تفسير سورة القيامة
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة الناشر حامدا ومصليا
وبعد، فإن هذا تفسير سورة القيامة من تأليف أستاذنا الإمام عبد الحميد الفراهي رحمه الله، صاحب تفسير نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان، إنه قد ألفه بعد ما ابتكر أصولا راسخة لتفسير القرآن وبحث عن حقائقها، كما فصلها في كتابه "فاتحة نظام القرآن" وفي كتابه "التكميل في أصول التأويل" وغيرهما، ولعلها هي أول سورة فسرها على ما أنتجه من المناهج لتفسير القرآن وتأويله.
ولعله كان لاختياره هذه السورة كأول تفسير له وجه خاص، وهو أن الاقتضاب في تفسير هذه السورة كان ظاهرا على حد قد أعجز كبار العلماء وأذكياءهم عن حل معضلاتها، وأعياهم الكشف عن حقائقها، حتى أنهم قد جمعوا على أن هذه السورة مقتضبة لا نظم فيها ولا رباط. وإذ كان زعمهم هذا يخالف ما أسس عليه بنيان علم التفسير، اختار هذه السورة المشكلة أولا لتفسيره، واستدل بالبراهين الساطعة على أن هذه السورة من أولها إلى آخرها منتطمة في آياتها ومربوطة بالتى قبلها وبالتي هي بعدها، لا اقتضاب في أجزائها ولا انفكاك في أوصالها. وأما الذين يزعمون أنها منقطعة الأوصال، لا نظم في آيها ولا انسجام في جلمها، فهم لا يعرفون أساليب بيان القرآن ولا يدركون كنه بلاغته. كما ستعلم حين تدرس هذا التفسير.
هذا، وقد طبع هذا التفسير أولا بمطبعة فيض عام على كره، ولكن بعد هذا الطبع لما ردد الأستاذ الإمام فيه نظره، وجد فيه عدة مواضع جديرة بالإصلاح والتهذيب، فأصلحها وهذبها، ولكن بعد هذا التهذيب والتثقيف لم يطبع هذا التفسير مرة ثانية في حياته ولا بعد مماته، بل بقيت هذه النسخة المهذبة في مخطوطاته حتى الآن.
والدئراة الحميدية إذا أرادت طبع تفاسير الفراهي التي قد طبع من قبل بالخط الفارسي طبعة ثانية بالخط العربي، اختارت للطبع هذا التفسير أولا، لأنه هو أول تفسيره، ولأنه قد جاء فيه بإصلاح كثير فكأنه قد صار بذلك كالتأليف الجديد، واستحق السبق والتقديم.
وسيطبع بعد هذا من تفاسيره كلها، مطبوعة كانت أو غير مطبوعة. إن شاء الله تعالى. وفقنا الله خير التوفيق.
بدر الدين الإصلاحي
مدير الدائرة الحميدية سنة 1403 هـ
تفيسر سورة القيامة
بسم الله الرحمن الرحيم
لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ. أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ. بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ. بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ. يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ. وَخَسَفَ الْقَمَرُ. وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ. كَلَّا لَا وَزَرَ. إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ. يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ. بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ. وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ. لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. أن عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. ثُمَّ أن عَلَيْنَا بَيَانَهُ. كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ. وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ. وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ. إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ. وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ. تَظُنُّ أن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ. كَلَّا إذا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ. وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ. وَظَنَّ أنه الْفِرَاقُ. وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ. إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ. فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى. وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى. ثُمَّ ذَهَبَ إلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى. أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى. ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى. أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى. أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى. ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى. فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى. أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أن يُحْيِيَ الْمَوْتَى.[1]
بيان عمود السورة وربطها بالتي قبلها
(1) إعلم أن عمود هذه السورة إبطال ظن المنكرين بالقيامة والجزاء، وكان منشأ إنكارهم حب هذه العاجلة الفانية، فإن حب الشيء يبعد عن استماع ذكر خلافه. ثم استكبارهم عن الطاعة وتقوى الله لما غرهم أهلهم ومالهم، كما ذكر الله تعالى هذين الأمرين بقوله: ﴿كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ. وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ﴾[2] وبقوله: ﴿فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى. وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى. ثُمَّ ذَهَبَ إلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى﴾[3] وهذا تصوير من استغنى بأهله وماله. وتشبثوا في إنكارهم بشبهة عامة ذكرها القرآن بحكاية أقوالهم مرارا مثلا: ﴿أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَّخِرَةً﴾[4] أو ﴿هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ﴾[5] فاجابهم الله حسب حالهم بما يزيل عنهم الشبهة ويوقظهم عن الغفلة، فجمع في السورة من الزواجر والدلائل ما فيه بلاغ مبين.
ولما كانت السورة السابقة قد صرحت بحالهم من الاستكبار والإنكار وذكرتهم بتهويل شديد، قلل في هذه السورة من ذلك التصريح وخاطبهم بالدلائل. فكما أن الصناع ينفخ في الحديد أولا فيجعله نارا ثم يطرق عليه، فهكذا ربما يفعل بالكلام إذا صادف قوما خصيما مستكبرا. فهذه السورة مع لوافح الغضب في أسلوبها ليست بصراحة السورة السابقة كقوله تعالى فيها: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا. وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا. وَبَنِينَ شُهُودًا. وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا. ثُمَّ يَطْمَعُ أن أَزِيدَ. كَلَّا أنه كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا. سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا. أنه فَكَّرَ وَقَدَّرَ. فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ نَظَرَ. ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ. ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ. فَقَالَ أن هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ. أن هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ. سَأُصْلِيهِ سَقَرَ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ. لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ. لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ. عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ. وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ. كَلَّا وَالْقَمَرِ. وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ.وَالصُّبْحِ إذا أَسْفَرَ. إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ. نَذِيرًا لِّلْبَشَرِ. لِمَن شَاء مِنكُمْ أن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ. كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ. إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ. فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ. عَنِ الْمُجْرِمِينَ. مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ. وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ. وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ. حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ. فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ. فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ. كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ. فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ﴾[6] فترى فرقا واضحا بين هذا التصريح وما تجد في سورة نحن فيها الآن.
بيان أسلوب الكلام في هذه السورة
(2) ومع ذلك في أسلوب السورة بقايا الغضب، لما ترى فيها من ذكر عتو الإنسان واجترائه، ولما ترى فيها من التقريع والتخضيع في جوابها وخطابها، ولما ترى كثيرة الروع والاستفهام في آياتها، فالسورة من جهة الأسلوب غير منقطعة بل متصلة بالسبقة كما بيناه في الفصل الأول، ألا ترى قول الإنسان: ﴿أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ﴾[7] على غاية العتو والاجتراء. فإنه بعد إتمام الحجة لا يستطيع الإنكار بها، ولكن لمحض غيابها ولما أمهله الله رحمة يقول مستهزءا مستكبرا مستعجلا: ’أيان ذلك اليوم؟‘ فاستحق التقريع والتخضيع في الجواب، فما أخبر عن وقتها، ولكنه صور له حاله في ذلك اليوم. وعلى هذا الأسلوب ما جاء مرارا في القرآن فمنه قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ. يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ. ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾[8] فكهذا قوله تعالى: ﴿فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ. وَخَسَفَ الْقَمَرُ. وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ﴾[9] جواب يليق بإنكارهم. أي أنه اليوم مستبعد، مستعجل، مستكبر، ويقول أيان يوم القيامة؟ ولكنه حين رأى ذلك اليوم يقول: أين المفر؟ ومثل ذلك تصوير حاله في قوله تعالى: ﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ. تَظُنُّ أن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ. كَلَّا إذا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ. وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ. وَظَنَّ أنه الْفِرَاقُ. وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾[10] ومثل سؤاله استكبارا إعراضه عن الحق، كما قال تعالى: ﴿فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى. وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى. ثُمَّ ذَهَبَ إلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى﴾[11] فاتبع هذا قوله: ﴿أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى. ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى﴾[12] مطابقا لحاله على سبيل الحسرة، كما قال تعالى: ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون﴾[13] فإن كلمة "أولى" تستعمل للحسرة كما أن "ويلا" للمقت والزجر. قالت الخنساء:
هممت بنفسي كل الهموم فأولى لنفسي أولى لها [14]
وإنما التفت من الغيبة إلى الخطاب لتكون أشد، فلو قال: "أولى له فأولى" لم يبلغ هذا المبلغ. وإنما أجرى الكلام إلى آخر السورة على الاستفهام لمثل ذلك السبب، فالسورة من أولها إلى آخرها روع وتوبيخ.
الكلام جار على معنى متصل
وإنما أكثر القطع الظاهر والالتفات للدلالة على السخط
(3) لا نرى الحاجة إلى تفصيل مواقع الروع والاستفهام في هذه السورة، ولكن نشير إلى أمر مههم وذلك: أن الخطاب إذا كان على سبيل السخط ترى فيه كثرة الفصل، كان المتكلم يقف عن القول ويكظم غيظه، ثم يأخذ في أسلوب آخر ويختم الكلام بكلمة الروع، كما ترى الالتفات كثيرا في كلامهم بمثل قول الشاعر:
فدع ذا، وسل الهم عنك بحسرة [15]
ولك أن تقايس هذه السورة بسور العلق، والتكاثر، والهمزة، فإنهن متشابهات في هذا الأسلوب كتشابههن في إظهار السخط. ولكي تفهم هذا الأسلوب ومواقع الروع والسؤال، نوردها عليك بطريق موجز:
"أيحسب الإنسان أن لا نشر ولا جزاء،بل من الفجور يقول أيان ذلك؟ فاذا جاء لا مفر. كلا لا ملجأ له، وإلى الله المستقر. بل الإنسان مع البصيرة يتعامى، كلا بل يحب الدنيا ويترك الآخرة، كلا ما غناء الدنيا عنه إذا بلغت التراقى وسيق إلى ربه"
فترى كثرة الالتفات والقطع الظاهر ولكن الكلام جار على معنى متصل، وما ذلك إلا لاظهار السخط وشناعة أحوالهم. ومن الالتفات آية: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. ثُمَّ أن عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾[16] وسترد على تفسرها.
بيان وجه الاحتجاج في هذه السورة
(4) قد علمت مما قد قدمنا أن السورة بنيت على الزجر والتخضيع ولذلك يخفى وجه الاحتجاج على غير الممارس ببلاغة العرب، فإنه ينظر في الكلام من جهة الاخبار والاستد ل. فأردنا أن نكشف عن وجه الحجة بتجريد الكلام عن بوارقه، فتحمله الأبصار الضعيفة أيضا.
فنقول: إن وجه الكلام تحت قناع البلاغة هكذا: "كذب الإنسان بالقيامة وتولى عن الذكر، وحسب أنه يترك سدى ولا يجزى، وقد أنذر بها، فيسأل مستهزءا أيان يوم القيامة؟ فليعلم أنه لن يترك سدى بل أنه يحيي ثم يجزى، نجمع عظامه، ونسوى بنانه، وإنما هو في سكرة العمي، فيفتح بصره عند الواقعة، فيقر بهما إذا شهدت عليه بنفسها، بل قد شهدت نفسه اللوامة فهو بصيرة على نفسه، ولكن محبة هذه العاجلة أذهلته عن الآخرة، فينبغى أن يترك مليا كي يفهم. ألا يذكر الموت وفراق هذه العاجلة الذاهبة والرجوع إلى ربه؟ فيصدق ويصلى. أم لا يذكر خلقته؟ فيؤمن بأن المبدع قادر على إحيائه مرة أخرى، ولكن أين هذا من النظم البليغ الباهر؟
والذي يتدبر القرآن يرى تحت قوارعه حججه الدامغة كما قال تعالى: ﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ اللَّهِ﴾[17] وسينكشف لك وجه الحجة بعد النظر في مجموعها وفهم تأويلها. والآن نلتفت إلى أجزا السورة وشرح كلماتها بحول الله تعالى. وما توفيقى الا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
تفسير قوله تعالى: ﴿لا أقسم﴾
(5) في قوله تعالى: ﴿لا أقسم﴾9 لا منفصلة، أي باطل ما يحسب الإنسان. القول بزيادة "لا" سخيف جدا، بأنها متصلة سقيم لضعف المعنى ولتصريح القرآن بخلافه حيث جاء: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾[18] انظر تفسير هذه الآية.
وانفصال "لا" قبل القسم كانفصال "كلا" قبله كما قال تعالى ﴿كَلَّا وَالْقَمَرِ﴾[19] وتكرارها كتكرارها كما قال: ﴿كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ. ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾[20] وهذا الأسلوب شائع في كلامهم إذا أرادوا شدة الإنكار لظن سابق، لأن في تقديم "لا" دلالة على أن الكلام جواب ورد لما قيل من قبل. وعلى أن الإنكار به لا يحتمل مكثا، فإن القسم على الأكثر تاكيدا لإثبات، فإذا كان الإنكار ينبغى أن يصدر الكلام بالنفى ولذلك قالوا: لا والله. وإن قيل: والله لا، كان ضعيفا. فعلى هذا جاء قوله تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ﴾[21] ومنه قول النابغة الذبياني:
فلا لعمر الذي مسحت كبته
وما هريق على الأنصاب من جسد
والمؤمن العائذات الطير تمسحها
ركبان مكة بين الغيل والسعد
ما قلت من سئ مما أتيت به
إذا فلا رفعت سوطى إلى يدي[22]
وأيضا قوله:
فلا عمر الذي أثني عليه
وما رفع الحجيج من الا لال
لما اغفلت شكرك فانتصحني
وكيف ومن عطائك جل مالي [23]
وقول امرء القيس:
فلا وابيك ابنة العامري
لا يدعى القوم أنى أفر[24]
وفي هذه الشواهد من القرآن وكلام العرب كان القسم على الإنكار المحض، فجيء بذكر ما يتعلق به الإنكار. وأما إذا كان القسم على إثبات وإنكار معا كما وقع ههنا اتبع كلاما يناسب هذا الموقع.
فربما يذكر في الجواب الإثبات والإنكار معا كما قال تعالى: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ. وَمَا لَا تُبْصِرُونَ. إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ.﴾ هذا ذكر الإثبات ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ. وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ هذا ذكر الإنكار ﴿تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ﴾[25] أعاد الإثبات كما ثنى الإنكار.
ربما يحذف كلاهما ويؤتى بما يدل على المقسم عليه أو يتعمد على ظهوره من موقع الكلام كما ترى في قوله تعالى: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ. بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ)[26] فكذلك ههنا أيضا لم يصرح كل تصريح بالمقسم عليه. لما دل عليه ما يتلوه، ولما يفهم من نفس المقسم به ولما يفهم من الروع والتوبيخ، كما مر بك ذكره في الفصل الرابع، ولما مهد له في السورة السابقة كما بيناه في الفصل الأول.
معنى معاذير وفاقرة
(6) أما باقي ألفاظ السورة فمعروف، ولكن ربما يسأل عن كلمتين: معاذير وفاقرة. أما المعاذير: فاسم جمع للمعذرة وأصلها معاذر، في أمثالهم: المعاذر مكاذب، ثم زيدت الياء كما ترى في المناكير، وهذا المعنى أقرب إلى ظاهر الموقع مما قالوا أنه جمع معذار للستر بلغة اليمن. ويتضح لك هذا من تفسير الآية.
أما الفاقرة: فهي من أسماء الداهية، كأنها تكسر فقرات الظهرة، وهكذا القارعة وأسماء الداهية تستعمل للقيامة.
بيان المقسم عليه ووجه القسم بالقيامة
(7) القسم بالقيامة من التأنيب الشديد كأنه قال: سوف تعلمون ذلك اليوم. فأخرج الكلام مخرج التهويل، ومثل ذلك في قوله تعالى: ﴿وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ﴾[27] ويدلك على موقع سخط قوله تعالى بعده: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ﴾[28] وهذا الأسلوب أبلغ في خطاب المستعجلين كما قال: ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ. لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ )[29].
فهذه الأقسام من أشهاد الشيء بنفسه على نفسه لشدة الظهور، فإن القسم من الله تعالى بآياته الدالة، يراد به الأشهاد والاستدلال كما بينا في كتاب الإمعان في أقسام القرآن[30].
ثم هذا الأسلوب أنفع لهم لكي يتعلموا الصبر ويغتنموا المهلة، ولذلك كثر في القرآن الأمر بإمهالهم والإعراض عنهم، فإن أمراض النفس كادواء الجسم تعالج بأضدادها، كما ترى في قوله تعالى: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ. لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ. مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ. تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا. إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا. وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾[31] فلم يجب للسائل، بل أمر النبي بالصبر.
وربما يتبع التهويل حجة كما ترى في قوله تعالى: ﴿عَمَّ يَتَسَاءلُونَ. عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ. الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ. كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ﴾ -فهذا تهويل وزجر وتنبه، ثم اتبع ذلك حجة فقال- أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا. وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا. وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا. وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا. وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا. وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا. وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا. وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا. وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا. لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا. وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا﴾[32] احتجاجا بآياته الدالة على القيامة. فكذلك في هذه السورة بعد القسم بالقيامة على سبيل التهويل، أشهد بدليل هو من أقرب الأدلة. ولنذكره الآن.
بيان وجه القسم بالنفس اللوامة
(8) فاعلم أن القسم بالنفس اللوامة، إشهاد على النفس بصفتها التى فطرت عليها . فإن النفس تحس بأنها تحت ذمة وعليها حاكم يحاسبها. وإلا لماذا تلوم نفسها على بعض ما فعلت. وفي ذلك دلالة ظاهرة على الحساب والجزاء، لما أن فيها من فطرتها وازعا ورادعا لا يزال ينصحها وينهرها حتى تصير مطمئنة ومنقادة، فتدخل في حزب الله راضية مرضية فمع هذا الحس البديهي الذي سماه الله تعالى بصيرة بقوله:﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾[33] كيف يشك في يوم الجزاء إلا أنه ينكره بأن الله قادر على إحيائه. وهذا إثم كبير مع أنه حمق شديد. وذلك الظن الباطل حمله على إثم أكبر منه وهو فجوره وسوء أدبه بين يدي خالقه، فيسأل عنه ويستهزء به، ويبدى ما استكن في نفسه من مرض الشك.
وجه الجمع بين القيامة والنفس اللوامة
(9) إن في الجمع بين القيامة والنفس اللوامة أيضا دلالة على نسبة بينهما عند من يتدبر. فاعلم أن القيامة لوامة النفس الكلية، فإن العالم شخص واحد لمجاري أحواله على موافقة بعضها ببعض، وكما أن في كل إنسان لوامة على أفعاله السابقة، فكذلك للعالم نفس لوامة على ما جرى فيه، كان فيه قوة إصلاحه ولو لا ذلك لفسد، ولذلك ترى الكون بعد الفساد، والرجوع بعد الحيادة عن السبيل. فكم مرة كادت الأجرام تتصادم أو تخرج عن النظام، ثم كان صارفا أعادها على الصراط، وهذا بحث طويل الذيل وأهل العلم لا يرتابون في أن في العالم مصلحا ومرمما، وفي توالي الليل والنهار، والحر بعد القر. والمطر بعد القحط آيات على ذلك. وهكذا في جهة الأخلاق بر وفجور، وقسط وجور، وعلم وجهالة، وعمارة وخراب، وستجد بعض البسط في تفسير سورة الأعلى.
وجملة القول ههنا أن القيامة لوامة النفس الكلية فتريها ما فعلت، وقوله تعالى:﴿يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ)[34] عبارة عنه، كما أن اللوامة مثال قيامة فيك حقيقة أعمالك، وقوله تعالى: ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾[35] عبارة عنه. وهكذا كل نبي نفس لوامة لقومه، وخاتم الأنبياء لسعة بعثته هو النفس اللوامة لجميع بني آدم، وهو مثل القيامة ودينونة العالم.
جمع القسمين وقع حسب ربط ما بعدهما
(10) وكما جمع في الإشهاد بين القيامة والنفس اللوامة، فكذلك جمع ما بعدهما بين صفة القيامة أي وقائعها وصفة النفس اللوامة أي البصيرة، وأكد على ثبوت البصيرة بأن الإنسان مع تشبثه بالمعاذير وتسكينه اللوامة بها لا يستطيع أن يسكتها، فإنها لا تزال تلومه إلا أن تصير عمياء صماء بما ران على قلبه، وحينئذ يصدق عليه: ﴿خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ﴾[36] وعن هذه الجماعة الصم العمي أمر الله النبي بالصفح والإعراض كما قال:﴿فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ﴾[37] فههنا أيضا أمره بالاعراض عنهم كما ستعلم في تفسير قوله تعالى: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾[38].
بيان خسف القمر وجمع الشمس والقمر
(11) قد مر بك بعض تفسير قوله تعالى: ﴿فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ. وَخَسَفَ الْقَمَرُ. وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ. كَلَّا لَا وَزَرَ. إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ. يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ. بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ. وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾[39] وقد بينا وجه الكلام في الفصل الثالث، فالآن نتوجه إلى مضمون هذه الكلمات.
فاعلم أن الله تعالى صور بهذه الآيات هيأة القيامة حين تتجلى لهم فيبرق بصرهم، وشدة الفزع توقظهم عن رقدة الغفلات. أما كيف يخسف القمر أم كيف يجمع بالشمس؟ فاعلم أن أمور القيامة ليست من الأحول الجارية فتطابق بينهما إلا على سبيل العبرة. فإن الخوض فيها لا يزيد شيئا في التخويف الذي هو المطلوب الأهم من ذكرها. بل خفاء الكيفية أعظم تهويلا من بعض الوجوه لمن ايقن بها. وأما المنكرون الشاكون فيكفي لنا في جوابهم أن نقرب أحوالها إلى فهمهم بما علموا من مجاري الفطرة غير مقرين بأنها هي، بل إنها غير مستبعدة عما صح عندهم . فيقال لهم: إنكم لا تشكون في أن حرارة الأجسام تنقص آنا فآنا إذا كان ما حولها أبرد منها وكذلك زعمتم أن الأجسام تدرجت من الحرارة الشديدة والهوائية إلى السيلان ثم البرودة والجمود، وقد حققتم أن كثيرا من الأجرام انجذب إلى الشمس وألقى فيها، فإن صح عندكم هذه الأمور فيوشك أن ينجدب القمر وكذلك أرضنا إليها. والشمس يومئذ قليلة الحرارة فتدنو والإنسان حي، ويبرق البصر بنورها. ويخسف القمر أولا بذهاب نورها لقرب الأرض من الشمس، كما روي عن قتادة عن الحسن: "خسف القمر، ذهب نوره"[40] ثم يقع فيها، وهو المعنى الأصلى للخسف كما جاء غير مرة في القرآن، مثلا في قصة قارون: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾[41] وذلك لخروجه عن مداره.
وهذا يقع عند اقتراب الساعة، فإن الآن كما ترى صنع الله تعالى أتقن كل شيء، فتجري الأجرام في أفلاكها حتى يتم أمرها وتكمل مصالحها، كما قال تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ. وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ. لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾[42] أي حسب مستقرها من الله تعالى وتقديره، وكذلك في تقلب القمر الذي ينمو ثم يهزل، ومع تقاربهما بعد التباعد لا تقدر الشمس أن تدرك القمر، ولا الأرض أن تفر من الشمس، فلا يدرك نهار الشمس ليل الأرض، بل كل من الأجرام يسبحون في مدارهم، ففي ذلك آية لمن علم بتصرف الله فى خلقه على فناء العالم، وإن إلى الله الرجعى.
فإذا رمى بالقمر في الشمس وخسف به وقد رأوا دنو الشمس، خافوا أن تلقى هذه الأرض فيها وفزعوا ولا مفزع فقالوا أين المفر؟
هذا، والآن نرجع إلى شرح ما بعد هذه الآيات بحوله تعالى.
تفسير قوله تعالى:
﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾[43]
(12) الإنسان على نفسه بصيرة (مبالغة ذو بصرة)، وإذا كان الأمر هكذا، فالأولى أن يحث وينبه ثم يمهل، لكى يعمل فكره بعد ما سكن إنكاره ونفرته، ولذلك ’يا أيها النبي‘ لا تلق عليه تمام القرآن جملة، فإن جديد الكلام أشد تأثيرا، وفي تنزيل القرآن جملة لا يمكنك إلا تكرار كلام واحد. ثم في مكث تنزيل مصالح أخرى كما بينه، وهذا التفات إلى النبي. ثم ههنا التفات إلى الإنسان فقيل له: ’مع إنك بصيرة عليك إنما تنكر بالحق لكونك مشغولا بالعاجلة وتاركا نظرك في العاقبة. ولما كان ذلك من جهة غفلة الإنسان ورغبة في العاجلة المشهورة، نبهه عن الغفلة بتصوير الآخرة ﴿يوم تبيض وجوه وتسود وجوه﴾.
وههنا جمع الترغيب والترهيب، وأما في ما سبق من التصوير فلم يذكر إلا ما فيه الترهيب. وذلك لما صدر الكلام بذكر إنكاره، فما فرغ منه ذكر حالة الإنسان وسكن سورة الكلام قليلا. ثم ههنا رجوع إلى حالة الدنيا فذكر تصوير الموت، ثم رجع إلى ذكر حبه العاجلة واستعنائه بما أنعم به عليه، وكذلك رجع إلى ما بدء به السورة من الإنكار والجواب، ولكن ههنا ذكر الحجة وذلك بكونه مخلوقا مربوبا فلا يترك سدى.
ولما كان في الأول ذكر إنكاره واستهزائه لم يجب إلا بما يليق به، وأما في آخر السورة فكان قد تقدم ذكر شغله وسبب غفلته، نبهه على الدليل وجعله مقابلا لحاله.
تفسير قوله تعالى:
﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾[44]
(13) إعلم أن في أول النبوة كان موجزا ونزرا لقلة استعدادهم ولتنفرهم، ومن الحكمة الرفق والتلطف، فكانوا يمهلون ويصفع عنهم ريثما يهدء جماحهم ويسكن جأشهم. والنبي عليه السلام ربما يضيق صدره إذا فتر الوحي لهجوم المخاصمة عليه، وكان نزول القرآن له تسكينا وتثبيتا، فكان حاله بين الخصام والقرآن كحال الشجر الممطور في حر الهواجر ولفح الحرور. وزد على ذلك حرصه الشديد على إيمان الناس وتكميل الشريعة، قد قالوا: ﴿لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾[45] فلهذا الوجوه التي أشرنا إليها كان النبي عليه الصلوة يتشوق عند ما يوحى إليه، حتى أنه كان يقرءه بلسانه لكي يعيه ولا ينسى، فيتلقى وراء ذلك ليكون به أشد يدا وأكثر مددا في إبطال الباطل وإثبات الحق.
وقد أظهر الله تعالى عليه مصالح المهلة والتدريج في الأمور الإلهية في كثير من الآيات كما قال:﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا. وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾[46] فبين في هذا أن الإنسان قليل العزم فلا يحتمل جملة الشريعة إذا حمله دفعة واحدة. فلا تعجل بأن يقضي إليك القرآن بتمامه، بل خذ ما أعطيت منها واعلم أن لها بقية من تخفيف أو تكميل، واستزد علما من ربك، فبين مصلحة التدريج مجملا من جهة ضعف الإنسان.
وأما قوله: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. ثُمَّ أن عَلَيْنَا بَيَانَهُ. كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ. وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ﴾[47] فقد بين فيه مصلحة التدريج من جهة استعداد الإنسان للتربية, فإن الله تعالى أودعه بصيرة وتمييزا وشوقا إلى العلو فيسمو إليه حالا فحالا، ولكن تنازعه زخارف الدنيا وشهواته العاجلة، وهذا حب العاجل أيضا مودع فيه، كما قال تعالى: ﴿خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾[48] وقال تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا. إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا. وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا. إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾[49] وهذا لكى يبتليه ويخلص النضار من الخبيث، ففي الإنسان حب العاجل وشوق المعالى كلاهما مفطور وبذلك اجتهاده ومنه التربية. لينمو بذر الفطرة بقوته المودعة فيه، ولذلك نهى عن الإكراه في الدين.
فبعدما بين الله تعالى في الإنسان لوامة وعلما للدين وبصيرة، علم النبي كيف يربيهم فقال: لا ينبغى لك أن تعجل بالقرآن، فإن التدرج أمر مقضى عندنا وعليه يجري أمر التربية، والمربي الحق هو الله تعالى كما قال: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِيْ مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِيْ مَن يَشَاء﴾[50] ومثلها آيات كثيرة، فعليك أن تتلو عليهم ما يوحى إليك وسلى النبي صلى الله عليه وسلم بأن علينا جمع القرآن بعد هذا النزول المتفرق، ثم علينا قرأته حسب نظامه، ثم علينا بيانه بإضافة الآيات المبينة.
ثم بين أن عدم انتفاعهم بهذا القرآن ليس من جهة مكثه وتدريجه بل إنه لهو التدبير، ولكنهم يحبون العاجلة ويذرون الآخرة فهم عبيد المحسوسات وعمون عن الغيب، فإن الإنسان على نفسه بصيرة ولكنه يتعامى ويتغافل كفرا، فإن الله تعالى هداه السبيل ونصب له الدليل فكأنه قيل: "لا تعجل بأن تلقى عليهم النصائح جملة، بل تذكرهم وتصفح عنهم فينتفع به من صلح له، ولا تحرص على تلقي القرآن جملة مجموعا مرتبا كما يطلبون منك، فإن ذلك أقل نفعا من التدريج والإمهال."
ويقرب من هذا ما بين الله من حالهم، حيث قال: ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ. كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ. فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ. بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أن يُؤْتَى صُحُفًا مُّنَشَّرَةً -فأجاب الله بقوله- كَلَّا بَل لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ. كَلَّا إنَّهُ تَذْكِرَةٌ. فَمَن شَاء ذَكَرَهُ﴾[51]. فأوضح أن داءهم الذهول عن الآخرة، ويشبه ذلك أيضا ما جاء في سورة الأعلى: ﴿سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى. إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى. وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى﴾[52] " أي فلا تنسى للتدبير الصحيح فلا تقع في معضلة كما قال تعالى: ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى. إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى﴾[53] ﴿فَذَكِّرْ أن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى. سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى. وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى. الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى. ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى. قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى. وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى. بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾[54] انظر إلى الالتفات ههنا فإنه كالالتفات في قوله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ. وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ)[55] ويشبهه أيضا ما جاء في سورة الدهر، فأشهد الإنسان على نفسه بما يعلم بالبداهة من أنه لم يكن ثم جعله الرب سميعا وبصيرا وأراه سبيل الخير والشر وجعله مختارا، فصارا إما شاكرا وإما كفورا، ثم صور حال كلا الفريقين، فأوجز في ذكر الكفور وأطنب في ذكر الشكور، ثم التفت إليه فقال: ﴿إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا﴾[56] ثم التفت إلى النبي فقال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا. فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا. وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا. وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا. إنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا﴾[57] أي إنك لست في شيء من الذمة، إنا نحن نزلنا عليك القرآن نجما نجما، ولربك الحكم فاصبر له، ولا تلتفت إلى ما يطلب منك ذلك الكفورا من أن تأتي بالقرآن جملة، أو تنزل عليهم ملكا، أو صحفا من السماء منشرة وغير ذلك، فاصبر وانتظر تدبير الله, فأمره بالصفح والرجوع إلى الصلوة كما جاء كثيرا. ثم بين أن مرضهم محبة هذه العاجلة والإعراض عن الآخرة ثم صرح بأنك برى الذمة فقال: ﴿إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾[58]
فلا يخفى أن نظم المعانى في هذه الآيات يشبه نظم المعاني في ما نحن في تفسيره.
زيادة التوضيح لنظم الكلام
(14) قد أشكل هذا الالتفات على المفسرين لما خفي عليهم رباط الكلام، حتى أن القفال -رحمه الله- زعم أنه مما يقال للكفار يوم القيامة. والباقون لم يبعدوا عن بعض فحواه ولكنهم جعلوه كلاما مستأنفا غير مربوط بمضمون السورة، وظنوا أن النبي اعتراه العجل فكلمه جبريل ناهيا عن العجل. نعم أن نزول القرآن كنزول الغيث ينتظر تهيأ وانبعاثا لكى يطابق بالحال، وقد وقع عند القاء هذا الكلام أن النبي كان عاجلا لتلقي الوحي حرصا عليه لشدة حرصه على انذار قومه كما قد ذكرته في أول فصل 13 ولكن كان هذا دأبه وكثر في القرآن تسليته بأمثال هذه الكلمات.
ولما هذا الشوق لوجوه كثيرة جاءت التسلية على وجوه كما ذكرته آنفا، وظنوا أن العجلة المذكورة في هذه السورة كانت من خوفه الضياع والنقصان على القرآن، فنقول: نعم هكذا الأمر ولكن فيه غورا يستدعي تفصيلا.
فاعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما أوحي إليه كان يحسب أن حملا باهضا قد ألقي عليه فإن نسي منه شيئا كان مسئولا عنه، ومع ذلك أنه كان يشتاق إلى زيادة الوحي لعل قومه ينتفع به، فجاءت التسلية حسب هذين الأمرين مع رعاية وجه الكلام في هذه السورة، فكأنه قيل له: لم تجتهد هكذا في تلقى الوحي؟ أما حفظه وجمعه فعلينا، وأما هداية قومك فهم منهمكون في محبة العاجلة، فكثير القول وقليله سواء عليهم. وقد أراهم الحق بما جعل في نفوسهم من البصيرة.
فهذا كلام أجمل فيه ما فصل سورة الأعلى وسورة الدهر وهو الإعراض عنهم، وفصل فيه ما ترك مجملا في تينك السورتين وهو حفظ القرآن. والآن نبينه بعون الله تعالى فإنه من مهمات المسائل.
في حفظ القرآن وجمعه في عهد النبي
بوحي من الله.
وإن الإمامية موافقون بنا في ذلك.
(15) إعلم أن الله تعالى وعد حفظ القرآن مرارا إجمالا وتفصيلا، فقال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ. لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾[59] أي أنه مصون عن الزيادة. وقال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[60] وهذا قول في غاية الصراحة بنفى النقصان والتغير مع الدلالة على نفي الزيادة أيضا، فإن كل واحد من هذه الثلاث يخالف حفظ الكلام وهذا أمر ظاهر.
وأما ما اشتهر من أن الإمامية يقولون بذهاب بعض القرآن فخلاف تصريح علمائهم كالسيد المرتضى، وشيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسى، وأبي علي الطبرسى صاحب مجمع البيان، ومحمد بن على بن بابويه القمي الذي قال: "اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله على نبيه هو ما بين الدفتين وما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك، ومن نسب إلينا، أنا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب"[61] وأما رواياتهم فمثل رواياتنا لا يعتمد عليها لضعفها.
قال السيد المرتضى: "أن من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتد بخلافهم، فإن الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا اخبارا ضعيفة ظنوا صحتها، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته"[62] وللسيد المرتضى دلائل أخر تركناها. فإنا بسطنا الكلام في كتابنا تاريخ القرآن[63] وإنما نذكر ههنا ما يختص بهذه السورة.
فلا يخفي عليك أن قوله تعالى: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. ثُمَّ أن عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾[64] يحتوي على ثلاثة أمور:
الأول: أن القرآن يجمع في عهد النبي ويقرء عليه بنسق واحد، فإنه لو أنجز هذا الوعد بعد النبي لم يأمره بأتباعه وذلك قوله:﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾.[65]
والثاني: أن النبي مأمور بالقرأة حسب هذه القرأة الثانية التي تكون بعد الجمع، وليس للنبي أن يلقى عليه شيء من الوحي ولا يبلغه الأمة عقلا، ولما أمره الله تعالى في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾[66]، وقوله تعالى ﴿مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ عام ولا يخصه العقل، فكل ما أنزل إلى الرسول من أمر الرسالة لا بد ان يبلغه الأمة، ونظم القرآن وصورته منه، فكيف يترك تبليغه وهو مما أنزل إليه، فلا شك في أن النبي -عليه السلام- علم الأمة قرأة السورة بسق آياتها.
والثالث: أن بعد هذا الجمع والترتيب بين الله ما شاء بيانه من التعميم، والتخصيص، والتكميل، والتخفيف.
وقد علمنا وقوع هذه الأمور الثلاث: فإن النبي كان يقرء عليهم سورة القرآن كاملة، وهذا لا يكون إلا بعد أن قرئ عليه بنسق خاص فأخذوها منه، وكان يأمرهم بوضع الآيات بمحلها اللائق بها، ثم بعد ذلك اذا انزلت عليه آيات مبينة ضمها بالقرآن. فترى هذه المبينات ربما وضعت بجنب ما تبينه، وحينا في آخر السورة إن كانت متعلقة بعمودها. وترى في أكثر هذه الآيات تصريحا بأنها بيان من الله تعالى كقوله عز من قائل: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ﴾[67] ثم عرض عليه جبريل الأمين عرضة أخيرة بعد تمام القرآن كما جاء في الخبر الصحيح المتفق عليه, فأتاه القرآن بتمامه مرتب السور، فكان مواقع السور فيه مثل مواقع الآيات مما ألقي عليه، وعلم الأمة كما تلقى من الروح الأمين، فليكفنا هذا القدر ههنا.
تفسير قوله تعالى:
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ. إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ. وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ. تَظُنُّ أن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ﴾[68]
(16) إعلم أن قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ. إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ. وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ. تَظُنُّ أن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ﴾[69] تصوير لحالتي المصدقين والمكذبين، فوجوه يومئذ باسمة سرورا لما ينتظرون من رحمة الله، ووجوه (يومئذ) كالحة لما يخافون عذابه، كما قال في سورة عبس: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ. ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ. وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ. تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ﴾[70] وكما بين أمرين للمكذبين: من البسور وسوء الظن، فكذلك بين للمصدقين أمرين: نضرة الوجوه والاستبشار بثواب الله تعالى. والثاني كالسبب للاول، فإن السرور والحزن يظهران في لون الوجه، كما قال متمم بن نويرة:
ولوعة حزن يترك الوجه أسفا[71]
وهذا كثير.
فالنظر في الآية هو نظر من ينتظر من ربه رحمة ويرجو منه نعمة. ولا يغرنك كلمة "إلى" فإنها ربما لا تكون للجهة المكانية لا سيما إذا استعملت بالنسبة إلى الرب تعالى، ألا ترى استعمالها في قوله تعالى: ﴿وَتُوبُوا إلى اللَّهِ﴾[72] وقوله تعالى: ﴿فَفِرُّوا إلى اللَّهِ﴾[73] وقوله تعالى: ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾[74] وقوله تعالى: ﴿وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾[75].
ثم إن المؤمن يعظم ربه فيجعل له المكان في السماء وهو مصيب في ذلك من وجه، فإن الله تعالى محيط بكل شيء. فربما يدعوه ويرفع نظره إلى السماء مناجيا له ومتوجها إليه، وشتان بين هذا النظر والرؤية. أنظر كيف جاء في زبور 123:
"إليك رفعت عينى يا ساكنا في السماوات هوذا، كما أن عيون البعيد نحو أيدي سادتهم وكما أن عيني الأمة نحو يد سيدتها، وهكذا عيوننا نحو الرب آلهنا حتى يترحم علينا، ارحمنا يا رب ارحمنا "[76]
وأما تمسك الإمام أبي الحسن الأشعري بهذه الآية, فكان رحمه الله مبتلى بالمعتزلة فكان يجادلهم على طريقهم ويفحمهم . ألا ترى كيف اضطرهم إلى القول بأن "إلى" هو واحد آلاء وضعفه ظاهر. ولكن الحق الأبلج أن الاستدلال على رؤية الله تعالى بقوله: ﴿إلى ربها ناظرة﴾، والجواب بأن "إلى" واحد آلاء، كلاهما من الوهم. والجهل بلغة العرب وشئون الكلام. فالآلاء ليست بمعنى النعم كما بيناه في كتاب مفردات القرآن[77]. ثم مع الايمان بالتنـزيه ما لنا وللخوض في ذات الله، أليس ذلك من علامات ذهاب الدين؟ فأحذرك عنه وتفصيل المسألة في كتاب عيون العقائد.[78]
الاشارة من مجئ يفعل مجهولا
(17) في قوله تعالى: ﴿تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ﴾[79] مجئ يفعل بصيغة المجهول إلى أن العذاب إنما يخاف من جهة أنفسنا كما أن النعم تنظر من الله، وصرح بذلك في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾[80] وعلى هذا الأسلوب قوله تعالى: ﴿غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾[81] فلم ينسب الغضب إلى نفسه كما نسب الإنعام في قوله: ﴿أَنعَمتَ عَلَيهِمْ﴾[82] وهذا للتنبيه على رحمته العامة. ولكن اذا أراد عموم عدله ونفاذ سنته نسب كل ما يقع إلى ذاته المقدسة. والأصل في ذلك أن المعبود محبوب عند كل عابد إلا من كان في أسفل درجات الإنسانية، فلا يرجون منه إلا الحسنى، ويدعونه بأسماء تدل على الرحمة وشرح ذلك في تفسير آية ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾.
وإذا قابلت هذه الآية بالتي سبقتها في صفة المؤمنين، بدا لك أن المؤمنين منتظرون قربة من الله، والمكذبين قد يئسوا من رضوانه وعلموا بأنهم مبعدون، كما قال تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ﴾[83]
تقسير قوله تعالى:
﴿إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ﴾[84] وقرأة الفاصلة بالوقف وحذف الياء
(18) في قوله تعالى: ﴿إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ﴾[85] الضمير للنفس كما جاء في سورة الواقعة ﴿فَلَوْلَا إذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ﴾[86] وإنما لم يذكرها لعلمهم بها وتعودهم بهذا الحذف كما قال الحاتم الطائي:
اماوي ما يغني الثراء عن الفتى
اذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر[87]
وهذا الحذف من مثل ما جاء في القرآن: ﴿مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾[88]
ثم في الآية أمر آخر من جهة القرأة، وذلك أنه لا خلاف بين العلماء في أن النبي عليه السلام كان يقف على آخر الآيات أي يقطعها، فإن الفواصل إنما جاءت متشابهة لأمر صوتي، وإما وصل المعنى وفصله فأمر آخر، كما ترى في الأشعار، والأسجاع.
وقد علمنا من كلام العرب أنهم ربما يحذفون الياء من آخر الكلمة لاسيما الساكنة، كما ترى في قوله تعالى: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾[89] وأصله ديني، وذلك كثير في القرآن في الفواصل، وجاء في غير المقاطع أيضا في أشعار العرب.
قالت الخنساء:
وتعذرت افق البلاد
فما بها وشل لمائح
تذري السوافي على السوا
م واجدبت المسارح[90]
فحذفت الياء من آخر السوافي وهو في حالة النصب مثل التراقي. وقالت الخنساء:
فيا عين بكى لامرئ طار ذكره
له تبكي عين الراكضات السوابح[91]
حذف ياء تبكي وأنشد سيبويه في كتابه:
فطرت بمنصلى في يعملات
دوامي الأيد يخبطن السريحا[92]
فحدفت الياء من آخر الأيدي.
وإذ قد شاع في كلامهم حذف الياء الساكنة، والياء في "التراقي" على تقدير الوقف ساكنة فلا يبعد أن تحذف الياء ثم تسكن القاف كما رأيت في المثل: ﴿وَلِيَ دِينِ﴾[93] و﴿فَبَشِّرْ عِبَاد﴾[94] و﴿بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ﴾[95]
تفيسر قوله تعالى:
﴿وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ﴾[96]
(19) ﴿وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ﴾[97] حكاية عن شدة الأمر حين لا يلتفت إلى الذي قال، كأن هذا القول بنفسه أذهل عن ذكر القائل وكان كلهم شريك في هذا القول، فالمجهول ههنا أبلغ. و"من" قبل النكرة تجيء لشدة الطلب أو عند غلبة اليأس. قال طرفة:
إذا القوم قالوا من فتى؟ خلت أنني
عنيت، فلم أكسل ولم اتبلد [98]
وقالت الخنساء:
يعطي الجزيل ولا يلحي الخليل ولا
يغى السبيل إذا ما قبل من هاد[99]
في البيتين سؤال عند شدة الحاجة، ولكن في الثاني طرفا من اليأس. وربما ينتهي اليأس إلى الإنكار كما هو العادة في الاستفهام في جميع السنة المشهورة. ومنه قوله تعالى:﴿مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء﴾[100].
والاستفهام للإنكار شائع ولكنى أردت الاستشهاد على مجيء النكرة بعد مَن، وكشف معناها في هذا التركيب الخاص: فإن الآية محتملة لوجهين ولكن المآل واحد. الأول أنه إذا جاءت سكرة الموت وحشرجت النفس وقالت العواد إضطرابا، كما أن الغريق يتشبث بالحشيش، ألا راق فيداويه؟ والثاني: أنهم قالوا قد حم الأمر وانقطع العمر، فأي راق يشفيه؟ وهذا لشدة يأسهم. وحينئذ أيقن المحتضر أنهم أسلموه وودعوه وعلم أنه الفراق. والعرب قد نطقت بهذا المعنى، قالت الخنساء:
لكن سهام المنايا من يصبن له
لم يشفه طب ذي طب ولا راق [101]
وقال عدي بن زيد:
أو تكن وجهة فتلك سبيل
الناس لا تمنع الحتوف الرواقي [102]
فوضعت المعنيين بين يديك فخذ بأيهما شئت، ولا حرج إذا كان المآل واحد، وأما أنا فأرى الوجه الثاني أحسن لقربه من نظام الكلام كما علمت وستعلم.
تفسير قوله تعالى:
﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾[103]
(20) معنى ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾[104] أن لا يقدر المرء على المشي، ويكون هذا من شدة الضعف، فانه إذا مات تبين أن قد التقت ساقاه بعد أن كان جوالا، كما قال دريد بن الصمة:
فإن يك عبد الله خلى مكانه
فما كان وقافا ولا طائش اليد
كميش الازار خارج نصف ساقه
صبور على الضراء طلاع أنجد [105]
وتصوير الضعف بالتفات الساق أمر ظاهر، وجاء في كتب الأنبياء فمعنى الكلام أنه بعد ما يئس منه الطبيب وودعه القريب وخانه أطوع أعضائه، فكيف يكون مآله؟ وهو مسوق إلى ربه قليل الأزر كيثر الوزر.
و’الساق بمعنى شدة الأمر‘ قول من لا يعرف من علم اللسان غير اسمه، فلا يميز بين دلالة المجموع ودلالة الأجزاء، الكشف عن الساق إنما يدل بمجموعه على الجد والتشمير، والكشف هو الكشف والساق هي الساق.
و وهم الرواة فيما رووا عن ابن عباس رضي الله عنه: أنه آخر أيام الدنيا وأول يوم من الأيام الآخرة. فإنه لو صح فهو بيان الواقعة وليس بتفسير للساق.
بيان ربط قوله تعالى:
﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾[106]
(21) بعد ما علمت المراد من التفات الساق بالساق، تبين لك حسن موقع المساق، فإنه يخبرك عن شناعة غفلته عن التهيؤ لذلك المساق. وقد انتهى انهماكه في الدنيا إلى ما ترى من انقطاع سعيه ويبس ساقه، فكيف يكون مسيره إلى ربه؟ وهذا الكلام ينبهك إلى ما يتلوه كاشفا عن عدمه وسوء فقره، فإنه لو عمل صالحا وكان صدق وصلى لرفع بهما، فكانتا له مثل جناحين. قال الله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾[107].
وهذا التأويل الذي هو ظاهر بنفسه أيضا مناسب لما جاء بعد ذلك من قوله تعالى: ﴿ثُمَّ ذَهَبَ إلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى﴾[108] فهذا يقابل حاله حين ذهب عنه التمطي وصار ملقى على نشعه ملفوفا في كفنه. وقد ذكر بأسلوب المقابلة حالة سوق الإنسان إلى ربه ومسيره في سفره الذي يشق الأنفس في سورة الانشقاق، فانظر هناك تجد مزيد بيان لهذا التأويل.
موقع الصلاة في الدين
(22) لا نرى الحاجة إلى شرح ما بقي من الآيات، فإني أرجو أنك الآن على طريق جدد، غير أنا نشير إلى أهمية الصلاة إشارة. وبسطنا الكلام عليه في كتاب أصول الشرائع[109].
فاعلم أن الصلوة والزكوة أول الشريعة وبهما يتحقق الإيمان وفي القرآن آيات كثيرة تدل على ذلك، وهكذا قال المسيح -عليه السلام- مصرحا حين سئل عن أول الشرائع. ومن قال: إن مجرد الإيمان يكفي فبئس ما فهم من الإيمان، أين الإيمان المجرد عن العمل؟ أنظر تفسير قوله تعالى: ﴿يَتَسَاءلُونَ. عَنِ الْمُجْرِمِينَ. مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ. وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ. وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ. حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ. فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾[110] تجد هناك ما يكشف عن رفيع منزلة الصلوة، وكذلك أنظر تفسير قوله تعالى:﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾[111] وقوله تعالى: ﴿أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾[112] وآيات أخر. فقد اتبع ترك الصلوة الغي والتكذيب والحرمان من الشفاعة. وبين لنا الله تعالى أن الصلوة تشق إلا على المومنين حقا، حيث قال: ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ. الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾[113] هذا. وتجد بعض البسط في تفسير سورة الفاتحة والبقرة وغيرهما.
ربط السورة بالتي بعدها
(23) قد علمت ربط هذه السورة بالتي قبلها مما مر في الفصل الأول، وعلمت أن الكلام يجري من غاية الشدة والتصريح إلى حد وسط، ويبين الدليل ويرفع الشبهة مع بقية التوبيخ والزجر، ولكن السورتين تخاطبان المنكرين. ثم في سورة الدهر ترى الالتفات إلى المؤمنين، كان الخطيب قد فرغ من الكافرين فأعرض عنهم. مع أن عمود هذه السور الثلاث واحد، فوجه الكلام فيهن من الشدة إلى اللين، ومن الزجر والنهر إلى الإعرض والإمهال، لكي يتفكروا ويرجعوا إلى أنفسهم. هذا. ويتضح لك نظام هذه السور بعضها ببعض كل الاتضاح، بعد ما رأيت تفسير كلهن. ذلك، والله تعالى أعلم وعلمه أحكم؟
[1] القيامة 75: 1-40
[2] القيامة 75: 20- 21
[3] القيامة 75: 31-33
[4] النارعات 79: 11
[5] المومنون 23: 36
[6] المدثر 74: 11-51
[7] القيامة 75: 6
[8] الذاريات 51: 12 _ 14
[9] القيامة 75: 7- 10
[10] القيامة 75: 24- 29
[11] القيامة 75: 31- 33
[12] القيامة 75: 34- 35
[13] يسين 36: 30
[14] ديوان الخنساء: ص 121 مطبعة دار صادر بيروت سنة 1383هـ
[15] هذا الشاعر هو امرؤ القيس. وقوله هذا في ديوانه بشرح حسن السندوبي ص 87 الطبعة الثالثة سنة 1373هـ مطبعة الاستقامة بالقاهرة. وشطره الثاني: "ذمول إذا صام النهار وهجرا"
[16] القيامة 75: 16- 19
[17] الزمر 39: 23
[18] الواقعة 56: 75- 76
[19] المدثر 74: 32
[20] التكاثر 102: 3-4
[21] النساء 4: 65
[22] ديوان النابغة ص 35 و36 مطبعة دار صادر بيروت سنة 1379هـ
[23] المصدر السابق ص 97. في الديون: "إلى الال "مكان "من الالال". الال:جبل بمكة.
[24] ديوان امرئ القيس بشرح السندوبي ص 94 مطبعة الاستقامة بالقاهرة.
[25] الحاقة 69: 38- 43
[26] ص 38: 1- 2
[27] البروج 85: 2
[28] البروج 85: 4
[29] الواقعة 56: 1- 2
[30] هو كتاب قيم لا نظير له في تحقيق أقسام القرآن وحكمتها، طبع طبعته الثالثة بالكويت سنة 1400هـ
[31] المعارج 70: 1-7
[32] النباء 78: 1- 16
[33] القيامة 75: 14
[34] القيامة 75: 13
[35] القيامة 75: 14
[36] البقرة 2: 7
[37] النجم 53: 29 _ 30
[38] القيامة: 75: 16
[39] القيامة 75: 7 _15
[40] جامع اليان في تفسير القرآن للإمام الطبري، تفسير سورة القيامة، الجزء التاسع والعشرون ص 97 طبع بالمطبعة الميمنية بمصر سنة 1321هـ، ونصه فيه هكذا: "حدثنا ابن عبد الأعلى قال ثنا ابن ثور عن معمر عن فتادة عن الحسن وخسف القمر هو ضوءه، يقول: "ذهب ضوءه".
[41] القصص 28: 81
[42] يسين 36: 37- 40
[43] القيامة 75: 14
[44] القيامة 75: 16
[45] الفرقان 25: 32
[46] طه 20: 114- 115
[47] القيامة 75: 16-21
[48] الانبياء 21: 37
[49] المعارج 70: 19- 22
[50] القصص 28: 56
[51] المدثر 84: 49-53
[52] الأعلى 87: 6 -8
[53] طه 20: 2-3
[54] الأعلى 87: 6- 17
[55] القيامة 75: 20-21
[56] الدهر 76: 22
[57] الدهر 76: 23- 27
[58] الدهر 76: 29
[59] فصلت 41: 41- 42
[60] الحجر 15: 9
[61] الاعتقادات لابن بابويه القمي، طبع إيران سنة 1224هـ
[62] لم أجد مرجع هذا القول نفسه إلا ما نقل عنه مفسر شيعى أبو علي الطبرسي المتوفى سنة 548هـ في كتابه مجمع البيان في تفسير القرآن ص 5 ج 1 طبع إيران سنة 1284هـ
[63] هو من مؤلفاته القيمة التي لم يتيسر له إتمامها، وأما ما كان في مخطوطاته من هذا الكتاب فهو أيضا لم يطبع إلى الآن. ولكنه سيطبع عن قريب إن شاء الله تعالى.
[64] القيامة 75: 17-19
[65] القيامة 75: 18
[66] المائدة 5: 67
[67] البقرة 2: 187
[68] القيامة 75: 22- 25
[69] القيامة 75: 22- 25
[70] عبس 80: 37 - 41
[71] صدره: "فقلت لها طول الأسى إذ سألتني". جمهرة أشعار العرب ص 267 مطبعة دار صادر بيروت 1383هـ
[72] التحريم 66: 8
[73] الداريات 51: 50
[74] المزمل 73: 8
[75] الانشراح 94: 8
[76] الكتاب المقدس ص 633 المزمور المائة والثالث والعشرون. طبعة خامسة بيروت سنة 1890 م. في الأصل: "حتى يتراف علينا" مكان "حتى يترحم علينا".
[77] هو كتاب محكم في تحقيق الألفاظ المفردة القرآنية التى اختلفوا في معانيها وأخطاوا في تعيين مرادها، فإن قد كشف القناع عن وجهها في ضوء القرآن الحكيم وكلام العرب القديم، وبذلك أنه لم يترك مجالا لأحد للاختلاف فيها. نشرته الدائرة الحميدية سنة 1358هـ.
[78] هو من كتبه الهامة في تحقيق العقائد الإيمانية، قد أسس بثيانها على ما دل عليه القرآن صراحة بدلائله الفطرية، وبذلك أنه حسم جرثومة الأباطيل التي أدخلها المتكلمون فيها منذ قرون مديدة نشرته الدائرة الحميدية سنة 1395هـ
[79] القيامة 75: 25
[80] الشورى 42: 30
[81] الفاتحة 1: 7
[82] الفاتحة 1: 7
[83] المطفيفن 83: 15
[84] القيامة 75: 45
[85] القيامة 75: 45
[86] الواقعة 56: 83
[87] شعراء النصرانية الجزء الأول ص 109 مطبعة الآباء اليسوعين بيروت 1890م في الأصل "نفس" بدل "يوما" ولكن في الهامش: ويروي "يوما"
[88] فاطر 35: 45
[89] الكافرون 109: 6
[90] أنيس الجلساء في ملخص شرح ديوان الخنساء ص 14، المطبعة الكاثوليكية بيروت سنة 1895م في الأصل "لمانح" مكان "لمائح"، السوافي جمع السافيا: الغبار. والضمير في تذري لأفق البلاد وتأنيثها لتأنيث المضاف إليه. والسوافي للغبار جاء في شعر مالك بن ريب التميمي:
بأنكما خلفتمان بقفرة تهيل على الريح فيها السوافيا
(جمهرة أشعار العرب ص 271 مطبعة دار صادر بيروت سنة 1963م ) وأما السوافي للريح فيجي أيضا، وحينئذ السوافي في حالة الرفع. (من إفادات الفراهي رحمه الله )
[91] المصدر السابق ص 20
[92] كتاب سيبويه الجزء الثاني ص 291 الطبعة الأولى بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 1317هـ. في الأصل: "وطرت " مكان "فطرت".
[93] الكافرون 109: 6
[94] الزمر 39: 17
[95] ص 38:8
[96] القيامة 75: 27
[97] القيامة 75: 27
[98] شعراء النصرانية الجزء الأول ص 302 طبع في مطبعة الآباء اليسوعين في بيروت سنة 1890م
[99] أنيس الجلساء في ملخص شرح ديوان الخنساء ص 27 في الأصل يلجي الجليل ولكن الصواب عند الفراهي: "الخليل"
[100] القصص 28: 71
[101] المصدر السابق ص 102
[102] شعراء النصرانية الجزء الأول ص 454، بيروت سنة 1890م
[103] القيامة 75: 29
[104] القيامة 75: 29
[105] ديوان الحماسة لأبي تمام الجزء الأول باب المراثي ص 338 و339 مطبعة السعادة بجوار محافطة مصر، سنة 1346هـ في الأصل "بعيد من الآفات" مكان "صبور على الضراء "
[106] القيامة 75: 30
[107] الفاطر 35: 10
[108] القيامة 75: 33
[109] هو من أهم كتبه، قد ذكر فيه أصول الشرائع وعلاقتها بالإيمان وأصل العبودية والتقرب إلى الله ولكن لم يتيسر له إتمامه فيا للأسف! وأما ما كان منه في مخطوطاته فهو أيضا إلى الآن غير مطبوع، ولكنه سيطبع عن قريب إن شاء الله تعالى.
[110] المدثر 74: 40- 48
[111] الزخرف 43: 36
[112] مريم 19: 59
[113] البقرة 2: 45- 46
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق