناً فيأخذه فيقبله ثم يرجع, قال عمرو: فلما توفي إبراهيم عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن إبراهيم ابني, وإنه مات في الثدي, وإن له لظئرين تكملان رضاعه في الجنة».

$[ذكر امرأة ثانية تسمى مارية]:$

وذكر محمد بن أحمد بن سيد الناس في كتابه "بيع أمهات الأولاد" فيمن ذكر بخدمة النبي صلى الله عليه وسلم يذكر مولويته, [وقرئ احتمال المولوية] فيه, قال: ومارية القبطية جدة المثنى بن صالح.

روى أبو بكر بن عياش, عن المثنى بن صالح, عن جدته مارية القبطية قالت: صافحت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أر كفاً ألين من كفه صلى الله عليه وسلم.

ولم أر أحداً نسب مارية هذه قبطية سوى ابن سيد الناس.


#217#

ورواية أبي بكر بن عياش التي وقعت لي ليس فيها القبطية, وهي من طريق أبي يعقوب يوسف بن يعقوب الصفار, حدثنا أبو بكر بن عياش, عن المثنى بن صالح, عن جدته مارية وكانت خادم النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ما رأيت ألين كفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال يوسف: فذكرته لأحمد بن حميد, وكان ثقة, فذكر عن أبي بكر, عن المثنى بن صالح, عن جدته أنها صافحت النبي صلى الله عليه وسلم .... فذكر بنحوه.

ومن طريق محمد بن عبد الله بن رسته, حدثنا سليمان أبو أيوب, حدثنا أبو بكر بن عياش, حدثني والله محمد, عن المثنى بن صالح سمعت جدتي مارية, وكانت خادمة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أخذت بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيت ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم.

$[ذكر امرأة ثالثة تسمى مارية]:$

وثم مارية ثالثة.

قال أبو عبد الله محمد بن منده في كتابه "معرفة الصحابة": مارية جارية النبي صلى الله عليه وسلم روى حديثها محمد بن حمران, عن عبد الله بن حبيب, عن أم سليمان, عن أمها, ثم روى من طريق معلى بن أسد, ثنا محمد بن حمران, حدثنا عبد الله بن حبيب, عن أم


#218#

سليمان, عن أمها, عن جدتها مارية قالت: تطأطأت للنبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد حائطاً ليلة فر من المشركين.

وخرجه أبو نعيم في "الحلية" ولفظه عن مارية قالت: تطأطأت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين صعد حائطاً فرمى المشركين.

وهذا اللفظ أشبه.

ترجم أبو نعيم على هذه فقال: ومنهن خادمة الرسول مارية المجاهدة المطأطئة.

وقد جاء أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم سريتان غير ما تقدم.

قال أبو عبيدة: كان له أربع – يعني من السراري -: مارية, وريحانة, وأخرى جميلة أصابها في السبي, وجارية وهبتها له زينب, بنت جحش. انتهى.

قلت: [هذه] الجارية التي وهبتها زينب, جاءت قصتها فيما علقه الحافظ أبو عبد الله الذهبي في كتابه "تاريخ الإسلام" في ترجمة صفية بنت حيي: فقال: وقال ثابت البناني: حدثتني سمية – أو سمسية – عن صفية بنت حيي أن النبي صلى الله عليه وسلم حج بنسائه, فبرك بصفية جملها, فبكت،


#219#

وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخبروه, فجعل يمسح دموعها بيده, وهي تبكي, وهو ينهاها, فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس, فلما كان عند الرواح قال لزينب بنت جحش: «أفقري أختك جملاً» وكانت من أكثرهن ظهراً, فقالت: أنا أفقر بيهوديتك, فغضب صلى الله عليه وسلم, فلم يكلمها حتى رجع إلى المدينة, ومحرماً وصفراً, فلم يأتها ولم يقسم لها ويئست منه, فلما كان ربيع الأول دخل عليها, فلما رأته قالت: يا رسول الله ما أصنع؟ قال: وكانت لها جارية تخبئها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: فلانة لك, قالت فمشى النبي صلى الله عليه وسلم إلى سرير, وكان قد رفع, فوضعه بيده ورضي عن أهله.

فهذا ما يسر الله به من ذكر نساء النبي صلى الله عليه وسلم وإمائه اللاتي دخل بهن.


#220#

&[إماؤه صلى الله عليه وسلم الخادمات]&

ومن المعدودات في إمائه صلى الله عليه وسلم:

أميمة, روى عنها جبير بن نفير الحضرمي حديثها عند الشاميين, وهو ما رواه عيسى بن يونس والفضل بن موسى – واللفظ [له] – عن أبي فروة – يزيد بن سنان – عن أبي يحيى – سليم بن عامر – عن جبير بن نفير, عن أميمة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كنت أوضئ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً, فأتاه رجل, فقال: أوصني, فقال: «لا تشرك بالله شيئاً, وإن قطعت أو حرقت بالنار, ولا تدعن صلاة متعمداً؛ فمن تركها فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله, ولا تشربن خمراً؛ فإنه رأس كل خطيئة, ولا تعص والديك, وإن أمراك أن تخلى من أهلك ودنياك».

وبركة أم أيمن, وقد تقدم ذكر نسبها وشيء من ترجمتها عند ذكر وفاة عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم.

وبهية: ذكرها أبو حاتم محمد بن حبان في الصحابيات من كتاب "الثقات" فقال: وبهية مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى.

وخضرة: ذكرها الواقدي وأبو العباس المستغفري في الصحابيات.


#221#

وقيل: إنها من الخادمات الحرائر.

حدث معاوية بن هشام, عن سفيان, عن جعفر بن محمد, عن أبيه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم خادم يقال لها: خضرة وربيحة.

وقيل: هي سريته ريحانة التي تقدم ذكرها.

ورضوى: ذكرها الواقدي.

وفي حديث يأتي [بكماله] إن شاء الله تعالى فيه عن ابن عباس رضي الله عنهما, عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما كان له.

وجارية اسمها روضة.

وسارية, لها حديث [في اللقطة, روى عنها طارق بن عبد الرحمن.

وسلمى أم رافع مولاة صفية بنت عبد المطلب], يقال لها: مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهي قابلة إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكانت قابلة بني فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد قدمنا [عن الواقدي] أنها كانت تقبل خديجة رضي الله عنها في أولادها, وشهدت [سلمى] خيبر مع النبي صلى الله عليه وسلم, ولها عنه رواية.

وسيرين القبطية أخت مارية, أهداهما جميعاً المقوقس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فوهب سيرين لحسان بن ثابت الأنصاري فأولدها عبد الرحمن.


#222#

وصفية, روت عنها أمة الله بنت رزينة في الكسوف, ذكرها ابن سيد الناس محمد بن أحمد فيمن ذكر بخدمته النبي صلى الله عليه وسلم.

ورزينة المذكورة هي خادمة النبي صلى الله عليه وسلم.

روى الحارث بن أبي أسامة, حدثنا عبد العزيز بن أبان, عن عليلة بنت الكميت الأزدية قالت: حدثتني أمي, عن أمة الله, عن رزينة خادمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو مراضيعه ومراضيع فاطمة عليها السلام يوم عاشوراء, فينفث في أفواههم ويقول: «لا تسقوهم شيئاً إلى الليل».

تابعه مسلم بن إبراهيم, فقال: حدثتنا عليلة بنت الكميت العتكية سمعت أمي أمينة أنها أتت واسط زمن الحجاج تطلب عطاءه, قالت: فلقيت ثم مولاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقال لها: أمة الله, بعث إليها الحجاج فجي بها قالت: وكانت أمها خادماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقال لها: رزينة, قالت أمينة: قلت لأمة الله: أسمعت أمك تذكر في صوم عاشوراء شيئاً؟ قالت: نعم, حدثتني أمي رزينة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظمه


#223#

حتى إن كان ليدعو بصبيانه ... وذكر الحديث بنحوه.

وفيه ما يشعر أن رزينة من المواليات, والله تعالى أعلم.

وقيصر, أخت مارية وسيرين المذكورتين قبل.

وميمونة بنت سعد, روى عنها أبو يزيد أيوب بن خالد الضني.

قال أبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه": حدثنا أبو نعيم, حدثنا إسرائيل, عن زيد بن جبير, عن أبي يزيد الضني, عن ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل قبل امرأته وهما صائمان, قال: «أفطرا».

تابعه الإمام أحمد, فرواه عن أبي نعيم.

ورواه ابن ماجه عن أبي بكر ابن أبي شيبة, عن الفضل بن دكين بنحوه.


#224#

وقال البخاري عن هذا الحديث: هذا لا أحدث به, هذا حديث منكر, وأبو يزيد رجل مجهول.

ولميمونة هذه: حديث آخر في "سنن أبي داود" و "ابن ماجه", وحديث ثالث في "سنن النسائي" و "ابن ماجه".

وقيل في نسبها: ميمونة بنت سعيد. وذكر ابن عبد البر أنها من الخادمات.

وفي "جامع الترمذي" ما يدل على ذلك, والله أعلم.

وميمونة بنت أبي عنبسة روت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء, حديثها عند عثمان بن سعيد الهروي قال: حدثنا منتجع بن مصعب بن الحكم العبدي, حدثتنا ربيعة بنت مرثد وكانت تنزل بني قريع, حدثتني منية, عن ميمونة بنت أبي عنبسة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن امرأة من جرش أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعير, فنادت: يا عائشة أعينيني بدعوة رسول


#225#

الله صلى الله عليه وسلم تسكنيني أو تطمنيني بها, وإنه قال لها: «ضعي يدك اليمنى على فؤادك فامسحيه, وقولي: بسم الله اللهم داوني بدوائك, واشفني بشفائك, وأغنني بفضلك عمن سواك» قال ربيعة: فدعوت به فوجدته جيداً. وأظن أن ربيعة قالت: كانت غيراء.

وميمونة: أخرى ثالثة, روى عنها القاسم بن عبد الرحمن وغيره, حديثها عند أهل الشام في فضل بيت المقدس وغيره, ذكر هذه واللتين قبلها: وأن كلا منهن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم, أبو عمر ابن عبد البر وغيره.

وأم ضميرة.

وأم عياش, وقيل بالموحدة والسين المهملة, هي مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكره بعضهم, والمشهور أنها مولاة ابنته رقية, كانت أمة لها, روى عنها عنبسة بن سعيد.

وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا فائد مولى عبد الله, عن عبد الله بن علي بن أبي رافع, عن جدته سلمى قالت: كان خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وخضرة ورضوى وميمونة بنت سعد, أعتقهن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهن.


#226#

وقال القاسم بن ثابت في "الدلائل": وأخبرنا الخفاف عبد الله بن أحمد بن عبد السلام إملاء, حدثنا أبو الدرداء, حدثنا هارون بن عمر المخزومي أبو عمرو, حدثنا كثير بن هشام, عن عبد الملك بن عمير قال: كان اسم غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أنجشة, واسم جاريته بريرة ... وذكر بقيته.

والمشهور أن بريرة جارية زوجته عائشة رضي الله عنها.


#227#

&[النساء اللاتي تزوجهن صلى الله عليه وسلم ثم فارقهن قبل الدخول أو بعده أو خطبهن ولم يعقد عليهن أو عرضن أنفسهن عليه فقبل بعضهن ورد بعضهن]&

ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج نسوة غير من ذكرنا, ودخل بهن ثم فارقهن.

قال يوسف بن قزاغلي سبط ابن الجوزي: وقال بعضهم: تزوج صلى الله عليه وسلم بعد عائشة غزية بنت دودان ودخل بها ثم طلقها.

وهذا الذي نقله السبط لا يثبت.

وقال جده ابن الجوزي: وقال بعضهم: مكثت عنده العالية زماناً, ثم طلقها.

وهذا أيضاً لا يثبت.

والعالية: هي الكلابية بنت ظبيان من بني أبي بكر بن كلاب, وسنذكرها قريباً إن شاء الله تعالى.

وروي عن عمرو بن شعيب, عن أبيه, عن جده قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل بفاطمة بنت الضحاك, ولكنه لما خير نساءه اختارت قومها ففارقها, رواه الواقدي: حدثنا عبد الله بن سليمان, عن عمرو بن شعيب ... فذكره بنحوه.


#228#

وهذا لا يصح أيضاً, وإنما فارقها قبل الدخول بها لسبب سنذكره بعد إن شاء الله تعالى.

وقال ابن الجوزي في ترجمة مليكة بنت كعب الليثية: وقال بعضهم: دخل بها فماتت عنده.

وهذا واه أيضا.

ورواه الواقدي عن عبد العزيز الجندعي, عن أبيه, عن عطاء بن يزيد الجندعي قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم مليكة بنت كعب الليثية في شهر رمضان سنة ثمان, ودخل بها فماتت عنده.

قال الواقدي: وأصحابنا ينكرون ذلك ويقولون: لم يتزوج صلى الله عليه وسلم كتابية قط.

وأما من تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يدخل بها, ومن خطبها فلم يتزوجها, ومن وهبت له نفسها, ومن عرضت عليه فأباها فنيف وثلاثون امرأة, على خلاف في بعضهن, والله أعلم.

قال أبو عبد الله ابن القيم: وأهل العلم بالسيرة وأحواله صلى الله عليه وسلم لا يعرفون هذا, بل ينكرونه, ذكر أنهن نحو أربع أو خمس.


#229#

وفيما قاله ابن القيم نظر, فقد وقع لنا عدة كثيرة منهن:

فمنهن الكلابية: تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة سنة ثمان منصرفه من الجعرانة, وتوفيت سنة ست وخمسين, فيما ذكره الواقدي.

وقيل: توفيت سنة ستين.

وطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الدخول [بها] لما رأى بها بياضاً.

قاله موسى بن سعيد, وابن أبي عون.

وقيل: خيرها فاختارت نفسها فذهبت, وكانت بدوية. قاله الزهري وغيره.

وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: فكانت البتة.

واسمها عمرة بنت يزيد الكلابية، اختارت الفراق فابتلاها الله بالجنون.

وقيل: إن أباها تركها ترعى غنما له فصارت إحداهن، فلم يعلم أمرها إلى اليوم.

وقيل: هي المستعيذة منه.

روي عن عائشة والزهري وسعيد بن أبي هند، وقيل: كانت إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم تطلعت إلى أهل المسجد, فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم


#230#

[أزواجه] وأرينه إياها وهي تطلع, ففارقها.

رواه يزيد بن الهاد, عن ثعلبة بن أبي مالك, عن حُسَيْن بن علي قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بني عامر, وكان إذا خرج تطلعت .... وذكره.

وفي اسم الكلابية هذه اختلاف, فقيل: عمرة بنت يزيد بن عبيد بن رواسي بن كلاب بن ربيعة بن عامر.

وقيل: هند بنت يزيد بن عبيد.

وقيل: فاطمة بنت الضحاك بن سفيان الكلابي.

وقيل: العالية بنت ظبيان بن عمرو بن عوف بن كعب بن عبد بن أبي بكر [بن] كلاب.

وقيل: سنا بنت سفيان بن عوف بن كعب بن عبد بن أبي بكر بن كلاب.

قال ابن الجوزي حين ذكر نحو ما ذكرناه: وهذا الاختلاف في اسمها ونسبها, وهي واحدة.


#231#

وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": وقال بعضهم: لم تكن إلا كلابية واحدة, واختلفوا في اسمها, وقال بعضهم: بل كن جميعاً, ولكل واحدة منهن قصة غير قصة صاحبتها. انتهى.

وممن تزوجها صلى الله عليه وسلم ولم يدخل بها أسماء بنت النعمان بن أبي الجون ابن أبي الأسود بن الحارث بن شراحيل بن الجون بن آكل المرار الكندية الجونية.

وقيل في نسبها واسمها غير ذلك.

تزوجها صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول سنة سبع من الهجرة.

وقيل: سنة تسع.

وتوفيت سنة ستين.

وقيل: في خلافة عثمان [بن عفان] رضي الله عنه بنجد, والله أعلم.

وقيل: إن الجونية هذه هي أسماء بنت كعب.

واختلفوا في سبب فراقها: فقال قتادة: لما دخل صلى الله عليه وسلم عليها دعاها


#232#

فقالت: تعال أنت. فطلقها.

وقال أبو معشر: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بنت النعمان بن الجون من بني آكل المرار بن كندة فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تعال, قالت: أنا من نسوة نؤتى ولا نأتي, فقام إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدها, فقالت: ملكة تحت سوقة! فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وقال: «لو رضيك الله [لي] لأسكتك» فطلقها وردها إلى قومها.

وذكر ابن وهب, عن يونس, عن ابن شهاب أنه قال: وفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم أخت بني الجون من أجل بياض كان لها.

وتابع ابن شهاب غيره على ذلك.

وقال آخرون: فارقها النبي صلى الله عليه وسلم لما استعاذت منه.

قال الواقدي: حدثنا محمد بن يعقوب بن عتبة, عن عبد الواحد بن أبي عون الدوسي قال: قدم النعمان بن [أبي] الجون الكندي, وكان ينزل وبنو أبيه نجداً مما يلي الشربة, فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلماً, فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أزوجك أجمل أيم في العرب كانت تحت ابن عم لها فتوفي عنها فتأيمت, وقد رغبت فيك وخطبت إليك,


#233#

فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم على اثنتي عشرة أوقية ونش, فقال: يا رسول الله لا تقصر بها في المهر, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أصدقت أحداً من نسائي فوق هذا, ولا أصدق أحداً من بناتي فوق هذا» فقال النعمان: ففيك الأسى, قال: فابعث يا رسول الله إلى أهلك من يحملهم إليك، فأنا خارج مع رسولك فمرسل أهلك معه, فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معه أبا أسيد الساعدي, فلما قدما عليها جلست في بيتها وأذنت له أن يدخل, فقال أبو أسيد: إن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يراهن أحد من الرجال. فقال أبو أسيد: وذلك بعد أن نزل الحجاب, فأرسلت إليه فيسرني لأمري, قال: حجاب بينك وبين من تكلمين من الرجال إلا إذا حرم منك, ففعلت, قال أبو أسيد: فأقمت ثلاثة أيام, ثم تحملت معي على جمل ظعينة في محفة, فأقبلت بها حتى قدمت المدينة, فأنزلتها في بني ساعدة, فدخل عليها نساء الحي, فرحبن بها وسهلن, وخرجن من عندها فذكرن من جمالها, وشاع بالمدينة قدومها, قال أبو أسيد: ووجهت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بني عمرو بن عوف فأخبرته, ودخل عليها داخل من النساء قد بين لها لما بلغهن من جمالها, وكانت من أجمل النساء, فقالت: إنك من الملوك, فإن كنت تريدين تحظين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإذا جاءك فاستعيذي منه تحظين عنده ويرغب فيك.

قال الواقدي: فحدثني موسى بن عبيدة, عن عمر بن الحكم, عن أبي أسيد الساعدي قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجونية فحملتها, وكانوا يكونون بناحية نجد, حتى نزلت بها في أطم بني ساعدة, ثم


#234#

جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بها, فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي على رجليه حتى جاءها, فأقعى على ركبتيه ثم أهوى إليها ليقبلها, وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يصنع إذا اجتلى النساء, فقالت: أعوذ بالله منك, فانحرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وقال: «لقد استعذت معاذاً» ووثب عنها, وأمرني فرددتها إلى قومها.

تابعه محمد بن الزبرقان, عن موسى بن عبيدة مثله.

ورواه محمد بن سنان القزاز فقال: حدثنا أبو عاصم, عن موسى بن عبيدة, حدثني عمر بن الحكم عن أسيد بن أبي أسيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من بلجون, قال: فبعثني, فجئتها فأنزلتها بالشعب من وراء الزناب في أجم ... وذكر بقيته.

والمشهور أنه من مسند أبي أسيد, والله أعلم.

وروى الواقدي, عن الأوزاعي قال: سألت الزهري: أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم التي استعاذت منه؟ قال: أخبرني عروة عن عائشة: أن ابنة الجون الكلابية لما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدنا منها قالت: أعوذ بالله منك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عذت بعظيم, الحقي بأهلك».


#235#

وخرج ابن ماجه في "سننه" من حديث عبيد بن القاسم, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن عمرة بنت الجون تعوذت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أدخلت عليه .... الحديث.

وصحح البيهقي أن المستعيذة منه صلى الله عليه وسلم هي أميمة بنت النعمان بن شراحيل.

وقد ثبت من حديث عباس بن سهل بن سعد عن أبيه وأبي أسيد، قالا: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أميمة بنت شراحيل, فلما أدخلت عليه بسط يده إليها, فكأنها كرهت ذلك, فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين رازقيين.

رواه الحُسَيْن بن وليد النيسابوري الفقيه, عن عبد الرحمن بن الغسيل, عن عباس بن سهل, عن أبيه وأبي أسيد.

ورواه إبراهيم بن أبي الوزير عمر بن مطرف المكي, عن عبد الرحمن بن الغسيل, عن حمزة بن أبي أسيد, عن أبيه, وعن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه.

وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا عبد الرحمن بن غسيل, عن


#236#

حمزة بن أبي أسيد, عن أبي أسيد رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى انطلقنا إلى حائط يقال له: الشوط, حتى انتهينا إلى حائطين جلسنا بينهما, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اجلسوا ههنا» ودخل وقد أتي بالجونية, فأنزلت في بيت [في نخل في بيت] أميمة بنت النعمان بن شراحيل ومعها دايتها حاضنة لها, فلما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هبي نفسك لي» قالت: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة؟ قال: فأهوى صلى الله عليه وسلم بيده يضع يده عليها لتسكن فقالت: أعوذ بالله منك, قال: «قد عذت بمعاذ», ثم خرج علينا فقال: «يا أبا أسيد اكسها رازقيين وألحقها بأهلها».

وقال هشام بن محمد بن السائب الكلبي: حدثني ابن الغسيل, عن حمزة بن أبي أسيد الساعدي, عن أبيه – وكان بدرياً – قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بنت النعمان الجونية, فأرسلني فجئت بها, فقالت حفصة لعائشة أو عائشة لحفصة: احضنيها أنت وأنا أمشطها, ففعلنا, ثم قالت لها إحداهما: إن النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه من المرأة إذا دخلت عليه أن تقول: أعوذ بالله منك, فلما دخلت عليه وأغلق الباب وأرخى الستر مد يده إليها فقالت: أعوذ بالله منك. فقال صلى الله عليه وسلم بكمه على وجهه, فاستتر به وقال: «عذت معاذاً» ثلاث مرات.

قال أبو أسيد: ثم خرج علي فقال: «يا أبا أسيد ألحقها بأهلها ومتعها برازقيين» فكانت تقول: ادعوني الشقية.


#237#

قال [الواقدي]: فحدثني سليمان بن الحارث, عن عباس بن سهل, سمعت أبا أسيد الساعدي يقول: لما طلعت بها على الصريم تصايحوا وقالوا: إنك لغير مباركة, فقالت: خدعت فقيل لي كيت وكيت – الذي قيل لها – فقال أهلها: لقد جعلتينا في العرب شهرة, فبادرت أبا أسيد الساعدي فقالت: قد كان ما كان, فالذي أصنع ما هو؟ قال: أقيمي في بيتك واحتجبي إلا من ذي محرم ولا يطمع فيك طامع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنك من أمهات المؤمنين, فأقامت لا يطمع فيها طامع ولا ترى إلا لذي محرم حتى توفيت في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه عند أهلها بنجد.

وروى هشام بن محمد بن السائب الكلبي, عن أبيه, عن أبي صالح, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خلف على أسماء بنت النعمان المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة, فأراد عمر أن يعاقبها فقالت: والله ما ضرب علي الحجاب, ولا سميت بأم المؤمنين.

وهذا لا يثبت, وبعضهم ينكر تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بها أصلاً.

ومنهن قتيلة بنت قيس بن معدي كرب بن معاوية بن جبلة بن


#238#

عدي بن ربيعة بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن كندة, أخت الأشعث بن قيس, زوجه إياها أخوها الأشعث.

حدث هشام بن محمد بن الكلبي, عن أبيه, عن أبي صالح, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما استعاذت أسماء بنت النعمان من النبي صلى الله عليه وسلم خرج والغضب يعرف في وجه, فقال له الأشعث بن قيس: يا رسول الله, ألا أزوجك من ليس دونها في الجمال والحسن؟ قال: أختي قتيلة. قال: «قد تزوجتها» قال: فانصرف الأشعث إلى حضرموت, ثم حملها حتى إذا فصل من اليمن بلغه وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فردها إلى بلاده, وارتد وارتدت معه فيمن ارتد, فلذلك تزوجت لفساد النكاح بالارتداد, وكان تزوجها قيس بن مكشوح المرادي.

وقال محمد بن الوليد البسري: حدثنا عبد الوهاب, حدثنا داود بن أبي هند, عن عامر أن نبي صلى الله عليه وسلم ملك بنت الأشعث قتيلة فتزوجها عكرمة بن أبي جعل بعد ذلك, فشق على أبي بكر رضي الله عنه مشقة شديدة, فقال له عمر رضي الله عنه: يا خليفة رسول الله إنها ليست من نسائه, ولم يخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولم يحجبها, وقد برأه الله منها بالردة التي ارتدت مع قومها. فاطمأن أبو بكر رضي الله عنه, وسكن.

وربما يستدل بهذا من قال بجواز نكاح التي فارقها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته


#239#

ولم يدخل بها, وهو أحد الأوجه الثلاثة المحكية عن أصحاب الشافعي.

ونقل عن الشيخ أبي حامد أحمد بن محمد بن أحمد الإسفراييني الإمام الجليل أنه ذكر أن هذا الوجه هو الصحيح, لكن الذي رجحه الإمام أبو زكريا النووي رحمه الله وحكي عن نص الشافعي رضي الله عنه أنها محرمة على غير النبي صلى الله عليه وسلم أبداً كالتي دخل بها وتوفي عنها, وذلك لقول الله عز وجل: {وأزواجه أمهاتهم} .

والوجه الثالث: لا تحرم؛ لإعراض النبي صلى الله عليه وسلم عنها.

وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: ثم تزوج حين قدم وفد كندة عليه قتيلة بنت قيس أخت الأشعث بن قيس في سنة عشر, ثم اشتكى في النصف من صفر, ثم قبض صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ليومين مضيا من شهر ربيع الأول, ولم تكن قدمت عليه ولا دخل بها وقت تزويجه إياها, فزعم قوم أنه تزوجها قبل وفاته بشهرين, وزعم آخرون أنه تزوجها في مرضه. وزعم بعضهم أنه أوصى بقتيلة أن تخير إن شاءت أن يضرب عليها الحجاب وتحرم على المؤمنين ويجري عليها ما يجري على أمهات المؤمنين, وإن شاءت فلتنكح من شاءت, فاختارت النكاح, فتزوجها عكرمة بن أبي جهل بحضرموت، فبلغ ذلك أبا بكر رضي الله عنه فقال: لقد هممت أن أحرق عليهما. فقال عمر رضي الله عنه: ما هي من أمهات المؤمنين, ما دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم ولا ضرب عليها حجاباً.

وذكر بعضهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوص فيها بشيء وإنما ارتدت, فاحتج عمر على أبي بكر رضي الله عنهما في مقالته أنها ليست من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بارتدادها, فلم تلد لعكرمة إلا مختلاً.


#240#

قول أبي عبيدة: "وذكر بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوص فيها بشيء" رواه أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي فقال: حدثنا سعيد بن سليمان, عن عباد بن العوام, عن داود بن أبي هند, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج قتيلة, فارتدت مع قومها, ولم يخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجبها, فبرأه الله منها.

قال الواقدي: حدثني ابن أبي الزناد وأبو الحصيب, عن هشام بن عروة, عن أبيه: أنه كان ينكر ذلك ويقول: لم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم قتيلة بنت قيس, ولا تزوج كندية إلا أخت بني الجون ملكها وأتي بها فلما نظر إليها طلقها ولم يبن بها.

وذكر ابن منده أن التي ارتدت هي البرصاء من بني عوف بن سعد بن ذبيان.

وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هم برجم امرأة فارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكحت بعده, فقالت له: وما ضرب علي رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاباً ولا دعيت أم المؤمنين, فكف عنها.

ذكره القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي في كتابه "أحكام القرآن" وقال فيه في قوله تعالى: {وأزواجه أمهاتهم} اختلف الناس هل هن أمهات الرجال والنساء, أم هن أمهات الرجال خاصة؟ علي قولين, فقيل: ذلك عام في الرجال والنساء, وقيل: هو خاص للرجال.


#241#

ثم قال: وقد روي أن امرأة قالت لعائشة رضي الله عنها: "يا أماه" فقالت: لست لك بأم, إنما أنا أم رجالكم.

قال ابن العربي: وهو الصحيح. انتهى.

وهذا الحديث رواه أبو نعيم الفضل بن دكين فقال: حدثنا سفيان، عن فراس, عن الشعبي, عن مسروق قال: قالت امرأة لعائشة رضي الله عنها: يا أمه, قالت: إني لست بأمك, إنما أنا أم رجالكم.

- وخولة: ويقال خويلة بنت الهذيل بن هبيرة بن قبيصة بن الحارث التغلبية.

قال هشام بن محمد الكلبي: حدثني الشرقي بن القطامي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج خولة بنت الهذيل فهلكت في الطريق قبل أن تصل إليه, وكانت ربتها خالتها خرنق بنت خليفة أخت دحية بن خليفة.

وروى المفضل الغلابي: عن علي بن صالح, عن علي بن مجاهد قال: نكح رسول الله صلى الله عليه وسلم خولة بنت الهذيل التغلبية, فحملت إليه من الشام, فماتت في الطريق, فنكح خالتها شراف بنت فضالة, فماتت في الطريق أيضاً.

هكذا قال: "شراف بنت فضالة", وإنما هي بنت خليفة, والله أعلم.

وهي شراف بنت خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس بن


#242#

الخزرج الكلبي, أخت دحية, تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يدخل بها.

قاله الطبراني.

وقال هشام بن الكلبي: حدثنا الشرقي بن القطامي قال: لما هلكت خولة بنت الهذيل تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم شراف بنت خليفة أخت دحية, ثم لم يدخل بها.

وقال الواقدي: حدثني الثوري, عن جابر, عن عبد الرحمن بن سابط قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من كلب, فبعث عائشة تنظر إليها فذهبت ثم رجعت, فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما رأيت؟" فقالت: ما رأيت طائلاً, [فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد رأيت طائلاً] لقد رأيت خالاً بخدها اقشعرت كل شعرة منك» فقالت: يا رسول الله ما دونك سر.

ورواه محمد بن عبد الله الحضرمي الحافظ مطين, عن عبد الرحمن بن الفضل بن الموفق, حدثنا أبي, حدثنا سفيان الثوري, عن جابر, عن ابن أبي مليكة قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من بني كلب ... وذكره مختصرا.

ورواه الرقاشي فقال: حدثنا أبو حذيفة, حدثنا سفيان الثوري, عن جابر الجعفي, عن ابن سابط, عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب


#243#

امرأة من كلب, فبعث عائشة تنظر إليها, فقال لها: «كيف رأيت؟» قالت ما رأيت طائلاً, فقال لها: «لقد رأيت طائلا، ورأيت خالاً بخدها اقشعرت كل شعرة منك على حدة) فقالت: ما دونك سر.

ورواه عبد الله ابن الإمام أحمد في "العلل" فقال: قرأت على أبي: وكيع, حدثنا سفيان, عن رجل أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عائشة إلى امرأة ... الحديث.

وقال أيضاً: قرأت علي أبي: ابن مهدي, عن سفيان, عن جابر, عن ابن سابط قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من كلب, فأرسل عائشة ... فذكر نحوه.

وقال أبو نعيم الحافظ: حدثنا محمد بن معمر الذهلي, حدثنا محمد بن أحمد بن داود المؤدب البغدادي, حدثنا محمد بن يحيى بن فياض الرماني, حدثني أبي يحيى بن فياض, حدثنا سفيان, حدثني جابر, عن ابن سابط, عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل عائشة إلى امرأة فقالت: ما رأيت طائلاً, فقال: «لقد رأيت خالاً بخدها اقشعرت ذؤابتك» فقالت: ما دونك سر, من يستطيع أن يكتمك؟

خرجه الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في "تاريخه" عن أبي نعيم في ترجمة المؤدب هذا.

وخرجه أبو حفص عمر بن شاهين في كتابه "دلائل النبوة" من طريق زهير بن عباد, حدثنا مصعب – يعني ابن ماهان – عن سفيان, وهو


#244#

الثوري, عن جابر, وهو ابن يزيد الجعفي ... فذكره.

وحدث به أيضاً من طريق محمد بن يوسف الفريابي, عن سفيان لكنه لم يذكر عائشة, كنحو رواية ابن مهدي التي قدمناها.

وقال ابن شاهين في أواخر الكتاب: حدثنا محمد بن مخلد بن حفص, حدثنا أبو عون محمد بن عمرو – يعني: ابن عون – حدثنا إسماعيل بن زرارة, حدثنا إسماعيل بن مسلم السكري, حدثنا هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخطب عليه امرأة, قالت: فذهبت, فرأيت أمراً عظيماً من جمال, فرجعت إليه فقال: «ما رأيت يا عائشة؟» قالت: قلت: يا رسول الله ما رأيت طائلاً. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فقد أخذت في معاريض القول, لقد رأيت بخدها الأيمن خالاً قامت كل شعرة منك على حيالها».

و (سبا) بالمهملة بعدها موحدة, وقيل بالنون مكان الموحدة. وذكر أبو عمر ابن عبد البر أنه أولى بالصواب إن شاء الله.

وقيل: أسماء بنت الصلت.

وقيل: سنا بنت أسماء بن الصلت السلمية.

وقال ابن أبي خيثمة في "تاريخه": وقال أبو عبيدة: وزعم حفص ابن النضر السلمي, وعبد القاهر بن السري السلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج


#245#

سنا بنت أسماء بن الصلت السلمية, فماتت قبل أن يدخل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كذا قالا, وخالفهما قتادة.

قال قتادة: وتزوج [رسول الله صلى الله عليه وسلم] أنساً بنت أسماء بن الصلت من بني حرام من بني سليم.

وقال أبو عمر بن عبد البر: وقال علي بن عبد العزيز بن علي بن الحسن الجرجاني النسابة: هي وسناء بنت الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال بن حرام بن سمال بن عوف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم – وهو ابن منصور – بن عكرمة بن خصفة بن قيس غيلان بن مضر السلمية.

قال هشام بن محمد بن الكلبي: حدثني رجل من رهط عبد الله بن حازم السلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج سنا بنت الصلت بن حبيب السلمية, فماتت قبل أن يصل إليها.

وقيل: لما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها ماتت من الفرح.


#246#

وقيل: سنا هذه هي التي عرضها أبوها على النبي صلى الله عليه وسلم, وقال في وصفها: لا والله ما أصابها مرض قط, فلم يردها النبي صلى الله عليه وسلم, وستأتي القصة إن شاء الله تعالى.

وليلى بنت الخطيم بن عدي بن عمرو بن سواد بن ظفر بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصارية.

أخت قيس بن الخطيم الشاعر, لا يعرف له إسلام.

وهبت ليلى نفسها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلها, وكانت غيوراً فاستقالته فأقالها.

قال أبو عمر بن عبد البر: ذكرها أحمد بن صالح المصري في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكرها غيره فيما علمت. انتهى.

قلت: ذكرها غيره, قال أبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه": وقال الأثرم – يعني علي بن المغيرة – عن غير أبي عبيدة قال: أقبلت ليلى بنت الخطيم بن عدي بن عوف بن سواد بن ظفر بن الحارث بن الخزرج بن عمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو مول ظهره الشمس, فضربت على منكبه, قال: «من هذه؟» قالت: أنا بنت مباري الريح, أنا ليلى بنت الخطيم, جئتك أعرض عليك نفسي فتزوجني, قال: «قد فعلت», فرجعت إلى قومها فقالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم, قالوا: بئس ما صنعت, أنت


#247#

امرأة غيراء والنبي صلى الله عليه وسلم صاحب نساء, استقيليه نفسك, فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أقلني, فقال: «قد أقلتك».

وقال الواقدي: حدثنا محمد بن صالح بن دينار, عن عاصم بن عمر بن قتادة, قال: كانت ليلى بنت الخطيم وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم, فقبلها, وكانت تركب بعولتها ركوباً منكراً, وكانت سيئة الخلق, فقالت: لا والله لأجعلن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يتزوج في هذا الحي من الأنصار, والله لآتينه ولأهبن نفسي له, فأتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم مع رجل من أصحابه, فما راعه إلا بها واضعة يديها عليه, فقال: «من هذا أكله الأسود؟» فقالت: أنا ليلى بنت سيد قومها, قد وهبت نفسي لك. قال: «قد قبلتك ارجعي حتى يأتيك أمري», فأتت قومها فقالوا: أنت امرأة ليس لك صبر على الضرائر, وقد أحل الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن ينكح ما شاء, فرجعت, فقالت: إن الله قد أحل لك النساء وأنا امرأة طويلة اللسان, لا صبر لي على الضرائر, واستقالته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد أقلتك».

وعمرة بنت معاوية الكندية, ذكرها غير واحد هكذا.


#248#

وقد قدمنا بإسناد الواقدي عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج كندية إلا أخت بني الجون, والله أعلم.

وجاء عن الشعبي: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من كندة, فجئ بها بعدما مات.

والغفارية التي رأى بكشحها وضحاً, سماها سيف بن عمر الأسيدي: عمرة بنت يزيد, وقال: لما أدخلت عليه وجردها للباه رأى بها وضحاً فردها, وقد وجب لها المهر, وحرمت على من بعده.

وقال أبو حاتم الرازي: حدثنا عبد الله بن صالح بن مسلم, حدثنا محمد بن عمر العطار, عن جميل بن زيد, [عن سعد بن زيد] الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من غفار, ودخل بها فلما نزع ثيابها أبصر بها بياضاً من برص عند ثديها, فاماز رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «خذي ثيابك والحقي بأهلك» وأكمل لها الصداق.

ورواه يحيى بن يحيى, أخبرنا محمد بن جابر, عن جميل بن زيد, عن زيد بن كعب قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من غفار, فأهديت إليه، فرأى بكشحها وضحاً من بياض, قال: «ضمي إليك ثيابك والحقي بأهلك» وألحق بها مهرها.


#249#

زيد بن كعب وسعد بن زيد: هما واحد, وقيل فيه أيضاً: كعب بن زيد.

وقد تقدم أن الكلابية رأى بها بياضاً فطلقها قبل الدخول. والله أعلم.

وقال أبو عمر بن عبد البر: أم شريك بنت جابر الغفارية, ذكرها أحمد بن صالح المصري في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم هكذا. انتهى.

وقال الواقدي: حدثني عبد الله بن جعفر, عن يزيد بن بكر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ابنة جندب بن ضمرة الجندعي.

قال الواقدي: وأصحابنا ينكرون ذلك.

وذكر سيف بن عمر في كتابه "الفتوح" من النساء التي دخل بهن: الشنباء [قال]: فإنها لما أدخلت عليه لم تكن باليسيرة, [لما أدخلت عليه] فانتظر بها اليسر.

وذكر أيضاً: الشاة بنت رفاعة.

قال: وبنو رفاعة هؤلاء من بني كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.


#250#

وقال: وأما الشاة حين خير صلى الله عليه وسلم نساءه بين الدنيا والآخرة فاختارت أن تزوج بعده, فطلقها. انتهى.


#251#

&[من خطبهن صلى الله عليه وسلم ولم يعقد عليهن]&

وأما من خطبهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعقد عليهن فجماعة منهن:

$أم هانئ بنت أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم, واسمها فاختة.$

وقيل: هند, وقيل: جمانة, كما قدمناه في ذكر أعمام النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن سعد: وكان هشام بن الكلبي يقول: اسمها هند, وفاختة عندنا أكثر, وأمها فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.

قال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أخبرنا عبد الله بن نمير، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد, عن عامر قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أم هانئ, فقالت: يا رسول الله, لأنت أحب إلي من سمعي وبصري, وحق الزوج عظيم, فأخشى إن أقبلت على زوجي أن أضيع بعض شأني وولدي, وإن أقبلت على ولدي أن أضيع حق الزوج, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن خير نساء ركبن الإبل: نساء قريش, أحناه على ولد في صغره, وأرعاه على بعل في ذات يده».


#252#

وقال الحاكم أبو عبد الله في "المستدرك": أخبرنا أبو العباس المحبوبي, حدثنا سعيد بن مسعود, حدثنا عبيد الله بن موسي, عن إسرائيل, عن الشعبي, عن أبي صالح, عن أم هانئ رضي الله عنها قالت: خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه, فعذرني, ثم أنزل الله عز وجل {يأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي ءاتيت أجورهن}, إلى قوله: {اللاتي هاجرن معك} قالت: فلم أحل له, لم أهاجر معه, كنت من الطلقاء.

وقال الحسين بن الفرج: حدثنا محمد بن عمر – يعني: الواقدي – قال: وفيما ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب إلى عمه أبي طالب أم هانئ قبل أن يوحى إليه وخطبها معه هبيرة بن أبي وهب, ثم زوجها [هبيرة], فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يا عم, زوجت هبيرة وتركتني؟» فقال: يا ابن أخي أنا صاهرت إليهم, والكريم يكافئ الكريم, ثم أسلمت ففرق الإسلام بينها وبين هبيرة, فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نفسها, فقالت: والله إن كنت لأحبك في الجاهلية, فكيف في الإسلام؟.

هكذا في هذه الرواية.

وحدث به هشام بن محمد بن السائب الكلبي, عن أبيه, عن أبي


#253#

صالح, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي طالب ابنته أم هانئ في الجاهلية ... وذكره, وزاد بعد قولها: فكيف في الإسلام؟ قالت: ولكني امرأة مصبية, وأكره أن يؤذوك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير نساء ركبن المطايا: نساء قريش, أحناه على ولد في صغره, وأرعاه على زوج في ذات يده».

وحكى هذه القصة كنحو رواية الواقدي: علي بن المغيرة الأثرم صاحب أبي عبيدة, عن غير أبي عبيدة, فيما ذكره أبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه" فقال: وقال الأثرم عن غير أبي عبيدة: وخطب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي طالب ابنته هند, وهي أم هانئ في الجاهلية .... وذكر القصة.

$وضباعة بنت عامر بن قرط بن سلمة بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامرية.$

قال هشام بن الكلبي, عن أبيه, عن أبي صالح, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت ضباعة بنت عامر عند هوذة بن علي الحنفي, فهلك


#254#

عنها فورثته مالاً كثيراً, فتزوجها عبد الله بن جدعان التيمي, وكان لا يولد له فسألته الطلاق فطلقها, فتزوجها هشام بن المغيرة, فولدت له سلمة, فكان من خيار المسلمين, فتوفي عنها هشام, وكانت من أجمل نساء العرب وأعظمه خلقاً, وكانت إذا جلست أخذت من الأرض شيئاً كثيراً, وكانت تغطي جسدها بشعرها, فذكر جمالها للنبي صلى الله عليه وسلم فخطبها إلى ابنها سلمة بن هشام بن المغيرة فقال: حتى أستأمرها. وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إنها قد كبرت, فأتاها ابنها فقال لها: إن النبي صلى الله عليه وسلم خطبك إلي، فقالت: ما قلت له؟ قال: قلت حتى أستأمرها. فقالت: وفي النبي صلى الله عليه وسلم يستأمر, ارجع فزوجه, فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسكت عنه.

وذكر محمد بن حبيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ضباعة هذه فذكرن له عنها كبرها, فتركها, فقيل: إنها ماتت كمداً وحزناً.

وضباعة هذه فيما قيل: هي التي وضعت ثيابها إلا درعاً مفرجاً عليها, وطافت بالبيت وهي تقول:

اليوم يبدو بعضه أو كله ... وما بدا منه فلا أحله


#255#

$وحبيبة بنت سهل بن شعبة الأنصارية النجارية.$

عزم النبي صلى الله عليه وسلم على أن يتزوجها ثم تركها, فتزوجها ثابت بن قيس بن شماس.

ذكره غير واحد, منهم أبو عبيدة معمر بن المثنى بنحوه فقال: وذكر


#256#

عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي, سمعت يحيى بن سعيد يقول: أخبرتني عمرة أن حبيبة.. فذكره.

وحبيبة هذه هي المختلعة من ثابت التي قال النبي صلى الله عليه وسلم لزوجها: «خذ منها الحديقة وطلقها تطليقة», كذا سماها غير واحد.

وخرج الدارقطني في "سننه" من حديث يوسف بن سعيد, حدثنا حجاج عن ابن جريج, أخبرني أبو الزبير أن ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده زينب بنت عبد الله بن أبي بن سلول, وكان أصدقها حديقة فكرهته فقال النبي صلى الله عليه: «أتردين عليه حديقته التي أعطاك؟» قالت: نعم, وزيادة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما الزيادة فلا, ولكن حديقته؟» قالت: نعم. فأخذها له وخلى سبيلها, فلما بلغ ذلك ثابت بن قيس قال: [قد] قبلت قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

سمعه أبو الزبير من غير واحد.


#257#

وقيل: إن المختلعة من ثابت جميلة بنت أبي بن سلول, وصحح القول الأول من الثلاثة.

$وصفية بنت بشامة بن نضلة أخت الأعور بن بشامة العنبري.$

قال هشام بن الكلبي, عن أبيه, عن أبي صالح, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم صفية بنت بشامة بن نضلة العنبري, وكان أصابها سباء, فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن شئت أنا, وإن شئت زوجك» قالت: بل زوجي, فأرسلها, فلعنتها بنو تميم.

وذكر الطبراني نحوه.

$وجمرة بنت الحارث بن عوف المزني.$

وقيل: بنت الحارث بن عوف بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان.

وقيل: أمامة بنت الحارث بن عوف بن أبي حارثة بن مرة الغطفاني.

كان أحد رؤوس الأحزاب أبوها ثم أسلم, وكان سيداً في قومه, فخطبها النبي صلى الله عليه وسلم, فقال الحارث أبوها, وكان أعرابياً جافياً سيداً في قومه: إن بها بياضاً – والعرب تكني عن البياض بالبرص – فقال


#258#

رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليكن كذلك» فبرصت من وقتها, فتزوجها ابن عمها يزيد بن جمرة بن عوف بن أبي حارثة فولدت له شبيباً الشاعر المعروف بابن البرصاء, عرف بها.

$وسودة القرشية خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكانت مصبية فقالت: أخاف أن تضغوا صبيتي عند رأسك, فجهزها ودعا لها.$

قال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا أبو النضر, حدثنا عبد الحميد, حدثنا شهر, حدثني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب امرأة من قومه يقال لها: سودة, وكانت مصبية, كان لها خمس صبية أو ستة من بعل لها مات, فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يمنعك مني؟» قالت: والله يا نبي الله ما يمنعني منك أن لا تكون أحب البرية إلي, ولكني أكرمك أن تضغوا هؤلاء الصبية عند رأسك بكرة وعشياً. قال: «فهل منعك مني شيء [عظيم] غير ذلك؟» قالت: لا والله, قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحمك الله, إن خير نساء ركبن أعجاز الإبل: صالح نساء قريش, أحناه على ولد في صغره, وأرعاه عل بعل بذات يد» .... الحديث.


#259#

$وأم حبيب, ويقال أم حبيبة - والأول أكثر - بنت العباس بن عبد المطلب. أمها أم الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث بن حزن.$

ذكر بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبها فوجد أباها العباس أخاه من الرضاعة, أرضعتها أمة اسمها ثويبة, كانت لأبي صيفي بن هاشم, وهذا وهم؛ لأن ثويبة إنما أرضعت حمزة لا العباس كما قدمناه, وهي مولاة لأبي لهب, وقد تقدم ذكرها في فصل الرضاع من الكتاب.

وذكر أبو عمر بن عبد البر في كتابه "الاستيعاب" في ترجمة أم حبيب أنها مذكورة في حديث أم الفضل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو بلغت أم حبيبة بنت العباس وأنا حي لتزوجتها» وتزوجها الأسود بن سفيان بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.

وما ذكره ابن عبد البر حدث به يونس بن بكير في "المغازي" عن ابن إسحاق, حدثني الحُسَيْن بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم حبيب ابنة عباس بن عبد المطلب وهي تدب بين يديه, فقال صلى الله عليه وسلم: «لئن بلغت هذه وأنا حي لأتزوجنها» فقبض النبي صلى الله عليه وسلم قبل [أن] تبلغ, فتزوجها الأسود أخو أبي سلمة, فولدت له رزق بن الأسود, ولبابة ابنة الأسود، سماها بأمها أم الفضل كان اسمها لبابة.


#260#

وامرأة غير مسماة قال مجاهد: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: حتى أستأمر أبي. فلقيت أباها, فأذن لها, فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «قد التحفنا لحافاً غيرك».

$وممن وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم أم شريك:$

حدث النسائي عن محمد بن عبد الله المخرمي, عن يونس بن محمد, عن حماد بن سلمة, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن أم شريك رضي الله عنها: أنها كانت فيمن وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم.

أم شريك هذه اسمها: غزية بنت دودان بن عوف بن عمرو بن عامر بن رواحة بن حجر – ويقال: حجير – بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي القرشية العامرية.

وقيل: هي بنت عوف بن جابر بن ضباب بن حجير بن عبد بن معيص.

وقيل: هي غزية بنت جابر بن حكيم الدوسية من الأزد فيما ذكره الواقدي.

وقيل في اسمها: غزيلة.

لكن الذي رجحه أبو عمر بن عبد البر: أن غزيلة هي أم شريك


#261#

الأنصارية الآتي ذكرها إن شاء الله تعالى. وقال: هي غير أم شريك العامرية, وإحداهما التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم.

قلت: جزم بأن التي وهبت نفسها العامرية جماعة منهم الأمير أبو نصر بن ماكولا.

قيل: وفيها نزلت هذه الآية: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي} .

وقد جاءت رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ودخل بها.

وذلك فيما رواه محمد بن مروان السدي الصغير, عن محمد بن السائب الكلبي, عن أبي صالح, عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: وقع في قلب أم شريك الإسلام فأسلمت وهي بمكة, وهي إحدى نساء قريش, ثم إحدى بني عامر بن لؤي, وكانت تحت أبي العكر الدوسي, فأسلمت ثم جعلت تدخل على نساء قريش سراً فتدعوهن وترغبهن في الإسلام, حتى ظهر أمرها لأهل مكة فأخذوها, وقالوا: لولا قومك لفعلنا وفعلنا, ولكنا نسير بك إليهم, قالت: فحملوني على بعير ليس تحتي شيء يوطأ ولا غيره, ثم تركوني ثلاثاً


#262#

لا يطعموني ولا يسقوني. قالت: فما أتت علي ثلاث حتى ما في الأرض شيء أسمعه. قالت: فنزلوا منزلاً وكانوا إذا نزلوا منزلاً أوثقوني في الشمس واستظلوا هم منها, وحبسوا عني الطعام والشراب, فلا تزال تلك حالتي حتى يرتحلوا. قالت: فبينما هم قد نزلوا منزلاً وأوثقوني في الشمس واستظلوا منها إذا أنا بأبرد شيء على صدري, فتناولته فإذا هو دلو من ماء فشربت منه قليلاً, ثم نزع مني فرفع, ثم عاد فتناولته فشربت منه, ثم رفع, ثم عاد أيضاً, فتناولته فشربت منه قليلاً, ثم رفع, قالت: فصنع بي مراراً, ثم نزل فشربت حتى رويت, ثم أفضت سائره على جسدي وثيابي, فلما استيقظوا إذا هم بأثر الماء ورأوني حسنة الهيئة قالوا لي: أتحللت فأخذت سقانا فشربت منه؟ قالت: لا والله ما فعلت ذلك، ولكنه كان من الأمر كذا وكذا, قالوا: لئن كنت صادقة فيما قلت لدينك خير من ديننا, فلما نظروا إلى أسقيتهم وجدوها كما تركوها فأسلموا عند ذلك, وأقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوهبت نفسها له بغير مهر, فقبلها ودخل عليها.

هكذا جاء في هذه الرواية.

ورواه أبو جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة, حدثنا المنجاب, أخبرنا إبراهيم بن يوسف, حدثنا زياد, حدثني بعض أصحابنا, عن الكلبي, عن أبي صالح, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أخبرتني أم شريك


#263#

ابنة جابر رضي الله عنهما قالت: أسلم أبو العكر رضي الله عنه فهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجاءني أهله فقالوا: لعلك على دينه؟ قالت: فقلت: إي والله إني لعلى دينه, فقالوا: لا جرم, والله ليخزينك الله, قالت: فوجدوا لبعض ما يرحلوني فيه, فحملوني على جمل ثفال ما يطعموني ولا يسقوني, فإذا انتصف النهار نزلوا, فضربوا أخبيتهم, وطرحوني في الشمس حتى ذهب عقلي وسمعي وبصري, قالت: حتى إذا كان اليوم الثالث انتصاف النهار وأنا بذلك الجهد إذ وجدت برد دلو على صدري فأخذته فشربت منه نفساً .... وذكر بقيته بنحو ما تقدم.

وقال الواقدي: حدثني الوليد بن مسلم, عن منير بن عبيد الله الدوسي قال: أسلم زوج أم شريك (وفي غزية بنت جابر بن حكيم الدوسية من الأزد – وهو أبو العكر – فهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) مع أبي هريرة, ومع دوس حين هاجروا, قالت أم شريك: فجاءني أهل أبي العكر فقالوا: لعلك على دينه؟ فقلت: إي والله إني لعلى دينه. قالوا: لا جرم, والله لنعذبنك عذاباً شديداً, فارتحلوا بنا من دارنا ونحن كنا بذي الخلصة, وهو موضعنا, فساروا يريدون منزلاً, وحملوني على جمل ثفال شر ركابهم وأغلظه, يطعموني الخبز


#264#

بالعسل, ولا يسقونني قطرة من ماء, حتى إذا انتصف النهار وسخنت الشمس ونحن قائظون, فنزلوا, فضربوا أخبيتهم وتركوني في الشمس حتى ذهب عقلي وسمعي وبصري, ففعلوا ذلك بي ثلاثة أيام, فقالوا لي في اليوم الثالث: اتركي ما أنت عليه, قالت: فما دريت ما يقولون إلا الكلمة بعد الكلمة, فأشير بإصبعي إلى السماء بالتوحيد, قالت: فوالله إني لعلى ذلك, وقد بلغني الجهد, إذ وجدت برد دلو على صدري، فأخذته فشربت منه نفساً واحداً, ثم انتزع مني, فذهبت أنظر فإذا هو معلق بين السماء والأرض فلم أقدر عليه, ثم دلي إلي ثانية, فشربت منه نفساً, ثم رفع, فذهبت أنظر, فإذا هو بين السماء والأرض, ثم دلي إلي الثالثة فشربت منه حتى رويت فأهرقت على رأسي ووجهي وثيابي.

قالت: فخرجوا فنظروا, فقالوا: من أين لك هذا يا عدوة الله؟ فقلت لهم: إن عدوة الله غيري, من خالف دينه, فأما قولكم: من أين هذا؟ فمن عند الله, رزقاً رزقنيه الله عز وجل, قالت: فانطلقوا سراعاً إلى قربهم وأدواتهم فوجدوها موكأة لم تحل, فقالوا: نشهد أن ربك هو ربنا, وأن الذي رزقك ما رزقك في هذا الموضع بعد أن فعلنا بك ما فعلنا هو الذي شرع الإسلام.

فأسلموا وهاجروا جميعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكانوا يعرفون فضلي عليهم وما صنع الله إلي وهي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم, وهي من الأزد, فعرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم, وكانت جميلة, وقد أسنت


#265#

فقالت: إني أهب لك نفسي وأتصدق بها عليك, فقبلها النبي صلى الله عليه وسلم, فقالت عائشة رضي الله عنها: ما في امرأة حين تهب نفسها لرجل خير, قالت أم شريك: فأنا تلك, فسماها الله عز وجل مؤمنة, فقال تعالى: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي} فلما نزلت هذه الآية قالت عائشة: إن الله ليسرع لك في هواك.

وقال محمد بن إبراهيم التيمي: كانت أم شريك امرأة من بني عامر بن لؤي معتصبة, وإنها وهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فلم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلم تتزوج حتى ماتت.

وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا زكريا, عن عامر: قوله تعالى: ({ترجي من تشاء وتؤتي إليك من تشاء} قال: كن نساء وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم, فدخل ببعضهن وأرجأ بعضهن، لم يتزوجن بعده, منهن أم شريك الدوسية.

وقال أيضاً: حدثنا وكيع, عن شريك, عن جابر, عن الحكم, عن علي بن الحُسَيْن أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم شريك الدوسية.

رواهما عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه في "كتاب العلل".

وقد جاءت قصة هجرة أم شريك الدوسية إلى النبي صلى الله عليه وسلم على غير ما رواها الواقدي, حدث بها أحمد بن عبد الجبار العطاردي, حدثنا يونس بن بكير, عن عبد الأعلى بن أبي المساور القرشي, عن


#266#

محمد بن عمرو بن عطاء, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كانت امرأة من دوس يقال لها: أم شريك, أسلمت في رمضان, فأقبلت تطلب من يصحبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلقيت رجلاً من اليهود, فقال: مالك يا أم شريك؟ قالت: أطلب رجلاً يصحبني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: فتعالي أصحبك, قالت: فانتظرني حتى أملأ سقائي ماء, قال: معي ماء لا تريدين ماء, فانطلقت معهم فساروا يومهم حتى أمسوا, فنزل اليهودي ووضع سفرته فتعشى وقال: يا أم شريك, تعالي إلى العشاء, فقالت: اسقني من الماء فإني عطشى ولا أستطيع أن آكل حتى أشرب, فقال: لا أسقيك حتى تهودي, قال: لا جزاك الله خيراً عريتني ومنعتني أحمل ماء, فقال: لا والله لا أسقيك منه قطرة حتى تهودي فقالت: لا والله لا أتهود أبداً بعد إذ هداني الله للإسلام, فأقبلت إلى بعيرها فعقلته ووضعت رأسها على ركبته فنامت, قالت: فما أيقظني إلا برد دلو قد وقع على جبيني, فرفعت رأسي, فنظرت إلى ماء أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل, فشربت حتى رويت, ثم نضحت على سقائي حتى ابتل, ثم ملأته, ثم رفع بين يدي وأنا أنظر حتى تواري في السماء, فلما أصبحت جاء اليهودي فقال: يا أم شريك, فقلت: والله قد سقاني الله فقال: من أين؟ أنزل عليك من السماء؟ قلت: نعم والله, لقد أنزل الله عز وجل علي من السماء, ثم رفع بين يدي حتى توارى عني في السماء, ثم أقبلت حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصت عليه القصة, فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها نفسها, فقالت: يا رسول الله: لست أرضى نفسي لك, ولكن بعضي لك, فزوجني من شئت, فزوجها زيداً وأمر لها بثلاثين صاعاً, وقال: «كلوا ولا تكيلوا», وكان معها عكة سمن هدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالت لجارية لها: بلغي هذه العكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم


#267#

وقولي: أم شريك تقرئك السلام, وقولي: هذه عكة سمن أهديناها لك, فانطلقت بها فأخذوها ففرغوها, وقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «علقوها ولا توكئوها» فعلقوها في مكانها, فدخلت أم شريك, فنظرت إليها مملوءة سمناً, فقالت: يا فلانة, أليس أمرتك أن تنطلقي بهذه العكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: قد والله انطلقت بها كما قلت, ثم أقبلت بها أصوبها ما يقطر منها شيء, ولكنه صلى الله عليه وسلم قال: «علقوها ولا توكئوها» فعلقتها في مكانها, وقد أوكأتها أم شريك حتى رأتها مملوءة فأكلوا منها حتى فنيت, ثم كالوا الشعير فوجدوه ثلاثين صاعاً لم ينقص منه شيء.

وجاء أيضاً من رواية هشام بن عمار, حدثنا سعيد, حدثنا عبد الأعلى, عن محمد بن عمرو بن عطاء, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كانت امرأة من دوس يقال لها أم شريك أسلمت في رمضان, فبدا لها في الهجرة ... وذكر الحديث بنحوه.

$أم شريك الأنصارية من بني النجار.$

مختلف في اسمها, قال أبو عمر بن عبد البر: والصواب غزيلة إن شاء الله تعالى.

وقال: وقد قيل: إن أم شريك الأنصارية تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يدخل بها؛ لأنه كره غيرة النساء الأنصار.


#268#

$وخولة بنت حكيم بن أمية بن جارية بن الأوقص بن مرة بن هلال بن فالج بن ثعلبة بن ذكوان بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم السلمية.$

حدث الزهري وهشام بن عروة, عن عروة قال: خولة بنت حكيم ممن وهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال هشام بن الكلبي عن أبيه قال: فأرجأها, وكانت تخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم, وتزوجها عثمان بن مظعون رضي الله عنهما فمات عنها.

$وفاطمة بنت شريح:$

كانت وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين}.

ذكره أبو عبيدة في كتابه: "أزواج النبي صلى الله عليه وسلم".

وثبت من حديث أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالت: إني وهبت نفسي لك, فقامت طويلاً, فقال رجل: زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة, فقال: «هل عندك من شيء تصدقها؟» قال: ما عندي إلا إزاري, قال: «إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك, فالتمس شيئاً» فقال: ما أجد شيئاً, فقال: «التمس ولو خاتماً من حديد» فلم يجد, قال: «أمعك من القرآن شيء؟» قال: نعم سورة كذا وسورة كذا, لسور سماها, فقال: «قد زوجناكها بما معك من القرآن».


#269#

وفي بعض طرقه من حديث الحجاج بن الحجاج, عن عسل, عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة قال: «ما تحفظ من القرآن؟» قال: سورة البقرة والتي تليها, قال: «قم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك».

$وممن عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأباها, أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب بن هاشم.$

وأمها سلمى بنت عميس بن معد بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن سعد بن مالك بن نسر بن وهب الله.

ويقال: وهب بن شهران بن عفرس بن خلف بن أفتل وهو خثعم بن أنمار بن أراش.

وذكر ابن العربي في كتابه "أحكام القرآن" أن اسم بنت حمزة هذه أمة الله, وقيل: اسمها عمارة, عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «تلك ابنة أخي من الرضاعة».

صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا تزوج ابنة حمزة؟ قال: «إنها ابنة أخي من الرضاعة».

وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: وقال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم: أراك تزوج


#270#

من سائر قريش ههنا وههنا, فما يمنعك من بنت حمزة؟ قال: «إن أباها رضيعي».

كذا قال أبو عبيدة.

وهو مشهور في "الصحيح" من حديث أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك.

$ومنهن فيما ذكره بعضهم أم حبيبة بنت حمزة بن عبد المطلب أخت أمامة المذكورة عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولعلها الأولى, وأختلف في اسمها, والله أعلم.$

$ومنهن أخت أم حبيبة أم المؤمنين.$

صح من حديث زينب بنت أبي سلمة أن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله, انكح أختي بنت أبي سفيان, قال: «وتحبين ذلك؟» قلت: نعم, لست لك بمخلية, وأحب من شركني في خير أختي, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن ذلك لا يحل لي» .... الحديث.

وجاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, إن عندي ابنة لي أحسن البشر, وقد أحببت أن أزوجكها, فقال: «قبلتها» فأدبر الرجل, ثم أقبل, فقال: إن فيها خصلة لم أذكرها لك, أفضل ما فيها ما اشتكت قط ولا أصابها سقم, فقال رسول الله عليه وسلم: «إليك ابنتك رد, ليس منا من لم تصبه الأسقام».


#271#

قيل: هذا الرجل هو الضحاك بن سفيان الكلابي, واسم ابنته هذه آمنة, صرح بنحو ذلك أبو عبيدة.

وقد جاء أن هذه القصة جرت لأخت أم شبيب, وأم شبيب امرأة الضحاك بن سفيان الكلابي, والله أعلم.

وروى هشام بن الكلبي, عن عبيد الله بن الوليد الوصافي, عن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي قال: جاء رجل من بني سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, إن لي ابنة من جمالها وعقلها أما إني لأحسد الناس عليها, فهم النبي صلى الله عليه وسلم [أن يتزوجها, قال: وأخرى يا رسول الله, لا والله ما أصابها مرض قط. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم]: «لا حاجة لي في ابنتك تجيئونا تحمل خطاياها, لا خير في مال لا يرزأ وجسد لا ينال منه».

قيل: اسم هذه سبا بنت الصلت التي تقدم ذكرها, والله أعلم.

وقال حميد بن زنجويه في كتابه "الترغيب": حدثنا عبد الله بن بكر, حدثنا سنان بن ربيعة, عن الحضرمي, عن أنس بن مالك رضي الله عنه, أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله, ابنة لي كذا وكذا, وذكرت من حسنها وجمالها, فآثرتك بها, قال: «قد قبلتها» فلم تزل تمدحها حتى


#272#

ذكرت أنها لم تصدع قط ولم تشتك شيئاً قط, قال: «لا حاجة لنا في ابنتك».

فهذا ما وقع من أخبار هؤلاء النسوة نعم.

وقال محمد بن زكريا الغلابي: حدثنا العباس بن بكار, حدثنا أبو بكر الهذلي, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على خديجة رضي الله عنها وهي في الموت, فقال: «يا خديجة, إذا لقيت ضرائرك فأقرئيهن مني السلام» قالت: يا رسول الله, وهل تزوجت قبلي؟ قال: «لا, ولكن الله عز وجل يعني – زوجني مريم بنت عمران, وآسية بنت مزاحم, وكلثم أخت موسي».


#273#

&[تركة النبي صلى الله عليه وسلم]&

وأما تركة النبي صلى الله عليه وسلم المخلفة عنه, فقد ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقتسم ورثتي ديناراً, ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة».

وجاء من رواية محمد بن أخي الزهري, عن عمه, عن عبد الرحمن بن هرمز أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والذي نفسي بيده لا تقتسم ورثتي شيئاً مما تركت, ما تركناه فهو صدقة».

وخرج الطبراني في "معجمه الأوسط" من حديث فضيل بن سليمان النميري, حدثنا أبو مالك الأشجعي, عن ربعي, عن حذيفة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نورث, ما تركناه صدقة».

تفرد به فضيل.

وخرج أبو محمد بن حيان في كتابه "طبقات الأصبهانيين" من حديث عاصم, عن زر بن حبيش سألت عائشة رضي الله عنها فقالت: أعن


#274#

ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأل؟ ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم صفراء ولا بيضاء ولا شاة ولا بعيراً ولا عبداً ولا وليدة ولا ذهباً ولا فضة.

وخرجه البيهقي في "الدلائل" وفي آخر "المعارف" من طريق الشافعي: أخبرنا سفيان, عن مسعر, عن عاصم بن بهدلة, عن زر بن حبيش.

تابعه محمد بن يحيى بن أبي عمر, عن سفيان بنحوه.

وخرجه الطبراني في "معجمه الأوسط" من حديث علي بن بحر, حدثنا هشام بن يوسف, حدثنا معمر, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهباً ولا فضة ولا شاة ولا بعيراً ولا ترك إلا شطراً من شعير, فأكلنا منه زماناً, ثم كلته فوددت أني لم أكله.

حديث فرد.


#275#

وخرج أيضاً في "معجمه" فقال: حدثنا جبرون بن عيسى – يعني المقرئ المصري – حدثنا يحيى بن سليمان, حدثنا فضيل بن عياض, عن حصين, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه ذات يوم وفي يده قطعة من ذهب, فقال لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «ما كان محمد قائلاً لربه لو مات وهذه عنده» فقسمها قبل أن يقوم, ثم قال: «ما يسرني أن لأصحاب محمد مثل هذا الجبل – وأشار بيده إلى أحد – ذهباً وفضة فينفقها في سبيل الله ويترك منها ديناراً», [فقال ابن عباس رضي الله عنهما: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض ولم يدع ديناراً] ولا درهماً ولا عبداً ولا أمة, ولقد ترك درعه مرهونة عند رجل من اليهود بثلاثين صاعاً من شعير كان يأكل منه ويطعم عياله.

ورواه محمد بن العلاء, حدثنا مصعب, عن بكر بن محمد, عن هلال بن خباب, عن عكرمة بنحوه.

فصرحت هذه الأحاديث العوالي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت وفي ملكه شيء من الموالي؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أعتق الجميع في حياته زيادة في مضاعفة درجاته.


#276#

قال حماد بن إسحاق: وأعتق صلى الله عليه وسلم كل عبد له وأمة في حياته. انتهى.

وحدث سيف بن عمر في كتابه "الفتوح" عن سهل بن يوسف – يعني ابن سهل بن مالك الأنصاري – عن أبيه, عن جده قال: أعتق النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه أربعين نفساً.

وعبيده صلى الله عليه وسلم وإماؤه أتى ذكرهم في جملة من الأثر واعتنى بجمعهم جماعة من علماء السير.

فأما إماؤه صلى الله عليه وسلم فقد تقدم ذكرهن بعد ذكر مارية رضي الله عنهن.


#277#

&[ذكر موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم]&

وأما الموالي فقد قال أبو عبد الله محمد بن عمر الواقدي: وحدثني عتبة بن جبيرة الأشهلي قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم أن افحص عن أسماء خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرجال والنساء ومواليه, فكتب إليه يخبره أن أم أيمن بركة كانت لأبي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فورثها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأعتقها, وكان عبيد بن عمير الخزرجي قد تزوجها بمكة, فولدت أيمن, ثم إن خديجة رضي الله عنها ملكت زيد بن حارثة رضي الله عنهما اشتراه لها حكيم بن حزام بن خويلد بسوق عكاظ بأربعمائة درهم, فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها أن تهب له زيداً, وذلك بعد أن تزوجها, فوهبته له, فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان "أبو كبشة" من مولدي مكة فأعتقه.

وكان "أنسة" من مولدي السراة.

وكان "صالح" وهو شقران غلاماً له فأعتقه.

وكان "سفينة" غلاماً له فأعتقه.

وكان "ثوبان" رجلاً من أهل اليمن ابتاعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فأعتقه, وكان له نسب إلى اليمن.

وكان "رباح" أسود فأعتقه.


#278#

وكان "يسار" نوبياً أصابه في غزوة بني عبد بن ثعلبة فأعتقه.

وكان "أبو رافع" للعباس فوهبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أسلم العباس رضي الله عنه بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه.

وكان "فضالة" مولى له نزل الشام بعد.

وكان "أبو موهبة" مولدا من مولدي مزينة فأعتقه.

وكان "أبو رافع" غلاما لسعيد بن العاص فورثه ولده، فأعتق بعضهم تصيبه في الإسلام وتمسك بعض، فجاء رافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستعينه فيمن لم يعتق حتى يعتقه، فكلمه فيه، فوهبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يقول: أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان "مد عم" غلاما للنبي صلى الله عليه وسلم أوهبه له رفاعة بن زيد الجزامي، وكان من مولدي حسمى.

وهذا الأثر فيه عدة من مواليه صلى الله عليه وسلم ووقع لنا غيرهم في أخبار أخر، وذكرهم غير واحد من علماء الأثر، فذكرهم هنا اختصارا على حروف المعجم، فنقول:

ذكر مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم:

"أسامة بن زيد بن حارثه" الحِب بن الحِب، جرت أمه أم أيمن رقه؛ لأنه لم يجىء في النصوص عتقها.

قال محمد بن أحمد بن سيد الناس في كتابه "بيع الأمهات الأولاد": وروي من طريق ابن أبي خيثمة: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن


#279#

أسامة بن زيد قال: قال علي رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: أي أهلك أحب إليك؟ قال: «من أنعم الله عليه وأنعمت عليه».

قال أبو غسان النهدي مالك بن ملك بن إسماعيل: حدثنا قيس بن الربيع، عن العباس بن ذريح، عن البهي، عن عائشة رضي الله عنها قالت: عثر أسامة على عتبة الباب، فأصابه جرح، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أميطيه عنه، فكأني


#280#

قذرته، فمصه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجه، وجعل يقول: «أسامة لو كنت جارية حليناك وكسوناك حتى تنفق».

توفي أسامة في خلافة معاوية سنة أربع وخمسين على الصحيح عند ابن عبد البر.

وقيل: توفي آخر أيام معاوية سنة ثمان أو تسع وخمسين.

وقيل: توفي بعد مقتل عثمان بالجرف وحمل إلى المدينة.

"أسلم بن عبيد": ذكر في الموالي، وأظنه المذكور فيما قاله سعيد بن عبد الرحمن المدني: كان رافع وأسلم حاديين النبي صلى الله عليه وسلم، وإياهما عني عمر رضي الله عنه بذلك الرجز:

وكن شريك رافع وأسلم ... ولتخدم القوم لكيما تخدم

"أفلح": مذكور في موالي النبي صلى الله عليه وسلم. (قاله ابن عبد البر.

وجاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال له: «ترب وجهك في السجود» وكان ينفخ.


#281#

قال الترمذي: حدثنا ابن منيع، حدثنا عباد بن العوام، حدثنا ميمون أبو حمزة، عن أبي صالح، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما لنا يقال له: "أفلح" إذا سجد نفخ، فقال له: «يا أفلح، ترب وجهك».

فبعضهم فرق بين مولى أم سلمة هذا، وبين مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعلهما اثنين، وبعضهم جعلهما واحد.

وجاء عن حبيب المكي، عن أفلح مولى رسول الله عليه وسلم أنه قال: «أخاف على أمتي من بعدي ضلالة الأهواء واتباع الشهوات، والغفلة بعد المعرفة».

"أنجشة الحادي": ذكر في الموالي، وكان أسود.

حدث أبو داود الطيالسي في "مسنده" عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه قال: كان أنجشة يحدو بالنساء، وكان البراء بن مالك يحدو بالرجال، وكان أنجشة حسن الصوت، وكان إذا حدا أعنقت الإبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أنجشة رويدك، سوقا بالقوارير».

"أنسة": قال مصعب بن عبد الله الزبيري: شهد بدرا وأحدا أيضا على الراجح، وكان يكنى أبا مسرح، ويقال: أبو مسروح.


#282#

وكان من مولدى السراة، وكان يأذن على النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس، ومات في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنهما.

حدث به ابن أبي خيثمة في "التاريخ" عن مصعب، وحدث عن إبراهيم بن المنذر، حدثنا فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: وكان ممن شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنسة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قلت: ويروى أنه قتل يوم بدر شهيدا فيما روي عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس.

قال الواقدي: وليس ذلك عندنا بثبت، ورأيت أهل العلم يثبتون أنه لم يقتل ببدر، و أنه قد شهد أحدا، وبقي بعد ذلك زمانا طويلا.

"أيمن بن عبيد بن عمرو": أخو أسامة لأمه أم أيمن، جرت أمه رقه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد بدرا وما بعدها.

قال ابن إسحاق: استشهد يوم حنين.

عده في الموالي بهذا السبب غير واحد، وذكره آخرون في الخدام من الأحرار.

"باذام": بدر أبو عبد الله، قال أبو الشيخ عبد الله بن محمد الحافظ: حدثنا ابن أعين، حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثنا محمد بن جابر، عن عبد الله بن بدر، عن أبيه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:


#283#

قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية، وأن الإخوة من الأب والأم يتوارثون دون الإخوة من الأب.

ورواه إسحاق الطباع ورواد بن الجراح، عن محمد بن جابر، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. قاله أبو موسى المديني.

"ثوبان بن بجدد" وقيل: ابن جحدر، أبو عبد الله، ويقال: أبو عبد الرحمن اليماني من أهل السراة، وقيل: من حمير، أصابه سباء، فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم وأعتقه، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الشام وابتنى بحمص دارا وأقام بها، [وبها] توفي سنة خمس وأربعين وقيل: سنة أربع وخمسين.

وقال مصعب بن عبد الله الزبيري: كان يسكن الرملة كان له هناك دار ولا عقب له، وكان من ناحية اليمن.

"حاتم": قال إبراهيم بن أحمد المستملي: سمعت نصر بن سفيان بن أحمد بن نصر بن حزان ببلخ، وزعم أنه قد أتى عليه مائة وخمس وستون سنة، وزعم أن مولده بالصين، قال: سمعت حاتما خادم النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اشتراني النبي صلى الله عليه وسلم بثمانية عشر دينارا، فأعتقني، فقلت: لا أفارقك إن أعتقتني، فكنت معه أربعين سنة.


#284#

قلت له: أين لقيت حاتما هذا؟ قال: بالوشجرد.

وزعم أنه يذكر شقيقا وأبا معاذ وحاتما الأصم ونحو هذا، فالله عز وجل أعلم بما قال. ذكره أبو موسى المديني في "التتمة".

قال الذهبي في كتابه "تجريد أسماء الصحابة": وهذا كذب، والله أعلم.

"حنين": جد إبراهيم بن عبد الله بن حنين، وهبه النبي صلى الله عليه وسلم للعباس رضي الله عنه فأعتقه، وقيل: هو مولى علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

قال أبو نعيم في كتابه "معرفة الصحابة": حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا إسماعيل بن عبد الله، حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا أبو حنين [بن] عبد الله بن حنين أخو إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن ابنة أخيه، عن خالها – يقال له ابن الشاعر – أن حنينا جده كان غلاما للنبي صلى الله عليه وسلم فوهبه للعباس عمه رضي الله عنه فأعتقه، وكان حنين عند النبي صلى الله عليه وسلم يخدمه وكان إذا توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بوضوئه إلى أصحابه، فكان إما شربوه، وإما تمسحوا به، فحبس حنين الوضوء فكان لا يخرج به إليهم فشكوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه، فقال: احتبسته عندي فجعلته في جرة، فإذا عطشت شربت منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل رأيتم غلاما أحصى [ما أحصى] هذا؟» ثم وهبه لعمه العباس فأعتقه.


#285#

وحدث به الخطيب في كتابه "روايات الآباء عن الأبناء" عن أبي نعيم.

ورواه محمد بن مسلم بن وارة، عن عبد الله بن يوسف به.

وقيل: حنين صار مولى للعباس بواسطة تذكر عن بعضهم أنه قال عن حنين هذا: إنه مولى مثقب، ومثقب مولى مسحل، ومسحل مولى شماس مولى العباس رضي الله عنه.

"دوس" جاء ذكره في حديث لوحشي بن حرب بن وحشي بن حرب، عن أبيه، عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى عثمان وهو بمكة: «إن الجند قد توجهوا قبل مكة، وقد بعثت إليك دوسا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرته أن يتقدم بين يديك باللواء».

الحديث رواه محمد بن سليمان الحراني عن وحشي الأصغر.

وقيل: وجعل دوس عبدا وهم، وإنما هو اسم قبيلة.

وقال أبو نعيم الأصبهاني: لا يعرف في موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم من اسمه دوس ولعل المراد به شخص من دوس.

"ذكوان" مختلف في اسمه، قال منجاب بن الحارث التميمي وغيره: حدثنا شريك، عن عطاء بن السائب قال: أتيت أبا جعفر بشيء فقال: ألا أدلك على امرأة منا من ولد علي رضي الله عنه؟ فأتيتها فقالت:


#286#

حدثني مولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له ذكوان أو طهمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا ذكوان إن الصدقة لا تحل لي ولا لأهل بيتي» قال: وقال: «مولى القوم من أنفسهم».

"رافع أبو البهي": مولى المنتخب الصفي صلى الله عليه وسلم.

هكذا قاله أبو نعيم في الحلية، ثم قال: حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا طالب بن قرة، حدثنا محمد بن عيسى الطباع، حدثنا القاسم بن موسى، عن زيد بن واقد، عن مغيث بن سمي - وكان قاضيا لعبد الله بن الزبير – عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس خير؟ قال: «مؤمن مخموم القلب، صدوق اللسان»، قيل له: وما المخموم القلب؟

قال: «التقي لله النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد». قال: فمن يليه يا رسول الله؟ قال: «الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة». قالوا: ما نعرف هذا فينا إلا رافعا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: من يليه؟ قال: «مؤمن في خلق حسن».


#287#

وقيل في هذا أبو رافع كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

"رافع": حادي رسول الله صلى الله عليه وسلم، [ذكره أبو عبد الله بن منده.

"رباح الأسود": نوبي كان يأذن على النبي صلى الله عليه وسلم]، وهو الذي أذن لعمر رضي الله عنه في دخول المشربة على النبي صلى الله عليه وسلم.

"رويفع": ذكره ابن عبد البر في الموالي، وقال: لا أعلم له رواية.

"زيد بن بولا": جد بلال بن يسار بن زيد الذي روى عن أبيه عن جده أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان فر من الزحف».

"زيد بن حارثه بن شرحيل" أبو أسامة، أصابته منة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من سبايا العرب من كلب في بيت منهم.

كان حكيم بن حزام اشتراه من سوق حباشة لخديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر منه بعشر سنين، فتبناه


#288#

رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل النبوة، وطاف به على حلق قريش يشهدهم يقول: «هذا ابني وارثا وموروثا».

قاله مصعب بن عبد الله الزبيري.

وقال: حدثني بذلك الضحاك بن عثمان، عن ابن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن سالم – يعني حديثه عن أبيه- أنه قال: ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى أنزل الله عز وجل: {ادعوهم لآبائهم».

"سابق" وقيل: هو خادم .

قال زهير بن حرب: حدثنا وكيع، حدثنا مسعر، عن أبي عقيل، عن أبي السلام، عن سابق خادم النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قال حين يصبح وحين يمسى ثلاثا: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا كان حقا على الله أن يرضيه يوم القيامة».


#289#

خالفه شعبة فرواه عن أبي عقيل، عن سابق بن ناجية، عن أبي سلام، عن رجل خدم النبي صلى الله عليه وسلم.

وسيأتي حديث بهذا الإسناد إن شاء الله تعالى.

وحدث به ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن محمد بن بشر، حدثنا مسعر، حدثني أبو عقيل، عن سابق بن ناجية، عن أبي سلام خادم النبي صلى الله عليه وسلم، مرفوعا بنحوه.

وهذا أشبه بالصواب.

"سالم": معدود في الموالي يقال: هو أبو سلام الهاشمي، وقيل: سابق المذكور قبل.

"سعد": يروي عنه أبو عثمان النهدي، ذكره الحافظ محمد بن أحمد بن سيد الناس في كتابه في أمهات الأولاد.

وقال الذهبي في "تجريد أسماء الصحابة" سعد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم له حديث في اللتين قاءتا لحما ودما وقيحا.

قلت: سيأتي الحديث إن شاء الله تعالى في ترجمة عبيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم وهو من حديثه أشهر، والله أعلم.

سعيد بن ميناء مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى عنه عطاء بن أبي رباح: "فر من المجذوم".


#290#

قاله الذهبي في "التجريد".

"سلمان الفارسي": أعانه النبي صلى الله عليه وسلم في كتابته، وجاءت رواية أنه اشتراه.

قال أبو بكر محمد بن هارون الروياني في "مسنده": حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق، أخبرنا الحُسَيْن بن واقد، حدثنا عبد الله بن بريدة، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أتاه سلمان رضي الله عنه بسلة فيها رطب أو تمر، فقال: «ما هذا [يا سلمان؟]» قال: هذه صدقة، فقال: «ارفع فإنا لا نأكل الصدقة» فرفعها، فأتاه بمثلها من الغد، فقال: «ما هذا يا سلمان؟» قال: هذه هدية، فقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد، قال: فنظر إلى الخاتم الذي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فآمن به، وكان ليهودي، فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا درهما وعلى أن يغرس لهم نخلا، فيعمل سلمان فيها حتى تطعم، قال: فغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل إلا نخلة واحدة غرسها عمر، فحملت النخل من عامها ولم تحمل نخلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما شأن هذه؟» فقال عمر: يا رسول الله أنا غرستها، قال: فنزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم غرسها، فحملت من عامها.


#291#

تابعه زيد بن الحباب التميمي، عن حُسَيْن بن واقد. وقدمناه قبل. توفي سلمان بالمدائن في ولاية عثمان رضي الله عنهما.

"سليم أبو كبشة الدوسي" من مولدي أرض دوس، وقيل من مولدي مكة، ابتاعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه.

وقال مصعب الزبيري: شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها، وتوفي في أول يوم استخلف فيه عمر بن الخطاب سنة عشرة من الهجرة.

وكذلك قال الواقدي، إلا أنه ذكر اليوم، فقال: وذلك يوم الثلاثاء لثمان ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثماني عشرة من الهجرة.

وقيل: اسمه أوس.

"سندر أبو الأسود"، ويقال: ابن أبي الأسود، روى حديثه ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن سندر مرفوعا: «أسلم سالمها الله».. الحديث.

"شقران": حبشي، وقيل: فارسي، واسمه صالح بن عدي، أهداه للنبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف، وقيل: اشتراه منه بثمن.


#292#

وقال الخريبي: ورثه من أبيه، فأعتقه، وفيه اختلاف غير ذلك.

روي عن محمد بن يحيى بن حبان أن شقران غلام النبي صلى الله عليه وسلم شهد بدرا معه، ولم يسهم له النبي صلى الله عليه وسلم، واستعمله على الأسارى، فحد له كل رجل من أصحاب الأسرى، حتى كان حظه كرجل من الثمانية من بني هاشم.

"شمعون": أبو ريحانة سرية النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل فيه: شمغون بالغين المعجمة.

قال أبو سعيد بن يونس: شمغون بالغين المعجمة. قال أبو سعيد بن يونس: شمغون بالغين يعني [بمعجمة] أصح عندي. انتهى.

وقد عده بعضهم في الموالي.

ومن روايته: ما رواه أبو القاسم البغوي, حدثني جدي ومنصور بن أبي مزاحم قالا: حدثنا أبو بكر بن عياش, حدثنا حميد الكندي, عن عبادة بن نسي, عن أبي ريحانة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من انتسب إلى تسعة آباء كفار يريد بهم عزاً فهو عاشرهم في النار».


#293#

"ضميرة بن أبي ضميرة".

قال ابن أبي خيثمة: له دار بالبقيع وولد. انتهى.

وهو جد الحُسَيْن بن عبد الله بن ضميرة الراوي ذلك الحديث, عن أبيه, عن جده ضميرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بأم ضميرة وهي تبكي, فقال: «ما يبكيك؟» قالت: فرق بيني وبين ابني, فقال: «لا يفرق بين والدة وولدها» وأرسل إلى الذي عنده ضميرة, فابتاعه منه.

وسيأتي [ذكر أبيه] إن شاء الله تعالى.

"طهمان": مختلف في اسمه, وتقدم حديث بذكره في ترجمة ذكوان.

"عبد الله بن عبد الغافر", قال الذهبي في "التجريد": لكن حديثه موضوع.

قلت: هو ما قال أبو القاسم الحُسَيْن بن محمد بن عمر بن عبدان


#294#

الواعظ: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد الحافظ, حدثنا أبو الفضل محمد بن أحمد بن محمد بن خلف, حدثنا أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن الجباخاني, حدثنا أبو يعقوب يوسف بن سعد بن سعيد بن العلاء الجباخاني, حدثنا يحيى بن خالد المهلبي, حدثنا علي المنجوراني, عن حماد بن سلمة, عن ثابت البناني, عن عبد الله بن عبد الغافر وكان مولى النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ذكر أصحابي فأمسكوا, وإذا ذكر النجوم فأمسكوا, وإذا ذكر القرآن فقولوا: كلام الله غير مخلوق, ومن قال غير هذا فهو كافر».

ورواه أبو حفص عمر بن شاهين من طريق حماد بن سلمة, عن ثابت البناني, عن عبيد بن عبد الغافر, وكان مولى للنبي صلى الله عليه وسلم عتاقة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ذكر القرآن فقولوا: كلام الله غير مخلوق, ومن قال مخلوق فهو كافر».

كذا سماه: عبيداً, والمشهور الأول, والله أعلم.

"عبدة": ذكره ابن شاهين في الموالي:

وقال: حدثنا عبد الله بن سليمان, حدثنا إبراهيم بن عباد الكرماني,


#295#

حدثنا يحيى – يعني ابن أبي بكير – حدثنا عبد الله بن المبارك, حدثنا سليمان التيمي, عن رجل قال: قيل لعبدة مولى رسول الله عليه وسلم: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصلاة غير المكتوبة؟ قال: بين المغرب والعشاء.

هكذا قال: عبدة, والمشهور: عبيد, كما هو في ترجمته.

"عبيد الله بن أسلم":

له حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجعفر: «أشبهت خلقي وخلقي» يشبه أن يكون هذا عبيد الله بن أبي رافع كاتب علي بن أبي طالب رضي الله عنه, وهو تابعي, فالحديث مرسل.

"عبيد": غير منسوب وقع في "مسند أحمد بن حنبل".

قال ابن أبي خيثمة في "تاريخه": حدثنا موسى بن إسماعيل,


#296#

حدثنا حماد بن سلمة, عن سليمان التيمي, عن عبيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأتين كانتا صائمتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانتا تغتابان الناس, فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بقدح فقال لهما: «قيئا» فقاءتا قيحاً ودماً ولحماً عبيطاً مرتين, ثم قال: «ألا إن هاتين صامتا عن الحلال وأفطرتا على الحرام».

كذا قال حماد بن سلمة: التيمي عن عبيد, ليس بينهما أحد, وأشار إليه ابن سعد في "الطبقات".

ورواه محمد بن عبد الملك الدقيقي, والحسن بن مكرم, عن يزيد بن هارون, حدثنا سليمان التيمي سمعت رجلاً يحدث في مجلس أبي عثمان النهدي, عن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امرأتين صامتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .... الحديث بطوله.

تابعه جرير وشعبة, عن التيمي.


#297#

خالفه عثمان بن غياث فقال: حدثنا رجل في حلقة أبي عثمان النهدي, عن سعد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هكذا قال, والمشهور عن عبيد, والله أعلم.

وقال ابن المبارك في كتابه "الزهد": أخبرنا سليمان التيمي أن رجلاً حدثه قال: قيل لعبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالصلاة غير المكتوبة؟ قال: بين المغرب والعشاء.

ورواه أبو مسعود أحمد بن الفرات, أخبرنا أبو داود, عن شعبة, عن سليمان التيمي, عن شيخ, عن عبيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم, فذكره بنحوه.

وهو في "مسند أحمد" بنحوه.

"غيلان": جاء من رواية جعفر بن برقان, عن داود بن عوانة من بني عبادة بن عقيل, عن غيلان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج الدجال فيدعو الناس إلى العدل والحق – فيما يرون – فلا يبقى مؤمن ولا كافر إلا تبعه, وهم لا يعرفونه» قال: «فبينا المؤمنون في هم من ذلك إذ خسفت عينه, وظهر بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن, فعند ذلك فارقه المؤمنون واتبعه الكافرون».

رواه فياض بن محمد, عن جعفر.


#298#

"فضالة اليماني": يقال: مات بالشام, لا يعرف, قاله الذهبي في "التجريد".

"قسام".

"قفيز": بالقاف المفتوحة بعدها فاء مكسورة وآخره زاي.

قال أبو نعيم في كتاب "الصحابة": روى أبو بكر بن عبيد الله بن أنس, عن أنس رضي الله عنه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم غلام يقال له: قفيز.

وذكر نحوه ابن منده في الصحابة.

"كركره": أهداه هوذة بن علي للنبي صلى الله عليه وسلم, وهو الذي كان على ثقله.

"كريب" حديثه عند سعيد بن عامر, حدثنا أبان بن يزيد, حدثنا يحيى بن أبي كثير, عن زيد, عن أبي سلام, عن كريب مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بخ بخ, خمس ما أثقلهن في الميزان


#299#

وأهونهن على اللسان» فقال رجل: ما هن يا رسول الله؟ قال: «سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر, والولد الصالح يتوفاه الله عز وجل فيحتسبه والده».

قيل: الصواب في إسناده عن زيد أبي سلام, لأنه أبو سلام الصغير, واسمه زيد بن سلام, والكبير اسمه ممطور.

والحديث رواه هشام الدستوائي, عن يحيى, عن أبي سلام, عن أبي أمامة مرفوعاً به, وفيه اضطراب.

"كيسان": روت عنه أم كلثوم بنت علي, وقيل: اسمه مهران.

"مأبور القبطي": كان خصياً, ويقال فيه: هابور.

أهداه المقوقس صاحب الإسكندرية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, سماه مصعب الزبيري وغيره, وهو ابن عم مارية القبطية أم سيدي إبراهيم عليه السلام فيما رواه سليمان بن أرقم, عن الزهري, عن عروة, عن عائشة قالت: أهديت مارية ومعها ابن عم لها, وذكر الحديث.


#300#

"محمد بن عبد الرحمن الحضرمي": ذكره محمد بن عبد الله الحضرمي مطين في "المفاريد" وقيل: فيه محمد بن ثوبان, وكلاهما وهم, وهو محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان التابعي يروي عن أبي هريرة رضي الله عنه, وجده ثوبان هو المولى محمد غير منسوب, ذكره الحاكم أبو عبد الله فيمن قدم خراسان من الصحابة.

وقال: أخبرني أبو الحسن علي بن أحمد المروزي الوراق بنيسابور, حدثنا أحمد بن محمد بن عمرو المروزي, أخبرني أبو عبد الرحمن المقاتلي عبد الله بن محمد بن مقاتل بن محمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن محمد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم, حدثني أبي, عن أبيه مقاتل بن محمد, عن أبيه أن محمداً كان اسمه ماناهيه وأنه كان مجوسياً, وكان تاجراً فسمع بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وخروجه, فخرج معه بتجارة من مرو حتى هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة, وأسلم على يديه وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم محمداً, وأنه مولاه ورجع إلى منزله بمرو مسلماً, وداره قبالة المسجد الجامع.

قلت: الآفة فيه من أحمد بن محمد بن عمرو المروزي أبي بشر الفقيه الحافظ الوضاع, جزم الذهبي أنه وضع هذا الحديث, والله أعلم.

"مدعم أسود": من مولدي حسمى قبل وادي القرى, وهبه رفاعة بن زيد الجذامي للنبي صلى الله عليه وسلم على الصحيح, قتل بوادي القرى بسهم


#301#

عائر وهو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقيل: قتل بخيبر.

"مكحول": قيل: وهبه النبي صلى الله عليه وسلم مع جارية لأخته من الرضاعة الشيماء.

"مهران بن فروخ الملقب سفينة" وقيل: اسمه أحمر, وقيل: ذكوان, وقيل: رومان, وقيل: طهمان, وقيل: عبس, وقيل: قيس, وقيل: عمير, وقيل: كيسان, وقيل: سنبلة, وكنيته أبو عبد الرحمن, وقيل: أبو البختري, والأول أكثر.

وسبب تلقيبه سفينة ما قال عاصم بن علي: حدثنا حشرج بن نباتة, حدثنا سعيد بن جمهان سألت سفينة [عن اسمه, فقال: ما أنا مخبرك باسمي سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم سفينة, قلت له: لم سماك سفينة؟] قال: خرج ومعه أصحابه, فثقل عليهم متاعهم فقال: «ابسط كساءك» فبسطته, فجعل فيه متاعهم, ثم حمله علي فقال: «احمل ما أنت إلا سفينة»: قال: فلو حملت يومئذ وقر بعير أو بعيرين أو خمسة أو ستة ما ثقل علي.


#302#

تابعه عبيد الله بن موسى وأبو نعيم, عن حشرج.

قيل: وفي جعله في موالي النبي صلى الله عليه وسلم نظر, لأن أم سلمة أعتقته من رقها وشرطت عليه أن يخدم النبي صلى الله عليه وسلم.

روى أبو داود في "سننه" فقال: حدثنا مسدد بن مسرهد, حدثنا عبد الوارث, عن سعيد بن جمهان, عن سفينة قال: كنت مملوكاً لأم سلمة رضي الله عنها, فقالت: أعتقك وأشترط عليك أن تخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عشت, فقلت: إن لم تشترطي علي ما فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عشت, فأعتقتني واشترطت علي.

وجاء من طريق حماد بن سلمة, حدثنا سعيد بن جمهان, حدثنا سفينة - أبو عبد الرحمن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: قالت لي أم سلمة: أريد أن أعتقك, وأشترط عليك أن تخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عشت .... الحديث بنحوه.

ابن جمهان وثقه ابن معين, وقال أبو حاتم الرازي: لا يحتج بحديثه.

قال الحافظ أبو محمد عبد الغني المقدسي, عن سفينة: وإضافته إلى ولاء النبي صلى الله عليه وسلم تجوز لا حقيقة, ولا أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتراه ولا ملكه.


#303#

وروى جبارة بن مغلس, عن شريك, عن عمران بن سعيد النخلي, عن أحمر مولى أم سلمة قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فمررنا بواد أو نهر, فكنت أعبر الناس, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما كنت في هذا اليوم إلا سفينة».

قال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا عبيد الله بن موسى, عن أسامة بن زيد, عن محمد بن المنكدر, عن سفينة رضي الله عنه أنه ركب سفينة في البحر, فانكسرت بهم السفينة, فتعلقت بشيء منها حتى خرجت إلى جزيرة فيها الأسد, فقلت: أبا الحارث أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فطأطأ رأسه وجعل يدفعني بجنبيه يدلني على الطريق, فلما خرجت إلى الطريق جعل يهمهم, فظننت أنه يودعني.

تابعه جعفر بن عون, عن أسامة بن زيد.

ورواه عبد الله بن وهب, عن أسامة بن زيد أن محمد بن عبد الله


#304#

ابن عمرو بن عثمان حدثه, عن محمد بن المنكدر, فذكره.

وحدث به أحمد بن منصور الرمادي, عن عبد الرزاق, أخبرنا معمر, عن الحجبي, عن ابن المنكدر أن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطأ الجيش بأرض الروم أو أسر في أرض الروم, فانطلق هارباً يلتمس الجيش, فإذا هو بالأسد, فقال له: أبا الحارث إني مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم, كان من أمري كيت وكيت, فأقبل الأسد يبصبصه حتى قام إلى جنبه كلما سمع صوتاً أهوى إليه, ثم أقبل يمشي إلى جنبه, فلم يزل كذلك حتى بلغ الجيش, ثم رجع الأسد.

وقال أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن لؤلؤ الوراق: حدثنا موسى بن سهل الجوني, حدثنا محمد بن محمد الأزدي, حدثنا إبراهيم بن حماد المصيصي, حدثنا يوسف بن سوار, حدثنا خلف بن خليفة, عن أبي هاشم الرماني, عن محارب بن دثار, عن


#305#

أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من أصحابه يقال له: سفينة بكتاب إلى معاذ إلى اليمن, فلما صار في الطريق إذا هو بالسبع رابض في وسط الطريق فخاف أن يجوز فيقوم إليه, فقال: أيها السبع إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ, وهذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ, فقام السبع يهرول قدامه غلوة, ثم همهم, ثم صرخ, ثم تنحى عن الطريق, فمضى بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ, ثم رجع بالجواب فإذا هو بالسبع, فخاف أن يجوز, فقال: أيها السبع إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ, وهذا جواب كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من معاذ, فقام السبع فصرخ, ثم همهم, ثم تنحى عن الطريق, فلما قدم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [«تدرون ما قال أول مرة؟ قال: كيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي, وأما الثانية فقال: أقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم] وأبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وسلمان وصهيباً وبلالاً مني السلام».

"ناعم": ذكره الطبري في الموالي.

"نافع أبو السائب": مولى غيلان بن سلمة, ذكره بعضهم في موالي النبي صلى الله عليه وسلم, وذكر أنه أخو أبي بكرة.


#306#

وقال البخاري في "تاريخه الكبير": نافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عبد الله بن سعيد بن الأشج: حدثني عقبة بن خالد, حدثني الصباح, حدثني ابن أبي أمية, عن نافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة مستكبر ولا شيخ زان, ولا منان على الله بعمله».

"ابن أبي أمية خالد".

"نبيه": من مولدي السراة, ويقال له: النبيه, فيما حكاه محمد بن أحمد بن سيد الناس وقال: مذكور فيمن اشتراه, وأعتقه.

"نفيع أبو بكرة الثقفي": مختلف في اسم أبيه, فقيل: مسروح, قاله الزهري وزهير بن حرب, وقيل: ابن الحارث, وسماه ابن إسحاق فقال: أبو بكرة واسمه مسروح, وكان للحارث بن كلدة قبل, كان أبوه عبداً للحارث فاستلحقه الحارث, وهو أخو زياد بن أبيه لأمه سمية مولاة الحارث بن كلدة, وإنما قيل له: أبو بكرة لتدليه ببكرة من سور الطائف إلى النبي صلى الله عليه وسلم.


#307#

قال أبو بكر بن أبي خيثمة في "التاريخ": حدثنا الحسن بن حماد, حدثنا عبد الرحيم بن سليمان, عن حجاج, عن مقسم, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج غلامان يوم الطائف إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقهما, أحدهما أبو بكرة, فكانا مولييه.

"نهيك": عده بعضهم في الموالي

"واقد": قال الذهبي في "التجريد": مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يروى عنه حديث عجيب.

قلت: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من أطاع الله فقد ذكر الله», رواه الهيثم بن جماز, عن الحارث بن غسان, عن زاذان أبي عمر, عن واقد مولى النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. وجعله الذهبي اثنين موليين, وقيل فيه: أبو واقد.

"وردان": قال أبو الشيخ الأصبهاني: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن سلم, حدثنا سهل بن عثمان, حدثنا عبد الرحيم بن سليمان, عن الحسن


#308#

ابن عمارة, عن عبد الرحمن بن الأصبهاني, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وقع للنبي صلى الله عليه وسلم مولى يقال له وردان من عذق فمات, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انظروا رجلاً من أرضه» فوجدوا رجلاً, فقال: «أعطوه ماله».

والصواب: ما رواه أبو داود في "سننه" عن مسدد, عن يحيى, عن شعبة, وعن عثمان, عن وكيع, عن سفيان, كلاهما عن عبد الرحمن بن الأصبهاني, عن مجاهد بن وردان, عن عروة, عن عائشة رضي الله عنها أن مولى للنبي صلى الله عليه وسلم مات وترك شيئاً, ولم يدع ولداً ولا حميماً ... الحديث.

وحدث به الترمذي في "جامعه" عن بندار عن يزيد بن هارون, عن سفيان, ولفظه: أن مولى للنبي صلى الله عليه وسلم وقع من عذق نخلة فمات فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «انظروا هل من وارث؟» قالوا: لا, قال: «فادفعوه إلى بعض أهل القرية».

وفي الباب عن بريدة.

هذا حديث حسن, قاله الترمذي.

وخرجه النسائي, عن محمد بن عبد الأعلى, عن خالد بن الحارث, عن عبد الله بن محمد بن تميم, عن حجاج بن محمد, كلاهما عن شعبة به.


#309#

وعن ابن مثنى وابن بشار كلاهما عن عبد الرحمن, عن سفيان به.

ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد كلاهما عن وكيع به.

"هرمز أبو كيسان": قال ابن أبي خيثمة: حدثنا منصور بن أبي مزاحم, حدثنا أبو حفص الأبار, عن ابن أبي زياد, عن معاوية بن قرة قال: شهد بدراً عشرون مملوكاً فيهم مملوك للنبي صلى الله عليه وسلم يقال له: هرمز, فأعتقه وقال: «إن الله أعتقك».

"همام": روى محمد بن أيوب الرقي, عن سفيان, عن عبد الكريم, عن أبي الزبير, عن همام مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن امرأتي لا تدفع يد لامس فقال: «طلقها» قال: إنها تعجبني قال: «فتمتع بها».

هكذا ذكره جعفر المستغفري, عن البرذعي فيما حكاه أبو موسى المديني.

وذكره محمد بن أحمد بن سيد الناس في الموالي: هشاماً بالشين مكان الميم, وخرج حديثه المذكور من طريق محمد بن سعد, أخبرنا


#310#

سليمان بن عبيد الله الرقي, حدثنا محمد بن أيوب الرقي, عن سفيان, عن عبد الكريم, عن أبي الزبير, عن هشام مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن امرأتي لا تمنع يد لامس قال: «طلقها» قال: إنها تعجبني قال: «فاستمتع بها».

تابعه محمد بن مسلم بن واره, عن سليمان نحوه.

ورواه جماعة, عن الثوري, عن عبد الكريم, أخبرني أبو الزبير, عن مولى بني هاشم, عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه, ولم يسمه.

ورواه عبيد الله بن عمرو الرقي, عن عبد الكريم, عن أبي الزبير, عن جابر.

"يسار نوبي": أصابه النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة بني عبد بن ثعلبة, وهو الراعي الذي قتله العرنيون الذين أغاروا على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم بذي الجدر وقطعوا يده ورجله, وغرسوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات, وانطلقوا بالسرح, وأقبلت امرأة من بني عمرو بن عوف على حمار لها حتى تمر بيسار تحت شجرة, فلما رأته وما به وقد مات, رجعت إلى قومها فأخبرتهم الخبر, فخرجوا نحو يسار حتى جاءوا به إلى قباء ميتاً, فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم كرز بن جابر الفهري فلحقهم, فأتى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأمر بهم فقطع أيديهم وأرجلهم,


#311#

وسملت أعينهم, وصلبوا بمجتمع السيول, وذلك سنة ست من الهجرة.

وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى يسار هذا وهو يحسن الصلاة فأعتقه.

"يسر", لا يثبت, جاء بإسناد مظلم عن أبي المحاسن عبد العزيز [ابن] علي بن يحيى, أخبرني والدي الشيخ الفقيه أبو الحسن علي بن يحيى, أخبرني الشيخ الزاهد أبو علي الحسن بن خارجة سمعت يسراً خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمصر, وكان موضوعاً بين قطن مندوف, وله من العمر ثلاث مائة سنة بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الدنيا ملعونة, ملعون ما فيها, إلا ذكر الله ومن أوى إلى ذكر الله».

يسر هذا لا يعرف إلا من هذا الطريق المظلم, روي عنه به خمسة أحاديث موضوعة, هذا أحدها.

والحسن بن خارجة ليس بثقة ولا مأمون, وعلي بن يحيى وابنه عبد العزيز لا يعرفان, والله أعلم.

"أبو أثيلة": كذا ذكره جماعة في الموالي منهم: ابن الجوزي في


#312#

"التلقيح" في مكانين منه ولم يسمه, وفي الصحابة: أبو أثيلة السلمي كان اسمه ظالماً, فسماه النبي صلى الله عليه وسلم راشداً, وهو راشد بن حفص, وقيل: ابن عبد ربه, وقيل: أبو أثيلة بن راشد, وقيل: أبو أثلة.

"أبو البشر": ذكره جعفر المستغفري في الموالي ولم يسمه.

"أبو الحمراء": اسمه هلال بن الحارث السلمي, ويقال: هانئ بن الحارث, وقال ابن شاهين: هلال بن ظفر, ويقال: ابن أبي الحمراء, والأول هو المشهور, واشتهر بكنيته أبي الحمراء.

وما ذكره أبو عمر بن عبد البر في "الاستيعاب" أن كنيته أبو الجمل فهو وهم أشار إليه الغساني, ونبه عليه المنذري والذهبي.

وما ذكره أبو عمر, عن عباس, عن يحيى بن معين قال: أبو الجمل صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه هلال بن الحارث, وكان يكون بحمص, قال


#313#

يحيي: وقد رأيت بها غلاماً من ولده, فتصحفت على أبي عمر لفظة الحمراء بالجمل, والله أعلم.

له حديث في "سنن ابن ماجه" من رواية أبي داود نفيع بن الحارث الأعمى أحد المتروكين عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مر بجنبات رجل عنده طعام في وعاء فأدخل يده فيه ... الحديث.

"أبو رافع قبطي": اسمه أسلم, قاله مصعب الزبيري, وقيل: إبراهيم, ذكره يحيى بن معين, وقيل: هرمز, وقيل: ثابت, وقيل: برية.

كان للعباس رضي الله عنه فوهبه للنبي صلى الله عليه وسلم, فلما أسلم العباس بشر النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه فأعتقه, وكان أبو رافع أسلم بمكة مع إسلام العباس رضي الله عنهما, وشهد الخندق قاله ابن الجوزي, وقال مصعب: شهد أحداً والخندق والمشاهد بعدها, وزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمى, وشهدت سلمى خيبر, وولدت له عبيد الله بن أبي رافع, وكان كاتباً لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بالكوفة, (ومات أبو رافع بالمدينة قبل قتل عثمان رضي الله عنهما. انتهى), وقيل: توفي في خلافة علي رضي الله عنه وصوبه بعضهم.


#314#

قال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا يعقوب, حدثنا أبي، عن ابن إسحاق, حدثني هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أتت سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستأذنه على أبي رافع قد ضربها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي رافع: «مالك ولها يا أبا رافع؟» قال: تؤذيني يا رسول الله, فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بما آذيته يا سلمى» قالت: يا رسول الله, ما آذيته بشيء, ولكنه أحدث وهو يصلي, فقلت له: يا أبا رافع, إن رسول الله صلى الله عليه وسلم [قد] أمر المسلمين إذا خرج من أحدهم الريح أن يتوضأ, فقام فضربني, فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك ويقول: «يا أبا رافع, إنها لم تأمرك إلا بخير».

وقال يزيد بن هارون: حدثنا الجراح بن منهال, عن الزهري, عن أبي سليم مولى أبي رافع [عن أبي رافع] مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كيف بك يا أبا رافع إذا افتقرت؟» قلت: أفلا أتقدم في ذلك؟ قال: «بلى» قال: «ما مالك؟» قلت: أربعون ألفاً وهي لله عز وجل قال: «لا, أعط بعضاً وأمسك بعضاً وأصلح إلى ولدك» قال: قلت: أولهم علينا يا رسول الله حق كما لنا عليهم؟ قال: «نعم, حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتاب والرمي والسباحة, وأن يورثه طيباً» قال: ومتى يكون فقري؟ قال: «بعدي».


#315#

قال أبو سليم: فلقد رأيته افتقر بعد حتى كان يقعد فيقول: من يتصدق على الشيخ الكبير الأعمى؟ من يتصدق على رجل أعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيفتقر بعده؟ من يتصدق, فإن يد الله [هي] العلياء, ويد المعطي الوسطى, ويد السائل السفلى, ومن سأل عن ظهر غنى كان له شية يعرف بها يوم القيامة, ولا تحل الصدقة لغني ولا ذي مرة سوي, قال: فلقد رأيت رجلاً أعطاه أربعة دراهم فرد عليه منها درهماً, فقال: يا عبد الله لا ترد علي صدقتي, قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاني أن أكثر [من] فضول المال.

قال أبو سليم: فلقد رأيته بعد استغنى حتى أني له عاشر عشرة, وكان يقول: ليت أبا رافع مات في فقره أو هو فقير, قال: ولم يكن يكاتب مملوكه إلا بثمنه الذي اشتراه به.

حدث به أبو نعيم في "الحلية" من طريق يزيد, ومن طريق المغيرة بن عبد الله, عن عثمان بن عبد الرحمن, عن الجراح.

أبو رافع: والد البهي بن أبي رافع, قيل: هو رافع الذي قدمناه, والصواب – إن شاء الله – أبو رافع, ولا يعرف اسمه, وولده البهي يقال له: رافع, والله أعلم.


#316#

كان أبو رافع لأبي أحيحة سعيد بن العاص الأكبر, فورثه بنوه, وأعتق ثلاثة منهم أنصباءهم, وقتلوا يوم بدر جميعاً, وشهد أبو رافع معهم بدراً, ثم اشترى أبو رافع بقية أنصباء بني سعيد إلا نصيب خالد بن سعيد, فوهب خالد نصيبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكان أبو رافع يقول: أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم, ويقول ابنه البهي بن أبي رافع من بعده, فلما ولي عمرو بن سعيد المدينة دعا البهي فقال له من مولاك؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم, فضربه مائة سوط, ثم سأله قال: مولاي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فضربه مائة سوط, حتى ضربه خمسمائة سوط, ثم قال: أنا مولاكم, فلما قتل عبد الملك عمرو بن سعيد قال رافع ابن أبي رافع:

فصحت ولا شلت وضرت عدوها ... يمين هراقت مهجة ابن سعيد

هو ابن أبي العاص مراراً وينتمي ... إلى أسرة طابت له وجدود.

هكذا ذكره ابن أبي خيثمة في "التاريخ" عن مصعب بن عبد الله.

وقد خلط بعضهم ترجمة أبي رافع هذا بزوج سلمى والد عبيد الله, كاتب علي المذكور قبل, فلم يصنعوا شيئاً, وممن خلط الترجمتين أبو عمر بن عبد البر, والله أعلم.

وذكر جماعة منهم أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ أن هذا العبد اسمه رافع, فقال في "الحلية": حدثنا سليمان بن أحمد, حدثنا


#317#

المقدام بن داود, حدثنا أسد بن موسى, حدثنا سفيان بن عيينة, عن عمرو بن دينار, عن محمد بن عمرو بن سعيد أن عبداً كان بين بني سعيد – يعني: ابن العاص – فأعتقوه إلا واحداً منهم, فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستشفع به على الرجل, فكلمه فيه, فوهب الرجل نصيبه [فيه] للنبي صلى الله عليه وسلم, فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكان يقول: أنا مولى النبي صلى الله عليه وسلم, وكان اسمه رافعاً أبا البهي.

"أبو سلمى الراعي": واسمه حريث فيما قيل.

"أبو سلمى آخر": قال ابن عبد البر: مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم, لا أدري أهو راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم المتقدم ذكره أو غيره.

"أبو السمح": صل فلا يدرى أين مات, قاله الحاكم أبو أحمد النيسابوري في كتابه "الكنى".

واختلف في اسمه, فقيل: مالك, سماه يحيى بن يونس فيما حكاه جعفر بن محمد المستغفري, وقيل: اسمه إياد, ولم يذكر المزي في "التهذيب" و"الأطراف" غيره, وقيل: سابق, وقيل: زياد, وأظنه تصحيفاً من إياد. وقيل: هو أبو سلامة الهاشمي الذي ذكرناه قبل وهو بعيد.

له حديث في "السنن" من طريق ابن مهدي, عن يحيى بن الوليد, عن محل بن خليفة, حدثني أبو السمح قال: كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم, فكان إذا


#318#

أراد أن يغتسل قال: «ولني قفاك».

الحديث خرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه من طريق ابن مهدي.

وله عند النسائي من طريق ابن مهدي بهذا الإسناد مرفوعاً: «يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام» وهو طرف من الحديث الذي قبله.

وقيل: إن أبا السمح هذا لم يكن مولى, وإنما كان خادماً, وقال أبو عمر بن عبد البر: مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم, ويقال له: خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

"أبو صالح": حدث حفص بن أبي داود – وهو حفص بن سليمان القارئ – عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى, عن عطاء, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مولى يقال له: أبو صالح, وله أخ مملوك, فاشتراه, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عتق حين ملكته».

"أبو صفية" المسبح بالنوى من المهاجرين, رأته والدة يونس بن عبيد.


#319#

"أبو ضميرة" والد ضميرة المذكور قبل, قال إسماعيل بن أبي أويس: حدثني حُسَيْن بن عبد الله بن أبي ضميرة أن الكتاب الذي كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ضميرة: «بسم الله الرحمن الرحيم, كتاب من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ضميرة وأهل بيته أنهم كانوا أهل بيت من العرب, وكانوا مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم, فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم» ثم خير أبا ضميرة إن أحب أن يلحق بقومه, فقد أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإن أحب أن يمكث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكونون من أهل بيته, فاختار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, ودخل في الإسلام, فلا يعرض له أحد إلا بخير, ومن لقيهم من المسلمين فليستوص بهم خيراً, وكتب إلى أبي بن كعب, قال ابن أبي أويس: فهو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو أحد حمير, وخرج قوم منهم في سفر ومعهم هذا الكتاب, فعرض لهم اللصوص, فأخذوا ما معهم, فأخرجوا هذا الكتاب إليهم, وأعلموهم بما فيه, فردوا عليهم ما أخذوا منهم, ولم يعرضوا لهم, ووفد حُسَيْن بن عبد الله بن ضميرة إلى المهدي أمير المؤمنين وجامعهم بكتابه هذا, فأخذه المهدي فوضعه على بصره, وأعطى حُسَيْناً ثلاث مائة دينار.

حدث به ابن سعد في "الطبقات" عن ابن أبي أويس.


#320#

وذكر أبو حاتم وغيره أن أبا ضميرة حميري من آل ذي يزن, واسمه سعد على الأصح, وقيل: روح بن سندر, وقيل: روح بن سيرزاد.

"أبو عبيد واسمه سعد", وقيل: عبيد, قال ابن أبي خيثمة في "التاريخ": حدثنا مسلم بن إبراهيم وأبو سلمة قالا: حدثنا أبان, عن قتادة, عن شهر بن حوشب, عن أبي عبيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم أنه طبخ لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة, فقال له: «ناولني الذراع» فناولته ذراعها, ثم ذكر الحديث.

وقال أبو عمر بن عبد البر في ترجمة أبي عبيد هذا: ويقال: خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم, لا أقف على اسمه.

تابعه أبو موسى محمد بن المثنى, حدثنا مسلم بن إبراهيم, حدثنا أبان بن يزيد, حدثنا قتادة, عن شهر بن حوشب, عن أبي عبيد قال: طبخت للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ناولني ذراعاً» وكان يعجبه الذراع, فناولته, ثم قال: «ناولني ذراعاً» [فناولته, ثم قال: «ناولني ذراعاً»] فقلت: يا رسول الله كم للشاة من ذراع؟! فقال: «والذي نفسي بيده لو سكت لأعطيتني ذراعاً ما دعوت [به]».

"أبو عسيم", ويقال: أبو عسيب, وقيل: هما اثنان, كما فرق


#321#

بينهما / الحاكم أبو أحمد في "الكنى" وعداده في أهل الكوفة, قيل: اسمه أحمر, وقيل: مرة, حديثه في الصلاة على [النبي صلى الله عليه وسلم لما قبض.

"أبو لبابة" مذكور في مواليه صلى الله عليه وسلم] قاله ابن عبد البر, وهو غير النقيب.

"أبو لقيط حبشي", وقيل: نوبي, قال أبو عمر بن عبد البر: ذكره بعضهم في موالي النبي صلى الله عليه وسلم, ولا أعرفه.

قلت: قال أبو العباس جعفر بن محمد المستغفري الحافظ: كان حبشياً نوبياً من موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقي إلى أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه, وأخذ الديوان.

"أبو مويهبة" من مولدي مزينة, لا يوقف له على اسم, اشتراه النبي صلى الله عليه وسلم وأعتقه, يقال: شهد المريسيع, وكان يقود بعائشة بعيرها، وقيل له: أبو موهبة أيضاً.

"أبو هاشم": قال أبو الشيخ الأصبهاني: حدثنا إبراهيم بن محمد بن علي الرازي, حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي الثلج, حدثنا


#322#

الحسن بن حماد بن كسيب, حدثنا يحيى بن يعلى, عن أبي عبد الرحمن حلو بن السري الأودي, حدثنا أبو هاشم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كانت أمي, أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم, هو أعتق أبي وأمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء من المسجد فوجد علياً وفاطمة رضي الله عنهما مضطجعين قد غشيتهما الشمس, فقام عند رؤوسهما وعليه كساء خيبري, فمد دونهما وقال: «قوما أحب باد وحاضر» ثلاث مرات.

وجاء من طريق أخرى, عن عبيد الله بن موسى, حدثنا حلو الأودي, عن أبي هاشم, عن أبيه وكان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكر الحديث بنحوه, فعلى هذا المولى هو والد أبي هاشم.

قال البخاري في "صحيحه": حدثنا عمرو بن علي, حدثنا أزهر بن سعد, عن ابن عون, عن ثمامة بن أنس, عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى مولى له خياطاً, فأتى بدباء فجعل يأكله, فلم أزل أحبه منذ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكله.

فهؤلاء موالي النبي صلى الله عليه وسلم الذين وقعوا لنا, وفي بعضهم خلاف, وذكر بعضهم فيمن خدم النبي صلى الله عليه وسلم من الأحرار.


#323#

&[خدامه صلى الله عليه وسلم من الأحرار]&

وأما خدامه صلى الله عليه وسلم من الأحرار فهم:

"أربد" خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم, استدركه أبو موسى من حديث منكر، قاله الذهبي في "التجريد".

ولفظ أبي موسى في كتابه الذي ذيل به على كتاب أبي عبد الله بن منده في "معرفة الصحابة" قال: أربد خادم النبي صلى الله عليه وسلم ذكره الحافظ أبو عبد الله في "التاريخ" وقال: روى حديثه أصبغ بن زيد, عن سعيد بن راشد, عن زيد بن علي, عن جدته فاطمة بحديث له فيه ذكر. انتهى.

"أسلع بن شريك بن عوف", ويقال [له] ابن الحارث التميمي, وكان يرحل ناقة النبي صلى الله عليه وسلم, روى حديثه العلاء بن أبي سويه, عن الهيثم بن رزيق, عن أبيه عنه.

"أسماء بن حارثة بن سعيد الأنصاري", ويقال: الأسلمي أخو هند.


#324#

قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا محمد بن نعيم بن عبد الله المجمر, عن أبيه, سمعت أبا هريرة رضي الله عنه قال: ما كنت أظن هند وأسماء ابني حارثة الأسلميين إلا مملوكين لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: قال محمد بن عمر: كانا يخدمانه لا يريمان بابه هما وأنس بن مالك.

"أسود بن مالك الأسدي".

"أنس بن مالك بن النضر" أبو حمزة الأنصاري النجاري.

قال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا يونس بن أبي إسحاق, حدثنا المنهال بن عمرو قال: كان أنس رضي الله عنه صاحب نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإداوته.

"أيمن بن عبيد" وتقدم في الموالي, وكان أيمن على مطهرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعاطيه حاجته.

"بكر بن شداخ" الليثي, ويقال: بكير, فيما سماه ابن الكلبي, وسمى أباه شداداً لكنه من بني الشداخ بن عوف الكناني.

قال عبد الله بن عبد الجبار الخبائري: حدثنا مطرف بن أبي بكر الهذلي, عن أبيه, عن عبد الملك بن يعلى الليثي أن بكر بن شداخ الليثي, وكان ممن يخدم النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام, فلما احتلم جاء النبي


#325#

صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني كنت أدخل على أهلك, وقد بلغت مبلغ الرجال, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم صدق قوله ولقه الظفر» فلما كان في ولاية عمر رضي الله عنه وجد رجل يهودي قتيلاً فأعظم ذلك عمر وجزع وصعد المنبر, فقال: أفيما ولاني الله عز وجل واستخلفني يفتك بالرجال, أذكر الله رجلاً كان عنده علم إلا أعلمني, فقام إليه بكر بن شداخ, فقال: أنا به, فقال: الله أكبر بؤت بدمه, فهات المخرج, فقال: بلى, خرج فلان غازياً ووكلني بأهله, فجئت إلى بابه فوجدت هذا اليهودي في منزله وهو يقول:

وأشعث غره الإسلام مني ... خلوت بعرسه ليل التمام

أبيت على ترائبها ويمسي ... على قود الأعنة والحزام

كأن مجامع الربلات منها ... فئام ينهضون إلى فئام.

قال: فصدق عمر قوله, وأبطل دمه بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم.


#326#

"بلال بن رباح" مولى أبي بكر رضي الله عنهما, وكان على نفقاته صلى الله عليه وسلم.

ثعلبة بن عبد الرحمن الأنصاري صاحب الحديث الطويل الباطل في توبته, ولا يصح, والحديث روي من طرق مختلفة كلها باطلة, وذكر الذهبي أن الحديث شبه الموضوع, والله أعلم.


#327#

"جزء بن الحدرجان بن مالك بن أخي أسود" المذكور قبل, أبوه الحدرجان بن مالك الأسدي.

"حمزة بن عمرو الأسلمي" خدم النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة تبوك, وكناه النبي صلى الله عليه وسلم أبا صالح.

قال أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي, حدثنا يزيد بن يحيى بن يزيد أبو خالد الخزاعي, حدثنا أبو بكر بن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي, عن أبيه, عن جده رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك وكنت على خدمته ذلك السفر, فنظرت إلى نحي السمن قد قل ما فيه, وهيأت للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً, ووضعت النحي في الشمس ونمت, فانتبهت لخرير النحي, فقمت فأخذت برأسه بيدي, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآني: «لو تركته لسال وادياً سمناً».

تابعه أبو بكر أحمد بن محمد بن هاشم, عن محمد بن عبد الله بن سليمان بمثله إلا أنه قال: «ألا تركته, ولو تركت لسال واد سمناً».

حدث به القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي، عن أبي بكر هذا.


#328#

"خالد بن سيار بن عبد عوف الغفاري": سائق بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قاله الكلبي وابن سعد وزاد ومعه حسان الأسلمي.

ذو مخمر الحبشي ابن أخي النجاشي, وقيل ابن أخته, وقال البخاري: ذو مخبر بالموحدة مكان الميم الثانية, قال ابن سعد: ومخمر أصوب.

خرج أبو داود من حديث حجاج بن محمد ومبشر الحلبي, عن حريز بن عثمان, حدثني يزيد بن صالح, عن ذي مخبر الحبشي, وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم, في هذا الخبر قال: فتوضأ – يعني النبي صلى الله عليه وسلم – وضوءاً لم يلث منه التراب, ثم أمر بلالاً فأذن, ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فركع ركعتين غير عجل, ثم قال لبلال: «أقم الصلاة» ثم صلى وهو غير عجل.

قال: قال حجاج, عن يزيد بن صليح, حدثني ذو مخبر رجل من الحبشة.

وقال أيضاً: حدثنا مؤمل بن الفضل, حدثنا الوليد, عن حريز,


#329#

عن يزيد بن صليح, عن ذي مخبر ابن أخي النجاشي قال: فأذن وهو غير عجل.

"ذؤيب بن حلحلة بن عمرو", ويقال: ابن أبي حلحلة, والد قبيصة الخزاعي, وفي اسم أبيه خلاف, وكان صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أهدى والناظر عليها.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث معه بالبدن.

"ربيعة بن كعب بن مالك" أبو فراس الأسلمي, وكان صاحب وضوئه.

قال عمرو بن مرزوق: أخبرنا مبارك بن فضالة, عن أبي عمران الجوني, عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال: كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي يوماً: «يا ربيعة ألا تزوج» فقلت: والله يا رسول الله لخدمتك أحب إلي, قال: ثم أعاد علي مرة أخرى, فقلت له مثل ذلك قال: قلت: والله لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بما يصلحني مني, والله لئن قال مرة أخرى لأقولن: بلى يا رسول الله, قال: فقال لي: «يا ربيعة ألا تزوج» قلت: بلى يا رسول الله, فقال: «ائت آل فلان – لأهل بيت من الأنصار – فليزوجوك ابنتهم فلانة» قال: فأتيتهم, فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تزوجوني من فلانة, فقالوا: مرحباً برسول الله صلى الله عليه وسلم, لا يذهب


#330#

رسول [رسول] الله صلى الله عليه وسلم إلا بحاجته قال: فزوجوني ولم يسألوني بينة ... وذكر الحديث بطوله.

وقال أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل في كتابه "الشفاعة": حدثنا علي بن عبد الله, حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد, حدثنا أبي, عن ابن إسحاق, حدثني محمد بن عمرو بن عطاء, عن نعيم بن مجمر, عن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقوم له في حوائجه نهاري أجمع, حتى نصلي العشاء الآخرة فأجلس ببابه حتى يدخل بيته, أقول: لعلها أن تحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة, قال: فقال لي يوماً لما يرى من خفتي له وخدمتي إياه: «يا ربيعة سلني أعطك» قال: قلت: أنظر في أمري يا رسول الله, ثم أعلمك ذلك قال: ففكرت في نفسي فعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة وإن لي فيها رزقاً سيكفيني ويأتيني قال: فقلت: أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخرى, فإنه من الله تعالى بالمنزل الذي هو به, فجئته فقال: [«ما فعلت] يا ربيعة؟» فقلت: نعم يا رسول الله, أسألك أن تشفع لي إلى ربك فيعتقني من النار, فقال: «من أمرك بهذا يا ربيعة؟» قال: قلت: لا, والذي بعثك بالحق ما أمرني أحد, ولكنك لما قلت لي «سلني أعطك», فكنت من الله تعالى بالمنزل الذي أنت به منه, فنظرت


#331#

في أمري فعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة وإن لي فيها رزقاً سيأتيني, فقلت: أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخرى قال: فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً ثم قال: «إنني فاعل فأعني على نفسك بكثرة السجود».

وخرجه بنحوه الإمام أحمد في "مسنده" عن يعقوب, وقد قدمناه في الصفات مختصراً.

"سعد مولى أبي بكر": قال أحمد بن حنبل في "مسنده": حدثنا سليمان بن داود, حدثنا أبو عامر, عن الحسن, [عن سعد] مولى أبي بكر, وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم, وكان يعجبه خدمته, فقال: «يا أبا بكر أعتق سعداً» فقال سعد: يا رسول؟, ما لنا غيره, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعتق سعداً أتتك الرجال, أتتك الرجال».

قال أبو داود: يعني السبي.

أبو داود هو الطيالسي سليمان بن داود شيخ أحمد, وأبو عامر هو صالح بن رستم الخزاز.


#332#

وحدث به ابن سعد في "الطبقات" عن الطيالسي.

وحدث به مطولاً أبو إسحاق [إبراهيم بن يعقوب] الجوزجاني في كتابه "أمارات النبوة" فقال: حدثنا أبو توبة, حدثنا معاوية بن سلام حدثني عبد الله بن زيد الجرمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينطلق هو وأبو بكر رضي الله عنه, فيخرجان إلى الجبل, فيدرسان القرآن, حتى إذا أمسيا رجعا فطافا بالبيت وصليا ما قدر لهما حتى إذا كانت ليلة أقبلا بعدما هدأ الناس, فطافا بالبيت وصليا ما قدر لهما, فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق بنا إلى أهلنا لعلنا نجد شيئاً نأكله وأخذ الكلام عبد لأبي بكر قائماً في فناء البيت, فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا سعد عندك شيء تطعمنا؟ فقال: عندي جفنة من زبيب, فجلسا فقدم إليهما فجعلا يقضمانه, فقال سعد: يا رسول الله ما لنا خادم يخدمنا غيره, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعتق سعداً يا أبا بكر أعتق سعداً يا أبا بكر [أعتق سعداً يا أبا بكر], فهذا خير, فتح الله لك باب العبيد والإماء إن شاء الله» فأعتقه أبو بكر, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا سعد إن كان لك شيء فالحق به, وإن شئت أن تلحق بنا إذا خرجنا فإنا لن نألوك خيراً» قال: ما لي من ولد ولا والد ألحق به


#333#

غيركما, فلما خرجا إلى المدينة لحق بهما, فكان سعد يرحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر إذا سافرا, فغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة فنزل الجيش ذات يوم وليس معهم طعام, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا سعد هل معك شيء؟» قال: نعم, معي صاع من تمر خبأته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر, فقال: «ائت به» فأدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ودعا بالبركة, ثم قال: «ائت بالأنطاع من جلود» فبسط الأنطاع بعضها إلى بعض, وبسط رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك التمر على الأنطاع, ثم قال: «يا سعد أذن في الناس هلموا إلى الغداء».

فأقبل الناس, فجعلوا يزدحمون, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلوا ولا تعجلوا» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذ الحلاب فانظر إلى الشاة وراء الشجرة فاحلبها» فإذا هو بعنز سوداء ضخمة الضرع, فجعل يحلب في قدحه, ثم يأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: «اسق القوم» فجعل يسقيهم, ثم يرجع يملؤه فيسقيهم, ثم يرجع فيملؤه فيسقيهم حتى صدر الجيش عن شبع وري ولبن, فلما أن شبعوا قال: «اقبض إليك سائر تمرك» فجمع بعضه إلى بعض, فإذا صاعه كما كان, فجعله في وعائه, ثم أذن في الرحيل, فدعا سعد صاحبا له, فأعطاه العنز, فقال: اجعل يدك من وراء عنقها وضمها إليك حتى أرحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فإذا صاحبه يدعوه: يا سعد, حين فرغ من الرحيل, جاءه يسعى, فقال: إن العنز قد ذهبت قال: أضعتها؟ قال: ما فارقت يداي عنقها,


#334#

وما أدري كيف انسلت, فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم سعداً فقال: إني كنت أعطيت صاحباً لي العنز يمسكها, فما أدري كيف انسلت فذهبت, قال: «اركب عنك ودعها».

"شريك": وقع غير منسوب, كذا ذكره بعضهم, وقال صاحب "المغني" في مذهب أحمد بن حنبل: وذكر ابن عقيل, وفي نسخة: وروى بعض أصحابنا حديثاً عن شريك رحال النبي صلى الله عليه وسلم قال: أجنبت وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فجمعت حطباً فأحميت الماء فاغتسلت ... الحديث.

شريك هذا هو الأسلع بن شريك التميمي الذي قدمناه.

وقد قال أبو محمد دعلج بن أحمد في كتابه "مسند المقلين" في ترجمة الأسلع هذا قال: ويقال له: شريك الأعرج. انتهى.

ولم يقع لنا حديثه إلا مسمى فيه بالأسلع.

قال الحسن بن سفيان: حدثنا محمد بن مرزوق, حدثنا العلاء بن الفضل بن عبد الملك, حدثنا الهيثم بن رزيق, عن أبيه, عن الأسلع بن شريك قال: كنت أرحل ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فأصابتني جنابة في ليلة باردة, وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الراحلة, وكرهت أن أرحل ناقته وأنا جنب, وخشيت أن أغتسل بالماء البارد فأموت ..... الحديث.

وخرجه الطبراني في "معجمه الكبير" فقال: حدثنا سهل بن موسى


#335#

شيران الرامهرمزي, حدثنا محمد بن مرزوق, فذكره بنحوه.

ورواه أبو زكريا السيلحيني, حدثنا عليلة بن بدر, عن أبيه, عن جده [عن] الأسلع قال: كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم وأرحل له فقال: «يا أسلع قم فارحل» قال: قلت: يا رسول الله إني جنب, ونزلت آية الصعيد, فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمني التيمم, فضرب ضربة لوجهه, وضربة لليدين إلى المرفقين.

"عبد الله بن مسعود الهذلي", وكان صاحب نعليه صلى الله عليه وسلم وغيرهما.

قال الواقدي: حدثنا عبد الله بن جعفر, عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد القاري, عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صاحب سواد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني سره, ووساده يعني فراشه, وسواكه ونعليه وطهوره, وهذا يكون في السفر.

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا الفضل بن دكين, حدثنا المسعودي, عن القاسم بن عبد الرحمن, قال: كان عبد الله يلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم نعليه, ثم يمشي أمامه بالعصا, حتى إذا أتى مجلسه نزع نعليه وأدخلهما في ذراعيه وأعطاه العصا, فإذا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم ألبسه نعليه, ثم مشى بالعصا أمامه حتى يدخل الحجرة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم.


#336#

وقال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتابه "عيون الأخبار": وحدثني شيخ لنا, عن أبي معاوية, حدثنا أبو حنيفة, عن معن بن عبد الرحمن, عن أبيه قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ما كذبت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كذبة واحدة, كنت أرحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من الطائف, فقلت: هذا يغلبني على الرحال, فقال: أي الرحال أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: الطائفية المنكبة, فرحل بها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رحل لنا هذا؟» فقالوا: الطائفي, فقال: «مروا عبد الله فليرحل لنا» فعدت إلى الرحال.

"عقبة بن عامر الجهني", وكان صاحب بغلته صلى الله عليه وسلم يقود به في الأسفار.

"عياذ بن عمرو", وثقيل: ابن عبد عمرو الأزدي.

قال بشر بن آدم: حدثنا الضحاك بن مخلد, حدثني بشر بن صحار الأعرجي, أخبرني المعارك بن بشر بن عياذ وغير واحد من أعمامي, عن عياذ بن عمرو, وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم, فخاطبه يهودي فسقط رداؤه عن منكبه, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره أن يرى الخاتم فسويته عليه, فقال: «من فعل هذا؟» قلت: أنا. قال: «تحول إلي ... » وذكر الحديث.

وقد تقدم في صفة الخاتم الشريف بطوله.


#337#

وقال البخاري في "تاريخه الكبير": قال عمرو بن علي, حدثنا الضحاك بن مخلد, حدثنا بشر بن صحار بن عياذ بن عبد عمرو الأزدي سمع معارك بن بشر بن عياذ أن عياذاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخدمه, وكان معه قبل فتح مكة ودعا له, قال: ورأيت خاتم النبوة, وذكر بقيته.

"قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي": قال أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن أبي الدنيا القرشي في كتابه "الذكر لله عز وجل": حدثنا القاسم بن محمد بن عباد المهلبي, حدثنا أبي, عن جدي, عن شعبة, عن منصور, عن ميمون بن أبي شبيب, عن قيس بن سعد بن عبادة قال: أخذ أبي بيدي, فدفعني إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخدمه, فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في المسجد قد ركعت ركعتين فوكعني وقال: «ألا أدلك على باب من أبواب الجنة؟» قلت: بلى يا رسول الله قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله».

[ت] حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى, حدثنا وهب بن جرير، حدثني أبي, سمعت منصور بن زاذان, عن ميمون بن أبي شبيب, عن قيس بن سعد بن عبادة أن أباه دفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخدمه, قال: فمر


#338#

بي النبي صلى الله عليه وسلم وقد صليت فضربني برجله وقال: «ألا أدلك على باب من أبواب الجنة؟» قلت: بلى قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله».

هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه, قاله الترمذي.

وحدث به أبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه" فقال: حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا جرير بن حازم, سمعت منصور بن زاذان يحدث عن ميمون بن أبي شبيب, عن قيس بن سعد بن عبادة أن أباه دفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخدمه.

وقال في ترجمة قيس: حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس, حدثنا زهير, سمعت أبا إسحاق يذكر أن قيس بن سعد كان خادم النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال البخاري في "تاريخه الكبير": قال مسدد: عن عيسى بن يونس, عن أبيه, عن يريم بن أسعد الخارفي قال: رأيت قيس بن سعد وكان خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين مسح على خفيه.

"معمر بن عبد الله بن نافع بن نضلة" بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب العدوي كان يرحل للنبي صلى الله عليه وسلم.

حدث محمد بن إسحاق, عن يزيد بن أبي حبيب, عن عبد الرحمن بن عقبة – هو مولى معمر – عن معمر قال: كنت أرحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا هو يسير ذات يوم وأنا معه فقال: «يا معمر إني أجد في أنساعي اضطراباً» قلت: والذي بعثك لقد شددتها كما كنت أشدها, ولكن


#339#

بعض من حسدني على منزلتي منك هو صنع ذلك؛ لتستبدل [بي] غيري قال: «ما كنت لأفعل» قال: وكنت أرحل له ... الحديث, وتقدم بطوله في حجة الوداع.

"معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي": كان على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم.

قال البخاري في "تاريخه الكبير": قال محمد بن بشار: حدثنا سهل بن حماد, حدثنا أبو مكين نوح بن ربيعة, حدثنا إياس بن الحارث بن معيقيب عن أبيه, عن جده المعيقيب قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من حديد ملوي عليه فضة, فربما كان في يدي, وكان معيقيب على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم.

وحدث به أبو داود في "سننه" عن ابن مثنى وزياد بن يحيى والحسن بن علي.

وحدث به النسائي عن عمرو بن علي وأبي داود سليمان بن سيف الحراني, عن حسيم, عن سهل بن حماد أبي عتاب الدلال, فذكره.

"مهاجر مولى أم سلمة" يكنى أبا حذيفة.

"نعيم بن ربيعة بن كعب الأسلمي": وتقدم ذكر أبيه, هكذا ذكره جماعة, وهو وهم, وصوابه: نعيم, عن ربيعة بن كعب, كما مرت الرواية بذلك من طريق محمد بن عطاء, عن نعيم بن مجمر, عن ربيعة بن كعب, والله أعلم.


#340#

"هند بن جارية الأسلمي": تقدم ذكر أخيه.

"الهيثم بن نصر بن ذهر" بكسر الذال المعجمة وإسكان الهاء بعدها راء, فيما قاله الواقدي.

قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر, حدثني سليمان بن عاصم, عن سليمان بن عبد الله بن أبي عويم, عن عبد الله بن نيار, عن الهيثم بن نصر بن ذهر الأسلمي رضي الله عنه قال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولزمت بابه في قوم محاويج, فكنت آتيه بالماء من جاسم بئر أبي الهيثم بن التيهان, وكان ماؤها طيباً.

"أبو أسيد" ثابت الأنصاري: وقيل: عبد الله بن ثابت, كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم, روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: «كلوا الزيت وادهنوا به فإنه [من] شجره مباركة» إسناده مضطرب فيه لا يصح.

وقد قيل: فيه أبو أسيد بالضم, والصواب بالفتح – إن شاء الله تعالى – قاله أبو عمر بن عبد البر.


#341#

وروي عن عبد الرحمن بن جبير أنه حدثه خدم النبي صلى الله عليه وسلم ثماني سنين, كان يسمع النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرب إليه طعاماً يقول: «بسم الله» فإذا فرغ من طعامه قال: «اللهم أطعمت وسقيت, وأغنيت وأقنيت, وهديت وأحييت, فلك الحمد على ما أعطيت».

خرجه النسائي وابن السني.

"أبو ذر الغفاري": فيما قالت أسماء بنت يزيد, كان أبو ذر يخدم النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا فرغ من خدمته آوى إلى المسجد, وكان هو بيته فاضطجع فيه.

"أبو سلام الهاشمي".

"أبو صالح الخازن": قال أبو أسامة: عن عباد بن منصور, عن أيوب, عن أبي قلابة, عن أبي صالح الخازن, قال أبو أسامة: وكان من خزان النبي صلى الله عليه وسلم (عن النبي صلى الله عليه وسلم): «إن الله عز وجل كتب كتاباً قبل أن يخلق السماوات والأرض» ..... الحديث.


#342#

أبو صالح لا يعرف, قاله الذهبي في "الميزان" وذكره ابن حبان في "الثقات".

وقول أبي أسامة غريب, فإني لم أقف على أبي صالح هذا في الصحابة, وإنما روايته هذا الحديث عن النعمان بن بشير, عن النبي صلى الله عليه وسلم خرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" من طريق ريحان بن سعيد, عن عباد بن منصور, عن أيوب, عن أبي قلابة, عن أبي صالح الحارثي, عن النعمان بن بشير.

وخرجه الطبراني في "معجمه الأوسط" من طريق ريحان ولفظه: «إن الله عز وجل كتب كتاباً قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام, فهو عنده على العرش, أنزل في ذلك الكتاب آيتين ختم بهما سورة البقرة, وإن الشيطان لا يلج بيتاً قرئت فيه ثلاث ليال».

لم يروه عن أيوب إلا عباد بن منصور, تفرد به ريحان بن سعيد, قاله الطبراني. وهو عند النسائي أيضاً والترمذي من حديث حماد بن سلمة، عن أشعث بن عبد الرحمن, عن أبي قلابة, عن أبي الأشعث, عن النعمان بن بشير, غريب, قاله الترمذي.


#343#

و "الأشعث شرحبيل بن عبد الرحمن الصنعاني".

وجاء عن يزيد بن هارون عن عبد الله الأصم, عن عامر بن الأحول, عن أبي صالح، عن النعمان بن بشير موقوفاً.

وأبو صالح هذا قيل فيه: (الخازن), كما في حديث [أبي] أسامة, وقيل فيه: الحارثي, كما في رواية الأشعث, وقيل فيه: الحادي كأنجشة حادي القوارير.

"أبو عبيد": وتقدم ذكره في الموالي.

"أبو هريرة الدوسي رضي الله عنه":

خرج مسلم في "صحيحه" من حديث سفيان بن عيينة, عن الزهري, عن الأعرج سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: إنكم تزعمون [أن] أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله الموعد, كنت رجلاً مسكيناً أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني ... وذكر الحديث بطوله.

غلام من الأنصار نحو أنس بن مالك مذكور في حديث الإداوة.


#344#

"رجل من الصحابة مجهول":

قال خيثمة بن سليمان: حدثنا أبو قلابة, حدثنا عمير بن عبد المجيد, حدثنا أبو خلدة خالد بن دينار, حدثني أبو العالية, حدثني من كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هذا ما حفظت لك منه, كان إذا صلى ثم لم يبرح من المسجد حتى تحضر الصلاة توضأ وضوءاً خفيفاً من جوف المسجد.

"آخر مجهول": روى النسائي عن يونس, عن ابن وهب, عن سعيد وهو ابن أبي أيوب, عن بكر بن عمرو, عن ابن هبيرة, عن عبد الرحمن بن جبير, عمن خدم النبي صلى الله عليه وسلم ثماني سنين أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرب إليه الطعام قال: «بسم الله ... » الحديث.

"آخر": قال أبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه": حدثنا عمرو بن مرزوق, أخبرنا شعبة, عن أبي عقيل هاشم بن بلال, عن سابق بن ناجية, عن أبي سلام, عن رجل خدم النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حدث الحديث أعاده ثلاث مرار.

وصح عن أنس بن مالك رضي الله عنه: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض, فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده, فقعد عند رأسه .... الحديث في إسلامه.

قيل: إن اسم الغلام عبد القدوس.


#345#

وقال أحمد بن كامل القاضي: حدثني أبو سليمان داود بن محمد بن أبي معشر, حدثنا أبي, عن أبي معشر, عن عمرو بن عثمان بن هانئ قال: كان غلام يهودي كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبعثه في حوائجه, قال: فمرض, قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده, فرأى به الموت, فقال له: «يا فلان قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله» قال: فسكت الغلام فرقاً من أبيه, فلما رأى أبوه ذلك قال: يا بني إن كنت هويت شيئاً فقل, فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله, ثم مات, فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى غسل وكفن, وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

واثلة, روى عيينة اللخمي, عن أبي عمار, عن واثلة, وكان خدم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين, قاله سعيد الأموي, عن أبيه, عن يزيد بن سنان, ذكره البخاري في "التاريخ".

وجميع من سمينا ممن دخل في رقه صلى الله عليه وسلم جزم جل الإخباريين بعتقه, والأحاديث بذلك معلِمة معلَمة من أنه صلى الله عليه وسلم لم يمت وفي ملكه عبد ولا أمة.


#346#

&[ما روي في ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم]&

قال عباد بن العوام: حدثنا هلال بن خباب, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ترك ديناراً ولا درهماً, ولا عبداً ولا أمة, ولا شاة ولا بعيراً, وترك درعه التي كان يقاتل فيها مرهونة بثلاثين صاعاً من شعير ... الحديث.

وقال شيبان: حدثنا عاصم بن أبي النجود, عن زر قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أعن ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم تسألني, لا أب لك, والله ما ورث رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناراً ولا درهماً, ولا شاة ولا بعيراً, ولا عبداً ولا أمة.

وثبت من حديث عبد الرحمن بن مهدي وغيره, عن سفيان, عن


#347#

أبي إسحاق, عن عمرو بن الحارث رضي الله عنه قال: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناراً ولا درهماً, ولا عبداً ولا أمة, إلا بغلته البيضاء, وسلاحه, وأرضاً جعلها لابن السبيل صدقة – هذه الأرض فدك, وهي مدينة بينها وبين المدينة يومان وعن خيبر دون مرحلة – والكثيبة, وهي حصن من حصون خيبر.

قال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا محمد بن عمر, حدثني أسامة بن زيد الليثي, عن الزهري, عن مالك بن أوس بن الحدثان, عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث صفايا: فكانت بنو النضير حبساً لنوائبه, وكانت فدك لابن السبيل, وكانت خيبر, فكان الخمس قد جزأه ثلاثة أجزاء: فجزءان للمسلمين, وجزء كان ينفق منه على أهله, وإن فضل فضل رده على فقراء المسلمين.

وقال: أخبرنا محمد بن عمر, حدثني موسى بن عمر الحارثي, عن محمد بن سهل بن أبي حثمة قال: كانت صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أموال بني النضير وهي سبعة: الأعراف, والصافية, والدلال, والميثب, وبرقة, وحسنى, ومشربة أم إبراهيم, وإنما سميت مشربة أم إبراهيم لأن أم إبراهيم مارية كانت تنزلها, وكان ذلك المال لسلام بن مشكم النضري.


#348#

وقال: أخبرنا محمد بن عمر, حدثني محمد بن بشر بن حميد, عن أبيه, قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول في خلافته بخناصرة: سمعت بالمدينة – والناس يومئذ بها كثير – من مشيخة المهاجرين والأنصار أن حوائط النبي صلى الله عليه وسلم يعني السبعة التي وقف من أموال مخيريق, وقال: إن أصبت فأموالي لمحمد صلى الله عليه وسلم يضعها حيث أراه الله، وقتل يوم أحد, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مخيريق خير يهود», وذكر بقيته.

وقال: أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا يحيى بن سعيد بن دينار, عن أبي وجزة يزيد بن عبيد السعدي قال: كان مخيريق أيسر بني قينقاع, وكان من أحبار يهود وعلمائها بالتوراة, فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد ينصره وهو على دينه, قال لمحمد بن مسلمة وسلمة بن سلامة: إن أصبت فأموالي إلى محمد صلى الله عليه وسلم يضعها حيث أراه الله, فلما كان يوم السبت وانكشفت قريش ودفن القتلى وجد مخيريق مقتولاً به جراح, فدفن ناحية من مقابر المسلمين, ولم يصل عليه, ولم يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ولا بعد ترحم عليه, ولم يزده على أن قال: «مخيريق خير يهود» فهذا أمره.

وذكر حماد بن إسحاق في كتابه "تركة النبي صلى الله عليه وسلم" أن الله عز وجل فتح على النبي صلى الله عليه وسلم الفتوح في آخر عمره فصارت له أموال. منها: أموال مخيريق اليهودي, وكان أوصى بماله للنبي صلى الله عليه وسلم لمعرفته بأنه رسول الله


#349#

صلى الله عليه وسلم, وهي صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة. ومنها: ما فتح الله عز وجل عليه مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب, ونزلوا من حصونهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير قتال, وهم بنو النضير, وأهل حصن الكثيبة من حصون خيبر, فإنهم نزلوا إليه أيضاً بغير قتال, وقاتل غيرهم من أهل خيبر.

ومن ذلك أيضاً فدك, قال الله تبارك وتعالى: {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير} فجعل الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في ذلك ما لم يجعله لأحد سواه.

ثم قال حماد: وروى إسماعيل بن أبي أويس, ورواه محمد بن مسلمة وغيرهما في رسالة عمر بن عبد العزيز التي كتبها في وجوه الأموال التي تقسم, وعرضت على مالك بن أنس فقال: هذا رأي أن عمر بن عبد العزيز قال: إن الله تعالى نفل رسوله صلى الله عليه وسلم خاصة دون الناس مما غنمه من أموال بني قريظة والنضير إذ يقول: {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على شيء قدير} قال عمر: فكانت تلك الأموال خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجب فيها خمس ولا مغنم ليولي الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم أجرها وأجر أهل الحاجة إليها والسبقة.


#350#

قال عمر: فلم يضنن بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولم يحزها لنفسه ولا لقرابته, ولم يخصص أحداً منهم بفرض ولا سهمان, ولكن آثر صلى الله عليه وسلم بأوسعها وأعمها وأكثرها نزلاً لأهل الحق والقدمة من المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً, وقسم طوائف منها في أهل الحاجة من الأنصار.

قال محمد بن مسلمة: فخص المهاجرين بما يستغنون به عن أموال الأنصار التي كانوا يواسونهم بها.

قال عمر بن عبد العزيز: وحبس منها فريقاً لنائبته وحقوق ما يعروه غير معتقد شيئاً منها, ولا مستأثر به, ولا مريد له, فجعلها صدقة لا تراث لأحد فيها زهادة في الدنيا ومحقرة لها وأثرة لما عند الله.

قال محمد بن مسلمة: فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أموال بني النضير بين المهاجرين, وأعطى معهم أهل الخلة من الأنصار, وحبس فدك والكثيبة فيما بلغنا للحرب والسلاح.

وقال حماد بن إسحاق: حدثنا محفوظ بن أبي توبة, حدثنا عبد الله بن صالح, حدثني الليث بن سعد, حدثني عبد الرحمن بن خالد, عن ابن شهاب, عن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى [أبي] بكر رضي الله عنه تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وفاطمة حينئذ تطلب صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وفدك وما بقي من خمس


#351#

خيبر, فقالت عائشة: فقال أبو بكر رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد في هذا المال» وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولأعملن فيها ما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال أيضاً: حدثنا هشام أبو الوليد, حدثنا حماد بن سلمة, عن محمد بن عمرو, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاءت فاطمة إلى أبي بكر رضي الله عنهما فقالت: من يرثك؟ فقال: ولدي وأهلي, قالت: فلا ترث رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته؟ فقال أبو بكر رضي الله عنهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنا لا نورث, ما تركنا فهو صدقة» فمن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوله فأنا أعوله, ومن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق عليه [فأنا أنفق عليه].

وخرجه يعقوب بن شيبة في "مسنده" فقال: حدثناه أبو الوليد هشام بن عبد الملك, حدثنا حماد بن سلمة .... فذكره.

وقال يعقوب: حديث صالح الإسناد من هذا الوجه, وليس بالقوي ولا بالضعيف الواهي.

وخرجه الترمذي عن محمد بن المثنى, عن أبي الوليد بنحوه, وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه, إنما أسنده حماد بن سلمة


#352#

وعبد الوهاب بن عطاء, عن محمد بن عمرو, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة رضي الله عنه, وسألت محمداً – يعني البخاري – عن هذا الحديث فقال: لا أعلم أحداً رواه عن محمد بن عمرو, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة رضي الله عنه إلا حماد بن سلمة.

قال الترمذي: وروى عبد الوهاب بن عطاء, عن محمد بن عمرو, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة رضي الله عنه نحو رواية حماد بن سلمة, حدثنا بذلك علي بن عيسى, حدثنا عبد الوهاب بن عطاء, حدثنا محمد بن عمرو, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة رضي الله عنه أن فاطمة جاءت إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهم تسألهما إرثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إني لا أورث» قالت: والله لا أكلمهما أبداً, قال: فماتت ولم تكلمهما.

قال علي بن عيسى: معنى: (لا أكلمهما). يعني في هذا الميراث أبداً؛ لأنهما صادقان.

قلت: وقد جاء الرواية بما يعضد قول علي بن عيسى رحمه الله.

قال أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني الحافظ في "مسنده": حدثنا محمد بن يحيى, حدثنا عبد الرزاق.

وحدثنا محمد بن علي الصنعاني, أخبرنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر, وحدثنا الدبري, عن عبد الرزاق, عن معمر, عن الزهري, عن عروة, عن عائشة أن فاطمة والعباس رضي الله عنهم أتيا أبا بكر رضي الله عنه يلتمسان ميراثهما من


#353#

رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك, وسهمه من خيبر, فقال لهما أبو بكر رضي الله عنه: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا نورث, ما تركنا صدقة, إنما يأكل آل محمد من هذا المال», وإني والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيه إلا صنعته, قال: فهجرته فاطمة رضي الله عنها, فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت .... وذكر الحديث بطوله.

وحدث به أبو القاسم الطبراني, فقال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم – يعني الدبري – عن عبد الرزاق .... فذكره.

وذكر هذا الحديث الإمام أبو بكر بن العربي بنحوه, ثم قال على إثره: فتذكر ذلك يعني قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنا لا نورث ما تركنا فهو صدقة» جميع الصحابة, وعلمه عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة وسعد وسعيد وأقر به علي والعباس رضي الله عنهم. انتهى.

قلت: وفي الباب عن الزبير بن العوام وحذيفة بن اليمان وأبي هريرة وعمرو بن الحارث وعائشة وغيرهم رضي الله عنهم.

وقال بشر بن عمر الزهراني: حدثنا مالك بن أنس, عن ابن شهاب, عن مالك بن الأوس بن الحدثان قال: دخلت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ودخل عليه عثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص, ثم جاء علي والعباس يختصمان, فقال عمر رضي الله عنه لهم: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث ما تركنا صدقة»؟ قالوا: نعم. فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا ولي رسول


#354#

الله صلى الله عليه وسلم, فجئت أنت وهذا إلى أبي بكر تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك, ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها, فقال أبو بكر رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث, ما تركنا صدقة» والله يعلم أنه صادق بار راشد تابع للحق.

خرجه الترمذي للزهراني هكذا مختصراً, وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث مالك بن أنس, وذكر أن في الحديث قصة طويلة.

وهو مخرج في الصحيحين.

رواه متابعة لمالك جماعة منهم: شعيب وعقيل وعمرو بن دينار ومعمر وأبو أويس, عن الزهري بطوله.

تابعه عكرمة بن خالد, عن مالك بن أوس مختصراً.

وفي بعض طرقه قال ابن شهاب: فحدثت عروة بن الزبير بذلك، فقال: صدق مالك بن أوس, أنا سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان إلى أبي بكر رضي الله عنهما يسألنه ميراثهن مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم, حتى كنت أنا – تعني نفسها – أردهن عن ذلك, فقلت لهن: ألا تتقين الله, ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا نورث – يريد بذلك نفسه – ما تركنا صدقة, إنما يأكل آل محمد من هذا المال» فانتهى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك.


#355#

وقال يعقوب بن شيبة في "مسنده": حدثنا عبد الله بن محمد, حدثنا محمد بن فضيل, عن الوليد بن جميع, عن أبي الطفيل رضي الله عنه قال: أرسلت فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالت: يا خليفة رسول الله أنت ورثت رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أهله؟ قال: لا, بل أهله, قالت: فما بال سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله عز وجل إذا أطعم نبياً طعمة ثم قبضه فجعله للذي يقوم بعده» فرأيت أنا بعد أن أرده على المسلمين, فقالت: أنت ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم.

تابعه أحمد بن حنبل وابنه عبد الله في "المسند" عن عبد الله بن محمد بن أبي شيبة بنحوه.

قال يعقوب بن شيبة عن هذا الحديث: حديث كوفي صالح الإسناد من هذا الوجه, وأبو الطفيل له صحبة, ولا أدري سمع هذا من أبي بكر أم لا, لا يبين فيه سماعاً, والله أعلم.

وخرج يعقوب أيضاً من حديث الكلبي, عن أبي صالح, عن أم هانئ أن فاطمة رضي الله عنها.. وذكر الحديث بمعناه.

قال حماد بن إسحاق في [كتابه] "تركة النبي صلى الله عليه وسلم": والذي جاءت به الروايات الصحاح فيما طلبه العباس وفاطمة وعلي لها وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم من أبي بكر رضي الله عنه جميعاً إنما هو الميراث حتى


#356#

أخبرهم أبو بكر والأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا نورث, ما تركنا فهو صدقة» فقبلوا ذلك وعلموا أنه الحق, ولو لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك كان لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فيه الحظ الوافر بميراث عائشة وحفصة رضي الله عنهما, فآثروا أمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ومنعوا عائشة وحفصة ومن سواهما ذلك, ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يورث لكان لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما [أعظم] الفخر به أن تكون ابنتاهما وارثتي محمد صلى الله عليه وسلم.

فأما ما يحكيه قوم: أن فاطمة عليها السلام طلبت فدك وذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعها إياها وشهد لها علي رضي الله عنه فلم يقبل أبو بكر رضي الله عنه شهادته؛ لأنه زوجها, فهذا أمر لا أصل له, ولا تثبت به رواية أنها ادعت ذلك, وإنما هو أمر مفتعل لا ثبت فيه, وإنما طلبت وادعت الميراث هي وغيرها من الورثة, وكان النظر والدعوى في ذلك, وقد بينا ما جاءت به الروايات الصحاح فيه, وإنما طلبت هي والعباس رضي الله عنهما من فدك وغيرها مما خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم الميراث, لم تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعها إياها, بل كان طلبها من فدك وغير فدك ميراثها.

والحديث الذي أشار إليه حماد بن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع فاطمة عليها السلام فدك: رواه أبو أيوب سليمان بن داود الشاذكوني فقال: حدثنا عبد الله بن داود وعبيد الله بن موسى قالا: عن فضيل بن مرزوق, عن عطية قال: لما نزلت: {وءات ذا القربى حقه}


#357#

دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها فدك.

ورواه محمد بن علي بن دحيم, حدثنا أحمد بن حازم, حدثنا أبو عبد الرحمن الأصباغي, حدثنا فضيل بن مرزوق, عن عطية, عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: لما نزلت: {وءات ذا القربى حقه} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة عليها السلام فأعطاها فدك.

هذا حديث لا يثبت, وقد تقدم أنه أمر مفتعل لا ثبت فيه من قول حماد بن إسحاق.

وقد رواه الحافظ أبو موسى المديني في كتابه "الإبانة" المذكور, واستدل على بطلانه من وجوه:

منها: أن عطية للشيعة مطية, وأنه تلقى التفسير عن الكلبي, والكلبي حاله في الرفض مشهور.

ومنها: أن ابن عباس وغيره من المفسرين اتفقوا على أن سورة بني إسرائيل مكية, وفدك إنما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في أواخر عهده, فكيف أعطاها بمكة قبل أن يفيئه الله عليه.

ومنها: أن فاطمة وعلياً وعباساً رضوان الله عليهم كذبوا هذا الحديث, حيث ادعوا نصيب الميراث من فدك, ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه فاطمة عليها السلام لطلبت الكل, ولما طلب العباس منه شيئاً.


#358#

وذكر وجوها أخر تدل على بطلان هذا.

ولا حجة بما رواه إبراهيم بن الحكم بن ظهير, عن أبيه, عن السدي, عن أبي مالك, عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيره لما نزلت: {وءات ذا القربى حقه} أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة عليها السلام فدك.

فهذا لا يحتج به لظلمة إسناده, فإبراهيم وأبوه والسدي ضعفاء غير محتج بهم.

ورواية الشاذكوني لهذا الحديث كما قدمناه إنما رواه ليدل على كون عطية من الشيعة ولم يحتج به في الصحيحين ولا في "سنن النسائي", ومن روى له فإنما روى له ما وافقه فيه الجمهور, ومن مشايخ عطية: محمد بن السائب الكلبي [النسابة أخذ التفسير عنه ولعله أخذ هذا من تفسير الكلبي] ولم ينسبه إليه.

قال إبراهيم بن حماد بن إسحاق عقب روايته الكلام الذي سقناه عن أبيه آنفاً: حدثنا عمي إسماعيل [بن إسحاق], حدثنا نصر بن علي, حدثنا ابن داود, عن فضيل بن مرزوق قال: قال زيد بن علي بن الحُسَيْن بن علي رضوان الله عليهم: أما أنا فلو كنت مكان أبي بكر حكمت بمثل ما حكم به أبو بكر في فدك.


#359#

وخرج الحافظ أبو موسى [محمد] بن أبي بكر المديني في كتابه "إبانة براءة ساحة الصديق مما ينسبه إليه الرافضي الزنديق" من طريق الحُسَيْن بن عبد المؤمن اللؤلؤي: حدثنا عبد الله بن داود التمار, حدثنا يحيى بن المتوكل, عن كثير النواء قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي رحمة الله عليهما: إن الناس يقولون: إن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ظلماكم وذهبا بحقكم, فقال: لا, والذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً, ما ظلمانا ولا ذهبا بحقنا ما يزن حبة من خردل.

وروى أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب, عن ابن الأعرابي قال: أول خطبة خطبها السفاح في قرية يقال لها: العباسية, فلما صار إلى موضع الشهادة من الخطبة قام رجل من آل أبي طالب في عنقه مصحف فقال: أذكرك الله الذي ذكرته إلا أنصفتني من خصمي وحكمت بيني وبينه بما في هذا المصحف, فقال له: ومن ظلمك؟ فقال: أبو بكر الذي منع فاطمة فدك, قال: وهل كان بعده أحد؟ قال: نعم, قال: من؟ قال: عمر. قال: فأقام على ظلمكم؟ قال: نعم. قال: وهل كان بعده أحد؟ قال: نعم. قال: من؟ قال: عثمان. قال: وأقام على ظلمكم؟ قال: نعم. قال: وهل كان بعده أحد؟ قال: نعم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. قال: وأقام على ظلمكم؟ قال: فأسكت الرجل, وجعل يلتفت إلى ما وراءه يطلب مخلصاً, فقال له: والذي لا إله إلا هو لولا أنه أول مقام قمته, ثم لم أكن تقدمت إليك في هذا قبل لأخذت الذي / فيه عيناك, اقعد وأقبل على الخطبة.


#360#

وقال أبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين المروروذي في الجزء الذي جمعه في ذكر ما جرى في أمر الخمس وفدك, قال: - فاعلم رحمك الله – أن فاطمة سيدة النساء عليها السلام ما سألت لأبي بكر الصديق رضي الله عنه إلا ما ظنت أنه حق واجب, مع علمها بموضع أبي بكر رضي الله عنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الإسلام ومن الأمان الذي ائتمنه الله عز وجل على الدين والإسلام, وكان عندها أن النبي صلى الله عليه وسلم يورث, ولم تكن سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئاً, ولم يجئ إليها أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلا وهو عارف بفضلها وقدرها عند الله عز وجل, فأعطيت فاطمة عليها السلام خصلة لا يشاركها في القدر و[لا] النسب ولا المرتبة, ولا العز ولا الشرف من الأولين والآخرين أحد, وهو أن الله عز وجل اختار رجلين من الخلق لها, فجعل أحدهما أباها وهو النبي صلى الله عليه وسلم والآخر زوجها وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه, ومات صلى الله عليه وسلم وليس على الأرض أعرف بقدرها من أبي بكر رضي الله عنه, فجاء إليها فقال [لها]: يا بنت الحبيب بأبي أنت وبأبي أبي ولدك إنما هجرت داري, وخرجت من أهلي ومالي في حبكم, فما خير عيش حياة أعيشها وأنت علي ساخطة, فإن كان عندك من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك عهد فإني أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول: «لا نورث, إنما تركناه صدقة».

قال: فما قام حتى رضي ورضيت.


#361#

كذلك حدثناه عبد الله بن سليمان, أخبرنا محمد بن عبد الملك الدقيقي, أخبرنا معلى, أخبرنا منصور بن أبي الأسود, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن الشعبي ... وذكر الحديث بطوله. انتهى.

وهذا الحديث رواه عبدان بن عثمان العتكي, أخبرنا أبو حمزة, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن الشعبي قال: لما مرضت فاطمة عليها السلام أتاها أبو بكر الصديق رضي الله عنه فاستأذن عليها, فقال علي: يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك, فقالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم, فأذنت له, فدخل عليها يترضاها, وقال: والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله تعالى, ومرضاة رسوله صلى الله عليه وسلم ومرضاتكم أهل البيت, ثم ترضاها حتى رضيت.

وقال حماد بن إسحاق: حدثنا يحيى بن أكثم, حدثنا علي بن عياش بن مسلم الألهاني الحمصي, عن أبي معاوية صدقة الدمشقي, عن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق, عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لأبي بكر رضي الله عنه فيما قاولته فيه: قد علمت الذي ظلفنا عنه أهل البيت من الصدقات وما لنا فيما أفاء الله عز وجل علينا من الغنائم, وما في القرآن من ذكر حق ذي القربى قول الله عز وجل: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى} فقرأتها عليه, وقوله: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى} إلى


#362#

قوله {واتقوا الله إن شديد العقاب} فقال لها أبو بكر رضي الله عنه: فبأبي أنت وبأبي والد ولدك, وعلى السمع والبصر كتاب الله عز وجل, وحق رسوله, وحق قرابته, أنا أقرأ من الكتاب مثل ما تقرئين, ولم يبلغ علمي فيه أن لذي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا السهم كله يجري لجماعته عليهم, قالت فاطمة عليها السلام: فلك هو ولقرابتك؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: لا, وأنت عندي مصدقة أمينة, فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليك في ذلك عهداً, أو وعدك منه وعداً, أو أوجبه لكم صدقتك وسلمته إليك, قالت فاطمة عليها السلام: لم يكن من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك إلي شيء إلا ما أنزل الله تبارك وتعالى فيه من القرآن, غير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين أنزل الله عز وجل ذلك: «أبشروا آل محمد, فقد جاءكم الله عز وجل بالغناء» قال أبو بكر رضي الله عنه: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقت, فلكم الغناء, ولم يبلغ علمي بتأويل هذه الآية أن أسلم هذا السهم إليكم كاملاً, فلكم الغناء الذي يسعكم ويفضل عنكم, وهذا عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهما, فاسألي عن ذلك, فانظري هل يوافقك على قولك أحد منهم؟ فانصرفت إلى عمر فذكرت له مثل الذي ذكرت لأبي بكر رضي الله عنهما بقصصه وحدوده, فقال لها عمر مثل الذي راجعها أبو بكر رضي الله عنهم.

قلت: ورواه الوليد بن مسلم وعمر بن عبد الواحد, عن صدقة أبي معاوية, وزاد آفة بين محمد بن أبي عتيق وأنس: يزيد الرقاشي, وهو الأشبه.


#363#

قال حماد بن إسحاق: فقد بينت هذه الرواية جلالة قدر فاطمة عليها السلام عند أبي بكر, ولعله لا يكون أحد من العالمين أشد حباً لأبيها صلى الله عليه وسلم وتصديقه إياها في كل ما تحكيه أو ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, لا يشك في أنها تقول الصدق والحق, وأنه يعمل بروايتها, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ويقبل قولها وينتهي إليه, ليس كما ذكر هؤلاء, وأنها قالت لأبي بكر رضي الله عنه [إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعها فدك, وشهد لها بذلك علي رضي الله عنه] فلم يقبل أبو بكر قولها؛ لأنها مدعية لنفسها, ولم يقبل شهادة علي رضي الله عنه؛ لأنه زوج, بل قد قال لها فيما ادعت: أنت عندي مصدقة أمينة, فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليك في ذلك عهداً, أو وعدك منه وعداً, أو أوجبه لكم صدقتك وسلمت إليك.

هذا خلاف ما حكوا وادعوا وشنعوا به.

وقد صدق أبو بكر جابر بن عبد الله رضي الله عنهم فيما وعده رسول الله صلى الله عليه وسلم من مال البحرين, فقال: «لو أتاني مال البحرين لقد حثوت لك كذا وكذا», فلما جاء أبا بكر مال البحرين أمر جابراً أن يحثو واحدة ففعل, فقال له: عدها, فعدها, فأعطاه مرتين مثلها.

وكذلك كان تصديق بعضهم بعضاً, فهو كان يصدق جابراً في


#364#

وعد يدفعه إليه, ويمنع فاطمة عليها السلام قطيعة لها ومعها زيادة شهادة علي رضي الله عنه على ما يزعمون! وإنما شأنهم في أمورهم الدعاوي الكاذبة والتشنيعات القبيحة التي يلزمون علياً رضي الله عنه فيها من العيب أكثر مما يلزمون من يريدون الطعن عليه؛ لأنهم يذكرون: أن علياً رضي الله عنه لم يقم بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يدعونها له, وأنه مع ذلك بايع أبا بكر وعمر وعثمان وهم ظالمون, ثم ملك الأمر فلم يخالف أفعالهم في فدك, وسهم ذوي القربى في جميع أحكامهم, وهي عندهم ظلم.

هكذا ينكشف عوار مذهب من حاد عن الطريق وفارق السلف الذين أثنى الله عز وجل على متبعيهم بإحسان, وأوجب لهم بذلك رضوانه, وأعد لهم جناب تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم.

وكذلك ما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه فعله بعدي بن حاتم رضي الله عنه لما جاء بصدقات قومه إلى أبي بكر رضي الله عنه, وهو يقاتل أهل الردة, فأعطاه منها ثلاثين بعيراً, فقال له عدي: أنت تحتاج إلى الإبل في هذا الوقت, فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لما قدمت عليه: «تعود ويكون خير».

قال إبراهيم بن حماد لما [روى] هذا عن أبيه: وسمعت عمي


#365#

– يعني إسماعيل بن إسحاق يقول – وذكر هذه القصة, قال: هذا الوأي, وهو أضعف من الوعد.

قوله: «تقدم ويكون خير» فلم يدع أبو بكر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأياً, ولا وعداً إلا أنفذه. انتهى.

حدث محمد بن فضيل, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي جحيفة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض قد شاب, وكان الحسن بن علي رضي الله عنهما يشبهه, وأمر لنا بثلاثة عشر قلوصاً, فذهبنا نقبضها, فأتى موته, فلم يعطونا شيئاً, فلما قام أبو بكر قال: من كانت له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة فليجئ, فقمت إليه فأخبرته, فأمر لنا بها.

خرجه الترمذي, عن واصل بن عبد الأعلى الكوفي, عن ابن فضيل به, وقال: هذا حديث حسن.

وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا الضحاك بن عثمان, عن ضمرة بن سعيد, عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت منادي أبي بكر رضي الله عنه ينادي بالمدينة – حين قدم عليه مال البحرين من كانت له عدة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فليأت, فيأتيه رجال, فيعطيهم, فجاء أبو بشير المازني,


#366#

فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: «يا أبا بشير إذا جاءنا شيء فأتنا» فأعطاه أبو بكر حفنتين أو ثلاثة, فوجدها ألفاً وأربعمائة.

وقال الواقدي: أخبرني عبد الله بن محمد (بن عمر, عن جعفر بن محمد), عن أبيه, عن جابر رضي الله عنه قال: قضى علي بن أبي طالب رضي الله عنه دين رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقضى أبو بكر رضي الله عنه عداته.

وقال أيضاً: حدثني عبد الله بن جعفر, عن عبد الواحد بن أبي عون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفي أمر علي رضي الله عنه صائحاً يصيح: من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم دين أو عدة فليأتني.

قال: وكان يبعث كل عام عند العقبة يوم النحر من يصيح بذلك, حتى توفي علي رضي الله عنه, ثم كان الحسن بن علي رضي الله عنهما يفعل ذلك حتى توفي, ثم كان الحُسَيْن رضي الله عنه يفعل ذلك, وانقطع ذلك بعده.

قال ابن أبي عون: فلا يأتي أحد من خلق الله إلى علي رضي الله عنه بحق ولا باطل إلا أعطاه.

رواهما ابن سعد, عن الواقدي.


#367#

&[فصل فيما تركه النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته]&

وقد ذكر غير واحد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك يوم مات: ثوبي حبرة، وقطيفة وضعت تحته في القبر الشريف, كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وبردة يمنة, طولها ستة أذرع وشبر, وعرضها ثلاثة أذرع وشبر, وإزاراً من نسج عمان, طوله أربعة أذرع وشبر في ذراعين وشبر, وكان صلى الله عليه وسلم يلبسهما يوم الجمعة والعيدين, ثم يطويان.

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا موسى بن إسماعيل وسعيد بن سليمان, قالا: حدثنا حفص بن غياث, عن حجاج, عن أبي جعفر, عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما, قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس برده الأحمر في الجماعة والعيدين.

تابعه هشيم, عن حجاج نحوه.

وترك أيضاً ثوبين صحاريين وقميصاً صحارياً, والصحاري منسوب إلى صحار قرية باليمن, ويقال إلى لونه يقال: ثوب أصحر وصحاري من الصحرة, وهي الحمرة الخفية, قاله أبو زكريا النووي فيما وجدته بخطه.


#368#

وقال أبو عبيد البكري في "المعجم": صحار بضم أوله وبالراء المهملة في آخره في بلاد تميم باليمامة. وما يليها.

وفي "مختصر العين" [للزبيدي]: وصحار مدينة عمان.

وترك أيضاً صلى الله عليه وسلم قميصاً سحولياً وجبة وخميصة يمانيتين وكساء أبيض, وإزاراً طوله خمسة أشبار, وملحفة مورسة, هكذا ذكره بعضهم, وذكر نحوه ابن فارس اللغوي وتبعه الدمياطي وغيره.

وقال وكيع: حدثنا ابن أبي ليلى, عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة, عن محمد بن عمرو بن شرحبيل, عن قيس بن سعد رضي الله عنهما قال: أتانا النبي صلى الله عليه وسلم فوضعنا له غسلاً, فاغتسل, ثم أتيته بملحفة ورسية فاشتمل بها, فكأني أنظر أثر الورس على عكنه صلى الله عليه وسلم.


#369#

وحدث أيوب السختياني, عن زيد بن أسلم, عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه إزار يتقعقع.

ومما ترك النبي صلى الله عليه وسلم خاتمه المنقوش عليه: محمد رسول الله, كان في يده صلى الله عليه وسلم إلى أن مات, ثم كان في يد أبي بكر رضي الله عنه حتى مات, وفي يد عمر رضي الله عنه حتى مات, وفي يد عثمان رضي الله عنه ست سنين, ثم سقط منه في بئر أريس, فالتمس فلم يوجد, فاتخذ خاتماً مثله, ونقش فيه: "محمد رسول الله".

رواه بنحوه مطولاً أبو أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي في "مسند ابن عمر" تأليفه, فقال: حدثنا أبو عاصم, عن مغيرة بن زياد, عن نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما وهو في "الصحيحين" بمعناه.

وخرج النسائي في "سننه" من حديث المغيرة بن زياد – هو الموصلي – حدثنا نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس خاتماً من ذهب ثلاثة أيام, فلما رآه أصحابه فشت خواتيم الذهب, فرمى به, فلا يدرى ما فعل, ثم أمر بخاتم من فضة, فأمر أن ينقش فيه: (محمد رسول الله) صلى الله عليه وسلم فكان في يد النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات, وقد يد أبي بكر حتى مات, وفي يد عمر حتى مات, وفي يد عثمان ست سنين من عمله, فلما كبر عليه دفعه إلى رجل من الأنصار, فكان يختم


#370#

به, فخرج الأنصاري إلى قليب عثمان فسقط, فالتمس فلم يوجد, فأمر بخاتم مثله ونقش فيه: (محمد رسول الله).

وخرجه أبو داود للمغيرة بن زياد.

وثبت في "صحيح مسلم" من حديث سفيان بن عيينة, عن أيوب بن موسى, عن نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً من ذهب, ثم ألقاه, ثم اتخذ خاتماً من ورق ونقش فيه: محمد رسول الله, وقال صلى الله عليه وسلم: «لا ينقش أحد على نقش خاتمي هذا».

وكان إذا لبسه جعل فصه مما يلي بطن كفه, وهو الذي سقط من معيقيب في بئر أريس.

وقد جاءت تسمية من صنع الخاتم ونقشه, قال أبو داود الطيالسي: حدثنا زمعة – يعني: ابن صالح – عن سلمة بن وهرام, عن عكرمة, عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: أنا صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً لم يشركني فيه أحد, ونقشته: محمد رسول الله.

وأما ما روي عن قتادة, عن أنس رضي الله عنه قال: كان نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صدق الله), فهذا من بلايا راويه محمد بن عبد العزيز الدينوري وموضوعاته على قتادة, ذكرته لئلا يغتر به.


#371#

وقال ابن سعد: أخبرنا الفضل بن دكين, أخبرنا أبو خلدة قال: قلت لأبي العالية: ما كان نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: صدق الله، ثم ألحق الخلفاء بعده: محمد رسول الله.

وقال أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن حاتم بن إسماعيل المدني ختن أبي موسى الزمي في كتابه "المنير": حدثنا ابن الجنيد, حدثنا محمد بن كثير, حدثنا سفيان الثوري, قال: أخبرت عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل معاذاً على اليمن, ثم كتب إليه فأقبل, فرأى عليه خاتماً فقال: «يا معاذ أعطني خاتمك» فأعطاه, فنظر إليه وقال: «لم صنعت هذا يا معاذ؟» قال: يا رسول الله, كنت أكتب إليك بالأمور والأخبار, ولا أحب أن يطلع عليها أحد, وكنت بأرض معي فيها عدو, فصنعت هذا الخاتم أختم به كتبك, لهيبة الخاتم, وجعلته في يدي, قال: «فماذا نقشه يا معاذ؟» قال: محمد رسول الله, قال: «بارك الله فيك يا معاذ, آمن كل شيء من معاذ حتى آمن خاتمه, أتهبه لي يا معاذ؟» قال: نعم, فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبسه حتى توفي.

وحدث به ابن سعد في "الطبقات" عن خالد بن خداش, حدثنا عبد الله بن وهب, عن أسامة بن زيد: أن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان حدثه: أن معاذ بن جبل لما قدم من اليمن, حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها, قدم وفي يده خاتم من ورق, نقشه محمد رسول الله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا الخاتم»؟ قال: يا رسول الله, إني كنت أكتب إلى الناس, فأفرق أن يزاد فيها وينقص منها, فاتخذت خاتماً أختم به, قال: «وما هو؟» قال: محمد رسول الله, قال رسول


#372#

الله صلى الله عليه وسلم: «آمن كل شيء من معاذ حتى خاتمه» ثم أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتختمه.

وقال ابن سعد: أخبرنا أحمد بن محمد الأزرقي المكي, أخبرنا عمرو بن يحيى بن سعيد القرشي, عن جده قال: دخل عمرو بن سعيد بن العاص, حين قدم من الحبشة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما هذا الخاتم في يدك يا عمرو؟» قال: هذه حلقة يا رسول الله, قال: «فما نقشها؟» قال: محمد رسول الله, قال: (فأخذه رسول الله) صلى الله عليه وسلم فتختمه, وكان في يده حتى قبض, ثم في يد أبي بكر رضي الله عنه حتى قبض, ثم في يد عمر رضي الله عنه حتى قبض, ثم لبسه عثمان رضي الله عنه, فبينما هو يحفر بئراً لأهل المدينة يقال لها: بئر أريس, فبينما هو على شفتها يأمر بحفرها سقط الخاتم في البئر, وكان عثمان رضي الله عنه يكثر إخراج خاتمه من يده وإدخاله, فالتمسوه فلم يقدروا عليه.

وقال أيضاً: أخبرنا الفضل بن دكين, أخبرنا إسماعيل بن سعيد, عن سعيد: أن خالد بن سعيد رضي الله عنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده خاتم له, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا الخاتم؟» قال: خاتم اتخذته, قال: «اطرحه إلي» فطرحه, فإذا هو خاتم من حديد ملوي عليه فضة, فقال: «ما نقشه؟» قال: محمد رسول الله, قال: فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبسه, فهو الذي كان في يده.


#373#

وقد قدمنا من حديث إياس بن الحارث بن معيقيب, عن أبيه, عن جده, قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من حديد ملوي عليه فضة.. الحديث.

واختلفت الرواية, هل كان صلى الله عليه وسلم يتختم في يمينه أو في يساره, وروايات ذلك كلها صحيحة.

وكان الخاتم في خنصره صلى الله عليه وسلم, صح عن أنس رضي الله عنه قال: كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا, وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى. خرجه مسلم.

وخرج الترمذي في "الشمائل" من حديث سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة, عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم تختم في يمينه.

وخرجه أيضاً من حديث جابر وابن عباس وعبد الله بن جعفر رضي الله عنهم بنحوه.


#374#

وله شاهد من حديث علي وغيره.

قال البخاري عن حديث عبد الله بن جعفر: هذا أصح شيء يروى في هذا الباب.


#375#

وقال هلال بن محمد الحفار: حدثنا إسماعيل بن علي بن علي بن رزين بواسط, حدثنا أبي علي بن علي, حدثنا أخي دعبل بن علي, سمعت مالك بن أنس يحدث الرشيد, فقال: يا أمير المؤمنين, حدثنا صدقة بن يسار أبو محمد التمار, عن سعيد بن المسيب, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتختم في يمينه حتى قبضه الله عز وجل إليه.

وخرج أبو داود من طريق ابن إسحاق قال: رأيت على الصلت بن عبد الله بن نوفل بن عبد المطلب خاتماً في خنصره اليمين, فقلت: ما هذا؟ فقال: رأيت ابن عباس رضي الله عنهما يلبس خاتمه هكذا, وجعل فصه على ظهرها, قال: ولا نخال ابن عباس إلا وقد كان يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس خاتمه كذلك.

وخرجه الترمذي من طريق ابن إسحاق أيضاً بنحوه, وقال: قال


#376#

محمد بن إسماعيل: حديث ابن إسحاق عن الصلت حديث حسن. انتهى.

وقال عبد الله بن شداد العسقلاني: حدثنا أحمد بن الفضل, حدثنا رواد – يعني ابن الجراح – عن العرزمي, عن نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما, قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمه في خنصره الأيمن, فإذا دخل الخلاء, جعل الكتابة مما يلي كفه.

تفرد به رواد, عن محمد بن عبيد الله العرزمي, غريب من حديثه عن نافع.

وقال أحمد بن حنبل في "مسنده": حدثنا وكيع, حدثنا ابن أبي رواد وسفيان, عن عمر بن محمد, عن نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما, عن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يجعل فص خاتمه مما يلي بطن كفه.

تابعه عبيد الله بن موسى، عن ابن أبي رواد.

وخرجه أيضاً عن محمد بن يزيد الواسطي, عن عبد الحميد بن جعفر الأنصاري, عن نافع.


#377#

وقال عبد الله بن أبي داود السجستاني: حدثنا أيوب بن محمد الوزان, حدثنا فهر بن بشر, عن أبي الأغر, عن أبي خالد الواسطي, عن زيد بن علي, عن أبيه, عن جده, عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء حول خاتمه في يمينه, فإذا خرج وتوضأ حوله في يساره.

هذا حديث مطروح, آفته أبو خالد الواسطي هذا؛ لأنه من النسخة الموضوعة التي رواها عن زيد بن علي, عن آبائه, واسم أبي خالد هذا عمرو بن خالد القرشي الهاشمي مولاهم, كوفي الأصل, فر إلى واسط وسكنها, وقد كذبه يحيى بن معين وغيره.

وقال أبو أحمد بن عدي في كتابه "الكامل": حدثنا محمد بن سعيد الحراني, حدثنا عبد الله بن عيشون, حدثنا أبو قتادة, عن ابن جريج, عن ابن عقيل, عن عبد الله بن جعفر, قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس خاتمه في يمينه, قال: وكان ينزع خاتمه إذا أراد الجنابة.

وهذا لا أعرفه من حديث ابن جريج, عن ابن عقيل إلا من رواية أبي قتادة عنه, قاله ابن عدي.


#378#

قلت: وأبو قتادة هو عبد الله بن واقد الحراني, ذاك المتروك.

وخرج أبو داود في "سننه" من حديث أبي علي الحنفي واسمه عبيد الله بن عبد المجيد, [عن همام] عن ابن جريج, عن الزهري, عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه.

حديث منكر, قاله أبو داود.

وخرجه الترمذي من طريق سعيد بن عامر والحجاج بن المنهال كلاهما عن همام به, وقال: حسن صحيح غريب.


#379#

وخرجه النسائي من طريق سعيد بن عامر, وقال: هذا الحديث غير محفوظ.

وقال أبو داود: وإنما يعرف هذا عن ابن جريج, عن زياد بن سعد, عن الزهري, عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من ورق, ثم ألقاه.

قلت: هو عند مسلم عن ابن جريج هكذا.

قال أبو داود: لم يروه إلا همام.

قلت: ويحيى بن المتوكل البصري, وهو غير صاحب رتبة, وذلك فيما رواه الحاكم أبو عبد الله من حديث أبي بكر يحيى بن المتوكل الباهلي البصري, عن ابن جريج, عن الزهري, عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس خاتماً نقشه: محمد رسول الله, فكان إذا دخل الخلاء وضعه.


#380#

وخرج أبو أحمد بن عدي من حديث معمر بن محمد بن عبيد الله, أخبرني محمد بن عبيد الله, (عن أبيه عبيد الله), عن أبي رافع, قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ حرك خاتمه.

معمر بن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع منكر الحديث, قاله البخاري.


#381#

وقال عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "العلل": وجدت في كتاب أبي بخط يده: حدثنا إبراهيم بن خالد المؤذن, حدثنا رباح, عن معمر, قال: أخرج عبد الله بن محمد بن عقيل خاتماً نقشه تماثيل, زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم لبسه مرتين أو نحو ذلك, فغسله بعض من كان معنا وشرب ماءه.

وقال أبو علي محمد بن سعيد بن عبد الرحمن القشيري الحراني في كتابه "تاريخ الرقة ومن نزلها": حدثنا هلال يعني ابن العلاء, حدثنا عبد الله بن جعفر, حدثنا عبيد الله يعني ابن عمرو عن بشر بن حبان قال: كنت عند عبد الله بن محمد بن عقيل, فدعا بخاتم فخضخضه في الماء, فقلنا: ما هذا؟ قال: هذا خاتم كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فإذا فصه حجر فيه نقش دابة أو تمثال.

وقال الطبراني في "معجمه الكبير": حدثنا محمد بن زكريا – يعني الغلابي – حدثنا عبد الله بن رجاء, أخبرنا إسرائيل, عن مسلم, عن مجاهد, عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم حلقة من فضة.

وترك صلى الله عليه وسلم أيضاً ثلاث قلانس صغاراً لاطئة, أو أربعاً, أحدها بيضاء مضربة شامية.

وروي عن سلم بن سالم, عن العرزمي, عن عطاء, عن ابن عباس رضي الله عنهما: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث قلانس, قلنسوة بيضاء مضربة, وقلنسوة


#382#

برد حبرة, وقلنسوة ذات آذان يلبسها في السفر, فربما وضعها بين يديه إذا صلى.

خرجه أبو محمد بن حيان أبو الشيخ, وخرج له شاهداً عن بقية, عن الأوزاعي, عن حريز بن عثمان, عن عبد الله بن بسر.

وروى يزيد بن عبد ربه مؤذن مسجد حمص, حدثنا أحمد بن أبي النضر المفضل بن فضالة, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس من القلانس ذات الآذان.

ورواه محمد بن محمد بن سليمان الباغندي, حدثنا ابن مصفى, حدثنا محمد بن خالد, عن مفضل بن فضالة به, ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس من القلانس في السفر ذات الآذان, وفي الحضر المشمرة. يعني: الشامية.

وروى عبد الله بن خراش بن حريث حدثنا العوام بن حوشب, عن إبراهيم التيمي, عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قلنسوة بيضاء.


#383#

خرجه الإمام أبو بكر أحمد بن السني في كتابه "رياضة المتعلمين".

وقال خالد بن يزيد: حدثنا عاصم بن سليمان, عن جعفر بن محمد, عن أبيه, عن جده, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يلبس / القلانس البيض والمزرورات وذات الآذان.

وترك صلى الله عليه وسلم قميصه الذي غسل فيه.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا في كتابه "العزاء" وحدثني محمد بن صدران الأزدي, حدثنا أبو عاصم, حدثنا عبد الله بن المؤمل, حدثني ابن أبي مليكة أن ابن الزبير دخل على أمه في الليلة التي قتل في صبيحتها فقال: إن القوم قد أحاطوا بي, فما ترين؟ قالت: مت كريماً, والله لضربة سوط في ذل أذل من ضربة سيف في عز, والله إن آتيا يأتيني منذ ثلاث فيقول: السلام عليك يا أم المقطع, فأنت المقطع يا بني. قال: فعقص لحيته, فأدخل بعضها في بعض, وعقد قرنيه, وبعثت إليه أمه بقميص النبي صلى الله عليه وسلم فأشعر جلده, ثم لبس عليه جبة من خز بيضاء, وعمامة خز بيضاء, ثم أصبح فقاتلهم بسيفه حتى قتل رضي الله عنه.

وقال ابن أبي الدنيا أيضاً في غير الكتاب: حدثنا أبو جعفر المدائني,


#384#

عن علي بن محمد, عن أبي الزناد قال: كان عند أسماء بنت أبي بكر رضي الله عليهما قميص من قمص رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما قتل عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ذهب القميص فيما ذهب وفيما انتهب, فقالت أسماء: للقميص أشد علي من قتل عبد الله, فوجد القميص عند رجل من أهل الشام, فقال: لا أرده أو تستغفر لي أسماء, فقيل لها, فقالت: كيف أستغفر لقاتل عبد الله؟ قالوا: فليس يرد القميص, قالت: فقولوا له فليجئ بالقميص ومعه عبد الله بن عروة, فقالت: ادفع القميص لعبد الله. فدفعه, فقالت: قبضت القميص يا عبد الله؟ قال: نعم, قالت: غفر الله لك يا عبد الله, وإنما عنت عبد الله بن عروة.

وكان قميص النبي صلى الله عليه وسلم قصير الطول, قصير الكمين, قاله أنس رضي الله عنه.

وقال أبو الشيخ الأصبهاني في كتابه "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم": حدثنا محمد بن نصير, حدثنا إسماعيل بن عمرو, حدثنا الحسن بن صالح, عن مسلم الملائي, عن مجاهد, عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قميص قطني قصير الطول, قصير الكمين.

وقال الحسن بن علي بن عفان: حدثنا حسن بن عطية, حدثنا حسن – يعني: ابن صالح – عن مسلم, عن مجاهد, عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس قميصاً قصير الكمين والطول.


#385#

وخرجه ابن ماجه في "سننه" من حديث أبي غسان مالك بن إسماعيل ووكيع, عن الحسن بن صالح.

وحدث به الحسن بن علي بن عفان أيضاً عن معاوية بن هشام, عن علي بن صالح, عن مسلم, عن مجاهد, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس قميصاً فوق الكعبين مستوي الكمين بأطراف أصابعه.

خرجه أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق بن السني في كتابه "رياضة المتعلمين" عن الحُسَيْن بن عبد الله القطان, عن موسى بن مروان, عن المعافى بن عمران, عن علي بن صالح بنحوه.

وسيأتي له طريق أخرى إن شاء الله تعالى.

وقال الحسن بن سلام: حدثنا عفان, حدثنا شعبة, عن الأعمش, عن أبي صالح, عن أبي هريرة رضي الله عنه, رفعه مرة ومرة لم يرفعه, قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لبس قميصاً بدأ بميامنه.


#386#

وقال إسماعيل بن يحيى التيمي: حدثنا مسعر بن كدام, عن عطاء بن أبي رباح, قال: قلت لابن عمر: أشهدت بيعة الرضوان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم, قلت: فما كان عليه؟ قال: قميص من قطن, وجبه محشوة, ورداء وسيف, ورأيت النعمان بن مقرن قائماً على رأسه قد رفع أغصان الشجرة عن رأسه, والناس يبايعونه.

خرجه الطبراني في "معجمه الكبير" لإسماعيل.

وكان كم قميصه صلى الله عليه وسلم إلى الرصغ.

خرج الترمذي في "الجامع" و"الشمائل" من حديث معاذ بن هشام, عن أبيه, عن بديل بن ميسرة, عن شهر بن حوشب, عن أسماء بنت يزيد قالت: كان كم قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ. وقال: حسن غريب.

وخرجه أبو داود في "سننه" وأبو الحسن الدارقطني في "الأفراد" عن معاذ بن هشام, عن أبيه, عن بديل به.

وقال الدارقطني: هذا حديث غريب من حديث بديل بن ميسرة


#387#

العقيلي, عن شهر بن حوشب, عن أسماء بنت يزيد, تفرد به هشام الدستوائي عنه, ولم يروه عنه غير ابنه معاذ.

وروى محمد بن ثعلبة بن سواء, حدثنا عمي, حدثنا همام, عن قتادة, عن أنس رضي الله عنه قال: كان قميص النبي صلى الله عليه وسلم إلى رصغه.

وقال الحاكم أبو عبد الله في "المستدرك": أخبرني أحمد بن سهل الفقيه – ببخارى – حدثنا صالح بن محمد بن حبيب الحافظ, حدثنا إبراهيم بن زياد سبلان, حدثنا المعافى بن عمران, عن علي بن صالح بن حي, عن مسلم الملائي, عنه مجاهد, عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس قميصاً, وكان فوق الكعبين, وكان كمه مع الأصابع.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

قلت: فيه مسلم بن كيسان الأعور الملائي الضبي, تركه غير واحد منهم: أحمد بن حنبل, ويحيى بن معين, والبخاري.

وقال أبو جعفر أحمد بن منيع البغوي في "مسنده": حدثنا علي بن عاصم, عن مسلم الأعور, سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قميص من قطن, قصير الكمين, قصير الطول.


#388#

مسلم بن كيسان الأعور الكوفي واه.

وروي عن إبراهيم بن أبي يحيى, عن عبد الملك, سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: ما اتخذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم قميص له زر.

وخرج أبو بكر محمد بن هارون الروياني في "مسنده" ودعلج بن أحمد في كتابه "مسند المقلين" واللفظ له, من حديث عروة بن عبد الله بن قشير, عن معاوية بن قرة, عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من مزينة, فبايعناه، وإن قميصه لمطلق, قال: فبايعته, ثم أدخلت يدي من جيب القميص فمسست الخاتم. قال عروة: فما رأيت معاوية ولا ابنه في شتاء قط ولا حر إلا مطلقي أزرارهما لا يزرران أبداً.

وخرجه ابن سعد في "الطبقات" لعروة (بنحوه, وكذلك خرجه أبو داود وابن ماجه وخرجه الترمذي في "الشمائل" لعروة) مختصراً بنحوه.


#389#

وقال الطبراني في "معجمه الكبير": حدثنا أبو شعيب الحراني, حدثنا يحيى بن عبد الله البابلتي, حدثنا أيوب بن نهيك, سمعت عطاء بن أبي رباح, سمعت ابن عمر, سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتى صاحب بز فاشترى منه قميصا بأربعة دراهم, فخرج وهو عليه, فإذا رجل من الأنصار, فقال: يا رسول الله, اكسني قميصا, كساك الله من ثياب الجنة, فنزع القميص فكساه إياه, ثم رجع إلى صاحب الحانوت فاشترى منه قميصاً بأربعة دراهم, وبقي معه درهمان, فإذا هو بجارية في الطريق تبكي, فقال: «ما يبكيك؟» فقالت: يا رسول الله, دفع إلي أهلي درهمين أشتري بهما دقيقاً, فهلكا, فدفع النبي صلى الله عليه وسلم إليها الدرهمين الباقيتين, ثم ولت وهي تبكي, فدعاها, فقال: «ما يبكيك وقد أخذت الدرهمين؟» قالت: أخاف أن يضربوني, فمشى صلى الله عليه وسلم معها إلى أهلها, فسلم, فعرفوا صوته, ثم عاد فسلم, ثم عاد فثلث, فردوا, فقال: «أسمعتم أول السلام؟» قالوا: نعم, ولكن أحببنا أن تزيدنا من السلام, فما أشخصك بأبينا وأمنا؟! قال: «أشفقت هذه الجارية أن تضربوها» قال صاحبها: فهي حرة لوجه الله لممشاك معها, فبشرهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بالخير والجنة, ثم قال: «لقد بارك الله في العشرة, كسا الله نبيه صلى الله عليه وسلم, ورجلاً من الأنصار, وأعتق الله منها رقبة, وأحمد الله هو الذي رزقنا هذا بقدرته».

وقال الحاكم في "المستدرك": أخبرني الحسن بن حكيم


#390#

المروزي, أخبرنا أبو الموجه, أخبرنا عبدان, أخبرنا أبو تميلة, عن عبد المؤمن بن خالد, عن عبد الله بن بريدة, عن أمه, عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: لم يكن ثوب أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من القميص.

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه, قاله الحاكم.

وهكذا حدث به أبو داود, والترمذي, عن زياد بن أيوب, عن أبي تميلة بنحوه.

وخرجاه أيضاً من طريق الفضل بن موسى, عن عبد المؤمن بن خالد, عن عبد الله بن بريدة, عن أم سلمة به, فأسقط أمه.

وهكذا خرجه النسائي للفضل.

تابعه زيد بن الحباب, عن عبد المؤمن كذلك, وأبو تميلة في رواية محمد بن حميد الرازي, عنه كذلك.

قال الترمذي: وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: حديث ابن بريدة, عن أمه, عن أم سلمة أصح, وإنما ذكر فيه أبو تميلة.


#391#

وخرج الترمذي والنسائي من حديث شعبة, عن الأعمش, عن أبي صالح, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لبس قميصاً بدأ بميامنه.

وترك صلى الله عليه وسلم أيضاً جبة طيالسة خسروانية.

خرج مسلم في "صحيحه" من حديث عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهم قال: أرسلتني إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما, فذكر قصة, ثم قال: فرجعت إلى أسماء, فخبرتها, فقالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخرجت إلي جبة طيالسة خسروانية, لها لبنة ديباج, وفرجيها مكفوفين بالديباج, فقالت: هذه كانت عند عائشة رضي الله عنها حتى قبضت, فلما قبضت قبضتها, وكان النبي صلى الله عليه وسلم (يلبسها, فنحن) نغسلها للمرضى نستشفي بها.

اللبنة: رقعة في جيبها.

وخرج أحمد هذا الحديث في "مسنده" وفيه: جبة طيالسة عليها لبنة شبر من ديباج كسرواني.

وروى وكيع وعيسى بن يونس, عن المغيرة بن زياد, عن أبي


#392#

عمرو مولى أسماء: أن ابن عمر رضي الله عنهما اشترى عمامة لها علم فقصه قال: فدخلت على أسماء, فذكرت ذلك لها, فقالت: بؤساً لعبد الله, يا جارية هات جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجاءت بجبة مكفوفة الكمين والجيب والفرجين بالديباج.

ومما تركه النبي صلى الله عليه وسلم ما قال عبد الله بن المبارك في كتابه "الزهد": أخبرنا ابن لهيعة, عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل, أنه حدثه عن عروة بن الزبير: أن ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يخرج فيه للوفد: رداء وثوب حضرمي, طوله أربعة أذرع, وعرضه ذراعان وشبر, وهو عند الخلفاء اليوم, قد أخلق فبطنوه بثوب يلبسونه يوم الفطر والأضحى.

ورواه محمد بن معاوية النيسابوري, حدثنا ابن لهيعة, عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل, عن عروة بن الزبير, قال: كان طول رداء رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أذرع, وعرضه ذراعان ونصف, وكان له ثوب أخضر يلبسه للوفود إذا قدموا عليه.

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا معن بن عيسى, حدثنا محمد بن هلال, قال: رأيت على هشام – يعني: ابن عبد الملك – برد النبي صلى الله عليه وسلم من حبرة, له حاشيتان.


#393#

قال الذهبي بعد أن خرج حديث معن هذا: قلت: هذا البرد غير برد النبي صلى الله عليه وسلم الذي تداوله خلفاء بني العباس, ذلك البرد اشتراه أبو العباس السفاح بثلاثمائة دينار من بني صاحب أيلة, وذكر ابن إسحاق أنه برد كساه النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب أيلة, فالله أعلم, هكذا ذكره الذهبي في "تاريخ الإسلام".

وذكر يونس بن بكير, عن ابن إسحاق في قصة غزوة تبوك: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أهل أيلة برده مع كتابه الذي كتب لهم؛ أماناً لهم, فاشتراه أبو العباس: عبد الله بن محمد بثلاثمائة دينار, والله أعلم.

وترك صلى الله عليه وسلم نعله وكانت مخصوفة, لها قبالان, وهي التي تسمى التاسومة, قيل: وكان صفراء.


#394#

وقد صح أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يستحب أن يلبس هذه النعال السبتية, وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها ويتوضأ فيها.


#395#

والسبت بالكسر الجلد المدبوغ بالقرظ, قاله الزبيدي في "مختصر العين" وغيره, وخصه بعضهم بجلود البقر المدبوغة بالقرظ.

وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا حسن بن صالح, عن يزيد بن أبي زياد قال: رأيت نعال النبي صلى الله عليه وسلم مخصرة ملسنة, لها عقب خارج.

وقال أبو سعيد أحمد بن محمد بن الأعرابي في "معجمه": حدثنا عبد الرحمن – يعني: ابن خلف الضبي – حدثنا مسلم – هو ابن إبراهيم – حدثنا همام قال: نظر هشام بن عروة إلى نعل الصلت بن دينار ولهما قبالان, فقال هشام: عندنا نعل النبي صلى الله عليه وسلم معقبة (مخصرة ملسنة.

وقال ابن سعد: أخبرنا يحيى بن عباد, حدثنا حماد بن سلمة,


#396#

عن هشام بن عروة, قال: رأيت نعل النبي صلى الله عليه وسلم مخصرة معقبة) ملسنة, لها قبالان.

وقال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري, حدثنا ابن عون, قال: ذهبت بنعلي أشركهما بمكة, أظنه قال: سنة مائة أو عشر ومائة, فأتيت حذاء ليشركهما, قال: ولهما قبالان, فقلت: شركهما, فقال: ألا أشركهما كما رأيت نعل النبي صلى الله عليه وسلم, قال: قلت: وأين رأيتهما, قال: عند فاطمة بنت عبيد الله بن عباس, قال: قلت: شركهما, فشركهما, فجعل أذنيهما (على اليمين).

وحدث به أبو داود في "المراسيل" عن ابن معاذ, قال: حدثنا أبي, حدثنا ابن عون, قال: أتيت حذاء بالمدينة, فأمرته أن يشرك نعلي مقابلتين, فقال لي: أفلا أشركهما كما رأيت نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم, وذكره بنحوه.

وقال أبو داود في "المراسيل" أيضاً: حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا وهيب, عن خالد, عن عبد الله بن الحارث قال: قدمت المدينة فأتيت بنعلين, زعموا أنهما نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم, ذات زمامين, مثنى طرف ذؤابتهما في عقدها.


#397#

وقال: حدثنا عقبة بن مكرم, حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة, عن خالد, عن عبد الله بن الحارث, قال: رأيت نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مقابلتين.

وقال: قرئ على الحارث بن مسكين - وأنا شاهد - أخبرك ابن القاسم, عن مالك, وسئل عن نعل النبي صلى الله عليه وسلم, وكان رآها: [كيف حذوها؟] قال: كانت إلى التدوير ما هو وتخصيرها في مؤخرها [وهي مخصرة] ومعقبة من خلفها, [فقلت: أكان لها زمامان؟ قال: ذاك الذي أظن] عند آل ربيعة المخزومي من قبيل أمهم أم كلثوم.

وقد بلغنا أن نعلي رسول الله صلى الله عليه وسلم كانتا عند ولد أبي يعلى: شداد بن أوس بن ثابت بن أخي حسان بن ثابت النجاري, وهم: محمد ويعلى وعبد الوهاب والمنذر, وأختهم الخزرج التي تزوجت في الأزد وانتقلت النعل إلى ولدها, وذلك أن ولد شداد انقرضوا إلى سنة ثلاثين ومائة, سنة خروج أبي مسلم والرجفة التي بالشام, سوى محمد بن شداد والخزرج بنت شداد, ولما رجفت الشام, وكان أكثر ذلك ببيت المقدس ففني أكثر من كان فيها من الأنصار وغيرهم, ووقع المنزل الذي كان فيه محمد بن شداد على من كان فيه من أهله وولده ففنوا جميعاً, وذهبت رجل محمد تحت الردم, فلما رأت أخته الخزرج ما نزل بأخيها وبأهله وأنه لم يبق منهم أحد سواه, أخذت من أخيها


#398#

محمد فرد النعلين, قالت له: يا أخي لست أرى لك نسلاً, وقد رزقني الله ولداً, وهذه – يعني النعل – مكرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب أن تشرك فيها ولدي, فأنعم لها بذنك, فأخذت أحد النعلين من أخيها, وذلك من أوان الرجفة, فمكثت عندها حتى أدرك أولادهما, وعمر أخوها محمد بعد ذلك, فلما قدم المهدي بيت المقدس, أتى اثنان من بني الخزرج بنت شداد المهدي بإحدى النعلين, فلما عرف أنها نعل النبي صلى الله عليه وسلم قبلها منهما, وأجاز كل واحد بألف دينار, وأمر له بضيعة, وكتبه في مائة من العطاء, وأرسل إلى خالهما محمد بن شداد, فأتي به يحمل على أيدي الرجال؛ للزمانة التي أصابته من الرجفة, فسأله عن خبر النعلين, فصدق مقالة الرجلين فيها, فقال له المهدي: آتني بالنعل الأخرى, فبكى محمد بن شداد, واسترحمه, وناشده بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن الأمر قد قرب مني, فلا تفجعني بها, ولا تسلبني مكرمة اختصنا بها ابن عمك رسول الله صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة, فرق المهدي للشيخ وأقرها على حالها.

ذكر هذه القصة بنحوها شيخ الإسلام أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري في بعض أماليه.

ورواها أبو الحسن بن جوصا فقال: حدثنا محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عمرو بن محمد بن شداد بن أوس الأنصاري, حدثنا أبي, عن أبيه, فذكر حديثاً طويلاً فيه, قال: لما كانت الرجفة التي بالشام سنة ثلاثين ومائة, كان أكثرها ببيت المقدس, فهلك كثير ممن كان فيها من الأنصار وغيرهم, ووقع منزل شداد بن أوس على من كان فيه, وسلم


#399#

محمد بن شداد, وذهب متاعه تحت الردم, وكانت النعل زوجاً, خلفها شداد بن أوس عند ولده, فصارت إلى ابنه محمد, فلما أن رأت ما نزل به وبأهله جاءت وأخذت فرد النعلين, وقالت: يا أخي, ليس لك نسل, وقد رزقت ولداً, وهذه مكرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب أن يشركك فيها ولدي, فأخذتها منه, وكان ذلك في وقت الرجفة, فمكثت عندها حتى كبر أولادها, فلما قدم المهدي إلى بيت المقدس أتوه بها, وعرفوه نسبها من شداد بن أوس فعرف ذلك وقبله, وأجاز كل واحد منهما بألف دينار وقربه, ثم بعث إلى محمد فأتي به محمولاً؛ لزمانته, فسأله عن خبر النعل فصدق مقالة الأخوين, فقال: ائتني بالأخرى, فبكى, وناشده الله, فرق له وأقرها عنده.

وكان بدمشق نعل النبي صلى الله عليه وسلم في مكانين, يقصد كل منهما بالزيارة للتبرك, عدمتا في فتنة عدو المسلمين ضاعف الله عذابه وشدد عليه عقابه.

وقد رأيت إحدى النعلين وهي اليمنى على ما قيل لي, ومرغت وجهي ولحيتي عليها, ورأيتها إلى السواد أقرب منها إلى الصفرة, وليس بها شراك ولا شسع ولا أذنان, ورأيت موضع القبال منها ناتئاً وهي غير مخصوفة, وهي التي كانت قبل الفتنة بالمدرسة الدامغانية, والأخرى كانت بدار الحديث التي وقفها الملك الأشرف أبو الفتح موسى بن العادل أبي بكر محمد بن أيوب رحمه الله.


#400#

وكان قد قدم عليه وهو بخلاط النظام بن أبي الجريد, ومعه نعل النبي صلى الله عليه وسلم, فتلقاه الملك الأشرف, ووضع النعل على عينيه وجعل يبكي, وخلع على النظام ورتب له مرتباً كثيراً.

وبلغنا عن الملك الأشرف أنه قال: قلت في نفسي هذا النظام يطوف البلاد, وأنا أوثر أن يكون عندي قطعة من النعل, فعزمت أن آخذ منه قطعة, ثم قلت في نفسي: ربما يتأسى بي أحد فيؤدي إلى استئصاله, وقلت: من ترك لله شيئاً عوضه الله خيراً, فأقام عندي النظام شهوراً, ثم مات فأوصى لي بالنعل, فأخذت النعل بأسره.

ولما أخذ الملك الأشرف دمشق اشترى دار قيماز النجمي وجعلها دار حديث, وجعل النعل فيها, وقد حدثني من رأى بعض قراء دمشق في هذه الدار أتى إلى هذه النعل, فتبرك بها, ثم دعا على بعض أمراء دمشق فنفذت فيه الدعوة سريعاً.

وقال أبو عبد الرحمن محمد بن الحُسَيْن السلمي في كتابه "المواعظ": أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي, حدثنا العباس بن حمزة, حدثنا أحمد بن أبي الحواري, حدثنا يونس الحذاء, عن أبي حمزة النسائي قال: حذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم نعلين جديدين, فلما رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم استحسنهما, فخر ساجداً يسأل: «أعوذ بنور وجهك أن أستحسن شيئاً مما أبغضت» فتصدق صلى الله عليه وسلم بهما ولم يلبسهما.


#401#

وترك أيضاً صلى الله عليه وسلم قطيفة صوف وآلة بيته.

قال الحافظ أبو نعيم في كتابه "الحلية": حدثنا محمد بن علي, حدثنا الحُسَيْن بن محمد بن حماد, حدثنا عمرو بن عثمان, حدثنا أبي, حدثنا محمد بن مهاجر قال: كان عند عمر بن عبد العزيز سرير النبي صلى الله عليه وسلم وعصاه وقدح وجفنة, ووسادة حشوها ليف, وقطيفة, ورداء, فكان إذا دخل عليه النفر من قريش قال: هذا ميراث من أكرمكم الله به, ونصركم به, وأعزكم به, وفعل وفعل.

وقال الإمام أحمد في كتابه في "الزهد": حدثنا هشام بن سعيد, حدثنا محمد بن مهاجر, حدثني أخي عمرو بن مهاجر قال: كان لعمر بن عبد العزيز بيت يخلو فيه في ذلك البيت ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإذا سرير مرمول بشريط, وقعب يشرب فيه الماء, وجرة مكسورة الرأس تجعل فيها الشيء, ووسادة من أدم محشوة بليف, وقطيفة غبراء كأنها من هذه القطف الجرمقانية, فيها من وسخ شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم يقول: يا قريش, هذا تراث من أكرمكم الله عز وجل به وأعزكم, خرج من الدنيا على ما ترون.

وخرجه أبو الشيخ ابن حيان من حديث علي بن الحسن العسقلاني, أخبرنا يحيى بن حسان, عن محمد بن مهاجر, عن


#402#

عمرو بن مهاجر قال: كان متاع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عمر بن عبد العزيز في بيت ينظر إليه (في) كل يوم, وكان ربما اجتمعت إليه قريش فأدخلهم ذلك البيت, ثم استقبل ذلك المتاع فيقول: هذا ميراث من أكرمكم الله وأعزكم الله به, قال: وكان سريراً مرمولاً بشريط, ومرفقه من أدم محشوة ليفاً وجفنة وقدحاً وقطيفة صوف ورحى وكنانة فيها أسهم, وكان في القطيفة أثر وسخ رأسه صلى الله عليه وسلم, فأصيب رجل فطلبوا أن يغسلوا بعض ذلك الوسخ فيسعط به, فذكر ذلك لعمر – يعني: فأذن – فسعط فبرأ.

عمرو بن مهاجر هو ابن دينار بن أبي مسلم أبو عبيد الأنصاري مولاهم الدمشقي, كان على شرطة عمر بن عبد العزيز, وهو أخو محمد بن مهاجر الذي روى عنه في رواية أبي الشيخ, وهما ثقتان.

الوسخ المذكور في هذا الحديث إنما هو أثر الدهن الذي كان صلى الله عليه وسلم يدهن (به) رأسه, ليس الوسخ المعروف.

وقد خرج البيهقي في كتابه "شعب الإيمان" عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسخاً قط, وكان يحب النظافة في ثيابه ونعليه وكل شيء منه, وما رأيته يتشعث قط, وكان يحب الدهن غباً, ويرجل


#403#

رأسه, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله تعالى يبغض الوسخ والشعث».

وترك صلى الله عليه وسلم جبة صوف لم يفرغ من عملها.

روى زمعة بن صالح, عن أبي حازم, عن سهل بن سعد قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله جبة صوف في الحياكة.

خرجه البيهقي في "الدلائل".

وروي مطولاً من طريق عبد الله بن عمران الداري قال: (حدثنا أبو داود, حدثنا زمعة), عن أبي حازم, عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: خيطت لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من صوف أنمار, فلبسها فما أعجب به فجعل يمسه بيده هكذا ويقول: «انظروا ما أحسنها» وفي القوم أعرابي فقال: يا رسول الله, هبها لي, فخلعها, فدفعها في يده


#404#

قال: ثم أمر بمثلها أن يحاك, فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المحاكة.

وهو في "معجم الطبراني الكبير" بنحوه.

وقال سعدان بن نصر: حدثنا سفيان بن عيينة, عن الوليد بن كثير, عن حسن بن حسن, عن أمه فاطمة بنت الحُسَيْن: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض وله بردتان في الحف يعملان.

تابعه أحمد في "الزهد" عن سفيان.

ورواه عباس بن محمد الدوري, عن يحيى بن معين في "تاريخه":


#405#

حدثنا ابن عيينة, عن الوليد بن كثير, عن حسن بن حسن, عن أمه فاطمة بنت حُسَيْن أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وله بردتان تعملان.

تابعه الحميدي, عن سفيان وقال: حسن بن حسن بن حسن.

والحف هو المنسج, قاله الأصمعي.

وقال أبو الشيخ الأصبهاني في كتابه "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم": حدثنا أحمد بن محمد بن موسى الأنصاري, سمعت أبي قال: وجدت في كتاب أبي بخطه: حدثنا أسود بن سالم, سمعت أبا عبد الرحمن الزاهد (خالد) بن منصور, يذكر عن عبد الله بن الحسن, قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبان ينسجان في بني النجار, فكان يختلف إليهما فيقول: «عجلوا بهما علينا نتجمل بهما في الناس».

وحدث الإمام أحمد في كتابه "الزهد": عن يحيى بن إسحاق, حدثنا ابن لهيعة, عن أبي الأسود, عن عروة قال: لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله نمرتان تنسج له بالسنح يلبسهما للوفد.

وقال: حدثنا يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون أبو سلمة, عن أبيه, عن المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب قال: توفي


#406#

رسول الله صلى الله عليه وسلم وله نمرة يختلف إليها تنسج له حتى توفاه الله عز وجل.

وترك صلى الله عليه وسلم أيضاً درعاً من حديد مرهونة في شعير عند يهودي.

ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين, تعني صاعاً من شعير.

وجاء من حديث أبي خالد الأحمر, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن مسروق, عن عائشة رضي الله عنها قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند أبي شحمة اليهودي.

وقال سليمان بن بلال: حدثني جعفر بن محمد, عن أبيه قال: رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعاً له عند أبي الشحم اليهودي – رجل من بني ظفر – في شعير.

وخرج الطبراني في "معجمه الكبير" من حديث يحيى الحماني, حدثنا قيس بن الربيع, عن نسير بن ذعلوق, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم درع مرهونة عند يهودي, فما وجد ما يفتكها حتى مات صلى الله عليه وسلم.


#407#

وهو في "مسند أحمد", عن ابن عباس, وعن أنس بن مالك رضي الله عنهم أيضاً.

وخرجه أبو يعلى الموصلي في "مسنده" قال: حدثنا واصل بن عبد الأعلى, حدثنا محمد بن فضيل, حدثنا الأعمش, عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعى إلى خبز الشعير وإهالة سنخة, ولقد كانت له درع رهناً عند يهودي, ما وجد ما يفتكها (به) حتى مات.

وقال الحاكم أبو عبد الله: حدثنا أبو جعفر البغدادي, حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح, حدثنا حسان بن عبد الله, حدثنا ابن لهيعة, حدثنا يونس بن يزيد, حدثنا أبو إسحاق, عن (سعيد) بن الحارث بن عكرمة, عن جده نوفل بن الحارث بن عبد المطلب, أنه استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم في التزويج فأنكحه امرأة, فالتمس شيئاً فلم يجده, فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع وأبا أيوب بدرعه, فرهناه عند رجل من اليهود بثلاثين صاعاً من شعير, فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه, قال: فطعمنا منه نصف سنة, ثم كلناه, فوجدناه كما أدخلناه, قال نوفل: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لو لم تكله لأكلت منه ما عشت».


#408#

وقال أبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي في كتابه "مكارم الأخلاق": حدثنا حماد بن الحسن بن عنبسة الوراق, حدثنا أبو عاصم النبيل, عن موسى بن عبيدة الربذي, أخبرني يزيد بن عبد الله, عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ضيفاً نزل بالنبي صلى الله عليه وسلم فدعاني فأرسلني إلى رجل من اليهود يبيع الطعام, يقول لك محمد (رسول الله) صلى الله عليه وسلم: إنه نزل بنا ضيف فبعني كذا وكذا من الدقيق, وأسلفني إلى هلال رجب. (فقال اليهودي: والله لا أسلفته ولا أبيعه إلا برهن, فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته) فقال: «إني والله لأمين في أهل السماء, أمين في أهل الأرض, ولو أسلفني أو باعني لأديت إليه, اذهب بدرعي» ونزلت هذه الآية تعزية له صلى الله عليه وسلم عن الدنيا: {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحيوة الدنيا}.

وهذه الدرع التي رهنها صلى الله عليه وسلم قيل هي: درعه ذات الفضول, التي كانت عليه في يومي أحد وحنين, وأجل الدين كان إلى سنة, فيما بلغنا.

وترك صلى الله عليه وسلم أيضاً قدحاً غليظاً من خشب.

خرج الترمذي في "الشمائل" من حديث ثابت البناني قال: أخرج


#409#

إلينا أنس بن مالك قدح خشب غليظاً مضبباً بحديد, فقال: يا ثابت, هذا قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال هلال بن العلاء: حدثنا محمد بن مصعب, حدثنا حماد بن سلمة, عن هشام بن زيد, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت أسقي النبي صلى الله عليه وسلم في هذا القدح: اللبن والعسل والسويق والنبيذ والماء البارد.

وخرج البخاري في "صحيحه" عن أنس رضي الله عنه: أن قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة.

قال البيهقي في "سننه الكبرى" عقب تخريجه هذا الحديث قال: وهو يوهم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة.

وقد أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ, حدثنا علي بن حمشاذ العدل, حدثنا موسى بن هارون وعثمان بن علي الزعفراني قالا: حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق المروزي, سمعت أبي يقول: أخبرنا أبو حمزة وهو السكري, أخبرنا عاصم بن سليمان, عن ابن سيرين, عن أنس رضي الله عنه: أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انصدع, فجعلت مكان الشعب سلسلة, يعني أن أنساً جعل مكان الشعب سلسلة.


#410#

قال البيهقي رحمه الله تعالى: هكذا في الحديث, لا أدري قاله موسى بن هارون, أو من فوقه. انتهى.

ويشهد لذلك ما ثبت عن عاصم الأحول قال: رأيت قدح النبي صلى الله عليه وسلم عند أنس بن مالك, وكان قد انصدع فسلسله بفضة, وهو قدح جيد عريض من نضار, قال أنس رضي الله عنه: لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا القدح أكثر من كذا وكذا. وقال ابن سيرين: فيه حلقة من حديد, فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة, فقال له أبو طلحة: لا تغيرن شيئاً صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركه.

وحدث عبد الأعلى بن حماد, عن حماد بن سلمة, عن ثابت, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا القدح: الماء واللبن والنبيذ, فلولا أني رأيت أصابعه صلى الله عليه وسلم في هذه الحلقة, لجعلت عليها الذهب والفضة.

تابعه محمد بن مصعب, عن حماد بن دون الزيادة التي في آخره, وقد تقدم قريباً.


#411#

قدح نضار يتخذ من أثل ورسي اللون أو من خشب أحمر أو من النبع أو من الخلاف.

وترك صلى الله عليه وسلم أيضاً قضيباً يدعى الممشوق من شوحط, هو اليوم عند الخلفاء, قاله ابن الجوزي في كتابه "الوفا".

وقال حماد بن إسحاق: حدثنا عارم, حدثنا حماد بن زيد, عن يزيد بن حازم, عن سليمان بن يسار: أن رجلاً من غفار يقال له الجهجاه دخل على عثمان رضي الله عنه ومعه عصا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأخذها الغفاري فكسرها على ركبته فوقعت الأكلة في ركبته.

وخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب "العقوبات" عن أحمد بن المقدام، عن حماد بن زيد نحوه.

وذكره القاضي عياض في "الشفا" فقال: وحكي أن جهجاهاً الغفاري أخذ قضيب رسول الله صلى الله عليه وسلم من يد عثمان رضي الله عنه, وتناوله ليكسره على ركبته, فصاح به الناس, فأخذته الأكلة في ركبته فقطعها ومات قبل الحول.

وقال البخاري في "تاريخه الأوسط": حدثني قتيبة, حدثنا محمد بن


#412#

فليح بن سليمان, عن أبيه, عن عمته, عن أبيها وعمها, أنهما حضرا عثمان رضي الله عنه, قال: فقام إليه جهجاه بن سعيد الغفاري, حتى أخذ القضيب من يده قضيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعها على ركبته ليكسرها فشعبها, فصاح به الناس, ونزل عثمان رضي الله عنه, حتى دخل داره ورمي الغفاري في ركبته, فلم يحل عليه الحول, حتى مات.

ورواه في "تاريخه الصغير" عن قتيبة بنحوه, إلا أنه قال: فقام إليه فلان ابن سعيد لم يسمه.

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا عبد الله بن إدريس, عن عبيد الله بن عمر, عن نافع, قال: بينما عثمان بن عفان رضي الله عنه يخطب إذ قام إليه جهجاه الغفاري فأخذ العصا من يده, فكسرها على ركبته, فدخلت منها شظية في ركبته, فوقعت فيها الأكلة.

قال ابن سعد: وحديث عبد الله بن إدريس هذا لم أسمعه منه, وهو عرض عليه.

فهذا جميع ما خلفه النبي صلى الله عليه وسلم مما وقع إلينا, ولم يقع لنا فيما خلفه صلى الله عليه وسلم عمامة, وسيأتي ذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى.

وأما ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم في حال حياته سوى ما ذكرناه من اللباس, وآلات البيت والسلاح والخيل والأنعام, وغير ذلك, وبعضه بقي بعده صلى الله عليه وسلم, فنذكر الآن ما وقع إلينا من ذلك:


#413#

(خرج أبو عبد الله الحاكم في "مستدركه" من طريق عثمان بن سعيد الدارمي, حدثنا عبد الله بن صالح, حدثنا الليث), حدثني يزيد بن أبي حبيب, أن علي بن رباح أخبره أنه سمع عمرو بن العاص رضي الله عنه يقول على المنبر: والله ما رأيت قوماً قط أرغب فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزهد فيه منكم, ترغبون في الدنيا, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزهد فيها, والله ما مر برسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث من الدهر إلا والذي عليه أكثر من الذي له.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.

قلت: هو صحيح, لكن ليس على شرط واحد من الشيخين؛ لأن كاتب الليث انفرد به البخاري, وعلي بن رباح انفرد به مسلم, بل سند الحديث مركب ممن أخرج له في "صحيح البخاري", وممن أخرج له في "صحيح مسلم" والله أعلم.

أما ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من اللباس, فكان غالب لباسه القطن, ولبس الصوف تارة والكتان تارة, والحلل الحسنة تارة.

قال أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو الربيع الزهراني, حدثنا حماد بن زيد, حدثنا جليس لأيوب, قال: دخل الصلت بن راشد على محمد بن سيرين, وعليه جبة صوف, وإزار صوف, وعمامة صوف, فاشمأز


#414#

محمد بن سيرين وقال: أظن أن قوماً يلبسون الصوف ويقولون: قد لبسه عيسى ابن مريم عليهما السلام, وقد حدثني من لا أتهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لبس الكتان والقطن واليمنة, وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع.

قال الزبيدي في "مختصر العين": واليمنة ضرب من برود اليمن.

وقال بقية: حدثنا يوسف بن أبي كثير, عن نوح بن ذكوان, عن الحسن, عن أنس رضي الله عنه قال: لبس النبي صلى الله عليه وسلم الصوف, واحتذى المخصوف, ولبس خشناً, وأكل بشعاً, فسألنا الحسن: ما البشع؟ فقال: غليظ الشعير, ما كان يسيغه إلا بجرعة ماء.

خرجه ابن ماجه لبقية.

وخرج أيضاً من حديث ابن لهيعة, عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن الأسدي, عن عاصم بن عمر بن قتادة, عن علي بن الحُسَيْن, عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسب أحداً ولا يطوى له ثوب.


#415#

ومما كان للنبي صلى الله عليه وسلم من اللباس: حلة حمراء.

صح عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعاً وقد رأيته في حلة حمراء, ما رأيت شيئاً أحسن منه صلى الله عليه وسلم.

وحدث أشعث بن سوار, عن أبي إسحاق, عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة أضحيان, وعليه حلة حمراء, فجعلت أنظر إليه صلى الله عليه وسلم وإلى القمر, فلهو أحسن في عيني من القمر.

وقد قدمناه بلفظ آخر مع الكلام عليه.

وخرج أبو حفص بن شاهين, عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ما رأيت أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلة حمراء.

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل.

خرجه أبو داود في حديث عمر بن يونس بن القاسم اليمامي, عن عكرمة بن عمار, عن أبي زميل, عن ابن عباس رضي الله عنهما, وفي أوله قصة.

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي, حدثنا همام بن يحيى, حدثنا قتادة, عن محمد بن سيرين: أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى حلة – وإما قال: ثوباً – بتسع وعشرين ناقة.

وحدث به عن الفضل بن دكين, حدثنا همام, عن قتادة, عن


#416#

علي بن زيد, عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل أن النبي صلى الله عليه وسلم (اشترى حلة بسبع وعشرين أوقية.

وخرجه أبو محمد بن حيان في كتابه "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم" من طريق هدبة, عن همام كذلك, ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى حلة بسبع وعشرين ناقة فلبسها.

وحدث به عفان, عن همام, حدثنا قتادة, عن علي بن زيد, عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث, عن عبد الله بن الحارث, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اشتري – قال همام: في كتابي: ثوباً, وفي حفظي -: حلة بسبع وعشرين ناقة.

وحدث يعقوب بن سفيان في "تاريخه" عن أحمد بن الخليل, وسمعت يزيد – يعني ابن هارون – يقول: بقي علي بن زيد بعد قتادة زماناً, وروى عن قتادة قصة الحلة: اشترى النبي صلى الله عليه وسلم حلة.

قلت: وقد جاء الحديث عن حماد بن سلمة, عن علي فيما خرجه أبو داود فقال: حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا حماد, (عن علي) بن زيد, عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى حلة ببضعة وعشرين قلوصاً, فأهداها إلى ذي يزن.


#417#

والحديث من أفراد علي بن زيد بن جدعان.

وقال أبو داود أيضاً: حدثنا عمرو بن عون, أخبرنا عمارة بن زاذان, عن ثابت, عن أنس رضي الله عنه: أن ملك ذي يزن أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة أخذها بثلاثة وثلاثين بعيراً فقبلها.

وقال الحاكم في "مستدركه": حدثنا علي بن حمشاذ العدل, حدثنا موسى بن هارون, حدثنا القاسم بن دينار الطحان, أخبرنا إسحاق بن منصور السلولي, عن عمارة بن زاذان, عن ثابت, عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن ملك ذي يزن أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حلة اشتريت بثلاثة وثلاثين بعيراً وناقة, فلبسها النبي صلى الله عليه وسلم مرة.

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه, قاله الحاكم.

تابعه أحمد بن يحيى الصوفي, عن إسحاق بن منصور.

وخرجه أبو داود في "سننه" عن عمرو بن عون الواسطي, عن عمارة بن زاذن, بنحوه.

وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن سلام, عن يزيد بن عياض قال: أهدى حكيم بن حزام رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم – في الهدنة التي كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش – حلة ذي يزن, اشتراها بثلاثمائة دينار, فردها عليه رسول


#418#

الله صلى الله عليه وسلم وقال: «إني لا أقبل هدية مشرك» فباعها حكيم, وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من اشتراها له, فلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما رآه حكيم فيها قال:

ما ينظر الحكام بالفصل بعدما ... بدا سابق ذو غرة وحجول

فكساها رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد بن حارثة, فرآها عليه حكيم فقال: بخ بخ يا أسامة, عليك حلة ذي يزن, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قل له: وما يمنعني وأنا خير منه, وأبي خير من أبيه».

وقال عبد الله بن صالح: حدثنا الليث, حدثني عبيد الله بن المغيرة, عن عراك بن مالك, أن حكيم بن حزام قال: كان محمد صلى الله عليه وسلم أحب رجل إلي, فلما نبئ وخرج إلى المدينة, شهد حكيم الموسم, فوجد حلة لذي يزن, فاشتراها, ثم قدم بها؛ ليهديها إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: «لا نقبل من المشركين شيئاً, ولكن بالثمن» قال: فأعطيته إياها حين أبى الهدية, فرأيتها عليه صلى الله عليه وسلم على المنبر, فلم أر شيئاً أحسن منه يومئذ فيها, ثم أعطاها أسامة, فرآها حكيم على أسامة, فقال: يا أسامة, تلبس حلة ذي يزن؟ قال: نعم, والله لأنا خير من ذي يزن, ولأبي خير من أبيه, فانطلقت إلى مكة, فأعجبتهم بقول أسامة رضي الله عنه.


#419#

وخرج الترمذي في "الشمائل" من حديث أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وهو متكئ على أسامة بن زيد رضي الله عنهما, وعليه ثوب قطري قد توشح به، فصلى بهم.

القطر: بالكسر نوع من البرود, وقيل القطرية منسوبة إلى مكان عند البحرين.

وخرج الترمذي والنسائي من حديث عمارة بن أبي حفصة, عن عكرمة, عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان على النبي صلى الله عليه وسلم ثوبان قطريان غليظان, فكان إذا قعد فعرق, ثقلا عليه ... الحديث.

وقال الترمذي: حسن صحيح.

وكان له صلى الله عليه وسلم برد نجراني غليظ الحاشية, وهو الذي جبذه الأعرابي.

وتلك البردة التي أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم, فيما صح من رواية أبي حازم, عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببردة, فقال سهل للقوم: أتدرون ما البردة؟ قال القوم: هي الشملة منسوجة, فيها حاشيتها, فقالت: يا رسول الله, نسجت هذه بيدي أكسوكها, فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليها, فلبسها .... الحديث.


#420#

قال أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني: رواه الناس عن أبي حازم.

وقال زمعة, عن أبي حازم: حلة من أنمار من صوف أسود, جعل لها ذؤابتين من صوف أبيض. انتهى.

وكان له صلى الله عليه وسلم بردة سوداء من صوف.

قال ابن سعد في كتابه "الطبقات": أخبرنا يزيد بن هارون وعفان بن مسلم والفضل بن دكين, قالوا: حدثنا همام بن يحيى, عن قتادة, عن مطرف, عن عائشة رضي الله عنها قالت: جعل للنبي صلى الله عليه وسلم بردة سوداء من صوف, فلبسها, فذكرت بياض النبي صلى الله عليه وسلم وسوادها, فلما عرق فيها وجد منها ريح الصوف – تعني: فقذفها – وكان صلى الله عليه وسلم تعجبه الريح الطيبة.

وخرجه النسائي دون ذكر بياض النبي صلى الله عليه وسلم وسوادها.

وخرجه أبو الشيخ الأصبهاني من طريق همام, عن قتادة, عن مطرف بن عبد الله, عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس بردة سوداء, فقالت عائشة رضي الله عنها: ما أحسنها عليك, يشرب بياضك سوادها وسوادها بياضك.

وخرجه أبو نعيم الأصبهاني في كتابه "مدح لابسي الصوف على الديانة والصفاء وذم لابسها على الخيانة والجفاء" فقال: وحدثنا محمد بن أحمد الغطريفي, حدثنا محمد بن محمد بن سليمان, حدثنا أحمد بن مطهر, حدثنا شبابة, حدثنا شعبة, عن قتادة, عن مطرف,


#421#

عن عائشة رضي الله عنها قالت: أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم شملة سوداء, فلبسها, فقال: «كيف ترينها يا عائشة؟» قالت: ما أحسنها يا رسول الله, يشرب سوادها بياضك وبياضك سوادها, قال: فخرج فيها للناس.

وخرجه الإمام أحمد في "مسنده" فقال: حدثنا يزيد, حدثنا همام, عن قتادة .... فذكره بنحوه.

وهو في سنن أبي داود والنسائي لهمام بنحوه.

وهو عند النسائي أيضاً, عن محمد بن مثنى, عن معاذ بن هشام, عن أبيه, عن قتادة, عن مطرف أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له بردة ... فذكره مرسلاً.

وحدث به القاسم بن ثابت في كتابه "الدلائل" عن موسى بن هارون, (حدثنا شيبان), حدثنا سليمان, حدثنا حميد يرفعه إلى عائشة رضي الله عنها.. فذكره, ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم ائتزر ببردة سوداء فقال لعائشة رضي الله عنها: «كيف ترينها علي؟» قالت: أحسنها عليك يا رسول الله, يشب بياضك سوادها, ويشب سوادها بياضك, قال: فخرج فيها, فعرق فيها, فبدت منها ريح, فوضعها.

وقال: قولها: "يشب بياضك سوادها", أي يحسنه ويزيد في نوره, قال يعقوب: يقال: شب لون المرأة خمار أسود يشبه, أي: زاد في لونها وبياضها, ومنه قيل: رجل مشبوب, أي: جميل.


#422#

قال العجاج:

ومن قريش كل مشبوب أغر ...

أي: جميل, كأنما أوقد.

وفي "صحيح مسلم" من حديث مصعب بن شيبة, عن صفية بنت شيبة, عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة, وعليه مرط مرحل من شعر أسود ..... الحديث.

وخرجه أبو داود [والترمذي] وقال: حسن صحيح.

والمرط: كساء من خز أو كتان, قاله الزبيدي في "مختصره".

وقال أبو عبيد: وقد يكون من صوف ومن خز.

وقال الخطابي: المرط: كساء يؤتزر به.

وقال مرة: ويكون إزاراً ويكون رداء.

وقال الزبيدي أيضاً: المرحل ضرب من البرود.

وقال الخطابي: والمرحل هو الذي فيه خطوط, ويقال إنما سمي مرحلاً؛ لأن عليه تصاوير رحل أو ما يشبهه.

وجاء أنه صلى الله عليه وسلم كان له كساء طاروني, وتقدم ذكره عند ذكر بناء الكعبة


#423#

في رفع الحجر الأسود إلى مكانه.

وكان له صلى الله عليه وسلم أيضاً كساء أسود وآخر أحمر مثله, وآخر من شعر, وبردان أخضران.

خرج الترمذي في "الشمائل" عن أبي رمثة رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه بردان أخضران.

وخرجه النسائي بنحوه.

قال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا الحسن بن صالح, عن إسماعيل قال: برد النبي صلى الله عليه وسلم رداء ثمنه دينار.

وكان له صلى الله عليه وسلم رداء يسمى الفيح, وهو الذي ألقاه صلى الله عليه وسلم على ظهره حين رأى خاتم النبوة عبد الله بن سرجس, فيما قاله البرقي, حكاه عنه ابن دحية وتقدم.

وقال عثمان بن أبي شيبة: حدثنا خالد بن مخلد, حدثنا عبد الملك بن الحسن, سمعت سهم بن المعتمر, يحدث عن الهجيمي أنه لقي رسول


#424#

الله صلى الله عليه وسلم, فإذا هو متزر بإزار قطن قد انتثرث حاشيته.

وكان له صلى الله عليه وسلم خميصة, وهي كساء رقيق, وهي التي صلى فيها, ونظر إلى علمها وهو في الصلاة.

صح من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام, فنظر إلى أعلامها نظرة, فلما سلم قال: «اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم, فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي, وائتوني بأنبجانية أبي جهم».

ووجه طلب الأنبجانية من أبي جهم, ولم تطلب من غيره, أن الخميصة كانت لأبي جهم, فأهداها لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما ردها عليه طلب الأنبجانية منه جبراً له.

قال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا معن بن عيسى, حدثنا مالك بن أنس, عن علقمة بن أبي علقمة, عن أمه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: أهدى أبو جهم بن حذيفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة شامية,


#425#

لها علم, فشهد فيها الصلاة, فلما انصرف قال: ردوا هذه الخميصة إلى أبي الجهم, فإني نظرت إلى علمها في الصلاة فكاد يفتنني.

وكان له صلى الله عليه وسلم شملة سوداء مخططة بحمرة.

قال الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة: حدثنا الفضل بن أبي طالب, حدثنا محمد بن صالح مولى بني هاشم, حدثنا مروان بن ضرار الفزاري, أخبرني عبد الرحمن بن الحكم بن البراء بن قبيصة الثقفي, حدثني أبي, عن عامر بن الأسود العبقسي, عن عبد الله بن الغسيل رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم, فمر بالعباس فقال: «يا عم اتبعني ببنيك» فقال لهم أبو الهيثم بن عتبة: يا عم انتظرني حتى أجيئك, قال: فلم يأتهم, فانطلق بهم بستة من بنيه: الفضل, وعبد الله, وعبيد الله, وعبد الرحمن, وقثم, ومعبد, فأدخلهم النبي صلى الله عليه وسلم وغطاهم بشملة له سوداء مخططة بحمرة, فقال: «اللهم إن هؤلاء أهل بيتي وعترتي, فاسترهم من النار كما سترتهم بهذه الشملة» قال: فما بقي في البيت مدرة ولا باب إلا أمن.


#426#

وكان له صلى الله عليه وسلم كمة.

قال أبو بكر أحمد بن السني في كتابه "رياضة المتعلمين": حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس, حدثنا محمد بن موسى الجرشي, حدثنا أرطأة العدوي, حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه, قال علي رضي الله عنه: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وضع كمته ثم صلى إليها.

وكان له صلى الله عليه وسلم عمامة, كان يلبسها تحت القلنسوة, وتارة (يلبسها) بغير قلنسوة, وكان يقال لها السحاب, كساها علياً رضي الله عنه, وهي العمامة التي حرفها القوم الضالون, غلاة الروافض لعنة الله علهم أجمعين.

روى مسعدة بن اليسع, عن جعفر بن محمد, عن أبيه, عن جده, قال: كسا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه عمامة يقال لها: السحاب, فأقبل علي رضي الله عنه وهي عليه, فحرفوها هؤلاء, فقالوا: علي في السحاب.

وفي رواية غير مسعدة, عن جعفر بن محمد, عن أبيه: أن علياً


#427#

رضي الله عنه أقبل في عمامة يقال لها السحاب, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذا علي أبو حسن – أو هذا أبو حسن – قد أقبل في عمامته السحابة» يعني عمامة (على) علي رضي الله عنه, قال جعفر: فحرف هؤلاء, فقالوا: علي في السحاب.

وكان له صلى الله عليه وسلم عمامة سوداء.

قال أبو بكر أحمد بن علي الحافظ: حدثنا محمود بن محمد الرافقي, حدثنا أحمد بن بزيغ, حدثنا سعيد بن مسلمة, حدثنا سلام بن سليم, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قحط الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فخرج من المدينة إلى بقيع الغرقد, معتماً بعمامة سوداء, قد أرخى طرفها صلى الله عليه وسلم بين يديه, والآخر بين منكبيه, متكئاً قوساً عربية. وذكر الحديث في صلاة الاستسقاء وخطبته.

وله شاهد فيما خرجه مسلم في "صحيحه" عن عمرو بن حريث رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس وعليه عمامة سوداء, قد أرخى طرفها بين كتفيه.

وخرج أيضاً عن جابر رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح, عليه عمامة سوداء.


#428#

وروى محمد بن عبيد الله العرزمي, عن أبي الزبير, عن جابر رضي الله عنه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم عمامة سوداء يلبسها في العيدين ... الحديث.

وجاء عن حاتم بن إسماعيل, عن أبي الزبير.

وخرج أبو داود وابن ماجه من حديث عبد العزيز بن مسلم - وهو الأنصاري مولى آل رفاعة - عن أبي معقل, عن أنس رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وعليه عمامة قطرية, فأدخل يده من تحت العمامة, فمسح مقدم رأسه, ولم ينقض العمامة.

وخرج الحاكم في "مستدركه" من حديث مصعب بن عبد الله بن مصعب, حدثني أبي، عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر, عن أبيه (قال): رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثوبان مصبوغان بالزعفران: رداء وعمامة.


#429#

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه, قاله الحاكم.

وحدث به ابن سعد في كتابه "الطبقات" عن مصعب بن عبد الله بن مصعب الزبيري, سمعت أبي يخبر عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر, عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه رداء وعمامة مصبوغين بالعبير.

قال مصعب: العبير عندنا الزعفران.

قال ابن سعد أيضاً: أخبرنا خلاد بن يحيى, حدثنا عاصم بن محمد, حدثني أخي, عن زيد بن أسلم, قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ ثيابه كلها بالزعفران حتى العمامة.

وجاء عن هشام بن سعد, عن يحيى بن عبد الله بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ ثيابه بالزعفران: قميصه ورداءه وعمامته.

وجا عن عروة بن الزبير قال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم عمامة معلمة فقطع علمها ولبسها.

هذا مرسل.

وهذه المراسيل لا تقاوم ما في "الصحيح" من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التزعفر, وفي لفظ: نهى أن يتزعفر الرجل, ولعل ذلك كان جائزاً, ثم نهي عنه, قاله الذهبي.


#430#

وخرج الترمذي من حديث نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه.

قال نافع: وكان ابن عمر يفعل ذلك.

وفي غير رواية نافع: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدير كور العمامة على رأسه, ويغرسها من ورائه, ويرخي لها ذؤابة بين كتفيه.

وخرج الطبراني في "معجمه الأوسط" من حديث الحجاج بن رشدين بن سعد, حدثنا معاوية بن صالح, عن أبي عقبة, عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتم أرخى عمامته بين يديه ومن خلفه.

إسناده فرد.

وقال أبو يوسف: (يعقوب) بن أحمد الجصاص: حدثنا صالح – يعني: عمران – حدثنا خالد بن يزيد, حدثنا عاصم بن سليمان, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له كمة بيضاء.


#431#

وقال ابن سعد: أخبرنا يزيد بن هارون ومحمد بن عبد الله الأنصاري قالا: حدثنا هشام بن حسان, عن بكر بن عبد الله المزني قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ملحفة مورسة, فإذا دار على نسائه رشها بالماء.

وكان له صلى الله عليه وسلم فروة مكفوفة بالسندس.

قال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا إسحاق بن عيسى, حدثنا حماد بن سلمة, عن علي بن زيد بن جدعان, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أهدى ملك الروم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقة من سندس, فلبسها, فكأني أنظر إلى يديها تذبذبان من طولهما, فجعل القوم يقولون: يا رسول الله أنزلت عليك من السماء؟ فقال: «وما تعجبون منها, فوالذي نفسي بيده إن منديلاً من مناديل سعد في الجنة خير منها» ثم بعث بها إلى جعفر بن أبي طالب, فلبسها, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لم أعطكها لتلبسها» قال: فما أصنع بها؟ قال: «ابعث بها إلى أخيك النجاشي».


#432#

وخرجه أبو داود في "سننه" بنحوه مختصراً.

وقال الأصمعي: المساتق: فراء طوال الأكمام.

وقال الزبيدي في "مختصر العين": المستقة: فرو عظيم الكمين.

وقال الخطابي: يشبه أن يكون هذه المستقة مكفوفة بالسندس, لأن الفروة لا تكون سندساً.

وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن ربيعة الكلابي, عن يونس بن الحارث الثقفي, عن ابن عون, عن أبيه, عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه (قال): كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرو, وكان يستحب أن تكون له فروة مدبوغة يصلي عليها.


#433#

وكان له صلى الله عليه وسلم جبة صوف ضيقة الكمين, لبسها في سفره, كما في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.

وخرج الترمذي في "جامعه" من حديث يونس بن أبي إسحاق, عن الشعبي, عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: لبس النبي صلى الله عليه وسلم جبة رومية ضيقة الكمين.

هذا حديث حسن (صحيح), قاله الترمذي.


#434#

ولبس صلى الله عليه وسلم مرة قباء مفرجاً من حرير أهدي له, وهو الفروج, فصلى فيه, ثم نزعه عنه وقال: «لا ينبغي هذا للمتقين».

وهكذا لبس النبي صلى الله عليه وسلم مرة خاتماً من ذهب, اصطنعه, فلبسه, ثم رمى به, ونهى عن التختم بالذهب.

وقال أبو بكر أحمد بن السني في كتابه "رياضة المتعلمين": أخبرنا أبو عبد الرحمن, أخبرنا محمد بن علي بن حرب, حدثنا عثمان بن عمر, أخبرنا مالك بن مغول, عن سليمان الشيباني, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً فلبسه, فقال: «شغلني هذا عنكم منذ اليوم, إليه نظرة (وإليكم نظرة)» ثم ألقاه.

وكان له صلى الله عليه وسلم منديل أبيض يمسح به وجهه بعد الوضوء, وربما مسحه بردائه, وربما لم يمسحه, كذا ذكره جماعة.

قال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا محمد بن ربيعة الكلابي, عن أبي عمرو بن العلاء, عن إياس بن جعفر الحنفي قال: أخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له خرقة يتنشف بها بعد الوضوء.


#435#

وقال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري, أخبرنا أبو عمرو بن العلاء, عن إياس بن جعفر الحنفي قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خرقة, إذا توضأ تمسح بها.

وخرج الترمذي من حديث زيد بن حباب, عن أبي معاذ, عن الزهري, عن عروة, عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خرقة يتنشف بها بعد الوضوء.

قال الترمذي: حديث عائشة رضي الله عنها – يعني: هذا – ليس بالقائم, ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء, وأبو معاذ يقولون: هو


#436#

سليمان بن أرقم, وهو ضعيف عند أهل الحديث.

وخرجه أبو حفص بن شاهين في كتابه "الناسخ والمنسوخ" من حديث زيد بن حباب, وجعله ناسخاً لحديث يونس بن بكير, عن سعيد بن ميسرة, عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يمسح وجهه بالمنديل بعد الوضوء ... الحديث.

والأول خرجه البيهقي في "السنن الكبرى" من طريق زيد بن الحباب, عن أبي معاذ, وقال: أبو معاذ هذا هو سليمان بن أرقم, وهو متروك.

ثم قال: وقد روي ذلك بإسناد غير قوي: أخبرناه محمد بن عبد الله الحافظ, حدثني أحمد بن منصور الصوفي الحافظ أبو العباس الشيرازي, حدثنا أحمد بن محمد النحوي, حدثنا أبو العيناء محمد بن القاسم, حدثنا أبو زيد النحوي, حدثنا أبو عمرو بن العلاء, عن أنس بن مالك, عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له خرقة يتنشف بها بعد الوضوء.

قال البيهقي: وإنما رواه أبو عمرو بن العلاء, عن إياس بن جعفر أن رجلاً حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له خرقة أو منديل, فكان إذا توضأ


#437#

مسح بها وجهه ويديه.

ثم أسنده إلى القواريري, حدثنا عبد الوارث, عن أبي عمرو بن العلاء, عن إياس بن جعفر, فذكره.

قال: وهذا هو المحفوظ من حديث عبد الوارث.

ثم خرج أيضاً من طريق أبي معمر عبد الله بن عمرو, سألت عبد الوارث عن حديث عبد العزيز بن صهيب, عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له منديل أو خرقة, فإذا توضأ مسح وجهه فقال: كان في قطينة فأخذه ابن علية, فلست أرويه.

وقال البيهقي: وهذا لو رواه عبد الوارث, عن عبد العزيز, عن أنس, لكان إسناداً صحيحاً, إلا أنه امتنع من روايته, ويحتمل أنه إنما كان عنده بالإسناد الأول, والله أعلم. انتهى.

وحديث أنس في هذا إنما هو موقوف عليه, وذلك في رواية معمر عن سلم بن أبي الذيال, عن أشعث بن جابر, عن أنس رضي الله عنه أنه كان له منديل يمت به الماء إذا توضأ.

ومعني يمت: يمسح, قال امرؤ القيس:

نمت بأعراف الجياد أكفنا ... إذا نحن قمنا عن شواء مضهب.

المضهب: المشوي على الرضف.

وخرج ابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ" والترمذي واللفظ


#438#

(له) من حديث رشدين بن سعد, عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم, عن عتبة بن حميد, عن عبادة بن نسي, عن عبد الرحمن بن غنم, عن معاذ رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه.

قال الترمذي: هذا حديث غريب, وإسناده ضعيف, ورشدين بن سعد وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي يضعفان في الحديث.

وحدث ابن ماجه في "سننه" عن العباس بن الوليد بن صبح الخلال وأحمد بن الأزهر النيسابوري, كلاهما عن مروان بن محمد الدمشقي, عن يزيد بن السمط, عن الوضين بن عطاء, عن محفوظ بن علقمة, عن سلمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فقلب جبة صوف كانت عليه, فمسح بها وجهه.

ورواه محمد بن عبد الرحمن الجعفي, عن مروان بن محمد, عن يزيد بن السمط, عن الوضين, عن يزيد بن مرثد, عن محفوظ به.

تفرد به الوضين وقد وثقه الجمهور, وضعفه بعضهم.

وكان له صلى الله عليه وسلم سراويل.

وورد في غير حديث أنه صلى الله عليه وسلم لبس السراويل.

وروي أنه كان من جملة هدية النجاشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم سراويل.


#439#

وحدث الترمذي: عن هناد ومحمود بن غيلان, عن وكيع, عن سفيان, عن سماك بن حرب, عن سويد بن قيس رضي الله عنه قال: جلبت أنا ومخرفة العبدي بزا من هجر, فجاءنا النبي صلى الله عليه وسلم فساومنا بسراويل, وعندي وزان يزن بالأجر, فقال النبي صلى الله عليه وسلم للوزان: «زن وأرجح».

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وخرجه أبو محمد عبد الله بن علي بن الجارود في كتابه "الأحكام": عن محمود بن آدم, عن وكيع, عن سفيان.

ومن طريق سفيان الثوري خرجه الحاكم في "مستدركه" وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وكذلك ألزم أبو الحسن الدارقطني الشيخين إخراجه في الصحيح.

وخرجه البخاري في "تاريخه الكبير" والنسائي وابن ماجه من حديث سماك بن حرب, بنحوه.


#440#

وخرجه الحافظ أبو نعيم في كتابه "معرفة الصحابة" من حديث سماك, عن سويد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرفة العبدي بزا من هجر, فأتينا به مكة, فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فابتاع منا سراويل, وثم وزان يزن بالأجر, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «زن وأرجح».

وقد جاء أن ثمن السراويل ثلاثة دراهم.

قال دعلج بن أحمد في كتابه "مسند المقلين": حدثنا موسى بن هارون, حدثنا يحيى الحماني, حدثنا قيس بن الربيع, عن سماك بن حرب, عن سويد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرفة العبدي بزاً من البحرين إلى المدينة, فأتى علينا النبي صلى الله عليه وسلم فاشترى سراويل بثلاثة دراهم, وإذا وزان يزن بالأجر, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا وزان, زن وأرجح».

وحدث به أبو داود في "سننه", عن عبيد الله بن معاذ, حدثنا أبي, حدثنا سفيان, عن سماك بن حرب, حدثني سويد بن قيس ... فذكره.

وقال: حدثنا حفص بن عمرو ومسلم بن إبراهيم – المعنى قريب – قالا: حدثنا شعبة, عن سماك بن حرب, عن أبي صفوان بن عميرة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل أن يهاجر, بهذا الحديث, ولم يذكر: يزن بأجر.


#441#

قال أبو داود: ورواه قيس كما قال سفيان, والقول قول سفيان.

حدثنا ابن أبي رزمة, سمعت أبي يقول: قال رجل لشعبة: خالفك سفيان, قال: دمغتني.

وقال الطبراني في "معجمه الكبير": حدثنا أحمد بن عمرو القطراني, حدثنا سليمان بن حرب, حدثنا شعبة, عن سماك بن حرب, قال: سمعت صفوان أو ابن صفوان قال: بعث من النبي صلى الله عليه وسلم رجل سراويل فوزن لي فأرجح.

وقال الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله: رواه أبو داود وعبد الصمد, عن شعبة فقالوا: عن أبي صفوان بن مالك, عن النبي صلى الله عليه وسلم, وصوابه ما رواه الثوري وغيره, عن سماك بن حرب, عن مخرفة العبدي. انتهى.

قلت: وكذلك رواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه" فقال: حدثنا مسلم بن إبراهيم, حدثنا شعبة, عن سماك بن حرب, عن أبي صفوان ... فذكره.


#442#

ورواه أحمد بن حنبل في "مسنده" عن يزيد بن هارون, أخبرنا شعبة, عن سماك بن حرب, سمعت أبا صفوان مالك بن عمير يقول: قدمت مكة قبل أن يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم, فاشترى مني رجل سراويل فأرجح لي.

ورواه عبد الرحمن بن مهدي, عن شعبة فقال: مالك بن عميرة.

وقال الحسن بن سفيان: حدثنا معلى بن مهدي, حدثنا بشر بن مفضل, عن شعبة بن الحجاج, عن سماك بن حرب, عن خالد بن عمير قال: أتيت مكة والنبي صلى الله عليه وسلم بها قبل الهجرة فبعته رجل سراويل فوزن لي وأرجح لي.

وروى عباد بن موسى الختلي, حدثنا يوسف بن زياد, حدثنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم, عن الأغر أبي مسلم, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: دخلت السوق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجلس إلى البزاز, فاشترى سراويل بأربعة دراهم, وكان لأهل السوق وزان يزن, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «زن وأرجح» فقال الوزان: إن هذه الكلمة ما سمعتها من أحد, فقلت له: كفى بك من الوهن والجفاء في دينك أن لا تعرف نبيك, فطرح الميزان ووثب إلى يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلها, فجذب يده منه, وقال: «هذا إنما تفعله الأعاجم بملوكها ولست بملك, فإنما أنا رجل منكم» فوزن وأرجح, وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم السراويل فقال أبو هريرة: فذهب أحمله فقال صلى الله عليه وسلم: «صاحب الشيء أحق بشيئه أن يحمله, إلا أن يكون ضعيفاً يعجز عنه, فيعينه أخوه المسلم» قلت: يا رسول الله,


#443#

وإنك لتلبس السراويل؟ قال: «نعم, في السفر والحضر والليل والنهار, فإني أمرت بالتستر, فلم أجد شيئاً أستر منه».

تابعه علي بن حجر السعدي, عن يوسف بن زياد.

وخرجه أبو حاتم ابن حبان, عن أبي يعلى الموصلي, عن عبد الرحمن بن زياد الأفريقي, وأبو يعلى خرجه في "مسنده", تفرد به الأفريقي, فيما قاله أبو القاسم الطبراني.

وكان للنبي صلى الله عليه وسلم خفان أسودان ساذجان أهداهما إليه النجاشي, فلبسهما.

خرج الترمذي في "جامعه" من حديث وكيع, عن دلهم بن صالح, عن حجير بن عبد الله, عن ابن بريدة, عن أبيه أن النجاشي أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم خفين أسودين ساذجين, فلبسهما, ثم توضأ ومسح عليهما.

هذا حديث حسن, إنما نعرفه من حديث دلهم, قاله الترمذي.

وخرجه في "الشمائل" أيضاً.

وخرجه أبو داود وابن ماجه في سننهما لوكيع, وقال أبو داود: هذا مما تفرد به أهل البصرة. انتهى.


#444#

ورواه أحمد بن حنبل, عن وكيع, وقال فيه: عن عبد الله بن بريدة.

وكذلك قال أبو نعيم: عن دلهم, عن حجير, عن عبد الله بن بريدة.

تابعهما محمد بن ربيعة الكلابي ابن عم وكيع, عن دلهم. وهو في "تاريخ البخاري الكبير" وذكر فيه اضطراباً.

وخرج أيضاً من حديث الشعبي قال: قال المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: أهدى دحية للنبي صلى الله عليه وسلم خفين, فلبسهما.

وحدث به يحيى (بن) الضريس, عن عنبسة بن سعيد, عن جابر, عن عامر, عن دحية الكلبي قال: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة صوف وخفين, فلبسهما حتى تخرقا ولم يسأل عنهما: ذكيتا أم لا.


#445#

ورواه الهيثم بن جميل, عن زهير بن معاوية, عن جابر الجعفي, بنحوه.

ورواه إسحاق بن أبي إسحاق, عن أبيه, حدث الشعبي بحديث المغيرة بن شعبة أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على خفيه. قلت: يا أبا عمر, ومن أين كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خفان؟ قال: أهداهما له دحية الكلبي.

وقال أبو الفضل عباس بن محمد الدوري: حدثنا عمر بن حفص بن غياث, حدثنا أبي, عن الشيباني, (عن الشعبي), عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على خفية, قال: فقال رجل عند المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: يا مغيرة بن شعبة, ومن أين كان للنبي صلى الله عليه وسلم ساذجان؟ قال: فقال المغيرة: أهداهما إليه النجاشي.

ويروى أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم أربعة أزواج خفاف, وأربعة أزواج نعال, أصاب ذلك من خيبر.

وقال الطبراني في "معجمه الكبير": حدثنا يحيى بن عبد الباقي الأذني, حدثنا محمد بن عوف, حدثنا سعيد بن روح, حدثنا إسماعيل بن عياش, عن شرحبيل بن مسلم, عن أبي أمامة قال: دعا


#446#

رسول الله صلى الله عليه وسلم بخفيه يلبسهما, فلبس إحداهما, ثم جاء غراب فاحتمل الآخر, فرمى به, فخرجت منه حية, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر, فلا يلبس خفيه حتى ينفضهما».

وقال في "معجمه الأوسط": حدثنا هاشم بن مرثد, حدثنا آدم, حدثنا حبان بن علي, حدثنا سعيد بن طريف الإسكاف, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة أبعد المشي, فانطلق ذات يوم لحاجته, ثم توضأ ولبس أحد خفيه, فجاء طائر أخضر, فأخذ الخف الآخر, فارتفع به, ثم ألقاه فخرج منه أسود سالخ, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه كرامة أكرمني الله بها», ثم قال: «اللهم إني أعوذ بك من شر من يمشي على بطنه, ومن شر من يمشي على رجليه, ومن شر من يمشي على أربع».

لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد, قاله الطبراني.

وله طريق أخرى إلى عكرمة.

قال أبو عثمان سعيد بن محمد بن أحمد بن محمد البحيري في كتابه "الأحاديث الألف مما تستفاد ويعز وجودها»: أخبرنا السيد أبو الحسن


#447#

محمد بن الحُسَيْن بن داود بن علي بن عيسى الحسني, حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف الأموي, حدثنا أبو جعفر محمد بن عبيد بن عتبة الكندي الكوفي, حدثنا محمد بن الصلت, حدثنا حيان, حدثنا أبو سعد البقال, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة أبعد, قال: فذهب يوماً فقعد تحت شجرة, فنزع خفيه ولبس أحدهما, فجاء طير فأخذ الخف الآخر, فحلق به في السماء, فانسلت منه أسود سالخ, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذه كرامة أكرمني الله بها, اللهم إني أعوذ بك من شر من يمشي على رجليه, (ومن شر من يمشي على أربع), ومن شر من يمشي على بطنه».

وكان للنبي صلى الله عليه وسلم من آلات البيت ربعة إسكندرانية أهداها له المقوقس, فجعل فيها النبي صلى الله عليه وسلم سواكاً ومشطاً ومكحلة ومرآة, قيل: اسمها المدلة, ومقراضاً ومدرى يحك بها رأسه صلى الله عليه وسلم.

وقال محمد بن محمد بن سليمان الباغندي: حدثنا عبد الرحمن بن يونس الرؤاسي, حدثنا الوليد بن مسلم, عن ابن جريج, عن عطاء, عن عائشة رضي الله عنها قالت: أهدى صاحب الإسكندرية المقوقس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرآة ومكحلة وقدح عيدان شامية, ومشط, وقف, وإناء قوارير.

لم يرو هذا الحديث عن ابن جريج إلا الوليد بن مسلم, تفرد به


#448#

عبد الرحمن بن يونس.

قاله الطبراني عقب تخريجه هذا الحديث في "معجمه الأوسط" فقال: حدثنا محمد بن العباس الأخرم, حدثنا عبد الرحمن بن يونس الرقي ... فذكره بنحوه.

ويروى من حديث أبي أمية إسماعيل بن يعلى الثقفي البصري, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: خمس لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدعهن في حضر ولا سفر: المرآة والمكحلة والمشط والمدرى والسواك.

وجاء من طريق حُسَيْن بن علوان, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: سبع لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتركهن في سفر ولا حضر: القارورة والمشط والمرآة والمكحلة والسواك والمقصين والمدرى.


#449#

وخرج أبو الشيخ الأصبهاني في كتابه "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم" من حديث عمر بن حفص الأوصابي, حدثنا ابن حمير, عن إبراهيم بن أبي عبلة, سمعت أم الدرداء قالت: سألت عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أزود النبي صلى الله عليه وسلم في مغزاة له, أزوده دهناً ومشطاً ومرآة ومقصين ومكحلة ومسواكاً.

وخرجه الطبراني في الأول من "مسندات شيوخ الشاميين الثقات" فقال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرق الحمصي, حدثنا محمد بن حفص الأوصابي, حدثنا محمد بن حمير, عن إبراهيم بن أبي عبلة, عن أم الدرداء قالت: سألت عائشة رضي الله عنها ما كنت إذا سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم، أو حججت, أو غزوت معه تزودينه. قالت: كنت أزوده قارورة دهن ومشطاً ومرآة ومقصين, ومكحلة وسواكاً.

وخرجه الطبراني أيضاً من هذه الطريق في "معجمه الأوسط".

وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا مندل, عن ثور, عن خالد بن معدان قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافر بالمشط والمرآة والدهن والسواك والكحل.


#450#

وجاء عن ليث, عن الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسرح لحيته بالمشط.

وجاء عن أبي أحمد فهر بن بشر الرقي الداماني, حدثنا عمر بن موسى, عن قتادة, عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل وضع طهوره وسواكه ومشطه, فإذا أهبه الله تعالى من الليل استاك وتوضأ وامتشط.

ورواه بقية, عن عمر بن خالد, عن قتادة, عن أنس نحوه, وزاد قال: ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتشط بمشط من عاج.


#451#

وخرج الترمذي من حديث عباد بن منصور, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اكتحلوا بالإثمد, فإنه يجلو البصر وينب الشعر», وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له مكحلة يكتحل منها كل ليلة, ثلاثة في هذه, وثلاثة في هذه.

قال: وفي الباب عن جابر وابن عمر.

قلت: وأنس وعائشة وغيرهم.


#452#

قال الترمذي: حديث ابن عباس حديث حسن, لا نعرفه على هذا اللفظ إلا من حديث عباد بن منصور.

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا الفضل بن دكين ومحمد بن ربيعة الكلابي قالا: أخبرنا عبد الحميد بن جعفر, عن عمران بن أبي أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكتحل في عينه اليمنى ثلاث مرات واليسرى مرتين.

روى عقبة بن علي بن عقبة بن بشير, عن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم, عن نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اكتحل جعل في اليمين ثلاثاً وفي اليسار اثنتين, وجعل ذلك وتراً.

وقال عبد الله بن وهب في كتابه "الأهوال": أخبرني ابن لهيعة


#453#

أن عبد الله بن هبيرة, حدثه عن عبد الرحمن بن جبير, عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اكتحل اكتحل وتراً, وإذا استجمر استجمر وتراً.

وقال: أخبرني سعيد بن أبي أيوب, عن رجل, عن زيد بن أسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتحل بالإثمد ويحط مع كل عين ثلاث حطات.

وخرج الطبراني في "معجمه الأوسط" من حديث الحارث بن مسلم, عن الزهري, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم


#454#

إذا نظر وجهه في المرآة قال: «الحمد لله الذي سوى خلقه وعدله، وصور صورة وجهي فحسنها, وجعلني من المسلمين».

تفرد به الحارث عن الزهري.

وقال الحُسَيْن بن الحسن المروزي في "زياداته على كتاب الزهد" لشيخه ابن مبارك: أخبرنا الهيثم بن جميل, أخبرنا عبد الله بن المثنى ابن أنس بن مالك, حدثني رجل من آل أنس بن مالك أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتناول المرآة فينظر فيها ويقول: «الحمد لله الذي أكمل خلقي وحسن صورتي وزان مني ما شان من غيري».

وحدث أبو يعلى الموصلي, عن عمرو بن حصين, حدثنا يحيى بن العلاء, عن صفوان بن سليم, عن عطاء بن يسار, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نظر في المرآة قال: «الحمد لله حسن خَلقي وخُلقي, وزان مني ما شان من غيري».


#455#

وقال وكيع: حدثنا الحسن بن السكن القرشي, حدثنا أبان بن سفيان, حدثنا أبو هلال, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نظر في المرآة قال: «اللهم كما حسنت خَلقي فحسن خُلقي».

وكان له صلى الله عليه وسلم حصير يحتجره بالليل للصلاة, ويبسطه بالنهار للجلوس.

جاء في حديث هاشم بن القاسم, حدثنا أبو معشر, عن سعيد – يعني: المقبري – قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم حصير يفرشه بالنهار, فإذا كان الليل احتجر حجرة من المسجد يصلي فيه.

وأصله مخرج في "الصحيحين" في صلاة الليل.

قال أبو بكر أحمد بن عمرو, عن أبي عاصم النبيل, حدثنا الحسن بن علي, حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي, حدثنا عمرو بن عثمان, حدثني عمي عبيد الله بن مسلم أبو مسلم, صاحب الأعمش, عن الأعمش, عن حبيب بن أبي ثابت, عن أبي عبد الرحمن السلمي, عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غرفة له كانت بيت حمام, وهو نائم على حصير قد أثر بجنبيه, فبكيت, فقال: «ما يبكيك يا عبد الله؟» قلت: يا رسول الله, كسرى وقيصر في الحرير


#456#

والديباج, فقال لي: «لا تبك يا عبد الله, فإن لهم الدنيا ولنا الآخرة, وما أنا والدنيا, وما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب نزل تحت شجرة, ثم راح وتركها».

وكان له صلى الله عليه وسلم خمرة, وهي التي كان يصلي عليها في المسجد.

والخمرة: شيء منسوج من السعف, قاله الزبيدي في "مختصر العين". وقيل: هي حصير صغير. وقيل: حصير قدر الوجه.

وكان له صلى الله عليه وسلم بساط يسمى: الكرد, وفراش من أدم حشوه ليف, كما صح عن عائشة رضي الله عنها.

وخرج أبو داود في "سننه" عن أبي ثور, عن أبي خالد الأحمر, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت ضجعة النبي صلى الله عليه وسلم من أدم حشوه ليف.

وحدث به ابن ماجه عن عبد الله بن سعيد الأشج, عن أبي خالد الأحمر ولفظه: كان ضجاع النبي صلى الله عليه وسلم من أدم حشوه ليف. وخرجه أيضاً عن الأشج, عن عبد الله بن نمير, عن هشام به. وهو في "صحيح مسلم"


#457#

حدث به عن أبي بكر بن أبي شيبة, عن ابن نمير, وعن إسحاق بن إبراهيم, عن أبي معاوية, عن هشام كذلك.

وقال يحيى بن عبد الحميد: حدثنا عبد العزيز بن محمد, عن عمرو بن أبي عمرو, عن المطلب بن عبد الله بن حنطب, عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان فراش النبي صلى الله عليه وسلم رثاً, فجعلت له فراشاً, فلما رآه قال: «ما هذا؟» قلت: فراشاً عملته لك يا رسول الله, فألقاه.

وقال عبد الله بن ميمون: حدثنا جعفر بن محمد, عن أبيه قال: سئلت عائشة رضي الله عنها: ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتك؟ قالت: من أدم حشوه ليف.

وسئلت حفصة رضي الله عنها: ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتك؟ قالت: مسيح من شعر نثنيه ثنيتين, فينام عليه, فلما كان ذات ليلة قلت: لو ثنيته بأربع ثنيات كان أوطأ له, فثنيناه بأربع ثنيات, فلما أصبح صلى الله عليه وسلم قال: «ما فرشتموني الليلة؟» قالت: قلنا: هو فراشك, إلا أنا ثنيناه بأربع ثنيات, قلنا: هو أوطأ لك, قال: «ردوه لحاله الأولى, فإنه منعني وطأته صلاتي الليلة».


#458#

وحدث به ابن سعد, عن عمر بن حفص, عن أم شبيب, عن عائشة رضي الله عنها. مختصراً.

وقال عباد بن عباد المهلبي: حدثنا مجالد, عن الشعبي, عن مسروق, عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت علي امرأة من الأنصار, فرأت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم عباءة مثناة, فانطلقت, فبعثت إلي بفراش حشوه صوف, فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: «ما هذه؟» فقلت: يا رسول الله, فلانة الأنصارية دخلت علي فرأت فراشك, فذهبت فبعثت بهذا, فقال: «رديه», فلم أرده, وأعجبني أن يكون في بيتي, حتى قال ذلك ثلاث مرار, فقال: «والله يا عائشة لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة», فرددته إليها.


#459#

وحدث به ابن سعد, عن سعيد بن سليمان, عن عباد.

وحدث به أحمد في "الزهد" عن إسماعيل بن محمد, عن عباد.

وخرجه محمد بن فضيل بن غزوان الضبي في كتابه "الزهد" فقال: حدثنا مجالد, عن يحيى بن عباد الأنصاري, عن امرأة من قومه, قالت: دخلت على عائشة رضي الله عنها فمسست فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإذا هو خشن, وإذا داخله بردي أو ليف, قالت: فقلت: يا أم المؤمنين, فإن عندي فراشاً أحسن من هذا وألين, وداخله صوف أو قطن, قالت: فأسكتت, فلم تجبني فيه بشيء, فانطلقت فجئت به, قالت: فدار رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة في بيتها التي لها, فلما مس الفراش أنكره, فقال: «ما هذه يا عائشة؟» قالت: فقصصت عليه القصة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رديه عليها» فقالت عائشة: فحبسته عندي, فلما كان في الليلة الثانية هوى ببصره – رسول الله صلى الله عليه وسلم – قال: «يا عائشة, ألم أقل لك ردي الفراش, فوالذي نفسي بيده لو شئت لسارت معي جبال الذهب والفضة».


#460#

وقال أبو عبيد محمد بن حفص الحمصي: حدثنا محمد بن حمير, عن الوازع بن نافع, عن أبي سلمة بن عبد الرحمن, عن عائشة رضي الله عنها قالت: نجدت فراشين حشوهما ليف وإذخر، فلما رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا عائشة, آلدنيا تريدين؟» قالت: نجدتهما لك, وإنما حشوهما ليف وإذخر, قال: «يا عائشة, ما لي وللدنيا, إنما أنا والدنيا بمنزلة رجل نزل تحت شجرة في أصلها, حتى إذا فاء الفيء ارتحل, فلم يرجع إليها أبداً».

وكان له صلى الله عليه وسلم لحاف.

جاء من طريق عبد الرحمن بن الأسود, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم في لحاف.

وروي عن الزبير رضي الله عنه أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه في حاجة في يوم بارد, فجاء, فقال: فأدخلني في لحافه.


#461#

ويروى عن ثابت, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ملحفة مورسة تدور بين نسائه صلى الله عليه وسلم.

وكان له صلى الله عليه وسلم وسادة من أدم حشوها ليف, ذكرها عمر بن الخطاب وأنس بن مالك وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم وغيرهم.

والوسادة: بكسر الواو, المخدة.

وكان له صلى الله عليه وسلم سرير ينام عليه.


#462#

قال أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو يوسف الجيزي, حدثنا مؤمل, حدثنا مبارك, عن الحسن, عن أنس رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم على سرير شريط, ليس بين جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الشريط شيء, وكان صلى الله عليه وسلم أرق الناس بشرة فانحرف انحرافة, وقد أثر الشريط ببطن جلده أو بجنبه, فبكى عمر رضي الله عنه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يبكيك؟» قال: أما والله ما أبكي أن لا أكون أعلم أنك أكرم على الله عز وجل من قيصر وكسرى, إنهما يعيشان فيما يعيشان فيه من الدنيا, وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمكان الذي أرى, فقال: «يا عمر, أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا» قال: بلى, قال: «فإنه كذلك».

والقصة بنحوها مخرجة في الصحيحين.

وقد جاء أن سريره صلى الله عليه وسلم أهداه له أسعد بن زرارة لما قدم المدينة ونزل في دار أبي أيوب رضي الله عنه, فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام عليه, حتى توفي, فوضع عليه وصلي عليه, وكان الناس يحملون عليه موتاهم؛ تبركاً به, وحمل عليه أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

قال الواقدي: حدثني ابن أبي سبرة, عن محمد بن أبي حرملة, عن


#463#

عطاء بن يسار, عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت قريش بمكة وليس شيء أحب إليها من السرر ينام عليها, فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل منزل أبي أيوب قال صلى الله عليه وسلم: «يا أبا أيوب, أما لكم سرير؟» فقال: لا والله, فبلغ أسعد بن زرارة, فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرير له عمود, وقوائمه من ساج, ورمله من خزم – يعني المسد – فكان ينام عليه, حتى تحول إلى منزلي, فكان فيه, فوهبه لي, فكان ينام عليه, حتى توفي, فوضع عليه وصلي عليه, فطلبه الناس منا؛ يحملون عليه موتاهم, فحمل عليه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما, والناس يطلبون بركته.

وقد جاء أنه بيع في ميراث عائشة رضي الله عنها, فاشتراه رجل من موالي معاوية بأربعة آلاف درهم, فجعله للناس وهو بالمدينة, ذكره ابن قتيبة.

وقال الواقدي: أجمع أصحابنا بالمدينة لا يختلفون أن سرير النبي صلى الله عليه وسلم اشترى ألواحه عبد الله بن إسحاق الإسحاقي, من موالي معاوية, اشترى ألواحه بأربعة آلاف درهم.

وكان له صلى الله عليه وسلم كرسي, فيما ذكره ابن الجوزي وغيره, وأنه كان من خلب, وهو الليف.


#464#

خرج الإمام أحمد في "مسنده" من حديث حميد بن هلال, عن أبي رفاعة العدوي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب, فقلت: رجل غريب جاء يسأل عن دينه, فأقبل صلى الله عليه وسلم إلي وترك خطبته, ثم أتي بكرسي, خلت قوائمه حديداً فقعد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم أقبل يعلمني مما علمه الله عز وجل قال حميد: أراه رأى خشباً أسود حسبه حديداً.

وخرجه مسلم بنحوه.

وذكره أبو محمد بن قتيبة فقال: أتي بكرسي من خلب وقال: الخلب: الليف.

وذكر القاضي عياض أنه تصحيف "خلت", وجنح ابن الجوزي – والله أعلم – إلى رواية ابن قتيبة, وذكر أنه لولا ما ذكره حميد بن هلال لكان الأليق أن يكون من ليف, قوائمه من جريد بالراء.

قلت: وما ذهب إليه القاضي عياض أن قول ابن قتيبة: "خلب" بالموحدة تصحيف هو الصواب, والصحيح "خلت".

ويعضده رواية داود بن إبراهيم العقيلي: حدثنا أبو جزء نصر بن طريف, حدثنا أيوب السختياني ويونس بن عبيد, عن حميد بن


#465#

هلال, عن أبي رفاعة رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب على كرسي, خيل إلي أن قوائمه حديد.

وكان له صلى الله عليه وسلم تابوت من خشب النخل بقدر ذراعين أو أقل, في سقفه كلاب حديد يعلق به, كان يضع في ذلك التابوت طعامه, وصار بعده صلى الله عليه وسلم لأم سلمة رضي الله عنها, فيما ذكره بعضهم.

وكان له صلى الله عليه وسلم قصعة بأربع حلق يحملها أربعة رجال.

روي عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قصعة يقال لها: الغراء, يحملها أربعة رجال ... الحديث.

خرجه أبو داود.

وجاء من طريق أخرى عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جفنة لها أربع حلق.

وقال جعفر بن محمد بن المعتز المستغفري الحافظ: حدثنا زاهر بن أحمد, حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن شعيب الأرجاني, حدثنا محمد بن معمر البحراني, حدثنا أبو عامر, حدثنا يحيى بن ثابت, حدثتني صفية بنت بحرة قالت: استوهب عمي فراس من النبي صلى الله عليه وسلم قصعة رآه يأكل فيها, فأعطاها إياه, قالت: فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه, إذا جاءنا قال: أخرجوا إلي قصعة النبي صلى الله عليه وسلم, فنخرجها إليه,


#466#

فيملؤها من ماء زمزم, فيشرب منها, وينضح على وجهه, قالت: فدخل علينا سارق فسرقها, فلما سرقت قالت: فقدم عمر رضي الله عنه قالت: فقال: أخرجوا إلي قصعة النبي صلى الله عليه وسلم, فأخبرناه أنها سرقت مع متاع لنا, فقال: لله أبوه, فما سمعته سبه ولا لعنه.

وكان له صلى الله عليه وسلم ركوة تسمى الصادرة, وقعب يسمى السعة, وقدح من قوارير.

خرج أبو الشيخ الأصبهاني من طريق زيد بن الحباب قال: حدثنا مندل, عن محمد بن إسحاق, عن الزهري, عن عبيد الله (بن عبد الله),


#467#

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن صاحب إسكندرية بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح قوارير, فكان يشرب منه.

وخرجه ابن ماجه في "سننه" عن أحمد بن سنان, عن زيد بن حباب, عن مندل به ولفظه: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قدح قوارير يشرب فيه.

تابعه إسماعيل بن عمرو, عن مندل كذلك.

وحدث به ابن سعد في كتابه "الطبقات" فقال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي, حدثنا مندل, عن محمد بن إسحاق, عن الزهري, عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة, قال: أهدى المقوقس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قدح زجاج كان يشرب فيه.

تابعه حُسَيْن بن حسن الأسواري فقال: حدثنا مندل بن علي, عن محمد بن إسحاق, عن الزهري, عن عبيد الله بن عبد الله, حدثني


#468#

المقوقس قال: أهديت إلى النبي صلى الله عليه وسلم قدح قوارير, وكان يشرب فيه.

وكان له صلى الله عليه وسلم قدح مضبب, بثلاث ضباب من فضة, أكبر من نصف المد وأقل من المد, وله حلقة يعلق بها.

وروى عثمان بن أبي العاتكة, عن علي بن يزيد, عن القاسم, عن أبي أمامة, عن معاذ رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له قدح مضبب بنحاس .... الحديث.

وقدح آخر يسمى الريان, وآخر يسمى مغشا, وآخر من عيدان يوضع تحت سريره يبول فيه بالليل.

وقال يحيى بن معين: حدثنا حجاج, عن ابن جريج, حدثتني حكيمة بنت أميمة, عن أميمة أمها – يعني بنت رقيقة – أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول في قدح من عيدان, ثم يوضع تحت سريره, فبال فوضع تحت سريره, فجاء فأراده, فإذا القدح ليس فيه شيء فقال لامرأة يقال له بركة كانت تخدم لأم حبيبة, جاءت معها من أرض الحبشة: «أين البول الذي كان في القدح؟» قالت: شربته يا رسول الله.

تابعه هلال بن العلاء ومحمد بن غالب والفضل بن يعقوب الرخامي, فقالوا: حدثنا حجاج بن محمد, حدثنا ابن جريج أن حكيمة بنت أميمة,


#469#

أخبرته عن أمها أميمة بنت رقيقة, قالت: كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان يبول فيه ويضعه تحت السرير, فجاءت امرأة يقال لها بركة قدمت مع أم حبيبة من الحبشة, فشربته, فطلبه النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجده, فقيل: شربته بركة, فقال: «لقد احتظرت من النار بحظار أو جنة», أو نحو هذا.

ألزم الدارقطني الشيخين إخراجه في "الصحيح".

وخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان في "صحيحه" ولفظ أبي داود عن حكيمة بنت أميمة ابنة رقيقة, عن أمها قالت: كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل.

ووقع تسمية هذه الخادم ببرة, وذلك فيما قال الطبراني في "معجمه": حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل, حدثنا يحيى بن معين, حدثنا حجاج بن محمد, عن ابن جريج, عن حكيمة بنت أميمة, (عن أمها أميمة), قالت: كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان يبول


#470#

فيه ويضعه تحت سريره, فقام فطلبه فلم يجده, فسأل فقال: «أين القدح؟» قالوا: شربته برة خادم أم سلمة التي قدمت معها من أرض الحبشة, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد احتظرت من النار بحظار».

العيدانة: النخلة الطويلة المنجردة, قاله ابن فارس في "المجمل" وحكاه ابن سيده في "المحكم" عن أبي حنيفة بنحوه, قال: العيدانة: أطول ما يكون من النخل, ولا تكون عيدانة حتى يسقط كربها كله, ويصير جذعها أجرد من أعلاه إلى أسفله. قال: وقال أبو عبيد: هي كالرقلة.

والذي قاله أبو عبيد, هو في "غريب المصنف".

قال: قال الأصمعي: إذا كان للنخلة جذع يتناول منه المتناول, فتلك النخلة العضيد وجمعها عضدان, فإذا فاتت اليد فهي جبارة, فإذا ارتفعت عن ذلك فهي رقلة, وجمعها رقل, وهي عند أهل نجد: العيدانة, فإذا طالت – قال: ولا أدري لعل ذلك مع انجراد – فهي سحوق وهن سحق.

وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم كانت له فخارة للبول.

قال يحيى بن محمد بن صاعد: حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني, حدثنا شبابة بن سوار, حدثنا أبو مالك النخعي وهو عبد الملك بن حسن,


#471#

عن الأسود بن قيس, عن نبيح العنزي, عن أم أيمن قالت: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فجاء فخارة في البيت فبال فيها, ثم قمت من الليل وأنا عطشانة فأتيت الفخارة فشربت ما فيها, وأنا لا أعلم, فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا أم أيمن قومي فأهريقي ما في تلك الفخارة» فقلت: قد والله شربت ما فيها, فضحك (رسول الله) صلى الله عليه وسلم وقال: «أما إنك لا تجعين بطنك أبداً».

وحدث به ابن صاعد أيضاً عن المنذر بن الوليد الجارودي, حدثنا قرة بن سليمان الجهضمي, عن أبي مالك النخعي, عن يعلى بن عطاء, عن الوليد بن عبد الرحمن, أو عن أبي ميسرة – يعلى الشاك – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا أم أيمن, أخرجي الفخارة» .... وذكر الحديث بنحوه.

حدث بهما عن ابن صاعد أبو حفص عمر بن شاهين في كتابه "دلائل النبوة".

وخرجه بنحو الحديث الثاني الحاكم في "المستدرك".

وكان للنبي صلى الله عليه وسلم مد وصاع يكال به في بيته, ويخرج به زكاة فطره, ويأخذ به, يسع قدر أربعة أمداد, وهو خمسة أرطال وثلث بالبغدادي,


#472#

كل رطل مائة درهم وثمانية وعشرون درهماً وأربعة أسباع درهم, فتكون زنة الصاع ستمائة درهم وخمسة وثمانين درهماً وخمسة أسباع درهم على الأصح عند النووي.

وعلى قول أبي القاسم الرافعي وغيره أن الصاع ستمائة درهم وثلاثة وتسعون درهماً وثلث درهم.

وقيل: قدر صاع النبي صلى الله عليه وسلم أربع حفنات بكفي رجل معتدل الكفين.

وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أيضاً مخضب من شبه للحناء, ومغسل من صفر.

قال ابن سعد: أخبرنا موسى بن داود, أخبرنا ابن لهيعة, عن أبي النضر, قال: ذكر لي أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مغتسل من صفر.

قيل: وكان له صلى الله عليه وسلم تور من حجارة يقال له المخضب يتوضأ منه.

وكان للنبي صلى الله عليه وسلم من السلاح ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

وقد جاء أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ضم السلاح إليه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

روى أبو محمد عبد الله بن محمد الأصطخري من حديث جعفر بن محمد, عن أبيه, عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لقد ضممت إلي سلاح رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت في قائمة سيفه صحيفة معلقة فيها ثلاثة أحرف: صل من قطعك, وأحسن إلى من أساء إليك, وقل الحق ولو على نفسك.


#473#

&[سلاحه صلى الله عليه وسلم]&

$[ذكر سيوف النبي صلى الله عليه وسلم]:$

وكان للنبي صلى الله عليه وسلم من السلاح عدة أسياف:

منها سيف ورثه من أبيه يسمى مأثوراً, وهو أول سيف ملكه (رسول الله) صلى الله عليه وسلم.

قال هارون بن مسلم: حدثنا محمد بن عمر, حدثنا ابن أبي سبرة, عن عبد المجيد بن سهيل, أن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عوف, قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في الهجرة بسيف كان لأبيه [يسمى] مأثوراً.

قال أبو عبيد في "غريب المصنف": سمعت الأصمعي يقول: من السيوف الصفيحة ... وذكره, ثم قال: والمأثور الذي في متنه أثر.


#474#

وقال أبو الحُسَيْن بن فارس: وأما السيف المأثور فقيل: سمي بذلك؛ لأن له أثراً, ويقال: هي سيوف متونها حديد أنيث, وشفراتها حديد ذكر, ويقولون: إن الجن تعملها, هكذا قاله في "المجمل".

وذكر أبو عبيد في "غريب المصنف" في سماعه من الأصمعي: أن من السيوف المذكر, وهي سيوف شفراتها حديد ذكر, ومتونها أنيث, يقول الناس إنها من عمل الجن. وفي "مختصر العين" للزبيدي: وأثر السيف وأثره: وشيه, وسيف مأثور.

ومن سيوفه صلى الله عليه وسلم: ذو الفقار الذي تنفله يوم بدر ورأى فيه الرؤيا يوم أحد. قاله ابن عباس رضي الله عنهما.

وحدث محمد بن إسحاق, عن يزيد بن أبي حبيب, عن مرثد بن عبد الله, عن عبد الله بن زرير, عن علي رضي الله عنه قال: كان اسم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الفقار.


#475#

وسمي ذا الفقار لأنه كان في وسطه مثل فقرات الظهر.

وقال القاسم بن ثابت في "الدلائل": وقال أبو عبيد عن الأصمعي: المفقر من السيوف الذي فيه حزوز مطمئنة عن متنه, وقال بعضهم: كان ذلك في رونق سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم شبيهاً بالفقار الحية يراه الناظر فإذا التمس لم يجد شيئاً. (انتهى).

وذو الفقار كان أصله فيما ذكر من حديدة وجدت مدفونة عند الكعبة من دفن جرهم, صنع منها ذو الفقار, وكان سيف منبه بن الحجاج.


#476#

قال عبد الله ابن الإمام أحمد في "العلل": حدثني أبي, حدثنا هشيم, أخبرنا بعض أصحابنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم اصطفى يوم بدر سيف منبه بن الحجاج الذي كان [يقال] له ذو الفقار.

وقيل: كان سيف العاص بن وائل السهمي غنمه يوم بدر.

وقيل: أهداه له الحجاج بن علاط البهزي.

وكان ذو الفقار لا يفارق النبي صلى الله عليه وسلم في حروبه كلها, وكانت قائمته وقبيعته وحلقته وذؤابته وبكراته ونصله من فضة.

قال دعلج بن أحمد في كتابه "مسند المقلين": أخبرنا موسى الجوني, حدثنا هشام بن عمار, حدثنا محمد بن حمير, حدثنا أبو الحكم الصيقل, حدثني مرزوق الصيقل: أنه صقل سيف


#477#

رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الفقار فكانت له قبيعة من فضة وحلق في قيده, وبكرة في وسطه من فضة.

أخبرنا به أبو هريرة عبد الرحمن بن الذهبي بقراءتي عليه, أخبرك أبو محمد القاسم بن المظفر, أخبرنا أبو الوفاء محمود بن إبراهيم العبدي كتابة: أن أبا الخير محمد بن أحمد بن محمد الباعدان أخبره سماعاً, أخبرنا أبو عمرو عبد الوهاب بن أبي عبد الله بن محمد بن إسحاق بن يحيى بن منده, أخبرنا أبي: أبو عبد الله, أخبرنا خيثمة, حدثنا أحمد بن الفرج, حدثنا محمد بن حمير, حدثني أبو الحكم, حدثني مرزوق الصيقل: أنه صقل سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الفقار, وكانت له قبيعة من فضة, وبكرة وسطها من فضة وحلقها من فضة.

هكذا خرجه ابن منده في كتابه "معرفة الصحابة".

وحدث عبد الله بن أحمد بن حنبل في "العلل" عن أبيه, حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا ابن جريج قال: كان اسم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الفقار, واسم درعه: ذات الفضول أو الفصول – شك عبد الرزاق – قال ابن جريج: وكان سيفه صلى الله عليه وسلم محلى بالفضة, قال ابن جريج: أخبرني ذلك محمد بن مرة.


#478#

وحدث أيضاً عن أبيه, حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا ابن جريج, أخبرني جعفر بن محمد, عن أبيه: أن اسم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو الفقار.

وبه قال: أخبرني جعفر بن محمد: رأيت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمته من فضة ونعله من فضة وبين ذلك حلق فضة, فقال: هو عند هؤلاء الآن – يعني: آل العباس.

وحدث أيضاً عن أبيه, حدثنا ميمون, حدثني جعفر, عن أبيه: أن نعل سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقباعه وحلقه كان من فضة, وكل شيء كان منه فضة.

تابعه سليمان بن بلال, عن جعفر.

وقال معاذ بن هشام: حدثني أبي, عن قتادة, عن سعيد بن أبي الحسن, قال: كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة.

تابعه عبد الوهاب بن عطاء ومسلم بن إبراهيم الأزدي عن هشام.

خالفه جرير بن حازم فرواه عن قتادة, عن أنس رضي الله عنه قال: كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة. خرجهما أبو داود في "سننه" والترمذي في "الشمائل".


#479#

قال عبد الله ابن الإمام أحمد في "العلل": سمعت أبي يقول: قال عفان: جاء أبو جزي واسمه نصر بن طريف إلى جرير بن حازم يشفع لرجل يحدثه جرير, فقال جرير: حدثنا قتادة, عن أنس رضي الله عنه قال: كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة, قال: فقال أبو جزء كذب والله ما حدثنا قتادة إلا عن سعيد بن أبي الحسن, قال أبي: وهو قول أبي جزء, وجرير أخطأ. انتهى.

وحدث به النسائي في "سننه" عن أبي داود الحراني, عن عمرو بن عاصم, عن همام وجرير: كلاهما عن قتادة, عن أنس .... فذكره.

قال النسائي: وهذا حديث منكر, والصواب قتادة عن سعيد بن أبي الحسن (أخبر قتيبة عن يزيد بن زريع عن هشام, عن قتادة, عن سعيد بن أبي الحسن) قال: كانت ... فذكره.

قال النسائي: وما رواه عن همام غير عمرو بن عاصم.

قلت: وسعيد بن أبي الحسن هذا هو أخو الحسن البصري, حدث عن جماعة منهم: علي بن أبي طالب وأبو هريرة وأبو بكرة وابن عباس رضي الله عنهم, وأمه خيرة, وحدث عنه أخوه الحسن في آخرين, وكان من الثقات الأخيار, مات قبل أخيه سنة مائة, وقال ابن حبان: مات بفارس سنة ثمان ومائة.

وقال أبو داود في "سننه": حدثنا محمد بن بشار, حدثنا يحيى بن


#480#

كثير أبو غسان العنبري, عن عثمان بن سعد, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة.

وقال النسائي في "سننه": حدثنا عمران بن يزيد الدمشقي, عن عيسى بن يونس, عن عثمان بن حكيم, عن أبي أمامة بن سهل قال: كانت قبيعة سيف رسول الله من فضة.

وقال أبو الشيخ الأصبهاني في كتابه "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم": حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن, حدثنا إسحاق بن إبراهيم الصواف.

وحدثنا إبراهيم الدستوائي, حدثنا أبو قلابة, قالا: حدثنا يحيى بن كثير العنبري, حدثنا عثمان بن سعد, عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حنفياً, وكانت قبيعته من فضة.

وحدث بنحوه أبو داود في "سننه" عن محمد بن بشار, حدثني يحيى بن كثير أبو غسان العنبري ... فذكره.

وخرجه الترمذي لأبي عبيدة الحداد, عن عثمان بن سعد وقال: هذا الحديث غريب, لا نعرفه إلا من هذا الوجه.


#481#

وقوله: "كان حنفياً": فسره بعضهم بالمعوج, وليس بشيء, بل هو نسبة إلى أحنف.

قال الزبيدي في "مختصر العين": والسيوف الحنفية منسوبة إلى أحنف.

وقال أبو الحسن بن سيده في "المحكم": والحنفية ضرب من السيوف منسوب إلى أحنف؛ لأنه أول من عملها, وهو من المعدول على غير قياس.

وقال محمد بن سيرين: صنعت سيفي على سيف سمرة رضي الله عنه [وزعم سمرة] أنه صنع سيفه على سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان حنفياً.

خرجه الترمذي في "جامعه" من حديث أبي عبيدة الحداد, وفي "الشمائل" من حديث محمد بن بكر, كلاهما عن عثمان بن سعد, عن ابن سيرين, وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه, وقد تكلم يحيى بن سعيد في عثمان بن سعد الكاتب, وضعفه من قبل حفظه.


#482#

وقال عارم: حدثنا عبد الواحد, عن خصيف, عن مجاهد وزياد بن أبي مريم قالا: كان سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم حنفياً قائمه قرن.

تابعه عفان بن مسلم, عن عبد الواحد بن زياد بنحوه.

وروى عبد الله بن المبارك في "كتاب الجهاد" عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي, حدثتني أمي, عن أبيها علي بن حُسَيْن: أن روشة سيف النبي صلى الله عليه وسلم كانت من فضة.

وخرج الترمذي في "جامعه" عن مزيدة وهو ابن جابر العصري (العبدي) قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وعلى سيفه ذهب وفضة.

ومن سيوفه صلى الله عليه وسلم القضيب, فعيل بمعنى فاعل, والقضب القطع, وهذا السيف قيل: هو أول سيف تقلد به صلى الله عليه وسلم.

ومن سيوفه صلى الله عليه وسلم ثلاثة أسياف أصابها من سلاح بني قينقاع أحدها "قلعي" بالتحريك.


#483#

قال غيلان:

بالقلعي البيض أو ذكوره.

وهو نسبة إلى مرج القلعة بالبادية, وقيل: منسوب إلى معدن.

والآخر: يدعى بتاراً بالمثناة من فوق بعد الموحدة, وقيل: بالمثناة من تحت بعد الموحدة.

والثالث: يسمى الحتف.

وأصاب بعد ذلك على الفلس – صنم طيء– سيفين كانا له أحدهما يدعى المخذم, والآخر الرسوب.


#484#

قال هارون بن مسلم: حدثني محمد بن عمر قال: وحدثني ابن أبي سبرة, عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى الأنصاري قال: أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاح بني قينقاع ثلاثة أسياف: سيفاً قلعياً, وسيفاً يدعى بتاراً, وسيفاً يدعى الحتف, وكان عنده صلى الله عليه وسلم بعد ذلك رسوب والمخذم أصابهما عند صنم طيء.

تابعه ابن سعد عن محمد بن عمر بنحوه, إلا أنه قال: أصابها من الفلس.

ذكر أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن حاتم بن إسماعيل المدني سبط أبي موسى الزمن في كتابه "المنير" بإسناد له إلى محمد بن السائب الكلبي قال: وأخبرنا أبو باسل الطائي, عن عمه عنترة بن الأخرس قال: كان لطيء صنم يقال له الفلس, وكان أحمر في وسط جبلهم الذي يقال له أجا أسود كأنه مثال نسر, ثم قال: فلم يزل الفلس بعد ذلك مخفراً, وهو بعد يعبد حتى ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فهدمه وأخذ سيفين كان الحارث بن أبي شمر الغساني الملك قلده إياهما, يقال لأحدهما: مخذم, والآخر: رسوب, وهما السيفان اللذان ذكرهما علقمة بن عبدة في شعره.


#485#

(قلت): ذكرهما في قصيدته التي مدح بها الحارث بن أبي شمر الغساني حين أسر أخاً له ليطلقه, التي أولها:

طحا بك قلب في الحسان طروب ... بعيد الشباب عصر حان مشيب

ومنها قوله:

وأنت امرؤ أفضت إليه أمانتي ... وقبلك ربتني فضعت ربوب

فوالله لولا فارس الجون منهم ... لآبوا خزايا والإياب حبيب

تقدمه حتى تغيب حجوله ... وأنت لبيض الدارعين ضروب


#486#

مظاهر سربالي الحديد عليهما ... عقيلا سيوف مخذم ورسوب

فجالدتهم حتى اتقوك بكبشهم ... وقد حان من شمس النهار غروب

تجود بنفس لا يجاد بمثلها ... فأنت بها يوم اللقاء خصيب

وقيل: إن هذين السيفين أهداهما للنبي صلى الله عليه وسلم زيد الخيل الطائي, فسماه زيد الخير.

وعد في سيوفه صلى الله عليه وسلم العضب.

قال هارون بن مسلم: حدثني محمد بن عمر قال: وقال ابن أبي سبرة, عن عبد الرحمن بن عطاء صاحب الشارعة قال: كانت درع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات الفضول أرسل بها سعد بن عبادة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سار إلى بدر, وسيف يقال: له العضب, فشهد بهما بدراً حتى غنم سيفه ذا الفقار يوم بدر من منبه بن الحجاج.

ومن سيوفه صلى الله عليه وسلم الصمصامة, وكان سيفاً مشهوراً لعمرو بن معدي كرب الزبيدي التي وهبها لخالد بن سعيد بن العاص.


#487#

$[ذكر دروع النبي صلى الله عليه وسلم]:$

وكان له صلى الله عليه وسلم من الدروع درع يقال لها ذات الفضول التي أرسل بها سعد بن عبادة إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين سار إلى بدر كما تقدم.

حدث ابن إسحاق, عن يزيد بن أبي حبيب, عن مرثد بن عبد الله, عن عبد الله بن زرير, عن علي رضي الله عنه قال: كان اسم درع النبي صلى الله عليه وسلم ذات الفضول.

سميت هذه الدرع بذلك لطولها, قيل: وهي التي توفي صلى الله عليه وسلم وتركها مرهونة في نفقة عياله.

ودرع يقال لها: السعدية, كانت لعكبر القينقاعي, ويقال: إنها كانت درع داود عليه السلام التي لبسها لقتال جالوت.

قال أبو الحُسَيْن بن فارس اللغوي: ويقال كانت عنده صلى الله عليه وسلم درع داود عليه السلام التي لبسها لما قتل جالوت. انتهى.

ودرع أخرى تدعى فضة أصابها والسعدية من سلاح بني قينقاع, فيما ذكره الواقدي عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة, عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى.

وقيل في فضة: إنها درع داود عليه السلام.


#488#

ودرع أخرى يقال لها: ذات الوشاح, وهي الموشحة, والدرع الموشحة التي فيها حلق صفر.

وأخرى تسمى ذات الحواشي. وأخرى تعرف بالبتراء. وأخرى تدعى الخرنق.

قال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع, حدثنا إسرائيل, عن جابر, عن عامر – يعني: الشعبي – قال: أخرج إلينا علي بن الحُسَيْن درع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هي يمانية رقيقة ذات زرافين فإذا علقت بزرافيها شمرت, وإذا أرسلت مست الأرض.

تابعه أحمد بن عبد الله بن يونس وعبيد الله بن موسى وأبو نعيم الفضل بن دكين, قالوا: حدثنا إسرائيل, عن جابر .... فذكره.

وقال قاسم بن ثابت في كتابه "الدلائل": حدثناه إبراهيم, قال: حدثنا حُسَيْن بن علي, حدثنا وكيع .... فذكره, ثم قال: "الزرافين" واحدها: زِرفين وزُرفين لغتان, وهو في الحديث الإبزيم, وفي غيره حلقة الباب. انتهى.


#489#

وروى سليمان بن بلال, عن جعفر بن محمد, عن أبيه, قال: كانت في درع النبي صلى الله عليه وسلم حلقتان من فضة عند موضع الثني, وفي ظهره حلقتان من فضة أيضاً, وقال: لبستها فخطت الأرض.

وقال الواقدي: حدثنا موسى بن عمر, عن جعفر بن محمود, عن محمد بن مسلمة رضي الله عنه: قال: رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد درعين: درعه ذات الفضول, ودرعه فضة, ورأيت عليه يوم حنين درعين: ذات الفضول والسعدية.

وخرج البخاري في "تاريخه الكبير" من حديث محمود بن عمرو, عن يزيد بن السكن, أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ألجمه القتال يوم أحد ظاهر بين درعين.

$[ذكر مغفره صلى الله عليه وسلم]:$

وكان له صلى الله عليه وسلم مغفر تسمى السبوغ أو ذا السبوغ, وقيل: ذو النسوع, والنسوع: سير, وهو الذي كان على رأسه صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة فيما قيل.

وكان له صلى الله عليه وسلم مغفر آخر يسمى الموشح, وهو الذي هشم على رأسه يوم أحد.

و "المغفر": حلق تنسج على قدر الرأس يلبس عليه تحت القلنسوة.

وفي "مختصر العين" للزبيدي أنه: حلق يتقنع به المتسلح.


#490#

روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وعلى رأسه مغفر من حديد.

وكان له صلى الله عليه وسلم بيضة من حديد, وهي التي تسميها الأعاجم الخوذة, وقيل: هي المغفر, لكن الجمهور فرقوا بينهما.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه في "الدروع": فإذا لم تكن – يعني البيضة – صفيحاً وكانت سرداً متحركاً بالفتحة, وقد تحول السين زاياً فيقولون: زرداً, وهو الحلق, فهي مغفر وغفارة معجمة الغين مكسورة الغين.

وقال أبو عبد الله القضاعي: والفرق بين المغفر والبيضة أن المغفر شبيه بالقلنسوة, ويغطي الأذنين ربما كانت له حديدة سائلة على الأنف, والبيضة مدورة على مثل نصف بيضة النعام. انتهى.

وهذا تمثيل لاستدارتها فقط؛ لأن البيضة كما قال أبو عبيدة في كتابه في "الدروع": والبيضة اسم جامع لما فيها من الأسماء والصفات التي من غير لفظها.


#491#

وذكر أبو عبيدة أن البيضة قبائل صفائح, كقبائل الرأس لها أذنان على أذني لابسها, وأنف منها على أنفه, ولها قونس أجوف, وهو الذي في أعلاها كأنه زنب قمع الذهن, وربما كانت مصمتة مسبوكة من صفيحة واحدة فيقال لها: صماء.

صح عن سهل بن سعد رضي الله عنه أنه سئل عن جرح النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقال: جرح وجه النبي صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه.

$[ذكر ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم من القسي]:$

وكان له صلى الله عليه وسلم من القسي ست: الروحاء والصفراء والبيضاء أصابهن من سلاح بني قينقاع فيما ذكره الواقدي عن شيخه أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة, عن مروان بن سعيد بن المعلى.

وكان له صلى الله عليه وسلم أيضاً من القسي: السداد, والزوراء, والكتوم كسرت يوم أحد لما رمي عنها فأخذها قتادة بن النعمان رضي الله عنه.

وقيل: الكتوم هي الصفراء التي أصابها من سلاح بني قينقاع, وكانت البيضاء من شوحط, والصفراء والكتوم من نبع, فالشوحط ضرب من (شجر الجبال) وهما جنس واحد, لكن النبع ما نبت في الجبل والشوحط ما نبت في السهل.

وفي "غريب المصنف" لأبي عبيد عن الأصمعي: أنهما من شجر الجبل.


#492#

وذكر غير أبي عبيد أن النبع والشوحط واحد وأن القسي تعمل منهما ومن الشريان والتالب والقان والمنشم والسراء والضال.

وقال أبو الحسن بن سيده في "المحكم": والنبع شجر يتخذ منه القسي, وربما اقتدح به, الواحدة نبعة.

وحكى ابن سيده عن أبي حنيفة صاحب كتاب "النبات" أنه قال مرة: النبع شجر أصفر العود, رزينة ثقيلة في اليد, وإذا تقادم احمر قال: وكل القسي إذا ضمت إلى قوس النبع كرمتها قوس النبع, لأنها أجمع القسي للأزر واللين – يعني بالأزر الشدة – قال: ولا يكون العود كريماً حتى يكون كذلك. انتهى.

حدث أبو إسحاق الفزاري, عن الحسن بن عمارة, عن الحكم, عن مقسم, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبهم يوم الجمعة في السفر متوكئاً على قوس قائماً.

وجاء عن سعد القرظ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب في العيدين خطب على قوس, وإذا خطب في الجمعة خطب على عصا.


#493#

خرجه الطبراني في "معجمه الصغير".

وقال دعلج بن أحمد في كتابه "مسند المقلين": أخبرنا محمد بن علي بن زيد الصائغ, حدثنا سعيد, حدثنا شهاب بن خراش بن حوشب, حدثني شعيب بن رزيق الطائفي, قال: جلست إلى رجل


#494#

له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: الحكم بن حزن الكلفي, فأنشأ يحدث قال: وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة فاستؤذن لنا, فدخلنا عليه, فقلنا: يا رسول الله, زرناك لتدعو الله لنا بخير, [فدعا لنا بخير], وأمر بنا فأنزلنا, وأمر لنا بشيء من تمر, والشأن إذ ذاك دون فلبثنا بها أياماً شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام متوكئاً على قوس أو على عصا, فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات, ثم قال: «أيها الناس إنكم لن تطيقوا – أو لن تفعلوا- كل ما أمرتم به ولكن سددوا وأبشروا».

وخرجه أبو داود عن سعيد بن منصور بنحوه.

تابعه الحكم بن موسى, عن شهاب بن خراش.

وقال الطبراني في "معجمه": حدثنا الوليد بن حماد الرملي, حدثنا


#495#

عبد الله بن الفضل, حدثني أبي, عن أبيه عاصم بن عمر, عن أبيه, عن جده قتادة بن النعمان رضي الله عنه قال: أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس فدفعها إلي يوم أحد فرميت بها بين يديه حتى اندقت عن سيتها, فلم أزل عن مقامي نصب وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقى السهام بوجهي, كلما مال سهم منها إلى وجه رسول الله صلى عليه وسلم ميلت رأسي ألاقي وجهه, فكان آخر سهم ندرت منه حدقتي على خدي, وافترق الجمع فأخذت حدقتي بكفي, فسعيت بها إلى رسول الله, فلما رآها في كفي دمعت عيناه, فقال صلى الله عليه وسلم: «اللهم إن قتادة فدى وجه نبيك صلى الله عليه وسلم بوجهه فاجعلها أحسن عينيه (وأحدهما نظراً فكانت أحد عينيه) نظراً».

وله غير هذا الطريق.

وقال أبو الحسين ابن فارس: ويقال: إن رجلاً أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم قوسا عليه تمثال عقاب, فوضع يده عليه فأذهب الله عز وجل ذلك التمثال, ذكره في مختصره في السيرة.


#496#

وأظنه تصحيفاً, من ذلك الحديث المروي من طريق بشر بن بكر التنيسي, حدثنا الأوزاعي, عن ابن شهاب, أنه قال: أخبرني القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق, عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا مستترة بقرام فيه صورة فهتكه, ثم قال: «إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله» قال الأوزاعي: فقالت عائشة: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببرنس فيه تمثال عقاب, فوضع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فأذهبه الله عز وجل.

وصحف بعضهم هذه اللفظة "بترس" كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وقال الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سليمان مطين: حدثني إبراهيم بن مردويه بن يزيد, حدثنا الربيع بن صبيح – كذا قال – عن الحسن, عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مضغ عقباً في شهر رمضان, ورصف به وتر قوسه.

وكان له صلى الله عليه وسلم جعبة تدعى الجمع, وقيل: الكافور, وقيل: تسمى


#497#

المتصلة, وقيل: المؤتصلة.

وكان له صلى الله عليه وسلم سهام يقال لها: المنصلة.

وكان له صلى الله عليه وسلم من الترسة ترس أهدي إليه فيما ذكره بعضهم وعليه تمثال عقاب فوضع يده على التمثال فذهب, وهذا تصحيف من (برنس) كما تقدم, والله أعلم.

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا عباد بن زياد, حدثنا عبد الله بن المبارك, أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر سمعت مكحولاً يقول: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ترس فيه تمثال رأس كبش فكره النبي صلى الله عليه وسلم مكانه, فأصبح وقد أذهبه الله عز وجل.

قيل: واسم هذا الترس الزلوق.

قيل: وكان له ترس آخر يسمى: الفتق, وترس آخر يسمى: الذقن, وترس آخر أبيض يسمى: الموجز.

$[رمح النبي صلى الله عليه وسلم]:$

وذكر علي بن محمد المدائني فيما ذكره أبو عبد الله القضاعي عنه أنه


#498#

كان للنبي صلى الله عليه وسلم رمح يقال له المنثوي أو المنثري شك المدائني, ذكره القضاعي في "تاريخه".

والمشهور أنهما رمحان المثوي والمنثني ذكرهما غير واحد.

وذكر الواقدي عن شيخه أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة, عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى: أن النبي صلى الله عليه وسلم أصاب من سلاح بني قينقاع ثلاثة أرماح.

وروينا عن أبي النضر هاشم بن القاسم، حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، حدثنا حسان بن عطية, عن أبي منيب الجرشي, عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«بُعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله وحده لا شريك له, وجُعل رزقي تحت ظل رمحي, وجُعل الذلة والصغار على من خالف أمري».

وحدث به الإمام أحمد في "مسنده" عن محمد بن يزيد – يعني الواسطي، حدثنا ابن ثوبان... فذكره, وفي آخره: «ومن تشبه بقوم فهو منهم».


#499#

وعلق بعضه البخاري في "صحيحه" عن ابن عمر بصيغة: ويُروَى.

ورواه أبو العباس أحمد بن علي بن مسلمة الأبار إملاء, حدثنا دحيم الدمشقي, حدثنا أبو حفص, عن صدقة بن عبد الله, عن الأوزاعي, عن يحيى بن أبي كثير, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بعثت بالسيف بين يدي الساعة, وجعل رزقي تحت ظل رمحي, وجعل الذل والصغار على من خالفني, ومن تشبه بقوم فهو منهم».

وكان له صلى الله عليه وسلم حربة كبيرة يقال لها: البيضاء, وحربة تسمى: النبعة ويقال: النبعاء, وأخرى تسمى: الهر, وحربة صغيرة يقال لها: العنزة, وهي دون الرمح, لها زج وهو الحديدة في أسفلها والنصل السنان, ويقال له وللزج: فصلان, ويقال أيضاً لهما: زجان.

وعنزة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه كانت تحمل بين يديه في العيدين, وتركز أمامه للصلاة.

صح عن عون بن أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي, عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم – بالبطحاء, وبين يديه عنزة – الظهر ركعتين (والعصر ركعتين) ... الحديث.


#500#

وله شاهد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم استوهب من الزبير بن العوام رضي الله عنه عنزته التي طعن بها في غزوة بدر أبا ذات الكرش عبيدة بن سعيد بن العاص في عينه, فمات فأعطاه إياها, فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم أخذها الزبير.

وقيل: هي العنزة المذكورة قبل, وكان الزبير رضي الله عنه أخذها من النجاشي.

قال هارون بن مسلم: حدثنا محمد بن عمر قال: سألنا عن هذه العنزة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إليها في أسفاره وتحمل بين يديه في العيد, فحدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة, عن عيسى بن معمر, عن عباد بن عبد الله بن الزبير, عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: لما هاجر الزبير بن العوام رضي الله عنه إلى الحبشة, وخرج مع النجاشي وأصحابه فقاتل معهم عدواً لهم, وكان سبب خروج الزبير مع النجاشي ذلك أن النجاشي لما أحسن جوار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أذاهم أهل مكة, فهاجر من هاجر منهم إلى الحبشة أمنوا عند النجاشي, ومال النجاشي إليهم وإلى الإسلام حتى أسلم بعد, فبينما هم عنده إذ خرج على النجاشي عدو له من وراء البحرين يقاتله, فاغتم لذلك المسلمون, وقالوا: قد كان النجاشي أحسن جوارنا ولا ندري لمن تكون الغلبة, وكيف يجاورنا غيره, فجعلوا يتطلعون الخبر يوم التقوا للقتال, فقال الزبير: أنا أعبر البحر على زق أو قربة, ثم آتيكم


#501#

بالخبر, فعبر البحر حتى وافى النجاشي, وقاتل معه عدوه, فأبلى فأعطاه النجاشي يومئذ هذه العنزة, فقاتل بها, فجعل يطعنهم بها حتى ظفر بعدوهم, ثم جاء مسرعاً يبشر المسلمين بالظفر, فاستبشروا بذلك, ثم كانت هذه العنزة عند الزبير يقاتل بها, فحضر بدراً وأحداً, ثم حضر بها خيبر, ثم أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم منه بعد منصرفه من خيبر, فكانت تحمل بين يديه صلى الله عليه وسلم يوم العيد يحملها بلال بن رباح ويخرج بها إلى أسفاره, تركز بين يديه يصلي إليها فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم [والأمر على ذلك] وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم, فهي اليوم على ذلك تحمل بين يدي الأئمة بالمدينة تكون مع المؤذنين.

وحدث حماد بن إسحاق, عن محمد بن يوسف وغيره عن مصعب بن عبد الله الزبيري, عن يحيى بن محمد بن عروة, عن هشام بن عروة, عن أبيه, أن هذه الحربة دفعها النجاشي إلى الزبير في بعض حروبه, فقاتل بها, ثم قدم بها معه, فلما كان يوم أحد أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم من يده فقتل بها أبي بن خلف.

كذا في هذه الرواية, والمشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ تناول الحربة من يد الحارث بن الصمة فقتل بها أبي بن خلف.


#502#

قال يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد: حدثنا وهب بن جرير بن حازم, حدثنا أبي, سمعت محمد بن إسحاق, حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: أن أبي بن خلف قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة: يا محمد إني أعلف العوذ في كل يوم فرقاً من ذرة أقتلك عليه, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل أنا أقتلك إن شاء الله» فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد على ذلك الفرس, فلما دنا تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة (الأنصاري), فقال بعض من شهد: أطعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكرهنا أن يبارز الخبيث, فقلنا: نحن نكفيكه يا رسول الله, فانتفض بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشعرا عن البعير, ولم يكن أحد يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الحرب إذا جد الجد فمضى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فطعنه في عنقه فتدهدا, عن فرسه مراراً, وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد خدش بعنقه خدشاً فرجع إلى قريش وهو يقول: قتلني والله محمد, قالوا: والله إن بك من بأس ولكنه ذهب فؤادك, قال: ويلكم إنه قال لي بمكة: «إني أقتلك» فوالله لو لصق إلي لقتلني, واختفت طعنته فمات منها بسرف في منصرفهم إلى مكة.

وقد جاء أن النجاشي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عنزات.

حدث حماد بن إسحاق, عن محمد بن عبد الله أبي ثابت المدني, حدثنا عبد الرحمن بن سعد المؤذن, عن عبد الله بن محمد بن عمار,


#503#

وعمار بن حفص, وعمر بن حفص المؤذنين ولد سعد القرظ المؤذن, عن آبائهم, عن أجدادهم, أن النجاشي بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث عنزات, فأعطى عمر واحدة, قال عبد الرحمن بن سعد: وهي التي عندنا, وإن عمر أعطى سعداً الأذان له ولعقبة وأعطاه العنزة, فقال: امش بها بين يدي كما كان بلال يمشي بها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه المجمر.

تابعه ذؤيب بن عمامة, عن عبد الرحمن بن سعد بنحوه, وفيه قصة إلا أنه قال: عن محمد بن عمار مكان عبد الله بن محمد بن عمار وقد تقدم بطوله.

وكان للنبي صلى الله عليه وسلم منطقة من أديم ميشور فيها ثلاث حلق من فضة وإبزيمها وطرفها من فضة.

ذكرها أبو الحُسَيْن ابن فارس اللغوي وغيره.

قال ابن القيم في "الهدي": لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم شد على وسطه منطقة.


#504#

قلت: جاء في قصة غزاة أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل بيته ليلبس سلاحه ويخرج ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فعمماه ولبساه, وصف له الناس ينتظرون خروجه, فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لبس لأمته وأظهر الدرع وحزم وسطها بمنطقة من أدم من حمائل سيف واعتم, وتقلد السيف وألقى الترس في ظهره.

هكذا رواه ابن سعد في "الطبقات" عن جماعة من الأشياخ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

والثمن الجنة لعبد الملك القاسم

سلسلة أين نحن من هؤلاء ؟  كتاب والثمن الجنة لعبد الملك القاسم  بسم الله الرحمن الرحيم  المقدمة  الحمد لله الذي وعد من أطاعه جنات عدن تجري ...