دعاء الاموات لمشاري

نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}}

نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}}

نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}}

 نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}

Translate

الجمعة، 3 مارس 2023

الأطفال بهجة الحياة وأمل المستقبل

الأطفال بهجة الحياة وأمل المستقبل

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، هدانا لدين الإسلام، وأكرمنا بسنة خبير الأنام، وصلى الله على سيدنا محمد، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وعلى آله وصحبه الأخيار الأطهار، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمّا بعد:

فإن للأبناء حقوقاً في الإسلام، يجب القيام بها على أحسن وجه، وذلك أن تربية الطفل لها من الأهمية الشيء الكثير، فهي تؤثر في حياة الفرد ونموه، من خلال عملية التعليم والتوجيه؛ التي يقوم بها الأهل نحو أبنائهم؛ لتكوين جيل واعٍ، يدرك المسؤولية، وينشأ وفق منهج إسلامي أصيلٍ في عقله، وجسمه، وروحه.

والراشدون الكبار يؤثرون في سلوك الطفل، عن طريق التوجيه، وتعزيز سلوك الصغار، والعناية بهم، والابتسام لهم في حال قيامهم بعمل جيد، مما يساعد على خلق سلوك طفلي يبدأ بالتقليد، وينتهي بالسلوك الانتقائي في التعامل مع الآخرين.

وأهم عملٍ يقوم به الوالدان هو الضبط السلوكي؛ الذي يترك آثاره واضحة على الأبناء.

وقد دعا الإسلام بمنهجه الأصيل إلى الضّبط الإيضاحي؛ الذي يمتاز بالهدوء، وإتباع منهج معقول، فيكون الضبط رداً على قيام الطفل بخطأ معين.

وفي هذا التوجيه تربيةٌ منهجية، مما يعلم الطاعة والنظام.

والملاحظ على دعوة النبي e في تربية الأولاد: الرحمة، والحنان، في أسلوب جذاب وشيق للتعليم، يأخذ بأيدي الصغار برفق، ويدلهم على طريق الخير بتؤدة، وصولاً للإتقان، وتحقيق الأهداف السلوكية.

وهذا الكتاب حقائق عن تربية الأولاد في الإسلام، من خلال عرض قواعد التربية الصحيحة السليمة، استناداً إلى آيات القرآن الكريم، وأحاديث رسول الله e، وأقوال العلماء والحكماء.

وقد اعتنيت بالحديث عن تربية الروح، كما اهتممت بتربية الجسد، وحذرت من مخاطر إهمال تربية الأولاد، وبينت أن أساس بناء الوالدين في تنشئة الجيل، وعظمة دورهما في بناء الفرد والمجتمع.

وقد قامت دار الكلم الطيب بالعناية بهذا الكتاب كدأبها بكتبي السابقة، من: ضبط النص، وتخريج الأحاديث الواردة من مظانها الحديثية، وتصحيح تجارب الطباعة، ومن ثم إخراج الكتاب بأجمل حلة، وأبهى منظر. راجية من الله تعالى حسن القبول، وأن يكتب ثواب عملها هذا وغيره في صحائف القائمين عليها، والعاملين فيها.

اللهم اجعلنا من خير الآباء، واجعل زوجاتنا من النساء الصالحات، وقونا لتربية أولادنا التربية السليمة؛ ليكونوا خير الأبناء.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً يا أرحم الراحمين، واجعل ثواب هذا الجهد في صحائف والدنيا الذين سبقونا إليك بإحسان، والحمد لله رب العالمين.

وكتبه

هشام عبد الرزاق الحمصي

أبو هاني


الفصل الأول

الوسائل المعينة في التربية الناجحة

ما أشبه المربي بالطبيب يحتاج إلى معرفة أحوال من يعالجه؛ ليصف له الدواء، أو العلاج المناسب. والرسول e- وهو خير من وجه، وربى، وأرشد- كان يجيب كل سائل بما يراه، ناصحاً له، أو رادعاً وزاجراً.

فهذا رجلٌ يعرف الرسول eفيه شدة الغضب يسأله: أوصني، يجيبه: ((لا تغضب)) يسأله: أوصني، يجيبه: ((لا تغضب)) فيردد مراراً: أوصني، ويبقى الجواب: ((لا تغضب))[1]. فالحلم دواؤه المناسب.

وذاك آخر يعرف منه التأخر عن الصلاة الجماعة يستنصحه، فيجيبه: ((الصلاة على وقتها))[2] مبيناً له أنها من أحب الأعمال إلى الله تعالى.

ولعل أفضل الوسائل التي استخدمها الرسول e في تربيته للمؤمنين، هي من أفضل الوسائل التي اعتمدت عليها التربية الحديثة، والتي سبق إليها، ولعل أهمها:


1- القدوة الصالحة في القول والعمل:

وقد كان الرسولe القدوة الصالحة، والأسوة الحسنة في كل بر، ومكرمه، وطاعة، يفعل أكثر مما يقول، ويتمثل كل ما يدعو إليه، وكان على خلق عظي يقتدى به:

) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ( الأحزاب: ٢١

)  وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ( القلم: ٤

يقول لهم: ((صلوا كما رأيتموني أصلي))[3]

((خذوا عني مناسككم))[4]

فإذا حمي الوطيس كان أقرب الناس إلى العدو، يقارع الباطل، ويضحي بالنفس والنفيس.

أما في أمور الدنيا فيريد منهم أن يفيدوا من التجربة، والملاحظة وسنن الله الكونية، ويدرسوا قوانين العلم والحياة؛ ليسعدوا في دنياهم وأخراهم، فيقول لهم: ((أنتم أعلم بأمور دنياكم))[5].


(2) الطريقة التقريرية:

وهي التعليم والتوجيه المباشر، وتصلح للصغار، مثل: ((يا غلام! سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك))[6].

((يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك. احفظ الله تجده تجاهك. تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة. وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً. واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك، أو يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. رفعت الأقلام وجفت الصحف))[7]

(3) الطريقة الاستنتاجية:

وهي البدء بسؤال يسترعي الاهتمام والانتباه؛ لترسيخ الحكم والمطلوب في ذهن السامع. من ذلك أن الرسول e عندما أرسل معاذاً- رضي الله عنه- قاضياً إلى اليمن سأله: ((بم تحكم؟)).

قال: بكتاب الله.

قال: ((فإن لم تجد؟)).

قال: فبسنة رسول الله.

قال: ((فإن لم تجد؟))

قال: أجتهد رأيي، ولا آلو.

فقال e: ((الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله))[8]

وفي ذلك إقرار منه eلمعاذ على وجوب الاجتهاد حيث لا نص في القضية، لا في القرآن ولا في السنة؛ على ضوئهما في حدود الأصول العامة.

(4) الطريقة الاستقرائية:

وذلك بالانتقال من الجزئي إلى الكلي، ومن الخاص إلى العام، ومن المعلوم إلى المجهول.

وأمثلته كثيرة، منها:

أن شاباً دخل مجلس رسول اللهe يستأذنه بالفاحشة، فهم به الصحابة ليؤدبوه، فنهاهم e، وقال له: ((يا بني! أتريد الفاحشة لأمك؟))

قال: لا.

قال: ((لأختك؟))

قال: لا.

قال: ((وكذلك الناس يا بني! لا يريدونها لأمهاتهم ولا لأخواتهم)). ثم دعا له أن يشرح الله صدره للإسلام، وأن يطهر فرجه من الحرام، فخرج الشاب مقتنعاً بوجوب الالتزام بالفضيلة، والبعد عن كل حرام ورذيلة.

ومنها: قوله e : ((أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟))

قالوا: ما منا إلا وماله أحب إليه من مال وارثه.

فقال: ((فإن مالك ما قدمت، وإن مال وارثك ما أخرت))[9]

ولله در الشاعر:

قدم لنفسك زاداً                وأنت مالك مالك

من قبل أن تتفانى             ولون حالك حالك

ولست تعلم يوماً              أيّ المسالك سالك

إمّا لجنّة عدن                أو في المهالك هالك

ومنها حديث: ((أتدرون من المفلس؟))

قالوا: مَن لا درهم له ولا متاع.

فقالe: ((المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، (اتهمه بالفاحشة دون بينة)، وأكل مال هذا، فيعطي هذا من حسناته، ويعطي ذاك من حسناته، حتى إذا فرغت حسناته ألقيت عليه سيئاتهم، ثم طرح في النار))[10]

(5) التدرج، وتجنب الطفرات:

فقد جاء أعرابي إلى الرسول محمد e يسأله عما يجب عليه في الإسلام، فأجابه بأركان الإسلام المعروفة، من صلاة للمكتوبة، وأداء الزكاة، وصيام لرمضان، وحج لبيت الله الحرام، فسأله: هل علي غيرها؟ قال: ((لا ، إلا أن تطوع))، فقال: لا أزيد على ذلك ولا أأنقص[11].

لقد اكتفى eبذكر المفروض، وطوى ذكر النوافل لئلا ينفره، وهو حديث عهد بالإسلام.

وأغلب ظني أن الأعرابي لم يكتفي بعد ذلك بالفرائض، وإن سمع من الرسولe قوله: ((أفلح الأعرابي إن صدق))، بل استزاد منها أن ذاق حلاوتها، وقام بالنوافل مع الفرائض.

والله تعالى أمر الوالد أن يصبر صبراً طويلاً على أسرته، وهو يأمرها بالطاعة والخيرات، وينهاها عن السيئات.

)وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا( طه: ١٣٢

إذ لا يعقل أن يصبح الطفل تقياً، نقياً، صفياً، ولياً في يوم، أو شهر، بل لا بد من زمن كافٍ لتربيته، واقتناعه، وتنفيذه لما يؤمر به، وتدربه عليه كي يجب ذلك، ويألفه، ويثابر عليه دون انقطاع.

أما تحمله فوق طاقته، وتكليفه بما يعجز عنه فهماً، وحفظاً، وتنفيذاً، فإن ذلك مما يؤذيه، وينفره، فينحرف.

(6) التربية غير المباشرة:

فقد رأى eأبا أمامة في المسجد في غير وقت صلاة، فسأله: ((مالي أراك في المسجد؟)) فقال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله.

وكأني بالرسول eيريد أن يقول له: وهل يذهب جلوسك في المسجد في غير وقت الصلاة همومك، أو يقضي دينك؟ ومن الكسل، والخمول، والجبن، والعجز، تسد به دينك فينفرج همك.

ولو قال له ذلك لنفره، وجرح شعوره، ولكنه قال له: ((يا أبا أمامة! ألا أدلك على شيء إذا قلته أذهب الله به همك، وقضى دينك؟)).

قال: بلى يا رسول الله!

قال: ((قل صباحَ مساء: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن، والبخل، وغلبة الدين، وقهر الرجال))[12]

ففهم أبو أمامة أن الرسولe يدعوه إلى البحث عن عمل بطريقة غير مباشرة انطوت في دعاء جميل يدعو به ربه، فسارع أبو أمامة إلى أن كسب من عرق جبينه، وكد يمينه كما حدثنا، فرزقه الله تعالى من ذلك رزقاً قضى به ديونه، وعاش مكتفياً مسروراً، لا يحتاج أن يسأل أعطوه، أو منعوه.

(7) التربية العملية:

فقد جاء شابٌّ إلى رسول الله eيسأله مالاً، فرأى فيه فتوة، وشباباً، وقوة، فلم يعطه شيئاً، وإنما قال له: ((أعندك شيء تستغني عنه؟))

قال: نعم، كأس وبساط.

قال: ((ائتني بهما)).

فأحضرهما، فباعهما رسول اللهe لأحد الصحابة بدرهمين، وأعطى الدرهمين للشاب، وقال له: ((اذهب واشتر حبلاً وفأساً، وتعال إليَّ)).

ففعل الشاب، فوضع الرسول eالفأس بالعصا الخشبية، وقال: ((اذهب واحتطب، ولا أرينك خمسة عشر يوماً))

 

ففعل الشاب، وعاد وقد وفر خمسة عشر درهماً، فقال له e- وقد لمس الشاب ثمرة العمل بيديه-: ((هذا خير لك من أن تسأل الناس أعطوك أو منعوك))[13].

كما قال e: ((إن أفضل الكسب كسب داود، كان يأكل من عمل يده))[14]

(8) حسن التصرف قولاً وعملاً:

من ذلك أنه eلما وصل المدينة المنورة مهاجراً، كان كلُّ من فيها من المسلمين يتمنى أن ينال شرف نزوله في داره، ولو اختار أحداً منهم لوجد البقية في نفوسهم، فقال مشيراً إلى ناقته: ((دعوها فإنها مأمورة))[15] فبركت الناقة أمام بيت أبي أيوب الأنصاري- رضي الله عنه- فنزل ضيفاً عنده، ريثما يجد له بيتاً يسكنه، ورضي الجميع.

ومن ذلك أنهe حدث أصحابه مرة عن أناس يدخلون الجنة بغير حساب، وذكر صفاتهم التي تميزهم عن غيرهم، فقال له رجل- يقال له عكاشة-: ادع الله لي أن أكون منهم يا رسول الله!

فقال: ((أنت منهم يا عكاشة))

فقام آخر يطلب مثل ذلك، فقال له: ((سبقك بها عكاشة))[16]

وفي جوابه بالغة أرضت السائل، ومنعت غيره أن يسأل كما سأل عكاشة. ولو أجاب الثاني لسأل الجميع مثل سؤاله، وقد يكون فيهم من لا يستحق ذلك، فيقع الحرج، فكان جواب النبيe مقنعاً، ومانعاً للحرج.

ولما قدم أبو سفيان إلى المدينة يستطلع الخبر بعد غذر قريش وإساءتهم لصلح الحديبية وشروطه، لم تحسن ابنته أمُّ حبيبة وفادته، غيرةً منها على الإسلام ورسوله، فأمرها e أن تحسن إلى أبيها، وتكرم مجلسه ووفادته، فأدرك أبو سفيان أنه eلا يحقد، ولا يسيء، ولا ينتقم لنفسه. وهي من صفات النبوة.

وفي ذلك دعوة إلى الإحسان بالوالدين ولو كانا على كفر أو ضلال، مع نصحهما، وتذكيرهما بالحق بحلم، وأدبٍ، ورفق.

فكم من والد اهتدى على يد ولده البار الصالح المحسن! وكم من والدة اهتدت على يد ولدها أو ابنتها! حين تتوفر الحكمة عند الأولاد الصالحين في نصح آبائهم الضالين.

) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا (البقرة: ٢٦٩

والله تعالى دعا إلى الإحسان بالوالدين ولو كانا مشركين، فقال:

) وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا( لقمان: ١٥

الفصل الثاني

وسائل الإيضاح

لقد سبق رسول الله eعلماء التربية الحديثة إلى كثير من وسائل الإيضاح المساعدة على الفهم، المعينة على إدراك المقصود والمطلوب، ولعل أهمها:

(1)القصة:

وهي محببة إلى الصغار والكبار، فيجب أن تكون قصيرة وهادفة. ن ذلك: قصة الثلاثة الذين أووا إلى غار هاربين من سيل شديد، فسدت فم الغار صخرة كبيرة تمنهم من الخروج، ولما نفذ الزاد والماء، وأوشكوا على الهلاك، توسل كل منهم إلى ربه تعالى بعمل صالح قام به لوجه الله تعالى.

أما الأول فكان باراً بوالديه، وأما الثاني فكان محسناً لأجيره، وأما الثالث فكان عافاً عن الحرام وقد تيسر له، فاستجاب لهم ربهم، وأنقذهم مما هم فيه، وتدحرجت الصخرة فخرجوا ناجين[17].

(2) المثل:

ويذكر عادة لتوضيح القاعدة أو الفكرة، من ذلك: قوله e: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر))[18].

كما مثل e للمجتمع بسفينة تمخر عباب المحيط، يسكن أعلاها الصالحون، وأسفلها الفاسدون، فإذا احتاجوا إلى الماء صعدوا إلى أعلاها، ومدوا دلو إلى البحر ليملؤوه ماء، ((فقالوا: هلا خرقنا في أسفل السفينة خرقاً نأخذ منه الماء! فعلم بذلك من أعلاها من الصالحين، فإن تركوهم يخرقون السفينة هلكوا جميعاً وإن منعوهم نجوا جميعاً))[19].

فالمجتمع لا يسلم ولا يسعد إلا إذا أخذ القوي بيد الضعيف فأعانه، والعالم بيد الجاهل فعلمه، والغني بيد الفقير فأكرمه وكفاه، والكبير بيد الصغير فوجهه نحو الخير وهداه.

وفي الحديث الشريف: ((لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم فتناً كقطع الليل المظلم، تدع الحليم حيران، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم))[20].

(3) الحركة بالوجه أو باليد أو بـ... ليدرك الناظر المغزى والمراد:

من ذلك قولهe: ((ويلٌ للعرب من شر قد اقترب، لقد فتح من سد يأجوج ومأجوج هكذا)) وأشار بإصبعيه الإبهام والموحدة وحلق بينهما[21].

وفي ذلك تنبيه للعرب أن يستقيموا، ويتناصحوا، ويتحدوا، ويتعاونوا على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان؛ ليحميهم الله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وإلا أصابهم شرها وإن صلوا وإن صاموا...

وكان فيهم صالحون، فقال له رجل: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟!

قال: ((نعم إذا كثر الخبث))[22].

وفي القرآن الكريم: ) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً( الأنفال: ٢٥

وفي رواية: ((أفلح من كف يده ولسانه)).[23]

فهل من مدّكر؟!

(4) الرسم:

وهي وسيلة تساعد كثيراً على الفهم، ولاسيما لدى الأمي. والعرب كانت في مطلع الإسلام أمةً أميّة؛ ولذا فقد استخدم الرسولe الرسم وسيلة لتعليمهم وتوجيههم.

من ذلك أنه رسم خطاً مستقيماً على الرمل، ورسم خطوطاً منكسرة، ومعوجة ومنحنية، ثم تلا قوله تعالى: )  وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ( الأنعام: ١٥٣

كما رسم لهم مربعاً على الرمل، ورسم فيه خطاً صغيراً، وقال لهم: ((هذا هو الإنسان، وهذا أجله يحيط به)) ثم رسم خطوطاً متجهة نحو هذا الإنسان، وقال: ((هي المصائب تنزل به)). ثم رسم خطاً طويلاً متجهاً من الإنسان، مخترقاً المربع، ذاهباً إلى بعيد بعيد، قال: ((هذا أمل الإنسان)) ما أطوله! ثم أخبرهم بأن أجل الإنسان يقطع أمله قبل أن يتحقق جميعه[24].

ولله درّ من قال:

يا من بدنياه اشتغل                     وغرَّه طول الأمل

ولم يزل في غفلة                      حتى دنا منه الأجل

الموت يأتي بغتةً                      والقبر صندوق العمل

والرسول eيريد منا أن نكون ذوي أمل، شريطة ألا يمنعنا الأمل من صالح القول والعمل.

وفي القرآن الكريم: )  وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( آل عمران: ١٠٢

أي: ليحرص كل منكم على الاستقامة الدائمة، فإذا جاءه الموت بغتة ذهب إلى ربه راضياً، مرضياً.

(5) لفت النظر:

وذلك بذكر عبارة تسترعي الانتباه، والاستفسار عنها لغرابتها، ثم تشرح بعد السؤال، فترسخ الفكرة في الذهن؛ لتتحول إلى سلوك قويم على الصراط المستقيم.

من ذلك قوله e:

((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)) فعجبوا، وتساءلوا: كيف ننصر الظالم، ومن واجبنا أن نحاربه ونحارب الظلم معاً؟

فقال لهم: ((تردعه- تمنعه- عن ظلمه فإن ذلك نصرٌ له))[25].

أي: فإذا منعته عن ظلمه امتنع، وهجر الظلم إلى العدل فاستقام، فقد أنقذته من عقاب الله في الدنيا والآخرة، حيث يكون الظلم ظلمات على صاحبه. وأي نصر أعظم من أن تنقذ الإنسان من جهنم وبئس المصير، ليكون من أهل العدل والحق، فيستحق النعيم المقيم في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر؟!

ومنه قوله e: ((إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار)). فعجبوا وسألوا: هذا القاتل- أي: يستحق النار- فما بال المقتول؟

فقال: ((إنه كان حريصاً على قتل صاحبه))[26] فعوقب على نيته السيئة.

وإنما الأعمال بالنيات.

(6) التكرار:

وقديماً قالوا: التكرار يؤثر في الحجار، ولا شك أن للتكرار أثراً في النفوس يشعرها [اهمية الأمر او الفكر، ويدعوها للانتباه والتنفيذ.

من ذلك قوله e: ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن))

قالوا: من يا رسول الله! خاب وخسر.

قال: ((من لا يأمن جاره بواثقه))[27]. أي: أذاه وضرره.

ومنها لوله: ((رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر ولم يدخلاه الجنة))[28]. أي: ذّل، وضل، وخاب، وخسر من أدرك أبويه كبيرين، ولم يحسن إليهما، وبهما، ولهما.

(7)التنفير:

وذلك بتصوير الشيء المنهي عنه صورة مقززة، مقرفة، تجعل سامعها يكرهها، وينفر منها، فيتجنب ما نهي عنه.

من ذلك قوله e: ((لا يحل لأحد أن يرجع في هبته إلا الوالد على والده، والراجع في هبته كالكلب يرجع في قيئه))[29].

وواضح أن الرسولeأفاد هذه الوسيلة من القرآن الكريم، حيث شبه الله تعالى من يغتاب غيره بسوء بمن يأكل لحم أخيه ميتاً: )  وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ( الحجرات: ١٢

(8) اللهجة المناسبة، والصوت المناسب، والهيئة المناسبة:

فقد توسط أسامة بن زيد- رضي الله عنه- لدى الرسولeبشفاعة ليعفو عن السارقة المخزومية، وقد توفرت شروط السرقة فيها، وأراد الرسولe إقامة الحد عليها، فظهر التأثير والغضب في وجه رسول اللهeوصوته، فرفعه قليلاً قائلا: ((أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة؟!))[30].وقد أحمر وجههe، ولم يكن يغضب إلا لوجه الله،أو إذا انتهكت حرمات الله.

ولا شك أن احمرار وجهه، ورفع صوته أمام أسامة سيشعر أسامة- رضي الله عنه- أن شفاعته غير جائزة، وان الرسولe غير راضٍ عنها، وأن عليه ألا يعود لمثلها، فلا بد من إقامة الحد على تلك السارقة.

) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ( البقرة: ١٧٩

(9) مراعاة لغة السامع، ولهجته:

قال تعالى: )وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْﭼ إبراهيم: ٤

فكان eإذا جاءه غير قرشي يسأله خاطبه بلهجته ليفهم كلامه، فمنهم من كان يستبدل بالكاف شيناً كأهل اليمن، ومنهم من كان يستبدل (بأل) التعريف (أمْ) كأهل حمير، وهكذا... فكأن كل عربي يسمع جواباً يوافق لهجته، وطريقة لفظه ونطقه، فلا لبس، ولا غموض، ولا حيرة، فيتحقق المقصود، ويرجع كل منهم إلى بلده فاهماً، راشداً، مرشداً.

(10) استخدام الفعل الماضي لما سيقع في المستقبل تأكيداً لوقوعه:

كقولهe: ((دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء هي الحالقة، لا حالقة الشعر، ولكن حالقة الدين، والذي نفسي بيده لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم))[31].

أي: سيدب إليكم داءُ الحسد والبغضاء، وقد وقع بعد ذلك.

وهذا مستفادٌ من القرآن الكريم الذي استخدم الفعل الماضي لما سيقع في المستقبل البعيد، ففي سورة إبراهيم الآية (21):

) وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍﭼ وهو مما سيقع يوم القيامة، فاستخدم له الفعل الماضي تأكيداً لوقوعه.

 

 


الفصل الثالث

أولادنا أكبادنا

ورد في الأثر: أن سيدنا موسى- عليه السلام- سأل الله تعالى: من أحب الخلق إليك يا رب؟

فأجابه عز وجل: هم الأطفال، خلقتهم على فطرتي، وإذا ماتوا أدخلتهم جنتي.

ولا شك أن الطفولة هي المرحلة المخصبة المجدية في تربية وتعليم الطفل، فالطفل كالمرآة يعكس أخلاق والديه، وأسرته، ومحيطه، ومدرسته، ومجتمعه.

وهو كالعجينة قبل دخولها الفرن- النار- تستطيع أن تكيفها كيف شئت، وتعطيها الشكل الذي ترغب، فإذا خرجت من القرن، واستوى شكلها ذلك عسيراً، أو مستحيلاً.

والولد سرُّ والديه، ومن أدب أولاده صغاراً سر بهم كباراً، ومن أدب أولاده أرغم حساده.

إن الغصون إذا قومتها اعتدلت

ولا يلين إذا قومته الخشب

وعين الولد معقودة على والديه؛ الخير عنده ما يصنعان أو يقولان، والشر عنده ما يَدعان أو يكرهان.

والقدوة هي الأساس، فمن أهمل تربيتهم صغاراً، صعب عليه ذلك في كبرهم.

فما أصعب فطام الكبير! وما أعسر رياضة الهرِم!

إذا المرءُ أعيته المروءة ناشئاَ

فمطلبها كهلاً عليه عسير

ولذا فإن مسؤولية الوالدين جليلة ذات أهمية، وأثر كبير في تربية الأطفال وهم صغار، ولا سيما الأم، فإن لها أكبر الثر في الطفل، وهي ترضعه، وتحضنه وتوجهه.فهي المربية الأساس، والمدرسة الأولى له، يقضي معها أكبر وقته، وعينه عليها في كل شيء، فإن أهملهم أبوهم جاعوا، وإن أهملتهم أمهم ضاعوا.

فالأب للكسب، والأم للتربية، والتوجيه، والرعاية في مراحل الطفولة الأولى.

وصدق أحمد شوقي حين قال:

وإذا النساء نشأن في أمية                    رضع الرجال جهالة وخمولاً

ليس اليتيم من انتهى أبواه من               هم الحياة وخلفاه ذليلاً

إن اليتيم هو الذي تلقى له                   أما تخلت أو أبا مشغولاً

وإذا كان الصغار أطفال اليوم، فهم بلا ريب رجال الغد المأمول، ومستقبل الأمة الزاهر، عليهم تعقد آمالها وأعمالها العظام الجسام، ومن ثم فقد عني الإسلام بتربية الطفل منذ يكون في صلب أبيه، إلى أن يبلغ سن البلوغ، ثم الرشد.

Ÿقبل الولادة:

(أ) في صلب أبيه:

لئن كانت أحدث الطرق التربوية تهتم بتربية الطفل منذ يولد، فإن الإسلام دعا إلى ذلك قبل ولادته، وقرر أن تربيته تبدأ منذ يختار أبوه الزوجة التي ستكون أم أولاده، فإن أحسن اختيارها، وظفر بذات العقل، والدين، والخلق، مراعياً المرغبات الأخرى من نسب، وحسب، وجمال، فقد اهتدى وأحسن، وإلا فقد ضل وأساء، وسلك سبيل الضياع والندامة.

وفي الحديث الشريف: ((تخيروا لنطفكم وضعوها في الأكفاء))[32].

((اظفر بذات الدين وتربت يداك))[33].

ذكرت كتب الأدب والتراجم أن والداً قال لأولاده- وهو على فراش الموت-: لقد أحسنت إليكم يا أولادي قبل أن تولدوا.

قالوا: كيف ذلك؟

قال: لقد اخترت لكم أماً صالحة ذات دين، وعقل، وأدب، ونسب، وحسب، وشرف، وكمال، وجمال، فولدتكم، وربتكم في حجر صالح أمين، مصون، عفيف، تقي، نقي، صفي، فكنتم علماء، فضلاء، نبلاء.

ولعل خير النساء: من تصلي خمسها، وتصوم شهرها- رمضان- وتصون نفسها، وتطيع في الحق والمعروف زوجها، وتلزم بيتها إلا لخروج ضروري ومشروع- أي: لطاعة، أو عمل صالح، أو ضرورة ملحة في حدود السترة، والعفة، والحياء- وصلة الرحم من أفضل الصالحات.

إذا صنعت جودت، وإذا ضحكت تبسمت- بر صوت- وإذا قدم لها الحلال- ولو قليلاً- رضيت، وإذا طلب منها زوجها مالا يجوز تمنعت، وإذا غضبت حلمت، وإذا قالت صدقت.

وإذا رأت من زوجها وأهله خيراً ذكرت ذلك ونشرته، وإذا رأت تقصيراً أو شراً نسيت وسترته.

الشريفة في نفسها، العزيزة في قومها، الودود، الولود، التي كلُّ أمرها محمود.

تعرف كتاب ربها، وسنة نبيهاe وواقع مجتمعها، وتعرف من العلوم، وتتقن من المعارف ما يصلح حالها، ويقوم أولادها، وينهض بأمتها.

والرسول eحين أوذي من أهل الطائف، وقد ذهب إليهم ليهديهم سواء السبيل، فأرسلوا صبيانهم إليه، وأغروهم أن يؤذوه، ويرموه بالشوك والحجارة. لم يحمل الصغير جرم وذنب الكبير، فصبر، وصابر، وخاطب ربه قائلاً:

((إن لم تكن ساخطاً عليّ فلا أبالي))[34].

والصبر من أهم شروط نجاح الداعية إلى الله تعالى، والدعوة للحق.

ولما خير بين أن يعفو، أو يهلك الله الذين آذوه عند العقبة التي بمنى- وكان قد دعاهم إلى الإسلام فما أجابوه-، عفا، وصفح، وسامح، وقال: (( اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، لعله يخرج من أصلابهم من يوحدك ويعبدك))[35].

وتحقق الرجاء، ولبى الله تعالى الدعاء، وآمن أهل الطائف وغيرهم، بعد فتح مكة ومعركة حنين، وغدوا هم وأولادهم فرسان الحق، وأبطال الجهاد في سبيل الله.

(ب) في رحم أمّه:

في الفقه الإسلامي أحكام رشيدة ضمنت للجنين حقوقه، فإذا مات أبوه وهو جنين في رحم أمه، واستعجل الورثة توزيع التركة، فإن كان قريباً من الولادة، كأن كان في الشهر التاسع من الحمل، أجل توزيع التركة حتى تلد الأم لقرب الزمن، وإن كان في الشهر الأول احتفظوا من التركة بنصيب ذكرين، وقيل: أربعة ذكور احتياطاً، -ولو كان ذلك نادراً- حماية لحق الجنين، وضماناً لإرثه. ثم تسوى الأمور بعد الولادة إن ولد حياً، فإن ولد فلا ميتاً فلا إرث له.

ولا مانع أن يستفاد من علم الطي الحديث إن استطاع أن يحدد عن طريق الأشعة غير الضارة نوع الجنين كما وكيفاً، نوعاً وعدداً، حين يصير ذلك في نطاق اليقين لا الظن، وهو اكتشاف لواقع قدره الله تعالى، وليس علماً بالغيب كما وهم بعض الناس؛ لأن له وسائل ومقدمات تدل على واقعه، كما في توقع نزول المطر من قبل الأرصاد الجوية، حين يعرفون اتجاه الرياح، ودرجة الحرارة أو البرودة في ) وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ ( فاطر: ٩

فإن طلقت أم الجنين- لا قدر الله- فلها الحق أن تقضي العدة في بيت زوجها المطلق حتى تلد. فإن أراد الزوج أن يبيع البيت حجر عليه، ومنع من بيع البيت أو تأجيره حتى تنقضي عدتها بالولادة.

)  لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ ( الطلاق: ١

وأضيف البيوت إلى الزوجات مع أنها للأزواج تأكيداً على حق الزوجة أن تقضي العدة في بيت الزوجية، ونهيت عن قضاء العدة في غيره؛ لأن قضاء العدة في بيت زوجها في طلاق رجعي سبيل إلى التفاهم، والصلح، والرجوع إلى عصمة الزوج.

)  لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا  ( الطلاق: ١

ولها بالإضافة إلى السكنى: النفقة، وأجرة الرضاع بعد الولادة بالمعروف حتى تفطم وليدها:

) أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ ( الطلاق: ٦

فإذا تعسر إرضاعها لوليدها لمرض طارئ، انقطع به حليبها، أو امتنعت عن إرضاعه، لخلاف مستحكم مع أبيه؛ الذي كان زوجها فطلقها، أو تزوجت غيره بعد انقضاء عدتها بوضع الحمل، فعلى أبيه أن يستأجر لولده مرضعة أخرى: ) وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى( الطلاق: ٦

فإن حملت امرأةٌ ما- لا قدر الله- حملاً غير شرعي- من فاحشة- وأقيمت عليها البينة، أو أقرت بذلك دون بينة، فلا يقام عليها الحدّ- عقوبة الفاحشة- حتى تلد وترضع، ثم تفطم وليدها؛ إذ لا ذنب له:

) وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىﭼ الإسراء: ١٥

ولقد حرص eعلى صحة الطفل وسلامته، وهو جنين في بطن أمه؛ ولذا فقد همّ أن ينهى عن الغيلة، أي: الإرضاع وقت الحمل ليتفرد الجنين بالغذاء من أمه، ولا يشاركه فيه رضيع آخر، فذكروا له أن فارس والروم يفعلون ذلك، فلا يضر أولادهم، فسمح به بعد أن تيقن من ذلك.

وقد علمنا eأن نقبل الحقائق- مهما كان مصدرها- ما دامت حقائق ليس في منهجنا ما يصادمها.

روى لنا سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه- قال: قال رجل لرسول الله e: كنت أعزل عن امرأتي، وهي ترضع، أي: - خشية أن تحمل- أشفق على رضيعها، فقال لهe: ((لو كان ذلك ضاراً ضر فارس والروم)) فترك الرجل العزل.

وفي رواية: قالe: ((لقد هممت أن أنهي عن الغيلة، حتى ذكرت أن الروم والفرس يفعلون ذلك، فلا يضر أولادهم))[36].

أي: فلم ينه عن الغيلة لذلك، ولئلا يلحق الزوج ضررٌ بترك الوطء، ومكابدة الشهوة.

ومن إجلال الحقائق، وإعطائها حقها أن نتعرف بها وننزلها منزلتها التي تستحق بصرف النظر عن قائلها، ومصدرها، صديقاً كان أو خصماً، عالماً كان أو جاهلاً:

لا تحقرن الرأي وهو موافقٌ                   حكم الصواب وإن أتى من ناقص

فالدرُّ وهو أعز شيء يقيني                    ما حط رتبته هوان الغائص

وإن من أكبر وظائف المؤمن المسلم أن يحق الحق ولو قل مؤيديه، وأن يبطل الباطل ولو عظم مناصروه والمنتقمون به.

والحقيقة والحكمة ضالة المؤمن، أينما وجدها فهو أحق بها.

ولعلَّ من هذه العناية بصحة الطفل قبل أن يكون نطفة في رحم أمه: أن يتزوج الرجل من الغريبات لا من القريبات، فقد كان العرب يقولون: اغتربوا لا تضووا، أي: تزوجوا من الغربيات لا من القريبات لتحموا أولادكم من الضعف في الجسم والعقل.

ولقد ثبت في علم الطب أن كثيراً من الحالات في الأطفال؛ الذين ولدوا ذوي العاهات، كان سببها زواج آبائهم من القريبات. فأم الولد المشوه ابنه عم أبيه، أو ابنة خالته؛ ولذا فقد منعت كثيرٌ من الولايات الأمريكية هذا النوع من الزواج، حفاظاً على سلامة الجنين والطفل من كل آفة، أو ضرر، قد يكون سببهما الزواج من القريبات.

وفي كتب الأدب أن شاعراً أثنى الناس أمامه على فارس مغوار، فقال: لا تعجبوا فإن أباه استولده من زوجة غريبة لا من قريبة، وأنشد:

فتى لم تلده بنت عمّ قريبة                 فيضوى وقد يضوى رديد الأقارب

مشيراً إلى أن الضعف يأتي من نسل الأقارب، لا من نسل الأباعد.

فطوبى لمن ادّكر، ووعظته الحوادث والعبر.

 

 

 

Ÿ بعد الولادة

(أ) الأذان والإقامة:

إن أول شيء يطلب من أولياء الطفل حين يخرج إلى الدنيا أن يسمعوه الأذان في أذنه اليمنى، والإقامة في اليسرى، كما ورد في السنة الشريفة. وفي ذلك دلالة على عناية الوالدين بعقيدة المولود الجديد؛ لعله ينشأ- بفضل الله تعالى- على الفطرة السليمة، وعقيدة التوحيد، ويسلم من وساوس الشيطان، ومؤثراته.

(ب) تسميته:

وذلك بأن يختاروا له اسماً جميل المبنى والمعنى، محبباً للنفوس، والقلوب، والآذان، جرسه عذب، والنطق به سهل ميسر.

وفي الحديث الشريف: ((أحسنوا أسماءكم، فإنكم تدعون بها يوم القيامة))[37].

وفي كتب التراجم أن أباً شكا ولده لعمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فاستدعاه عمر يعاتبه، ويوجهه، فقال: يا أمير المؤمنين! أنا أعرف حقوق والدي علي، وهي: أن أطيعه بالمعروف، وأن أحسن إليه وبه قولاً وعملاً، وأن أحسن صلتي بأهل وده وقرابته. ولكن أليس لي عليه حقوق؟

قال: بلى.

قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟

قال: أن يحسن اختيار أمك، ويحسن تسميتك، ويعلمك القرآن، وما ينفعك من الدين، والعلم، وأن يختار لك مهنة صالحة شريفة، وأن ينفق عليك حتى تغدو كسوباً.

فقال الولد الشاب الصغير: والله! ما فعل واحدة من ذلك!.

لقد استولدني من أم غير صالحة كانت على ضلال، وسماني (جُعَل) –بمعنى الخنفساء- ولم يسمعني حرفاً من كتاب الله، ومنعني من العلم وأنا صغير، واستخدمني فيما يجلب له المال.

فنظر عمر إلى والد الطفل يسأله: أصحيحٌ ما قال ولدك؟!

فسكت الوالد مقراً بما سمع من ولده.

فقال له عمر: لقد عققت ولدك قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك.

(ج) الختان:

وهو ما تسميه العامة: الطهور، ويكون في الأسبوع الأول من ولادة الطفل، وعلى يد طبيب جراح، أو مطهر ماهر مجرب، وفيه راحةٌ للطفل، ونظافة، وسلامة، وعافية.

وهو واجب لا يجوز إهماله، ويخطئ ويسيء من يؤخره حتى يكبر الطفل؛ لأن الختان في سن التمييز أو الشباب مؤلم وصعب، وهو سهل ميسر، خفيف على الطفل في أسبوعه الأول.

والرسول eيقول: ((خمس من الفطرة)) وذكر منه: ((الختان))[38].

ولقد أدركت أوربا وما حولها فائدته الصحية للولد، والزوج، والزوجة، فصارت تختن أطفالها بعد الولادة في أسبوعهم الأول، اقتداءً بالمسلمين.

(د) العقيقة:

وهي خروف أو أكثر، يذبح في الأسبوع الأول من ولادة الطفل، ذكراً كان أو أنثى، يأكل منه أهله بعضه، ويوزع بعضه على الفقراء والمحتاجين، ويهدي بعضه الثالث إلى الأقارب والجيران والأصدقاء.

وفي ذكر شكر لله تعالى على نعمة الولد- أي: المولود ذكراً أو أنثى- والأولى أن يفصل عظم الذبيحة، لا أن يهشم، أو يكسر؛ تفاؤلاً بسلامة عظم المولود بحفظ الله تعالى له، والإسلام يحب التفاؤل، ويكره التشاؤم، ويحرمه.

والعقيقة سنة يثاب من فعلها، ولا يعاقب من تركها، والأولى فعلها، ولا سيما لمن وسع الله عليه الرزق:) لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ( إبراهيم: ٧.
الفصل الرابع

خلق الرجولة

لعل خلق الرجولة من أهم ما يجب أن نحمل عليه أبناءنا، أبناء الأمة، وجيل المستقبل؛ ليكونوا أهلاً لتحمل مسؤولياتهم الجسام في قرن كثرت فيه الميوعة، والتخنث، والهرب من تحمل المسؤولية، فغدا أكثر الشباب يطلبون حقوقهم، ويهملون واجباتهم، أو يتجاهلونها، ولنا في رسول الله eأسوة حسنة.

فقد تجلى فيه خلق الرجولة منذ صغره، ولما غدا رجلاً، وبعث رسولاً، وأراد عمه أبو طالب أن يغريه بالدنيا ويصده عن دعوته أجابه: ((والله! لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك دونه))[39].

لقد كانت حياته e سلسلة من مواقف الرجولة، ومظاهر البطولة الحق.

إيمان لا تزعزعه الشدائد، وصبر على المكاره لا يمل، وعلم دائب في نشر الدعوة، ونصرة الحق؛ حتى إذا وافته المنية لم يترك ثروة، ولا عرضاً زائلاً، وإنما ترك مبادئ خالدة على مدى الدهر، ورجالاً يرعونها حق رعايتها، ضحوا في سبيلها بالغالي والرخيص، ورحم الله الشاعر محمود غنيم:

النبي الذي تربي يتيماً                علم العرب كلها أن تسودا

شاحذاً عزمهم وكان ضعيفاً         جامعاً شملهم وكان بديدا

لابساً للأذى من الصبر درعاً       ومن الصبر ما يفل الحديدا

ساحراً لا بحبله وعصاه            بل بخلق سمح يروض الأسودا

وبيان من ذاق حلو جناه            عاف بنت العنقود[40] والعنقودا

وهذا أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- يثبت أمام المرتدين، ويرسل لهم من يؤدبهم، ويردهم إلى جادة الحق، وأداء الواجب، يقول: والله! لو منعوني عقالاً كانوا يدفعونه للرسولe لقاتلتهم عليه.

وكان من قوله في أول خطاب له:

إني قد وليت عليكم، ولست بخيركم، أطيعوني إن أطعت الله فيكم، فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم.

القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له. وما ترك قوم الجهاد في سبيل الله إلا ذلوا، ولا شاعت فيهم الفاحشة إلا عمهم البلاء. قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

إنه ثبات على الحق، وتضحية من أجله، وإخضاع قومه لذلك الحق، وأمر بالصبر والثبات، ونهى لهم عن كل فاحشة، وتحذيرهم من خطرها، وحرص على طاعتهم لله، ثم لأميرهم بالحق والمعروف، في خطبة مختصرة، بليغة.

وهذا الفاروق عمر- رضي الله عنه- الذي ضرب المثل بجرأته، وعدله، وثباته على الحق، لا يراعى فيه صغيراً ولا كبيراً، غنياً ولا فقيراً، يقول الكلمة فيجري مجرى الأمثال:

يعجبني الرجل إذا سيم الخسف- الظلم- أن يقول بملء فيه: لا.

ويضع للأطفال برنامج القوة، والشجاعة، والرجولة، فيخاطب الآباء:

علموا أولادكم السباحة، والرماية، وركوب الخيل.

ويرى الأطفال قد هربوا من الطريق، وقد رأوا عمر- رضي الله عنه- قادماً، ولكن عبد الله بن الزبير- رضي الله عنه- بقي واقفاً ينظر إلى عمر بشجاعة، فأعجب به، وقال له:

لِمَ لم تهرب كما فعل رفاقك؟

فقال له: لست مجرماً فأخافك، والطريق يسعني ويسعك.

فسر عمر من جوابه، ونادى رفاقه يقول لهم: هكذا أريدكم أن تكونوا شجعاناً، لا تخشون إلا الله.

أما ولاته فقد علمهم الرجولة مع الرحمة، والهيبة في الحق والإنصاف في الصدق، وأرسل إليهم يقول:

اجعلوا الناس في الحق سواء، الغريب كالقريب، والقريب كالبعيد، وإياكم والرشا، والحكم بالهوى، وإياكم أن تأخذوا الناس عند الغضب. لا تضربوا الناس فتذلوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم.

لقد كانوا يرون المسؤولية تكليفاً لا تشريفاً، وغرماً لا غنماً.

وتعجبني الرجولة في كل شيء، حتى في محيط المودة والمحبة.

وما أجمل قول الشاعر:

وما أنا بالنكس الدني ولا الذي

إذا صد عني ذو المودة أحرب[41]

ولكنه إن دام دمت وإن يكن

له مذهب عني فلي عنه مذهب

ويفسر لنا هذين البيتين قول الشاعر:

ما بعتكم مهجتي إلا بوصلكم               ولا أسلمها إلا يداً بيد

فإن وفيتم بما قلتم وفيت أنا                 وإن غدرتم فإن الرهن تحت يدي

وما أروع قول الإمام الشافعي- رحمه الله-:

أمطري لؤلؤاً سماء سرنديب                      وفيضي آبار تكرور[42] تبرا

أن إن عشت لست أعدم قوتاً                      وإذا مت لست أعدم قبرا

همتي همة الملوك ونفسي                         نفس حرّ ترى المذلة كفرا

وإذا ما قنعت بالقوت عمري                     فلماذا أخاف زيداً وعمرا؟!

ولله در البهاء زهير في قوله:

كل شيء من حبيبي                        ما خلا الغدر احتمله

لو أراد البعد عني                         نور عيني ما تبعته

إن قلبي وهو قلبي                         لو تجنى ما صحبته

أنا في الحب غيور                      ذاك خلقي لا عدمته

ألا إن الأطفال هم زهرة العمر، وربيع الحياة، وأمل الأمة، ومعقد رجائها، تعدهم للغد المأمول، وتدحرهم لساعات الشدة.

ما أجدرنا أن نعلمهم أن يكونوا أنصاراً للحق، وحبذا للفضيلة، وأن نربيهم في ساحة طهور، قولهم فيها صادق، وفعلهم مباح، نافع، صالح، ولهوهم هادف، ملتزم، مشروع، سليم، وفراغهم يمضي بعلم نافع، أو عمل بارّ، أو رحلة ممتعة أديبة، أو رياضة لا أذى فيها ولا تعر.

وما أتعس أمة يجري أطفالها وشبابها وراء العمل الدون، والتافه من الشؤون!

وكم نأمل لو يقرأ أطفالنا عن طفولة وشباب علي، وأسامة، وخالد، ومصعب، ورافع، وسمرة- رضي الله عنهم- ليتعلموا الرجولة؛ فيمضوا في طريق الشجاعة، والعزة، والبناء، والعطاء، والفداء.

تسمع لهم الدنيا وتطيع، ويحميهم من المزالق والهوى خلق رفيع، وسد إيماني منيع.

وكم يأسى ويرثى الغيور لكثير من أطفال وشباب اليوم، الذين صرفتهم عن دينهم وأخلاقهم واردات ووافدات من الغرب وغيره، بلبلت أفكارهم، وأضاعت وقتهم، وألهتهم بتافه الأمور عن عزائمها ومكارمها، مما يجز إلى الضياع والندامة.

ألا ما أحوجنا إلى منهج دقيق للرجولة، يرعى الطفل في بيته، وأسرته، ومدرسته، ومجتمعه، ليعلمه:

(1) كيف يكون شاب الغد، ورجل لمستقبل، أميناً، صادقاً في قوله وعمله، يحافظ على الكلمة، كما يحافظ التاجر الصدوق على عهده، وعقده.

(2) كيف يكون أديباً في مرحه، ولعبه، ومنعته، فلا سفاهة في قول، ولا أذى في فعل.

(3) كيف يحترم شيخه، وأستاذه، ومديره، وموجهه، ويطيعهم في الحق والمعروف، دون ذلة، أو خنوع، أو تماوت.

(4) لا يغش في امتحان، ولا يكذب في قصية، ولا يأتي سوءاً أو منكراً، ولو غفلت عنه، أو نأت أعين الرقباء.

(5) يتقبل كل فضيلة، وينكر كل رذيلة، يحيا باراً بوالديه وإخوته، محسناً لرفاقه وجيرانه، ينشأ على الشهامة، والكرامة، والأمانة، والاستعداد ليوم القيامة، في ظل أبوة كادحة، وأمومة حانية، وأسرة هادية راضية، يسودها العطف، والحنان، وأدب اللسان، والفعال الحسان، وتزينها مكارم الأخلاق، ورفيع الأذواق. لحمتها صلة الأرحام، وسداها جميل الكلام.

(6) يعيش حسن المظهر، نقي المخبر، يبدو كأنه شامة بين الناس، يجب النظافة والنظام، يعامل جميع الناس بمودة، ووئام، وسلام. يغض الطرف عما لا يجوز ولا يليق، ويكون لمن حوله نعم الأخ والصديق.

(7) كل ما ذكرنا لا يتوفر إلا في رحاب الأسرة الهادئة، الواعية، المتماسكة، ففيها تنمو الخلال الطيبة، والتقاليد الشريفة، والعادات النظيفة، ويتكون الرجال الذين يؤتمنون على أعظم الأمانات، وتخطب الفتيات اللواتي يؤتمن على أعرق البيوتات.


الفصل الخامس

فكرة رياض الأطفال في مرحلة

الطفولة الأولى

لا شك أن الطبيعة وما فيها من جمال، وخيرات، ووسائل خير معين للطفل- المولود على الفطرة- على نمو مداركه، وصرف طاقاته في الخير والبناء، لا في الهدم والشقاء.

والأطفال الذين يربون ويعيشون في الطبيعة الغناء المعطاء على الرمال ويقرب الأزهار والرياحين، وفوق الهضاب والجبال أقوى بينة، وأصفى ذهناً، وأسلم فكراً وفطرة، من الذين يعيشون في جو صاخب، ودلال مقيت، وكسل مميت.

(1) الرمل والرسم عليه:

قد رأينا في بحث الوسائل كيف استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم الرمل في تعليم الصحابة والأطفال كثيراً من شؤون الحياة. (والتراب ربيع الصبيان) كما ورد في الأثر.

فالطفل الذي يلعب في الطبيعة، والرمل، وعلى الشاطىء، الأديب، الملزم، فيبني بيتاً صغيراً، أوجسراً، أو يرسم ملعباً، أو مزرعة، أو طائرة، أو مدرسة......

تستطيع أن تعرف من ذلك ميوله وتطلعاته في مستقبله، فتوجهه نحو ما يرغب، أو يحب من مهنة شريفة، أو عمل صالح.

وكامة ربيع فيها جميع معاني الجمال، والتفتح، والإنتاج، والسرور، والتوجه.

(2)تربية الحيوانات وملاحظتها:

فالطفل محبٌ لها، فلا يجوز تخويفه منها، لئلا ينشأ جباناً، قلق النفس، مهزوز الشخصية، ضعيف الإدارة، يخاف من غير جنسه، ويفضل العزلة عن بني جنسه.

كما لا يجوز تخويفه من الظلام والشرطي و.... للسبب نفسه.

والرسول eسَمَحَ لطفل أن يمسك عصفوراً صغيراً بيده، يقال له: (النُّغَيرُ) وهو أخضر اللون، من فصيلة الحسون، وأن يداعبه، وغاب عنه، ثم عاد إليه فلم يجده في يده، ولعله طار فقال له ملاطفاً: ((يا أبا عمير ما فعل النُّغَيرُ؟))[43].

ومن هذا الحديث أخذ الشفعي أحكاماً استنبطها: منها جواز لعب الأطفال بالطيور، شريطة أن يكون طيراً أليفاً صغيراً، لا خطر في القرب منه، أو الإمساك به.

ومن السنة أن نكني الطفل (بأبي كذا) وأن نحسن عشرته قولاً عملاً له أسباب سروره.

(3) الصلصال:

وهو نوع من الأواني، يصنع من التراب الطاهر للأطفال، اقترحه اليوم معظم علماء التربية؛ لأنه محبب للأطفال.

وقد كان eيسمح بذلك، ويضع الألاعيب بيد الحسن، والحسين- رضي الله عنهما- وهي (العرائس) ليلعبها بها، ويدخل السرور إلى قلبيهما. وحرم صنع الهياكل والأصنام للكبار؛ سداً لذريعة الرجوع إلى عبادة غير الله تعالى.

(4) تجميل تلك الرياض للأطفال:

ويدخل تحت  قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ اللهَ جميلٌُ يحب الجمال، طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة))[44] مما يحبب الطفل بالطهارة، والنظافة، والجمال، والإتقان، والترتيب، والتنظيم، والنظام، فيحافظ على صحته، وسلامة حاجاته، وما حوله من أشياء.


(5) التعامل معه بما يناسب عمره ومستواه الفكري:

وقد ورد في الخبر: ((من كان له صبي فليصابَ له))[45] بحذف الياء من (فليتصاب) وأصله: يتصابى، فحذفت الألف المقصورة لأن الفعل مجزوم للام الأمر، وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره.

والمعنى: فليعامله كما يعامل الصبيُّ الصبيَّ لطفاً، ورقةً، وحناناً، وقولاً، وعملاً.

ولعل هذا ما جعل بشار بن بُرد يخاطبُ خادمته الصغيرة بما تعلقه، وتفهمه، وتُُسّر به، ويسهل عليها حفظه، فقال:

ربابةُ ربَّةُ البيتِ               تصبُّ الخلَّ في الزيت

لها عشرُ دجاجاتٍ             وديكٌ حَسَنُ الصوت

ولما عُوتب في ذلك قال: هذا ما يتناسب ومهنتها ومستواها العلمي والفكري، أتريدون مني أن أخاطبها بـ:

كأنَّ مُثارِ النَّقعِ فوق رؤوسنا               وأسيافنا ليلٌ تهاوى كواكبُه

أو بـ:

إن الملكُ الجبَّارُ صعَّر خدَّه               مشينا إليه بالسيوف نُعاتبُه

ولو خاطبها بمثل ذلك لما فهمت، ولا أدركت معناه ومراده.

(6) احترام شخصيّته:

وفي ذلك تعويدٌ له على العزة، والكرامة، وأن يشبّ على ذلك؛ ليكون فارساً من فرسان الحقّ، والصدق.

وقد كان صلى الله عليه وسلم يسلم على الصبية، ويحترمهم، ويلاطفهم، فأحبوه، وكانوا يودعونه إن سافر، ويستقبلونه إن عاد من سفره.

وقد ورد في الخبر: ((وقروا من تتعلمون منه العلم ومن تعلمونه))[46]. أي: ول صغيراً، انطلاقاً من قوله تعالى: ) وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَم( الإسراء: ٧٠

(7) العناية برياضة جسمه وفكره:

فقد سمح e بتصارح الصبية بين يديه، من باب التربية العسكرية. وكان eيشجع الحسن وهو يصارع الحسين؛ ويدعو علياً أن يشجع الحسين- رضي الله عنهم أجمعين-.

على أن تكون المصارعة مشروطة بالسلامة من أي ضرر، أو كسر.

وقد طلب من سمرة ورافع أن يتصارعا، وقد تنافسا للجهاد في سبيل الله تعالى، ولما غلب الصغير الكبير أجازهما معاً للجهاد.

ولا ريب في أن إشغال المراهق بالرياضة والثقافة، مما يصرف تفكيره عن المفاسد، ويخفف عن المفاسد، ويخفف من تأجج الغرائز في جسده ونفسه.

وقد كان -عمر رضي عنه- يأخذ ولده عند الله معه إلى المسجد- وهو صبي- ليحضر الصلاة، ويستمع إلى رسول اللهe وهو يعلمهم ويعظهم.

ولقد سألهمe مرة عن الشجرة التي تشبه الإنسان، إذا قطع رأسها ماتت- وهي النخلة- فما أجاب أحدٌ من الصحابة فقال لهم: ((أليست النخلة)).

قالوا: بلى.

ولما خرجوا قال عبد الله لأبيع عمر- رضي الله عنهما-: والله! لقد خطر في ذهني أنها النخلة، فلم أجب حياءً، وقد رأيت الصحابة الكرام لم يجب منهم أحد.

فقال له عمر: والله! لو أجبت لكانت عندي أثمن من الدنيا بما فيها[47].

وكأني بعمر يريد لولده لو أجاب لحظي بدعاء رسول اللهe، ولا فتخر به أبوه، وسر بنجابته وذكائه.

وهكذا كانوا يشجعون أولادهم في ميادين الرياضة والثقافة؛ لينهضوا بهم نحو قوة الفكر والجسد معاً، وليدخلوا السرور على قلوبهم، ويعودوهم على الشجاعة، والتضحية، والجرأة الأدبية.

ولكن ينبغي ألا يتخذ الطفل الرياضة مضيعة لجميع وقته، فيهمل الدراسة، والعلم، وخدمة أهله، بل يجب أن يخصص لها وقتاً معقولاً ومقبولاً، لا يطغى على غيره؛ ليجمع بين واجباته كلها دون تفريط.

(8) الرأفة بالصبي، والبشاشة له:

فقد كان eيقبل الحسن والحسيه- رضي الله عنهما- ويعتبر تقبيل الصبي رحمة، ويقول: ((من لا يرحم لا يُرحم))[48].

ورفض عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- تولية الأقرع بن حابس، بعد أن علم أنه لا يقبل أولاده، ولا يبتسم لهم، وقال له: أنت إذاً بالناس أقل رحمة، انصرف لا ولاية لك، ورد عهده، وعمله.

وفي سيرة الرسول eمن اللطف بالكفل ما يصعب إحصاؤه. من ذلك:

أنهe كان يركب الحسن والحسين- رضي الله عنهما- على ظهره، ويقول: ((نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما))[49].

ويقول: ((إنني لأقوم إلى الصلاة، أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء طفلٍ فأتجوز- أخفف- في صلاتي كراهية أن أشق على أمه))[50].

وأطال السجود مرة، والحسن على ظهره، فظن الصحابة أن أمراً حدث له، أو أنه يوحى إيه، فلما انتهى من صلاته قال لهم: ((إن ابني ارتحلني- أي: اتخذ ظهري كالراحلة- فكرهت أن أعجل حتى يقضي حاجته))[51] أي: من اللعب والسرور.

(9) العناية بهندامه وصحته:

فقد رأى eطفلاً طال شعره، واتسخ، فقال: ((أميطوا عنه الأذى))[52].

قال العلماء: أي: احلقوا رأسه وأمروه بتنظيفه.

وهذا فيما يتعلق بالرتابة، والجمال، وحسن المنظر، فما بالك بما هو أهم في أمور الصحة؟!

(10) دراسة ميول الطفل وتوجيهه حسب ميوله ليستفاد منه، شريطة أن تكون ميولاً شريفة مشروعة:

فتوجه الطفل إلى ما يجب ويفضل من المهن المباحة، يجعله مبدعاً، منتجاً، معطاء، مثابراً.

فمن أول شروط النجاح في العمل أن يكون الإنسان محباً له، مقبلاً عليه بشوق، ورغبة، وخبرة.

والرسول e حين شرع الأذان، قال لمن رأى الأذان في المنام له بذلك: ((رؤيا حق إن شاء الله، قم فأمل على بلال؛ فإنه أندى صوتاً منك))[53].

فقد طلب الأذان ممن يحسنه وهو بلال- رضي الله عنه- لأنه جميل الصوت، قوي النبرات، يمتد بعيداً.

وكم أخفق أطفال وشباب في الدراسة والعمل؛ لأنهم أكرهوا على ما لا يحبون، وأجبروا على مالا يتقنون!

واحسرتاه لقد خلقت أديب               وأراد أهلي أن أكون طبيباً

(11) حسن التوجه بحزم مع حلم:

لأن الليونة ضرراً بالغاً على مستقبل الطفل، تعوده الكسل، والإهمال لواجباته، ولله در من قال:

فقسا ليزدجروا ومن يك راحماً               فليقس أحياناً على من يرحمه

وخير التوجه ما كان في مكارم الأخلاق منذ الصغر، من حيث النظر،والتصرف، والقول، والفعل.

وفي القرآن الكريم قوله تعالى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ( النور: ٥٨

فمن حكمة الله تعالى وعلمه بما يصلح عبادة أنه أمر الآباء والأمهات أن يحتاطوا وقت النوم في غرفة الزوجية مساءً بعد صلاة العشاء، وصباحاً قبل صلاة الفجر، وظهراً عند القيلولة، ويمنعوا أطفالهم وأولادهم من الدخول إلى الغرفة دون استئذان؛ لئلا تقع أعينهم على عورة، أو على ما يجب أن يكون وراء ستر مسبل من الأدب، والحياء؛ لينشأ الطفل عفيف النظر، سليم التصور، نفي الفكر.

ومنه حديث: ((مروا أولادكم بالصلاة لسبع))[54] أي: ليعتاد عليها منذ صغره فيألفها، ويداوم عليها عمره كله محباً لها، مقبلاً عليها برغبة وشوق، خاشعاً فيها.

والأب العاقل، والأم الواعية يربطان الولد بصلة قوية مع ربه، ويشعرانه بأن الفضل الأول والأخير  لله تعالى، وبعرفانه بنعم الله الوافرة عليه، ويدعوانه أن يراقب اله في السر والعلن، ولا يذكران له النار وشدتها إلا بعد أن يصير مميزاً يتجاوز العاشرة، ويعرف معنى المسؤولية والعقاب العادل، لينشأ محباً لله مقراً بفضله، شاعراً برحمته، موقناً بعدله، حريصاً على طاعته، مبتعداً عن كل شر ومعصية حباً، وكرامة، وقناعة، ورضا نفس، وإخلاصاً.

 

 

(12) العناية بلغته العربية لغة القرآن الكريم:

ولا سيما من يعيشون في بلاد أجنبية، لا يتكلم أهلها باللغة العربية، فخدمة اللغة العربية خدمة للإسلام الحنيف، وقيمته، ومثله العليا، ودعم لمكارم الأخلاق.

وهذا يتطلب ما يأتي:

(أ) أن يتكلم الوالدان مع الطفل منذ صغره باللغة العربية السليمة، بعد أن يبذلا جهدهما لفهمها، وسلامة النطق بها.

(ب) أن نختار له المعلم الكفء، ذا الاختصاص في اللغة العربية، يحدثه دائماً بها، فاللغة تتلقى بالمحاكاة والتقليد أكثر مما تتلقى بالتعليم، والصواب أو الخطأ ينتقش في ذهن الطفل منذ صغره، فيردده، ويثبت عليه.

ولذا فإن اختيار ذوي الخبرة والاختصاص في اللغة العربية لتعليم طلاب المرحلة الابتدائية، ذو أثر فعال في  تنشئتهم على فصاحة اللغة، وسلامة النطق.

(ج) اختيار الكتب السهلة الواضحة، ذات العبارات والجمل الميسرة للفهم السريع، البعيدة عن التعقيد في الأسلوب، والخالية من الإطالة في الشرح الممل؛ الذي لا طائل وراءه، وأن تكون أمثلتها من القرآن الكريم، والحديث الشريف، وأفصح أقوال العرب، وأن تستعمل السبورة على أحسن ما يرام مع الحكك- الحوار- الملون لبيان حركة الإعراب، أو البناء، أو عود الضمير، أو التقديم والتأخير، أو الحذف والتقدير؛ ليرسخ ذلك في ذهن الطالب، فيقيس عليه.

إنما النحو قياسٌ يتبع                           بوه في كل علم ينتفع

وأسلوب التعليم للطفل وغيره لا يجوز أن يقتصر على ملء الوعاء بتحفيظه النصوص والأحكام بصماً فحسب؛ بل لا بد لترسيخ من أن يفهم معناها على مستواه، وأن نشاركه في الوصول إلى كثير من النتائج المطلوبة قبل أن نلقنه إياها.

وهذا يتطلب قدح شرارة الفكر عنده ليسأل، ويناقش عن الدليل والتعليل، ولاسيما حين يكون طفلاً مميزاً، قارب مرحلة البلوغ.

فإذا توفرت لديه القناعة مع الفهم، أحب المادة، وتابعها، وآفاد منها.

وعلى أجهزة الإعلام أن تختار في برامج الأطفال أفصح وأبلغ المذيعين، وأحسنهم إلقاء؛ لأنها تشد إليها الصغير والكبير، فيتعلم من برامجه صحيح اللغة، وحسن الإلقاء، فتغدو الفصاحة عادة على لسانه، لا ينفك عنها[55].

وعلى أجهزة الإعلام فيما تعرضه من صور وتمثيليات وقصص وافلام للأطفال وغيرهم، أن ينتبهوا لدورهم الهام الخطير، وأن يصطفوا للعرض ما يتسم بالفضيلة، والصدق، والعفاف، والحق، والعلم الصحيح، وأن يتجنبوا عوامل الإغواء، والإغراء، والتحلل، والتبذل، والأوهام، والخرافات.

متى يبلغ البنيان يوماً تمامه

إذا كنت تبنه وآخر يهدم؟!

إن توافق الطاقات كلها على الحق كفيل بتربية النفس السوية عند الطفل.


الفصل السادس

رعاية اليتيم[56]

كان اليتيم يهمل قديماً- في الجاهلية- ويعتبر مجلبة شر ونجس، وإن عاش ترك مهملاً، ضائعاً، فجاء الإسلام يعتني به، وقد شرع له كل ما يحفظ له حياة حرة، كريمة، وافرة الحقوق، واعتبر المجتمع الإسلامي ككل مسؤولاً عنه في:

(أ) رعاية حياته:

ففي الحديث الشريف: ((أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين)) وقرن إصبعيه الشريفتين))[57] كما ورد: ((خير بيت بيتٌ فيه يتيم يكرم، وشر بيت بيتٌ فيه يتيم يهان))[58].

والإحصاء يقول: نسبة في الأحوال العادية(5/) تزيد في الأوبئة والحروب.


(ب) صون كرامته وحقوقه:

قال تعالى: ) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ  ( البقرة: ٢٢٠

فهم إخوة لنا، لهم حقوق الأخوة من حماية، وصيانة، ورعاية. فهلا يشكر الوالد ربه كثيراً أن مد الله بعمره حتى شب أولاده في أحضانه وعنايته.

ومن مظاهر هذا الشكر أن يعطف على أيتام الآخرين، ولا سيما إذا كان ولياً عليهم؛ ليهيئ الله لأولاده من يحسن إليهم من بعده ) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ( البقرة: ٢١٥

) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدً( النساء: ٩

ولذا فقد جعل الله لهم مصدراً ثابتاً في بيت المال بألا يكون لأحد منهم منة عليه ولم يترك حياة اليتامى معلقة على عاطفة الكرم والسخاء، فقد يبخل الأغنياء، لضعف في إيمان، أو لأثرة، أو شهوة، فاليتامى جزء من خمس وعشرين جزء من الغنائم (1/25)

ففي سورة الأنفال: )  وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ( الأنفال: ٤١

وبذلك حقق له التكافل الاجتماعي عن طريق:

1- تطوع الأغنياء.

2- الغنائم التي تأخذ من الجهاد في سبيل الله.

3- بيت مال الأمة: قال e: ((من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك كلاً أو يتيماً، أو أرملة فعلي))[59].

(ج) استثمار أمواله:

فقد يكون اليتيم غنياً، ورث عن أبيه مالاً كثيراً، فلا يترك نهباً مقسماً لكل طامع أو راغب،ولا يجمد ماله فيتآكل مع الزمن بالتضخم، والصدقات، والإنفاق، والنفقة.

قال e: ((اتجروا لليتيم الصبي- كي لا تأكل أمواله الصدقات))[60].

وهذا دليل الجمهور على وجوب الزكاة في مال الصغير.

ولا يسلم اليتيم ماله حتى يجرب، فإذا بلغ سن الرشد والزواج واعياً راشداً، سلم ماله مع النصيحة والتوجيه.

وعلى الولي، أو الوصي أن يتعفف، فلا يأكلوا من مال اليتيم، فإن كان الوصي فقيراً فله أجره بالمعروف، وما عند الله من ثواب خير وأبقى.

) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا( النساء: ٦


الفصل السابع

العدل والعدالة بين الأطفال واليتامى

ذكوراً وإناثاً

الطفل ذو حساسية شديدة، وذكاء وقاد، وشعور مرهف، فانحياز الوالدين، أو أحدهما لطفل في الأسرة يدركه الآخر منذ العام الثاني من عمره، وكلما ازداد عمره ازداد إدراكه ووعيه، فيسبب له هذا التفريق بين الأولاد في الحب والعطف والعطية قلقاً، وغيرةً، وحسداً، وتباغضاً يظهر غالباً ضد الطفل الذي فضلاه عليه.

وبما أن العدل القلبي صعب التنفيذ، فعلى الوالدين ألا يظهر حبهما الزائد لأحد الأولاد أمام أخوته؛ لئلا يكرهوه فيؤذوه.

وقد رأى رسول الله eأباً مع ولدان له: بنت وصبي، فقبل الوالد الصبي، ولم يقبل البنت، فأنكر عليه رسول الله e ذلك، وقال له: ((ما عدلت بينهما، قبلها كما قبلت أخاها))[61].

كما أن زوجة بشير بن سعد الأنصاري أرادت أن يخص زوجها بشير ولدها منه بعطية خاصة، وأرادت توثيق ذلك بشهادة الرسولe فلما علم الرسول e بذلك قال لبشير: ((أله إخوة))

قال: نعم.

قال: ((أكل أولادك نحلت- أعطيت- مثل هذا، أو مثل ما أعطيته))

قال: لا.

قال e: ((فليس يصلح هذا إني لأشهد إلا على حق))[62].

وفي رواية لأبي داود لا تشهديني على جور- ظلم- إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم، كما لك عليهم من الحق أن يبروك[63].

ومن هنا يظهر أن العدل المادي مطلوب من الوالدين نحو أولادهما، والنفس تميل إلى وجوب ذلك  لا إلى استحبابه كما رأى بعض الفقهاء، إلا لعذر مشروع، كأن يعطي البار المنفق على والديه الكبيرين شيء خاص في حياة والديه، كفاء مع ما قدم من جهد، وبر، ونفقة، أو يخصص لذي العاهة شيء يساعده على أعباء الحياة.

والعاقل من أحسن التصرف فأرضى الجميع.

وفي الحديث الشريف: ((رحم الله والد أعان ولده على بره))[64].

((أعينوا أولادكم على بركم، من شاء استخرج العقوق من ولده))[65].

أي: يحسن بره، وعدله، ولطفه، ورحمته، ومساواته للجميع في العطاء، والمعاملة الحسنة.

ومن طريف ما قرأت في كتب الأدب والتراجم:

أن والداً زوج ولده في سن العشرين، وقال له: لا تقل لأخيك أنني دفعت لك نفقات الزواج، فإنني لا أريد أن أزوجه الآن.

وكان أخوه أصغر منه بسنتين، فعلم بالأمر، فكتب لأبيه رسالة صغيرة قصيرة، فيها شعر بليغ مؤثر يقول فيه:

ليس لي بعد إلهي                مشتكي إلا إليك

وأخي في الفضل مثلي           وكلانا في يديك

لا تفضله علي                   بالحا في ناظريك

إن منحته العين كحلاً           هاجت الأخرى عليك

إنما إبناك كعيـ                   ـنيك  فكحل مقلتيك

فضحك الوالد، وسر من أدب ولده وزوجه كأخيه وعدل بينهما.

كما قرأت أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فقد أخاه في حروب الردة، حيث مات شهيداً، ثم أسلم قال أخيه بعد ذلك فكان عمر يقول له:

غيب عني وجهك؛ لئلا يتذكر أخاه الشهيد؛ الذي كان يحبه كثيراً.

فقال له الرجل: يا أمير المؤمنين هل يمنعني بغضك لي حقي كفرد في هذه الأمة؟

قال: لا، فحقوقك مصونة تصلك كاملة.

قال: لا بأس علي إذاً، إنما يأس على الحب النساء.

ما أعظم عدالة عمر وإنصافه.

ولله ذر من قال فيه:

أمنت لما أقمت العدل بينهم           فنمت بينهم قرير العين هانيها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثامن

تحريم التبني

يتبنى كثير من الناس أطفال من اللقطاء، وأبناء الملاجئ، ويعطينهم أسماءهم وألقابهم، ويعتبرونهم كأبنائهم الشرعيين الحقيقيين في كل شيء. يخالطونهم، ويورثونهم دون أن يذكروا أن الإسلام يحرم ذلك ويعتبره كبيرة من الكبائر المحرمة، حتى ورد عنهe: ((كفر من تبرأ من نسب أو ادعى نسباً لا يعرف))[66].

وقد كان التبني أسلوباً من أساليب الجاهلية دفعت إليه الهمجية، والاضطراب في الحياة ونظام المجتمع. ولما جاء الإسلام نظم حياة الناس، وحرم كل ما هو باطل وزور، ومنه التبني.

) وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ( الأحزاب: ٤ – ٥

وبذلك حرم الإسلام ذلك التلاعب الخطير وأوجب أن ينسب الولد إلى أبيه، ويلحق به إن كان معروفاً، فإن كان لقيطاً أو مجهول النسب جعلناه أخاً لنا في الدين ومولى من موالينا في الملة، يعامل بالعدل والإحسان، والبر، وليس وراء ذلك إصلاح، أو تنظيم أفضل من هذا.

فقد اختار الله تعالى أفضل الخلق محمد e ليهدم به هذا المنكر، وهو التبني، وذلك أنه كان له eعبد مملوك اسمه زد بن حارثة، أهدته له زوجته خديجة- رضي الله عنها- فأعتقه وتبناه قبل البعثة، وكانت العرب تناديه: ولد محمد e.

فلما نزلت الآيات نهاه e عن ذلك وصاروا ينادونه: زيد بن حارثة.

ثم أراد الله تعالى أن يستأصل شأفة هذا السوء، باستئصال أهم نتائجه، وهي تحريم زوجة الولد المتبني على الرجل المتبني، فاختار رسول الله e وهو القدوة الصالحة والأسوة الحسنة للخلق جميعاً ليهدم ذلك بنفسه عملياً،/ بعد أن حرمها قولاً تأكيداً للتحريم.

وإليك البيان:

كان زيد متزوجاً من زينب بنت جحش، وهي قرشية، رفيعة النسب، وكانت تتكبر عليه، ولطالما شكاها إلى رسول الله e فيقول له: ((أمسك عليك زوجك))- راجياً أن تصلح فلا تتكبر- فأصر زيدٌ على طلاقها، وأعلم الله رسوله أنه سيأمره بزواجها بعد طلاق زيد له، وانقضاء عدتها،فخشي أن يظن به المنافقون والكافرون ظن السوء، فصار يقول لزيد: ((أمسك عليك زوجك)) فعاتبه الله على ذلك والله غالب على أمره. وطلقها زيد، وأمر الله تعالى الرسولe بزواجها، فنفذ الأمر، وكان أمر الله قدراً مقدوراً [67].

قال تعالى: ) فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا( الأحزاب: ٣٧

وبما أن حليلة الولد الشرعي الحقيقي حرامٌ على والده )  وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ  ( النساء: ٢٣

فزواج الرسول e من زوجته ولده الذي تبناه، دليل علمي،واضح، قاطع على أن التبني زائف، لاغٍ، والناس تتأثر بالأفعال أكثر من الأقوال.

هكذا أدرك الناس أن الولد المتبني ليس ولداً حقيقياً، ولا يترتب على تبنيه الآثار التي تترتب على وجود الولد الحقيقي من صلب أبيه من إرث، ونفقة...

وقد يقول قائل: ولما حرم الإسلام التبني وهو من رسائل العطف والحنان على اللقيط في اليتيم؟

والجواب: أن المجتمع الإسلامي لا يوجد فيه حاجة التبني؛ لأن اللقيط إما أن يكون ولد غير شرعي أو شرعي تخلى عنه والده.

والإسلام قد حرم الزنا، وأوجب  على الولد رعاية ولده، والإنفاق عليه، فمجتمع الإسلام مجتمع شريف، نظيف، يقوم على أساس الإيمان، والفضيلة، والمسؤولية.

كل فرد فيه يشعر بمسؤولية نحو الخالق، والخلق، والنفس، ويتقرب إلى الله بالإحسان إلى أولاده، وإلى الناس، ويدرك معنى قول الرسول e: ((كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول))[68].

أما ميادين البر والإحسان فهي كثيرة لا تحصى فمن أراد أن يحسن للقيط وقد يوجد لفساد المجتمعات، وتخلي بعض أفرادها عن مكارم الأخلاق والمسؤولية- فليتعده بالرعاية، والمال، دون أن يتبناه، لأن في التبني أخطار كثيرة منها:

Ÿإنه يقوم على الكذب، والافتراء والخلاف الحقيقي ومحاولة صيغ الافتراء بصبغة الواقع، وهذا يؤدي إلى اختلاط الأنساب واضطراب القرابات والروابط الأصيلة في السر. وحفظ الأنساب أصل من أصول الإسلام.

Ÿ إيقاع العداوة بين أفراد الأسرة الواحدة، لما يترتب ذلك من حرمان بعض من يستحق الإرث حقه من ذلك الإرث فقد يرث المتبني كل المال إن كان ذكر، فيحرم أخوة الميت من حقه فيما ترك. وكم أدى مثل هذا إلى جرائم جر إليها الحقد والطيش والحرص على الدنيا ومتاعها!

Ÿ يؤدي إلى فساد خلقي فالمتبني إن كان ذكر فسيظهر عند كبره على نساء لا يحل لهن أن يظهرن عليه، ولا أن يبدين زينتهن له. وإن كان أنثى فستظهر عند كبرها على رجال لا يحل لها أن تظهر أمامهم بزينتها، ولا أن تجالسهم ، ولا سيما في خلوة، كالذي تبناها، وهو ليس أباها. والجميع يعرفون ذكراً كان أو أنثى ليس ولداً حقيقياً بسبب الحرمة، فقد يوسوس الشيطان ويقع ما لا تحمد عقباه، من منكر، ومعصية الله.

Ÿ إيجاد عقد نفسية تترتب على كشف الحقيقة عند الكبر فحين يعلم المتبني الحقيقية، ولا بد أن يعرفها، طال الزمن أو قصر، فإنه سيعيش في حيرة، وقلق، وضجر، باحثاً عن أبيه وأمه متسائلاً عن سبب إهمالهما له، وتخليهما عنه، وقد يتحول إلى مجرم- لا سمح الله- ولا سيما حين يكون من الحمقى من يناديه: (يا ابن كذا) مشيراً إلى حقيقته مع إنها جناية والديه : ) وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ( الأنعام: ١٦٤

والقضاء في العالم كله يشهد من الجرائم، والمصائب، والمشكلات كثيراً مما سببه التبني.

إن الإسلام يحضن اللقيط، ويحسن إليه، ولا يحمله وزر والديه، ولكن في طريق مأمون العاقبة، طهور الساحة، رشيد الحال، حلال الأفعال والأقوال، لا يسيء إلى المجتمع في حاضر، ولا في مآل.


الفصل التاسع

تأديب الأولاد وتوجيههم

إن في الصغار طاقات لو وجهت، وأحسن قيادها، لأثمرت، وأتت بالعجيب، وما أحوج الولد إلى النصيحة، والتوجيهات يسديها له والده في ساعات الفراغ؛ كي يلتزم سبيل الحق، ويسير على نهج سليم. ((الدين النصيحة))[69]كما قال e.

وخير سبيل لإصلاح ولدك أن تصلح نفسك قبل كل شيء فعينه معقودة عليك، وأذنه مصغية لك، فانظر ما تفعل وما تقول، وما تمضي من العمل وما تدع.

ولعل نصيحة هارون الرشيد- رحمه الله- لمعلم ولده خير ما نبدأ به هذا الموضوع، ففيها منهج تربيةٍ رائع، وخطة دراسة وافية، قال:

إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه، وثمرة قلبه، فصير يدك عليه مبسوطة، وطاعته لك واجبة، فكن له بحيث وضعك أبوه.

أقرئه القرآن الكريم، وفسره له، والحديث الشريف واشرحه له.

وعرفه أصدق الأخبار، وروه أجمل الشعار، وبصره بمواقع الكلام.

امنعه من الضحك إلا في موضعه ووقته.

واحمله على تعظيم العلماء، والفضلاء، وكبار السن، ولا تمرن بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة إياها، من غير أن تحزنه فتميت ذهنه.

ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الخطأ، والفراغ، ويألفهما.

قومه ما استطعت بالملاينة والحلم؛ فإن أباهما فعليك بالشدة، والحزم، من غير أذى ولا ظلم.

ألا ليت المعلمين، والمدرسين، والموجهين، والمديرين، وجميع الآباء والمربين يحفظون هذه النصيحة، ويتمثلونها في بيوتهم ومدارسهم، إذاً لأفادوا، وأثمروا.

ولقد اخترت لكم وصايا كثيرة تسير على هذا المنهج الراقي.

نبدأ بوصايا لقمان الحكيم الواردة في كتاب الله الكريم:

)   وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)    ( لقمان: ١٢ - ١٩

وقد مر معك بعض نصائح الرسول eلا بن عباس- رضي الله عنهما- ولغلام آخر في بحث الوسائل التعليمية التربوية في أول الكتاب، فارجع إليها.

ومن وصايا عبد الله بن الحسين- رضي الله عنهما- لولده: أي بني! إني مؤدي حق الله في تأديبك فأدي حق الله في الاستماع مني.

كف عن الأذى، وأرفض البذا- كلام السوء- واستعن على الكلام بطول الفكر في المواطن التي تدعوك نفسك فيها للكلام، فإن للقول ساعات يضر فيها الخطأ، ولا ينفع فيها الصواب.

واحذر مشورة الأحمق الجاهل وإن كان ناصحاً، ومشورة العاقل إن كان غاشاً، أو عدواً؛ لأنه يرديك بمشورته.

وعلى أن رأيك إذا احتجت إليه ووجدته نائم ووجدت هواك يقظان، فإياك أن تستبد به، فإنه حينئذٍ هواك.

وإياك ومعاداة الرجال، فأنك لن تعدم مكر حليم، أو غدر لئيم.

وقال عمرو بن عتبة- رحمه الله-:

لما بلغت خمس عشرة سنة قال لي أبي:

يا بني! قد تقطعت عنك شرائع الصبا فلزم الحياء تكن من أهله، ولا تتركه فتبين منه- أي تنفصل عنه.

ولا يغرنك من اغتر بك فمدحك بما تعلم خلافه من نفسك، فمن قال فيك من الخير ما لم يعلم إذا رضي؛ قال فيك من الشر مثله إذا سخط.

واستأنس بالعزلة عن جلساء السوء تسلم من مغبة عواقبهم.

وللخليفة عمر- رضي الله عنه- نصيحة رائعة لابنه عبد الله- رضي الله عنه- في سفر غاب فيه. قال بعد حمد الله والصلاة على رسوله:

أما بعد؛ فاعلم أن من اتقى الله وقاه، ومن اتكل عليه كفاه، ومن أقرضه- فعل خيراً- جزاه ومن شكره زاده، فاجعل التقوى عمار قلبك وجلاء بصرك وبصيرتك؛ فإن لا عمل لمن لا نية له، ولا خير فيمن لا خشية له، ولا جميل لمن لا خلق له.

أما علقمة بن ليث- رحمه الله- فقد نصح يوماً ولده بقوله:

يا بني! إن نازعتك نفسك يوماً إلى مصاحبة الرجال فاصحب من إذا صحبته زانك- كان لك زينة- وإذا نزلت بك مؤنة- حاجة- ما نك- أعطاك-.

اصحب من إذا قلت الحق صدق قولك، وإذا صلت ضد الباطل- هاجمته- شدد صولك- أعانك-.

اصحب من إذا طلبت منه أعطاك، وإذا سكت عنه ابتذاك- سألك عن حاجتك.

اصحب من يدلك على الله حاله ومقاله.

ورووا أن سيدنا داود لما استخلف ولده سليمان- عليهما السلام- قال له:

يا بني! إياك والهزل فإن نفعه قليل وبه تقوم العداوات بين الأصحاب والأحباب. وإياك والغضب فإنه يستخف صاحبه، وعليك بتقوى الله وطاعته فإنهما يغلبان كل شيء.

وإياك والغيرة على أهلك في غير حق فإن ذلك يورث سوء الظن بالله وإن كانوا أطهاراً.

وأقطع طمعك عن الناس فإنه هو الغني.

وإياك وما يعتذر منه من قول أو عمل.

وإياك والطمع بما في أيدي الناس فإنه فقر الحاضر.

وعود لسانك الصدق، ونفسك العفة،ولزم الإحسان وإن استطعت أن تجعل غدك خير من يومك، ويومك خير من أمسك ففعل.

صلي صلاة مودع ولا تجالس السفهاء، ولا ترد على عالم، ولا تماري في دينك وإذا غضبت فلصق نفسك في الأرض، أو تحول من مكانك إلى مكان آخر، وأرجو رحمة الله فإنها وسعت كل شيء.

ولعل من المفيد أن تضيف من الشعر في النصيحة للأولاد والبنات ما يأتي:

قال الشاعر ينصح الفتاة:

أبنيتي إن أردت آية حسن                 وجمال يزين جسماً وعقلاً

فانبذي عادة التبرج نبذاً                 فجمال النفوس أسمى وأحلى

زينة الوجه أن يرى الناس فيه           شرفاً يسحر العيون ونبلا

فلبسي من عفاف نفسك ثوباً             كل ثوب سواه يفني ويبلى

واجعلي شيمة الحياء خمارا             فهو بالغداة الكريمة أولى

يصنع الصانعون ورداً ولكن            وردة الروض لا تضارع شكلاً

وهذه نصيحة والد لأولاده، وقد قارب لقاء ربه:

يا فتية آذوا أباً                            أفنى ببر بنيه عمر

حرموه بالنزق الشرود                  من الحياة مستقرا

وتزمروا من غير دا                    ع واشتكوا من غير عسرا

وتكبروا كم قائل                         وكأنه بلغ المجرة

طولاً: سئمت حياتكم                    أصلح أيا رباه أمره

تخذوا الحصاة مثالهم                    وأردتهم في التاج درة

أبني لا تتذمروا                          وتدبروا قصدي وغوره

وخذوا الصراط المستقيـ                ـم وحققوا الأهداف عبره

ودعوا التلفت يمنةً                      في درب محياكم ويسره

إن الصلاة عماد هـ                    ـذا الدين شد الله أزره

وأبوكم ما بينكم                       ضيف وفيمن مات عبرة

يسعى لخيركم دؤو                  باً فاغتنموا ما عاش خيره

قد لا يسارع في هوا                 كم فالهوى عقباه مرة

يرخى لكم حبل التدر                رج في الترقي دون طفرة

كيما تصان حقوقكم                  بين الورى تقوى وخبرة

فتسابقوا في المكرما                 ت وحققوا ما عاش بر[70]

أبني لا تستنكروا                     نصحي طريق الحق وعره

إني لمدخر لكم                       وسعى ولست دعي قدره

أملي بكم ما زال وفـ                ـراً والهموم لدي وفره

سلمت أمري للذي                  فطر البرية خير فطره

وستذكرون غداً مقا                لي والدموع تشوب ذكره

وهذا ابن سينا الطبيب ينصح فيقول:

اسمع بني نصيحتي واعمل بها               فالدر منظوم بنص كلامي

لا تشربن عقيب أكل عاجلاً               فتقود نفسك للأذى بزمام

واجعل طعامك كل يوم مرةً          واحذر طعاماً قبل هضم طعام

وهذا شاعر ينصح الفتاة والمرأة:

قل لمن بعد حجاب سفرت                 أبهذا يأمر الغيد الشرف؟!

أسفوراً والحيا يمنعه                        وتقى الله وأداب السلف؟!

إنما النظرة سهم نافذ                 فاحذري أن يخرق السهم الهدف

ليست المرأة إلا درة                   أيكون الدُّرُّ في غير الصَّدف؟!

وهذا شاعر ينصح كل فتى أو طفل فيقول:

كن للأوامر والنواهي حافظا               وعلى الصلاة مواظباً ومحافظاً

واطلب علوم الشرع واجهد واستعن       بالطيبات تصر فقيهاًَ حافظاً

واسأل إلهك حفظ علمك راغباً             في فضله ((فالله خيرٌ حافظاً))

وهذه نصيحة للفتاة بلزوم الحياء:

إن الفتاة حديقة وحياؤها               كالماء موقوفاً عليه بقاؤها

لا خير في حسن الفتاة وعلمها        إن كان في غير الصَّلاح رضاؤها

فحمالها وقفٌ عليها إنما               للنا س منها دينها ووفاؤها

وهذه نصيحة أبي العلاء المعري:

إذا بلغ الوليد لديك عشراً               فلا يدخل على الحرم الوليد

فإن خالفتني وأضعت نصحي          فأنت- وإن رزقت حجى- بليد

وهذا شاعرٌ يخاطب ولده المسيء إليه يقول:

غذوتك مولدوداً وعلتك يافعاً

تعلّ بما أدنى إليك وتنهل

إذا ليلة نابتك بالحزن لم أبت

لشكواك إلا ساهراً أتململ

كأني أنا المطروق دونك بالذي

طرقت به دوني وعيناي تهمل

تخاف الردى نفسي عليك وإنها

لتعلم أن الموت حتم مؤجل

ولما بلغت السن والغاية التي

إليها مدى ما كنت فيك أؤمل

جعلت جزائي غلظة وفظاظة

كأنك أنت المنعم المتفضل

وسميتني باسم المخرف رأيه

وفي رأيك التخريف لو كنت تعقل

فليتك إذ لم ترع حقَّ أبوتي

فعلت كما الجارُ المجاور يفعل

وهذه نصيحةٌ لكلِّ طالب علم:

من حاز العلمَ وذاكره               صلحت دنياه وآخرته

فأدم للعلم مذاكرة                    فحياة العلم مذاكرته

ولحافظ إبراهيم هذه الأبيات في شأن البنات:

ربُّوا البنات على الفضيلة إنها               في الموقفين لهن خير وثاق

وعليكم أن تسبين بناتكم                     سبل الهدى وعلى الحياء الباقي

فالأم مدرسة إذا أعددتها                     أعددت شعباً طيب الأعراق

وهذا شاعر آلمه ما يراه من شباب اليوم فقال:

ويح الشباب من النعومة إنها               أعراض سمٍّ للشعوب وشيك

ما أتعس الزمن الجديد بفتيةٍ                قتلوه بالتصفيف والتدليك

قلبٌ كقرط الغانيات مزعزعٌ               وعزيمةٌ من حيرة وشكوك

عاشوا صعاليك الحياة وليتهم              ظفروا بصدق عزيمة الصعلوك

أبقت ليالي الأنس في أخلاقهم              فزع النعامة وازدهاء الديك

وبنصح الشاعر كلَّ طفل وشاب فيقول:

أتحن وعليك قلوب الورى               إذا دمع عينك يوماً جرى؟!

وهل يرحم الحملَ المستضامَ            ذئاب الفلا أو أسود الشرى؟!

لقد سمع النسر نوح الحمام              فلم يعف عنها ولم يغفرا

بل انقض ظلماً ليغتالها                  وأنشب في نحرها المنسرا

طريق العلا أبداً للأمام                  فويحك هل ترجع القهقرى؟!

وكلُّ البرية في يقظة                    فويلٌ لمن يستطيب الكرى

وصية أم لابنتها يوم زفافها:

أي بنية! إن الوصية لو تركت لفضل أدب لتركت لذلك منك، ولكنها تذكرةٌ للغافل، ومعونة للعاقل، ولو أن فتاة استغنت عن الزوج لغنى أبويها، وشدة حاجتهما  إليها، وحبهما لها، لكنت أغنى النساء عن الزوج، ولكن النساء للرجال خلقن، ولهن خلق الرجال.

أي بنية! إنك تركت البيت الذي فيه ولدت، وخلفت العش الذي فيه درجت، إلى بيت لم تعرفيه، وقرين لم تأليفه، فأصبح عليك رقيباً ومليكاً، فكوني له أمة يكن لك عبداً وشيكاً.

أي بنيّة! خذي عني عشر خصال تكن لك ذخراً، وذكرى، وعبرة.

الصحبة بالقناعة، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة.

التعهد لموقع عينه، والتفقد لموقع أنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشمن منك إلا طيب ريح.

الكحل أحسن الحسن، والماء أطيب الطيب المفقود.

التعهد لوقت طعامه والهدوء عنه عند منامه؛ فإن حرارة الجوع ملهبة، وإن تنغيص النوم مبغضة ومغضبة.

العناية به، وبيته، وماله، والاحترام له، ولذويه، وآله.

فإن الخصلة الأولى من حسن التدبير، والثانية من حسن التقدير.

لا تعصي له أمراً، ولا تفشي له سراً، فإنك إن عصيت أمره، أوغرت صدره، وإن أفشيت سره، لم تأمني غدره.

إياك والضحك إذا كان في حزن وغم.

وإياك والكآبة إذا كان في فرح وسرور.

فإن الخصلة الأولى من التقصير، وإن الخصلة الثانية من التكدير.

كوني أكثر ما تكوني له إعظاماً، يكن أكثر ما يكون لك إكراماً.

وكوني أحسن ما تكونين له موافقة، يكن أفضل ما يكون لك مرافقة.

واعلمي يا بنيتي! أنك لن تصلي إلى مبتغاك حتى تؤثري هواه على هواك، ورضاه على رضاك، والله يختار لك، وهو ولي التوفيق.

فحملت إلى زوجها- وهو أمير كندة- فعظمت في عينيه، وكانت أثيرة[71] لديه،وولدت له سبعة من الذكور، كانوا ملوكاً بعده.


الفصل العاشر

البنت نعمة

من العادات الجاهلية التي لا تزال متأصلة في كثير من الناس كره البنت، والحزن عند ولادتها ) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)  (النحل: ٥٨ – ٥٩

والعجيب الغريب أن النساء أشد كراهية للبنت، وأكثر حزناً عندما تولد. وهذا إن رد إلى شيء، فإنما يرد إلى ضعفٍ في الإيمان، واليقين، والعلم، وجهل كبير بحقائق الأشياء، وحكمة الله تعالى في خلقه، ولما يعلمنه من كره بعض الرجال الجاهلين أن تولد لهم بنت.

والذي نعرفه من التاريخ وحياة العربي العاقل أنه كان يكرم بناته وأولاده، ويحبس نفسه عن السفر، ويمسك يده عن السرف لأجلهن، ويكد للسعي على رزقهن. يقول أحدهم:

ولولا بنيات كزغب القطا                  رُدِدْنَ من بعض إلى بعض

لكان لي متسعاً واسع                       في الأرض ذات الطول والعرض

وإنما أولادنا بيننا                            أكبادنا تمشي على الأرض

لو هبت الريح على بعضهم                لا متنعتْ عيني عن الغمض

أليست المرأة عاملاً أساساً من عوامل إعمار الكون، وبناء المجتمع، وإنجاب الطفل؟

أليست نصف المجتمع يقوي بقوتها، ويضعف، وينهار بضعفها؟

أليس نوع الولد بقدرٍ من الله تعالى، وحكمة منه وفضل، وهو الحكيم القدير؟!

أليس في كونها أماً صالحة، وزوجة مخلصة، ومربية أمينة نفعٌ للأمة، والدين، والوطن معاً، لا يقدر بثمن؟!

وأغرب وأعجب ما يرى، أو يسمع أن هناك من يحزن لولادة البنت في القرن العشرين، في عصر انتشر فيه العلم والمعرفة!!!

أليس في هذا مؤشر إلى أن الحضارات الحديثة فيها من التفلت من قيود الفضيلة، والنزوع نحو ظلم القوي للضعيف، ما أجعل الإنسان يخاف على ابنته اليوم، كما كان يخاف عليها ابن الجاهلية الأولى من العار والفقر؟! وهو يرى رصيداً لا يحصى، وضروباً لا تعدُّ، وفنوناً خطيرة من المغريات الطائشة، والمنكرات الفاحشة، وتنكر للفضائل والمكرمات.

أيها المؤمن المسلم:

إنَّ البنت نعمة وهبة، وهدية من الخالق العظيم إليك، وثواب جزيل عند ربك، إن أنت أحسنت تربيتها، وكنت أميناً على دينها، وخلقها، وسترتها، وعفتها، وتزويجها بعد تعليمها من الرجل الصالح الكفء.

واذكر معي قصتين جميلتين، فيهما عبرة لمن يعتبر:

(1) ولدت امرأة لزوجها البنت الخامسة، فاعتزل الدار إلى بيت قريب، وكان يقال له: أبو حمزة، فعلمت ابنتها شعراً- أرشدها إليه أحد الشعراء العلماء- فأنشدت البنت هذه الأبيات على لسان أمها على باب الدار لأبيها، وهو يتجاوز دارهم صباحاً:

ما لأبي حمزة لا يأتينا                                      ينام في البيت الذي يلينا؟!

غضبان ألا نلد البنينا                                        والله! ما ذلك في أيدينا

وإنما نأخذ ما أعطينا                                      ونحن كالأرض لزراعينا

ننبت ما قد زرعوه فينا

فتأثر الوالد، وبكى وعاد إلى زوجته يعتذر، وإلى أولاده وبناته وأسرته.

(2) روت لنا كتب الأدب رسالة، أرسلها أديب لصديق له رزقه الله بيتاً، فظهر عليه الحزن والتأثير بدل الحمد والشكر، فأرسل إليه يقول:

هنأ الله سيدي وِرْدَ الكريمة عليه، وثَمَّر بها أعداد النسل الطيب لديه، وجعلها مؤذنةً بإخوة بررة، يعمرون أندية الفضل، ويدوم ذكرهم عطراً مدى الدهر.

اتصل بي خبرُ المولودة- أبنتها الله نباتاً حسناً- وما كان من تغيرك بعد اتضاح الخبر، وإنكارك ما اختار الله لك في سابق القدر.

وقد علمت أنهنّ أقرب إلى القلوب، وأن الله بدأ بهن في الترتيب، فقال: ) يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ  ( الشورى: ٤٩ – ٥٠

وما سماه الله هبةً، وبدأ به، فهو بالشكر أولى، وبحسن التقبل أحرى.

أهلاً وسهلاً بعقلية النساء، وأمّ الأبناء، وجالبة الأصهار، والأولاد الأطهار، المبشرة بإخوة يتناسقون، ونجباء يتلاحقون.

فلو كان البنات كمثل هذي               لفضلت النساء على الرجال

فما التأنيث لاسم الشمس عيبٌ          ولا التذكير فخرٌ للهلال

منحك الله البركة في مطلعها، والسعادة في موقعها؛ فادّرع اغتباطاًًًًً، واستأنف نشاطاً.

فالدنيا مؤنثة؛ والرجال يخدمونها.

والأرض مؤنثة ومنها حلقت البرية، وعليها تكثر الذرية.

والسماء مؤنثة وقد حليت بالكواكب، وزينت بالنجوم الثواقب.

والشمس مؤنثة ومنها يستمد القمر نوره.

والنفس مؤنثة وهي توأم الأبدان.

والروح مؤنثة ولولاها لم تتحرك الأجسام، ولا عرف الأنام.

والجنة مؤنثة وبها وعد المتقون، وفيها ينعم الصالحون.

فهنأك الله ما أوليت، وأوزعك شكر ما أعطيت، وأطال الله بقاءك، ما عرف منك النسل والولد، وأبقى ذكرك عطراً ما بقي العصر والأبد، إنه سميع مجيب، فعال لما تريد.

فكنْ أيها الوالد طيباً، وعشْ في أسرتك راضياً طيباً مرضياً، يأتك الصهر الطيب، وتعش ابنتك عنده حياة سعيدة طيبة، فالطيبات للطيبين والطيبون للطيبات.


الفصل الحادي عشر

فتنة الأهل والمال والولد

جاء في الصحيحين أنه e قال: ((فتنة الرجل في أهله وماله وولده تكفرها الصلاة، والصوم، والصدقة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر))[72].

والفتنة: هي الاختبار والامتحان بما يشق على النفس فعله أو تركه، قبوله، أو إنكاره. وتكون في الاعتقاد، والقول، والفعل، والخير، والشر.

) وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ( الأنبياء: ٣٥

وقد وردت آيات كثيرةٌ يتفق الحديث معها في هذا التحذير، وتنبيه المؤمن من هذه الفتنة، حتى لا يقعوا في الهاوية، ويبوؤوا بالخسران، ومنها قوله تعالى:

ﭽ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﭼ المنافقون: ٩

وقوله تعالى:

) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ  ( الأنفال: ٢٨

(1) فتنة الرجل في أهله تكون بالميل إليهن، أو عليهن في القسمة والإيثار؛ ولذا جاء التحذير القرآني: ﭽ  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﭼ النساء: ١٣٥

ومنها: تعصبه لهم، وتأيدهم ولو على باطل: )  وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى (  الأنعام: ١٥٢

ولذا منع القاضي نم قبول شهادة أصل، أو فرع، أو زوجية لأحد الخصمين، احتياطاً لمن الظلم والزور.

ومنها: الاستعانة بهم في دفع مكروه، ولو كان في أمر غير مشروع، فالتفاخر، والتباهي، والتعالي بهم على الآخرين.

قال e: ((ليس منا من دعا إلى عصبية))[73] لأن أكرم الناس عند الله أتقاهم.

(2) وأما فتنة المال فتكون بالاشتغال عن العبادة حرصاً على جمعه، فيدع لذلك الطاعات، وكثيراً من الواجبات نحو الخالق، والخلق، والأهل، والنفس، ويؤثر عليها حطام الدنيا الفانية ﭽ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﭼ الجمعة: ١١

أو قد يشغله المال والأهل عن جهاد، ودفاع عن مقدساته، ووطنه: ) سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا ( الفتح: ١١

ومن فتنة المال كنزه وحبسه عن إخراج حق الله منه، وهي حقوق الناس:

) وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ  (   التوبة: ٣٤ - ٣٥

ومن فتنة المال أخذه من غير حله، وصرفه في غير مصرفه المشروع، وفي الحديث الشريف: ((كل لحم نبت من السحت فالنار أولى به))[74].

(3) وأما فتنة الولد فتكون بفرط المحبة، والشغل به عن كثير من الطاعات والصالحات، وقد يحرم الوالد ولده تأديباً له، فيموت، أو يمرض، فيكون فقده تأديباً له بعد أن آثره على الله، والواجبات، والطاعات، والصالحات.

وقد يكون بالتوغل في الاكتساب من غير اتقاء الحرام والمحرمات؛ ليضمن للولد حاجاته، ومتطلباته، ورفاهيته.

فالأولاد ثمرة الفؤاد، وأفلاذ الأكباد، وحبهم فطرة وضعها الله في قلوب الآباء والأمهات؛ مما يحملهم على بذل كل جهد من أجل رزق وراحة الأولاد وسعادتهم. ولا ما نع من هذا شريطة أن يكون في ساحة الحق، والحلال، والمشروع.

) الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا  (

الكهف: ٤٦

وإذا كان الإنسان يرى في المال والولد منعته وسروره، فهي فطرة يثاب عليها إذا كانت في ساحة حسن القصد، وشرف العناية الغاية، ونيل الهدف.

وغاية ما يطلب منه:

أن يجمع المال من حلال، ويضعه في ساحة الباقيات الصالحات، وأن يربي الولد على الصلاح، والإصلاح، والفلاح، والنجاح بالقدوة الصالحة، والتوجيه السديد الرشيد، أما الدلال، والإهمال، وغض الطرف عن هفواته وأخطائه، دون معاقبة، أو توجيه فتلك طامة تنعكس على مستقبله، فيخفق في الحياة العملية والكسب إن كان رجلاً، وفي الحياة الزوجية إن كانت امرأة.

يقول علي- رضي الله عنه-: أشد الناس حسرة يوم القيامة رجلان: غني يرى ورثته يدخلون الجنة بماله وهو دخل بماله النار، وعالم يرى الناس يدخلون الناس يدخلون الجنة بعلمه وهو يدخل بعلمه النار.

ومن فتنة الولد العويل عليه، والنياحة إذا مات، والتصرف بما يشعر بعدم الرضا بما قدر الله تعالى أو قضى، كما كان يفعل أهل الجاهلية، ولذا فقد قال e: ((ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية))[75].

أما واجب المؤمن المسلم فهو:

(أ) اتقاء خطر فتنة المال يكسبه من الحلال، وإنفاقه في الوجوه المشروعة.

ورحم الله من قال:

المال يذهب حله وحرامه                  يوماً وتبقى بعده آثامه

ليس التقي بمتقٍ لإلهه                      حتى يطيب شرابه وطعامه

ويطيب ما يجني ويلبس أهله             ويطيب من حسن الحديث كلامه

نطق النبي لنا به عن ربه                فعلى النبي صلاته وسلامه

(ب) واتقاء فتنة الأهل، والجيران، والناس، بترك الحسد، والمفاخرة، والمكابرة بغير الحق، والتزام حدود الشرع وإتباع الحق وترك الهوى.

(ت) واتقاء فتنة الولد بالقيام بما أو

جب الله على الوالدين ن حسن تربية أولادهما للدين، والخلق، ومحبة الخلق، والحق، والسعي لخير الجميع، وإبعادهم عن أسباب المعاصي، والرذائل: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ   ( التحريم: ٦

ومما يساعد على تجنب أخطار فتنة الأهل والمال والولد وتكفير الصغائر في ذلك: الصلاة، الصوم، الصدقة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر كما أشار إلى ذلك الحديث الشريف: ((الصلاة إلى الصلاة والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهم إذا اجتنبت الكبائر))[76] أي: ولم يصر على الصغائر.

) إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ( هود: ١١٤

ورحم الله من قال:

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم                     فطالما استعبد الله إحسانُ

يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته                     أتطلب الربح مما فيه خسرانُ؟

أنهض إلى النفس واستكمل فضائلها                فأنت بالنفس قبل الجسم إنسانُ

الفصل الثاني عشر

اختيار الصديق

من تمام تربية الطفل أن تختار له الصديق الصالح الطيب، فالصاحب ساحب، وأكثر فساد الأطفال والشباب سببه فساد رفقائهم.

وعلماء الاجتماع يقولون: الإنسان مدني بطبعه، بمعنى أنه يحتاج إلى غيره حتى يسعد، ويستقيم حياته، وتتوفر حاجاته. وهذا صحيح.

فالناس للناس من بدو ومن حضر                   بعض لبعض- وإن لم يشعروا- خدم

فلا بد إذن للطفل والشاب من اتخاذ أصدقاء مخلصين، يفرحون لفرحهم، ويحزنون لألمك.

والصديق المخلص زينة في الرخاء والسراء، وعون في البلاء والضراء. وقد ورد عنه e: ((المرء كثير بأخيه))[77].

((ولا خير في صحبة من لا يرى لك من الحق مثل ما ترى له))[78].

والخليفة عمر- رضي الله عنه- يقول في لقاء الخلان جلاء الأحزان.

ولما سأل الحسن أباه علياً- رضي الله عنهما- عن الغريب أجاب الغريب من ليس له صديق، أو حبيب.

ورحم الله القائل:

هموم أناس في أمور كثيرة               وهمي من الدنيا صديق مساعد

نكون كروح بين جسمين قسمة           فجسماهما جسمان والروح واحد

وإنما سمي الصديق صديقاً لصدقه كما سمي العدو عدواً لشره وعدوانه.

وسمي الخليل خليلاً، لأن محبته تخلل في قلب من حوله لصدقه في قوله، وإخلاصه في سلوكه وعمله، فلا تدع محبته فراغاً في القلوب إلا أصلحته، وملأته بالمودة والمحبة.

وفي الحديث الشريف: ((المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل))[79]

فالأب المخلص، المحسن، الصادق، الطائع، الطيب، يصدق فعله قوله، لا بد أن تخلل محبته قلوب زوجته وأولاده فيقتدوا به بعد أن يحبوه، ويتقوا الله به.

فمن رأى من أسرته عداوة، أو إعراض فليصلح حاله، وليحاسب نفسه قبل أن يلومها، فإن القلوب جبلت على حب من أحسن، وصدق، ووفى، وعلى كره من أساء، وكذب ونفاق.

والمحبة والأخوة تنشأن بين شخصين من وجهين:

1- إما أن تكون مكتسبة بالاتفاق، وهي أقوى، وأرسخ، وفيها ورد: ((الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف))[80].

2- فإما أن تكون مكتسبة بالقصد، والاختيار، والبحث، والدراسة.

ومن أغرب ما يحدث أن يجد المرء إخلاص من صديق على حين يجد عداوة أحياناً، وهذا وإن كان نادراً قديماً فقد كثر وهو أشد على النفوس من ضرب الحسام، وصدق من قال:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة                  على المرء من وقع الحسام المهند

 

أو قال:

يخونك ذو القربى مراراً وربما                   وفي لك عند العهد من لا يناسبه[81]

وفي الأثر: (رب أخٍ لم تلده أمك).

ويجد ربي في هذا المجال أن أذكر القارئ الكريم قصيدة أثرت في كثيراً حينما قرأتها لأول مرة، وهي أن رجل يقال له: نصير، كان صالحاً يسكن القاهرة، فاز ببطولة حمل الثقال فكرموه بحفل جامع، حضره الشاعر أحمد شوقي – رحمه الله- خاطبه قائلاً:

قل لي نصير وأنت بَرٌّ صادق               أحملت إنساناً عليك ثقيلا؟

أحملت ديناً في حياتك مرةً                  أحملت يوماً في الضُّلوع غليلا؟

أحملت ظلماً من قريبٍ غادر               أو كاشح بالأمس كان خليلا؟

أحملت مناً في النهار مكرراً                والليل من مُسدٍ إليك جميلا؟

أحملت طغيان اللئيم إذا اغتنى              أو نال من جاهِ الأمور قليلا؟

تلك الحياة وهذه أثقالها                      وزن الحديد بها فعاد ضئيلا

لم لا يلين لك الحديد ولم تزل               تتلو عليه وتقرأ التنزيلا!

فعلينا أن نعلم أولادنا كيف يختارون الصديق، وأن نكون على علم بذلك، ورقابة له، وذلك بأن يسبر غوره، ويكشف حاله، ويتعرّف على أخلاقه، وألا يغتر بالتصنع والملق، فيدفعه حسنُ الظن إلى اتخاذه صديقاً، فالملق والنفاق مصايد العقول، وتدليس مضرّ، وليس فيما يتصف بهما خير يرجى، ولا صلاح يؤمّل؛ ولذا قالت الحكماء:

اعرفِ الصديق م نفعله لا من قوله، واعرف محبّته من سلوكه وعينه، لا من تصنعه ولسانه.

فالعينُ تعرف من يعني محدّثها

إن كان من حِبِّها أو من أعاديها

ولله درّ من قال:

باح دمعي فليس يكتم سراً               ووجدت اللسان في كتمان

كنت مثل الكتاب أخفاه طيٌّ             فاستدلوّا عليه بالعنوان

وقديماً سألت مجلةٌ أدبية هذا السؤال:

مالي أرى الشَّمع يبكي في مواقده

خوفاً من النار أم من فرقة العسل؟

فكان أحسنَ ردّ وجواب قولُ القائل:

من لم تجانِسه احذر أن تجالسه

ما ضرّ بالشمع إلا صحبة الفتل

وما أحسن ما قال الشاعر:

كم من أخٍ لك لست تنكره               ما دمت من دنياك في يسر

متصنع لك في مودّته                    يلقاك بالترحاب والبشرِ

فإذا عدا- والدهرُ ذو غِيَرٍ-              دهرٌ عليك عدا مع الدّهرِ

فترفض بإجمال مودّة من               يقلي المقل ويعشق المثري[82]

وعليك من حلاه واحدة                 في العسر إمّا كنت واليسرِ[83]

وقد ورد عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قوله: ليس شيء أدلَّ على شيء، ولا الدخان على النار، من الصاحب على الصاحب.

وفي هذا يقول الشاعر:

عن المرء لا تسأل وسَل عن قرينه

فكلُّ قرينٍ بالمقارن يقتدي

إذا كنتَ في قوم فصاحب خيارهم

ولا تصحبِ الأردى فتردى مع الردي

فيجب أن يتحرَّر المرءُ من دخلاء أهل السوء، ويبتعد عن أهل الرِّيَب، ليكون مصون العرض، سليم السّمعة.

والمظهر الحسن ليس دليل القلب الطيب دائماً، فليحذر العاقلُ أن يصاحبَ من يحس ظاهره، وباطنه خبيث.

ألم تر أنَّ الماءَ يخبثُ طعمه               وإن كان لونُ الماء أبيض صافيا

حدَّثوا أنَّ حكيماً نظر إلى رجل سوء، حسن المظهر، سيئ المخبر، فقال فيه:

أما البيت فحسن وأما الساكن فرديء، فأفاد الشاعر من هذا فقال:

ربِّ ما أبين التباين فيه               منزل عامر وعقل خراب

ولذا قال أحد الحكماء: يا بني! قبل أن تصاحب أحداً افعل ما يثير غضبه، فإن تصبَّر وتأدب فصاحبه، وإن أساء وغضب فاتركه.

لأنَّ من مل يقدم الامتحان على الثقة، والثقة على المودة، أثمرت صداقته ندماً وحسرة، والمقاطعة قبل الاختبار أفضل من الصحبة على اغترار.

والصديق الوفي تتوفر فيه أربع خصال:

(1) عقل راجح موفور، يهدي صاحبه إلى مراشد الأمور، فإنَّ الحمق لا تثبتُ معه مودة، ولا تدوم صحبة. وقد ورد في الخبر:

البذاء لؤم، وصحبة الأحمق شؤم؛ ذلك لأن الأحمق يضرّ من حيث يظنّ أنه ينفع.

فإن خيرت بين الناس فالصق               بأهل العقل منهم والحياء

فإنَّ العقلَ ليس له إذا ما                     تفاضلت الفضائل من كِفاء[84]

وقال الشاعر:

احذر الأحمقَ أن تصحبه               إنما الأحمقُ كالثوب الخلق[85]

كلما رقعت منه جانباً                   حركته الريح وهنا فانخرق

كحمار السّوء إن أشبعته               رَمَح الناس وإن جاع نهق

أو كصدع- في زجاج- فاحش         هل ترى صدع زجاج يرتتق؟

وقال آخر:

ولا تصحب أخا الجهلِ               وإيِّاك وإيِّاهُ

فكم من جاهل أردى                  حكيماً حين آخاهُ

يُقاسُ المرء بالمرء                   إذا ما المرءُ ما شاهُ

وللشيء على الشيء                 مقاييسٌ وأشباهُ

وللقلب على القلب                    دليلٌ حين يلقاه

(2) الخوف من الله تعالى، فهو رِدءٌ عند الحاجة، وعونٌ عند النائبة، وأنيس في الوحشة، وزين عند العافية، والخليل بلا دين خلٌّ وعَلقم.

وفي القرآن الكريم: ) الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ   ( الزخرف: ٦٧

وفي الحديث الشريف: ((لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي))[86]

ولله درّ حسان بن ثابت- رضي الله عنه- فقد قال:

أخلاء الرَّخاءِ همُ كثيرٌ               ولكن في البلاء همُ قليلُ

فلا تغررك خلة من تؤاخي      فما لك عند نائيةٍ خليلُ

وكلُّ أخ يقول: أنا وفيٌّ           ولكن ليس يفعلُ ما يقول

سوي خلٍّ له حسبٌ ودينٌ        فذاك لما يقول هو الفعولُ

(3) له خلق حميد، وأقوال نقيّة، وأفعال رضيّة، يؤثر الخير، ويكره الشر.

ولله درّ المعري حيث قال:

ولا تجلس إلى أهل الدنايا               فإن خلائق السفهاء تعدي

ومخالطة السفهاء والأشرار كركوب البحر الهائج، إن نجوت فيه من الغرق، فلن تنجو من خوفٍ، أو ألم، أو قلق. وصحبة الأشرار تورثُ سوء الظن بالأخيار.

(4) أن يكون ميلُ كلٍّ من الصديقين لصاحبه إخلاصاً لوجه الله تعالى، فمن السَّبعة الذين يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ((رجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه، وتفرقا عليه))[87]

ويعرف الصديق عند الضيق. والمحك يكون عند الشدائد والحاجات. وفي ذلك يقول الشاعر:

جزى الله الشدائد كلَّّ خير               وإن كانت تعصصني بريقي

وما حبي لها إلا لأني                    عرفت بها عدوي من صديقي

 

ويقول آخر:

فإمّا أن تكون أخي بحقّ               فأعرف منك غثي من سميني

وإلا فاطر حني واتخذني              عدوّاً أتقيك وتتقيني

الفصل الثالث عشر

ذكاء الأطفال

لا ريبَ أخيراً أننا سنصلُ بعد التربية الناجحة إلى إنشاء جيل ذكي، حيوي، قوي في تفكيره وجسده، يحسن القول والفعل، وقد يفوق الصغيرُ الكبيرَ في بعض الأمور. وقديماً قالوا: قد يوجدُ في الساقية ما لا يوجد في البحر، أي: من الخير.

وقد مرَّ معك في الكتاب نماذج من ذلك، كقصة والد عمر بن الخطاب- رضي الله عنهما- والنخلة، وقصة من كتب لأبيه رسالة ليزوجه كأخيه الأكبر فزوجه، ونضيف هذه القصص لعلَّ فيها عبرة وذكرى لمن يتذكر.

جاء أبو النظام بولده إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي- رحمهما الله- ليمتحنه، ويضعه في الصف المناسب له، فقال له الخليل: يا غلام! صف لي هذه الكأس.

فقال: أأمدحها أم أذمّها؟

قال: امدحها- وهي من زجاج-.

فقال: تريك القذى، وتقيك الأذى، ولا تستر ما روى.

فقال: ذمّها.

فأجاب: سريع كسرها، بطي جبرها، مؤلم جرحها.

فقال: صف لي هذه النخلة.

فقال: بمدح أم بذم؟

قال: امدحها.

فقال: ناضر أعلاها، حلو مجتناها، باسق منتهاها.

فقال: ذمّها.

فقال الغلام: صعبة المرتقى، بعيدة المجتنى، محفوفة بالأذى.

فقال له الخليل: يا غلام! نحن أحوج إلى أن نتعلم منك. وفيه تواضع المعلم، وحسن تقدير الطالب.

وكلنا يذكر ذلك الغلام الذي وفد إلى عمر بن عبد العزيز- رحمه الله- فاستصغره حين تقدم يتكلم  باسم الوفد، وقال: ليتكلم أكبر منه سناً.

فقال الغلام: يا أمير المؤمنين! لو كان المرءُ يقدِّم بسنه لكان بين المسلمين من هو أحق منك بالخلافة، ولكن الله إذا رزق العبد عقلاً حافظاً، ولساناً لافظاً كان جديراً بالكلام، فأعجب به عمر، وسمح له بالكلام فأجاد، فقال عمر:

تعلم فليس المرء يولد عالماً               وليس أخو علم كمن هو جاله

وإن كبير القوم لا علم عنده               صغير إذا التفت عليه المحافل

وهذا غلامٌ آخر يظفر معن بن زائد ببعض أعدائه، وكان معهم، فهم بقتلهم، فقال له الغرم: إننا على جوعٍ وعطش، أفتقتلنا قبل أن تطعمنا وأنت كريم؟! فطلب لهم طعاماً وشراباً، فلما أكلوا وشربوا قال الغلام لمعن: أيها الأمير! لقد أصبحنا ضيوفك بعد أن أكلنا طعامك، وشربنا شرابك، وما أظنك ترضى أن يقال: إن معناً قد قتل ضيوفه.

فقال له معن: ويحك! خدعتني،و غلبتني. وعفا عنهم.

وهذا غلامٌ آخر يتصدَّر وفداً إلى هشام بن عبد الملك فيغضب، ويفول مخاطباً حجّابه: أتدخلون عليّ من أراد حتى الصبية؟!

فقال الغلام: السلام عليكم يا أمير المؤمنين! فردّ الأمير السلام.

فقال الغلام: أيها الأمير! إن دخولي عليك لم يضرّك وقد شرفني، والقوم أتوك بحاجاتهم، وهي بين طيّ ونشر. فإن شئت طويتها وانصرفنا، وإن شئت نشرتها.

فقال: انشرها.

فقال الغلام: لقد أصابتنا ثلاث سنين عجاف، سنة أكلت اللحم، وسنة أذابت الشحم، وسنة دقت العظم، وقد بلغنا أنَّ لديك فضول أموال. فإن كانت للناس فوزعها عليهم، ولا يحقُّ لك حبسها عندك، وإن كانت لله فوزعها على عباده، فما كان لله فهو لعباده، وإن كانت لك فتصدَّق بها على المحتاجين، والله يجبُّ ويجزي المحسنين.

فقال: والله ما تركت لي مخرجا، ولا حجة، ولا حيلة. وأعطاهم ما يريدون، وفرض له مبلغاً، ردَّه الغلام على قومه، ولم يرض أن ينفرد به.

وهذا الشاعر البحتري يرى غلاماً في مجلس الأمير، وحوله الشعراء ينشدون شعرهم، فسأل البحتري الغلام: ما وجودك هنا بين الشعراء؟!

قال: إنني أتقن الشعر، فأراد البحتري أن يمتحنه فقال: أتمم هذا الشطر، واجعله بيتاً من الشعر:

ليتما بين من أحب وبيني               ............

فقال الغلام: أتريد القرب أم البعد؟

فقال: فإن أردتُ القربَ فما تقول؟

قال: أقول:

ليتما بين من أحب وبيني               مثل ما بين حاجتي وعيني

قال البحتري: فإن أردتُ البعد فما تقول؟

فقال الغلام: أقول:

ليتما بين من أحب وبيني               مثل ما بين ملتقى الخافقين[88]

فأعجب البحتري بذكاء الغلام، وحدَّث الأمير- وأظنه المتوكل- فأحسن إليه، وأكرم أهله.

ألا إنَّ في الأطفال طاقات عظيمة يجبُ أن ننميها، ونحسن تغذيتها، وتدريبها، وتوجيهها لتغدوَ كما نريد في مستقبلها، فإنَّ حياة الطفل أو الشاب حياة فخمة، ليست حياة فرد؛ بل مستقبل أمّة، فاعتبروا يا أولي الأيصار. 

الفصل الرابع عشر

أبوة

لعمر بها، الأميري

أين الضجيج العذب والشغب؟!               أين التدارس شابه[89] اللعب؟!

أين الطفولة في توقدها                        أين الدمى في الأرض والكتب؟!

أين التباكي دونما غرضٍ؟!                   أين التشاكي ماله سبب؟!

أين التباكي والتضاحك في                    وقتٍ معاً والحزن والطرب؟!

يتزاحمون على مجالستي  والقرب مني حيثما انقلبوا

يتواجهون بشوقِ فطرتهم                     نحوي إذا رغبوا وإن رهبوا

فنشيدهم بابا إذا فرحوا                        ووعيدهم بابا إذا غضبوا

وهتافهم بابا إذا ابتعدوا                        ونجيهم[90] بابا إذا اقتربوا

بالأمس كانوا ملءَ منزلنا                     واليوم- ويحَ اليوم- قد ذهبوا

وكأنما الصَّمت الذي هبطت                  أثقالهُ في الدَّار إذ غربوا

إغفاءة المحموم هدأتها                        فيها يشيع الهمُّ والتعبُ

إني أراهم حيثما اتجهت                      عيني وقد سكنوا وقد وثبوا

وأحسُّ في نفسي تلاعبهم                     في الدار يصيبهم نصب[91]

وبريق أعينهم إذا ظفروا                     ودموع حرقتهم إذا غلبوا

بالأمس كانوا ملءَ منزلنا                    واليومَ- ويح اليوم- قد ذهبوا

في كل ركنٍ منهم أثرٌ                        وبكل زاويةٍ لهم صخب

في الباب قد كسروا مزالجه[92]                وعليه قد رسموا وقد كتبوا

في النافذات زجاجها حطموا                 في الحائط المدهون قد ثقبوا

في الشطر من تفاحةٍ قضموا[93]                في علبة الحلوى التي نهبوا

في الصَّحن فيه بعض ما أكلوا               في فضلةِ الماء التي سكبوا

إني أراهم حيثما اتجهت                      عيني كأسرابِ القطا[94] سربوا[95]

بالأمس كانوا ملءَ منزلنا                     واليومَ- ويح اليوم- قد ذهبوا

دمعي الذي كتمته جلداً[96]                       لما تباكوا عندما ركبوا

حتى إذا رحلوا وقد نزعوا                    من أضلعي قلباً بهم يجب[97]

ألفيتني كالطفل عاطفةً                        فإذا به كالغيث[98] ينسكب

قد يعجب العذال من رجل                    يبكي ولو لم أبكِ فالعجبُ

هيهات ما كلُّ البكا خورٌ[99]                    إني- وبي عزمُ الرجال- أبُ

خاتمة

معشر الآباء والأمهات:

اعلموا- هداني الله وإياكم سبل السلام- أن الأطفال والشباب وسائر الأنام، لا يمنعهم من المعاصي والآثام والإجرام؛ إلا أن يؤمنوا بالله الواحد العليم العلام، ويعرفوا أن هذا حلال وذاك حرام، ويلتزموا الصراط المستقيم كمال الالتزام، من المهد إلى الحِمام- الموت- ولكم مني ألف تحية وسلام.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.


فهرس الموضوعات



مقدمة.

الفصل الأول: الوسائل المعينة في التربية الناجحة

الفصل الثاني: وسائل الإيضاح

الفصل الثالث: أولادنا أكبادنا

الفصل الرابع: خلف الرجولة

الفصل الخامس: فكرة رياض الأطفال

الفصل السادس: رعاية اليتيم

الفصل السابع: العدل والعدالة بين الأطفال واليتامى

الفصل الثامن: تحريم التبني

الفصل التاسع: تأديب الأولاد وتوجيههم

الفصل العاشر: البنت نعمة

الفصل الحادي عشر: فتنة الأهل والمال والولد

الفصل الثاني عشر: اختيار الصديق

الفصل الثالث عشر: ذكاء الأطفال

الفصل الرابع عشر: قصيدة أبوه للأميري

خاتمة.

فهرس الموضوعات

 

[1] رواه أحمد (5/34و372)

[2]  رواه أحمد (1/409-410) والبخاري في التوحيد (7534) مسلم في الإيمان (85)

[3] رواه أحمد (3/436) والبخاري والأذان (631) ومسلم في المساجد(674)

 رواه أحمد (3/318) والنسائي في المناسك (5/270)[4]

[5] رواه مسلم في الفضائل (2363)

[6] رواه البخاري في الأطعمة (5376) ومسلم في الأشربة (2022)

[7] رواه الترمذي في صفة القيامة (2516)

[8] رواه أحمد (5/230) وأبو داود في الأقضية (3592) والترمذي في الأحكام (1327)

((لا آلو)): لا أقصر في الاجتهاد، ولا أترك بلوغ الوسع فيه.

[9] رواه أحمد (1/382) والبخاري في الرقاق (6442) والنسائي (6/237-238)

((ما قدمت)): أي في حياتك. ((ما أخرت)): أي بعد موتك.

[10] رواه أحمد (2/303و 334) ومسلم في البر والصلة (2581) والترمذي في صفة القيامة (2418)

[11] رواه أحمد (1/162) والبخاري في الإيمان (46) ومسلم الإيمان (11)

[12] رواه أبو داود في الصلاة (1555)

[13] رواه أبو داود في الزكاة (1641) وابن ماجه في التجارات (2198)

[14] رواه البخاري في البيوع (2072و 2073)

[15] ذكر ابن هشام في السيرة النبوية (2/140)والذهبي في تاريخ الإسلام، السيرة النبوية (ص:330)

[16] رواه أحمد (1/403و454)وذكر الهيثمي في مجمع الزوائد (9/304) وعزاه ابن القيم في حادي الأرواح (ص: 188) لأحمد بن منيع في مسنده، وقال: إسناده على شرط مسلم.

 

[17] رواه البخاري في أحاديث الأنبياء (3465) ومسلم في الذكر والدعاء (2743)

[18] رواه أحمد (4/270) والبخاري في الأدب (6011) ومسلم في البر (2586).

[19] رواه أحمد (4/269) والبخاري في الشركة (2439).

[20] رواه البزار كما في كشف الأستار (3307) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (7/266)

[21]رواه أحمد (6/428)  والبخاري في الأنبياء (3346) ومسلم في الفتن (2280) (2)

[22] انظر: تخريج الحديث السابق.

 

[23] رواه أحمد (2/441) وأبو داود في الفتن (4249)

((كف يده)): أي: عن القتال.

((كف لسانه)): أي: عن الكلام في الفتن لشدة الخطر في ذلك.

[24] رواه أحمد (1/385) والبخاري في الرقاق (6417) والترمذي في صفة القيامة (2454) وابن ماجه في الزهد (4231)

[25] رواه أحمد (3/201) والبخاري في المظالم (2443و 2444) والترمذي في الفتن (2255)

[26] رواه أحمد (5/43 و51) والبخاري في الإيمان (31) ومسلم في الفتن (2888) (15)

[27] رواه أحمد (1/387) والبخاري في الأدب (6016) ومسلم في الإيمان (46)

[28] رواه أحمد (2/346) ومسلم في البر (2551)

[29] رواه أحمد (2/27) وأبو داود في البيوع والإجارات (3539) والترمذي في البيوع (1299) والنسائي (6/265) وابن ماجه في الهبات (2377)

[30] رواه البخاري في أحاديث الأنبياء(3475)ومسلم في الحدود (1688) (8)

[31] رواه أحمد (1/165 و167) والترمذي في صفة القيامة (2510).

[32] رواه ابن ماجه في النكاح (1968)

[33]  رواه أحمد (2/428) والبخاري في النكاح (5090) ومسلم في الرضاع (1466)

[34] رواه الطبراني كما في مجمع الزوائد (6/35)

[35]  رواه البخاري ومسلم في بدء الخلق (3231). ومسلم في الجهاد والسير (1795)

[36]  رواه أحمد (6/361) ومسلم في النكاح (1442) (140) وأبو داود في الطب (3882)والترمذي في الطب (2076) والنسائي (6/106-107) وابن ماجه في النكاح (2011)

[37] رواه الديلمي في مسنده الفردوس (319)وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ترجمة رقم (2637) والقرطبي في تفسيره (10/275و 16/241).

[38]  رواه أحمد (2/239) والبخاري في اللباس (5889) ومسلم في الطهارة (257) (49)

[39] سيرة ابن هشام (2/5) والسيرة النبوية للذهبي (ص: 149)

[40]  ((بنت العنقود)): الخمرة

[41]  ((أحرب)): أغضب وأتوجع.

[42]  ((سرنديب)) و((تكرور)): أماكن اشتهرت بذلك.

[43]  رواه أحمد (3/119)والبخاري في الأدب (6129) ومسلم في المساجد (659)

[44]  رواه الترمذي في الأدب (2799) بلفظ: ((إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جَواد يجبّ الجود، فنظفوا أفنيتكم.))

[45]  رواه ابن عساكر كما في كنز العمال (45413)

[46]  رواه ابن النجار كما في كنز العمال (29338)

[47] رواه أحمد (2/12و 115) والبخاري في العلم (72) ومسلم في صفات المنافقين (2811)

[48] رواه البخاري في الأدب (5997) ومسلم في الفضائل (2318)

[49]  رواه الرامهرمزي في الأمثال، وابن عساكر كما في كنز العمال (37687)

[50]  رواه البخاري في الأذان (707) ومسلم في الصلاة (470) (192)

[51]  رواه أحمد (3/494) والنسائي (2/230)

 [52]  رواه أحمد (6/139 و222)وابن ماجه في النكاح (1976)

[53]  رواه أبو داود في الصلاة (499)وابن ماجه في الأذان (706)

[54]  رواه أبو داود في الصلاة (495و 496)

[55]  راجع كتابنا ((الأسرة المثلى)) الموضوع الأخير؛ للمزيد من هذه الفكرة.

[56] ((اليتيم)): هو من مات أبوه وهو دون البلوغ.

[57]  رواه أحمد (5/333) والبخاري في الطلاق (5304) والترمذي في البر (1918) من حديث سهل بن سعد.

 

[58]  رواه ابن ماجه في الأدب (3679)

[59]  رواه أحمد (4/133) وأبو دارود في الفرائض (2900) وابن ماجه في الديات (2634)

[60] ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (3/67)

[61]  ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (8/156) بنحوه

[62] رواه أحمد (3/326) ومسلم في الهبات (1624)

[63] رواه أبو داود في البيوع والإجازات (3545)

[64] رواه أبو الشيخ في الثواب عن علي، كما في كنز العمال (45417)

[65] رواه الطبراني في الأوسط، كما في كنز العمال (45419)

[66] رواه أحمد (2/215)

[67] روى هذه القصة البخاري في التفسير (4787) والترمذي في التفسير (3212) والبيهقي في دلائل النبوة (3/466) وانظر أزواج النبي الصالحين ص: 183

[68] رواه أحمد (2/193) وأبو داود في الزكاة (1692) والنسائي في عشرة النساء (295)

[69] رواه أحمد (4/102) ومسلم في الإيمان (55) وأبو داود في الأدب (4944) والنسائي (7/ 156)

[70] هذا البيت أضافه المؤلف للقصيدة، وهو ليس منها.

[71] ((أثيرة)) يؤثرها على غيرها.

[72] رواه البخاري في الزكاة (1435) ومسلم في الفتن (144) (26) (ص: 2218)

[73] رواه أبو داود في الأدب (5121)

[74] رواه ابن جرير عن ابن عمر، كما في كنز العمال (15106)

[75] رواه أحمد (1/432) والبخاري في الجنائز (2197) ومسلم في الإيمان (103)

[76] رواه أحمد (2/359) ومسلم في الطهارة (233) والترمذي في الصلاة (214)

[77] رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الأخوان رقم (24)

[78] رواه ابن حيان في روضة العقلاء كما في كنز العمال (24824)

[79] رواه أحمد (2/303و 334) وأبو داود في الأدب (4838) والترمذي في الزهد (2378) والحاكم (4/171) وذكره السلمي في آداب الصحبة ص: 59 تحقيق يوسف بديوي.

[80] رواه احمد (2/295 )ومسلم في البر والصلة (2638) وأبو داود في الأدب (4834)

[81] أي غير قريب.

[82]  ((يقلي المقل)): يكره الفقر.

[83]  ((عليك من)): الزم الذي.

[84]  ((كفاء)): مثيل.

[85]  ((الخلق)): البالي.

[86]  رواه أحمد (3/38) وأبو داود في الأدب (4832) والترمذي في الزهد (2395)

[87]  رواه أحمد (2/439) والبخاري في الأذان (660) ومسلم في الزكاة (1031) (91) والنسائي (8/ 222- 223)

[88]  ((الخافقان)): الشرق والغرب.

[89]  ((شابه)): خالطه.

[90]  ((ننجيهم)): تناجي القوم: تسارُّوا. والنجوى: إسرار الحديث.

[91]  ((النصب)): التعب والإعياء.

[92]  ((مزالحه)): المزلاج: المغلاق، إلا أنه يفتح باليد، والمغلاق لا يفتح إلا بالمفتاح.

[93]  ((قضموا)): قضم الشيء، كسره بأطراف أسنانه.

[94]  ((القطا)): جمع القطاة، وهو نوع من اليمام يؤثر الحياة في الصحراء، ويطير جماعات، ويقطع مسافات شاسعة.

[95]  ((سربوا)): سرب: خرج، وسرب في الأرض: ذهب على وجهه فيها.

[96]  ((جلداً)): جلد: صبره على المكروه.

[97]  ((يجب)): وجب القلب، اضطرب ورجف.

[98] ((الغيث)): المطر الخاص بالخير، الكثير المنافع.

[99]  ((الخور)): الضعف.
   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

والثمن الجنة لعبد الملك القاسم

سلسلة أين نحن من هؤلاء ؟  كتاب والثمن الجنة لعبد الملك القاسم  بسم الله الرحمن الرحيم  المقدمة  الحمد لله الذي وعد من أطاعه جنات عدن تجري ...